الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
تعلیق قانونی
على قرار مجلس النواب العراقی رقم 24لسنة 2020-(*)-
legal comment On the decision of the Iraqi Oversight Council No. 24 of 2020
سحر محمد نجیب کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Sahar Muhammad Naguib College of Law/ University of Mosul Correspondence: Sahar Muhammad Naguib E-mail: [email protected] |
(*) مقال مراجعة الموضوع.
Doi: 10.33899/arlj.2022.175381
© Authors, 2022, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
تعلیق قانونی
على قرار مجلس النواب العراقی رقم 24لسنة 2020
لقد وجدنا ان واجبنا الاخلاقی والاکادیمی یفرض او یحتم علینا توعیة وتثقیف شعبنا حول المفاهیم القانونیة الثابتة، لیس فی بلدنا وانما فی کل الدول فی عالمنا الیوم.
علیه، سوف نقوم بتوضیح نظرتنا القانونیة حول هذا القرار من خلال النقاط الاتیة:-
اولا / رقم القرار النیابی ومضمونه
"قرر مجلس النواب بجلسته الخامسة المنعقدة بتاریخ 10/ حزیران من الفصل التشریعی الثانی، السنة التشریعیة الثانیة، الدورة الانتخابیة الرابعة واستنادا الى المادة 28/ اولا والمادة 61/ اولا من الدستور ما یلی:
1- رفض ای استقطاع من رواتب الموظفین والمتقاعدین والمنح المالیة المعطاة قانونا بشکل مباشر او غیر مباشر وکل الشرائح، ورفض ای ضرائب جدیدة غیر منصوص علیها قانونا تفرض قانونا على تلک الرواتب والمنح .
2- لا یشمل هذا القرار الرئاسات الثلاث والسیدات والسادة النواب والوزراء ومن هم بدرجتهم والدرجات الخاصة".
ثانیا/ القیمة القانونیة لقرار مجلس النواب ذی الرقم 24 لسنة 2020
لما کان مجلس النواب وفقا لنصوص دستور 2005 النافذ یعتبر السلطة المختصة بتشریع القوانین والرقابة على السلطة التنفیذیة ویمثل الشعب امام الحکومة .
فان السؤال الذی یطرح نفسه هو، ما قیمة اعلان مجلس النواب لقراره المرقم 24 لسنة 2020 والموضح مضمونه اًعلاه.
طبعا لیس لقرار مجلس النواب برفض قرار مجلس الوزراء المتضمن فرض الضریبة على رواتب الموظفین والمتقاعدین، قیمة موازیة للعمل التشریعی؛ لکونه غیر مستوفٍ للشرعیة الشکلیة لسنّ القانون (ای المعیار الشکلی للقانون), بل یکون له قیمة سیاسیة, حاله حال بقیة القرارات النیابیة التی اصدرها مجلس النواب، مثل قرارات إعلان المناطق المنکوبة فی الموصل وتلعفر وغیرها من القرارات النیابیة.
تبدو الاجابة عن هذا السؤال أمراً صعبا بالنظر لعدم وجود مفهوم محدد لمدلول القانون الذی یتولى مجلس النواب سنّه, فلا توجد مشکلة اذا کان المشرع الدستوری قد حدد موضوعات القانون البرلمانی، کما فعل دستور الجمهوریة الفرنسیة الخامسة لسنة 1958 فی المادة(34), لکن المشکلة ان المشرع العراقی لم یرسم مفهوماً محدداً, مما یثیر ذلک مدى اعتبار قرار مجلس النواب المرقم 24 لسنة 2020 قراراً تشریعاً ملزماً.
على ایة حال لابد من الاشارة الى تناول فقه القانون الدستوری معیارین لتحدید العمل التشریعی هما:
اولاً: المعیار (المادی): وبمقتضاه یتم النظر فی تحدید العمل التشریعی إلى موضوع القانون، فإذا جاء العمل ضمن موضوعات معینة یعدها الدستور داخلة ضمن مفهوم القانون، عُدً ذلک العمل تشریعیاً, وبخلافه یدخل ضمن العمل التنفیذی, ویترک للحکومة سلطة واسعة فی اصدار القرارات التنظیمیة فی الموضوعات الاخرى، کما هی الحال فی المادة (37) من الدستور الفرنسی لسنة 1958ومن ابرز انصار هذا المعیار الفقیه دیکی وجیر وبونار الذین ینظرون الى طبیعة العمل ذاته ومضمونه. وهو ما لم یأخذ به الدستور العراقی.
ثانیاً: المعیار العضوی (الشکلی): وبمقتضاه یکون العمل تشریعیاً مادام یتم التصویت علیه من قبل الهیئة البرلمانیة طبقاً للإجراءات المقررة فی الدستور أیاً کان موضوعه احتراماً للإرادة العامة، ومن أبرز أنصاره الفقیه ریفیرو. وهو ما یطلق علیه بـ(الشرعیة الشکلیة) وترى انه لا بد لاعتبار قاعدة ما تشریعاً یقتضی توافر عنصرین رئیسیین : اولهما صدورها من السلطة التشریعیة المختصة وثانیهما اتباعها اصولاً معینة فی تکوینها ای اتباع مراحل سن التشریع فی سن القاعدة بقصد وضعها موضع التطبیق, وبدون هذه المراحل لا یمکن ان تصبح القاعدة قانوناً. وهو المعیار المتبع فی العراق . إذ یتطلب المشرع فی دستور 2005 مرور القانون فی عدة مراحل بدءاً من الاقتراح والاقرار والمصادقة والاصدار والنشر استناداً الى المواد (60, 73/ثالثاً) من الدستور. ولا سیما ان موضوع التصدیق القانون حصراً ولیس القرارات، إذ نص الدستور على انه "یصادق ویصدر القوانین التی یسنها مجلس النواب، وتعد مصادقا علیها بعد مضی خمسة عشر یوما من تاریخ تسلمها". کما لیس من بین اختصاصات مجلس النواب فی الدستور هو اصدار قرارات لها قوة الالزام تجاه الافراد والسلطات ما لم تفرغ بشکل قانون. فی حین کانت الاحکام الانتقالیة للدستور تجعل موضوع التصدیق الذی یختص به مجلس الرئاسة القوانین والقرارات التی یصدرها مجلس النواب.
یترتب على ذلک ان قرارات مجلس النواب غیر المستوفیة للشرعیة الشکلیة لسن القانون لا تنتج اثاراً قانونیة, ای لا ینطبق علیها وصف العمل التشریعی. ولا یمکن الحدیث عن اعتباره قراراً اداریاً، بالنظر لوجود تعدٍّ جسیم على الاختصاص خلافاً للقانون, مما یمکن عده شکلاً من اشکال القرار المعدوم. إذ یرى الفقیه ریفیرو بان الاعتداء المادی ینشأ من وجود عیب جسیم فی القرار الاداری, ویمیل بارتملی ایضاً الى ان القرار المعدوم هو التصرف الذی یصدر عمن لیست له سلطة اصدار تصرفات اداریة, ای یصدر من شخص لیس له صفة اصدار القرار بالأصل.
والسؤال الذی یطرح نفسه هو: ما موقف المحکمة الاتحادیة العلیا من قرارات مجلس النواب؟ انکرت المحکمة فی قرار تفسیری لها سلطة مجلس النواب فی اصدار قرارات لها قوة القانون -بناء على طلب من الامانة العامة لمجلس الوزراء حول مدى الزامیة قرارات مجلس النواب تجاهها والخاصة بتشریع قانون الهیئة الوطنیة للمعاقین وتخصیص نسبة 5% من الوظائف لذوی الاحتیاجات الخاصة وتوفیر السکن للمعاقین وتطبیق الوثیقة الدولیة الخاصة بهم- فجاء فی القرار (...أن الاحکام الواردة فی المادة (138) من الدستور ببنودها ومنها البند (خامسا) احکام انتقالیة اقتضتها مرحلة (الدورة الاولى) لمجلس النواب وانتهت بانتهائها ولا یمکن سحبها على المراحل اللاحقة للدورة الاولى لمجلس النواب وبعدما اخذ رئیس الجمهوریة یمارس صلاحیاته المنصوص علیها فی المادة (73) من الدستور ولیس من بینها الاعتراض على القوانین والقرارات التی یشرعها مجلس النواب).
اما لو کان القانون یسمح لمجلس النواب بإصدار القرار, فانه یعتبر اداریاً على وفق تفسیر المحکمة الاتحادیة العلیا, إذ قضت برد دعوى قرار اقالة محافظ کرکوک لعدم اختصاص المحکمة فی النظر فی الطعون المقدمة ضد قرارات مجلس النواب بإقالة المحافظین, والتی لها مرجع آخر للطعن فیها. ای لکون موضوع الدعوى لا یشکل قراراً تشریعیاً, وانما هو قرار اداری.
وهکذا، إن قرار مجلس النواب المرقم 24 لسنة 2020 یمکن عده توجیهاً غیر ملزم للسلطة التنفیذیة، ای ان العمل هو عبارة عن توجیه رسائل الى السلطة التنفیذیة بضرورة الاهتمام بالموضوع، مما یقابل حق الاخیرة فی توجیه الرسائل التشریعیة الى البرلمان کما، هی الحال فی الولایات المتحدة الامریکیة, وبریطانیا. وان نشر القرار فی جریدة الوقائع العراقیة امر لا یضفی علیه الصفة الالزامیة؛ لکونها لا تتعدى وسیلة اعلامیة رسمیة, وبالتالی إنّ المشرع العراقی قد تأثر بالاتجاه الانکلوسکسونی الذی یمیل الى امکانیة اصدار قرارات غیر ملزمة من قبل البرلمان.
لذا، إنّ هذا القرار البرلمانی لا یحقق اثاراً ملزمة, ومع ذلک فان له قیمة سیاسیة بضرورة الاهتمام بمسالة عدم فرض الضریبة على رواتب الموظفین والمتقاعدین، لأنه خط احمر "قوت الشعب". ویترتب على عدم الاخذ بالقرار آثار تصل الى حد سحب الثقة من الوزارة بسبب تصرفها الذی یبنى على اساس الخطأ الجسیم. إذ من الممکن ان تثار المسؤولیة الوزاریة على أساس ذلک الخطأ على وفق قواعد النظام البرلمانی، کما هی الحال فی بریطانیا، فضلا عن امکانیة اللجوء الى المحکمة الاتحادیة العلیا للطعن بقرار مجلس الوزراء ... وهذا ما سنوضحه لاحقا.
ثالثا: الحلول والمقترحات
فی الحقیقة، توجد عدة خیارات امام مجلس النواب لمواجهة قرار مجلس الوزراء المتعلق بفرض الضریبة على رواتب المتقاعدین والموظفین ...على اعتبار ان مجلس النواب یمثل او یجسد ارادة الشعب ... لا ان یواجه هذا القرار بقرار برلمانی ینص على الرفض او عدم القبول ... بل نجد ان هذا الموقف معیب من مجلس النواب. وذلک باختصار واقتضاب الموضوع بکلمات مثل "قررنا رفض او عدم القبول" بقرار مجلس الوزراء، الذی کان له اثاره الاقتصادیة على قوت شرائح کبیرة من المجتمع وهی:-
1- یمکن لمجلس النواب ان یستخدم ادواته الرقابیة التی نص علیها الدستور العراقی لسنة 2005 وهی " السؤال، الاستجواب، التحقیق، سحب الثقة من الحکومة " انطلاقا من فکرة النظام البرلمانی التی قام علیها نظام الحکم فی العراق، ولیس اصدار قرارات او بیانات سیاسیة تعبیراً عن موقفه بوصفه سلطة تشریعیة تجاه عمل او تصرف قامت به الحکومة ... فهکذا قرارات نیابیة لا قیمة قانونیة لها فی عالم القانون .
2- یمکن لمجلس النواب ان یلجأ الى المحکمة الاتحادیة العلیا، وذلک برفع الدعوى الدستوریة والطعن بقرار مجلس الوزراء المتعلق بفرض الضریبة على رواتب المتقاعدین والموظفین. طالبین الغاءه، ویمکنه الاستناد الى الحجج الاتیة:-
1- الاخلال بمبدأ الفصل بین السلطات الذی نص علیه الدستور فی المادتین "47 ،61"
یعد هذا المبدأ من المقومات الاساسیة لدولة القانون، وفیها یتم توزیع اختصاصات السلطات الثلاث التشریعیة، التنفیذیة، والقضائیة بحیث تکون کل سلطة مختصة باختصاصات محددة على سبیل الحصر. وبالتالی لا یجوز ان تتجاوز الحدود المرسومة لها وتدخل فی اختصاص سلطة اخرى، لأنه سوف تقف تواجهها وتمنعها عن ذلک . علیه یعد قرار مجلس الوزراء عملا تشریعا یدخل ضمن اختصاص مجلس النواب على وفق لنص المادة 28/ اولا من دستور 2005 التی تنص على ان "لا تفرض الضرائب والرسوم ولا تعدل، ولا تجبى ولا یعفى منها الا بقانون". فتشریع القانون یقع ضمن الاختصاص الرئیسی لأی برلمان فی ایة دولة .
لا بد من الاشارة الى اتجاه قضاء المحکمة الاتحادیة العلیا فی العراق الى انکار سلطة مجلس النواب فی اصدار قرارات لها قوة القانون, ویأتی ذلک انسجاماً مع مبدأ الفصل بین السلطات الذی بموجبه یختص مجلس النواب بتشریع القوانین والرقابة على السلطة التنفیذیة استناداً الى المادتین (47, 61) من دستور العراق لسنة 2005.
2- خرق مبدأ المشروعیة
یقتضی هذا المبدأ خضوع الجمیع حکاما ومحکومین لحکم القاعدة القانونیة، فلو رجعنا الى قانون ضریبة الدخل المرقم 113 لسنة 1983المعدل، نجد ان المادة " 7 فقرة 6" من الفصل الرابع الخاص بالإعفاءات تنص على اعفاء مدخولات المتقاعدین من ضریبة الدخل التی تشمل الرواتب التقاعدیة والمکافأة التقاعدیة ومکافأة نهایة الخدمة ورواتب الاجازات الاعتیادیة .
یلحظ أنه لا یوجد فیه نص صریح یسمح للحکومة بفرض الضریبة على رواتب المتقاعدین.
علیه یعد، هذا القرار الصادر من جانب احدى سلطات الدولة وهنا مجلس الوزراء – انتهاکا لمبدأ المشروعیة. وبالتالی لا یجوز للسلطات الاخرى "السلطة التشریعیة، والسلطة التنفیذیة" مجاراة مجلس الوزراء فی عمله المخالف للقانون والدستور معا.
3- الاخلال بمبدأ التدرج القانونی
ان قرار مجلس الوزراء انتهک مبدأ تدرج القوانین، حیث تترتب القواعد القانونیة من الاعلى الى الادنى وفقا لقوتها والجهة المنوط بها أصدراها مع ضرورة الالتزام عند التطبیق. وهذا الترتیب یشمل الهرم الدستور ثم القانون واخیرا القرارات التنظیمیة والفردیة. وهنا یکون قرار مجلس الوزراء هذا قد اخل بمبدأ سمو الدستور وتدرج القوانین.
4- عدم احترام حقوق الانسان
ان قرار مجلس الوزراء یعد خرقا فاضحا لحقوق وحریات المواطنین، لأنه لم یمنح الشعب ولا ممثلیه دورا فی المشارکة فی اتخاذ القرارات التی تهمه وتؤثر فیه، من خلال اصداره قرارات غیر مسؤولة وغیر مدروسة وتضر بمصلحة المواطنین ومستوى معیشة الملایین منهم "الموظفین والمتقاعدین" والاستهانة بها وبالدستور، وبالقوانین والتشریعات الضریبة الضامنة لها وبطریقة غیر دیمقراطیة. وعدم احترام فکرة الحقوق المکتسبة، لأن قرار مجلس الوزراء یمس حقوق ومراکز قانونیة استقرت واکتملت وثبتت فی ظل اوضاع قانونیة سابقة سلیمة وصحیحة.
The Author declare That there is no conflict of interest