الملخص
إن تطور التجارة الدولیة-الالکترونیة- رافقه ضرورة أن تکون الحریة متاحة امام المجتمع المنظم الذی أصبحت تتیح له تکوین واختیار القواعد القانونیة وتطبیقها مباشرة على تعاملات الاطراف، إذا لم یعد مستغربًا وجود قواعد قانونیة ذات نشأة تلقائیة فی مجتمع مستقل بطوائفه ونوعه ومعاملاته، من دون العبور بالقنوات الرسمیة لسن القوانین، لذا ظهرت الحاجة إلى القواعد الموضوعیة فی میدان العلاقات الخاصة الدولیة, وبالتالی أصبحت مفاهیم الانفتاح العالمیة ضرورة مع أساس التنظیم الوطنی للتجارة الإلکترونیة, ومن ثم فإن عدم مواکبة قواعد الاسناد بوصفه منهجاً فی حل منازعات العقود الدولیة الإلکترونیة، ولّدت حاجة ملحة الى إقامة إطار عالمی للتجارة الإلکترونیة، وضرورة قیام قواعد لإقامة هذا الإطار العالمی, والتنسیق الدولی فی مواءمة القوانین واللوائح التجاریة القائمة من أجل تهیئة بیئة قانونیة للتجارة الإلکـترونیة تتسم بالاتساق والشفافیة.
الموضوعات
الجديد في البحث
الجدید فی البحث
الترکیز على أن التجارة الإلکـترونیة شأنها شأن أیة سوق جدیدة تحتاج الى مزیج دقیق من الحریة والقواعد، ولان التجارة الإلکـترونیة عالمیة بطبیعتها فأنها ستحتاج إلى مجموعة متوازنة تماماً من القواعد العالمیة لتحریرها من القیود المعوقة على الأصعدة الوطنیة وبینا ان التقنیة الحدیثة للاتصالات قد أغلقت الأبواب أمام تطبیق أسس منهج قواعد التنـازع المادی الجغرافی الحدودی الوطنی ولم تبق له إلاّ باباً واحداً یناشد مناصرو هذا المنهج الأطراف فی عقود التجارة الإلکـترونیة على الإبقاء علیه مفتوحاً بالتحدید الصریح للقانون الواجب التطبیق. لذا أکدنا فی هذا البحث أن منهج القواعد الموضوعیة یمکن أن یحقق مرونة أکثر فی هذا المجال التی تحقق نوعاً من التنسیق على المستوى الدولی، لأنه لا توجد اتفاقیة دولیة تعالج مسائل التجارة الإلکـترونیة وإنما یذکر فی هذا المجال قوانین لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاری الدولی النموذجیة بشأن التجارة الإلکـترونیة والتواقیع الإلکترونیة.
أصل المقالة
تطبیق منهج القواعد الموضوعیة على عقود التجارة الإلکترونیة -دراسة مقارنة-(*)-
Applying Substantive rules of law to electronic commerce contracts
أحمد صباح غدیر المدیریة العامة للتربیة فی محافظة نینوى Ahmad Sbah Gahdeer Nineveh Education Directorate Correspondence: Ahmad Sbah Gahdeer E-mail: [email protected] |
(*) أستلم البحث فی 25/7/2021 *** قبل للنشر فی 4/10/2021.
(*) received on 25/7/2021 *** accepted for publishing on 4/10/2021.
Doi: 10.33899/alaw.2021.130932.1165
© Authors, 2022, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
إن تطور التجارة الدولیة-الالکترونیة- رافقه ضرورة أن تکون الحریة متاحة امام المجتمع المنظم الذی أصبحت تتیح له تکوین واختیار القواعد القانونیة وتطبیقها مباشرة على تعاملات الاطراف، إذا لم یعد مستغربًا وجود قواعد قانونیة ذات نشأة تلقائیة فی مجتمع مستقل بطوائفه ونوعه ومعاملاته، من دون العبور بالقنوات الرسمیة لسن القوانین، لذا ظهرت الحاجة إلى القواعد الموضوعیة فی میدان العلاقات الخاصة الدولیة, وبالتالی أصبحت مفاهیم الانفتاح العالمیة ضرورة مع أساس التنظیم الوطنی للتجارة الإلکترونیة, ومن ثم فإن عدم مواکبة قواعد الاسناد بوصفه منهجاً فی حل منازعات العقود الدولیة الإلکترونیة، ولّدت حاجة ملحة الى إقامة إطار عالمی للتجارة الإلکترونیة، وضرورة قیام قواعد لإقامة هذا الإطار العالمی, والتنسیق الدولی فی مواءمة القوانین واللوائح التجاریة القائمة من أجل تهیئة بیئة قانونیة للتجارة الإلکـترونیة تتسم بالاتساق والشفافیة.
الکلمات المفتاحیة: القواعد الموضوعیة، الالکترونیة، الاسناد، القانون الواجب التطبیق.
Abstract
The rapid growth of e-commerce ecommerce was accompanied with the idea of the importance of parties’ freedom to determine the law applicable to their contractual relationship. However, with the competing interests of the parties, the need for substantive rules has become imperative. indeed, the growth of E-commerce was accompanied by the necessity for freedom of the partoes, which now allows it to form and choose legal rules and apply them directly to the transactions of the parties, if it is no longer surprising that there are legal rules of spontaneous emergence in an independent society with its sects, type and transactions, without crossing Through the official channels of enacting laws, so the need for objective rules appeared in the field of international private relations, and thus the concepts of global openness became a necessity with the basis of the national regulation of electronic commerce. Establishing a global framework for e-commerce, the need for rules to establish this global framework, and international coordination in harmonizing existing commercial laws and regulations in order to create a legal environment for e-commerce characterized by consistency and transparency.
Key Words: objective rules; electronic; attribution; Applicable Law.
المقدمـة
إن منهج قاعدة الإسناد هو المنهج التقلیدی المتبع فی حل مشکلات تنـازع القوانین، إلا أنه لم یعد المنهج الوحید فی مجال تنـازع القوانین للقصور الذی شابهُ من نواح عدة، فلم یعد منهج الإسناد متماشیاً مع متطلبات ومعطیات المعاملات الالکترونیة التجاریة ذات الطابع الدولی، هذا الأمر أدى إلى ظهور اتجاهات حدیثة تستجیب لهذه المتطلبات والمعطیات، تُنادی بإیجاد قواعد موضوعیة مباشرة تتلاءم ومتطلبات هذه المعاملات الإلکـترونیة لتعالج مشکلات العلاقات الخاصة الدولیة, ومع اتساع التعامل التجاری عبر الشبکة العالمیة والتطور المتلاحق لخدمات الاتصالات أصبحت مفاهیم الانفتاح العالمیة تتنافى مع أساس التنظیم الوطنی للتجارة الإلکترونیة, ومن ثم عدم مواکبة قواعد الاسناد بوصفه منهجاً فی حل منازعات العقود الدولیة الإلکترونیة، لذلک فقد وجدت مقترحات تدعو الى إقامة إطار عالمی للتجارة الإلکترونیة، وضرورة قیام قواعد لإقامة هذا الإطار العالمی, والتنسیق الدولی فی مواءمة القوانین واللوائح التجاریة القائمة من أجل تهیئة بیئة قانونیة للتجارة الإلکـترونیة تتسم بالاتساق والشفافیة.
أولاً: أسباب اختیار موضوع البحث:
کان من جملة أسباب اختیار موضوع البحث هو التعریف بمنهج القواعد الموضوعیة؟ وماهی الخصائص التی تمیزها عن منهج الاسناد؟ وأیضاً ماهی المصادر التی تستند علیها القواعد الموضوعیة فی حکم العلاقات القانونیة؟ وهل تصلح القواعد الموضوعیة منهجاً لحکم العقود الالکترونیة التجاریة الدولیة الحدیثة؟ والتساؤل الاهم هو هل تعتبر القواعد الموضوعیة بدیلا لقواعد التنازع التقلیدیة- الاسناد- أم مکملة لها؟
منهجیة البحث:
أنتهج الباحث فی هذا البحث المنهج المقارن الذی یهدف إلى عرض الاتفاقیات الدولیة والتوجیهات الأوربیة والعقود النموذجیة والأنظمة القانونیة الداخلیة المقارنة المتعلقة بموضوع البحث، ودراستها والمقارنة بینها لمعرفة مدى إسهام کل منها فی معالجة مسألة القانون الواجب التطبیق على موضوع الدراسة.
هیکلیة البحث:
اقتضت هذه الدراسة تقسیمها على مبحثین, فضلاً عن المقدمة والخاتمة التی ذکر فیها الاستنتاجات والمقترحات, تناول الاول التعریف بمنهج القواعد الموضوعیة وطبیعتها للتجارة الإلکـترونیة وذلک فی مطلبین, أما الثانی فبّین مصادر القواعد الموضوعیة للتجارة الإلکـترونیة وتقییمها فی مطلبین أیضاً.
المبحث الاول
التعریف بمنهج القواعد الموضوعیة
لم یعد المنهج التقلیدی المتبع فی حل مشکلات تنـازع القوانین– قاعدة الإسناد- المنهج الوحید فی مجال تنـازع القوانین للقصور الذی شابه من نواحٍ عدة, لذلک ظهر منهج القواعد الموضوعیة الذی یتلاءم مع متطلبات المعاملات التی تتم عبر الحدود لتعالج مشکلات العلاقات الخاصة الدولیة.
والقواعد الموضوعیة فی مجموعها لها تسمیات عدیدة فی نظر الفقه فیطلق علیها بـ:
القانون عبر الدول؛ القانون اللا وطنی؛ القانون فوق الوطنی؛ القانون التجاری بین الشعوب.
وبغیة الوصول إلى تعریف القواعد الموضوعیة سنقسم هذا المبحث إلى مطلبین وعلى النحو الآتی:
المطلب الاول
تعریف القواعد الموضوعیة وخصائصها
نتناول فی هذا المطلب فرعین: یوضح الاول تعریف القواعد الموضوعیة ویکشف الثانی خصائصه, وکما یأتی:
الفرع الاول
تعریف القواعد الموضوعیة
عرّف جانب من الفقه القواعد الموضوعیة بأنها: (مجموعة القواعد الموضوعیة أو المادیة المُستقاة من مصادر متعددة وتقدم تنظیماً قانونیاً وحلولاً ذاتیة لمعاملات التجارة الدولیة على نحو یجعل منها قانوناً خاصاً مستقلاً عن القانون الذی یحکم الروابط الداخلیة البحتة), ویلحظ على هذا التعریف أنه یبین مصادر القواعد الموضوعیة دون بیان ماهیتها.
وعرفها الفقیه (جولدمان) بأنها: (القواعد أو المبادئ والنظم المستمدة من کل المصادر التی تغذی باستمرار وتواصل البناء القانونی وسیر جماعة العاملین فی التجارة الدولیة).
ویؤخذ على هذا التعریف أنهُ یرکز على مصادر القواعد الموضوعیة ولیس تعریفها, ویُعرفه أحد الفقهاء بأنها: (القواعد التی عن طریقها نجد بطریقة مباشرة تنظیمات مادیة بصدد العلاقات ذات الطابع الدولی محل النزاع), یتضح من هذا التعریف أنه یبین هدف هذه القواعد فی إیجاد الحل الموضوعی المتعلق بالعلاقات الخاصة الدولیة، مفرقاً إیاها عن القواعد الموضوعیة للقانون الداخلی التی تطبق بموجب قاعدة الإسناد، وعن القواعد ذات التطبیق الضروری، وکذلک یتبین من هذا التعریف أنه یوضح جانباً من جوانب التکامل بین هذا المنهج ومنهج قاعدة الإسناد من خلال إمکانیة استعانة هذا المنهج بقواعد الإسناد.
کما عُرفت القواعد الموضوعیة بأنها: (القواعد التی تضع حلاً موضوعیاً للعلاقات الخاصة الدولیة، سواءً إن طُبقت مباشرةً أم بمقتضى قاعدة الإسناد).
هذا التعریف یعکس الهدف من هذه القواعد کونها توجد حلاً موضوعیاً للنزاع، کما أنه یبین الوسیلة التی تنطبق بموجبها هذه القواعد الداخلیة، مباشرةً أو بالاستناد إلى قواعد الإسناد، کذلک هذا الدور اعترفت به المصادر الداخلیة للقواعد الموضوعیة.
لذا یمکن تعریف القواعد الموضوعیة على أنها: (القواعد القانونیة التی تضع حلولاً مباشرة للعلاقات التعاقدیة للتجارة الدولیة مستوحاة من حاجة الأنشطة والممارسات فیما بین الاطراف لتنظم العلاقات فیما بینهم تلاءم والسرعة التی تتطلبها التجارة الدولیة الحالیة).
الفرع الثانی
خصائص القواعد الموضوعیة
للقواعد الموضوعیة خصائص تمیزها عن قواعد الإسناد، وهذه الخصائص تمثل الجانب الإیجابی للمنهج الموضوعی، الذی ظهر على أثر الجانب السلبی لمنهج الإسناد الذی تعرض للنقد، وخصائص المنهج الموضوعی تعکس آلیة هذا المنهج فی حل مشکلات العلاقات الخاصة الدولیة.
ونبین هذه الخصائص فیما یأتی:
أولاً- القواعد الموضوعیة قواعد مباشرة:
القواعد الموضوعیة قواعد مباشرة، کونها تقدم حلولاً موضوعیة مباشرة للمسائل المثارة، ولا تحیل إلى غیرها من القوانین للتعرف على الحل الذی ینطبق على العلاقة، وهذا على خلاف قواعد الإسناد التی لا تعطی أی حل مباشر أو موضوعی، فهی مجرد أداة لا تحل نزاعاً ولا تحقق حمایة للحقوق والمراکز القانونیة ذات الطابع الدولی, ومن هنا تبدو الصفة المباشرة للمنهج الموضوعی إذ تقدم هذه القواعد عن طریق مصادرها المتنوعة سواء أکانت داخلیة أم دولیة من تشریعات وعادات وأعراف ومبادئ عامة للقانون حلولاً موضوعیة للمسألة المثارة مباشرة ولا تحیل إلى غیرها للتعرف على هذا الحل.
ثانیاً- القواعد الموضوعیة قواعد دولیة:
تسری القواعد الموضوعیة لقانون التجارة الدولیة على المعاملات ذات الصفة الدولیة، وهذه المعاملات موجهة, لأن تتخطى حدود الدولة لتترکز آثارها فی دولة أخرى، ومن البدیهی أن التعامل الذی یترکز فی ذات الدولة، وینتج آثارها فیها من کل وجه لا یدخل فی هذا النطاق.
ثالثاً- القواعد الموضوعیة قواعد فئویة ونوعیة:
تتصف القواعد الموضوعیة کونها قواعد فئویة ونوعیة، فهی فئویة, لأنها تخاطب فئة معینة من الأفراد هم المتعاملون فی التجارة الدولیة، وهی قواعد نوعیة, لأنها تضع حلاً لنوع معین من المشکلات وهی تلک الناشئة عن الأوساط التجاریة الدولیة.
رابعاً- القواعد الموضوعیة قواعد تلقائیة:
تتمیز القواعد الموضوعیة بکونها قواعد تلقائیة النشأة، لأن القواعد الموضوعیة التی یتبعها المهنیون والتی یجری علیها التعامل فی أوساط التجارة الدولیة تعد ذات نمو تلقائی سواءً من حیث الصدور أم من حیث التطبیق، فهی تلقائیة الصدور لکونها خرجت من مجتمع معین توافدت فیه شروط معینة دون المرور بالقنوات الرسمیة لسن القوانین، کما أنها تلقائیة التطبیق لأن تطبیقها لا یحتاج إلى تدخل السلطة إذ یکفل تلقائیتها وفاء المتعاملین بها من حیث مدى ملائمتها للمشکلات المثارة فی کنف التجارة الدولیة.
المطلب الثانی
طبیعة القواعد الموضوعیة لعقود التجارة الالکترونیة
یتناول هذا الفرع عدداً من المسائل التی تشکل مدخلاً فی دراسة القواعد الموضوعیة لعقود التجارة الإلکترونیة، من هذه المسائل، بحث عدم ملاءمة قواعد التنـازع للتجارة الالکترونیة، وهل أن القواعد الموضوعیة للتجارة الإلکـترونیة نتیجة لما أثارته قواعد التنـازع من صعوبات التطبیق فی هذا المجال؟ لذلک سنقسم هذا المطلب الى الفرعین الآتیتین:
الفرع ألأول
عدم ملاءمة قواعد الاسناد
یوجه رأی فی الفقه القانونی الکثیر من الانتقادات الى منهج قاعدة التنـازع کأحد مناهج تنـازع القوانین فی عدم ملاءمته لتنظیم العلاقات الخاصة الدولیة, وذلک بسبب غموض المنهج القائم على قاعدة التنـازع وعدم تحدید مضمونه وشدة تعقیده وإخلاله بتوقعات الأطراف, مما ینتقص من ضرورة الأمن القانونی والیقین. کما أنه یؤدی الى وضع حلول داخلیة لمنازعات دولیة ومن ثم یکون البدء بتطبیق هذا المنهج ونتیجة التطبیق لا تتناسب مع الطبیعة الدولیة للعلاقات ذات الصلة. وان ما قیل بشأن منهج قاعدة التنـازع کان فی ظل استخدام الوسائل التقلیدیة لإبرام العقود الدولیة وانجاز المعاملات التجاریة الدولیة، لکن التجارة الإلکـترونیة تزید فی ذلک القول وتلک الانتقادات وتدافع أکثر فأکثر عن قواعد التنـازع منهجاً وقواعداً.
إن منهج قواعد الاسناد یقوم على تنـازع قوانین الدول فی حکم علاقة قانونیة تعدت فی ارتباطها الحدود الوطنیة لدولة ما، إذاً تکون مسألة الحدود مسألة أولیة فی وجود تنـازع القوانین وهذا ما لا یتحقق فی میدان التجارة الإلکترونیة, لأن هذا المیدان کالفضاء لیس فیه حدود کما یختلف عنه بأنه فضاء لا یوقفه حد، فهو ینظم تنـازع القوانین الوطنیة فی العلاقات الخاصة الدولیة ومن المعروف إن الشبکة العالمیة شبکة مفتوحة تمتاز بالتفاعلیة الآنیة لجمیع المستخدمین فی العالم, فکیف یمکن أن تحکم القوانین الوطنیة علاقات هی ابعد ما تکون عن المیدان الوطنی؟
ومن جانب آخر یوجه النقد لذات قاعدة التنـازع إذ إنها تشتمل على عنصر مهم لوجودها, وهو ضابط الإسناد الذی تتلاشى أهمیته مع إبرام صفقات التجارة الإلکـترونیة ذات الاتصال اللامادی.
ویمکن القول ان التقنیة الحدیثة للاتصالات قد أغلقت الأبواب أمام تطبیق أسس منهج قواعد التنـازع المادی الجغرافی الحدودی الوطنی ولم تبق له إلاّ باباً واحداً یناشد مناصرو هذا المنهج الأطراف فی عقود التجارة الإلکـترونیة على الإبقاء علیه مفتوحا بالتحدید الصریح للقانون الواجب التطبیق.
القرع الثانی
ضرورة القواعد الموضوعیة لعقود التجارة الإلکترونیة
یؤکد الفقه بأن النظام القانونی للتجارة الإلکـترونیة مازال قید الإعداد من خلال القواعد الموضوعیة غیر الوطنیة، وفی نطاق ضیق والتی تحقق نوعاً من التنسیق على المستوى الدولی، لأن التجارة الإلکـترونیة شأنها شأن أیة سوق جدیدة تحتاج الى مزیج دقیق من الحریة والقواعد، ولان التجارة الإلکـترونیة عالمیة بطبیعتها فأنها ستحتاج إلى مجموعة متوازنة تماماً من القواعد العالمیة لتحریرها من القیود المعوقة على الأصعدة الوطنیة.
لقد ثار جدل کبیر حول مسألة التدخل الحکومی فی تنظیم التجارة الإلکـترونیة من عدمه، باعتبار أن التجارة الإلکـترونیة هی إعادة تشکیل التجارة العالمیة، ولذلک توجد موازنة بین موقف عدم التدخل الحکومی والإطار القانونی اللازم للمیدان الجدید. فالأعمال التجاریة تحتاج الى میدان کاف للتطویر والتجربة ولکنها تحتاج أیضاً ان یکون ذلک المیدان طریقاً موثوقاً لمباشرة تلک الأعمال التجاریة, على الرغم من القول بأهمیة القواعد والممارسات القانونیة المتفقة المتعلقة بالأعمال التجاریة الإلکـترونیة وإنها سوف تضمن تدفقاً غیر معلق للسلع والخدمات، فان هناک أطراً تنظیمیة على المستوى الوطنی والإقلیمی لا یمکن تجاهلها فی مجالات محددة, کالشفافیة وتوزیع عناوین المواقع والأمن والتوقیع الإلکترونی وحمایة البیانات الشخصیة وحقوق المستهلک. لذلک یقرر رأی فی الفقه ان على الحکومات فی بیئة الخدمات الإلکترونیة، ان تکون اکثر تساهلاً واقل تنظیماً, وذلک بوضع قواعد أساسیة ولکن بإشراک وتمکین مواطنیها من استخدام الواسطة الجدیدة بأوسع مداها.
وفی نطاق عقود التجارة الإلکـترونیة یتضح ان هذه العقود اکثر تحرراً عن بقیة العقود المبرمة بالوسائل التقلیدیة وجاء هذا التحرر من نتیجتین أفرزتهما طبیعة الشبکة العالمیة: الأولى ضعف الارتباط، وأحیاناً عدمه بین تلک العقود ودولة أو دول معینة. والثانیة عالمیة الحیز او النطاق الذی تبرم فیه تلک العقود، مما یعطی النظام القانونی للعقود الإلکـترونیة استقلالاً یهیئ لمیلاد قواعد موضوعیة جدیدة. وما دامت الدول لا یمکن ان تنظم بمفردها التجارة الإلکـترونیة فانه یکون من الطبیعی ان یجد المتعاملون فی میدان تلک التجارة الحریة بمجرد ان یخرجوا من النظم الداخلیة وألاّ یکون للعقود التی یبرمونها قانوناً آخر غیر القانون الذی یرسون، هم أنفسهم، قواعده واحکامه.
المبحث الثانی
مصادر القواعد الموضوعیة لعقود التجارة الإلکـترونیة وتقییمها
تتمیز التجارة الإلکـترونیة بتعدد مصادر القواعد التی تحکمها وینجم هذا التعدد من حداثة البیئة الإلکـترونیة وعدم استقرار التوازن بین مصلحة الحکومات فی التدخل التنظیمی وبین حریة الأفراد- أو بشکل أدق القطاع الخاص- وقدرته على التنظیم, لذلک أن التدخل الحکومی کمصدر للقاعدة الموضوعیة یسمى التشریع الوطنی, أما المصدر الثانی الذی یتضمن قواعداً موضوعیة خاصة بمعاملات التجارة الإلکـترونیة هو الاتفاقیات الدولیة وسائر الجهود الدولیة, إذاً تتوزع دراسة هذا المطلب الى مطلبین یتطرق الاول مصادر القواعد الموضوعیة للتجارة الإلکترونیة, الثانی یتطرق إلى تقییم القواعد الموضوعیة للتجارة الإلکترونیة. وکالآتی:
المطلب الأول
مصادر القواعد الموضوعیة لعقود التجارة الإلکترونیة
تنقسم الدراسة فی هذا المطلب على فرعین, یبین الاول التشریعات الوطنیة لعقود التجارة الالکترونیة کإحدى مصادر القواعد الموضوعیة, ویدرس الثانی الاتفاقیات الدولیة الخاصة بالتجارة الالکترونیة. فیما یأتی:
الفرع الأول
التشریعات الوطنیة لعقود التجارة الإلکترونیة
لیس من المستَبعد أن تنهض التشریعات الوطنیة کمصدر للقواعد الموضوعیة للتجارة الإلکترونیة, ومن الامثلة على دور القواعد الموضوعیة فی عقود التجارة الدولیة ما ورد فی قانون التجارة المصری فی مجال نقل التکنلوجیا اذ وضعت المادة (72) من هذ القانون قواعد موضوعیة تنطبق مباشرة على العقد. ایضاً المادة (10/ اولاً) من قانون الاستثمار العراقی وضعت قاعدة موضوعیة تنطبق على عقد الاستثمار بشکل مباشر, وهذ یعنی ان هناک تشریعات وطنیة قد وضعت قواعد موضوعیة تنطبق بشکل مباشر على العلاقة القانونیة ذات الطرف الاجنبی فی میدان التجارة الدولیة, لکن هذا لا یغیر من حقیقة القواعد الخاصة التی اشتمل علیها هذان القانونان, لأنها وجدت لتنظیم عقود التجارة الدولیة فقط.
تتجدد الحالة مع التجارة الإلکـترونیة اذا استشعرت الدول بخصوصیة میدان التجارة الجدید وکذلک طریقة ممارسة هذه التجارة فی ذلک المیدان، ومن ثم سعت تلک الدول الى سَن تشریعات خاصة بمعاملات التجارة الإلکـترونیة وکل ما یدخل فی نطاقها من العقود الإلکـترونیة والتواقیع الإلکـترونیة والدفع الإلکترونی وحمایة المستهلک والخصوصیة والملکیة الفکریة. ومن هذه التشریعات على سبیل المثال، التشریع الکندی والتشریع البحرینی.
ان تطبیق القواعد التی اشتملت علیها القوانین المذکورة أعلاه لا تستبعد اللجوء الى قواعد التنـازع فإذا کان النزاع یتعلق بموضوعات التجارة إلکترونیة وعُرِض على قاض وأشارت قاعدة التنـازع فی قانون القاضی بتطبیق القانون الوطنی للقاضی المعروض علیه النزاع, فإن المقصود بذلک القانون هو القانون الخاص بالتجارة الإلکـترونیة فی دولة القاضی، کما یجری تطبیق قانون التجارة الإلکـترونیة لدولة ما عندما تشیر إلیه قاعدة التنـازع الأجنبیة، عندما یکون القانون الواجب التطبیق غیر قانون القاضی المعروض علیه النزاع، کما قد یختار الأطراف صراحة تطبیق قانون وطنی للتجارة الإلکـترونیة وعندها یجب تطبیق القواعد الموضوعیة فی القانون المختار.
لکن هل یمکن تطبیق هذه القواعد فی القوانین المذکورة تطبیقاً مباشراً؟ أی باستبعاد اللجوء لقواعد التنازع.
یذهب أحد رأیإلى التطبیق المباشر للقواعد الموضوعیة لقانون التجارة الإلکـترونیة فی دولة القاضی المعروض علیه النزاع بصرف النظر عن اختصاص قانون القاضی بموجب قواعد التنـازع من عدمه ان وجد فی دولة القاضی قانون یعالج المعاملات الإلکـترونیة وما لم ینص مشرع هذا القانون على خلاف ذلک.
الفرع الثانی
الاتفاقیات الدولیة لعقود التجارة الالکترونیة
تعد الاتفاقیات الدولیة من أهم أدوات توحید القواعد الموضوعیة فی شتى المجالات، وتترکز اتفاقیات القانون الدولی الخاص على وجه الخصوص فی میدان التجارة الدولیة لأهمیة هذا المیدان وحاجته لمثل تلک القواعد المنظمة لمسائله, وکانت هذه الاتفاقیات رافداً مهماً فی نطاق التجارة الإلکـترونیة وکذلک الاتفاقیات رافداً مهماً لمسائل التجارة الإلکـترونیة على الرغم من الصعوبات التی تواجه تطبیقها فی البیئة الإلکترونیة.
وتعد الاتفاقیة أحد المصادر الدولیة وبمعنى آخر أن القواعد الموضوعیة الاتفاقیة الدولیة تضم الى جانب الاتفاقیات الدولیة والمعاهدات الدولیة القوانین النموذجیة الصادرة عن المنظمات الدولیة والإقلیمیة التی تشجع توحید القوانین الوطنیة الداخلیة بشأن مسألة محل التنظیم.
أولاً: القواعد الموضوعیة الاتفاقیة الدولیة للتجارة الدولیة:
فی إطار التجارة الدولیة توجد العدید من الاتفاقیات الدولیة والقوانین النموذجیة منها اتفاقیة الأمم المتحدة بشأن عقود البیع الدولی للبضائع لعام 1980، واتفاقیة الامم المتحدة بشأن السفاتج الدولیة والسندات الاذنیة الدولیة لعام 1988، واتفاقیة عقود نقل البضائع الدولی لعام 1956 وبروتوکولها لعام 1978، واتفاقیة عقود النقل الدولی للمسافرین والامتعة بالطرق البریة لعام 1973، واتفاقیة الامم المتحدة للنقل البحری للبضائع لعام 1993، واتفاقیة الأمم المتحدة بشأن النقل الدولی المتعدد الوسائط للبضائع لعام 1980، واتفاقیة الاعتراف بقرارات التحکیم الأجنبیة وأنفاذها لعام 1958، والاتفاقیة الأوربیة بشأن التحکیم التجاری الدولی لعام 1961.
ویمکن ان تطبق الاتفاقیة الدولیة من خلال الاختیار، کما لو أختار الأطراف قانون دولة معینة بعّده الواجب التطبیق وکانت هذه الدولة قد تبنت قواعد الاتفاقیة فی قانونها الداخلی فتطبیق الاتفاقیة یکون عبر هذا الاختیار أما لو عرض النزاع على محکمة دولة طرف فی الاتفاقیة ووقع الاختیار على قانون دولة لیست طرفاً فی الاتفاقیة فأن الاختیار لا یستطیع مخالفة القواعد الآمرة للاتفاقیة وانما یکون الاختیار مادیاً لقواعد وطنیة تکون بمثابة شروط عقدیة تعلو على القواعد المکملة والمفسرة فی الاتفاقیة.
وفی حالة غیاب الاختیار فان القاضی المعروض علیه النزاع یطبق الاتفاقیة تطبیقاً مباشراً عندما تکون دولته طرفاً فیها، أما اذا کان غیر ذلک فیمارس وظیفته التقلیدیة فی مجال العلاقات الخاصة الدولیة باللجوء الى قواعد التنـازع للوصول الى القانون الوطنی الواجب التطبیق الذی ربما یکون قانون دولة طرف فی الاتفاقیة فتطبق عندئذٍ هذه الأخیرة.
ثانیاً: کیفیة تطبیق القواعد الموضوعیة للاتفاقیات الدولیة على عقود التجارة الإلکترونیة:
لا توجد اتفاقیة دولیة تعالج مسائل التجارة الإلکـترونیة وإنما یذکر فی هذا المجال قوانین لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاری الدولی النموذجیة بشأن التجارة الإلکـترونیة والتواقیع الإلکترونیة.
ونذکر فی هذا المجال بعض توجیهات الاتحاد الاوربی منها توجیه رقم 95/46/CE المتعلق بحمایة البیانات الشخصیة ، التوجیه رقم 96/9/CE المتعلق بالحمایة القانونیة لقواعد البیانات، والتوجیه رقم 99/93/CE بعنوان الإطار المشترک للتواقیع الإلکـترونیة والتوجیه رقم 2000/31/CE بعنوان الجوانب القانونیة للخدمات ضمن مجتمع المعلومات المعروف بـ (توجیه التجارة الإلکترونیة).
وبخصوص کیفیة تطبیق القواعد الموضوعیة للاتفاقیة الدولیة فنشیر إلى أنه لیس هناک فرق بین القواعد الموضوعیة التی وجدت لمعالجة مسائل التجارة الدولیة عموماً وبین تلک القواعد الموضوعیة التی وجدت لتنظیم التجارة الإلکـترونیة بشکل خاص, لکن الفرق فی التطبیق یظهر أمام الهیئة التی تحسم النزاع, أی التی تطبق القواعد الموضوعیة کونها هیئة قضائیة وطنیة أم هیئة تحکیمیة, فلو أن النظام القانونی الذی ینتمی إلیه القاضی الوطنی یحول دون الاخذ باختیار الأطراف للاتفاقیة الدولیة کاختیار تنازعی, لأن القاضی یطبق قواعد التنـازع التی تشترط وجود التنـازع بین القوانین الوطنیة فقط، إلا ان ذلک لا یعنی عدم تطبیق الاتفاقیة، إذ لو عُرِض النزاع على محکمة دولة طرف فی الاتفاقیة المختارة یطبقها القاضی (بعّدها جزءاً من قانونه الوطنی) تطبیقاً مباشراً، أما فی حالة عدم استیفاء الاتفاقیة شروط تطبیقها على النزاع المعروض أمام محکمة دولة طرف فی الاتفاقیة فیجوز للأطراف اختیار تطبیق الاتفاقیة بعّدها القانون الواجب التطبیق على موضوع العقد الإلکترونی ویکون هذا الاختیار تنازعیاً, لأن المعاهدة هی تشریع یسود فی الدول الأطراف فی إطار العلاقات الخاصة الدولیة ولا یناقض منهج قواعد الاسناد وفقاً لهذا المفهوم.
أما إن کان النزاع أمام التحکیم فتطبق الاتفاقیات الدولیة والقوانین النموذجیة والتوجیهات الأوربیة المتعلقة بالتجارة الدولیة أو بالتجارة الإلکـترونیة على موضوع النزاع عند اختیار الأطراف لها بنص صریح لأن للأطراف حریة الاختیار المادی والتنازعی أمام هیئات التحکیم. اما عند غیاب مثل ذلک الاختیار یجوز للمحکم تطبیق القواعد القانونیة الواردة فی اتفاقیة دولیة أو قانون نموذجی أو توجیه اوربی حتى وأن لم تتوفر شروط تطبیقها, لأن هذه القواعد القانونیة الدولیة هی تعبیر عن قانون التجارة الإلکـترونیة الذی یملک المحکم تطبیقه تطبیقاً مباشراً بوصفه جزءاً من النظام القانونی الذی ینتمی إلیه.
المطلب الثانی
تقییم القواعد الموضوعیة لعقود التجارة الإلکترونیة
من أجل تقییم سلیم للقواعد الموضوعیة للتجارة الإلکـترونیة لابد من الکشف عن الانتقادات التی وجهت إلیها والردود التی لاقت تلک الانتقادات ومن ثم یترتب علینا وضع تقدیر للقواعد الموضوعیة للتجارة الإلکـترونیة لبیان مواقف مؤیدی ومعارضی وجود منهج القواعد الموضوعیة بدلاً من منهج قواعد الإسناد إذاً ستکون دراسة هذا المطلب متفرع الى فرعین، یبین الأول نقد القواعد الموضوعیة للتجارة الإلکـترونیة ویوضح الثانی تقدیر منهج القواعد الموضوعیة محل التقییم.
الفرع الاول
الانتقادات الموجهة لمنهج القواعد الموضوعیة للتجارة الإلکترونیة
لقد وجهت عدة انتقادات للقواعد الموضوعیة من منطلق أن التجارة الإلکـترونیة تمثل صورة جدیدة من صور التجارة الدولیة. ومن هذه الانتقادات:-
أولاً:أن العقود الدولیة مازالت تبرم بالوسائل التقلیدیة من خلال حضور کل من طرفی العقد والاتفاق على شروط ونصوص العقد، أما الوسائل الإلکـترونیة فهی طرق حدیثة ومهما تزاید حجم العقود المبرمة بواسطتها فلن ترقى الى مستوى حجم إبرام العقود بالطرق التقلیدیة التی تعد أکثر طمأنینة وأماناً من الناحیة القانونیة لأطراف العقد.
لذا فإن القول بأن التجارة الإلکـترونیة هی طریق جدید للتجارة الدولیة ولا یُعقل أن تنافس الوسائل الإلکترونیة، وهی حدیثة النشأة، فلا ینبغی مع جهالة مستقبل التجارة الإلکـترونیة القیام بأجراء مقارنة إحصائیة تستند الى تصور واقعی، الذی هو بالتأکید، قابل للتغییر. إذ قدرت مؤسسة البیانات الدولیة القیمة الإجمالیة للتجارة الإلکـترونیة الممارسة على الشبکة العالمیة عام1997 بمبلغ (8) ملیارات دولار أمریکی، وتتوقع المؤسسة ذاتها أن یرتفع أجمالی إیرادات التجارة الإلکـترونیة الى (400) ملیار دولار بحلول عام 2002. وفی موقع آخر بینت دراسة إحصائیة بأشراف شرکة الاتصالات السلکیة واللاسلکیة البریطانیة عام 1998 أن (66) فی المائة من الشرکات الموصولة بالشبکة العالمیة تؤکد أن البرید الإلکترونی أصبح الآن حاسماً لتجارتها، کما أن (81) فی المائة من الشرکات التی شملتها الدراسة أشارت إلى أن الشبکة العالمیة ستصبح جزءاً لا یتجزأ من مستقبل تجارتها.
ثانیاً: أن القول بعدم مقدرة القوانین الوطنیة على حکم المنازعات المتعلقة بعقود التجارة الإلکـترونیة هو قول غیر صحیح وغیر دقیق، إذ قامت معظم الدول بتحدیث قوانینها على نحو یتلاءم مع ما تتطلبهُ التجارة الدولیة من ضرورة إیجاد وسیلة سریعة لحسم المنازعات الناتجة من تنفیذ العقود الدولیة. ویبدو ذلک واضحاً من خلال القوانین المنظمة للتحکیم التجاری الداخلی والدولی التی صدرت لملاءمة منازعات عقود التجارة الدولیة.
فالقوانین الوطنیة بإمکانها أن تحکم منازعات عقود التجارة الإلکترونیة, والدلیل على ذلک أن الدول تقوم بتحدیث وتعدیل قوانینها بما یتلاءم مع الطبیعة الإلکـترونیة للتجارة أو إصدار قوانین خاصة بالمعاملات الإلکـترونیة التی لا تنطبق على عقود التجارة الداخلیة التی تظل محکومة بقواعد القانون المدنی والتجاری. إذ لولا أدراک الدول بخصوصیة التجارة الإلکـترونیة لما اندفعت نحو ستر عجز القواعد القانونیة الداخلیة بإصدار تشریعات جدیدة.
ثالثاً: یرتاب رأی فی القانون من تطبیق عادات التجارة الإلکـترونیة فی مجال العقود الإلکترونیة، لأن الهدف من وراء هذا التطبیق هو الوقوف الى جانب الشرکات الأجنبیة المصدرة للمنتجات والبضائع وتجاهل مصالح الطرف الآخر للعقد. فالعادات التجاریة الإلکـترونیة هی من وضع رجال القانون فی الدول الغربیة والتی ستکون طریقاً لتحقیق مصالح مالکی التقنیة المتقدمة على حساب مصالح الدول المستوردة. ومفاد هذا الانتقاد أن الإشارة الى تطبیق عادات التجارة الإلکـترونیة یعنی استبعاد تطبیق القوانین الوطنیة للدول النامیة. وعند مراجعة الإحصائیات المتعلقة بعدد الحواسیب المضیفة للشبکة العالمیة وعدد مستخدمی الشبکة وعدد الافراد والشرکات التی تباشر التجارة عبر الشبکة یتبین أن النسبة العظمى منهم تترکز فی الدول المتقدمة. وخصوصاً فی الولایات المتحدة الأمریکیة و أوربا، وذلک یعنی ان الأسبقیة فی التعامل کانت لهؤلاء وان ما نشأ من عادات وأعراف جاء فی ظل التعامل بینهم. ویمکن الاتفاق على أن فی ذلک أضرار بمصالح الدول النامیة، إلا أننا نرى بأن مبدأ حریة التجارة فیه من المصلحة ما یفوق ما ذکر, فضلاً عن أن غالبیة العادات قد قُنّنتها من قبل الهیئات والمؤسسات الدولیة على شکل قواعد سلوک أو عقود نموذجیة مما یجعل قیمة النقد ذات أثر مخفض.
رابعاً: إن القواعد الموضوعیة للتجارة الإلکـترونیة لا تتمتع بوصف النظام القانونی، ویقصد بالنظام القانونی هو مجموعة الأحکام والقواعد القانونیة التی تحکم روابط قانونیة من نوع واحد، أی تتعلق بنوع واحد من أنواع سلوک الأفراد. وبتطبیق هذا المعنى للنظام القانونی على القواعد الموضوعیة للتجارة الإلکـترونیة یوحی بأن هذه الأخیرة لا تحمل ذلک المعنى.
ویرى البعض بأنه" لم یعد الفقه الحدیث یستلزم وجود الدولة کشرط لنشأة النظام القانونی لأن القواعد القانونیة یمکن أن توجد فی کل مجتمع من دون استلزام اتخاذه شکل الدولة طالما کان یشکل وسطاً متماسکاً بدرجة کافیة فی معاملاته وعلاقات أفراده", کما أن تعدد الجماعات العاملة فی التجارة الإلکـترونیة ومن ثم تعدد عاداتها وأعرافها التی تعبر عن مصالحها المختلفة، لا یعنی بالضرورة تعارض هذه المصالح، لأنه یوجد حد أدنى من المصالح المشترکة بین التجار ورجال الأعمال تدفعهم الى التضامن سعیاً لإدراکها وهذا یعنی وجود مجتمع مستقل للتجار ورجال الأعمال فی الشبکة العالمیة ولا ینقصه التنظیم الذاتی.
خامساً: تعالج القواعد الموضوعیة للتجارة الإلکـترونیة مسائل محددة وتبقى مسائل متعددة تحتاج الى الحل وغالباً ما یوجد هذا الحل فی القانون الداخلی، فضلاً عن تمیز القواعد الموضوعیة بالنقص والقصور تتمیز کذلک بالغموض, لأنها قواعد غیر مدونة فی نصوص معلومة مما یؤدی الى صعوبة تحدیدها.
إن القواعد الموضوعیة للتجارة الإلکـترونیة لا تمثل کیاناً متکاملاً من القواعد التی یمکن تطبیقها على المنازعات کافة إذ إنها تحمل فی طیاتها فراغاً قانونیاً لا بد من استکماله وتغطیته عن طریق اللجوء إلى قواعد التنازع. کذلک أن تطور القواعد الموضوعیة یظل محصوراً فی عدد محدود من قواعد قانون التجارة الإلکترونیة.
الفرع الثانی
تقدیر منهج القواعد الموضوعیة لعقود التجارة الإلکترونیة
یُلحظ بشأن الانتقادات التی وجهت إلى القواعد الموضوعیة للتجارة الإلکـترونیة إنها لا تحول دون تطبیقها، وهذا ما یعزز قیمتها، مقابل صعوبات تطبیق قواعد الإسناد، وهذا ما یخفض قیمتها، وعند أخذ الانتقادات بنظر الاعتبار یجب أیضاً أخذ مزایا القواعد الموضوعیة للتجارة الإلکـترونیة وقواعد الاسناد على التوالی بالحسبان.
وعند وضع میزان التقدیر یُلحظ أن مزایا القواعد الموضوعیة ذات الصلة أثقل من مزایا قواعد الإسناد مقارنة مع الانتقادات الموجهة والصعوبات فی التطبیق لکل منهما.
ومن زاویة أخرى لابد من الانتباه إلى حالة مهمة وهی الاهتمام الدولی بالتجارة الإلکـترونیة الذی یدفع إلى القول بأن التجارة الإلکـترونیة لا یمکن أن تُنظم وفق قواعد وطنیة فریدة من نوعهابل لا بد من التنسیق بین القوانین الوطنیة بتوحید القواعد الموضوعیة فیها عن طریق تبنی أحکام موحدة فی اتفاقیات دولیة أو قوانین نموذجیة، مادامت القواعد الموضوعیة فی نطاق عقود التجارة الإلکـترونیة هی الاکثر ملاءمة لحل منازعاتها– وحسب رأینا - لا یوجد ما یمنع الدول من التعاون من أجل الاحاطة بمنازعات عقود التجارة الإلکـترونیة کما فعلت فی عقود البیع الدولی للبضائع.
وهذا ما یدفعنا الى القول أن کل من قواعد الإسناد والقواعد الموضوعیة یجب استخدامهما من أجل الوصول الى حل منازعات عقود التجارة الإلکترونیة، وهذا التطبیق التکاملی یکون امام المحکم فقط بأن یطبق القواعد الموضوعیة للتجارة الإلکـترونیة وعند حدوث النقص یصار الى قواعد الاسناد لتطبیق قانون وطنی معین، ویجری هذا التطبیق عند سکوت الأطراف عن اختیار القانون الواجب التطبیق, أما عند وجود الاختیار فیجب اتباعه من قبل القاضی أو المحکم ما لم یخالف النظام العام الدولی.
ونتفق مع رأی فی الفقه القانونی بأن تطبیق القواعد الموضوعیة التی تنتمی للنظام القانونی للقاضی تطبیقًا مباشرًا على العلاقات الدولیة الخاصة التی تدخل فی مجال سریانها وبصرف النظر عن اختصاص هذا النظام بمقتضى قواعد الإسناد من عدمه, (هذا ما لم ینص المشرع خلاف ذلک صراحة) له من المزایا التی تلائم التغیرات التی یشهدها القضاء الالکترونی, کذلک فإننا نتطلع لرؤیة مستقبلیة للتعاون الدولی، من خلال إصدار اتفاقیات دولیة تنظم التجارة الإلکـترونیة وتسمح للقاضی أو المحکم الذی ینظر النزاع، عند النقص أو الغموض، بالاسترشاد بعادات التجارة الإلکـترونیة وإرادة الأطراف.
الخاتمـة
بعد هذه الدراسة عن: تطبیق منهج القواعد الموضوعیة على عقود التجارة الإلکـترونیة توصلنا الى جملة من النتائج مع بعض المقترحات, وهی:-
أولاً: النتائج:
1- ظهور منهج القواعد الموضوعیة التی تتلاءم قواعده مع متطلبات المعاملات التی تتم عبر الحدود لتعالج مشکلات العلاقات الخاصة الدولیة بات أمراً ضروریاً إذ إن المنهج التقلیدی المتبع فی حل مشکلات تنـازع القوانین– قاعدة الإسناد- لم یعد یتلاءم مع التجارة الإلکـترونیة الدولیة للقصور الذی شابه من نواحٍ عدة.
2- إن التجارة الإلکـترونیة الدولیة شأنها شأن أیة سوق جدیدة تحتاج الى مزیج دقیق من الحریة والقواعد، وتبعاً لذلک فأنها ستحتاج إلى مجموعة متوازنة تماماً من القواعد القانونیة العالمیة لتحریرها من القیود المعوقة على أصعدة التشریعات الوطنیة.
3- لیس هناک فرق بین القواعد الموضوعیة التی وجدت لمعالجة مسائل التجارة الدولیة عموماً وبین تلک القواعد الموضوعیة التی وجدت لتنظیم التجارة الإلکـترونیة بشکل خاص, لکن الفرق فی التطبیق یظهر أمام الهیئة التی تحسم النزاع, أی التی تطبق القواعد الموضوعیة کونها هیئة قضائیة وطنیة أو هیئة تحکیمیة.
4- إن مزایا القواعد الموضوعیة أثقل من مزایا قواعد الإسناد مقارنة مع الانتقادات الموجهة والصعوبات فی التطبیق لکل منهما خصوصاً فی ظل الاهتمام الدولی بالتجارة الإلکـترونیة الذی یدفع إلى القول بأن القواعد الموضوعیة فی نطاق عقود التجارة الإلکـترونیة هی الاکثر ملاءمة لحل منازعاتها.
ثانیاً: المقترحات:-
1- ندعو المشرع العراقی الى متابعة الاتفاقیات الدولیة التی تبرم فی مجال القانون الخاص والتی تضع قواعد قانونیة موضوعیة تعالج مسائل وعلاقات التجارة الالکترونیة الدولیة والانضمام الیها والتصدیق علیها. وایضاً بتنظیم القواعد الموضوعیة التی تلائم التغیرات التی یشهدها القضاء الالکترونی فی ظل التطور الذی یشهده التجارة الالکترونیة الدولیة.
2- إصدار اتفاقیات دولیة تنظم التجارة الإلکـترونیة وتسمح للقاضی الوطنی أو المحکم الذی ینظر النزاع، عند النقص أو الغموض، بالاسترشاد بعادات التجارة الإلکـترونیة وإرادة الأطراف.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First - legal books:
1- Dr. Abu Al-Ela Al-Nimr, International Private Law, an analytical study of the principles of the Rome Institute "Unidora" related to international trade, 1st edition, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 2006.
2- Dr. Ahmed Abdel Hamid Ashush, Dispute of curricula in conflict of laws, a comparative study, University Youth Foundation, 1989.
3- Dr. Ahmed Abdel Karim Salama, International Private International Law (electronic, tourism, environmental), 1st edition, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 2000.
4- Dr. Ahmed Abdel Karim Salama, The Knowledge of the Rule of Conflict and Choice between the Laws, Principles and Methodology, 1st Edition, Al-Galaa Al-Jadida Library, Mansoura, Egypt, 1996.
5- Dr. Ahmed Abdel Karim Salama, The Theory of the Free International Contract, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, 1989.
6- Dr. Jamal Mahmoud Al-Kurdi, Conflict of Laws regarding Liability for Misuse of the Internet, 1st Edition, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 2007.
7- Dr. Khalil Ibrahim Muhammad Khalil, Integration of Conflict of Laws Curricula, Comparative Analytical Study, Dar Al-Fikr University, Alexandria, 2015.
8- Dr. Salah El-Din Gamal El-Din, Arbitration and Conflict of Laws in Technological Development Contracts, 1st Edition, Dar Al-Fikr University, Alexandria, 2005.
9- Dr. Abdel-Fattah Bayoumi Hegazy, Commerce via the Internet, 1st Edition, Dar Al-Fikr Al-Jamii, Egypt, 2007.
10-Dr. Muhammad Mahmoud Yaqout, The Freedom of Contractors to Choose the Law of the International Contract between Theory and Practice, Mansha’at al-Maaref, Alexandria, 2000.
11-Dr. Mahmoud Mohamed Yaqout, Towards a modern concept of the law of international trade contracts, Dar Al-Fikr Al-Jamii, Alexandria, 2012.
Second - Theses and theses:
1- Ahmed Mahdi Saleh, Material rules in international contracts (a comparative study), a master's thesis, College of Law, University of Baghdad, 2004.
2- Bassem Saeed Younis, Law Applicable to the International Contract, PhD thesis, College of Law, University of Mosul, 1998.
3- Nafeh Bahr Sultan Al-Bani, Conflict of Laws in Electronic Commerce Disputes, Master's Thesis submitted to the College of Law, University of Baghdad, 2004.
Third - Published Research:
1- Dr. Osama Abu Al-Hassan Mujahid, Privacy of Contracts through the Internet, Research Presented to the Conference on Law, Computer and the Internet, College of Sharia and Law, United Arab Emirates University, 2000.
2- Abdul Aziz Muhammad Al Zaabi, The Law Applicable to Electronic Commerce Contracts, research published on the Internet, and at the link: http://az-advocates.com/wp-content/uploads/2015/04
Mahmoud Muhammad Yaqout, Contractors’ Freedom to Choose International Contract Law, published on the Internet, and at the link: https://pmb.univsaida.dz/budspopac/index.php?lvl=author_see&id
المصـادر
أولاً: الکتب:-
ثانیاً: الرسائل والأطاریح:-
ثالثاً: البحوث والدوریات:
http://az-advocates.com/wp-content/uploads/2015/04)
https://pmb.univsaida.dz/budspopac/index.php?lvl=author_see&id=13 )
رابعاً: القوانین:-