الملخص
لقد أثر فیروس کورونا على کل دول العالم مما دفعها إلى اللجوء لحالة الطوارئ التی أدت إلى عدم تمکین الأفراد من الوفاء بالتزاماتهم التعاقدیة. لذلک تناولت فی هذا البحث تعریف الجائحة ونظریة الظروف الطارئة ومدی سلطة القاضی فی تعدیل العقد. وانتهینا إلى مجموعة من التوصیات منها أن الجائحة هی الظروف التی تنشأ بعد إبرام العقد ولم یکن بوسع المتعاقدین توقعها وتجعل تنفیذ الالتزام مرهقاً أو مستحیلاً بحسب تأثیرها على العقود. ولکی یمکن اعتبارها ظرفا استثنائیا لابد أن یکون الظرف عاما وغیر متوقع، وهذا یبرر تدخل القاضی باستخدام الآلیات التی خوله ایاها القانون لتطویع العقد مع عدم الإخلال بمبدأ حریة التعاقد.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
مدى سلطة القاضی فی تعدیل العقد فی ظل جائحة کورونا واحترام مبدأ سلطان الإرادة -دراسة تحلیلیة مقارنة-(*)-
The extent of judge's powers to amend the contract in the context of the Coronavirus Pandemic and to adhere to the principle of willpower: An analytical Comparative Study
عبدالرازق وهبه سیدأحمد کلیات عنیزة- المملکة العربیة السعودیة Abdelrazek wahba Sayedahamed College of Human and Administrative Studies - Onaizah Colleges – KSA Correspondence: Abdelrazek wahba Sayedahamed E-mail: [email protected] |
(*) أستلم البحث فی 12/1/2022 *** قبل للنشر فی 10/2/2022.
(*) received on 12/1/2022 *** accepted for publishing on 10/2/2022.
Doi: 10.33899/alaw.2022.132733.1184
© Authors, 2022, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
لقد أثر فیروس کورونا على کل دول العالم مما دفعها إلى اللجوء لحالة الطوارئ التی أدت إلى عدم تمکین الأفراد من الوفاء بالتزاماتهم التعاقدیة. لذلک تناولت فی هذا البحث تعریف الجائحة ونظریة الظروف الطارئة ومدی سلطة القاضی فی تعدیل العقد. وانتهینا إلى مجموعة من التوصیات منها أن الجائحة هی الظروف التی تنشأ بعد إبرام العقد ولم یکن بوسع المتعاقدین توقعها وتجعل تنفیذ الالتزام مرهقاً أو مستحیلاً بحسب تأثیرها على العقود. ولکی یمکن اعتبارها ظرفا استثنائیا لابد أن یکون الظرف عاما وغیر متوقع، وهذا یبرر تدخل القاضی باستخدام الآلیات التی خوله ایاها القانون لتطویع العقد مع عدم الإخلال بمبدأ حریة التعاقد.
الکلمات المفتاحیة: جائحة کورونا، الظروف الطارئة، تعدیل العقد.
Abstract
The Corona virus has affected all countries of the world, leading them to resort to a state of emergency that has led to individuals not being able to meet their contractual obligations. So in this research I addressed the definition of the pandemic, the theory of emergency circumstances and the extent of the judge's power to amend the contract. We concluded with a set of recommendations, including that the pandemic was the circumstances that arose after the conclusion of the contract and that contractors could not anticipate it and made the performance of the obligation burdensome or impossible depending on its impact on the contracts. In order to be considered an exceptional circumstance, the circumstance must be general and unexpected, which justifies the judge's intervention by using the mechanisms conferred upon him by law to adapt the contract without prejudice to the principle of freedom of contract.
Keywords: Corona pandemic, exigent circumstances, contract modification.
المقدمـة
لا یزال فیروس کورونا الذی أعلنت عنه منظمة الصحة العالمیة فی 2020 له تأثیر على مختلف الأنشطة حتى الآن. ونتیجةً لخطورته اتخذت کل الدول ومنها مصر والعراق والمملکة العربیة السعودیة مجموعة من التدابیر الصحیة والاقتصادیة أدت إلى توقف العمل فی بعض المنشآت . وبهذا خلقت أزمة فیروس کورونا مشاکل خاصة بالعقود. لذا کان من الضروری البحث عن استراتیجیات أساسیة لحل المشکلات الخاصة بالعقود فی ظل هذه الجائحة من أجل الحفاظ علیها. وتتمثل هذه الاستراتیجیات فی منح القاضی السلطة التقدیریة فی تطویع العقد من خلال آلیات محددة منها نقص الالتزام المرهق وزیادة الالتزام المقابل أو وقف تنفیذ العقد إذا کیفت المحکمة أن جائحة کورونا شأنها شأن أی ظرف طارئ یجعل تنفیذ الالتزام مرهقاً للمدین ویهدده بخسارة فادحة. فنظریة الظروف الطارئة تفترض أن عقداً ملزماً یتم إبرامه فی الظروف العادیة، وفجأة تتغیر الظروف التی أبرم العقد فی ظلها مما یجعل تنفیذ هذا العقد مرهقاً لأى من طرفیه ویهدده بخسارة فادحة. فهل یتم تنفیذ الالتزام بغض النظر عن درجة الخسارة والظروف فی ظل هذه الجائحة؟ بالطبع لیس من العدل والمنطق تنفیذ الالتزام المرهق إذا توافرت شروط تطبیق نظریة الظروف الطارئة وتدخل القاضی لرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول هو أساس احترام حریة التعاقد ومبدأ سلطان الإرادة. وأخیراً تجدر الإشارة إلى أن جائحة کورونا لیست فی کل الأحوال ظرفا استثنائیا فتختلف آثارها من حالة إلى أخرى بحسب تکییف القاضی للظرف عما إذا کان یجعل تنفیذ العقد مرهقاً أو مستحیلاً. فهناک على سبیل المثال قطاعات لم تتأثر إطلاقاً بجائحة کورونا على سبیل المثال مخازن المواد الغذائیة والصیادلة، على عکس القطاعات الأخرى ذات الطلب الأقل، مثل القطاعات الترفیهیة، أو تنظیم المؤتمرات التی توقف نشاطها تماماً بسبب الاجراءات والتدابیر الصحیة التی اتخذتها الحکومة فی مصر والعراق والمملکة العربیة السعودیة. وهذا ما نسعی إلى توضحیه بهذا البحث.
أهمیة البحث:
تکمن أهمیة الدراسة فی أن جائحة کورونا سرعان ما سببت أزمات اقتصادیة فی کل دول العالم مما أدى إلى عدم قدرة أطراف التعاقد بتنفیذ التزامهم لأن التنفیذ فی ظل هذه الجائحة إن لم یکن مستحیلا فهو مرهق للمدین ویهدده بخسارة فادحة. فعلى الرغم من أن هناک جوائح حدثت فی الماضی إلا أن جائحة کورونا کان تأثیرها واضحاً على أغلب العقود المتراخیة التنفیذ وبعض العقود الفوریة، فالآثار السلبیة لهذه الجائحة لا یمکن حصرها.
مشکلة البحث:
تدور مشکلة البحث حول أثر جائحة کورونا على العقود ومدی اعتبارها ظرفا استثنائیا یتطلب تدخل القاضی مع احترام إرادة الأطراف وهل تعتبر جائحة کورونا ظرفا استثنائیا فی کل الأحوال؟. وتثیر هذه المشکلة العدید من التساؤلات وهی:
منهج البحث:
من أجل الوصول بقدر المستطاع لعلاج مشکلة البحث التی أثارت التساؤلات التی سبق طرحها اتبعت منهجین وهما:
خطة البحث:
من أجل التوصل إلى علاج لمشکلة البحث والإجابة على التساؤلات التی طرحتها آنفاً قمست البحث إلى الآتی:
مطلب تمهیدی: التعریف بجائحة کورونا.
المبحث لأول : مضمون نظریة الظروف الطارئة وشروط تطبیقها.
المبحث الثانی: مدى سلطة القاضی فی تعدیل العقد فی ظل جائحة کورونا.
المطلب التمهیدی
التعریف بجائحة کورونا
قبل الخوض فی تعریف جائحة کورونا یتعین علینا الوقوف على بعض المصطلحات ذات الصلة وهی:
الفاشیة:وهی زیادة عدد المصابین بمرض ما فی منطقة جغرافیة محددة أو مجتمع معین عن العدد المتوقع، وقد تصنف مرضا واحدا أو عددا قلیلا من الحالات، وذلک عند ظهورها فی مجتمع یتوقع فیه غیاب المرض نهائیاً أو فی مجتمع غاب عنه المرض فترة طویلة. أما الوباء هو ارتفاع عدد حالات المرض عن المتوقع فی مجتمع معین کما هو الحال فی الفاشیة، ولکن على رقعة جغرافیة أکبر. وأما الجائحة فتحدث عندما ینتشر الوباء فی العدید من الدول والقارات ویؤدی إصابة أعداد کبیرة من السکان.
والأمراض المستجدة هی الأمراض المعدیة والتی ظهرت فجأة ولم تکن معلومة والتی قد تکون نشأت نتیجة تحول أو تطور موروثات وراثیة للکائنات المسببة للمرض من جراثیم وفیروسات وغیره. أما الأمراض المعاودة هی التی تظهر بعد اختفائها نتیجة لتحور أو تطور موروثات وراثیة للکائنات المسببة للمرض. وقد تعود هذه الأمراض بصورة أقوى مما کانت علیه من قبل وهذا یرجع إلى عدة عوامل منها مقاومة العامل المسبب للمرض للأدویة، أو نتیجة ضعف وانهیار المنظومة الصحیة فی المجتمع.
فانتشار هذه الأوبئة یؤدى إلى حالة من الذعر والخوف فی المجتمع خاصة عند عدم اکتشاف علاج لها وهذا ما یحدث الآن على مستوى العالم. ففیروس کورونا هو نوع من الفیروسات مجهولة السبب حتى هذه اللحظة، ویصیب الجهاز التنفسی ویصاحبه نزلات برد قد تؤدی إلى الوفاة. ومنذ انتشار جائحة کورونا یواجه العالم تطورات مستجدة تتعلق بتفشی جائحة کورونا، حیث تسعی دول العالم بأسرها إلى اتخاذ إجراءات احترازیة للوقایة من انتشار الفیروس والتخفیف من حدة آثاره.
ففیروس کورونا هو سلالة واسعة من الفیروسات التی قد تلحق المرض بالإنسان والحیوان، حیث یصحبه نزلات برد عادیة تتحور إلى أمراض أشد. کما أن خطورة هذا الفیروس تتمثل فی الانتقال من شخص إلى آخر ولا تظهر آثاره إلا بعد فترة طویلة عن طریق العطس أو السعال وهذه القطیرات وزنها ثقیل قد تتطایر إلى أضیق النطاق وتسقط على الأسطح وحینها یصاب الشخص بالعدوى عن اللمس. ومن الجدیر بالذکر أن هذا المرض قد یسبب للعدید من الأشخاص مضاعفات تؤدى إلى حدوث الالتهاب الرئوی، مثل المتلازمة التنافسیة الحادة الوخیمة، مما یدفع المعالج الصحی إلى إرشاد المصاب لتناول المضادات الحیویة لمعالجة الالتهاب الرئوی لا فیروس کورونا.
ویثار هنا تساؤل هل هناک فرق بین الوباء والجائحة؟
الوباء هو تفشی المرض وانتشاره فی المجتمع بسرعة مما یؤثر على أفراد المجتمع فی منطقة ما ویمکن امتداده إلى المناطق المجاورة دون أن یعلم به الناس إلا عند الإصابة أو الاتصال بالأشخاص المصابین، أما الجائحة هی مشتقة من الوباء ولکنها تؤثر على الأفراد فی نطاق جغرافی أوسع کما هو الشأن فی فیروس کورونا وعادة ما تکون غیر مألوفة للأجسام المضیفة نتیجة لعدم تعرضها له لفترة طویلة، فتؤدى إلى توقف شتی نواحی الحیاة الاجتماعیة والأنشطة التجاریة والاقتصادیة.
فالجائحة فی المقام الأول هی أحد تقییمات منظمة الصحة العالمیة وتعتبر أعلى مستویات الأنفلونزا، فهی تشیر إلى تفشی فیروس الأنفلونزا على مستوى المجمع السکنی فی بلد واحد على الأقل، مما یشیر إلى أن الفیروس ینتشر عبر البلدان. وکانت الجائحة تشیر فی ذلک الوقت إلى نطاق التأثیر للفیروس، ولیس إلى شدة الوباء ومعدل الوفیات. لهذا فی عام 2010 وضعت منظمة الصحة العالمیة تعریفاً بسیطاً للجائحة بأنها أی مرض جدید ینتشر على مستوى العالم.
فالجائحة لغةً هی المصیبة المستأصلة. کما تعددت تعریفاتها لدى فقهاء الشریعة الإسلامیة فقد عرفها فقهاء الحنابلة " بأنه کل آفه لا صنع لآدمی فیها". وعرفت بأنها کل شیء لا یمکن دفعه لو علم به کالبرد والحر وریح السموم والجراد ونحو ذلک.
المبحث الأول
مفهوم نظریة الظروف الطارئة وشروط تطبیقها
أثرت جائحة کورونا على العقود والتزامات الأطراف وجعلت تنفیذ الالتزام فی أغلب الأحوال مرهقاً ویهدد المدین بخسارة. وبذلک تعتبر جائحة کورونا ظرفا استثنائیا إذا توافر فیها شروط الظرف الاستثنائی وهذا ما نوضحه من خلال المطالب الآتیة.
المطلب الأول
مفهوم نظریة الظروف الطارئة فی ظل جائحة کورونا
لیس من السهل وضع تعریف شامل لنظریة الظروف الطارئة وذلک لتغیر هذه الظروف. ولهذا لا یوجد تعریف للظروف الطارئة فی القانون المدنی المصری حیث أشار المشرع إلیها وحدد الشروط التی یتعین توافرها فیها لکی یمکن وصفها بأنها ظروف استثنائیة. وهذا ما أکدته المادة 147 من القانون المدنی بقولها بأن" 1-العقد شریعة المتعاقدین، فلا یجوز نقضه ولا تعدیله إلا باتفاق الطرفین، أو للأسباب التی یقررها القانون. 2-ومع ذلک إذا طرأت حوادث استثنائیة عامة لم یکن فی الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفیذ الالتزام التعاقدی، وإن لم یصبح مستحیلاً، صار مرهقاً للمدین بحیث یهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضی تبعاً للظروف وبعد الموازنة بین مصلحة الطرفین أن یرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ویقع باطلاً کل اتفاق على خلاف ذلک".
فمن الواضح أن ضابط المعقولیة یتسم بالمرونة، وهذه المرونة قد یسرت على القاضی أن یعالج کل حالة بحسب ظروفها الخاصة.
وفی العراق سار المشرع العراقی على نفس نهج المشرع المصری، حیث نصت المادة 146/2 من القانون المدنی العراقی بأنه "إذا طرأت حوادث استثنائیة عامة لم یکن فی الوسع توقعها وترتب على حدوثها ان تنفیذ الالتزام التعاقدی وإن لم یصبح مستحیلاً صار مرهقاً للمدین بحیث یهدده بخسارة فادحة جاز للمحکمة بعد الموازنة بین مصلحة الطرفین ان تنقص الالتزام المرهق إلى الحد المعقول إن اقتضت العدالة ذلک ویقع باطلاً کل اتفاق على خلاف ذلک.".
فمن الواضح من هذین النصین انهما اشارا إلى أن القوة الملزمة للعقد لا یقتصر أثرها على أطرافه، بل تشمل القاضی حیث لا یمکنه تعدیل أو إنقاص بنود العقد التی اتفق علیها الأطراف بوضوح. لکن هناک بعض العقود متراخیة التنفیذ، وفی الفترة بین إبرام العقد وتنفیذه قد تتبدل الظروف التی قد تهدد أحد الطرفین بخسارة فادحة إذا نفذ التزامه على النحو المتفق علیه. فلا شک أن تعدیل العقد إذا طرأت ظروف استثنائیة أثناء تنفیذه یحقق نوعاً من التوازن العقدی إذا کان التنفیذ یلحق بالمدین خسارة فادحة لا تتناسب البتة مع المکاسب التی تعود على الدائن. وتجدر الإشارة إلى أن المشرع العراقی استخدم عبارة نقص الالتزام إلى الحد المعقول وهذه العبارة یتعین استبدالهما بعبارة تعدیل الالتزام المرهق، لأن توازن العقد یتحقق إما بإنقاص بنود العقد أو زیادة التزام أحد الأطراف.
وفی النظام السعودی نجد أنه تعامل مع مصطلح الظرف الطارئ فی نصوص محددة منها على سبیل المثال نظام المنافسات والمشتریات الحکومیة حیث نصت علیه المادة 74/3 بأنه "إذا کان التأخیر یعود إلى الجهة الحکومیة أو ظروف طارئة". کما عرفت المادة الأولى من ذات النظام بأن الحالة الطارئة هی "حالة یکون فیها تهدید السلامة العامة أو الأمن العام أو الصحة العامة جدیاً وغیر متوقع، أو یکون فیها إخلال ینذر بخسائر فی الأرواح أو الممتلکات، ولا یمکن التعامل معها بإجراءات المنافسة العادیة.".
وفی الفقه فقد عرفها بعض فقهاء القانون بأنها "هو کل حادث عام لاحق على تکوین العقد، وغیر متوقع الحصول عند التعاقد، ینجم عنه اختلال بین فی المنافع المتولدة عن عقد یتراخى تنفیذه إلى أجل أو آجال، ویجعل تنفیذ المدین لالتزامه کما أوجبه العقد یرهقه إرهاقاً شدیداً، یتهدده بخسارة فادحة تخرج عن الحد المألوف“. وعرفها البعض الأخر بأنها "الحالة الاستثنائیة التی یطرأ فیها – بعد إبرام العقد وقبل تنفیذه – حادث لم یکن متوقعاً من شأنه أن یؤدی إلى اختلال التوازن بین التزامات الطرفین اختلالاً فادحاً؛ إذ یصبح الالتزام الملقی على عاتق المدین مرهقاً له إرهاقاً شدیداً ویترتب على تنفیذه له خسارة فادحة" .
ومن هنا یمکننا تعریف الظرف الاستثنائی بأنه هو الظرف الذی یحدث بعد إبرام العقد أو أثناء تنفیذه ولم یکن بوسع أطراف العقد توقعه مما یجعل تنفیذ الالتزام مرهقاً للمدین شریطة إلا یکون عدم التنفیذ أو التأخر فیه راجع إلى تراخی المدین.
فإذا رجعنا إلى مبدأ القوة الملزمة للعقد لتبین لنا أنه یتعین على المتعاقدین تنفیذ الالتزام رغم وجود جائحة کورونا مادام أنها لم تجعل تنفیذ الالتزام مستحیلاً، ولکن العدالة تتطلب ألا یتحمل أحد أطراف العقد أثر جائحة کورونا کظرف استثنائی وحده، بل یجب أن یتوزع عبؤها على الطرفین، وهذا یبرر تدخل القاضی لتعدیل الالتزامات الناشئة عن العقد بما یتناسب مع تغیر الظروف الطارئة (جائحة کورونا). فالقاضی بتعدیله للعقد ینال من قوته الملزمة إلا أنه لا یمس حریة المتعاقدین لأن سبب تدخله الظروف الطارئة التی لم یتوقعها أحد أطراف العقد.
فتراضی المتعاقدین مرهون باستمراریة الظروف التی أبرم فی ظلها العقد، بمعنی أن الظروف التی أبرم فیها العقد هی التی ارتضى بها الطرفان؛ فأی تغیر یخل بمبدأ التراضی وحریة التعاقد.
وبناء على ذلک تعتبر جائحة کورونا ظرفا استثنائیا فی بعض الأحوال، ولکن بعض العقود لا تتأثر بالوضع الحالی لجائحة کورونا، فهذا النوع من العقود یظل ساریاً بین أطرافه ویتم تنفیذه وفقاً للشروط المتفق علیها فی الإطار القانونی. والعقود تنقسم من حیث آلیة تنفیذها إلى عقود فوریة وعقود متراخیة. فالعقود الفوریة هی التی لا یلعب فیها الزمن عنصراً جوهریا؛ کعقد البیع وإن کان الثمن مؤجلاً. أما العقود المتراخیة هی العقود التی یعتبر فیها الزمن عنصراً جوهریاً کعقد الإیجار .
ومن الجدیر بالذکر أن العقود المتراخیة التنفیذ هی التی تتأثر بجائحة کورونا حیث تجعل تنفیذ التزام أحد الأطراف مرهقاً ویلحق به خسارة فادحة بسبب تغیر الظروف التی أبرم العقد فی ظلها. ولکن هذا لا یعنى أن العقود الفوریة لم تتأثر بجائحة کورونا فمثلاً عقود النقل الجوی قد تأثرت بجائحة کورونا حیث التزمت شرکات الطیران برد أسعار التذاکر للرکاب بناء على التدابیر التی اتخذتها الدولة سواء فی مصر أو العراق أو المملکة العربیة السعودیة لمواجهة هذه الجائحة التی اجتاحت العالم بأسره. وهذا یدفعنا إلى القول بأنه یتعین إعمال آثار جائحة کورونا على کل عقد على حدة من أجل الحفاظ على مبدأ سلطان الإرادة واحترام حریة الأطراف فی التعاقد حیث قد لا یکون لفیروس کورونا أی أثر على العقد.
وتجدر الإشارة أخیراً إلى أن سبب اختلاف فقهاء القانون المدنی بشأن تطبیق نظریة الظروف الطارئة على العقود الفوریة یرجع إلى أن المشرع المصری والعراقی لم یوضحا العقود التی تدخل فی نطاق نظریة الظروف الطارئة کما فعلت التشریعات المقارنة الأخرى.
المطلب الثانی
شروط تطبیق نظریة الظروف الطارئة وانطباقها على جائحة کورونا
یشترط لتطبیق نظریة الظروف الطائرة مجموعة من الشروط وهی:
بمعنی أن تکون هناک فترة ما بین نشوء العقد وتنفیذه، وذلک لتصور حدوث العذر، أو الحادث الاستثنائی الذی أدى إلى إخلال أحد الطرفین بالتزامه بعد إبرام العقد وقبل تنفیذه أو أثناء تنفیذه. فالزمن یعتبر عنصر اً هاماً فی شرط التراخی، وتظهر هذه الأهمیة فی جانبین وهما: الجانب الأول یتمثل فی استمرار تنفیذ العقد فی المستقبل حتی یجد الظرف الطارئ مجالاً یؤدى إلى الإخلال بالتوازن العقدی. أما الجانب الثانی یتمثل فی وجود متسع من الوقت یسمح بتأثیر الظرف الطارئ على الإخلال بتوازن العقد.إلا أن ذلک لا یعنی أن العقود الفوریة لا تدخل فی نطاق نظریة الظروف الطارئة، فمجال تطبیق هذه النظریة یمتد لیشمل العقود الفوریة التی تأثرت بالظروف الطارئة وکل العقود التی یوجد فیها فاصل زمنی بین إبرامها وتنفیذها. فمثلاً قد تبرم شرکة عقد تورید بضاعة لفندق، مع مراعاة الظروف الاقتصادیة لحظة إبرام العقد، وتأتی جائحة کورونا وتجعل تنفیذ الالتزام مرهقاً للمدین بسبب ارتفاع الأسعار فهنا قد حدث اختلال فی التوازن الاقتصادی للعقد مما یتطلب تدخل القاضی لرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول. ففی هذا المثال یتعین مراعة اختلال الأسعار خلال مدة الجائحة. فبزوالها تعود الأمور لمجراها الطبیعی وهو تنفیذ العقد وفقاً لما تم الاتفاق علیه، لذا یمکن للأطراف فی عقود التورید التوقف خلال مدة الجائحة ومعاودة التنفیذ بعد زوالها وهذا یعتمد على تکییف الجائحة بأنها طارئة مؤقتة أو دائمة وعلى طبیعة العقد ومدته ومحله. فلا توجد إجابة وحیدة تطبق على جمیع العقود، بل یتعین النظر إلى العقود من عدة زوایا منها طبیعة العقد ومدته. ومن الجدیر بالذکر أن هذه النظریة لا تنطبق على الالتزامات الفوریة التی یرجع التراخی أو التأخر فی تنفیذها إلى خطأ المدین أو تقصیره.
استلزم المشرع المصری والعراقی والنظام السعودی أن یکون الحادث الاستثنائی عاماً. فإذا کان الحادث خاصاً بالمدین فلا یؤدى ذلک إلى إعمال حکم الظروف الطارئة مهما کان أثرها على التزامه. لذلک لا یعتبر حادثاً طارئاً مرض المدین أو إفلاسه أو تعطل خط إنتاجه. ویشترط لاعتبار الحادث عاماً أن یمتد لطائفة معینة من الناس. فالحادث یکون عاماً إذا انصرف أثره إلى مجموعة کبیرة من الناس، وبالتالی بلا شک یعتبر فیروس کورونا حادثا استثنائیا بالمعنى المتقدم، فقد وصل هذا الفیروس فی عمومیته إلى حد أنه طال کل أنحاء العالم. وعمومیته لم تقتصر على نشاط محدد بل امتدت إلى کل الأنشطة فی کافة دول العالم. فعمومیة الظرف الطارئ قد تنصرف إلى النواحی الشخصیة، فیتحدد معیار العمومیة بعدد الأشخاص المتأثرین بجائحة کورونا، وقد ینصرف إلى الإقلیمیة، فیتحدد الظرف بعدد الأقالیم التی تأثرت به، وقد یندمج العنصران معاً فی تحدید وصف العمومیة.
وهو شرط نص علیه المشرع المصری والعراقی والنظام السعودی، ویترتب علیه أن یصبح الالتزام مرهقاً للمدین، والمقصود هنا بالإرهاق أن تسبب الظروف الطارئة خسارة فادحة له. وقد یکون سبب الظروف الطارئة التی أدت إلى خسارة فادحة لیس طبیعیاً فحسب بل قد یکون سببها التشریع. کما یتعین أن ینظر فی تقدیر الإرهاق إلى ذات الصفقة موضوع التعاقد وهذا ما أکدته محکمة النقض المصریة حیث قضت بأنه "یجب أن ینظر عند تقدیر الارهاق الذى ترتب على الحادث الطارئ إلى الصفقة التی أبرم فی شأنها العقد مثار النزاع . و من ثم فإنه لتقریر ما إذا کان قد ترتب على صدور قانون الإصلاح الزراعی إرهاق للمدین بالمعنى الذى یتطلبه القانون فی الفقرة الثانیة من المادة ١٤٧ من القانون المدنی یتعین على المحکمة أن تبحث أثر هذا القانون على ذات الصفقة محل التعاقد و تتبین ما إذا کان قد طرأ انخفاض فی ثمن الأطیان المبیعة نتیجة صدور ذلک القانون أو لم یطرأ، و مدى ما سببه هذا الانخفاض - فی حالة تحقق حصوله - من إرهاق للمدین، إذ یشترط فی الإرهاق الذى یبرر تطبیق حکم الظروف الطارئة أن یصل إلى حد تهدید المدین بخسارة فادحة ، مما ینتج عنه أن الخسارة المألوفة فی التعامل لا تکفى للإفادة من هذا الحکم".
ویخضع تقدیر الإرهاق لسلطة المحکمة التقدیریة والمعیار الذی یتبع فی تحدیده الظروف الموضوعیة لا الاعتبارات الشخصیة، وهذا ما طبقه القضاء حیث قضت محکمة النقض المصریة بأن "تدخل القاضی لرد الالتزام إلى الحد المعقول طبقاً للمادة 147 من التقنین المدنی رخصة من القانون یجب لاستعمالها تحقق شروط معینة أهمها شرط الإرهاق المهدد بخسارة فادحة، وتقدیر مدى الإرهاق الذی أصاب المدین من جراء الحادث الطارئ هو مما یدخل فی السلطة التقدیریة لمحکمة الموضوع ومناط هذا الإرهاق الاعتبارات الموضوعیة بالنسبة للصفقة ذاتها لا الظروف المتعلقة بشخص المدین".
فتدخل القاضی لرفع الضرر عن المتعاقد المضرور، لکون العقد السلیم المولد للالتزام لیس لا یقتصر على اتفاق إرادتی الطرفین على إنشاء التزامات فقط، بل یشمل تناسب المنافع التی تعود على أطرافه، وذلک لأن للعقد منافعاً اجتماعیة لا تقتصر على أطرافه بل تنعکس على المجتمع بأسره. وهذا ما دفع المشرع للنص صراحةَ على تدخل القاضی لرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول فی حالة وقوع حوادث استثنائیة تجعل تنفیذ الالتزام مرهقا للمدین.
المبحث الثانی
مدى سلطة القاضی فی تعدیل العقد فی ظل جائحة کورونا
نظراً لظروف جائحة کورونا وما سببته من آثار سلبیة على الاقتصاد، وهذه الآثار لا یمکن حصرها. وبهذا أعطی المشرع للقاضی آلیات لتطویع العقد لرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ومن هذه الآلیات إنقاص الالتزام المرهق، وزیادة الالتزام المقابل، ووقف العقد وهذا ما نوضحه من خلال المطالب الآتیة.
المطلب الأول
سلطة القاضی فی إنقاص الالتزام المرهق
أثرت جائحة کورونا على العقود الملزمة للجانبین، مما أدى إلى وقوع خلل فی التوازن العقدی لأحد أطرافه مسبباً له خسارة فادحة، ومن هنا ینشأ دور القاضی فی استخدام آلیات تطویع العقد برد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول بناء على طلب الطرف المضرور. ومن ضمن هذه الآلیات التی منحها القانون للقاضی نقص الالتزام المرهق.
وهذا ما أکدته محکمة التمییز الاتحادیة فی الحکم رقم 281/2007 بشأن عقد الایجار حیث قررت بأن" دور المحکمة فی إعادة التوازن بین مصلحتی الطرفین یقتصر على إنقاص الالتزام المرهق إلى الحد المعقول إن اقتضت العدالة ذلک ولا ینصرف ذلک إلى تعدیل مدة العقد زیادة أو نقصا فی العقد موضوع الدعوى إذ قد یصح طلب زیادة مدة العقد تطبیقا لنظریة الظروف الطارئة فی عقود أخرى لیس من بینها عقد الإیجار".
ویتم رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول عن طریق إنقاص أحد الالتزامات سواء من حیث الکم أو الکیف کما یمتد الإنقاص إلى قیمة الأشیاء. فمثلاً لو اتفق شخص على تورید کمیة من القمح بسعر ما قبل جائحة کورونا وقبل التنفیذ وقعت الجائحة الأمر الذی أدى إلى حدوث ارتفاع فادح للأسعار، ففی هذه الحالة یجوز للقاضی نقص الکمیة إلى الحد الذی یجل تنفیذ التزام المدین سهلاً غیر مرهق.
فرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول یقتصر على الحاضر ولا شأن له بالمستقبل. وهذا ما تفطنت له محکمة النقض المصریة حیث قضت بأن" تطبیق حکم المادة ٢/١٤٧ من القانون المدنی على عقود البیع التی یکون فیها الثمن مؤجلا أو مقسطا لا یحول دون إعمال الجزاء المنصوص علیه فیها وهو رد الالتزام إلى الحد المعقول على الوجه الذى یتطلبه القانون ذلک أن القاضی لا یعمل هذا الجزاء إلا بنسبة للقسط أو الأقساط التی یثبت له أن أداء المشترى لها قد أصبح بسبب وقوع الحادث الطارئ غیر المتوقع مرهقا له بحیث یهدده بخسارة فادحة أما باقی الأقساط المستقبلة فإن القاضی لا یعمل فی شأنها هذا الجزاء إذا تبین أن هناک احتمالا بزوال أثر ذلک الحادث عند استحقاقها ویکون شأن الأقساط فی ذلک شأن الأداءات فی عقود المدة من حیث التأثر بالظروف الطارئة".
وبناء علیه یلتزم المتعاقد المتضرر باللجوء للقضاء إذا أصر الدائن على إجباره على تنفیذ التزامه فی ظل جائحة کورونا لرد الالتزام إلى الحد المعقول. وهذا لیس معناه رفع کامل الإرهاق عن عاتق المدین ولکن کل ما فی الأمر تبحث المحکمة عن الوسائل التی یکون من شأنها رفع الإرهاق عن کاهل المدین بهدف التوصل إلى جعل الالتزام المرهق إلى ما یعتبر من قبیل الخسارة المتوقعة، وهذا کله بهدف جعل عدم تنفیذ الالتزام مرهقاً بما یجاوز قدرته أو یعرضه لخسائر فادحة لا تتناسب البتّة مع المکاسب التی تعود على الدائن.
فالإرهاق هنا یقدر بمعیار موضوعی قوامه الشخص العادی، ومدى تأثره بتنفیذ التزامه التعاقدی دون الاعتداد بظروفه الشخصیة کثرائه مثلاً. فالإرهاق لا ینظر فیه إلى الشخص المتعاقد بل إلى العقد محل التداعی. فالخسارة الفادحة ینظر فیها إلى التوازن المالی العقد بغض النظر عن شخصیة المدین أو ظروفه.
وتطبیقاً لذلک قضت محکمة دمیاط الابتدائیة الدائرة الرابعة مدنی فی القضیة رقم جلسة 18/10/2020م والتی تتلخص وقائعها بأن "المدعی استأجر قطعت أرض مساحتها1200متر وذلک لقاء أجرة قدرها 1980 جنیه مصری شهریاً فی 15/5/2018 وأقام علیها قاعات للحفلات والأفراح والأغراض التجاریة وبدأ سریان العقد فی 1/12/ 2018 ونتیجة لانتشار فیروس کورونا الذی دفع الدولة إلى اتخاذ تدابیر لمواجهته بمنع تجمع المواطنین الامر الذی أدى إلى إلغاء الحفلات ورد ما قبضه من مقدم فضلا عن الالتزام بدفع أجور العمال بجانب الإیجار. وهذا من شأنه أن یلحق بالمستأجر خسارة فادحة بسبب ظروف جائحة کورونا الأمر الذی دفع المحکمة إلى تخفیض الأجرة إلى 1680 جنیة شهریاً حتى نهایة مدة الایجار المحددة بالعقد".
وتجدر الإشارة أخیراً على أنه بالرغم من تمتع القاضی بالسلطة التقدیریة فی رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، إلا أنه لیس له أن یتلاعب فی مقدرات العقد ویغیر من جوهر الالتزام الذی اتفق علیه المتعاقدان.
کما أن القاضی لا یرفع عن المدین کل الخسارة بل یوزعها بینه وبین الدائن فیما زاد عن الحد المألوف حیث قررت محکمة النقض المصریة" أن مفاد نص الفقرة الثانیة من المادة ١٤٧ من القانون المدنی أنه متى توافرت الشروط التی یتطلبها القانون فی الحادث الطارئ فإن للقاضی سلطة تعدیل العقد برد الالتزام الذى صار مرهقاً إلى الحد المعقول وهو حین یختار فی حدود سلطته التقدیریة الطریق المناسب لمعالجة الموقف الذى یوجهه لا یرفع کل خسارة عن عاتق المدین ویحملها للدائن وحده لکنه یحد من فداحة هذه الخسارة التی ستصیب المدین ویصل بها إلى الحد المعقول بتحمیل المدین الخسارة المألوفة التی کان یمکن توقعها عادة وقت التعاقد ویقسم ما یزید على ذلک من خسارة غیر مألوفة بین المتعاقدین بالسویة فیما بینهما باعتبار أن ذلک أقسط فی مراعاة الموازنة بین مصلحة کل منهما.
المطلب الثانی
سلطة القاضی فی زیادة الالتزام المقابل
قد تقرر المحکمة بأن زیادة التزام الدائن هو الطریق الأفضل لتحقیق توازن العقد، وذلک عندما یؤدی الظرف الطارئ إلى ارتفاع فاحش فی الأسعار مثلاً. حینئذ یقوم القاضی برفع السعر المحدد فی العقد لکی یتحمل الطرفان الزیادة غیر المألوفة بهدف الوصول إلى الحالة التی کان العقد قبل حدوث الظرف الطارئ. وهذا یعتبر خیر وسیلة للمحافظة على حریة أطراف التعاقد، لأن تدخل القاضی لیس للمساس بحریة المتعاقدین بل لإزالة الظروف التی استجدت بعد إبرام العقد أو أثناء تنفیذه.
ولکن المشرع العراقی فی المادة 146/2 سالفة الذکر لم یشر إلى زیادة الالتزام لتحقیق التوازن العقدی مکتفیاً بأن نقص الالتزام یکفی لتحقیق مثل هذا التوازن. وهذا ما دفع بعض الفقه إلى القول بأن عبارة نقص الالتزام التی أوردها المشرع العراقی تفید أن نیة المشرع انصرفت إلى انقصاص الالتزام فحسب. فی حین یری البعض أن نقص الالتزام المرهق أو زیادة الالتزام المقابل لا یختلفان سواء من حیث النتیجة أو الهدف. فالقاضی یقوم بتحمیل المدین تبعة الإرهاق المألوف أولاً، ثم بعد ذلک یستعمل الوسیلة المناسبة مع مراعاة أن تکون الوسیلتان نتیجة للالتزام القائم لا الالتزام الذی تم تنفیذه.
أما المشرع المصری فقد أعطى للمحکمة السلطة التقدیریة فی رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، وهذا یحدث إما بزیادة التزام أحد الأطراف أو بنقص التزامه. أما النظام السعودی فلم ینص صراحةً على آلیة محددة لتحقیق التوازن العقدی.
المطلب الثالث
سلطة القاضی فی وقف العقد
إذا توافرت شروط نظریة الظروف الطارئة، وأدت إلى جعل تنفیذ التزام المدین مرهقاً، یجوز تدخل القاضی بناء على طلب المدین لمراجعة العقد بناء على طلب المدین فی إطار الوسائل البدیلة المتاحة له منها وقف تنفیذ العقد. فإذا قدر القاضی حسب الظروف المحیطة بالظرف الطارئ بأنه مؤقت أو على وشک الزوال فی هذه الحال یأمر بوقف تنفیذ العقد إذا تبین له أنه لا یکفی رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول سواء بزیادة الالتزام المقابل أو بنقص الالتزام المرهق. فالحکم بوقف تنفیذ العقد لا یمس العقد سواء من الناحیة الموضوعیة أو المادیة، ویظل التزام الأطراف محتفظاً بقیمته ومقداره دون أن یتأثر بالوقف حیث یتم تنفیذ وفقاً لما هو متفق علیه وبهذا لا تمس القوة الملزمة للعقد.
ومن المعلوم أن جائحة کورونا شأنها شأن أی جائحة حیث أنها تأخذ حکم الجوائح المنصوص علیها فی التشریع المصری والعراقی والنظام السعودی إذ یجوز للقاضی وقف تنفیذ العقد ولا یجوز له فسخه، وذلک لأن المشرع المصری والعراقی نص صراحةً على أن یجوز للقاضی رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول وبالتالی تتوزع آثار جائحة کورونا على أطراف العقد دون أن یتحملها الدائن وحده بفسخ العقد.
فالوقف الذی یقوم به القاضی یسمى بالأجل القضائی "نظرة المیسرة" حیث أجاز المشرع المصری منح المدین أجلاً لتنفیذ التزامه بشروط محددة منها إلا یلحق بالدائن ضرراً جسیماً. وهذا ما أکدته المادة 346/2 بقولها بأنه ".... یجوز للقاضی فی حالات استثنائیة، إذا لم یمنعه نص فی القانون أن ینظر المدین إلى أجل معقول أو آجال ینفذ فیها التزامه، إذا استدعت حالته ذلک ولم یلحق الدائن من هذا التأجیل ضرر جسیم".
یتضح من هذا النص بأن للقاضی سلطة تقدیریة فی منح المدین أجلاً فی تنفیذ التزامه، وهذه السلطة من النظام العام لا یجوز سلبه إیاه. ویشترط فی الأجل الذی یمنحه القاضی للمدین لتمکینه من تنفیذ التزامه أن تکون حالة المدین تستدعی ذلک، وألا یلحق بالدائن ضرر جسیم، وأن یکون الأجل معقولاً ولا یکون هناک مانع قانونی یمنع القاضی من ذلک. وقد أخذ المنظم السعودی فی عمومه بذلک إلا نه تشدد فی تطبیقها فی المعاملات التجاریة، وهذا ما دفع بعض الفقه إلى القول بأن المنظم قصد من ذلک دعم الائتمان التجاری وخاصة فیما یتعلق بالأوراق التجاریة التی أصبحت تحل محل النقود فی التعامل.
أما فی العراق فقد أکد المشرع على أنه یجوز للقاضی منح المدین أجلاً لتنفیذ التزامه بشروط معینه وهذا ما أکدته المادة 394/2 من القانون المدنی العراقی بنصها على أنه "فإذا لم یکن الدین مؤجلاً أو حل أجله وجب دفعه فوراً، ومع ذلک یجوز للمحکمة عند الضرورة إذا لم یمنعها نص فی القانون أن تنظر المدین إلى أجل مناسب إذا استدعت حالته ذلک ولم یلحق الدائن من هذا ضرر جسیم".
ونلاحظ أن عبارة حالة الضرورة التی رددها المشرع العراقی فی المادة 394 خیر مثال لها جائحة کورنا وإن کان بعض الفقه یری أن الأجل القضائی لیس من تطبیقات نظریة الظروف الطارئة لأنه یمنح للمدین فی غیر تلک الظروف. فإذا کان هو أحد الحلول التی یلجأ إلیها القاضی حینما یکون الظرف خاصاً بالمدین فمن باب أولى تطبیقه على الظرف العام لأنه لا یمس الحقوق المادیة واجبة التسلیم ویقتصر أثره على عنصر الزمن.
ولهذا یمکن تطبیق الأجل القضائی على جائحة کورونا باعتبارها من قبیل الحوادث العامة الاستثنائیة غیر المتوقعة عند إبرام العقد فلم یکن فی حسبان المتعاقدین ظهور الفیروس عند التعاقد. کما أنه لا یمکن دفعه من خلال بذل جهد معقول فقد أدى إلى وفاة الکثیر من الأشخاص فلا یتمکن الأطباء من دفعه إلا فی حالات معدودة.
ومن جانبنا لا نرى أن یتدخل القاضی فی ظل جائحة کورونا ووقف تنفیذ العقد لمدة محددة کما یری البعض بأنه تعدیل لمدة العقد رغم إرادة الطرفین. وذلک لأن التعدیل کان بسبب ظروف خارجة عن إرادة أطراف العقد لم یکن بوسعهم توقعها لحظة إبرام العقد أو أثناء تنفیذه. کما أن الوقف یحدث فی إطار مؤسس یترتب على الأخذ به آثار قانونیة، تشکل مختلف الالتزامات التی تقع على عاتق الأطراف والتی یتم تنظیمها وفقاً لإرادتهما.
وبعدما انتهینا من بیان نظریة الظروف الطارئة ومدى انطباقها فی ظل جائحة کورونا وسلطة القاضی على العقد یثور هنا تساؤل هل تعتبر جائحة کورونا فی کل الأحوال ظرفا استثنائیا؟ بالطبع لا یمکن اعتبار جائحة کورونا ظرفا طارئا فی کل الأحوال فیتعین النظر لکل حالة على حدة. فعلى الرغم من أوجه التشابه بین الظروف الطارئة والقوة القاهرة إلا أنه یوجد فارق بینهما یتمثل فی أن القوة القاهرة تجعل تنفیذ الالتزام مستحیلاً أما الظروف الطارئة تجعل تنفیذ الالتزام مرهقاً. فالجزاء فی الأولى فسخ العقد ولا یمکن تطبیقه على الظروف الطارئة. وهذا ما نص علیه المشرع المصری والمشرع العراقی والنظام السعودی فی بعض الحالات.
ولقد طبق النظام السعودی نظریة القوة القاهرة فی ظل جائحة کورونا على عقد الإیجار وقضى بفسخ العقد لاستحالة تنفیذه حیث قضت المحکمة العامة بمکة المکرمة بأن "المدعی قام باستئجار فندق بمنطقة مکة المکرمة بتاریخ 29/3/1439هـ لمدة خمس سنوات بمبلغ ملیون ومائة الف ریال سعودی تسدد على ثلاث سنوات حیث قام المدعى بتسدید الدفعة الأولى من الإیجار وهی أربعمائة ألف ریال سعودی وبعد السداد طالب المدعی بفسخ عقد الإیجار واستلام المؤجر للفندق إلا أنه فوجئ بطلب المؤجر بدفع باقی الأجرة، على الرغم من انعدام تشغیل الفندق بسبب جائحة کورونا التی على ضوئها أوقفت حکومة المملکة الحج والعمرة حفاظاً على صحة وسلامة المواطنین والمقیمین داخل المملکة. ولهذا قضت المحکمة بفسخ عقد الإیجار لعدم انتفاع المستأجر بالعین المؤجرة بسبب الإجراءات الاحترازیة التی اتخذتها حکومة المملکة وبدء الحجر المنزلی من 21/7/1441هــ و إیقاف العمرة وتقلیل عدد الحجاج هذا العام" .
کما طبق القضاء العراقی نظریة القوة القاهرة فی ظل جائحة کورونا على مدد الطعن التی حددها المشرع للطعن على الأحکام واعتبر التدابیر التی اتخذتها الدولة لمنع التجوال قوة قاهرة حیث قضت محکمة التمییز الاتحادیة بأن" انقطاع الدوام الرسمی نتیجة حظر التجوال بسبب مواجهة جائحة انتشار وباء کورونا یعتبر قوة قاهرة ومن آثارها انقطاع مدد الطعن القانونیة ومنها الطعن التمییزی بالأحکام والقرارات لأن الأیام التی شملها الحظر وانقطاع الدوام الرسمی لا یمکن احتسابها ضمن المدد القانونیة للطعن تمییزاً استناداً الى تعمیم مجلس القضاء الأعلى بالعدد 41 فی 6/4/2020". وهذا ما ردده المشرع المصری بخصوص المواعید الإجرائیة فی القانون رقم 152 لسنة 2021بشأن إجراءات مواجهة الأوبئة والجوائح الصحیة .
الخاتمـة
أولاً: النتائج:
ثانیاً: التوصیات:
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Books
1. Ramadan 'abu alsaeud, 'ahkam alialtizami, dar aljamieat aljadidat al'iiskandiriati, 2004 .
2. Muhamad muhyi aldiyn 'iibrahim salim, nazariat alzuruf altaariat bayn alqanun almadanii walfiqh al'iislamii, dirasat muqaranati, dar alnahdat
Thesis
3.Khamis salih nasir eabdallah almansuri, nazariat alzuruf altaariat watharuha fi altawazun al'iiqtisadaa lileaqda, dirasat tahliliatan fi daw' qanun almueamalat almadaniat al'iimarati, risalat majistir, kuliyat alqanuni, jamieat al'iimarat
4.Eabid najaati, sultat alqadi fi taedil aleaqd fi alqanun almadanii aljazayirii, risalat majistir, kuliyat alhuquq waleulum alsiyasiati, jamieat 'abi bakr bilqayd, aljazayar, 2015-2016.
5.'Iibrahim salim aljihni, 'athar jayihat kuruna ealaa euqud aleamal bialqitae alkhasi fi daw' nizam aleamal alsaeudii "dirasat muqaranati", majalat ruh alqawanin , jamieat tanta, aleadad altisewun , 2020.
Articles&Papers
6. Ahmad alsuwiei shilibka, nazariat alzuruf altaariati: 'arkanuha washurutiha, almajalat al'urduniyat fi aldirasat al'iislamiati, almujaladi3, aleudadu2, 2007, sa171-172.
7.Aqisasi eabd alqadir, nazariat alzuruf altaariat wa'atharuha ealaa tanfidh alailtizam altaeaqudii, almajalat al'afriqiat lildirasat alqanuniat walsiyasiati, jamieat 'ahmad dirayat, adrar- aljazayar, almujalada2, aleudadu2, 2018.
8.Anas faysal alttwrt, tathir fayrus kwrwna ealaa eaqd aleamal bayn alzuruf altaariat walquat alqahirat, majalat kuliyat alqanun alkuaytiat alealamiati, aleadad alsaadisi, alsanat althaaminata, 2020.
9.Hatum ghayib saeid, ainhiar altawazun aleaqdii bi" jayihat kuruna " eaqd altawrid anmwdhjaan, almutamar aleilami, majalat aleulum alqanuniat walsiyasiati, jamieat karkuk, eadad khasa, 2020.
10. Hnan eisaa malkawi, tadaeiat jayihat fayrus kuruna almustajadi ealaa al'amn alsihiyi alearabii, nashriat al'aliksu aleilmiati, aleadad althaani, 2020.
11.Eayid rashid almaraa, aluathar alqanuniat lifayrus kwrwna ealaa aleuqud altijariat fi alqanun alkuaytii, bahath manshur fi majalat ruh alqawanini, kuliyat alhuquqi, jamieat tanta, almujalad al'awala, aleadad althaamin walthamanwn, 2019.
12. Eamar muhsin kazar, nazariat alzuruf altaariat wa'athariha ealaa 'iieadat altawazun alaiqtisadii almukhtali fi aleaqda, majalat markaz dirasat alkufat, aleudadu38 lisanat 2015.
13.Eumar khadir yunis saedu, jayihat kuruna wa'atharuha ealaa alailtizamat altaeaqudia "fi daw' nazariata alzuruf altaariat walquat alqahirati, majalat aljamieat al'iislamiat lildirasat alshareiat walqanuniati, almujaladi29, aleudadu3, 2020.
14.Faris muhamad aleajami, alkhiarat alqanuniat almutahat li'atraf aleaqd altijarii fi muajahat jayihat firyus kuruna ... wasultat alqadi fi 'iieadat altawazun alaiqtisadii lileaqda, majalat kuliyat alqanun alkuaytiat alealamiati, alsanat althaaminata, aleadad alsaadisi, 2020.
15.Qjali murad w murabitayn sifyan, mustaqbal tanfidh alailtizamat aleaqdiat fi zili alzuruf alaistithnayiyat lifayrus kuruna )kufid-19), almajalat aljazayiriat lileulum alqanuniat walsiyasiati, almujalad althaamin walkhamsuna, aleadad althaani, 2021, sa692.
16.Muhamad bukmash, nazariat alzuruf altaariat waealaqatiha bialjawayiha, majalat alhuquq waleulum al'iinsaniatu, almujalad alkhamisu, aleadad al'awala, jamieat aljulfati, 2019,sa325.
17.Muhamad hasan qasima, almustajar fi zaman alkwruna qira'atan fi hakm muhakmat dimyat a'ilibtidayiyat - aldaayirat alraabieat - mudnaaan bitarikh 18/10/2020 fi alqadiat raqm 609 lisanat 2020 mudnaaan klaa damyati, almajalat alduwaliat lilfiqh walqada' waltashriei, almujalad 2 ,aleadad 1 , 2021. • muhamad muhamad 'ahmad suaylamm, sultat alqadi fi tatwie aleaqd fi zili jayihat kuruna fi alqanun almadanii walfiqh al'iislamii, dirasat muqaranati, hawlayt kliyt aldirasat al'iislamuyt walearabiyt lilbanat bialmansurat, almujalad althaani waleishruna, 2020.
18.Muruj mazhar eabaasi, jayihat kuruna walughat aljasid fi mujtamae mahli-qida' almahmudit 'inmwdhjaan, dirasat aijtimaeiat maydaniat fi alfahm waltawasul alaijtimaeii, almujaladi62, aleadad 62, 2020.
Judicial decision
19.Hakum mahkamat damyat aliabtidayiyati, aldaayirat alrabeat madaniun kli, alqadiat raqm 609 jalsat 18/10/2020m.
20.Mahkamat alnaqd almisriatu, altaen raqm 2854 madni, lisanat 78 q, jalsat 2/4/2009.
21.Mahkamat altamyiz aliaitihadiat aleiraqiati, alhakam raqm 281/ayjar, madni, jalsat 7/8/2007.
22. Mahkamat alnaqd almisriatu, altaen raqm 263 madni, lisanat 26q jalsat 3/1/1963, almaktab alfani, madni, alsanat alraabieat eashra, alqaeidat althaalithata.
23.Mahkamat alnaqd almisriatu, altaen raqm 157 madni, lisanat 29q, jalsat 2/7/1964, almaktab alfani, madni, alsanat alkhamisat eashra, alqaeidat 139.
24 Mahkamat alnaqd almisriatu, altaen raqm 368 madni, lisanat 29q, jalsat 26/3/1964, almaktab alfani, madni, alsanat alkhamisat eashra, aleadad al'uwwla.
Cods
25.Alqanun almadaniu almisriu raqm 131 lisanat 1948, alwaqayie almisriatu, aleadad 108 mukariri(a), alsaadir fi 9/7/1948m.
26.Nizam altijarat alalkutruniat alsueudiu alsaadir bialmarsum almalakii raqm (m/126) alsaadir fi 7/11/1440h .
27.Alqanun almadaniu aleiraqiu raqm 40 lisanat 1951 m.
الکتب:
الرسائل:
البحوث والمقالات:
الأحکام:
القوانین: