الملخص
بغیة تحقیق السیادة الشعبیة من خلال التمثیل النیابی بواسطة ممثلین یختارهم الشعب وفق رغباته وکی لا یضیع صوت الناخب ورغبته التی وضعها فی مرشح کونه مستقلاً أو ینتمی الى حزب معین بسبب تغیر الانتماء الحزبی للنائب بعد انتخابه ، ومن اجل منع حالات الرشوة والفساد التی تقوم بها الاحزاب لإقناع اعضاء البرلمان لتبدیل انتمائهم الحزبی والذی بدوره یؤثر على التوازن فی التمثیل الناتج عن اصوات الناخبین، کون الغالب ان الناخبین یقترعون لصالح المرشحین بحسب انتماءاتهم الحزبیة اکثر من الاقتراع على اساس الصفات الشخصیة والفردیة للمرشح لابد من مساءلة النائب عن تبدیل انتمائه الحزبی بعد انتخابه. ولمعالجة هذه المسألة قسمنا البحث الى ثلاث مباحث تناول الاول التعریف بالمسؤولیة، بینما خص المبحث الثانی إجراءات المسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان وحدد المبحث الثالث جزاء المسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
الجديد في البحث
ان الناخبین یقترعون لصالح المرشحین بحسب انتماءاتهم الحزبیة اکثر من الاقتراع على اساس الصفات الشخصیة والفردیة للمرشح
ولذلک حاول البحث معالجة هذه الحیثیة
أصل المقالة
مسؤولیة عضو البرلمان عن تبدیل انتمائه الحزبی-(*)-
Member of Parliament's Responsibility for Changing Partisan Affiliation
إکرام فالح أحمد کلیة العلوم السیاسیة/ جامعة الموصل Ikram Faleh Ahmed College of Political Science/ University of mosul Correspondence: Ikram Faleh Ahmed E-mail: [email protected] |
(*) أستلم البحث فی 22/2/2021 *** قبل للنشر فی 9/5/2021.
(*) received on 22/2/2021 *** accepted for publishing on 9/5/2021.
Doi: 10.33899/alaw.2021.129457.1132
© Authors, 2022, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
بغیة تحقیق السیادة الشعبیة من خلال التمثیل النیابی بواسطة ممثلین یختارهم الشعب وفق رغباته وکی لا یضیع صوت الناخب ورغبته التی وضعها فی مرشح کونه مستقلاً أو ینتمی الى حزب معین بسبب تغیر الانتماء الحزبی للنائب بعد انتخابه ، ومن اجل منع حالات الرشوة والفساد التی تقوم بها الاحزاب لإقناع اعضاء البرلمان لتبدیل انتمائهم الحزبی والذی بدوره یؤثر على التوازن فی التمثیل الناتج عن اصوات الناخبین، کون الغالب ان الناخبین یقترعون لصالح المرشحین بحسب انتماءاتهم الحزبیة اکثر من الاقتراع على اساس الصفات الشخصیة والفردیة للمرشح لابد من مساءلة النائب عن تبدیل انتمائه الحزبی بعد انتخابه. ولمعالجة هذه المسألة قسمنا البحث الى ثلاث مباحث تناول الاول التعریف بالمسؤولیة، بینما خص المبحث الثانی إجراءات المسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان وحدد المبحث الثالث جزاء المسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان.
الکلمات المفتاحیة: عضو البرلمان، المسؤولیة الحزبیة، إجراءات المسؤولیة الحزبیة.
Abstract
This paper argues that a member of parliament should held accountable for voluntarily changing political party affiliation as described on the ballot paper when he was elected. Changing political affiliation literary means that voters’ decision as expressed at a democratic election is overturned, the issue that could have direct impact on democratic governance. Hence the contemprary political systems have changed, and voters are no longer vote for candidates personally, but indeed they vote for parties. In addition, party jumping could have significant consequences and could change the political dynamics of the parliament the issue that was not possible before the defection. The paper is divided into three sections. While the first discusses the basis of the responsibility, the second devoted to look at the Actions trigger this responsibility and the entity investigating the relevant representative in this case. The third section examines the measures can be taken in such cases and the extent to which a member of parliament can be disqualified under the Iraqi law comparing to the Egyptian law.
Keywords: Member of Parliament, Partisan Responsibility, Procedures of Partisan Responsibility.
المقدمـة
لما کان الحصول على مقعد برلمانی یتم عبر انتخابات شعبیة سریة تمثل رغبة الناخبین فی اختیار من یمثلهم، ولما کان ترشح البعض یکون عن طریق أحزاب تساعدهم فی الوصول إلى الحکم، لذا فان انتخاب النائب کان على أساس انتمائه لحزب معین أو کونه مستقلاً وعلیه فإن تغیر انتمائه لحزب معین او کونه مستقلاً بعد فوزه بالانتخابات سیؤثر على رغبة الناخبین کما تضیع مع هذا الأمر الجهود التی بذلها الحزب من اجل وصوله إلى المقعد البرلمانی، وهنا تظهر أهمیة المسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان عن تغیر انتمائه الحزبی للحفاظ على رغبات الناخبین وحمایة حقوق الأحزاب وتحقیق الاستقرار السیاسی داخل الحکومة والبرلمان.
إشکالیة البحث: تدور إشکالیة البحث حول سؤال مفاده هل من الممکن تحقق المسؤولیة الحزبیة للنائب عن تبدیل انتمائه الحزبی؟.
فرضیة البحث: إن إرادة الناخبین فی اختیار مرشحهم تنتهک إذا تعسف النائب فی تبدیل انتمائه الحزبی الذی ترشح على أساسه.
هدف البحث: بیان أساس المسؤولیة الحزبیة للنائب عن تبدیل انتمائه الحزبی وعناصر هذه المسؤولیة وإجراءاتها والجزاء المترتب علیها.
منهج البحث: اعتمد الباحث المنهج المقارن، لأهمیته للنظر فی التنظیم الدستوری والقانونی بغیة تقویمه والاستفادة من تجارب وخبرات الآخرین، وکانت المقارنة بین المشرع الأردنی والمصری والمغربی والعراقی، کما حاولنا اللجوء إلى المنهج التحلیلی فی کثیر من ثنایا البحث.
هیکلیة البحث: لغرض الإحاطة بموضوع البحث فقد ارتأینا تقسیم الموضوع إلى ثلاث مباحث وکما یأتی:
المبحث الأول: التعریف بالمسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان عن تبدیل انتمائه الحزبی.
المبحث الثانی: إجراءات المسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان عن تبدیل انتمائه الحزبی.
المبحث الثالث: جزاء المسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان عن تبدیل انتمائه الحزبی.
المبحث الأول
التعریف بالمسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان عن تبدیل انتمائه الحزبی
سنقوم بتقسیم هذا المبحث الى ثلاثة مطالب، نبین فی المطلب الأول التعریف بالمسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان ونحدد فی المطلب الثانی طرق تحدید مصیر المقعد البرلمانی فی حالة تبدیل انتمائه الحزبی، ونشیر فی المطلب الثالث الى أسباب تغییر عضو البرلمان لانتمائه الحزبی.
المطلب الأول
التعریف بالمسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان
من الصعب الحدیث عن المسؤولیة الحزبیة، دون إعطاء مدخل یبین ما هو الحزب وما هی أیدیولوجیته التی ستؤثر فی إرادة عضو السلطة التشریعیة الذی یمثل الحزب داخل قبة البرلمان، لذلک لابد من إعطاء تعریف للحزب، فقد عرفت الأحزاب بالقول: "إنها التعبیر السیاسی لمختلف الطبقات الاجتماعیة". وعرّف آخرون الحزب بأنه: "تجمع منتظم هدفه المشارکة فی الحیاة السیاسیة بقصد الاستیلاء کلیاً أو جزئیاً على السلطة حتى یتمکن من تحقیق أفکار ومصالح أعضائه".
وقد ورد تعریف الحزب فی قوانین الأحزاب السیاسیة لمختلف الدول نذکر منها العراق، فقد عرف الحزب أو التنظیم السیاسی بانه: (مجموعة من المواطنین منضمة تحت أی مسمى على أساس مبادئ وأهداف ورؤى مشترکة تسعى للوصول إلى السلطة لتحقیق أهدافها بطرق دیمقراطیة بما لا یتعارض مع أحکام الدستور والقوانین النافذة).
کما عرف فی قانون الأحزاب السیاسیة المغربی رقم (11، 29) لسنة 2011 وکذلک الحال فی قانون الأحزاب السیاسیة الأردنی والمصری وغیرها من الدول وهی تعاریف لا تختلف فی مضمونها عن تعریف المشرع العراقی وإن اختلفت فی الصیاغة .
من خلال هذه التعاریف نجد أن الأحزاب تسعى إلى هدف أساسی وهو المشارکة فی الحیاة السیاسیة من اجل الوصول إلى السلطة وتحقیق أفکارها السیاسیة وأهدافها ومصالح أعضائها، ولما کان هذا هدف أغلبیة الأحزاب السیاسیة فقد تولدت فکرة الانضباط والالتزام الحزبی، فالعضو حتى یکون مرشحاً لعضویة البرلمان لابد من تدخل الحزب السیاسی خاصة فی ظل الانتخابات بالقائمة إذ یعمل الحزب على تقدیم مرشحین عنه للتنافس فی الانتخابات، علماً أن منهج الأحزاب فی اختیار مرشحیها لا یخرج عن منهجین :
أ- منهج الانتخاب: سواء کان انتخاب المرشحین بشکل مباشر من قبل أعضاء الحزب أو بشکل غیر مباشر من قبل مندوبین من أعضاء الحزب یعهد الیهم بمهمة اختیار المرشح.
ب- منهج التعیین: وفقاً للنظام الداخلی للحزب یقوم زعیم الحزب بتعیین أسماء المرشحین الذین سیقدمهم الحزب للانتخاب.
هذا وبالاطلاع على قوانین الأحزاب السیاسیة نجد أنها قد حددت شروطاً ینبغی توافرها فی العضو الذی یرغب بالانتماء للحزب من أهمها :
المطلب الثانی
آلیة تحدید مصیر المقعد البرلمانی فی حالة تبدیل الانتماء الحزبی
إن فقد العضو للشروط المذکورة آنفا یجعله واقعاً تحت طائلة المساءلة الحزبیة، التی قد یکون أحد آثارها فصل العضو، ولکن السؤال الذی یثور هل أن الالتزام أو الانضباط الحزبی للعضو الناتج من انتمائه للحزب یکون له تأثیر على مقعد العضو داخل السلطة التشریعیة فی حالة تبدیل العضو لانتمائه الحزبی؟
فی الواقع قد یتخلى عضو السلطة التشریعیة عن عضویته فی حزبه السیاسی من اجل الالتحاق بحزب آخر أو لیصبح ممثلاً مستقلاً وهذا ما یطلق علیه (تبدیل الانتماء الحزبی)، إذ استخدم هذا المفهوم للمرة الأولى للتعبیر عن انتقال أعضاء مجلس العموم البریطانی من أحد جانبی المجلس إلى الجانب الآخر للانضمام إلى المجموعة المقابلة أی إلى أعضاء المجموعة الأخرى الجالسین فی الجهة المقابلة لهم، وأحیاناً یستخدم هذا المفهوم للتعبیر عن حالة محددة، ولمدة واحدة دون أن یعنی ذلک تخلیه عن عضویة حزبه والانضمام للحزب الآخر وهذا ما أخذت به بعض الدول، حیث یصوت الأعضاء من خلال موقع جلوسهم فی قاعة المجلس، ویسمح لهم بتغییر مکان مقعدهم فی کل عملیة تصویت، خاصة بالنسبة للقرارات التی لا تخضع للانضباط الحزبی، فعندما یترک أعضاء البرلمان حزبهم السیاسی تثار مسألة مصیر المقعد البرلمانی الذی یشغلونه وهناک ثلاثة طرق یمکن من الناحیة القانونیة اعتمادها للتعامل مع هذه الحالات وهی:
أ- المقعد هو ملک الحزب السیاسی: فی هذه الحالة رغبة من الحزب فی تقویة التماسک والانضباط الحزبی والحفاظ على التوازن السیاسی، الذی أراده الناخبون من خلال الانتخابات فان العضو یفقد مقعده فی البرلمان بسبب ترکه لحزبه السیاسی أو طرده من الحزب، حیث یعود القرار الخاص بمن یملأ المقعد الشاغر للحزب السیاسی المعین، علماً أن هذا الإجراء قد یمکن الحزب إلى تطبیق مبدأ الانضباط الحزبی إلى ابعد حدوده، بحیث یبقى أعضاء البرلمان تحت سوط التهدید الدائم بطردهم من الحزب وبالتالی فقدان العضویة البرلمانیة، إذا ما امتنعوا عن التصویت أو إبداء آراء وفق ما یقره الحزب، بحیث یکون العضو غیر حر فی اتخاذ مبادرة أو تصویت وفق ما یراه هو.
ب- المقعد هو ملک للعضو بصفته الفردیة: إن هذه الطریقة تضعف قوة الالتزام الحزبی کما أنها تقوی موقع العضو الفرد ومن علاقاته مع ناخبیه، فهی تمکن العضو من الاحتفاظ بمقعده بغض النظر من تغییر انتمائه الحزبی، ومن مساوئ هذه الطریقة، إنها ساعدت على ارتفاع ممارسات الرشوة والفساد التی تقوم بها الأحزاب لا قناع أعضاء البرلمان لتبدیل انتمائهم الحزبی، فعندما یقوم عضو البرلمان یتغیر انتمائه الحزبی فان ذلک یؤثر على التوازن فی التمثیل الناتج عن أصوات الناخبین، مما یؤدی إلى مخالفته لرغبة الناخبین وحقهم الانتخابی، إذ أن الناخبین غالباً یقترعون لصالح المرشحین بحسب انتماءاتهم الحزبیة أکثر من الاقتراع استناداً إلى المعطیات الفردیة والشخصیة للمرشح.
ج- المقعد البرلمانی لا یتبع لا للحزب ولا للعضو بصفته الفردیة: فی هذه الحالة یتم اللجوء إلى انتخابات تکمیلیة لملیء المقعد الشاغر، ویوفر ذلک فرصة لملیء المقعد الشاغر بواسطة مرشح جدید ویسمح للناخبین التعبیر عن اختیارهم من جدید، علماً أن هذه الطریقة قد تحمل فی طیاتها إعادة تقییم مرحلی لأداء الحکومة فضلاً عن أن ارتفاع عدد المقاعد الشاغرة قد یؤدی إلى تغییرات فی ترکیبة البرلمان وبالتالی قد یؤثر على تشکیلة الحکومة نفسها.
نخلص من ذلک أن الدول قد تتبنى احدى هذه الطرق من اجل تحدید مصیر المقعد الذی یشغله العضو الحزبی، والطریقة الأولى (المقعد ملک الحزب السیاسی)، قد اثبت الواقع الدستوری والسیاسی تبنی بعض الدول لها مثل المغرب ومصر، إذ یکون مقعد عضو البرلمان شاغراً إذا لم یعد عضواً فی الحزب السیاسی الذی رشحه للانتخابات، عن طریق تبدیل انتمائه الحزبی، وهذا ما نص علیه قانون الأحزاب السیاسیة المغربی رقم (11، 29) لسنة 2011 على أنه: (لا یمکن لعضو فی أحد مجلس البرلمان أو فی مجالس الجماعات الترابیة أو فی الغرف المهنیة التخلی عن الانتماء للحزب السیاسی الذی ترشح باسمه للانتخابات تحت طائلة تجریده من عضویته فی المجالس أو الغرف المذکورة)، علماً أن المادة م (22) من القانون أعلاه قد أعطت للعضو حق الانسحاب من الحزب ولکن مع مراعاة أحکام المادة م (20).
وهذا یعنی أن المشرع المغربی اخذ بنظام (الترحال السیاسی) أو (الانتقال السیاسی) والذی یؤدی إلى تجرید العضو من مقعده النیابی عند تبدیل انتمائه السیاسی إما بالالتحاق بحزب آخر أو لیصبح ممثلاً مستقلاً، ومن الدول التی أخذت بالترحال السیاسی سنغافورة، سیرالیون، کما اعتمدت نفس الطریقة فی کل من کندا ببرلمانیها الوطنی والإقلیمی اللوکسمبرغ، الیونان، بلجیکا، بلغاریا، نامیبیا، نیجیریا، تشیلی، زیمبابوی.
أما المشرع العراقی والأردنی وإن اخذا بالمسؤولیة الحزبیة بمفهومها السیاسی الذی یتعلق بمخالفة العضو للشروط العامة والخاصة للعضویة بموجب قانون الأحزاب، إلا أنهما لم یأخذا بالمسؤولیة الحزبیة التی تؤدی إلى (الترحال السیاسی) المکرسة بموجب دساتیر وتشریعات الدول التی أخذت بها، والتی تؤدی إلى فقدان العضویة فی المجالس النیابیة، حیث نص قانون الأحزاب السیاسیة العراقی على أنه: (لا یجوز تمییز مواطن أو التعرض له أو مساءلته أو المساس بحقوقه الدستوریة بسبب انتمائه لحزب أو تنظیم سیاسی مؤسس وفق القانون)، وهذا ما سلکة المشرع الأردنی کذلک، إلا أن المشرع المصری أشار إلى نفس مضمون المادة أعلاه إلا أنه قیدها بالمسؤولیة الحزبیة عند تبدیل الانتماء الحزبی وکذلک فعل المشرع المغربی، ونحن نؤید ما ذهب إلیه المشرع المصری والمغربی، فهو أعطى حریة تبدیل الانتماء الحزبی لکنه نظمها عن طریق تقییدها والتقیید هنا لیس بدافع الانتقاص من هذه الحریة وإنما بقصد التنظیم وحمایة أصوات الناخبین.
المطلب الثالث
أسباب تغییر عضو البرلمان لانتمائه الحزبی
قد یطرح السؤال ما هی الأسباب التی تدفع العضو الحزبی لتغییر انتمائه الحزبی؟
یذهب البعض إلى أن ذلک یعود إلى غیاب الدیمقراطیة الداخلیة فی الأحزاب، وتسلط وانحراف قیادات الأحزاب، وتصبح عاجزة عن إدارة المنازعات داخل صفوف أعضائها، أو تؤید هذه الفئة دون أخرى، وبالتالی یؤدی الأمر إلى تهمیش بعض البرلمانیین وخاصة إذا کانوا من ذوی الخبرات والکفاءات بحیث تکون الأحزاب المقابلة فی حاجة لانتمائهم إلیها. ویذهب البعض الآخر إلى أن أسباب قیام هذه المسؤولیة هی طبیعة الشخص نفسه (النائب صاحب الشأن)، حیث قد یقع تحت تأثیر الوعود المستقبلیة بالمناصب، وهذا ما یحدث فی الدول الأفریقیة وحتى فی الدول المتقدمة مثل کندا، حیث أن أحد النواب انتقل إلى حزب الأغلبیة فعین مباشرة وزیراً فی الحکومة، بینما یرجعها البعض الآخر إلى الخوف من ضعف أداء الحکومة الذی یدفع بعض النواب إلى الانتقال إلى صفوف المعارضة من اجل ضمان التصویت لصالحهم فی الانتخابات المقبلة، أو لمجرد التنصل من المسؤولیة فی دعم الحکومة خلال الفترة المتبقیة.
نخلص من ذلک کله أن المسؤولیة الحزبیة للعضو الحزبی فی المجالس النیابیة حتى تتحقق ینبغی توافر العناصر الآتیة:
أولاً: عنصر الإرادة: فالنائب بإرادته الحرة المباشرة یغیر انتماءه الحزبی، مما یعنی أن إرادة الحزب لا تتدخل فی تحقیق هذه المسؤولیة، فطرد النائب من الحزب لا یؤثر على مقعده ولا یثیر مسؤولیته الحزبیة.
ثانیاً: عنصر التعبیر: النائب ینبغی أن یعلن بشکل صریح عن تغییر انتمائه الحزبی إما بشکل صریح عن طریق استقالته من الحزب الذی کان ینتمی إلیه (لیصبح ممثلاً مستقلاً أو لینتمی إلى حزب آخر)، وهذه الاستقالة هی تعبیر صریح عن واقعة التخلی عن الحزب أو عن طریق الانتماء إلى حزب سیاسی آخر مما یفقده عضویته فی الحزب الذی ترشح باسمه فی الانتخابات وفاز علی أساس ذلک بالمقعد النیابی، وهذا یعنی أن التعبیر یجب أن یکون واضحاً بعیداً عن التأویلات والاستنتاجات، مما یعنی أن التعبیر یکون فی أحد حالتین إما (التصریح الواضح بتبدیل الانتماء) أو (بالممارسة من خلال الانتماء إلى حزب آخر).
بعد أن بینا المسؤولیة الحزبیة والتی تجد تطبیقها الواضح بنظام (الترحال السیاسی) فی المغرب، نجد أن مناط هذه المسؤولیة هو عدم إضاعة أصوات الناخبین حیث أن الناخب عادة یصوت للحزب الذی ینتمی إلیه النائب، کما تهدف هذه المسؤولیة إلى عدم إضاعة حق الحزب الذی ترشح باسمه النائب.
لکن السؤال الذی یطرح ماذا لو أن الحزب الذی ینتمی إلیه النائب فی البرلمان تعرض للحل من قبل الحکومة وأسباب ذلک کثیرة منها تغییره لمنهاجه بحیث یصبح حزباً تکفیریاً أو طائفیاً الخ... هل أن العضو الحزبی المنتمی لهذا الحزب المنحل ستتأثر عضویته فی البرلمان وبالتالی یصبح مقعده شاغراً؟
بالواقع لم تعالج دساتیر الدول التی أخذت بالمسؤولیة الحزبیة على أساس تبدیل الانتماء السیاسی هذا الأمر، وکان الأحرى بالمشرع المغربی والمصری معالجة هذه الحالة لأنها تعود لنفس الغایة التی أدت إلى قیام هذه المسؤولیة، وهی عدم ضیاع أصوات الناخبین إذ غالباً ما یصوت الناخب لصالح الحزب دون النظر إلى الکفاءة الشخصیة للمرشح.
کما أن بعض الفقهاء یذهب إلى أن حل الحزب السیاسی وفقاً لأحکام قضائیة ستؤدی إلى إسقاط العضویة لان الصفة الحزبیة تغیرت، بینما یرى آخرون أن العضویة لا تسقط فی حالة حل الحزب إلا بعد موافقة ثلثی أعضاء مجلس النواب.
ونحن لا نذهب إلى تأیید سقوط العضویة عند حل الحزب السیاسی لان هذا یقع خارج نطاق عناصر المسؤولیة الحزبیة (الإرادة، التعبیر) فالمسؤولیة الحزبیة تقوم کجزاء على النائب بسبب فعل اقدم علیه هو، فهو سبب تغیر انتمائه الحزبی فهی مسؤولیة شخصیة.
والسؤال الآخر الذی یمکن أن یطرح ماذا لو أن الحزب فصل العضو بناءً على قرار تأدیبی ما هو مصیر المقعد النیابی؟ فهل تقوم المسؤولیة الحزبیة فی هذه الحالة؟
أجاب المجلس الدستوری فی المغرب على ذلک، حیث قضى بعدم دستوریة الفقرة المضافة إلى م(20) من قانون (15، 33) المعدل لقانون الأحزاب السیاسیة رقم (11، 29) فی المغرب، والتی أشارت إلى انه یعتبر فی حکم التخلی عن الانتماء السیاسی الذی ترشح باسمه للانتخابات إذا قرر الحزب وضع حد لانتمائه إلیه، أی بناءً على قرار تأدیبی من الحزب الذی ینتمی إلیه العضو، وأرجعت السبب فی عدم دستوریة هذه المادة هو أن القرار التأدیبی قد تحکمه اعتبارات حزبیة نتیجة الاختلاف فی الموقف أو لأسباب تقدرها الأحزاب نفسها.
ینبغی الإشارة کذلک إلى المشرع المغربی وإن حاول وضع حد لظاهرة الترحال السیاسی عن طریق المسؤولیة الحزبیة عمن یغیر انتماءه الحزبی خلال الولایة التشریعیة فانه بالمقابل لم یتطرق إلى ظاهرة التنقل بین الأحزاب السیاسیة من انتخابات إلى أخرى، أو من ولایة تشریعیة إلى أخرى، رغم أنها ظاهرة متفشیة، وبالتالی فقد تسببت ظاهرة ترحال النواب فی فقدان الثقة لیس فقط بالمؤسسة الحزبیة، وإنما بالعملیة الانتخابیة، والمؤسسة التشریعیة کذلک.
بعد کل ذلک یمکن أن نصل إلى إمکانیة وضع تعریف للمسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان فهی: (الجزاء الذی یتحمله عضو السلطة البرلمان الحزبی، کأثر لتبدیل انتمائه الحزبی للالتحاق بحزب سیاسی آخر أو لیصبح ممثلاً مستقلاً).
مما یعنی أن حالات هذه المسؤولیة تکمن فی صورتین:
أ- تبدیل الانتماء الحزبی من اجل الالتحاق بحزب آخر.
ب- تبدیل الانتماء الحزبی من اجل أن یصبح النائب ممثلاً مستقلاً.
بعد ذلک، باعتبار أن المشرع العراقی لم یأخذ بالمسؤولیة الحزبیة بمعناها أعلاه، وربما الذی دفعه الى ذلک هو کون النائب یتمتع باستقلال عن الحزب الذی رشحه فهو یمثل ناخبیه ولیس الحزب الذی ینتمی إلیه، کما أن هذه المسؤولیة تتناقض مع نص دستوری هام اکد على الحریات السیاسیة الذی نص على: (لا یجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أی حزب أو جمعیة أو جهة سیاسیة، أو إجباره على الاستمرار فی العضویة فیها).
المبحث الثانی
إجراءات المسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان
لما کان الانتماء إلى أی حزب سیاسی یعد حقاً مکفولاً بموجب الدساتیر والقوانین لکافة المواطنین، ولما کان الانسحاب من الأحزاب السیاسیة یبقى هو الآخر حق، إلا أن استعمال الحق وفق القواعد العامة یجب أن لا یصل إلى مستوى الانحراف فی استعماله، ولهذا عمدت بعض الدول من خلال تشریعاتها الدستوریة والقانونیة إلى تحقیق غایة مهمة وهی عدم إضاعة أصوات الناخبین ومن اجل تحقیق السیر العادی للمؤسستین الدستوریتین الحکومة والبرلمان، حیث یکون عدد أعضاء کل من الأغلبیة والمعارضة غیر مستقر وغیر ثابت، مما یفتح المجال أمام کل الاحتمالات، ومن اجل حمایة حقوق الأحزاب التی قامت بترشیح أعضائها والذی ترتب على هذا الترشیح اکتسابه العضویة فی مجلس النواب، هذا کله دفع هذه الدول إلى الوقوف بوجه النائب الحزبی عند تغییر انتمائه الحزبی، الذی اکتسب العضویة بالبرلمان بناءً علیه، بتحقیق مسؤولیته الحزبیة بموجب الدستور والقانون وکل آثارها المترتبة علیها المتمثلة بالجزاء الذی یقع علیه عند تحقق عناصر هذه المسؤولیة وما یتبعه من آثار أخرى.
ولکن السؤال ما هی إجراءات تحریک هذه المسؤولیة؟ ومن هی الجهة التی تحرک هذه المسؤولیة؟ ومن یقوم بالتحقیق مع النائب صاحب الشأن فی هذه الحالة؟ ومن هی الجهة المختصة بإیقاع الجزاء؟
وعلیه سنتناول فی هذا المبحث من الدراسة بیان الجهة التی تقرر تحریک هذه المسؤولیة والتحقیق مع النائب فی مطلب أول، ونتطرق إلى الجهة المختصة بإیقاع الجزاء فی مطلب ثانی.
المطلب الأول
الجهة التی تقرر تحریک المسؤولیة الحزبیة والتحقیق فیها
یحدد الدستور والقانون عادة الجهة التی تقرر تحریک المسؤولیة الحزبیة والسائد أن رئیس مجلس النواب هو من یقوم بتحریک هذه المسؤولیة، فمتى ما رأى تحقق عناصر المسؤولیة الحزبیة یقوم بإحالتها إلى الجهة المختصة لتقریر الجزاء المناسب لها.
فی العراق، باعتبار أن المشرع العراقی لم یأخذ بالمسؤولیة الحزبیة بمعناها الدستوری لعضو مجلس النواب الحزبی، لذا فهو لم ینظم إجراءات تحریک هذه المسؤولیة وهذا ما سار علیه المشرع الأردنی.
أما فی مصر، اسند المشرع المصری هذه المهمة إلى رئیس مجلس النواب بناءً على طلب مقدم من ثلث أعضاء المجلس على الأقل، من اجل إسقاط عضویة النائب عند تحقق مسؤولیته الحزبیة، حیث یقدم هذا الطلب إلى مکتب المجلس ولم یشترط القانون شکلاً معیناً للطلب سوى أن یکون مکتوباً وموقعاً. یقوم مکتب المجلس بتدقیق الطلب من حیث توافر الشروط الشکلیة فیه (الکتابة، التوقیع).
وبعد انتهاء مکتب المجلس من التحقق من الشروط الشکلیة، یقوم رئیس مجلس النواب بالاتی:
1. تبلیغ النائب کتابة بصورة من اقتراح إسقاط العضویة عنه بسبب تبدیل انتمائه الحزبی.
2. إدراج طلب إسقاط العضویة فی جدول أعمال أول جلسة تالیة من اجل إحالته إلى لجنة الشؤون الدستوریة والتشریعیة.
فالجهة المختصة بالتحقیق مع النائب هی لجنة الشؤون الدستوریة والتشریعیة تقوم اللجنة بإخطار العضو کتابة للحضور أمامها، وإن کانت اللائحة لم تحدد وسیلة الإخطار وإنما تطلبت فقط کونها مکتوبة، وعلى ذلک یصح تبلیغه بأی وسیلة کتابیة، یمکن الرجوع إلیها لإثبات إخطار العضو کتابة.
کما یجب أن یتضمن الإخطار میعاد محدد للعضو للحضور أمام اللجنة على أن لا تقل المدة بین تاریخ الإخطار حتى المیعاد المحدد لانعقاد اللجنة عن خمسة أیام، فاذا تخلف العضو عن الحضور دون عذر مقبول أعادت اللجنة أخطاره طبقاً للقواعد السابقة، ویعتبر تخلف العضو بعد ذلک دون عذر مقبول، نزولاً عن حقه فی الدفاع عن نفسه، وتستمر اللجنة فی مباشرة إجراءاتها.
واللجنة تقوم بالاستماع لأقوال العضو وتحقق فی أوجه دفاعه، هذا ویجوز للعضو أن یطلب المساعدة من أحد أعضاء المجلس لمعاونته فی إبداء دفاعه أمام اللجنة.
وبعد استکمال التحقیق تقدم اللجنة تقریرها إلى رئیس المجلس بعد اتخاذ توصیاتها بناءً على موافقة أغلبیة ثلثی عدد أعضائها خلال سبعة أیام على الأکثر، وتکون توصیاتها إما بحفظ الموضوع أو تحقق مسؤولیته الحزبیة وتحدید جزاء إسقاط العضویة بناءً علیها.
أما فی المغرب، اسند المشرع المغربی مهمة تحریک المسؤولیة الحزبیة لعضو مجلس النواب الحزبی بسبب تبدیل انتمائه الحزبی إلى رئیس مجلس النواب بموجب الدستور والقانون.
یوکل رئیس المجلس إلى مکتب المجلس التحقق من ثبوت واقعة التخلی عن الحزب، إذ اعتبر النظام الداخلی تبدیل النائب لانتمائه السیاسی هو تصرفاً إرادیاً وشخصیاً یثبت من خلال الإفصاح عنه خطیاً أو التصریح به أو من خلال ثبوت واقعة منصوص علیها فی القوانین الجاری العمل بها، حیث أن القانون یلزم النائب قبل الترشح لحزب آخر، تقدیم الاستقالة من الحزب الأول الذی کان ینتمی إلیه، وتعد هذه الاستقالة تعبیراً صریحاً عن التخلی (تحقق المسؤولیة الحزبیة).
وبالتالی إن وضع الحزب حداً لانتماء العضو إلیه بناءً على قرار تأدیبی من الحزب للعضو لا یؤدی إلى قیام المسؤولیة الحزبیة (تجرید العضویة)، لان المسؤولیة الحزبیة تقوم بناءً على تصرف إرادی من النائب الحزبی ولیس بناءً على قرار من الحزب.
ونحن نؤید هذا الاتجاه لأنه لو ترتب على فصل العضو من الحزب بناءً على قرار تأدیبی، تجریده من العضویة، بالتالی سیصبح النائب فی مرکز قانونی قلق وتصبح عضویته مرتبطة بقرارات الحزب التی قد تحکمها الاختلافات السیاسیة فی الأفکار والآراء.
ثم بعد اتصال مکتب المجلس بالموضوع یباشر مهمة التحقیق فی واقعة التخلی عن طریق إبلاغ النائب (صاحب الشأن) بالأمر لتأکید موقفه، ویکون تبلیغ النائب بإحدى وسائل التبلیغ القانونیة من اجل الحضور لتأکید موقفه خطیاً خلال مدة أقصاها خمسة عشر یوماً من تاریخ تبلیغه رسمیاً.
وفی حالة عدم حصول المجلس على جواب من النائب (صاحب الشأن) ضمن الموعد، یعد ذلک تأکیداً على واقعة التخلی (تحقق المسؤولیة الحزبیة)، ونزولاً منه عن حقه فی إبداء دفاعه، وفی حالة حضور النائب یقوم المکتب بالاستماع إلى دفاعه عن نفسه، ثم یقرر بعد استکمال التحقیق ثبوت واقعة التخلی من عدمها من خلال تقریر (توصیة) یعده، حیث یصدر تقریر مکتب المجلس إما بحفظ الملف لعدم ثبوت المسؤولیة الحزبیة أو تقریر ثبوت المسؤولیة الحزبیة، ویصدر قرار مکتب المجلس بهذا الشأن بموافقة أغلبیة الحاضرین.
یلاحظ أن المشرع المصری لم یختلف عن المشرع المغربی فی تحدید الجهة المختصة بتحریک المسؤولیة وهی (رئیس مجلس النواب)، إلا أنه اختلف عنه فی تحدید الجهة المختصة بالتحقیق، فالمشرع المصری أناط إجراء التحقیق إلى لجنة الشؤون الدستوریة والقانونیة، بینما المشرع المغربی اسندها إلى مکتب المجلس. وباعتقادنا أن المشرع المصری قد احسن بإسناد هذه المهمة إلى لجنة الشؤون الدستوریة والتشریعیة کونها لجنة نوعیة، وهذا الأمر یتطلب تفرغاً وتحقیقاً فیه، لا یتوافر مثل هذا الوقت والخبرة لدى مکتب المجلس، بالرغم من العدد الکافی لأعضائه، لان النظام الداخلی لم یشترط فی تشکیلة(*) مکتب المجلس أن یکون أعضاؤه من ذوی الخبرة القانونیة أو على الأقل عدد منهم.
کما أن کثرة الاختصاصات(*) والمهام التی على عاتق مکتب المجلس وتشعبها تعد سبباً ثانیاً، وکان الأولى بالمجلس أن یسند الأمر إلى لجنة نوعیة تختص بأمور التحقیق فی شؤون العضویة، ویبدو أن مجلس النواب مضطر لإسناد هذه المهمة إلى مکتب المجلس والسبب هو نص القانون الذی أعطى الاختصاص بشؤون العضویة والتحقیق فیها إلى مکتب المجلس، أما السبب الثانی فخلو النظام الداخلی من وجود لجنة نوعیة تختص بالتحقیق بشؤون العضویة على غرار المشرع المصری.
المطلب الثانی
الجهة المختصة بإیقاع الجزاء
تختلف الجهة المختصة بإیقاع جزاء المسؤولیة الحزبیة من دولة إلى أخرى، فبعضها تنیطها برئیس البرلمان وبعضها تنیطها بجهات قضائیة.
فی مصر، یقوم رئیس المجلس بعد تلقیه توصیة اللجنة الدستوریة، بإدراج التوصیة فی جدول أعمال المجلس فی أول جلسة تالیة لتلقیه لها، وقد حدد النظام الداخلی المدة التی یجب على المجلس إصدار قراره فیها بجلستین على الأکثر من تاریخ عرض التقریر (التوصیة) علیه.
أما عن الشکلیة المطلوبة لإصدار القرار فقد اشترط النظام الداخلی قراءة تقریر (توصیة) اللجنة المتعلق بإسقاط العضویة بسبب تبدیل الانتماء الحزبی (تحقق المسؤولیة الحزبیة) داخل المجلس حیث لا تسری أحکام الاستعجال على إجراءات إسقاط العضویة. کما اشترط اخذ رأی النواب عن إسقاط العضویة عن طریق المناداة بالاسم، وتتطلب أن تکون الأغلبیة المطلوبة لإسقاط العضویة موافقة ثلثی عدد أعضائه.
أما فی المغرب، فان الجهة المختصة بتقریر جزاء المسؤولیة الحزبیة بسبب تبدیل الانتماء الحزبی فهی المحکمة الدستوریة، إذ نص قانون تنظیمی رقم (066.13) یتعلق بالمحکمة الدستوریة على أن: (تتألف المحکمة الدستوریة، طبقاً لأحکام الفصل (130) من الدستور، من اثنی عشر (12) عضواً، یعینون لمدة تسع (9) سنوات غیر قابلة للتجدید، من بین الشخصیات تملک تحصیلاً عالیاً فی مجال القانون، وعلى کفاءة قضائیة أو فقهیة أو إداریة، والذین مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة (15) سنة، والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة، ویتوزع هؤلاء الأعضاء کما یلی:
- ستة (6) أعضاء یعینون بظهیر من بینهم عضو یقترحه الأمین العام للمجلس العلمی الأعلى.
- ثلاثة (3) أعضاء ینتخبون من قبل مجلس النواب.
- ثلاثة (3) أعضاء ینتخبون من قبل مجلس المستشارین یعین الملک رئیس المحکمة الدستوریة بظهیر من بین الأعضاء الذین تتألف منهم).
حیث تتصل المحکمة الدستوریة بالموضوع (طلب تجرید العضویة) عن طریق رئیس مجلس النواب الذی یحیل تقریر (الوصیة) مکتب المجلس الذی ثبت توافر المسؤولیة الحزبیة (واقعة تبدیل الانتماء الحزبی) مرفقة مع طلب تجرید العضویة، خلال مدة أقصاها (15) خمسة عشر یوماً، تباشر المحکمة أعمالها، حیث تجتمع المحکمة الدستوریة بدعوة من رئیسها ولا تصدر أحکامها إلا بعد الاستماع إلى تقریر عضو من أعضائها یعینه الرئیس، بعد الاستماع إلى النائب (صاحب الشأن) بحضور محام عنه واذا استلزم الأمر الاستماع إلى شخص آخر من ذوی الخبرة، تکون مداولات المحکمة صحیحة إذا حضرها (9) تسعة من أعضائها على الأقل.
وتتخذ المحکمة الدستوریة قرارها بتجرید العضویة بأغلبیة ثلثی الأعضاء الذین تتألف منهم، أما فی حالة تعذر توفر النصاب المذکور بعد دورتین للتصویت، وبعد المداولة، تتخذ المحکمة قرارها بالأغلبیة المطلقة لأعضائها، وفی حالة تعادل الأصوات یعتبر صوت الرئیس مرجحاً.
والشکلیة المطلوبة لقرار المحکمة هو أن یکون القرار مسبباً وموقعاً من الأعضاء الحاضرین بالجلسة التی أصدرت الحکم، وتصدر قراراتها باسم الملک وطبقاً للقانون وتنشر فی الجریدة الرسمیة خلال اجل لا یزید على (30) ثلاثین یوماً من تاریخ صدورها.
ثم بعد ذلک تشعر المحکمة الدستوریة رئیس مجلس النواب بقرار تجرید النائب المعنی من عضویته والتصریح بشغور المقعد، ثم یحیط رئیس مجلس النواب المجلس علماً بفحوى قرار المحکمة الدستوریة فی أول جلسة بعد إخبار مکتب المجلس.
یلاحظ من ذلک أن المشرع المصری اسند مهمة إسقاط العضویة إلى مجلس النواب بینما المشرع المغربی أناط هذه المهمة إلى المحکمة الدستوریة.
ونحن نمیل إلى موقف المشرع المغربی کون التحقق من قیام المسؤولیة الحزبیة هی مسألة قانونیة ولیست سیاسیة ینبغی أن تناط إلى جهة قضائیة محایدة، ورداً على من یقول إن شأن العضویة هو شأن داخلی لمجلس النواب، فان المحکمة الدستوریة کما اسلفنا تتضمن فی تشکیلها (3) ثلاثة أعضاء ینتخبون من قبل مجلس النواب و (3) ثلاثة أعضاء ینتخبون من قبل مجلس المستشارین، مما یعنی أن مجلس النواب هو من ساهم فی إصدار هذا القرار ولکن عن طریق جهة قضائیة متخصصة.
کما انه من الناحیة العملیة قد لا یستطیع مجلس النواب فی مصر إسقاط أی عضویة غیرت انتمائها الحزبی، نظراً لصعوبة تحقیق تلک الأغلبیة "أغلبیة الثلثین"، خاصة إن النظام الانتخابی لن یفرز إلا أغلبیة من المستقلین داخل البرلمان أو مجموعة من الأحزاب لا تستطیع بمفردها تشکیل أی أغلبیة، لکن السؤال الذی یطرح نفسه ما هو الحل لتجاوز هذه الثغرة الدستوریة؟
ذهب البعض إلى ضرورة استکمال النقص فی م (110) من الدستور المصری بإضافة فقرة تنص على انه یلزم بإسقاط العضویة بالأغلبیة العادیة فور تغییر الصفة الدستوریة والانتماء الحزبی الذی تم انتخاب العضو علیه.
بینما ذهب رأی ثانٍ، إلى أن الحزب الذی انضم إلیه العضو سیعمل على التأثیر على الأعضاء الآخرین فی المجلس لیمنع إسقاط العضویة عن النائب (صاحب الشأن)، لذا یرى بأن العضویة ینبغی أن تسقط فوراً عن العضو الذی یغیر انتمائه الحزبی دون اشتراط اجتماع ثلثی أعضاء المجلس، احتراماً لإرادة الناخبین وإرادة الشعب الذی یعد مصدر السلطات على أساس أن النائب الذی یغیر صفته یمثل الأمة فانه بذلک خان جزءاً من هذه الأمة ولا یصلح أن یکون نائباً عنهم.
إلا أننا نذهب إلى تأیید موقف المشرع المغربی وإناطة الأمر إلى المحکمة الدستوریة لان تکییف واقعة تبدیل الانتماء الحزبی هو شأن قانونی ینبغی أن یناط إلى جهة قانونیة متخصصة ومحایدة دون تدخل من مجلس النواب کما اسلفنا آنفاً.
المبحث الثالث
جزاء المسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان
صار من المعلوم أن بعض الدول منعت عضو البرلمان من تبدیل انتمائه الحزبی الذی ترشح على أساسه لیلتحق بحزب سیاسی آخر أو لیصبح مستقلاً، ورتبت علیه قیام مسؤولیته الحزبیة.
فی الواقع تباینت الدول فی تحدید الجزاء الذی یتناسب مع هذه المسؤولیة فبعضها اکتفى بالجزاء الاستبعادی أی أخذت بأحادیة الجزاء ومنها رتبت جزاءات استبعادیة وجزاءات مالیة عند قیام المسؤولیة الحزبیة أی أخذت بثنائیة التقسیم للجزاء، وعیله سنقسم هذا المبحث الى مطلبین، نبین فی المطلب الأول جزاء المسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان فی المغرب، ونحدد فی المطلب الثانی جزاء المسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان فی مصر.
المطلب الأول
جزاء المسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان فی المغرب
اخذ المشرع المغربی بموجب الدستور وقانون الأحزاب السیاسیة بثنائیة التقسیم لجزاء المسؤولیة الحزبیة، ففرض نوعین من الجزاءات عند تحقق عناصر هذه المسؤولیة تتمثل
بالاتی:
أولاً: جزاءات استبعادیة:
یعد هذا الجزاء اقسى العقوبات التی یمکن أن یتعرض لها عضو البرلمان، إذ یترتب علیه تجرید النائب من عضویته، حیث یفرض هذا الجزاء عندما یقدم العضو الحزبی على تغییر انتمائه السیاسی بمحض إرادته الخاصة بدون إجبار من أحد، فهذا الجزاء لا یشمل العضو الحزبی الذی فقد انتماءه الحزبی بسبب عقوبة تأدیبیة من الحزب الذی ینتمی إلیه (لان الأمر هنا قد یکون مصحوباً بشطط من حزب النائب (صاحب الشأن) وقد تحکمه اعتبارات سیاسیة نتیجة اختلاف وتباین المواقف)، فنطاق هذه العقوبة یقتصر فقط على العضو الحزبی الذی تخلى هو عن حزبه طواعیة لأسباب یغلب فیها النائب الرحالة مصلحته الشخصیة على المصلحة العامة، أو لأسباب انعدام الدیمقراطیة فی الأحزاب، وهذا یعود إلى تسلط قادة الحزب فی التعامل مع أعضائه.
والسؤال الذی یطرح نفسه هو مدى إمکانیة تطبیق هذا الجزاء عملیاً؟
فی الواقع لو عدنا إلى إجراءات تحریک المسؤولیة الحزبیة فإنه لا توجد أیة معوقات تحول دون تطبیق هذا الجزاء لان تحریک المسؤولیة یتوقف على تصرف إرادی من النائب (صاحب الشأن) بتغییر انتمائه الحزبی، والذی یجری التحقیق معه هو مکتب المجلس ویصدر قراره بأغلبیة الحاضرین وبعد أن یصدر توصیته یرفع رئیس المجلس التوصیة (بتجرید العضویة) إلى المحکمة الدستوریة التی تصدر قرارها بالتجرید بأغلبیة ثلثی الأعضاء.
ولما کانت الأغلبیة المطلوبة لإصدار التوصیة هی أغلبیة (ممکنة) أی من الممکن الحصول علیها لإصدار التوصیة، ولما کان القضاء مستقلاً لا تأثیر علیه فإن قراره بالتجرید من الممکن أن یصدر بمجرد التحقق من واقعة تبدیل الانتماء الحزبی، دون أن یتأثر بالاعتبارات السیاسیة کما لو کان القرار (تجرید العضویة) یشترط صدوره من مجلس النواب الذی تحکمه الاعتبارات السیاسیة أحیاناً، وبالتالی فإن هذا الجزاء ممکن التطبیق من الناحیة العملیة، فقد تم تجرید العدید من النواب من عضویتهم بسبب تبدیل انتمائهم الحزبی بقرار من المحکمة، مثل تجرید عضویة (زین العابدین الحواص) عن حزب الأصالة والمعاصرة و (نبیل بلخیاط) عن الحرکة الشعبیة، و (حسن الدراهم وطارق القباج) عن حزب الاتحاد الاشتراکی للقوات الشعبیة.
ثانیاً: جزاءات مالیة:
تعد هذه الجزاءات ذات اثر مزدوج لأنها تشمل اثر مادی کما تتضمن آثاراً ادبیة تمس الشخص فی اعتباره.
فهی غرامات مالیة تفرض على عضو السلطة التشریعیة عند ثبوت واقعة تغییر انتمائه السیاسی بإرادته، وقد نص قانون الأحزاب السیاسیة فی المغرب لسنة 2006 علیها بأنه: (یعاقب دون الإخلال بتطبیق الأحکام المنصوص علیها فی المادة (52) أعلاه بغرامة من 20,000 إلى 100,000 درهم الشخص الذی ینخرط فی حزب سیاسی دون مراعاة أحکام المواد (5، 6، 26)(*) من هذا القانون أو یقبل عن عمد انخراط أشخاص لا تتوفر فیهم الشروط المنصوص علیها فی نفس المواد...).
والسؤال الذی یدور هو مدى کفایة هذا الجزاء لردع النائب عن تبدیل انتمائه السیاسی وقیام مسؤولیته الحزبیة؟
الواقع اثبت عدم کفایة هذا الجزاء للمنع من قیام المسؤولیة الحزبیة لهذا تم اللجوء بموجب تعدیلات دستور المغرب 2011 لفرض جزاءات استبعادیة أکثر ردعاً (التجرید من العضویة) منع ظاهرة الترحال السیاسی (المسؤولیة الحزبیة).
المطلب الثانی
جزاء المسؤولیة الحزبیة لعضو البرلمان فی مصر
اخذ المشرع المصری بأحادیة العقوبة للمسؤولیة الحزبیة إذ نص المشرع المصری بموجب قانون انتخاب مجلس النواب على انه: (یشترط لاستمرار العضویة بمجلس النواب ان یظل العضو محتفظاً بالصفة التی تم انتخابه على أساسها فان فقد هذه الصفة أو غیر انتمائه الحزبی المنتخب على أساسه أو اصبح مستقلاً أو صار المستقل حزبیاً تسقط عنه العضویة بقرار لأغلبیة ثلثی أعضاء المجلس وفی جمیع الأحوال لا تسقط عضویة المرأة إلا إذا غیرت انتماءها الحزبی أو المستقل الذی انتخبت على أساسه).
ویفهم من ذلک أن المشرع فرض عقوبة إسقاط العضویة عند تحقق عناصر المسؤولیة الحزبیة، وهی عقوبة مناسبة لهذه المسؤولیة، لکن الواقع العملی اثبت وجود ثغرة دستوریة تقف حائلاً أمام إمکانیة تطبیق هذه العقوبة، لان المشرع المصری اشترط لإسقاط العضویة للنائب الذی بدل انتماءه الحزبی موافقة ثلثی عدد أعضائه بموجب اللائحة الداخلیة للبرلمان.
نظراً لصعوبة تحقیق تلک الأغلبیة للأسباب التی ذکرناها سلفاً، علیه ینبغی ان یتم إسناد إسقاط العضویة لجهة محایدة ومستقلة لا تأثیر للبرلمان علیها کما اسلفنا وهی المحکمة الدستوریة.
بقی أن نذکر إن الأثر الذی یترتب على تجرید أو إسقاط العضویة هو إعلان شغور المقعد، حیث تعلن المحکمة الدستوریة فی المغرب بعد إصدار قرارها بتجرید عضویة النائب (صاحب الشأن) من شغور مقعده.
وکذلک فی مصر یعلن رئیس المجلس خلو مکان النائب فی الدائرة فی الجلسة التی اعلن فیها المجلس بإسقاط العضویة ومن ثم یخطر رئیس الهیئة الوطنیة للانتخابات بخلو المکان خلال سبعة أیام من تاریخ إعلان ذلک بالمجلس لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
ویبدو من خلال ما تقدم ان جزاء مسؤولیة عضو البرلمان عن تبدیل انتمائه الحزبی ذو طبیعة مزدوجة تدور بین العقوبة الجزائیة والانضباطیة.
الخاتمـة
توصلنا فی نهایة بحثنا إلى جملة من النتائج والتوصیات نوجزها بالتالی:
أولاً: النتائج:
ثانیاً: التوصیات:
نظرا لأهمیة المسؤولیة الحزبیة ولاهمیة الأسباب التی دعت الى الأخذ بها ولما کانت الساحة العراقیة قد شهدت تبدیل الانتماء الحزبی لکثیر من النواب ولاعتبارات شخصیة ومصلحیة، وکان لهذا الشأن أثر على رغبة الناخب الحقیقیة وتغیر لإرادته فاذا ما أخذ بهذا النوع من المسؤولیة فی العراق نوصی بما یأتی:
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: Books
Second: University Theses and Dissertations
Third: Periodicals
Fourth: Constitutions and Laws
i. Constitutions:
ii. Laws:
Fifth: Websites
المصـادر
اولاً: الکتب
ثانیاً: الرسائل الجامعیة
ثالثاً: الدوریات
رابعاً: الدساتیر والقوانین
أ. دستور المغرب لسنة 2011.
ب. دستور مصر لسنة 2014.
أ. قانون الاحزاب السیاسیة المصری رقم (77) لسنة 2005.
ب. قانون الاحزاب السیاسیة المغربی رقم (9،11) لسنة 2011.
ت. قانون تنظیمی رقم (13-66) متعلق بالمحکمة الدستوریة فی المغرب لسنة 2014.
ث. اللائحة الداخلیة للبرلمان المصری 2013.
ج. النظام الداخلی لمجلس النواب المغربی لسنة 2013.
ح. قانون انتخاب مجلس النواب المصری لسنة 2014.
خ. قنون الاحزاب السیاسیة العراقی لسنة 2015.
خامساً: المواقع على شبکة المعلومات الدولیة