الملخص
یتضمن موضوع (دور البرلمان فی حفظ التوازن بین مستویات الحکم المختلفة فی الدولة -دراسة مقارنة-) البحث فی دور البرلمان فی درء الاختلاف بین مستویات الحکم المختلفة بشکل عمودی بین المستویین المرکزی والمحلی، بالإضافة إلى التفاوت الافقی بین الحکومات المحلیة ذاتها نتیجة الفوارق بینها فی الإمکانات البشریة والمالیة، ویستعرض الباحثین هذا الموضوع من خلال بیان ذلک فی النظم القانونیة المقارنة فی کل من فرنسا وانکلترا والمانیا الاتحادیة، لبیان مواطن حاجة التنظیم القانونی وفق دستور جمهوریة العراق لسنة 2005 للإسترشاد بتجارب تمیزت بما حققته فی هذا الإطار، وصولاً إلى تعزیز التجربة السیاسیة فی العراق فی بعدیها البرلمانی والاتحادی، لدرء أی تقاطع فی الاختصاصات بین الحکومة الاتحادیة والحکومات المحلیة من ناحیة، فضلاً عن التباین بین الحکومات المحلیة ذاتها.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
دور البرلمان فی حفظ التوازن بین مستویات الحکم المختلفة فی الدولة -دراسة مقارنة -(*)-
Parliament's role in maintaining balance between different governing levels of the state - a comparative study
الباحث مرتضى علی حسین رحیم حسین موسى معهد العلمین للدراسات العلیا کلیة القانون/ جامعة میسان Murtadha Ali Hussein Raheem Hasan Mussa Alalamain Institute for higher education College of law/ University of Maisan Correspondence: Nawaf Hazem Khaled E-mail: [email protected] |
(*) أستلم البحث فی 22/10/2020 *** قبل للنشر فی 10/11/2020.
(*) Received on 22/10/2020 *** accepted for publishing on 10/11/2020.
Doi: 10.33899/alaw.2020.128747.1108
© Authors, 2021, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
یتضمن موضوع (دور البرلمان فی حفظ التوازن بین مستویات الحکم المختلفة فی الدولة -دراسة مقارنة-) البحث فی دور البرلمان فی درء الاختلاف بین مستویات الحکم المختلفة بشکل عمودی بین المستویین المرکزی والمحلی، بالإضافة إلى التفاوت الافقی بین الحکومات المحلیة ذاتها نتیجة الفوارق بینها فی الإمکانات البشریة والمالیة، ویستعرض الباحثین هذا الموضوع من خلال بیان ذلک فی النظم القانونیة المقارنة فی کل من فرنسا وانکلترا والمانیا الاتحادیة، لبیان مواطن حاجة التنظیم القانونی وفق دستور جمهوریة العراق لسنة 2005 للإسترشاد بتجارب تمیزت بما حققته فی هذا الإطار، وصولاً إلى تعزیز التجربة السیاسیة فی العراق فی بعدیها البرلمانی والاتحادی، لدرء أی تقاطع فی الاختصاصات بین الحکومة الاتحادیة والحکومات المحلیة من ناحیة، فضلاً عن التباین بین الحکومات المحلیة ذاتها.
الکلمات المفتاحیة: الرقابة البرلمانیة، الحکومات المحلیة، الفیدرالیة.
Abstract
The topic (Parliament's role in maintaining balance between different levels of government in the country - a comparative study) includes researching the role of parliament in preventing the difference between different levels of government vertically between the central and local levels, in addition to the horizontal disparity between local governments themselves as a result of the differences between them in human capabilities, the researchers review this topic by explaining it in the comparative legal systems in France, England and Germany, to clarify the citizens of the need for legal regulation in accordance with the Constitution of the Republic of Iraq for constitution of 2005 to guide the experiences distinguished by what they have achieved in this framework, in order to strengthen the political experience in Iraq in its parliamentary and federal dimensions, to ward off any intersection in the competencies between the federal government and local governments on the one hand, as well as the discrepancy between the local governments themselves.
key words: Parliamentary oversight, local governments, federalism.
المقدمـة
أولاً – موضوع الدراسة
یحفُّ تزاید منح الاختصاصات للحکم المحلی محذورات قد تهدد هیکل الدولة وتُزعزع ثبات الهویة الوطنیة العلیا التی یتوخى التنظیم القانونی جاهداً إیجاد حلول تجعل نظام الحکم فی الدولة صالحاً ومُنسجماً بالشکل الذی یحِّد من أی فوارق قد تهدد ثبات واستقرار الجماعة فی هویتها الوطنیة، وتعد الرقابة البرلمانیة أبرز أنواع الرقابة السیاسیة، إذ یمتلک البرلمان مدى واسع من المکنات القانونیة التی تؤهله لحفظ التوازن بین المرکز والمحلیات والرقابة على أدائها.
ثانیاً – أهمیة الدراسة
تتجلى أهمیة الدراسة فی تأصیل الرقابة البرلمانیة على الحکومات المحلیة، مقارنة بالرقابة القضائیة والإداریة، مع ملاحظة أن دستور جمهوریة العراق لسنة 2005 تبنى النظام البرلمانی والاتحادی على حد سواء، وتوسع فی اختصاصات مجلس النواب بالمقارنة مع غیره من الأنظمة البرلمانیة، کما جعل من الحکومات المحلیة غیر خاضعة لسیطرة أو إشراف أی وزارة أو جهة غیر مرتبطة بوزارة، مما حدى بالمشرع تنظیم رقابة برلمانیة مباشرة على الحکومات المحلیة وفق قانون المحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم رقم (21) لسنة 2008 المعدل، الامر الذی یستدعی البحث فی مقومات هذه الرقابة بالمقارنة مع تجارب سیاسیة لبیان دور البرلمان فی حفظ التوازن بین مستویات الحکم المختلفة.
ثالثاً – إشکالیة البحث
تتلخص إشکالیة الدراسة فی الجدل الفقهی بصدد رقابة مجلس النواب فی العراق وفق دستور جمهوریة العراق لسنة 2005 على الحکومات المحلیة، ومع التطبیقات العملیة لهذه الرقابة، وآراء القضاء الدستوری بصدده، مـا یستلزم إثارة التساؤل حول امتلاک هذا الشکل من الرقابة مقومات کافیة لتبنیه على هذا الوجه بما یحفظ التوازن بین مستویات الحکم المختلفة، مسترشدین بتجارب الدول المقارنة.
رابعاً_ منهجیة الدراسة
إن دراسة موضوع البحث یقتضی إتباع المنهج التحلیلی المُقارن، وذلک من خلال استعراض النصوص القانونیة المنظمة لهذه العلاقة فی دستور جمهوریة العراق لسنة 2005 والقوانین ذات الصلة، وتحلیلها بالمقارنة مع التنظیم القانونی فی الدول محل المقارنة وهی فرنسا وانکلترا وألمانیا الاتحادیة.
خامساً- نطاق البحث
یعتمد نطاق الدراسة فی اختیار دور البرلمان فی حفظ التوازن بین مستویات الحکم المختلفة فی فرنسا وانکلترا والمانیا الاتحادیة، توخیاً لإتاحة مادة وافرة للاستفادة من التجارب القانونیة لهذه الدول الثلاث ، ومقارنتها بالتنظیم القانونی فی العراق فی ظل دستور جمهوریة العراق لسنة 2005 الذی تمیز بتبنی الشکل الاتحادی للدولة متمثلاً فی فیدرالیة إقلیم کردستان فضلاً عن اللامرکزیة الاداریة فی المحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم؛ ویرتبط اختیار فرنسا بکونها دولة بسیطة من حیث شکل النظام السیاسی، تتمیز برسوخ القیم الدیموقراطیة وأثرها فی اللامرکزیة الاداریة التی لازالت تتمتع بالمرونة فی تنامی حلقات تطورها وأبرزها ما حصل بعد صدور دستور الجمهوریة الخامسة لسنة 1958، أمـا انکلترا فیرجع اختیارها لرسوخ الحکومات المحلیة وتعدد أشکالها واختصاصاتها، فعلى الرغم من الشکل البسیط للدولة إلا أنه مغایر لما علیه الحال فی فرنسا ومن وحدة نمط المحلیات فیها، فمع عدم وجود حدود دستوریة یشکل الرسوخ التاریخی لقوة البرلمان عامل مهم فی هیمنة السلطة التشریعیة، أمـا جمهوریة المانیا الاتحادیة فلکونها تتبنى الشکل الاتحادی وفق دستور 1949، إذ یتمتع تشکیل البرلمان فیها بخصوصیة تعکس أهمیة المقاطعات الاتحادیة، بما یساهم فی الحیلولة دون حصول أی منازعات فی الاختصاصات بین الحکومة الاتحادیة والحکومات المحلیة.
سادساً_ فرضیة الدراسة
تقوم فرضیة البحث على أساس أن الاختلاف بین مستویات الحکم على المستوى الوطنی والمحلی والتباین بین الحکومات المحلیة المختلفة فی الدولة الواحدة یهدد وحدة الدولة وتکافؤ الفرص فیها وفق اختلافها بالإمکانات المادیة والبشریة، وأن الدور الذی یمکن للبرلمان أن یلعب دوراً فی الحیلولة دون ذلک.
سابعاً_ خطة الدراسة
لغرض التوصل إلى النتائج المتوخاة وفق فرضیات البحث ارتأینا تقسیمه إلى مطلبین، الأول لبیان دور البرلمان فی حفظ التوازن بین مستویات الحکم المختلفة عمودیاً، و الثانی للبحث فی حفظ التوازن الافقی بین الحکومات المحلیة.
المطلب الأول
دور البرلمان فی حفظ التوازن بین مستویات الحکم المختلفة عمودیاً
إن الاعتراف بوجود مقتضیات للحکم المحلی فی الدولة تستلزم تنظیم الاوضاع السیاسیة والاداریة والمالیة والاقتصادیة بالشکل الذی یحافظ على استقرار الدولة، ویظهر تأثیر البرلمان فی تحقیق ذلک من خلال رقابته على السیاسة العامة فی کل منهما، فیضطلع بدور مؤثر فی ضمان التنمیة المحلیة مع عدم مخالفة توجهات الحکومة المرکزیة والتأکد من استخدام الحکومات المحلیة لسلطاتها بکفاءة([1]).
سنبین فی هذا المطلب دور البرلمان فی درء التباین العمودی بین مستویات الحکم المختلفة فی فرعین نخصص الاول للدول المقارنة وهی فرنسا([2])،وانکلترا([3])،والمانیا الاتحادیة، والثانی للعراق.
الفرع الاول
دور البرلمان فی درء التباین العمودی بین مستویات الحکم فی الدول المقارنة
على الرغم من وسائل التنسیق والتعاون بین مستویات الحکم المختلفة فی الدول التی یوجد فیها حکم محلی على اختلاف درجاته، إلا إن احتمالات الاختلاف والتنافس بینها تبقى حاضرة، فلا یمکن افتراض عدم حصول تداخل فی الاختصاصات، والاصل العام المتبع بأن یکون فض أی تنازع بین مستویات الحکم من خلال تغلیب القانون الاتحادی على أی تنظیم محلی([4]) .
نجد تبلور هذا الدور فی فرنسا التی تتمیز بوحدة النمط فی تشکیل اجهزة واختصاصات المحافظات وعلاقتها بالسلطة المرکزیة، باستثناء بعض الخصوصیة للعاصمة باریس والمدن التی تتمیز بکثافة السکان والنشاط الاقتصادی فی مارسیلیا ولیون، وکأی شخص عام یفترض أن تتوافق اختصاصاته مع مصادر تمویله، فإن ذلک یتطلب تمکین الجماعة المحلیة فی مباشرة تخصصاتها([5])، التی لا تنحصر بالنظام العام فی الامن والسکینة والصحة، بل تمتد إلى مجالات اقتصادیة واجتماعیة واسعة منذ صدور قانون الادارة المحلیة رقم (213) لسنة 1982، الذی على الرغم من توخیه توسعة سلطة المجالس الشعبیة المحلیة بالشکل الذی یعد شهادة المیلاد لوجود حکم محلی فی فرنسا، إلا أنه لم یغل ید سلطة الحکم المرکزیة، بل اکد على ضرورة عدم تنصلها عن إشباع حاجة المرافق المحلیة عند الحاجة،من خلال هیمنة التشریع الوطنی على کلا السلطتین([6]).
یتألف البرلمان الفرنسی من مجلسین هما الجمعیة الوطنیة (577) نائب ومجلس الشیوخ (343) نائب، ویختص بغرفتیه بصلاحیات عدیدة فی مجال مراقبة أعمال الحکومة وفی المجالات التشریعیة والمالیة، تنتخب الجمعیة الوطنیة بالاقتراع العام المباشر، أمـا مجلس الشیوخ فهیئة ناخبیه تتمثل فی أعضاء المجالس الشعبیة للبلدیات والمحافظات والاقالیم وأقالیم ما وراء البحار، وهو غیر قابل للحل بخلاف الجمعیة الوطنیة التی یمکن لرئیس الجمهوریة حلها، وعلى الرغم من تمتع الجمعیة الوطنیة بصلاحیات أوسع من مجلس الشیوخ، الذی یلعب دوراً استشاریاً من خلال اقتراح التعدیلات على مشروعات القوانین التی یترک للجمعیة الوطنیة اختصاص الأخذ بها عند التصویت، إلا إن رئیس المجلس یشغل منصب نائب الرئیس الفرنسی وفی حال شغور منصب رئاسة الجمهوریة بسبب الوفاة أو الاستقالة فإن رئیس مجلس الشیوخ یصبح حینها مؤقتا رئیساً مؤقتاً للجمهوریة، کما أن مجلس الشیوخ یمارس دوراً رقابیاً على الحکومة کممثل للجماعات المحلیة من خلال المسائلات الکتابیة إلى الوزراء([7])، کما تُستلزم موافقته على أی تعدیل دستوری إذ یجب أن یصوت مجلسا البرلمان على مقترح التعدیل فی صیغة موحدة، قبل عرضه على الاستفتاء الشعبی لإقراره([8]).
جدیرٌ بالإشارة إلى أنه تعود للبرلمان سلطة إنشاء الوحدات المحلیة الجدیدة دون تدخل من الحکومة المرکزیة، فإذا رغبت الأخیرة فی ذلک فعلیها تقدیم مقترح للبرلمان لهذا الغرض، کما تشترط موافقته على أی تغییر إقلیمی بالدمج أو الضم لحدود البلدیات([9])، وبعد أن کان للحکومة عزل أو فصل أعضاء المجالس الشعبیة أو الحلول محلها عند الإهمال أو التقاعس فی أداء واجباتها، فلم یعد ذلک ممکناً بعد صدور قانون الإدارة المحلیة لسنة 1982، وأصبح الامر یستلزم صدور قرار من مجلس الدولة بذلک([10])، وتقوم الحکومة المرکزیة بالحلول محل المجلس الشعبی دون الحاجة لصدور حکم من القضاء الإداری بذلک فی حال حصول حرب، وإهمال العمدة أو رفضه القیام بأعمال ضروریة، مع ان ذلک یبقى ضمن الاطار الرقابی العام للبرلمان([11]).
علیه یلحظ أن البرلمان الفرنسی له دوراً واضحاً فی حفظ التوازن العمودی بین الحکومة المرکزیة والحکومات المحلیة، ویظهر اتجاه المشرع الى التخفیف من هیمنة السلطة التنفیذیة المرکزیة التاریخیة على الإدارات اللامرکزیة، ودعم المجالس الشعبیة.
أمـا فی انکلترا فإن الحکم المحلی یتمیز بخصائص معینة، إذ یعتمد على تقسیم الأقالیم إلى وحدات غیر متماثلة تختلف فی تشکیلها واختصاصاتها وسلطاتها، کما تختلف فی درجة الرقابة علیها، یتحکم مجلس البرلمان بتنظیم ذلک على وفق التباین فی الاهمیة وعدد السکان والموارد، واختلاف الظروف السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة([12])، کما یمکن التأثیر على المجالس الشعبیة المحلیة الاقلیمیة فضلاً عن تشریع وتعدیل القوانین ذات الصلة، باستخدام النفوذ من خلال الاحزاب التی تسیطر على البرلمان لضمان تحقیق برامجها الوطنیة محلیاً، وجدیر بالذکر أن ارتباط رسم السیاسات العامة مرکزیاً ومحلیاً بالأحزاب السیاسیة یعد عاملاً مهماً فی التناغم والتنسیق بین المرکز والمحلیات وعدم حصول تنازع فی الاختصاصات([13]).
جدیر بالإشارة إلى إن البرلمان الانکلیزی یتألف من مجلسین، مجلس اللوردات ومجلس العموم، إلا إن اختصاصات المجلس الثانی توسعت حتى لم یبق للمجلس الاول سوى اختصاصات شرفیة أکثر منها حقیقیة، فی مقابل تمتع مجلس العموم بجمیع الاختصاصات التشریعیة والرقابیة، إذ یتحکم بمجمل أوضاع الحکومات المحلیة فی انکلترا؛ فاللوائح التی تصدرها الحکومات المحلیة لا تخرج عن نطاق توجیه مجلس العموم والحکومة المرکزیة المنبثقة عنه، حیث أن سلطة الحکومة المحلیة لا تظهر إلا بحدود اختصاصاتها التی تحددها القوانین التی یشرعها البرلمان، فالولایة کاملة ولکن فی نطاق الاختصاص المحدد والذی غالباً ما یکون فی مسائل المنافع الاجتماعیة والاحوال الشخصیة وقواعد الاجراءات المدنیة والتجاریة([14]) .
لذا نجد فی انکلترا وعلى الرغم من عراقة الحکم المحلی فی هذا النظام السیاسی فإنها لا تنظم إلا عدة شؤون لصالح سکانها فی إطارها الإقلیمی مستخدمة بعض امتیازات السلطة العامة فی حدود ما تأذن به تشریعات الدولة وتحت رقابتها، فهی تبقى معتمدة على إرادة السلطة التشریعیة فی تحدید اختصاصاتها القانونیة التی یظهر فیها أنها مشتقةً وثانویة وخاضعة للتشریعات المرکزیة التی تتسم بأنها أصلیة وأولیة وسامیة فی الهرم القانونی للدولة، کما إن المنطق العلمی السلیم یقضی بأنه إذا کانت رقابة البرلمان السابقة تبدأ بإقرار القانون الخاص بإنشاء المحلیات واختصاصاتها فإن هذه الرقابة لا یُتصور أن تقف عند هذا الحد، بل تمتد لعلاج الثغرات التشریعیة التی قد یکشف عنها الواقع العملی([15]).
ومن أهّم مقومات فرض الرقابة البرلمانیة على الحکومات المحلیة حمایة الدولة من أعباء الممارسات المالیة التی قد تُلقی بأعبائها على الموازنة العامة، فالمشاریع المحلیة التی تتطلب قروضاً لا یمکن لها أن تمر دون إذن مجلس العموم وتحققه من وجود ضمانات ورقابة فعالة من أجل انتظام الاقتصاد الوطنی وحمایة الاجیال اللاحقة من تبعات تلک الدیون([16]).
أمـا فی ألمانیا یلعب البرلمان دوراً أساسیاً فی الحیلولة دون حصول أی منازعات فی الاختصاصات بین الحکومة الاتحادیة والحکومات المحلیة أو تقاطع التشریعات، إذ أن طبیعة تشکیل السلطة التشریعیة الاتحادیة تقوم على أساس تکوینه من مجلس نواب اتحادی (البوندستاغ) یقوم على أساس التمثیل السکانی لکل الشعب، ومجلس آخر للمقاطعات (البوندسرات) یتألف من اعضاء فی حکومات المقاطعات الاتحادیة التی تقوم بتعینهم وسحبهم ویمکن لأعضاء اخرین فی حکوماتهم ان ینوبوا عنهم، یقوم التمثیل فی مجلس المقاطعات لیس بذات العدد لکل ولایة کما هو معروف فی الدساتیر الاتحادیة، إنما على أساس حجم السکان، فتمثل کل مقاطعة (Lander) بثلاثة أعضاء على الأقل، تمثل المقاطعات التی یزید عدد سکانها عن ملیونین بأربعة أعضاء، أما التی تزید عن ستة ملایین فتُمثل بخمسة، أمـا التی تزید عن سبعة ملایین تمثل بسبعة، تتضمن آلیة تمثیلهم لمقاطعاتهم باشتراط تصویتهم بشکل موحد([17]).
لقد أعطى الدستور لمجلس الاتحاد حقین للاعتراض على سیر التشریع احداهما توقیفی، یمکن لمجلس النواب تجاوزها بإعادة التصویت علیه، والآخر مطلق یتعلق بفرض الضرائب التی تقع على کل المقاطعات أو بعضها أو تمس أراضی المقاطعات([18])، کذلک أی قانون یعهد للحکومة الاتحادیة اصدار تعلیمات لحکومات المقاطعات([19])، کما ینص الدستور على إن لأعضاء مجلس الاتحاد حضور جمیع جلسات المجلس النیابی الاتحادی وجلسات لجانه وینبغی الاستماع الى وجهات نظرهم([20])، یظهر من تکوین البوندسرات أنه یتألف من أشخاص ممثلین لحکوماتهم المحلیة، لا منتخبین مباشرةً أن مهام هذا المجلس أقرب إلى الوظیفة الرقابیة لمجلس النواب دون وظائفه الأخرى، بما یتوخى حمایة الحقوق الاقلیمیة من أی تجاوز من الحکومة الاتحادیة، علیه یعد نوعاً من الرقابة لصالح المحلیات، فالرقابة فی ذاتها لیست الا تحقیقاً لغایات وجود الجهة التی تنشأ لتحقیق مصالح مُعینة، التی تتوخى هنا الحیلولة دون القوانین والقرارات المرکزیة التی قد لا تلتقی مع مصالح السکان المحلیین([21]).
لغرض دعم استقرار ونمو الاقتصاد یلتزم کل من الاتحاد والمقاطعات بالتنسیق لوضع مخططات مالیة تتضح فیها ایرادات ونفقات موازناتهم خلال مدة زمنیة قدرها خمسة أعوام، یخضع هذا التنسیق لهیئة تُسمى مجلس التخطیط المالی المرکزی، لا یتم قبول أی اقتراحات للتعدیل أو برامج للطوارئ إلا بموافقة مجلس الاتحاد([22]).
على أن مجلس النواب یتمتع بسلطة واسعة فی الرقابة على منح الصلاحیات للمقاطعات فی استیفاء الایرادات المحلیة من ضرائب ورسوم لغرض التمکُّن من القیام بمسؤولیاتها، وتحدید حجم الایراد کنسبة مما یعود للمرکز أو للولایة من ثروات طبیعیة أو مـا یفرض من ضرائب ورسوم على نشاطات تجاریة أخرى بما یکفل الشعور العام لدى المواطنین بأن انفاقهم المحلی یرتبط بمدفوعاتهم محلیاً، وما تستحصله الحکومة المرکزیة یوافق واجباتها، لضمان الرضا العام عن النظام المالی المرکزی والمحل([23]).
علیه نجد الضمانات القانونیة فی حفظ التوازن العمودی بین الحکومة المرکزیة والحکومات المحلیة فی الدول المقارنة على مستوى التشریع والادارة فضلاً عن السیاسة المالیة والاقتصادیة ترتبط بشکل واضح بوجود تنظیم قانونی لرقابة البرلمان الاتحادی على الحکم المحلی لحفظ التناسق التشریعی والاداری فی الدولة وتوزیع الاعباء المالیة بین الحکومة المرکزیة والحکومات المحلیة .
الفرع الثانی
دور مجلس النواب فی درء التباین العمودی بین مستویات الحکم فی العراق
بفعل تأثیر رد الفعل على الطابع المرکزی الاستبدادی للنظام السیاسی السابق، فإن منعطف الانتقال بعد عام 2003، ظهر وفق قانون إدارة الدولة العراقیة للمرحلة الانتقالیة لسنة 2004 ومن ثم دستور جمهوریة العراق الدائم لسنة 2005([24])،بتبنی الشکل الاتحادی للدولة وفق تقسیم للاختصاصات یتضمن بیان اختصاصات السلطة المرکزیة على سبیل الحصر، وذکر الاختصاصات المشترکة بینها وبین الحکومات المحلیة، وترک ما سواها للحکومات المحلیة([25])، وعلى أن کل ما لم ینص علیه فی الاختصاصات الحصریة للسلطات الاتحادیة، یکون من صلاحیة الأقالیم والمحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم([26]).
هذا یعنی اتجاه الدستور نحو تقویّة سلطات الاقالیم والمحافظات على حساب السلطات المرکزیة خصوصاً مع تغلیب القوانین التی تصدر عن الاقالیم والمحافظات غیر المنتظمة بإقلیم على القانون الصادر عن السلطة المرکزیة فی الصلاحیات المشترکة فی حالة حدوث نزاع بینهما([27])، فضلاً عن نص الدستور على عدم خضوع مجالس المحافظات لسیطرة أو إشراف أیة وزارة أو جهة غیر مرتبطة بوزارة([28]).
إنّ مثل هذا التوجه فی عدم خضوع الحکومات المحلیة لإشراف السلطة التنفیذیة من ناحیة، وترجیح التشریعات المحلیة على التشریعات الوطنیة من ناحیةٍ أخرى یعد إخلالاً بأحد أرکان الحکم المحلی المتمثل بخضوعه لرقابة السلطات العامة فی الدولة؛ فالهیئات المحلیة مهما بلغ بها الاستقلال یفترض أن تبقى فی نهایة الأمر مؤسسات قانونیة تعمل ضمن الإطار العام للدولة([29])، الأمر الذی ظهر للمشرع العراقی تدارکه بعد ثلاث سنوات من نفاذ دستور جمهوریة العراق لسنة 2005 عند سنّه قانون المحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم رقم (21) لسنة 2008([30])، الذی تضمن النص على خضوع مجالس المحافظات والمجالس المحلیة لرقابة مجلس النواب([31])،ومنها تنظیم اختصاصه بإقالة المحافظ وحل مجلس المحافظة([32]).
ذهب رأی من الفقه إلى أن فی ذلک ابتداع لاختصاص جدید لمجلس النواب([33])، إذ لم تنص علیه وکان الاولى بالمشرع وفقاً لهذا الرأی جعل إقالة المحافظ من اختصاص السلطة التنفیذیة، فضلاً عن عدم وجود مُسوّغ منطقی لهذا الاختصاص على اعتبار تنافیه مع فکرة القرار المضاد لتنحصر سلطة الاقالة بجهة التعیین وهی مجلس المحافظة([34]).
یمکننا إثارة بعض الملاحظات بصدد هذا الرأی، نوجزها بما یأتی :
علیه نجد فی منح مجلس النواب وفق قانون المحافظات رقم (21) لسنة 2008 المعدل سلطة رقابیة تنظیماً للتوازن العمودی بین مستویات الحکم، للحیلولة دون أی تنازع یُفضی إلى الاخلال بالنظام العام لعمل مؤسسات الدولة، أمـا بصدد الدور الذی یفترض لمجلس النواب ممارسته فی إطار درء التباین العمودی تجاه الأقالیم فی ظل الشکل الاتحادی للدولة ووجود إقلیم کردستان([41])، الثابت فی الدول الفیدرالیة المقارنة ضرورة وجود تنظیم لممارسات رقابیة من السلطات الاتحادیة على الأقالیم لضمان قیامها بواجباتها تجاه الدولة الاتحادیة، فضلاً عن التزاماتها بتنفیذ القوانین الاتحادیة فی النطاق المحلی([42])، من ضمانات الحفاظ على المصالح الاقلیمیة فی ظل الوحدة الوطنیة تشکیل البرلمان من مجلسین أحدهما للنواب وآخر للأقالیم، مع تباین اختصاصات هذا المجلس أو ذاک بین دولة وأخرى، الذی ظهر من دراسة النظام الاتحادی الالمانی أنه على الرغم من أن السلطات التی یتمتع بها (البوندسرات) الذی یمثل المقاطعات تبدو أقل من (البوندستاغ) الذی یمثل عموم الشعب، إلا إن کلا المجلسین یمارسان سلطة حقیقة ومؤثرة([43]).
ووفقاً لذلک نص دستور جمهوریة العراق لسنة 2005 على أن السلطة التشریعیة تتکون من مجلس النواب ومجلس الاتحاد، وأحال تنظیمه واختصاصاته لقانون یسن بأغلبیة ثلثی مجلس النواب([44])، ومع وجود مبررات موضوعیة فی رأی بعض الفقه الدستوری فی العراق لعدم جدوى مثل هذا القانون؛ ذلک أن جمیع الاختصاصات التشریعیة والرقابیة مناطة وفق الدستور بمجلس النواب، وعلیه فأی سلب لاختصاصٍ منها یستلزم بالضرورة تعدیل الدستور([45])، ولا یخفى صعوبة انجاز أی تعدیلات دستوریة([46]).
إلا إننانرى أن عدم تشریع هذا القانون یستلزم هو الآخر تعدیلاً للدستور کونه نص على تنظیمه، وحیث أن إعمال النص أولى من إهماله، نجد من المناسب تشریع قانون الاتحاد ونقترح أن تتألف هیئة الناخبین من المجالس التشریعیة لإقلیم کردستان ومجالس المحافظات، وأن یکون عدد أعضاءه نائب واحد عن کل ملیون مواطن، وأن یوکل للمجلس اختصاصات استشاریة لتجنب حصول التنازع فی الاختصاص التشریعی، خصوصاً وأن الدستور ینص على منح الاقلیم سلطة واسعة تصل الى أنه یحق له تعدیل تطبیق القوانین الاتحادیة فی حال وجود تعارض مع قانون محلی فی غیر الاختصاصات الحصریة للسلطة الاتحادیة([47])، على غرار مجلس الشیوخ الفرنسی الذی یلعب دوراً هاماً فی استقرار النظام السیاسی على الرغم من سلطاته المحدودة فی مناقشة مشروعات القوانین وتقدیم الاستشارة واقتراح القوانین وتعدیلاتها([48])، یمکن لمجلس الاتحاد فی السلطة التشریعیة فی العراق أن یلعب دوراً مشابهاً بما یساهم فی حفظ التوازن العمودی بین الحکومة المرکزیة والحکومات المحلیة، خصوصاً مع افتقار تجربة الدولة المرکبة فی العراق لتنظیم قانونی واضح فضلاً عن ممارسات عملیة تحسم المنازعات التی تحصل بین الحکومة المرکزیة والحکومات المحلیة فی المحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم أو مع إقلیم کردستان، فی سعی کل من السلطة الاتحادیة والسلطات الإقلیمیة والمحلیة لتحقیق أکبر قدر من المکاسب على حساب غیرها من السلطات([49]).
لاشک أن الافتقار للعمق التاریخی فی العمل البرلمانی فضلاً عن الحکم المحلی أثره فی ذلک*، فیمکن لتراکم التجربة أن یُکسب قدر غیر قلیل من القوة والاحترام لأی تنظیم قانونی، لیس فقط فی تأصیل وجوده وصد أعین النقد عنه فحسب، بل ویکفی لوقایة المجتمع من مساوئ الطفرات والاندفاع([50]).
جدیر بالإشارة فی ذات السیاق الصعوبات العملیة التی وقع عبئها على مجلس النواب فی تنظیم القوانین ذات الصلة، فبعد تشریع قانون المحافظات غیر المنتظمة فی اقلیم رقم (21) لسنة 2008 توالت علیه التعدیلات، إذ منح التعدیل الثانی صلاحیات واسعة للحکومات المحلیة فی المحافظات، ثم عاد وسلب بعضها بموجب التعدیل الثالث([51])، الحال ذاته حصل مع قانون انتخابات مجالس المحافظات، الذی وصل الامر فیه إلى حل مجالس المحافظات بموجب القانون رقم (27) لسنة 2019 التعدیل الثانی لقانون انتخابات مجالس المحافظات رقم (12) لسنة 2018([52])، وحلول مجلس النواب محل مجلس المحافظة بشکل مباشر کجهة رقابیة على السلطة التنفیذیة المباشرة للحکم المحلی فی المحافظة، بالنص على " یقوم اعضاء مجلس النواب وکلاً قدر تعلق الامر بالمحافظة التی یمثلها بممارسة الاشراف والرقابة على اعمال المحافظ ونائبیه فی کل محافظة وتقدیم التوصیات اللازمة بشأنها لمجلس النواب" ([53])، وهو نهج غریب وغیر متزن، فإمـا أن یُعترف بوجود مجالس شعبیة محلیة تمارس اختصاصاتها وفق القواعد العامة المعروفة، أو تباشرها السلطة المرکزیة والتی تخضع بالنتیجة للرقابة العامة لمجلس النواب، یمکننا بیان جملة من الملاحظات بصدد ذلک، هی :
علیه نجد أن هذا التعدیل لم یُضف اختصاصاً رقابیاً بالمعنى الدقیق، وخالف جملة من القواعد البرلمانیة الاساسیة، ولعل هذا التخبط ناجم عن رغبة المُشرع العراقی فی معالجة الاخفاقات التی تواجه الحکومة الاتحادیة والحکومات المحلیة على حد سواء فی إعمال نصوص الدستور، الأمر الذی انعکس على حیاة المواطنین بالنتیجة والذی نـُرجع أساسه لغیاب التراکم التشریعی والعملی، بما أظهر حاجة الحکم المحلی لعناصر بشریة وتنظیمیة عدیدة تتطلبها الغایة من الاعتراف به وتنظیمه وصولاً إلى تطبیق الدیموقراطیة من ناحیة وتحقیق الخدمات من ناحیة أخرى، فضلاً عن حاجة مجلس النواب لتأصیل تجربته بما یلیق ومکانته کمؤسسة دستوریة تتولى إنشاء القواعد القانونیة والرقابة على تنفیذها.
المطلب الثانی
دور البرلمان فی حفظ التوازن الافقی بین الحکومات المحلیة
یُفترض ان لکل المواطنین الحق فی الحصول على ذات المستوى من الخدمات التی تقدمها الاجهزة الحکومیة، فإذا مـا کانت هناک امتیازات لبعض الحکومات المحلیة تنعکس على الخدمات التی تقدمها، أو إذا تطلبت تلک الخدمات استیفاء ثمن خدمة أو فرض ضرائب متفاوتة بین السکان، فسیؤثر ذلک على أحد الأهداف العلیا والاساسیة للدولة وهو إعمال مبدأ المساواة بین المواطنین، تسمى مثل هذه الحالة بالتباین أو عدم التوازن الأفقی (Horizontal Imbalances)([58])، والتییمکن أن تحصل عند عجز المحافظات أو الأقالیم عن تقدیم ذات مستوى الجودة من الخدمات الذی تقدمه حکومة محلیة أخرى لاختلاف مستوى الوفرة، أو تبعاً لنسبة السکان أو أی ظروف أخرى([59]).
سُنبین فی هذا المطلب دور البرلمان فی درء حصول هذا التباین فی الدول المقارنة ومن ثم نستعرض دور مجلس النواب العراقی فی ذلک.
الفرع الاول
دور البرلمان فی درء التباین الأفقی بین الحکومات المحلیة
فی الدول المقارنة
یلعب البرلمان بما یمثله من مؤسسة تضم نواب یمثلون الشعب بأکمله، وبما یمتلکه من أدوات فی نطاق التشریع على المستوى الوطنی وإقرار الموازنة العامة فضلاً عن وسائله الرقابیة الأخرى دوراً مؤثراً للحد من حصول التباین بین الوحدات المحلیة وفق مواردها المادیة والبشریة وضمان انتفاع المواطنین من ذات الخدمات مقابل أعباء مالیة متکافئة، وهذا ما نجده فی فرنسا التی تتفاوت فیها المحافظات تفاوتاً واضحاً من حیث الحجم السکانی والانشطة الاقتصادیة والمستویات الاجتماعیة، مما قد یؤدی إلى اختلاف مستوى الخدمات بین محافظة وأخرى، یشکل تحدیاً مهماً لمؤسسات الدولة فی الحیلولة دون هذا الاختلال([60])، علیه کفل المشرع الفرنسی تصحیح الاختلاف الافقی بین المحافظات من خلال تقدیم الإعانات، أو من صندوق عام یعرف بالمال المشترک، والذی یُمولبنسبة ثابتة من الضرائب المرکزیة ویوزع على سلطات الحکم المحلی([61]).
کما یقدم المجلس الاقتصادی والاجتماعی الذی یلعب مجلس الشیوخ دور استشاری فی اختیار أعضاءه العدید من الدراسات المتعلقة بالمشاریع الاقتصادیة والثقافیة التی عادةً ما تکون خطط قومیة على المستوى الوطنی([62])،کما یلتزم أعضاء المجالس المحلیة بحضور اجتماعات فصلیة کل ثلاثة أشهر، ولا شک أن ذلک یساهم فی حفظ التوازن الافقی بین المحلیات([63]).
إن الدور الذی یلعبه البرلمان الفرنسی من خلال أعضاء مجلس الشیوخ المنتخبین من الوحدات المحلیة، لم یشهد فی ممارسته العملیة تمثیلاً لوحدات محلیة بعینها على غرار ما تشهده الدول الفیدرالیة کألمانیا، بقدر ما دأب أداؤهم على أن یکون کلیاً لصالح السلطات المحلیة بشکل عام دون تجزئة، ویعکس هذا رسوخ وحدة الدولة فی فرنسا([64]).
على الرغم من التوسع فی اختصاصات الإدارات المحلیة فی فرنسا، إلا إنها غالباً ما تدیر شؤونها اعتماداً على قوالب قانونیة عامة، وإرشادات من المرافق المرکزیة بشکل لوائح نموذجیة، بالشکل الذی یجعلها تمارس أنماطاً متشابهة إلى حد شبه کامل فی المجالات الاقتصادیة والتنظیم المدرسی والتخطیط وغیرها، یرجع هذا لسببین، الأول تفوق المؤسسات الوطنیة فی التخطیط ورسم السیاسات العامة، والثانی یتعلق بالمصادر المالیة المحلیة التی لا تسمح لها بإدارة ذاتیة کاملة لشؤونها الخاصة، ولا یمکن افتراض الحصول على التمویل دون تدخل من الجهات ذات الصلة، وهی الحکومة المرکزیة والبرلمان([65])،
هکذا یظهر بشکل جلی الدور الذی یلعبه البرلمان فی حفظ التوازن الافقی بین المحلیات الفرنسیة التی یبدو فیها تأثیر وحدة النمط فی تکافؤ الخدمات المقدمة للمواطنین.
أمـا فی انکلترا فإن وجود حکومات محلیة مستقلة ابتداء، بفعل تزاید تعدد الانشطة التی تقدمها وعدم توافر الامکانات اللازمة لذلک وخصوصاً لدى الصغیرة منها والتی لا تمتلک إمکانات مالیة او بشریة کافیة، اضطرها وتحت عدم الرغبة فی تدخل الحکومة المرکزیة إلى إیجاد أشکال وصور من التعاون مع حکومات محلیة أخرى لتوفیر خدمات معینة کالإنارة والصرف الصحی ومنع الاوبئة عن المحاصیل الزراعیة أو السکان، وبسبب ذلک فقد خلق تعدد صور وأشکال التعاون تفاوتاً بین الخدمات المقدمة للسکان من ناحیة، ونوعاً من الارتباط بین المناطق المحلیة فرضته الحاجة لإمکانیاتها، الأمر الذی طرح من قبل نواب تلک المناطق فی مجلس العموم مما أدى صدور تشریعات غیرّت من حدود بعض المحلیات فضلاً عن تشریعات عامة منظمة للعدید من الخدمات التی تقدمها الحکومات المحلیة([66]).
یکتسب موضوع الرقابة على الحکومات المحلیة وتوجیه السیاسة العامة فیها أهمیته لتحقیق تأمین المساواة فی الخدمات([67])، من ذلک توجیه الحکومات المحلیة بتغطیة بعض القطاعات على نحو الالزام کالتعلیم والصحة دون قطاعات أخرى کالمتنزهات او الاهتمام بالفنون التی یبقى إنشاءها أو الانفاق علیها من عدمه مرهوناً بإرادة الحکومات المحلیة، وتبقى السلطة التقدیریة واسعة للحکومات المحلیة فی تفاصیل مناهج التعلیم وآلیات تنفیذ السیاسة الصحیة وطریقة إدارتها، إلا أنها تبقى مقیدة بالتشریع بتوفیر أصل الخدمة وحدود الإنفاق علیها وخاضعة لرقابة مجلس العموم على ذلک([68]).
من خلال تحکم بمصادر تمویل الحکومات المحلیة یمارس البرلمان رقابته علیها باشتراط اذنه لفرض الضرائب المحلیة على الملکیات العقاریة، بالإضافة إلى الإعانات الوطنیة للحکومات المحلیة والتی تتفاوت نسبها من 57% إلى 70% من إجمالی ما تحتاجه تلک الحکومات للقیام بواجباتها، تتوخى هذه المکنات هدفین الاول مساعدة بعض السکان وخصوصاً اعفاء الاراضی الزراعیة المحلیة من الضرائب بموجب تشریع سنة 1969 والأبنیة الزراعیة عام 1971، والهدف الثانی سد حاجة الحکومات المحلیة بشکل یجعل أداءها متکافئاً([69]).
إذا کان تحقق مصالح الناس وتکافؤ الخدمات یهُّم الحکومات المحلیة فهو یهُّم الحکومة المرکزیة من باب أولى، والحکومة هنا بالمعنى الواسع تشمل مجلس العموم خصوصاً فی النظام الانکلیزی الذی تتداخل فیه السلطة بفعل ان الاغلبیة البرلمانیة هی من تشکل الحکومة فی ظل انضباط حزبی مشهود له، فالعدید من الأعباء الملقاة على عاتق السلطات المحلیة تکون لها صبغة قومیة ومن ثم یجب أن تتحمل الخزینة القومیة ما تقتضیه من أعباء مالیة([70]).
إن النتیجة الطبیعیة لهذا الاهتمام توجیه بعض ممارسات الحکم المحلی وتقدیم الإعانات المالیة، لذا من المنطقی أن من یمارس هذه التوجیهات والاعانات سیمتلک صلاحیة قرارات ذات أثر، ومن کان له سلطة القرار امتلک سلطة الرقابة بالنتیجة.
أمـا فی ألمانیا عدا اختصاصات التمثیل الخارجی والدفاع ومسائل النقد والمقاییس والتجارة الخارجیة والکمارک ورقابة السکک وحقوق النشر بالحکومة الاتحادیة، ترک النظام الاساسی الالمانی شؤون اللاجئین وتنظیم الاقتصاد والعمل والانتاج الزراعی والشحن البحری لاختصاص الحکومات المحلیة([71])، کما توجد بعض القیود القانونیة لصالح المقاطعات فی الاختصاصات المشترکة بین الحکومة المرکزیة والحکومات المحلیة التی تشمل القانون الجنائی، شؤون اللاجئین المنفیین، حقوق الاجانب، القوانین الخاصة بالاقتصاد، القوانین الخاصة بالعقارات، قانون العمل، الموارد الطبیعیة والانتاج الزراعی وانتاج الغابات، مکافحة الاوبئة، النقل والمواصلات کقوانین الشحن البحری والنقل الداخلی، الارصاد الجویة، المرور، النقل بالسیارات والسکک الحدیدیة غیر الاتحادیة([72])، مع عدم تمتع الاتحاد بالسلطة التشریعیة فی هذه الاختصاصات إلا فی حالة تعذر معالجتها معالجة کافیة بتشریعات محلیة على مستوى المقاطعات، أو إذا کان التشریع الصادر عن إحداها یُلحِق ضرراً بمصالح مقاطعات أخرى أو مصالح المجتمع بشکل عام، أو أن تقتضی المحافظة على وحدة ظروف المعیشة فیما یتعدى حدود الولایة صدور قانون اتحادی([73])، إلا أن المحکمة الدستوریة ذهبت إلى إن تقدیر السلطات الاتحادیة فی هذا النطاق یعدُّ قراراً سیاسیاً لا یخضع للرقابة القضائیة اذا ما أرادت الحکومة المحلیة لولایةٍ مـا الطعن فیه، ووفقاً لذلک فقد استغل الاتحاد صلاحیاته بإصدار الکثیر من التشریعات فی المواضیع المشترکة، بحیث استولى البرلمان الاتحادی على سن معظم التشریعات المشترکة حفاظاً على عدم التفاوت بین المواطنین بتلقی الخدمات فی المقاطعات المختلفة([74]).
إن الشکل الاتحادی للدولة لا یعنی انفراد المقاطعات فی رسم السیاسة العامة على نحوٍ مستقل عن الحکومة الاتحادیة، فالقانون الاساسی لسنة 1949 نص بوضوح منه على مسؤولیة المستشار الاتحادی فی تحدید المبادئ التوجیهیة للسیاسات العامة فی الدولة([75])، کما ان حق الاقالیم فی التشریع المحلی فی نطاق الاختصاصات المشترکة مقید بحالة عدم مباشرة السلطة التشریعیة الاتحادیة لتنظیم قانون فی الموضوع الذی تتوخى حکومة الولایة تنظیمه، فإن أصدر البرلمان الاتحادی قانون فی هذا الصدد وجب على حکومة الولایة الالتزام به وتنفیذه([76]).
على الرغم من أن الاصل تحمل کل من الحکومة الاتحادیة وکل من الحکومات المحلیة نفقات ممارستها مهامها، إلا إنه إذا قامت المقاطعات بممارسة مهام معینة وفق تشریع اتحادی على سبیل التکلیف الوطنی فتموّل من الاتحاد، وفی حال خرق ولایة ما لالتزام یُحمّل الدولة غرامة مالیة فلا تتحمل ما یزید عن 50% منها، ویتحمل الباقی الاتحاد والمقاطعات ککل قیاساً على مقدار ما تتحصل علیه من مساعدات مالیة اتحادیة([77]).
على أیة حال لعب البرلمان الالمانی بمجلسیه دوراً بارزاً فی حفظ التوازن الأفقی بین المقاطعات الالمانیة الألمانیة الستة عشر، خصوصاً بعد ضم مقاطعات المانیا الشرقیة الست عام 1990 واعادة توحید الدولة، نظراً للتفاوت الکبیر بین اقتصاد المقاطعات الشرقیة المنضمة وباقی مقاطعات المانیا، فقد حضیت هذه المقاطعات بإعانات منتظمة فی الموازنة الاتحادیة تصل الى مائة ملیار یورو سنویاً، فضلاً عن مراقبة تحولات سوق العمل وهجرة العدید من العمالة الماهرة الى غرب المانیا، مما دفع الى اقامة مشاریع ممولة من الحکومة المرکزیة فی المدن الشرقیة الکبیرة کـ (Dresden) و (Leipzig) لتنمیة البنى التحتیة فیها([78])، کما ان للعوامل الدولیة أثرها فی تمتع بعض المقاطعات فی المانیا بخصوصیة تنفرد بها عن باقی المقاطعات، فولایتی (Emsland) و(Westmunsterland) یقعان بشکل متقارب مع إقلیمی (Tewente) و(OastGelderland) فی هولندا فی نطاق إقلیم یسمى (Euregio)، فتداخل الحدود الطویل وصغر حجم هذه المقاطعات فرض انتفاع سکان الوحدات المحلیة فی الدولتین من بعض الخدمات التعلیمیة والصحیة والترفیهیة، بما یُمثل نموذجاً للتعاون الدولی فرض خصوصیة فی السلطات الرقابیة الحکومیة والبرلمانیة على الحکومات المحلیة فیها([79]).
کما ان التطور فی وسائل الاتصال وظهور المدن الکبیرة نتج استقطاب لرؤوس الاموال، ومع توافر فرص العمل تتزاید حرکات الهجرة([80])، وکنتیجة لتباین النشاط الاقتصادی بین المقاطعات یتفاوت عائدات الضرائب المحلیة وتتأثر قطاعات کالطرق السریعة أو تقدیم الخدمات الصحیة، الأمر الذی دفع مجلس الاتحاد (البوندسرات) فی البرلمان لاتخاذ اجراءات معالجة من خلال طلب الرأی من المحکمة الدستوریة التی أصدرت قرارها عام 2008 بضرورة إیجاد معالجات لمتابعة اقتصاد المقاطعات، وإنعاش اقتصادیات المقاطعات الاضعف لتعزیز وضعها، الذی تُرجم لاحقاً بإنشاء مجلس تحت مسمى مجلس الاستقرار یتألف من وزیر المالیة الاتحادی ووزراء مالیة المقاطعات یشکلون مجلس تخطیط مالی یقدمون توصیات للحکومة والبرلمان بشکل دوری لمعالجة الاختلالات المالیة والاقتصادیة([81]). علیه یتجلى أن البرلمان الالمانی وفق طبیعة تشکیله وصلاحیاته یمتلک الادوات القانونیة والسیاسیة التی یمکنه من خلالها تعزیز التکافؤ بین المقاطعات الالمانیة لضمان مصالح کافة أفراد الشعب.
الفرع الثانی
دور مجلس النواب فی درء التباین الأفقی بین الحکومات المحلیة فی العراق
تبرز فی الدول ذات الانظمة السیاسیة حدیثة العهد بالدیموقراطیة والتی لم تستقر فیها التشکیلات المحلیة بشکل متزن أن تعمد بعض الجهات السیاسیة لاستغلال نفوذها على الحکومة، أو من خلال أغلبیتها البرلمانیة فی دعم تخصیصات مالیة لدوائرهم الانتخابیة دعماً لحظوظهم الانتخابیة أو الاستئثار بمکاسب فئویة([82]).
امتاز الشکل الاتحادی فی العراق بعد التغییر السیاسی عام 2003 بخصوصیة فی وجود إقلیم کردستان الذی یمثل لامرکزیة سیاسیة، فضلاً عن خصوصیته الجیوسیاسیة، وخمسة عشر محافظة وفق نظام اللامرکزیة الإداریة، فهناک ما یصفه الفقه بلا تماثل دستوری، فضلاً عن لا تماثل سیاسی بسبب الاختلاف فی الترکیبة السکانیة والحجم الاقلیمی والطابع الاقتصادی والموارد والثروات بین الوحدات الاقلیمیة([83]).
نجد أن تخطیط وتنفیذ السیاسة العامة للدولة، ووضع الخطط العامة والاشراف على عمل الوزارات والجهات غیر المرتبطة بوزارة فی العراق هی أمور من اختصاص مجلس الوزراء الاتحادی([84])، کما أن رئیس مجلس الوزراء یعد المسؤول التنفیذی المباشر عن السیاسة العامة للدولة([85])، الامر الذی یشابه ما نص علیه القانون الاساسی الالمانی على ما تبین لنا، کما ان على المحافظ تنفیذ السیاسة العامة التی یضعها مجلس الوزراء فی حدود المحافظة([86])، وله حق الاعتراض على قرارات مجلس المحافظة اذا کانت مخالفة للخطط العامة للحکومة أو الموازنة العامة([87])، وإحالتها إلى المحکمة الاتحادیة للنظر فیها إذا مـا أصر المجلس علیها([88]).
الأمر الذی یظهر منه اتجاه المشرع نحو تنظیم التوازن بین الحکومات المحلیة للمحافظات غیر المنتظمة فی اقلیم، إلا إن الامر لیس کذلک مع إقلیم کردستان؛ إذ لم یظهر وجود تنظیمات قانونیة بهذا الاتجاه، الامر الذی یستدعی الالتفات إلیه لدرء التفاوت بینه وبین باقی مناطق العراق، خصوصاً مع وجود خلافات فی توزیع الثروات، وانعکاس ذلک على تمتع أبناء الشعب العراقی بخدمات متکافئة مقابل ذات الأعباء التی یتحملونها.
إن ضرورة السعی لإیجاد سیاسة عامة موحدة وتحقیق العدالة فی توزیع التخصیصات المالیة بین الحکومات المحلیة على اختلاف النظم السیاسیة تستدعی أن یکون توزیع الثروات الطبیعیة فی الدول التی تعتمد علیها بشکل أساسی فی تمویل نشاطاتها الحکومیة کالعراق بالإبقاء ملکیة هذه الثروات لکل الشعب، بخلاف الدول التی تشهد تنوعاً فی النشاطات الاقتصادیة، فإن الثروات الطبیعیة تعود ملکیتها للأقالیم کما فی الفدرالیات الأوربیة، غایة ذلک الحیلولة دون حصول تفاوت المرکز الاقتصادی بین الاقالیم أو المحافظات على مستوى الخدمة التی تؤدیها المؤسسات العامة باختلاف مصادر التمویل والسلطات التی تتمتع بها الحکومات المحلیة فیها([89]).
إن المشرع الدستوری العراقی أخذ هذا الامر بعین الاعتبار مع تبنی الشکل الاتحادی للدولة وفق قانون إدارة الدولة العراقیة للمرحلة الانتقالیة لسنة 2004، من خلال النص على توزیع الایرادات المتحققة من الثروات الطبیعیة عن طریق الموازنة الاتحادیة بشکل منصف یتناسب مع التوزیع السکانی فی جمیع انحاء البلاد مع الأخذ بالنظر المناطق التی حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق ومعالجة مشاکلها واحتیاجاتها بشکل یتناسب مع درجة التطور فی المناطق الأخرى من البلاد([90])، وأسند إلى الحکومة الاتحادیة إدارتها بالتشاور مع حکومات الأقالیم والمحافظات، وتکرر النص على ذلک بموجب دستور2005، ولکن مع ذکر عبارة (النفط والغاز)([91])، کان الأولى الابقاء على عبارة (الثروات الطبیعیة) کونها أعم وأشمل.
وأفرد المشرع الدستوری أحکام (النفط والغاز والآثار) بوصفها اختصاصات قائمة بذاتها فی المواد لأهمیتها بوصفته ثروات وطنیة([92])، علیه فان الجهة التی لها تقریر أسلوب إدارة هذه الثروات الاتحادیة والتصرف فیها هی مجلس النواب الاتحادی والحکومة الاتحادیة([93])، ولم تدرج أحکام إدارة هذه الثروات فی التصنیف الذی تبناه دستور من وجود اختصاصات حصریة للحکومة الاتحادیة، واختصاصات مشترکة بیننها وبین الأقالیم والمحافظات([94]).
جدیر بالإشارة إن نصوص دستور جمهوریة العراق لسنة 2005 ذات الصلة باللامرکزیة، لا تُظهر فوارقاً کبیرة فی الاختصاصات بین الاقالیم وبین المحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم، فعند تحدید الاختصاصات المشترکة بینها وبین السلطات الاتحادیة لم یفرق الدستور بین الاقالیم وبین المحافظات فی إدارة الکمارک ورسم السیاسة البیئیة والصحیة والتعلیمیة والتربویة، کما أناط بها جمیعاً کل مـا لم ینص علیه من الاختصاصات الحصریة للسلطات الاتحادیة، بل وأعطى الاولویة لقانون الإقلیم والمحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم على القانون الاتحادی([95])، کما نجد تجلی ذلک واضحاً فی النطاق المالی؛ من خلال النص على منح المحافظات التی لم تنتظم فی إقلیم الصلاحیات الاداریة والمالیة الواسعة بما یُمکنها من إدارة شؤونها([96])، وعلى تخصیص حصة عادلة من الایرادات المحصلة اتحادیاً للأقالیم والمحافظات تکفی للقیام بأعبائها ومسؤولیاتها، مع الأخذ بعین الاعتبار مواردها وحاجاتها ونسبة السکان فیها([97])، وهو النص الذی نرى أنه بالإضافة إلى بیانه لاستحقاق الاقالیم والمحافظات غیر المنتظمة فی اقلیم فهو یشمل کذلک المحافظات المنتظمة فی إقلیم بحکمه.
ورغم هذا وذاک فإن موازنة الحکومات المحلیة تندمج بالموازنة العامة الاتحادیة،
وما یقوم به اقلیم کردستان والمحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم لا یرقَ إلى إعداد واعتماد موازنة محلیة لها ذاتیة محلیة([98])، أی استقلالها بسلطة تقدیر الموارد المحلیة واجراءات تحصیلها وانفاقها([99])، والسبب فی ذلک یعود إلى إن التمویل المرکزی للحکومات المحلیة یتجاوز الـ90% من الموازنة العامة الاتحادیة([100])،بلوقد یصل الى نحو 99% من موازناتها([101])، وبملاحظة أن کفایة الموارد المالیة المحلیة تعکس درجة الحریة فی التصرف، یستشف مدى التأثیر الممکن لمجلس النواب فی إعمال رقابته، نظراً لامتلاکه سلطة إجراء المناقلة بین أبواب وفصول الموازنة العامة وتخفیض مجمل مبالغها، کما إن له عند الضرورة أن یقترح على مجلس الوزراء زیادة إجمالی مبالغ النفقات([102])، فیتمکن مجلس النواب بالنتیجة بالإضافة للحکومة المرکزیة من فرض الرقابة الضمنیة على الحکومات المحلیة وتوجیهها بما یتناسب مع حاجتها للتمویل.
ما یعنینا فی هذا المورد الإشارة إلى الدور الرقابی لمجلس النواب فی درء التباین الأفقی بین الحکومات المحلیة، فمع حداثة التجربة السیاسیة وما رافقها من تحدیات، یفتقر الوضع القانونی لوجود تشریعات کافیة لضمان عدم حصول اختلالات افقیة، ومن القوانین التی سنّها مجلس النواب الاتحادی فی هذا الصدد تشریعین مهمین فی النطاق المالی والإداری، الأول هو قانون الهیئة العامة لضمان حقوق الاقالیم والمحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم رقم (26) لسنة 2016([103])، الذی یهدف إلى تحقیق عدة مهام منها ضمان مشارکة أبناء الاقالیم والمحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم فی إدارة مؤسسات الدولة وتحدید احتیاجاتها للبعثات والزمالات الدراسیة واقتراح تنظیم المؤتمرات الاقلیمیة والدولیة الخاصة بها([104])، الذی یعد صدوره تنفیذاً لنص دستور جمهوریة العراق لسنة 2005 على (تؤسس هیئة عامة لضمان حقوق الأقالیم والمحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم فی المشارکة العادلة فی إدارة مؤسسات الدولة الاتحادیة المختلفة والبعثات والزمالات الدراسیة والوفود والمؤتمرات الدولیة، وتتکون من ممثلی الحکومة الاتحادیة والأقالیم والمحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم، وتنظم بقانون)([105])، إن هذا التوجُّه یرى فیه بعض الفقه الدستوری أنه ینحى إلى المحاصصة منه إلى تحقیق المساواة الافقیة؛ ذلک أنه یُفترض أن تکون معاییر إشغال الوظائف فی الدولة فضلاً عن المشارکة فی المؤتمرات الدولیة والوفود منحصراً بالکفاءة والتخصص فقط([106]).
إلا أننا نرى فی هذا الرأی مجافاة للواقع، إذ أن هذا النص یأتی فی سیاق نصوص الدستور الاخرى من تبنی المبادئ الدیموقراطیة والشکل الاتحادی للدولة، لمعالجة تداعیات تاریخ الحکم الشمولی والمرکزیة الشدیدة فی العراق، والتی أفرزت بلا شک تفاوتاً ملحوظاً فی الفرص بین الأفراد وتبایناً فی الظروف والمؤهلات بین المناطق، ولا یمکن افتراض وجود حکومات المحلیة بمعزل عن تأهیل کفاءات تباشر مهام تتلاءم والخدمات التی یفترض توفیرها للمواطنین، فلا یمکن بحال من الأحوال خلق أجهزة حکومیة کفوءة تخدم احتیاجات هذه المناطق بمعزل عن مواطنیها.
ذلک أن المقصود بالمساواة تلقِّی ذات المعاملة أمام القانون عند تماثل الظروف، ولیس التساوی وإن اختلفت الظروف([107])، علیه یشترط فیما یسنه المشرع من قوانین أن تکون قائمة على أسس موضوعیة مبررةً بقیامها على أسباب تتناسب والغایة منها فی الحمایة المتکافئة أمام القانون التی یعتد بها الدستور([108])،
القانون الآخر الذی سنه مجلس النواب هو قانون الهیئة العامة لمراقبة توزیع الایرادات الاتحادیة رقم (55) لسنة 2017([109])، یستهدف القانون مراقبة تخصیص الواردات الاتحادیة من خلال التحقق من عدالة توزیع تخصیص الواردات الاتحادیة والمنح والقروض الدولیة حسب استحقاق الاقالیم والمحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم، من خلال مجموعة کبیرة من الوسائل کالتحقق من توزیع تخصیصات الواردات الاتحادیة والمنح والمساعدات والقروض الدولیة، ومتابعة تمویل مبالغ التخصیصات من وزارة المالیة والاجراءات التنفیذیة المتخذة لاحتساب حصة کل إقلیم أو محافظة غیر منتظمة فی إقلیم من المنح والمساعدات والقروض الدولیة، وغیرها([110])، لقد نص القانون على ارتباط هذه الهیئة بمجلس النواب، ولدى طعن الحکومة بهذا الارتباط بدعوى الطبیعة التنفیذیة لهذه الهیئة، وعدم توافر العناصر التی تمکن مجلس النواب من متابعة الاعمال المناطة بالهیئة من اشراف على الأجهزة التنفیذیة، بالإضافة الى الفراغ الذی یحصل بسبب العطل التشریعیة، أو بین دورتین انتخابیتین، قضت المحکمة الاتحادیة العلیا بعدم دستوریة هذا الارتباط وأیدت ضرورة ارتباطها بالحکومة، مع التزام الهیئة بتقدیم تقاریر دوریة الى مجلس النواب، للوقوف على مجریات توزیع المنح والمساعدات والقروض وضمان الشفافیة والعدالة([111])، مع أهمیة مثل هذه القوانین، إلا أننا لا نجدها کافیة بتنظیم العلاقة بین مستویات الحکم المختلفة.
الخاتمـة
توصلنا من البحث الموسوم (دور البرلمان فی حفظ التوازن بین مستویات الحکم المختلفة فی الدولة - دراسة مقارنة) إلى جملة من الاستنتاجات والتوصیات، نبینها کما یأتی:
أولاً – الاستنتاجات
ثانیاً – التوصیات
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English)
I. The Books:
10.Al-Tamawi Suleiman Muhammad, The General Theory of Administrative Decisions, Dar Alfikr Alarabi Publishing institution, Cairo, 1984.
11.Markus, Solomon: Philosophy of Law, Sader Publishing House, Cairo(n.d.).
12.Muharram, Subhi: The Administrative Division as an Introduction to the Development of Local Government, Publications of the Administrative Research Center at League of Arab States, Cairo, 1973.
13.Hammouda, Sabry Tawfiq: Local Decentralization, Dar Al Maaref Publications, Cairo, 2000.
14.Sadiq, Salah El-Din: Local Government in England, Encyclopedia of Local Government, Part 2, Encyclopedia of Local Government, Nahdet Misr Press, Cairo 1977.
15.Boutros, Zarif: Encyclopedia of Local Government, Part 1, Nahdet Misr Press, Cairo, 1977.
16.Metwally, Abdel Hamid: Public Freedoms, Reviews of its Development, Guarantees and Future, Al Maarif Institute, Alexandria, 1975.
17.Al-Turki, Abdel-Rahman Gomaa Ibrahim: Central Authority Supervision of Local Units, Dar Aljamia Aljadida Publishing House, Alexandria, 2018.
18.Alwan, Abdul Karim: Political Systems and Constitutional Law, Dar Althakafa for Publishing and Distribution, Amman, 2006.
19.Ghaylan, Othman Salman: Constitutional and Legal Problems in Regulating Federal Financial Powers, 1st Edition, Arab Center for Publishing and Distribution, Cairo, 2019.
20.Obaid, Adnan Ajil: Constitutional Law, 2nd Edition, Al-Nebras Foundation for Printing, Publishing and Distribution, Najaf, 2010.
21.Suleiman, Issam: Parliamentary Systems Between Theory and Practice, A Comparative Study, 1st Edition, Al-Halabi Legal Publications, Beirut, 2010.
22.Amin, Alaa Mohamed: Popular Councils Supervision of Executive Authorities in Local Units in Comparative Systems and Egypt, Menoufia University Publications, Menoufia 2013.
23.Al-Deeb, Fouad: Political Control of Local Administration in Simple and Federal Countries, 1st Edition, Dar Al-Nahda Al-Arabiya for Publishing, Cairo, 2016.
24.Al-Yassi, Falah Hassan Attia: Financial Specialization for the District Not Organized in a Region, 1st Edition, Dar Al-Sanhuri, Beirut 2017.
25.Berber, Kamel: Local Administration Systems, A Comparative Study, 1st Edition, University Foundation for Studies, Publishing and Distribution, Amman 1996.
26.Kashkish, Karim Youssef: Local Administrative Organization, 1st Edition, The National Library, Irbid, 1997.
27.Ismail, Mohamed Ahmed: Contribution to the Legal Theory of Local Administrative Groups, Almaktab Aljamie Alhadith for Publishing, Alexandria, 2012.
28.Ismail, Mohamed Ahmed: Legal Theory of the Federal State and Self-Government, A Comparative Study of Various positive Laws, 1st Edition, Almaktab Aljamie Alhadith for Publishing, Alexandria, 2018.
29.Ismail, Mohamed Ahmed: The Legal System of Local Administrative Groups in England, Almaktab Aljamie Alhadith for Publishing, Alexandria, 2013.
30.Ismail, Muhammad Sadiq: The German Experience, A Study of the Factors of Political and Economic Success, Dar Al-Arabi for Publishing and Distribution, Cairo 2017.
31.Layla, Muhammad Kamel: Political Systems, the State and the Government, Dar Al-Nahda Al-Arabiya for Publishing Beirut, 1969.
32.Madani, Mahmoud Ali: The Role of the Constitutional Judiciary in Exploring Constitutional Concepts, Dar Al-Nahda Al-Arabiya for Publishing, Cairo, 2016.
33.Moussa, Mostafa Mohamed: Administrative Organization between Centralization and Decentralization, Egyptian General Book Authority, Cairo 1992.
34.Al-Shawi, Munther: Human and Law, 1st Edition, Dar Al-Thakira for Publishing and Distribution, Baghdad, 2015.
35.Attia, Naeem: In the General Theory of Individual Freedoms, 1st Edition, National House for Printing and Publishing, Cairo, 1965.
36.Al-Tahrawi, Hani Ali: Local Administration Law - Local Government in Jordan and Britain, 1st Edition 1, , Dar Althakafa for Publishing and Distribution, Amman, 2004.
II. Translated books:
III. Theses :
• Al-Tamimi, Ismail Alwan Abboud: Competence ions of the regions and governorates that are not organized in a region related to oil and gas, Master Thesis, Faculty of Law, Nahrain University, 2015.
IV. Published research:
V. Foreign Constitutions and laws:
VI. Iraqi Constitutions and laws :
VII. Judicial decisions:
المصـادر
أولاً – الکتب العربیة
ثانیاً : الکتب المترجمة:
ثالثاً : الرسائل الجامعیة:
رابعاً : البحوث المنشورة :
خامساً: الدساتیر والقوانین :
أ. الدساتیر والقوانین الاجنبیة للدول المقارنة:
ب. الدساتیر والقوانین العراقیة:
سادساً : القرارات القضائیة :
سابعاً : المواقع الالکترونیة:
ثامناً : المصادر الأجنبیة :