أصل المقالة
منهجیة التعلیق على القرارات والاحکام القضائیة([1])-(*)-
Methodology for commenting on judicial decisions and rulings
سحر حیال غانم کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Sahar Hyal Ghanim College of law / University of Mosul Correspondence: Sahar Hyal Ghanim E-mail:shrhyal@gmail.com |
(*) مقال مراجعة الموضوع.
Doi: 10.33899/alaw.2021.170040
© Authors, 2021, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المقدمـة
القرارات والاحکام القضائیة تعد جزءً له اهمیة کبیرة فی البناء القانونی لأصول البحث کونه یعد الجانب التطبیقی للنصوص التشریعیة، وتلک الاهمیة تفرض إتباع منهجیة معینة تقوم على عدة خطوات تمثل مراحل متتابعة للوصول الى الفکرة المقصودة من التعلیق على القرار او الحکم القضائی الذی یشکل هدف النشاط الاجرائی للخصوم.
مفهوم منهجیة التعلیق على القرار او الحکم القضائی
یقصد بالتعلیق على القرار او الحکم القضائی، المناقشة والتحلیل التطبیقی لمسألة قانونیة کانت جزءً من عمل القاضی الذی یمثل القیاس المنطقی بین القاعدة القانونیة التی تحکم النزاع المعروض امامه وبین العناصر الواقعیة لذلک النزاع لیفضی بعدها الى نتیجة محددة وهی الحکم.
مضمون منهجیة التعلیق على القرار او الحکم القضائی
ینصب التعلیق بوجه عام على القرارات او الحکم القضائی الصادر من المحاکم العلیا، فهی المرجع لبقیة المحاکم، ولا یمنع ذلک من اعتماد قرار وحکم صادر من المحاکم الاخرى باختلاف درجاتها، وتتضمن فکرة التعلیق هذه على مناقشة الحل الذی قدمته المحکمة لمجموعة من الوقائع مع النظر فیما اذا کانت تتعارض مع النصوص القانونیة من عدمه، ومدى توافق الحل مع اجتهادات المحاکم السابقة، او تقاطعهما بالتطابق او التعارض مع رأی الفقه السائد.
مراحل منهجیة التعلیق على القرار او الحکم القضائی
اولا: مرحلة التحضیر
هذه المرحلة تمثل الادوات الاساسیة التی یعتمدها الباحث فی الوصول الى النتیجة النهائیة المطلوبة من التعلیق وتلک الادوات هی:
یلزم ان یکون اسلوب الباحث فی نطاق الثقافة القانونیة المتراکمة لدیه مع مراعاة الوضوح فی استعمال العبارات التی تحقق القیمة القانونیة المطلوبة من التعلیق، وکذلک یجب ان یکون اسلوب الباحث مُرکزا ویتمیز بالإیجاز معتمدا على المصطلحات القانونیة الصحیحة مبتعدا عن المرادفات الفارغة المعنى والمبنى.
یلزم ان یتمتع الباحث بلغة قانونیة تتوافق مع قواعد اللغة العربیة مع مراعاة ابتعاده عن التزیّد والمبالغة ویعالج موضوعه بشکل انسیابی فی طریقة الکتابة وتسلسلها وصولا الى الفکرة المقصودة التی تمثل تطبیقا صحیحا للمعارف المسبقة التی اکتسبها الباحث وهی تعتمد على المخزون من المادة النظریة لدیه وکذلک الالمام بالإجراءات القانونیة اللازمة لصدور القرار او الحکم القضائی.
اختیار القرار او الحکم یعتمد على مدى اهمیته فی التطبیق العملی کونه یمثل اجتهاد ممیز من القضاء المختص او یمثل ضرورة یقتضیها موضوع البحث الذی یتناوله الباحث بالدراسة فیکون لتلک القرارات او الاحکام القضائیة فی نطاقها مکانا یوضح الجانب النظری فیها ویمثل ایضا احدى وسائل اثراء الدراسة النظریة التی یقدمها.
ثانیا: مرحلة التحلیل
هذه المرحلة تمثل الجانب الموضوعی فی التعلیق ویکون عن طریق تفکیک القرار او الحکم القضائی الى عناصره الاولیة ومن ثم مقارنة تلک العناصر مع التطبیقات والاجتهادات الاخرى، وتبدأ من مقدمة الحکم المتضمنة الجهة القضائیة التی اصدرت الحکم وحیثیاته واسبابه ومن ثم منطوق الحکم بالمبادئ التی احتواها، من خلال قراءة القرار او الحکم القضائی مرات عدیدة بهدوء للوقوف على وقائع القضیة ومنها النقطة القانونیة المثارة فی القرار او الحکم والاسباب التی اعتمدتها المحکمة والترکیز على دلالات ومفاهیم بعضا من المصطلحات الواردة فیه، لیتم بعدها تحدید الجمل الرئیسیة والاساسیة لاستنباط المبادئ القانونیة وفهمها فی ضوء التقلیل القانونی والاسباب التی اعتمدها القرار او الحکم.
ثالثا: مرحلة التعلیق
هذه المرحلة تمثل الجانب الشکلی فی المنهجیة وتکون بشکل تحریری وفق خطة خاصة بالتعلیق تجعل منها مقال او بحث مصغر اذا کان محور التعلیق جاء مستقلا یمثل دراسة تطبیقیة، او کان ذلک التعلیق جزء من دراسة موضوعیة بحثیة فی اختصاص معین وتتضمن الاتی:
مثال تطبیقی لمنهجیة التعلیق على القرار او الحکم القضائی
اولا: نص القرار او الحکم القضائی
منشور فی موقع مجلس القضاء الاعلى العراقی، فی شبکة المعلومات العالمیة، على الرابط، نوع الحکم مدنی رقم الحکم 57/58/ الهیئة الاستئنافیة/ عقار/ 2017 والصادر بتاریخ 20/8/2017.
نص الحکم:
لدى التدقیق والمداولة لوحظ بان الطعنین التمییزیین مقدمان فی مدتهما القانونیة قرر قبولهما شکلا ولتعلقها بموضوع واحد قرر توحیدهما ولدى عطف النظر على الحکم الممیز وجد بان المدعی قد طلب بعریضة دعواه الحکم له بإبطال القید العقاری للدار المرقمة 2084/612 الرباط الکبیر والمسجلة باسم المدعى علیه الثانی وقد استند بدعواه على عدم اشغال الدار من قبل المدعى علیه الثانی وقد قررت محکمة البداءة ابطال قید العقار 2084/612 الرباط الکبیر المسجل بالعدد 4/ ایلول/ 2015 مجلد 177 وقد تم تأیید الحکم البدائی هذا من قبل محکمة الاستئناف ولدى التأمل وامعان النظر فی مستندات الدعوى ومحاضر ضبطها لوحظ بان المدعى قد شغل الدار موضوعة الدعوى ابتداءً کونه احد موظفی شرکة نفط الجنوب وبعد سنة 2003 اقصائه عن وظیفته فی شرکة نفط الجنوب وانقطعت علاقته بالوظیفة العامة مما کان علیه ابتداءً تسلیم هذه الدار الى شرکة نفط الجنوب الا انه بقى شاغلا لهذه الدار وتجاوزا والتکییف القانونی لهذا الاشغال هو الغصب بعینه والغصب لا یکون نعمة للملک او سببا له وانما تغریم کونه غاصبا للدار بحکم قضائی یعتبر کاشف لحالة الغصب ولیس منشئا لها واما بخصوص المدعى علیه الثانی ولکونه احد موظفی شرکة نفط الجنوب تم تخصیص الدار له بموجب المحضر رقم 4 لسنة 2010 ورغم عدم اشغاله للدار تم استقطاع بدلات الایجار عنه وبعد سنوات تم بیع الدار له بموجب عقد البیع والشراء المؤرخ 5/4/2015 وبمبلغ قدره مائة وثمانیة واربعون ملیون وثلاثمائة وعشرون الف دینار وقد تم البیع بدون مزایدة علنیة استنادا الى الاستثناء الوارد فی قانون بیع وایجار اموال الدولة وتم تسجیل هذا العقد بالتراضی فی دائرة التسجیل العقاری المختصة واکتسب هذا التسجیل شکله النهائی وسجلات التسجیل العقاری وسنداتها حجة على الناس کافة بما دون فیها ولا یجوز الطعن بها الا بالتزویر استنادا لصراحة نص المادة 10/1 من قانون التسجیل العقاری اما بخصوص موضوع عدم اشغال المدعى علیه وعدم تحقق هذا الشرط وما یترتب على ذلک لان التملیک قد حصل خلافا للضوابط المعمول بها والتی توجب اشغال الدار وهذا ما استندت الیه محکمة البداءة ومن بعدها محکمة الاستئناف بإبطال القید العقاری فان هذا الاتجاه غیر صحیح ومحل نظر لان عدم توافر شرط الاشغال من قبل المشتری فی عقد البیع لا یعنی بطلانه لان عقد البیع لا یکون باطلا الا فی حالات تخلف احد ارکانه الاساسیة وهی الادارة او المحل او السبب فی العقار رکن الشکلیة فاذا تخلف احد هذه الارکان وشابه عیب الابطال فیکون التصرف باطلا مطلقا ویتمسک بهذا البطلان المتعاقد والغیر ما ینتج عن ذلک بطلان القید العقاری أی ان حقیقة ابطال القید العقاری ما هو الا بطلان عقد البیع الذی تم تسجیله فی دائرة التسجیل العقاری المختصة ولان شرط الاشغال (وهو شرط ولیس رکن) فی عقد البیع المبرم ما بین المدعى علیه الاول والثانی اضافة لوظیفته وعدم تحققه لا یعنی بطلان العقد بطلانا مطلقا بل یعتبر هذا البطلان بطلانا نسبیا ولا یجوز للغیر التمسک به لأنه لیس طرفا فی العلاقة التعاقدیة ما بین البائع والمشتری لان هذه العلاقة هی التی تحکم اخلال او عدم اخلال المتعاقد بهذا الشرط وتنحصر اثار الاخلال علیها فقط ولا یجوز للمدعى باعتباره من الغیر التمسک بهذا الشرط ولا سیما ان عدم اشغال المدعى علیه الاول للدار کان بسبب من المدعی ببقائه شاغلا للدار تجاوزا بعد انقطاع علاقته بالوظیفة وهذا الفعل غیر المشروع لا یرتد على المدعى علیه الاول سیما وانه اقام دعوى منع المعارضة واعادة عقاره بالعدد 429/ب/2016 والمتأخرة لحین حسم هذه الدعوى وصفوة القول مما سلف ذکره وبیانه ان عقد البیع والشراء من قبل المدعى علیه الاول قد توافرت فیه کافة ارکان عقد البیع الصحیح ولا یمکن النیل من هذا العقد مع صحة هذه الارکان وان عدم توافر شرط الاشغال لم یتمسک به المدعى علیه الثانی اضافة لوظیفته ولا یجوز للغیر التمسک وتکون دعوى المدعی بإبطال القید العقاری لا اساس لها من القانون ولما کان الحکم الممیز قد جاء على خلاف ما تقدم ذکره وبیانه وتأسیسا على ما تقدم قررت المحکمة نقض الحکم الممیز واعادة الاضبارة الى محکمتها للسیر فیها وفقا للمنوال المتقدم على ان یبقى رسم التمییز تابعا للنتیجة وصدر القرار بالاتفاق وفق المادة 210/3 من قانون المرافعات المدنیة فی 28/ذی القعدة/ 1438هـ، الموافق 20/8/2017م.
ثانیا: التعلیق على القرار او الحکم القضائی
نتناول التعلیق على القرار او الحکم القضائی المشار الیه انفا فی صورتین:
الصورة الاولى: التعلیق فی محتوى موضوع معین
قرار الحکم الصادر عن محکمة التمییز الاتحادیة مضمونه العقد الباطل ولو افترضنا ان البحث موضوعه یتعلق بنظریة العقد مما یعنی من مقتضیاته ان یتناول الباحث اقسام العقود ومن بینها العقد الباطل وتأسِّیا الى موقف المشرع العراقی فی نص المادة (137) من القانون المدنی العراقی فیکون العقد الباطل هو ما لا یصح اصلا باعتبار ذاته أو وصفا باعتبار بعض اوصافه وهذا هو البطلان عموما حیث لم یأخذ المشرع العراقی بنظریة تدرج البطلان مما یعنی ان الحکم الصادر بما تضمنه من مبدأ یکون متعارضا مع موقف الشرح ویکون التعلیق ضمن محتوى المشرع الخاص بذلک وفق فرضیة الموضوع اعلاه ویدرج بالشکل الاتی:
اما بالنسبة الى موقف المشرع العراقی من العقد الباطل فانه تعرض له فی نص المادة (137) من القانون المدنی العراقی رقم (40) لسنة 1951 المعدل حیث عرفه فی الفقرة (1) بانه "العقد الباطل هو ما لا یصح اصلا باعتبار ذاته او وصفا باعتبار بعض اوصافه الخارجیة"، وبین فی الفقرتین (2) و(3) منها بعضا من التطبیقات التی تمثل بطلان العقد، وجاء موقف المشرع العراقی مخالفا ما تبناه المشرع المصری فی القانون المدنی رقم (131) لسنة 1948 المعدل، حیث جعل البطلان واحدا ولم یعتد بنظریة التدرج بین المطلق والنسبی واید الموقف ذاته الفقه القانونی العراقی([2])، الا ان القضاء العراقی وفی موقف حدیث له جاء بما یتعارض مع تلک الفکرة حیث تبنت محکمة التمییز الاتحادیة([3]) فی قرار لها مبدأ جدیدا اخذت بفکرة تدرج بطلان العقد جاء فیه "عدم تحقق الاشغال من قبل المشتری فی عقد البیع المبرم لا یعنی بطلان العقد بطلانا مطلقا بل یعتبر بطلانا نسبیا ولا یجوز للغیر التمسک به لأنه لیس طرفا فی العلاقة التعاقدیة بین البائع والمشتری".
ویلاحظ من خلال موقف القضاء العراقی بانه جاء مخالفا لموقف القانون المدنی العراقی النافذ ولم یتضمن فی حیثیاته وأسبابه السند القانونی للقول بتدرج بطلان العقد بان یکون مطلقا ونسبیا، ومن جهة اخرى خالف فکرة الدفع بالبطلان کونه من النظام العام ومن حق أی طرف له مصلحة بإثارته امام المحکمة المختصة.
الصورة الثانیة: التعلیق على القرار او الحکم القضائی المجرد عن البحث فی موضوع معین
یتحقق هذا النوع وفق منهجیة تُعتمد لأغراض اخرى غیر تلک التی یقتضیها البحث فی موضوع معین وتکون وفق الاتی:
النوع: موضوعی
القانون: القانون المدنی العراقی رقم (40) لسنة 1951 المعدل.
المحکمة المختصة: محکمة التمییز الاتحادیة العراقیة – الهیئة الاستئنافیة
الوقائع التی تمثل الاشکالیة القانونیة
المدعـی – شاغل العقار المباع بدون مزایدة علنیة والمسجل فی دائرة التسجیل العقاری المختصة باسم المشتری وفق القانون.
المدعى علیهما –
المدعی کان شاغل العقار الحکومی موضوع الدعوى تجاوزا کونه لا یملک الحق ببقائه فی تلک الدار للأسباب التی بینها الحکم، ورغم عدم ترکه للعقار فقد تم تخصیصه للمدعى علیه الثانی ومن ثم بیعه له بدون مزایدة علنیة وفق قانون بیع وایجار اموال الدولة رقم (21) لسنة 2013 المعدل وسجل العقار قیدا فی سجلات دائرة التسجیل العقاری المختصة، ولعدم قناعة المدعی بذلک البیع اقام دعواه امام المحکمة المختصة طالبا ابطال قید العقار کون عقد البیع باطلا والسبب الذی استند الیه فی دعواه ان المدعى علیه لم یکن شاغل العقار عند بیعه له وهذا یعد شرطا لإتمام ذلک العقد واجراءاته.
صدور الحکم بإبطال قید العقار من محکمة البداءة المختصة وأیّد الحکم قضاء محکمة الاستئناف للأسباب التی وردت فیه.
صدر الحکم بنقض القرار الصادر عن محکمة الاستئناف بشأن ابطال قید العقار وتبنى الاجتهاد القضائی فیه فکرة عدم تحقق شرط الاشغال الذی یفرضه قانون بیع وایجار اموال الدولة العراقی لا یجعل العقد باطل بطلاناً مطلقا انما یکون بطلانه نسبیا وهذا ما یمنع المدعی کونه من الغیر ان یتمسک بهذا النوع من البطلان ومن ثم دعواه لا اساس لها من القانون.
المبدأ القانونی الذی تضمنه الحکم
"شرط الاشغال فی عقد بیع العقار وتسجیله باسم المشتری وفق قانون بیع وایجار اموال الدولة لا یعنی بطلان العقد بطلانا مطلقا، بل یعتبر هذا البطلان نسبیا ولا یجوز للغیر التمسک به لأنه لیس طرفا فی العلاقة التعاقدیة ما بین البائع والمشتری".
التوافق بین منطوق الحکم وموقف القانون والفقه
الخلاصة: بطلان العقود فی القانون المدنی العراقی رقم (40) لسنة 1951 المعدل لیس مراتب متدرجة، وهو بطلان واحد یناظر ما یسمى فی یعضا من التشریعات البطلان المطلق، اما البطلان النسبی فالمشرع العراقی لا یقبله کونه لا ینسجم مع صنعة الفقه الاسلامی.
The Author declare That there is no conflict of interest