الملخص
یمنح المتعاقد من الباطن ضمانات تمکنه من انجاز التزاماته فی تنفیذ العقد وهو مطمئن للحصول على مستحقاته المالیة, وتنقسم هذه الضمانات الى ضمانات مقررة بنص القانون لرجوع المتعاقد من الباطن على الادارة مباشرة وبین ضمانات غیر مباشرة لرجوع المتعاقد من الباطن على الادارة, ومن هذه الضمانات المباشرة التی نص علیها القانون هی السداد المباشر, وهو موضوع دراستنا لهذا البحث, وتقوم على أساس فکرة تولی الادارة مهمة السداد الى المتعاقد من الباطن مباشرة, وتعتبر من الضمانات الاساسیة والمهمة التی نص علیها کل من المشرع الفرنسی والعراقی ولم ینظم احکامها المشرع المصری.
وعلى الرغم من ان المتعاقد من الباطن یمکنه الرجوع على الادارة مباشرة للحصول على مستحقاته المالیة, ویخلق رابطة مباشرة بین الادارة والمتعاقد من الباطن, الا ان ذلک لا یعنی قیام رابطة عقدیة بینهما وفقاً للاتجاه الشائع فی فقه القانون العام.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
السداد المباشر کضمانة من ضمانات المتعاقد من الباطن-(*)-
Direct payment as subcontractor guarantees
فائز جمعة محمد الکیکی حسن محمد علی البنان محامی فی محاکم دهوک کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Fayez Jumaa Muhammad Al-Kiki Hassan Muhammed Ali Banan Lawyer in the courts of Dohuk Correspondence: Fayez Jumaa Muhammad Al-Kiki E-mail: [email protected] |
(*) أستلم البحث فی 25/8/2019 *** قبل للنشر فی 10/10/2019.
(*) Received on 25/8/2019 *** accepted for publishing on 10/10/2019.
Doi: 10.33899/alaw.2019.126042.1022
© Authors, 2021, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
یمنح المتعاقد من الباطن ضمانات تمکنه من انجاز التزاماته فی تنفیذ العقد وهو مطمئن للحصول على مستحقاته المالیة، وتنقسم هذه الضمانات الى ضمانات مقررة بنص القانون لرجوع المتعاقد من الباطن على الادارة مباشرة، وضمانات غیر مباشرة لرجوع المتعاقد من الباطن على الادارة، ومن الضمانات المباشرة التی نص علیها القانون هی السداد المباشر، وهو موضوع دراستنا لهذا البحث، وتقوم على أساس فکرة تولی الادارة مهمة السداد الى المتعاقد من الباطن مباشرة، وتعتبر من الضمانات الاساسیة والمهمة التی نص علیها کل من المشرع الفرنسی والعراقی ولم ینظم احکامها المشرع المصری.
وعلى الرغم من ان المتعاقد من الباطن یمکنه الرجوع على الادارة مباشرة للحصول على مستحقاته المالیة، ویخلق رابطة مباشرة بین الادارة والمتعاقد من الباطن، الا ان ذلک لا یعنی قیام رابطة عقدیة بینهما وفقاً للاتجاه الشائع فی فقه القانون العام.
الکلمات المفتاحیة: السداد المباشر، الضمانات، الدعوى المباشرة.
Abstract
In rare situations, a subcontractor may be given assurances to enable him to fulfill his obligations during the contract's execution. and he is assured of obtaining his financial dues. The law is the direct payment, which is the subject of our study of this research . It is based on the idea of the administration to pay the task of subcontractor directly . It is one of the basic guarantees and important stipulated by both the French and Iraqi legislator did not regulate its provisions Egyptian law.
Although the subcontractor can refer to the administration directly to obtain his financial dues, and create a direct link between the administration and the subcontractor, this does not mean a contractual relationship exists according to public law jurisprudence.
Key words: Direct payment,Safeguards, Direct Action.
المقدمـة
أولاً : التعریف بأهمیة موضوع البحث :
تقوم فکرة السداد المباشر([1]) على أساس تولی الجهة الاداریة المتعاقدة مهمة السداد المباشر الى المتعاقد من الباطن، وکان المشرع الفرنسی هو أول من ابتدع فکرة السداد المباشر، فهی لیست حدیثة العهد فی القانون الفرنسی، اذ تم اقرارها منذ سنة 1953، وتم التأکید علیها بالمرسوم رقم (73/ 329) الصادر فی فرنسا بتاریخ 14 مارس سنة 1973، الى أنه أخفق فی تحقیق الاهداف التی صدر من أجلها، وقبل انتهاء العمل بهذا المرسوم اخذت السلطات الفرنسیة تشعر بحالة المتعاقد من الباطن السیئة، لذا اخذت على عاتقها تحسین الحالة المادیة للمتعاقد من الباطن([2])، لذلک فقد اصدر المشرع القانون المدنی الفرنسی رقم (75/ 1334) فی 31/ 12/ 1975، وهو القانون المتعلق بالتعاقد من الباطن سواء فی نطاق العقود الاداریة أم فی نطاق العقود الخاصة، والذی تضمن على تنظیم حقیقی وفعال للسداد المباشر لحمایة حقوق المتعاقد من الباطن والمحافظة علیها، واعطى بموجبه للمتعاقد من الباطن الحق فی الرجوع الى الجهة الاداریة بصورة مباشرة للحصول على مستحقاته المالیة عن الاعمال التی قام بتنفیذها بموجب اتفاق العقد من الباطن، لان السداد یعتبر وسیلة من وسائل الحمایة للغیر التی تمکنه من الحصول على حقوقه المالیة المستحقة لدى الادارة([3])، وحق السداد المباشر منصوص علیه فی المادة السادسة من القانون رقم (75 /1334) والذی اشرنا الیه سابقاً، وذلک فی الحالات التی لا یمکن اللجوء فیها الى الدعوى المباشرة.
ولم یتطرق المشرع المصری الى نظام السداد المباشر، ولم ینظم القانون الخاص بالمناقصات والمزایدات رقم (89) لسنة 1998 ولائحته التنفیذیة التعاقد من الباطن أساساً([4])، وکذا الحال بالنسبة لموقف القضاء المصری والذی أصدر العدید من الأحکام التی أقرت بعدم مشروعیة التعاقد من الباطن مالم یتضمن على موافقة الادارة المسبقة، أما فی العراق فلم یشر قانون العقود الحکومیة رقم(87) لسنة 2004، ولا تعلیمات تنفیذ العقود الحکومیة رقم(2) لسنة 2014 على حق السداد المباشر للمتعاقد من الباطن، وقد ورد ذکره فقط فی شروط المقاولة لأعمال الهندسة المدنیة بقسمیها الأول والثانی لسنة 1988 فی المادة(60) منها.
وتأتی أهمیة البحث فی موضوع السداد المباشر من حیث أن المتعاقد من الباطن قد یتعرض لمخاطر محققة تتسبب فی عدم حصوله عل مستحقاته المالیة، نتیجة لتعرض المتعاقد الأصلی الى الافلاس أو توقفه عن ممارسة نشاطه لأی سبب من الأسباب، لان المقاول من الباطن هو المنفذ الفعلی للأعمال التی تعاقدت الادارة مع المتعاقد الاصلی لإنجازها، والادارة هی المستفید الفعلی من هذه الاعمال، وأی خلل فی التنفیذ سیعود بالسلب على الادارة، ومن هنا تأتی أهمیة السداد المباشر بالنسبة للجهة الاداریة، اذ تستطیع من خلاله ممارسة الرقابة والاشراف على من یتولى المساهمة فی تنفیذ العقد، وذلک عن طریق الموافقة على شخص المقاول من الباطن للتأکد من مدى توفر الاعتبارات الشخصیة التی راعتها الادارة عند التعاقد، کما الادارة تستطیع من خلال السداد المباشر أن تحقق نوعاً من التوازن بین شروط العقد الأصلی وشروط العقد من الباطن، لتحقیق نوع من التوازن الاقتصادی بینهما.
ومن أجل کل الاعتبارات المتقدمة وغیرها من الاعتبارات التی دفعتنا الى تسلیط الضوء على موضوع السداد المباشر، رغم قلة مصادره نظراً لحداثته، وذلک لما له من أهمیة واضحة على عملیة التعاقد، لما توفره من حمایة للمتعاقد من الباطن، وکذلک المصلحة العامة التی تتأثر بمدى الحمایة المحققة لهذه الطائفة التی تتولى تنفیذ العقود الاداریة مما یعود بالأثر على المصلحة العامة.
ثانیاً: مشکلة البحث :
نظم القانون الفرنسی رقم (75/1334) لسنة 1975 فکرة السداد المباشر تنظیماً مبتکراً، یحقق من خلاله مصلحة أطراف العلاقة الثلاثة، وهم کل من الادارة والمتعاقد الاصلی والمتعاقد من الباطن، وأدى هذا التنظیم الى القضاء على أغلب حالات التعاقد من الباطن الخفی، الا اننا لا نجد مثل هذا التنظیم الدقیق والمفصل للسداد المباشر من قبل المشرع العراقی للمحافظة على حقوق المتعاقد من الباطن.
ثالثاً: نطاق البحث :
بهدف حمایة حقوق المتعاقد من الباطن والمتمثلة بمستحقاته المالیة، وخشیة من تعرضه لمخاطر اقتصادیة واجراءات مرهقة وطویلة، وهو بصدد الحصول على مستحقاته فی حالة تعرض المتعاقد الاصلی للإفلاس أو توقفه عن ممارسة نشاطه لأی سبب من الأسباب، ومن أجل ذلک فقد منح المشرع فی کل من فرنسا ومصر والعراق ضمانات عدة للمتعاقد من الباطن من أجل حمایة حقوقه من الضیاع، وعلیه فإننا نحدد نطاق دراستنا فی البحث عن السداد المباشر کإحدى الضمانات المهمة والفعالة للمتعاقد من الباطن للحصول على مستحقاته بشکل مباشر من الادارة.
رابعاً: هدف البحث:
یهدف البحث الى لفت نظر المشرع العراقی الى الأهمیة القانونیة لنظام لسداد المباشر وتنظیمه بنصوص قانونیة خاصة فی قانون العقود الحکومیة، نظراً لحداثة الموضوع، وقلة الابحاث والدراسات التی تناولته، ولما له من أهمیة فی الحفاظ على الصالح العام، ولما یوفره من ضمان حقیقی وفعال لحمایة حقوق المتعاقد من الباطن.
رابعاً: منهجیة البحث:
جاءت هذه الدراسة تحلیلیة مقارنة، وذلک من خلال تحلیل النصوص التشریعیة الخاصة بنظام السداد المباشر، من أجل استخلاص احکام وقواعد عامة تتعلق بالسداد المباشر للمتعاقد من الباطن وکذلک الاحکام القضائیة والآراء الفقهیة ، کما أن منهجیة هذه الدراسة تتجسد بالمقارنة بین القانون الفرنسی رقم (75/1334) لسنة 1975 والخاص بالتعاقد من الباطن، وقانون المناقصات والمزایدات المصری رقم (89) لسنة 1998 ولائحته التنفیذیة، وقانون العقود الحکومیة العراقی رقم (87) لسنة 2004 وکذلک شروط المقاولة لأعمال الهندسة لمدنیة لسنة 1988.
خامساً: هیکلیة البحث:
من أجل الاحاطة بجمیع الجوانب القانونیة المتعلقة بموضوع هذا البحث فلقد اعتمدنا الهیکلیة التالیة :-
المبحث الأول/ ماهیة السداد المباشر ونطاق تطبیقه .
المطلب الأول/ ماهیة السداد المباشر .
الفرع الأول/ مفهوم السداد المباشر .
الفرع الثانی/ الطبیعة القانونیة للسداد المباشر .
المطلب الثانی/ نطاق تطبیق السداد المباشر .
الفرع الأول/ الوضع السابق على صدور القانون (75/1334) لسنة 1975.
الفرع الثانی/السداد المباشر فی ظل قانون (75/1334) لسنة 1975.
المبحث الثانی/ شروط السداد المباشر واجراءاته .
المطلب الأول/ شروط السداد المباشر .
الفرع الأول/ موافقة الادارة على التعاقد من الباطن .
الفرع الثانی/ قبول الادارة على شرط السداد المباشر .
الفرع الثالث/ تجاوز قیمة العقد من الباطن حداً مالیاً معین .
المطلب الثانی/ اجراءات السداد المباشر .
الفرع الأول/المسؤول عن تقدیم طلب الموافقة والقبول .
الفرع الثانی/ الجهة المختصة بمنح الموافقة والقبول .
الفرع الثالث/ میعاد تقدیم طلبات الموافقة والقبول .
الفرع الرابع/ مظاهر الموافقة والقبول.
المبحث الأول
ماهیة السداد المباشر
لقد نظم القانون الفرنسی رقم (75/1334) لسنة 1975 فکرة السداد المباشر انطلاقاً من أسس جدیدة تسمح بتحقیق مصلحة اطراف العلاقة الثلاثة، فهو یحقق مصلحة الادارة من خلال تمکینها من متابعة الاشراف والرقابة على من یتولى المساهمة فی تنفیذ العقد الاداری، کما انه یحقق مصلحة المقاول الاصلی بأن رفع عن عاتقه مسؤولیة دفع المستحقات المالیة للمقاول من الباطن مقابل ما قام به من اعمال، کما و یحقق مصلحة المقاول من الباطن من خلال منحه وسیلة قانونیة للحصول على مستحقاته المالیة من الادارة بصورة مباشرة لقاء ما نفذه من التزامات، بصورة تجعله مطمئناً للحصول على مستحقاته، وذلک انطلاقاً من مقدرة الادارة على السداد المباشر، وتجدر الاشارة الى ان السداد المباشر نظام اخذ به المشرع الفرنسی والعراقی، ولم یأخذ به المشرع المصری، وعلى ضوء ما تقدم سنقسم هذا المبحث الى على النحو التالی :
الفرع الأول
ماهیة السداد المباشر
لدراسة موضوع ماهیة السداد المباشر یتعین علینا أن نبین مفهومه وکذلک تحدید الطبیعة القانونیة للسداد المباشر، والتی یمکن من خلالها معرفة فیما اذا کان من شأن السداد المباشر أن ینشئ علاقة عقدیة مباشرة بین الادارة والمقاول من الباطن، أم أنها تنشئ علاقة مباشرة لکنها لیست ذات طبیعة عقدیة، وعلى النحو التالی :
أولاً: مفهوم السداد المباشر :
تقوم فکرة السداد المباشر کما ذکرنا سابقاً على اساس تولی الجهة الاداریة مهمة الدفع المباشر للمقاول من الباطن، فهو وکما یدل علیه اسمه اجراء یسمح للمقاول من الباطن بالاتصال بشکل مباشر بالإدارة بغیة الحصول على المقابل المالی لما قام به من التزام، بموجب اتفاق العقد من الباطن([5]).
والسداد المباشر لیس جدیداً فی القانون الفرنسی، حیث لم ینشأ لأول مرة بالقانون رقم (75 / 1334) الصادر فی 31 / 12/ 1975، اذ جاء النص علیه فی المرسوم الصادر بتاریخ 11 مایو سنة 1953، لکن فکرة السداد المباشر کانت مقصورة على حالات التعاقد من الباطن التی تزید فیها قیمة العقد على (30) الف فرنک فرنسی، بالإضافة الى انه کان ذو طبیعة اختیاریة، کما وعرفه المرسوم الصادر فی 14 مارس 1973، لکنه أخفق فی تحقیق الاهداف المرجوة منه، الامر الذی ادى الى دفع المشرع الفرنسی الى اصدار القانون رقم (75/1334) الصادر فی 31/12/1975، والذی تضمن على أحکام حقیقیة وفعالة للسداد المباشر، والذی اصبح بموجبه ضمانة حقیقیة للحفاظ على حقوق المتعاقد من الباطن([6]).
اما بالنسبة الى العراق، فقد اشارت شروط المقاولة لأعمال الهندسة المدنیة لسنة 1988 فی المادة (60) منه، وکذلک شروط المقاولة لأعمال الهندسة الکهربائیة والمیکانیکیة فی المادة (40) بنص مشابه، على حق السداد المباشر (الدفع المباشر) الى المقاول الثانوی([7]).
الفرع الثانی
الطبیعة القانونیة للسداد المباشر
یعمل السداد المباشر على السماح للمقاول من الباطن بمطالبة الادارة مباشرة بدفع المقابل المالی لما قام به من اعمال، بمقتضى اتفاق العقد من الباطن، ومن خلال ذلک ینشأ رابطة قانونیة مباشرة بین الادارة والمقاول من الباطن، ومن ثم فان هذا یعنی نشوء مدین جدید، وتحول فی الذمة المالیة للمقاول الاصلی لمصلحة المقاول من الباطن، فیما یخص الجزء الذی تولى تنفیذه بموجب اتفاق العقد من الباطن([8])، وذلک بعکس الدعوة المباشرة([9]) التی تستند الى الذمة المالیة للمتعاقد الاصلی، فتمنح المقاول من الباطن ضمان خاص ومباشر على الدیون التی یمکن أن تنجم عن العقد.
من خلال ما سبق یمکننا تحدید أهم النتائج التی تترتب على السداد المباشر و على النحو التالی:
أولاً: السداد المباشر ینشئ علاقة مباشرة بین الادارة والمتعاقد من الباطن :
من حیث المبدأ ان اتفاق العقد من الباطن یقتصر طرفاه على المتعاقد الاصلی والمتعاقد من الباطن، وتکون الادارة خارجة عن هذا الاتفاق، فهی تعد بمثابة الغیر بالنسیة للعقد من الباطن، الا ان السداد المباشر من شأنه ان یخلق رابطة قانونیة مباشرة بین الادارة والمتعاقد من الباطن، وتتولد هذه الرابطة من خلال عقد خاص خارج نطاق اتفاق العقد من الباطن، ینص فیه على حق السداد المباشر، من خلال موافقة الادارة على المتعاقد من الباطن وقبولها بشروطه المتعلقة بالسداد المباشر وفقاً لأحکام القانون الفرنسی رقم (75 / 1334) لسنة 1975، والذی یمکن المتعاقد من الباطن من الحصول على المقابل المالی المستحق له من جراء قیامه بتنفیذ التزاماته بموجب اتفاق العقد من الباطن([10]).
ویرى الفقیه الفرنسی تامبا (Tamba) ان الدعوة المباشرة تختلف عن السداد المباشر فی أن العلاقة المباشرة تکون بین الادارة والمتعاقد من الاصلی لا بینها وبین المتعاقد من الباطن، ولا حاجة لوجود عقد خاص یبرم خارج نطاق اتفاق العقد من الباطن، کما ان الدعوى المباشرة تمارس من اجل الحصول على المبالغ التی تکون الادارة مدینة بها للمتعاقد الاصلی، مقابل التزامه بتنفیذ العمل فی جملته، وفی الوقت نفسه یکون المتعاقد من الباطن دائنا للمتعاقد الاصلی لما اداه من التزامات بموجب اتفاق العقد من الباطن([11]).
ومما تجدر الاشارة الیه، اذا کان السداد المباشر من شأنه أن یخلق علاقة قانونیة مباشرة بین الادارة وبین المتعاقد من الباطن، فأن هذا الامر محل خلاف عما اذا کانت هذه العلاقة عقدیة ام انها لا ترتقی الى ذلک، وتقتصر على ایجاد العلاقة المباشرة ولکنها لیست من طبیعة عقدیة، وانقسم الفقه والقضاء الى اتجاهین بین مؤید ومعارض ولکل منهم حججه وأسانیده وکما یلی :
الاتجاه الاول: یرى أن العلاقة بین الادارة والمتعاقد من الباطن علاقة غیر عقدیة :
یرى انصار هذه الاتجاه الى أن الروابط التی یخلقها السداد المباشر بین المتعاقد من الباطن والادارة علاقة غیر عقدیة، وهذا الاتجاه سائد فی الفقه والقضاء الفرنسی الاداری، حتى فی حالة موافقة الادارة المسبقة على ابرام العقد من الباطن.
ففیما یتعلق بالأحکام القضائیة، فلقد أقر مجلس الدولة الفرنسی العدید من الاحکام بهذا الخصوص ومنها حکمها الصادر فی 2 فبرایر سنة 1979 والذی نص على أن "الدفع المباشر لا یرتب أیة التزامات عقدیة حیال الطرفین، فلا تستطیع الادارة رفع أیة دعوى ضد المقاول من الباطن نتیجة لسوء تنفیذ الاعمال"([12])، وفی حکم اخر لها والصادر فی 16 مارس سنة 1987 والذی نص على أنه "أن الحق الممنوح الى المتعاقد من الباطن فی اقتضاء مستحقاته مباشرة من قبل رب العمل عن الاعمال التی قام بتنفیذها، أو البضائع التی تم توریدها لا ینشئ أیة رابطة عقدیة بینه وبین الادارة"([13]).
وفیما یتعلق بأهم الآراء الفقهیة، فقد ذهب الفقیه الفرنسی دی لوبادیر الى ان العلاقة بین المتعاقد من الباطن والادارة (رب العمل) هی علاقة مباشرة تقتصر على استحصال الحقوق المالیة فقط، دون أن تخرج عن هذا النطاق([14])، اما على صعید الفقه العربی فیرى الدکتور ولید فاروق جمعة "أن العلاقة بین المقاول من الباطن والادارة هی علاقة غیر عقدیة، ولکنها علاقة مباشرة تقتصر على اقتضاء المقابل المالی فقط "([15]).
ویلاحظ مما تقدم أن القضاء الاداری الفرنسی والفقه قد خلصا الى الدفع المباشر الذی اشار الیه القانون الفرنسی رقم (75/1334) الذی خول المتعاقد من الباطن بالرجوع على الادارة لم ینشئ أیة رابطة عقدیة بین الطرفین.
الاتجاه الثانی: یرى أن العلاقة بین الادارة والمتعاقد من الباطن من طبیعة عقدیة:
یرى اصحاب هذا الاتجاه ان الرابطة التی یخلقها السداد المباشر بین المتعاقد من الباطن والادارة علاقة من طبیعة عقدیة، وسنتطرق الى اهم الاحکام القضائیة والآراء الفقهیة فی فرنسا والتی تؤید هذا الاتجاه.
فقد صدرت بعض احکام القضاء الفرنسی التی تؤید وجود رابطة عقدیة بین الادارة والمتعاقد من الباطن ومنها حکم محکمة النقض الفرنسیة الصادر فی 21 یونیو سنة 1988 الذی یقر بوجود علاقة عقدیة تربط بین المتعاقد من الباطن والادارة، استناداً الى عقد المقاولة الاصلی الذی یربط المتعاقد الاصلی بالإدارة، بالرغم من عدم وجود عقد یربط بینهما([16]).
اما أهم الآراء الفقهیة التی تؤید هذا الرأی، هو ما ذهب الیه الفقیه الفرنسی رولیت (Roulet) بقوله، وان کان اتفاق التعاقد من الباطن لا یترتب علیه أی علاقة عقدیة مباشرة بین الادارة والمتعاقد من الباطن، لان الادارة تکون من الغیر عن اتفاق التعاقد من الباطن، کما أن المتعاقد من الباطن یبقى غریباً عن العقد الاداری الاصلی، الا ان السداد المباشر من شأنه أن یخلق رابطة عقدیة بین المتعاقد من الباطن والادارة، لأنه من المتفق علیه وفقاً لأحکام القانون الخاص أن تلاقی ارادتین على عمل معین یؤدی الى نشوء رابطة عقدیة، والسداد المباشر وفقاً لأحکام قانون 31/12/1975، یجسد هذا التلاقی، فالمتعاقد من الباطن یعلم بأنه یستفید من هذا الحق، کما ان الادارة تعلم بالتزامها بالسداد، ومع ذلک توافق الادارة على التعاقد من الباطن وتقر شروط السداد المباشر للمتعاقد من الباطن([17])، الا ان الرأی الذی قال به (Roulet) تعرض للنقد، کون مجلس الدولة الفرنسی ینفی دائماً وجود أی علاقة عقدیة مباشرة بین المتعاقد من الباطن والادارة، کما ان الرای السابق کان عرضة للنقد من قبل بعض الفقه، لان القانون عندما یمنح المتعاقد من الباطن حمایة معینة، فانه لا یقصد من ذلک انشاء علاقة عقدیة مباشرة بین الادارة والمتعاقد من الباطن([18]). علاوة على ذلک فان العقد هو ولید الارادة الحرة لطرفیه، ولیس للنصوص القانونیة، بالإضافة الى ان التعاقد ینبغی أن یشتمل على اتفاق طرفیه على کافة الجزئیات و عمومیات العقد، ومجرد قبول الادارة لشخص المتعاقد من الباطن، وعلمها بشروط السداد المباشر، فأنه لا یرقى الى مرتبة العقد([19]).
ویتبین من کل ما تقدم ان المشرع الفرنسی عندما نظم احکام السداد المباشر فی القانون الصادر فی 31/12/1975، فانه قد خلق من ذلک علاقة عقدیة بین الادارة والمتعاقد من الباطن، لأن موافقة الادارة على المتعاقد من الباطن والتأکد من توفر المقومات الشخصیة فیه، وتنازلها عن مفهومها الخاص بالاعتبار الشخصی، من خلال الموافقة بقیام غیر المتعاقد الاصلی بالمساهمة فی تنفیذ العقد الاداری، فأنه کما رأینا سابقاً أن السداد المباشر یعمل على تغییر فی شخص المدین، کما أن اطلاع جهة الادارة على العقد من الباطن والموافقة على شروطه والتأکد من مدى ملائمتها للعقد الاصلی، فأنها تبعاً لذلک تکون موافقة على شروط السداد المباشر للمتعاقد من الباطن جراء قیامه بتنفیذ هذا الجزء من العقد الاصلی، لذلک فان المتعاقد من الباطن لا یستفید من حق السداد المباشر الا اذا قام بتنفیذ التزامه الوارد فی عقد المقاولة من الباطن، لان الادارة لا تدفع للمتعاقد من الباطن على سبیل التبرع، وانما تدفع له هذه المبالغ استناداً لالتزامها العقدی بالدفع فی العقد الاصلی، کما أن المتعاقد من الباطن لا یستطیع مطالبة الادارة بالسداد المباشر الا اذا قام بتنفیذ التزاماته التعاقدیة فی العقد من الباطن، التی هی جزء من الالتزامات الواردة فی العقد الاصلی، فهنا نکون أمام التزامان متقابلان من قبل الادارة والمتعاقد من الباطن، وهذان الالتزامان هی التزامات عقدیة، وعلیه فلا یمکن للإدارة الامتناع عن السداد المباشر للمتعاقد من الباطن اذا استوفى شروط السداد المباشر، ویعد ذلک اجباراً من المتعاقد من الباطن للجهة الاداریة نحو تنفیذ التزامها بالدفع، وهذا الالتزام یعد التزاماً عقدیاً بموجب العقد الاداری الاصلی.
ولذلک یذهب الباحث الى تأیید ما ذهب الیه اصحاب الاتجاه الأول، من حیث عدم وجود رابطة عقدیة بین الادارة والمتعاقد من الباطن، لکنها علاقة قانونیة مباشرة تقتصر على الحصول على المقابل المالی من الادارة ، ومقیدة بشرط موافقة الادارة المسبقة على المتعاقد من الباطن، ونأمل من المشرع العراقی أن یسیر على خطى المشرع الفرنسی من حیث تنظیم احکام السداد المباشر للمتعاقد من الباطن بصورة تفصیلیة وواضحة.
ثانیا السداد المباشر یحدث تغییراً فی شخص المدین :
من أهم النتائج التی تترتب على السداد المباشر هی حدوث تغییر فی شخص المدین، وبموجب أحکام القانون الفرنسی المرقم (75 / 1334) لسنة 1975، نجد أن الادارة تصبح هی المدینة فی مواجهة المتعاقد من الباطن، لان المدین بالمقابل المالی للمتعاقد من الباطن لما نفذه من التزامات بموجب اتفاق العقد من الباطن، لا یکون المتعاقد الاصلی، وانما تکون الجهة الاداریة المتعاقدة هی المدین فی کل مرة یتم فیها ابرام صک خاص بشرطی القبول والاعتماد، ولا یعنی ذلک أن المتعاقد الأصلی یصبح من الغیر، وحلول الادارة محله بالکامل، وانما یعود الامر الى ان السداد المباشر من شأنه أن یولد رابطة قانونیة بین الادارة والمتعاقد من الباطن، بما یمکن المتعاقد من الباطن من الحصول على المقابل المالی المستحق له([20]).
اما فی الدعوى المباشرة فلا یحدث أی تغییر فی شخص المدین([21])، لان الدعوة المباشرة هی دعوة مساعدة، تسمح لدائن المتعاقد الاصلی (المتعاقد من الباطن) بالرجوع بصورة مباشرة على الادارة صاحبة العمل، وفقاً للشروط التی ینص علیها القانون، وبقدر المبالغ المستحقة للمتعاقد الاصلی فی ذمة الادارة (صاحبة العمل)([22]).
ثالثاً: السداد المباشر ینشئ لمصلحة المتعاقد من الباطن حقاً غیر متنازع فیه على المبالغ المستحقة بموجب صک التعاقد من الباطن :
یترتب على السداد المباشر السماح للمتعاقد من الباطن باستیفاء المقابل المالی من الادارة دون أن یزاحم فی ذلک الدائنین الممتازین أو العادیین للمتعاقد الاصلی، وعلى وجه الخصوص یکون هذا الوضع فی حالة التعاقد من الباطن الذی یحظى بموافقة الادارة([23])، ومن هنا یتبین أنه یترتب على السداد المباشر نشوء حق حصری للمتعاقد من الباطن، وهذا الحق یتمثل بدین محدد للمتعاقد من الباطن بقدر ذلک الجزء من الاعمال التی قام بتنفیذها بمقتضى اتفاق العقد من الباطن انطلاقاً من مبدأ العلانیة والشفافیة فی العلاقة بین اطراف رابطة التعاقد من الباطن([24]).
المطلب الثانی
نطاق تطبیق السداد المباشر
أشارت المادة الرابعة من القانون رقم (75 /1334) لسنة 1975 الى نطاق السداد المباشر، وقد نصت هذه المادة على أن: "السداد المباشر یطبق بالنسبة للعقود المبرمة من قبل الدولة، والهیئات المحلیة، والمؤسسات والمشاریع العامة"، ومن خلال النص السابق یتبین أن نطاق تطبیق السداد المباشر یستند فی الاساس على نوعیة صاحب العمل (الادارة)([25])، ومن ثم فان العقود التی ابرمت من خلال اشخاص القانون الخاص لا تستطیع الاستفادة من السداد المباشر، الا فی حالة واحدة، وهی حالة العقود المبرمة من قبل احدى المشروعات العامة، حیث تعامل فی هذه الحالة معاملة العقود الاداریة، کونها تمارس نشاطاً اقتصادیاً تم الاعتراف له بصفة المصلحة العامة، وهذا ما بینته المادة العاشرة من القانون رقم (75/ 1334) لسنة 1975، حیث اوضحت أن السداد المباشر انما یتعلق بالعقود التی ابرمت عن طریق اسلوب المناقصة العامة، أو المزایدة العامة([26]).
وتجدر الاشارة الى أن الامر لم یختلف کثیراً فیما یتعلق بنطاق السداد المباشر سواء قبل صدور هذا القانون أو بعد صدوره، اذ أن الامر ما زال یتعلق بالعقود الاداریة بشکل اساسی، ولم یشمل الا نوعا واحدا من عقود القانون الخاص، وهی العقود التی یکون فیها رب العمل مشروعاً عاماً، وعلیه سنتناول بالدراسة الوضع السابق على صدور القانون (75/1334) لسنة 1975 ومن ثم السداد المباشر فی ظل القانون الفرنسی رقم (75/1334) السالف الذکر.
الفرع الأول
الوضع السابق على صدور القانون (75/1334) لسنة 1975
کان الوضع فی الفترة السابقة على صدور القانون رقم (75/1334) فیما یتعلق بالسداد المباشر لا یرتبط بصفة رب العمل، وانما یرتبط بنوع العقد، اذ کانت القواعد المطبقة على العقود الاداریة تسمح للمتعاقد من الباطن باللجوء الى الادارة مباشرة لاقتضاء حقوقه لقاء ما قام بتنفیذه من اعمال([27]).
أولاً: السداد المباشر فی نطاق العقود الاداریة :
جاء النص على مبدأ السداد المباشر بمقتضى المادة (90) من مرسوم 25 یولیو لسنة 1960، وکان الحق فی السداد المباشر قاصراً على العقود التی تبرم بواسطة الهیئات المحلیة والمؤسسات العامة، بالإضافة الى انه کان یقتصر على فئتین من العقود الاداریة وهما عقدی التورید والاشغال العامة، اذ یمکن للمتعاقد من الباطن الحصول على مستحقاته المالیة مباشرة من الجهة الاداریة، بشرط أن یوافق المتعاقد الاصلی على ذلک، ومن خلال ما تقدم یتبین أن النصوص التی کانت تنظم حق السداد المباشر قبل صدور قانون 31/12/1975، لم تکن تربط بین الحق فی السداد المباشر وصفة رب العمل، ومرد ذلک وفقاً لما یذهب الیه بعض الفقه([28]). هو وجود بعض العقود الخاصة التی یکون احد اطرافها شخصاً من أشخاص القانون العام، ولا ینطبق علیها نظام السداد المباشر.
ثانیاً: السداد المباشر فی نطاق العقود الخاصة :
ان الاخذ بنظام السداد المباشر فی نطاق عقود القانون الخاص لم یکن مستحیلاً، لکنه کان نادر الوقوع، حیث کان یرتبط الاخذ به برغبة رب العمل فی سداد المستحقات المالیة للمتعاقد من الباطن مباشرة، لقاء ما قام به من اعمال، وخاصة فی الحالات التی تکون فیها الاوضاع المالیة للمتعاقد الاصلی غیر مستقرة، فیرغب رب العمل فی السداد المباشر کی لا یتوقف العمل، ویکون المتعاقد من الباطن مطمئناً بالحصول على مستحقاته، لذلک فان الحق فی السداد المباشر بالنسبة للعقود الخاصة، کان مرتبطاً برغبة رب العمل فی الاخذ به، ولا یستند الى نصوص قانونیة ملزمة([29]).
الفرع الثانی
السداد المباشر فی ظل قانون (75/1334) لسنة 1975
بینت المادة الرابعة من القانون (75 /1334) لسنة 1975، نطاق تطبیق السداد المباشر، وربطت بینه وبین صفة رب العمل، وقد أوردت فی هذه المادة على سبیل الحصر الحالات التی یستفید منها المتعاقد من الباطن من السداد المباشر، وهذه الحلات تشمل اربعة طوائف من العقود الاداریة وهی کل من :
أ- العقود التی تبرمها الدولة.
ب- العقود التی تبرمها الهیئات المحلیة.
ت- العقود التی تبرمها المؤسسات العامة سواء کانت اداریة او صناعیة او تجاریة([30]).
ث- العقود التی تبرمها الشرکات العامة.
ومن خلال ما أکدته المادة سالفة الذکر، یتبین أن الفئات الثلاثة الاولى لا تثیر أی صعوبة تذکر بخصوص العقود المبرمة من قبلها، الا ان الامر مختلف بالنسبة للنوع الرابع وهی العقود التی تبرمها الشرکات العامة، اذ تباینت بصددها الاحکام القضائیة والآراء الفقهیة، والسبب فی ذلک هو ان الشرکة العامة لیس لها طبیعة محددة، وهذه الشرکات وان کانت من اشخاص القانون الخاص، الا انها تمتلک اهدافاً اخرى، وهذه الاهداف تجعل منها منظمات مکلفة من قبل القانون العام للقیام بنشاط یخدم الصالح العام([31]).
ویمکن تحدید فکرة المشروع العام الذی تقوم به الشرکات العامة، وفقاً لما ورد فی مؤتمر بروکسل سنة 1963، حیث اعتبر المشروع العام بانه : ذلک المشروع الذی تمتلک الدولة مجموع رأسماله، وسواء کان ذا طبیعة صناعیة أو تجاریة أو کان مشروعاً مؤمَّماً، أو حتى فی حالة ما اذا کانت مؤسسة عامة ذات طبیعة اداریة، طالما کانت تمارس نشاطاً اقتصادیاً([32])، کما ویمکن تحدید هذه الفکرة من خلال المرسوم الصادر عن وزارة المالیة الفرنسیة سنة 1946، وفی المادة 56 من القانون الصادر فی 6/1/1948، التشریع المالی لسنة 1976، حیث ورد فی هذه التشریعات السالفة الذکر تعداد حصری للمشروعات العامة ویمکن اجمالها بما یلی : المکاتب الصناعیة والتجاریة، المشروعات المؤممة، شرکات الاقتصاد المختلط، الشرکات التی تملک الدولة بشکل منفرد أو مجتمع اکثر من نصف رأسمالها، الشرکات التی تستفید من معونات مالیة من الدولة، تجمعات المصالح الاقتصادیة التی یغلب علیها الطابع العام، الشرکات التی تملک الدولة معظم رأسمالها، والشرکات التی تکون مملوکة للدولة والتی تکون خاضعة لرقابة دیوان المحاسبات، واخیراً الشرکات التی تأخذ شکل التعاون الوطنی([33]).
وقد أکدت محکمة الاستئناف الجمرکیة فی باریس، فی حکم لها صدر سنة 1985، الى أنه: "نظراً لعدم توافر صفة المشروع العام فی رب العمل فأن المتعاقد من الباطن لیس له الحق فی أن یطالب بالسداد المباشر بواسطة رب العمل"([34]).
وفی مصر کما ذکرنا سابقاً ان المشرع المصری لم یعرف السداد المباشر، کما أن قانون تنظیم المناقصات والمزایدات النافذ ولائحته التنفیذیة لم ینظم حق السداد المباشر کما فعل المشرع الفرنسی، ووقف المشرع المصری موقف العداء بالنسبة للمقاولین من الباطن ونظر الیهم نظرة الشک والریبة، وأصدر بحقهم العدید من الأحکام التی أقرت عدم مشروعیة التعاقد من الباطن مالم یقترن بموافقة الادارة على التعاقد([35]).
اما فی العراق فقد نصت شروط المقاولة لأعمال الهندسة المدنیة فی الفقرة الثالثة من المادة (60) منها، أن لرب العمل الحق فی أن یدفع للمقاول من الباطن المسمى بموجب شهادة من المهندس جمیع المبالغ، ما لم یبلغ المقاول الاصلی المهندس بصورة تحریریة أن لدیه اسباباً معقولة لامتناعه عن دفع تلک المبالغ .
المبحث الثانی
شروط السداد المباشر واجراءاته
نص القانون الفرنسی رقم (75/1334) الصادر فی 31/12/1975 فی المواد (3، 5، 6) على شروط السداد المباشر واجراءاته، لذا سوف نقسم هذا المبحث الى مطلبین سنتناول فی المطلب الأول شروط السداد المباشر، ثم نتناول بعد ذلک اجراءات السداد المباشر فی المطلب الثانی وعلى النحو التالی :
المطلب الأول
شروط السداد المباشر
یتطلب من المتعاقد الاصلی الذی یرغب فی التعاقد من الباطن أن یحصل على موافقة الادارة على التعاقد من الباطن، وقبولها بشروط السداد المباشر، بالإضافة الى تجاوز قیمة العقد من الباطن حداً مالیاً معین، وسنأتی الى دراسة هذه الشروط تباعاً وعلى النحو التالی : -
الفرع الاول
موافقة الادارة على التعاقد من الباطن
تهدف موافقة الادارة على التعاقد من الباطن الى تعرف الادارة على شخص المتعاقد من الباطن الذی یرغب المتعاقد الاصلی أن یوکل الیه تنفیذ جزء من العقد الاصلی، وهذا ما أکدته نص المادة (3) من القانون رقم (75/1334) لعام 1975 الفرنسی([36])، وهذه الموافقة هی التی تمنح الادارة حق ممارسة سلطتها التقدیریة فی قبول أو رفض المتعاقد من الباطن الذی لا تتوافر فیه الاعتبارات الشخصیة التی تعول علیها الادارة عند ابرام اتفاق العقد من الباطن([37])، من مقدرة مالیة، وکفاءة فنیة، وحسن السیرة والسمعة وغیرها من الاعتبارات الشخصیة، وکل ذلک من اجل أن تطمئن الادارة الى أن الاعمال التی ینوی المتعاقد الاصلی ان یتعاقد على تنفیذها من الباطن، سوف یتم انجازها على نفس الدرجة من الکفاءة والمقدرة اذا ما تم تنفیذها من قبل المتعاقد الاصلی، وذلک ضماناً لحسن تنفیذ العقد، ومن ثم حسن سیر المرفق العام ([38])، وعلیه اذا وافقت الادارة على التعاقد من الباطن وتم قبول المتعاقد من الباطن، وفقاً لما منصوص علیه فی اتفاق التعاقد من الباطن، فأنه یحق للمتعاقد من الباطن الحصول على مستحقاته المادیة بشکل مباشر من الادارة، وذلک مقابل ما قام به من التزامات بموجب اتفاق العقد من الباطن، ویکون السداد المباشر للمتعاقد من الباطن بصرف النظر عن وضع المتعاقد الاصلی المالی، سواء کان فی حالة یسر أو فی حالة تعرضه للإفلاس أو التصفیة القضائیة([39]).
وبالرجوع الى الفقرة أولاً من المادة (3) من القانون الفرنسی رقم (75/1334) أنه فی حالة تطبیقه بصورة صحیحة فأنه سوف یقضی على حالات التعاقد من الباطن الخفی، لکن بالرجوع الى الفقرة ثانیاً من نفس المادة السالفة الذکر، لوجدنا انها تقول انه فی حالة غیاب القبول أو اعتماد الادارة لشروط السداد المباشر فان المتعاقد الاصلی یلتزم فی مواجهة المتعاقد من الباطن بمقتضى اتفاق التعاقد من الباطن، لکن المتعاقد الاصلی لا یستطیع التمسک بهذا الاتفاق فی مواجهة المتعاقد من الباطن([40])، ومن ثم فان المشرع الفرنسی قد اضفى نوعاً من الحمایة للمتعاقد من الباطن حتى فی حالة التعاقد من الباطن الخفی، وعلیه فان السداد المباشر هی وسیلة تتیح للإدارة التحقق من العلاقة بین المتعاقد الاصلی والمتعاقد من الباطن قد تمت بشکل متوازن، اذا ما اخذنا بعین الاعتبار أن الطرف الاضعف فی هذه العلاقة غالباً ما یکون المتعاقد من الباطن، ومن أجل ذلک ذهب الفقیه الفرنسی مودرن (Moderne) الى القول "الامر هنا یتعلق بقاعدة جدیدة تقتضی تدخلاً حقیقیاً لجهة الادارة فی اتفاق العقد من الباطن، حمایة للمتعاقد من الباطن، حیث شرع شرط القبول لکی یتعرف رب العمل على ما اذا کانت شروط السداد الواردة فی العقد من الباطن تختلف عن تلک الشروط الممنوحة للمتعاقد الاصلی"([41])، وتجدر الاشارة الى أن المتعاقد الاصلی یبقى المسؤول الوحید عن حسن التنفیذ الکامل للعقد الاداری فی مواجهة الادارة، وبضمنه الجزء الذی تم الاتفاق علیه من الباطن، حتى فی حالة موافقة الادارة على المتعاقد من الباطن وتولى مهمة السداد المباشر له([42]).
اما فی العراق فقد أوضحت الفقرة الثالثة من المادة (60) من شروط المقاولة لأعمال الهندسة المدنیة، على انه "من شروط الحصول على الدفع المباشر من قبل الادارة أن یکون المقاول الثانوی مسمى، وهذا الشرط یتضمن بطبیعة الحال شرط الموافقة المسبقة على التعاقد من الباطن من قبل الادارة، لان المقاول الثانوی المسمى لا یکون کذلک الا ان یکون قد رشحته الادارة ووافق علیه المقاول الاصلی، أو ان یقوم المقاول الاصلی بترشیحه وتوافق علیه الادارة"([43])، ونرى أن هذا الشرط یتفق مع ما ذهب الیه المشرع الفرنسی من حیث الحصول على موافقة الادارة المسبقة على التعاقد من الباطن.
ومن خلال کل ما سبق یمکننا أن نستنتج أن شرط الموافقة یهدف الى حمایة المتعاقد من الباطن، لضمان حصوله على مستحقاته المالیة من الادارة فی حالة تعرض المتعاقد الاصلی للإفلاس أو التصفیة القضائیة هذا من جانب، ومن جانب أخر فان شرط الموافقة یمنح حمایة للإدارة وضمان حسن تنفیذ الاعمال، من خلال عدم الموافقة على الاشخاص الغیر مؤهلین فی تنفیذ العقد الاداری، بصورة تعرقل سیر المرفق العام بانتظام واطراد، الامر الذی یؤدی الى تعریض مصلحة المرفق العام للخطر.
الفرع الثانی
قبول الادارة على شرط السداد المباشر
یعتبر شرط قبول الادارة على السداد المباشر من الامور التی استحدثها المشرع الفرنسی، من خلال النص علیها فی المادة (3) من القانون رقم (75/1334) لسنة 1975، فبعد أن قرر المشرع الفرنسی ضرورة حصول المتعاقد الاصلی على موافقة الادارة للتعاقد من الباطن فی القانون الذی اشرنا الیه، اضاف کذلک ضرورة الحصول على اقرار واعتماد الادارة لشرط السداد المباشر لاتفاق العقد من الباطن، والزم المتعاقد الاصلی باطلاع الادارة على جمیع عقود المتعاقدین من الباطن متى طلب منه ذلک، والهدف من شرط قبول الادارة على السداد المباشر هو للسماح للإدارة بالتحقق من مدى توافق شروط العقد الاصلی مع شروط العقد من الباطن وهذا ما اکدته اللائحة التنفیذیة لقانون (75 /1334) لسنة 1975 الصادرة فی 7 اکتوبر لسنة 1976 حیث نصت على: "ان قبول شروط الدفع المباشر تعتبر الوسیلة الحقیقیة للجهة الاداریة – باعتبارها المسؤولة عن عقد الاشغال العامة - فی أن یتأکد بنفسه مما اذا کانت العلاقة بین المتعاقد الاصلی والمتعاقد من الباطن علاقة عادلة ومتزنة"، ویرتبط بحق الادارة فی قبول شروط السداد المباشر حقه فی الاطلاع على العقد من الباطن، هذا الحق الذی تضمنته المادة الثالثة من القانون الصادر فی 31/ 12/ 1975 المشار الیه، التی الزمت المتعاقد الاصلی بالاستجابة للإدارة (رب العمل) باطلاعه على العقد من الباطن([44])، کما ویجب ان یستجیب المتعاقد الاصلی لطلب الادارة بالاطلاع على العقد من الباطن خلال (15) یوم من تاریخ تقدیم طلب الاطلاع والا عرض نفسه لتوقیع الجزاءات المنصوص علیها فی المادة (49) من کراسة الشروط والمواصفات المطبقة على عقود الاشغال العامة فی فرنسا([45]).
ویذهب بعض الفقه([46])، الى أن قبول الادارة على شرط السداد المباشر یعد استثناء على السمة الخاصة فی العقود، والمتمثل بعدم دخول الغیر فی العلاقة العقدیة التی تربط بین طرفی العقد، وان هذا الاستثناء هو مقصود من قبل المشرع لحمایة المتعاقد من الباطن، الذی قد یدخل فی علاقة عقدیة غیر عادلة، فهنا یأتی دور الادارة لکی تعید التوازن بین الطرفین، ولکی تتأکد بنفسها من عدالة شروط الدفع.
ویرى الباحث ان الغایة من شرط قبول الادارة على السداد المباشر لحمایة المتعاقد من الباطن على ضوء ما سبق، ما هی الا مظهر من مظاهر الرابطة العقدیة، حیث لا یعد المتعاقد من الباطن من الغیر تماماً بالنسبة للإدارة، وکلاهما یعتبران طرفاً بالمفهوم الموضوعی فی اتفاق العقد من الباطن ، وهذا التدخل من قبل الادارة لا یمثل خروجاً على مبدأ نسبیة أثر العقود وانما تطبیقاً له، لان الارادة هی اساس التصرف القانونی، فلما انصرفت ارادة الادارة بقبولها بالسداد المباشر الى المتعاقد من الباطن، مقابل ما نفذه من التزامات، وفی الطرف الاخر انصرفت ارادة المتعاقد من الباطن الى الالتزام بالأثار المترتبة على التعاقد من الباطن الذی محله تنفیذ جزء من العقد الاصلی، فان کل ذلک یعد تطبیقاً لمبدأ نسبیة اثار العقود، ذلک المبدأ الذی یحظر امتداد اثار الالتزام الى أی شخص من دون الحصول على رضاه.
وتجدر الاشارة الى أن شرط القبول مستقل بذاته عن شرط الموافقة، وهذا یعنی ان تحقق شرط الموافقة لا یغنی عن تحقق شرط القبول، فاذا تحققت الموافقة وتخلف شرط القبول، فان المتعاقد من الباطن لا یستطیع الاستفادة من نظام السداد المباشر، ومن ثم لن یستطیع الحصول على المقابل المالی عن الاعمال التی نفذها مباشرة من الادارة، وهذا ما اشار الیه مجلس الدولة الفرنسی فی العدید من احکامه، حیث اکد فی حکمه الصادر فی 13/4/1986 "ان المتعاقد من الباطن الذی لم ینفذ احد الشرطین المنصوص علیهما فی المادتین 3، 6 من قانون 31 دیسمبر لسنة 1975، لا یمکنه مطالبة الادارة بحق الدفع المباشر عن الاعمال التی قام بتنفیذها"([47]).
نستنتج مما سبق أن المتعاقد من الباطن الذی لم یحصل على موافقة الادارة على التعاقد من الباطن لا یمکنه سلوک طریق السداد المباشر، ولا یمکنه الحصول على المقابل المالی مباشرة من الادارة لقاء ما نفذه من اعمال الا بتحقق شرطین وهما : موافقة الادارة على شخص المتعاقد من الباطن، وقبولها لشروط السداد المباشر الواردة بعقد المقاولة من الباطن.
الفرع الثالث
تجاوز قیمة العقد من الباطن حداً مالیاً معین
بالإضافة الى الشروط السالفة الذکر لإمکانیة الاستفادة من مزیة السداد المباشر، یعتبر تجاوز الاعمال المنفذة عن طریق التعاقد من الباطن، هو الشرط الثالث الذی نص علیه المشرع الفرنسی، اذ جاء النص علیه فی المادة السادسة من القانون رقم (75/1334) لسنة 1975، على ان احکام الفقرة الاولى من هذه المادة، والمتعلقة بالسداد المباشر، لا تطبق الا فی الحالات التی تتجاوز فیها قیمة الاعمال المنفذة عن طریق التعاقد من الباطن مبلغ أربعة الاف فرنک فرنسی، - 600 یورو – ویمکن رفع هذا الحد من خلال قرار یصدر من مجلس الدولة وفقاً لتغیر الظروف الاقتصادیة([48]).
وفیما یتعلق بالعقود الصناعیة المبرمة من قبل وزارة الدفاع، فقد صدر مرسوم بتاریخ 14 مارس لسنة 1973، الذی تم بموجبه اخضاع العقود الصناعیة لوزارة الدفاع الى حد مستقل، والسبب فی ذلک یعود الى الطابع الخاص لهذه العقود، حیث تم رفع الحد بالنسبة لهذه لعقود الى مبلغ 300 الف فرنک فرنسی ([49])، وهذا یعنی أن العقود التی تبرمها وزارة الدفاع تخضع لنظامین مختلفین، فاذا تم ابرام عقد اداری مع احد المتعاقدین، واراد هذا الاخیر التعاقد بشأنه من الباطن، فانه یخضع للحد المعین بموجب المادة السادسة من القانون (75/1334) وقدره اربعة الاف فرنک فرنسی، أما اذا کان العقد الاصلی من العقود الصناعیة، فانه یشترط أن تتجاوز قیمة الاعمال المنفذة عن طریق التعاقد من الباطن المبلغ الذی سیتم تحدیده من قبل وزارة الدفاع استناداً الى الفقرة الثانیة من المادة السادسة من القانون رقم (75/1334) لسنة 1975([50])، أی ان المشرع قد أورد استثناء فیما یتعلق بالعقود الصناعیة التی تبرمها وزارة الدفاع، اذ اخضعها لحد اخر یتم تحدیده من قبل مجلس الدولة الفرنسی.
کما ان مسلک المشرع الفرنسی فی القانون رقم (75 /1334) المشار الیه، والذی تم بموجبه وضع حد أدنى لقیمة العقد من الباطن لکی یمکن الاستفادة من السداد المباشر، لیس بجدید اذ سلکه المشرع فی جمیع القوانین التی تنظم عملیة التعاقد من الباطن، حیث وضعت جمیعها نصاباً معیناً للعقد من الباطن یجب أن یتجاوزه حتى یستطیع المتعاقد من الباطن الاستفادة من نظام السداد المباشر، الا ان هذه القوانین وان کانت متفقة بخصوص فکرة النصاب، الا أنها اختلفت بخصوص قیمة هذا النصاب، فقد تم تحدیده بموجب مرسوم 14 مارس لسنة 1973 بمبلغ قدره 30 الف فرنک فرنسی([51])، الى أن جاء قانون سنة 1975، واشترط للاستفادة من السداد المباشر تجاوز قیمة الاعمال المنفذة عن طریق التعاقد من الباطن بمبلغ أربعة الاف فرنک فرنسی، وهذا المبلغ المحدد من الممکن تغییره بموجب قرار یصدر من مجلس الدولة، کما أن تغیر هذا الحد لا یمکن أن یکون لأسباب تتعلق بزیادة اعباء الخدمات الاداریة للدولة أو الهیئات المحلیة، بل یکون لسبب واحد فقط وهو تغیر الظروف الاقتصادیة، نتیجة للتطورات الاقتصادیة([52]).
اما بالنسبة الى العراق فقد أشارت المادة (60) من شروط المقاولة لأعمال الهندسة المدنیة، على أن لرب العمل (الادارة) أن یدفع للمقاول الثانوی المسمى جمیع المبالغ التی لم یدفعها المقاول الاصلی الى المقاول الثانوی المسمى، مالم یقم المقاول الاصلی بتقدیم دلیل على أنه قد دفع المستحقات المالیة للمقاول الثانوی المسمى، أو قام بإبلاغ المهندس بصورة تحریریة أن لدیه أسباباً معقولة لامتناعه عن دفع تلک المبالغ على أن یقدم للمهندس الدلیل الکافی على ذلک، اما شرط بلوغ قیمة العقد من الباطن حداً معیناً والذی نص علیه المشرع الفرنسی، فلم تنص علیه المادة (60) من شروط المقاولة لأعمال الهندسة المدنیة وهذا ما نؤیده([53]).
المطلب الثانی
اجراءات السداد المباشر
بعد ان انتهینا من بیان شروط السداد المباشر وخصوصاً ما یتعلق بالموافقة والقبول، حتى یمکن للمتعاقد من الباطن الاستفادة من نظام السداد المباشر، یطیب لنا التعرض للإجراءات العملیة للموافقة والقبول للحصول على السداد المباشر:-
الفرع الاول
المسؤول عن تقدیم طلب الموافقة والقبول
ان تقدیم طلب الموافقة والقبول یقع على عاتق المتعاقد الاصلی، وقد نظمت المادة الثالثة من القانون رقم (75/1334) اجراءات تقدیم طلبات الموافقة والقبول، حیث الزمت المتعاقد الاصلی الذی ینوی أن یعهد بجزء من الاعمال الى متعاقد من الباطن أو أکثر، وجوب أن یحصل على موافقة الادارة على کل متعاقد من الباطن، وقبولها بشروط السداد المباشر، ویتم تقدیم طلب الموافقة والقبول وفق إجراءین: الاول یتم عن طریق المتعاقد الاصلی مباشرة بتبلیغ الادارة بطبیعة ومبلغ الالتزامات التی یعزم على اسنادها الى المتعاقد من الباطن، حیث یعد هذا الاجراء بمثابة اعلان بسیط من قبل المتعاقد الاصلی یکشف عن نیته فی التعاقد من الباطن، اما الاجراء الثانی : فبعد ان یرسو العطاء على المتعاقد الاصلی الذی افصح عن ارادته فی اللجوء الى التعاقد من الباطن، تتولى الادارة دعوة المتعاقد الاصلی الى ملئ تصریح خاص بالتعاقد من الباطن یشیر فیه الى طبیعة الالتزامات التی سیتولى تنفیذها المتعاقد من الباطن، اسم المتعاقد من الباطن وعنوانه، المبلغ المخصص کمقابل لالتزام المتعاقد من الباطن لتنفیذه، شروط السداد المنصوص علیها، تاریخ استحقاق الثمن([54]).
الفرع الثانی
الجهة المختصة بمنح الموافقة والقبول
تکون الجهة التی یقدم الیها طلب الموافقة والقبول، والتی تختص بمنح الموافقة والقبول هی الجهة الاداریة، واذا کانت الادارة هی التی توجه الیها طلبات الموافقة والقبول، فانه یثور فی هذا الصدد سؤال یتعلق بموضوع التعاقد من الباطن على درجات، لمن یقدم طلب الموافقة والقبول على المتعاقد الثانی من الباطن ؟
اجاب على هذا التساؤل القانون الفرنسی رقم (75 /1334) لسنة 1975 والذی نص على أن: المتعاقد من الباطن یعتبر متعاقداً أصلیاً بالنسبة للمتعاقدین معه من الباطن([55])، وتماشیاً مع هذا النص فأن المتعاقد الاصلی سیصبح بمثابة رب العمل (الادارة) بالنسبة لمتعاقدی المتعاقد من الباطن، واذا کانت موافقة الادارة على المتعاقد الثانی من الباطن ضروریة لممارسة الحق فی السداد المباشر، فهل موافقة المتعاقد الاصلی ملزمة أیضاً على المتعاقد الثانی من الباطن، اجابت على ذلک محکمة النقض الفرنسیة بقولها المتعاقد من الباطن غیر ملزم بالحصول على موافقة المتعاقد الاصلی بالنسبة للمتعاقد الثانی من الباطن([56]).
ومن وجهة نظر الباحث أن هذا الحکم محل نظر، ویتناقض مع نص المادة الاولى من القانون الصادر فی 31 /12/1975، والتی تجعل من المتعاقد الاصلی مسؤولاً امام الادارة وضامناً لحسن تنفیذ الاعمال محل الالتزام، حتى فیما یتعلق بالجزء الذی تم تنفیذه عن طریق المتعاقد الثانی من الباطن، والمنطق یقتضی ألا یسأل الشخص على مالا علم له به کما أن قواعد المسؤولیة تقتضی عدم مسؤولیة المتعاقد الاصلی عن المتعاقد من الباطن الذی لم یوافق علیه، لان المسؤولیة بین المتشارکین فی تنفیذ عمل معین تقتضی معرفتهم ببعضهم واتفاقهم فیما بینهم على المشارکة فی تنفیذ العقد، ومن ثم هذا یعنی أن موافقة المتعاقد الاصلی على المتعاقد من الباطن تکون ملزمة وضروریة.
الفرع الثالث
میعاد تقدیم طلبات الموافقة والقبول
ان القاعدة العامة فی العقود الاداریة هی أنه یتوجب على المتعاقد الاصلی تقدیم طلب الموافقة على المتعاقد من الباطن وقبول شروط السداد المباشر الى الادارة قبل البدء فی تنفیذ العقد من الباطن، وهذا یعنی أنه لا یلزم أن یکون هذا التصریح بالموافقة والقبول سابقاً على ابرام العقد، وانما یلزم الحصول علیه قبل البدء بتنفیذ العقد من الباطن([57]).
اما بالنسبة للعقود التی یتم التعاقد علیها بنظام المزایدات أو المناقصات أو عن طریق الممارسة، التی ینطبق علیها القانون الفرنسی رقم (75 /1334) لسنة 1975، فالأمر مختلف بحسب ما اذا کان المتعاقد الاصلی لحظة ابرام العقد متیقن بأنه سیحیل جزء من العقد الى متعاقد من الباطن، ام أن المتعاقد الاصلی لم یکن ینوی التعاقد من الباطن، واثناء تنفیذه العقد رأى ضرورة التعاقد من الباطن وهذا الامر مختلف فی الحالتین([58]):
الحالة الاولى: عندما یلجأ المتعاقد الاصلی الى التعاقد من الباطن منذ اللحظة الاولى لإبرام العقد الاصلی، فانه یجب الحصول على موافقة الادارة على المتعاقد من الباطن، وکذلک الحصول على اقرار الادارة على شروط الدفع المباشرة، وذلک فی لحظة ابرام العقد الاصلی.
الحالة الثانیة: عندما لا یکون لدى المتعاقد الاصلی لحظة ابرام العقد الاصلی أی نیة للتعاقد من الباطن، الا ان قد تستجد ظروف اثناء تنفیذ العقد تجبره على التعاقد من الباطن، فیجب علیه فی هذه الحالة تقدیم طلب الموافقة والقبول الى الادارة فور ظهور هذه الظروف وقبل البدء بتنفیذ العقد من الباطن.
وبهذا الصدد أقر القضاء الفرنسی العدید من الأحکام القضائیة بخصوص عدم لزوم أن یکون القبول والموافقة سابقین لإبرام العقد الاصلی، اذ قررت محکمة استئناف باریس فی حکم لها صدر سنة 1981 أن القبول والموافقة کشرطین من شروط السداد المباشر، لا یلزم أن یکونا سابقین أو ملازمین لإبرام اتفاق العقد من الباطن، اذ من الممکن أن یحصلا طوال مدة التنفیذ([59]) کما قررت محکمة النقض الفرنسیة فی السنة ذاتها بأن نص المادة الثالثة من القانون رقم (75/1334) الصادر بتاریخ 31/12/1975، لا یتطلب بالضرورة أن یکون القبول والموافقة سابقین أو ملازمین لإبرام اتفاق التعاقد من الباطن"([60]).
ومما تقدم یتبین لنا أن الطلب المقدم من قبل المتعاقد الاصلی لجهة الادارة بغیة الحصول على موافقتها على المتعاقد من الباطن، وقبولها لشروط السداد الخاصة بهم، یجب تقدیمه وقت ابرام العقد الاصلی أو بعد ذلک، بشرط أن یتم تقدیمه قبل البدء بتنفیذ اتفاق العقد من الباطن.
الفرع الرابع
مظاهر الموافقة والقبول
بالنظر للأهمیة التی تتمتع بها الموافقة والقبول فیما یتعلق بحق المتعاقد من الباطن للاستفادة من مزیة السداد المباشر، الا أنه یدور فی هذا الصدد خلاف حول اشتراط الموافقة والقبول صراحة أم الاکتفاء بالموافقة الضمنیة، وقد اختلفت النصوص القانونیة والاحکام القضائیة بین الاخذ بالموافقة الصریحة أو الضمنیة، سوف نتناول ذلک على مرحلتین، وعلى النحو التالی :
أشارت المادة الثانیة من مدونة العقود الاداریة سابقاً فی فرنسا لسنة 1975، الى أن فوات مدة (21) یوماً على تقدیم طلب التعاقد من الباطن دون أن تصرح الادارة عن رأیها بالموافقة أو الرفض، بمثابة القبول الضمنی، ویتفق هذا الاتجاه مع رأی الفقیه البلجیکی (Flamme) الذی یرى أنه فی حالة عدم وجود شرط صریح یحظر التعاقد من الباطن، فان موافقة الادارة على التعاقد من الباطن تعتبر مفترضة دائماً، انطلاقاً من الاهمیة التی یحتلها التعاقد من الباطن فی مجال تنفیذ العقود الاداریة([61]).
ثم صدر بعد ذلک المرسوم التشریعی الفرنسی رقم (76/476) لسنة 1976، الذی عمل على تعدیل المادة الثانیة من مدونة العقود الاداریة، معتبراً أن مضی مدة (21) یوماً دون أن تبدی الادارة رأیها بالقبول أو الرفض، یعد بمثابة رفض للمتعاقد من الباطن، أما فیما یتعلق بالمواد (3، 6) من القانون رقم (75 /1334) لسنة 1975 والتی أشارت الى حق المتعاقد من الباطن بالتمتع بالسداد المباشر من قبل الادارة، شریطة أن یحصل على موافقة وقبول الادارة بشکل صریح، کما ذهبت المادة السادسة من القانون المشار الیه اعلاه، أن سکوت الادارة خلال مضی مدة (21) یوماً یعد بمثابة رفض للطلب([62]).
اما بخصوص أحکام القضاء الفرنسی فقد تأرجحت بین الاخذ بحرفیة النصوص وتطلب الموافقة الصریحة، وما بین التطور القضائی والاکتفاء بالموافقة الضمنیة.
وفیما یتعلق بمرحلة التمسک بشکلیات النصوص، فقد اوضحت الغرفة الثالثة بمحکمة النقض الفرنسیة بحکمها الصادر سنة 1982، وجوب تقدیم طلب الموافقة على التعاقد من الباطن کتابة من قبل المتعاقد الاصلی، قبل تنفیذ العقد، الى الجهة الاداریة، على أن یتضمن هذا الطلب بیاناً بطبیعة الالتزامات التی ینوی المتعاقد الاصلی أن یتعاقد بشأنها من الباطن، وأسم المتعاقد من الباطن المقترح، وشروط الدفع المتفق علیها فی اتفاق العقد من الباطن، وفی حالة التزام الادارة الصمت بعد مضی (21) یوماً یعتبر بمثابة رفض للطلب([63]).
أما بالنسبة لموقف القضاء العراقی من مسألة سکوت الادارة لأبداء الموافقة على التعاقد من الباطن، فقد تعذر علینا معرفة ذلک لقلة الاحکام القضائیة الصادر بالموضوع.
ویتضح مما سبق أن المتعاقد الاصلی ملزم بتقدیم طلب الموافقة على التعاقد من الباطن الى الجهة الاداریة، قبل تنفیذ العقد، کما انه ملزم بإثبات موافقة الادارة وقبولها الصریح على السداد المباشر فی ذات العقد، وأن القضاء الفرنسی اعتمد مبدأ الموافقة الصریحة وافصح عنه فی الکثیر من أحکامه.
وفی مرحلة لاحقة حصل بعض التطور القضائی بهذا الصدد، ومن أجل التخفیف من صرامة المبدأ السابق، فقد ذهب مجلس الدولة الفرنسی سنة 1983، الى القول بأن من شأن الموافقة اللاحقة اعطاء المتعاقد من الباطن الحق فی الاستناد الى مبدأ السداد المباشر، وفی هذه الحالة یکفی أن یکون هناک اتفاق بسیط مکتوب من الادارة لأثبات قبولها للمتعاقد من الباطن، بدلاً من اتباع اجراءات مشددة لإثبات هذا القبول([64]).
وامام هذه التناقضات فی الاحکام ونظراً لامتناع ارباب العمل (الادارة) على الرد على طلبات التعاقد من الباطن المقدمة بواسطة المتعاقد الاصلی، الامر الذی بات معه الامر یشکل تهدیداً خطیراً لحقوق المتعاقدین من الباطن، مما أدى الى تدخل المشرع الفرنسی بالنص صراحة على الاخذ على الاخذ بمبدأ القبول الضمنی([65]).
لم یکن للمشرع الفرنسی موقف ثابت بالنسبة للأخذ بأی من الصورتین السابقتین للقبول الضمنی أو الصریح، فبعد أن اخذ بمبدأ القبول الضمنی من خلال مدونة العقود الاداریة لسنة 1975، عدل بعد ذلک المادة الثانیة من مدونة العقود الاداریة لسنة 1975، وذلک بموجب المرسوم التشریعی رقم (76/ 476) لینص هذا المرسوم على مبدأ القبول الصریح، ثم ما لبث أن عاد الى مبدأ القبول الصریح من خلال دفتر الشروط الاداریة العامة المتعلق بالمصنفات الفکریة أو الذهنیة لسنة 1979، وهذا ما أخذ به الشارع الفرنسی فی مدونة العقود الاداریة الحالیة([66]).
کما صدر مرسوم اخر فی 15 فبرایر لسنة 1985، الذی اعتبر سکوت الادارة خلال مدة (21) یوماً من تاریخ تقدیم طلب الموافقة على المتعاقد من الباطن من قبل المتعاقد الاصلی بمثابة قبول لهذا الطلب، واعتماد الشروط التی تضمنها هذا الطلب، وقد ترتب على تحول سکوت الادارة مدة (21) یوماً من رفض لطلب التعاقد من الباطن الى قبول ضمنی لهذا الطلب، قیام الادارة على تدقیق طلبات التعاقد من الباطن وفحصها وتمحیصها بدقة أکثر من ذی قبل([67]) .
وما یؤخذ على هذا الاتجاه أنه یتناقض مع نصوص المواد 3، 6 من القانون رقم (75/1334) الذی یؤکد على مبدأ القبول الصریح لطلب الموافقة والقبول على التعاقد من الباطن والسداد المباشر، ومن جانبنا نرى ان الاتجاه الاول الذی یؤکد الموافقة الصریحة من قبل المشرع هو الاجدر بالتأیید، لکونه یعمل على حمایة الادارة من جهة، وحمایة المتعاقد من الباطن من جهة أخرى.
وفی ختام حدیثنا عن السداد المباشر، یرى الباحث أنه یعد من أهم الضمانات التی یمکن توفیرها للمتعاقد من الباطن، ومن اجل کل الاعتبارات المتقدمة وغیرها من الاعتبارات التی دفعت المشرع الفرنسی لإقرار نظام السداد المباشر، الذی یلقی بظلاله لحمایة کل من المتعاقد من الباطن وکذلک المصلحة العامة التی تتأثر بمدى توفیر الحمایة لهذه الطائفة التی تتولى تنفیذ المشروعات العامة مما یعود بالأثر على المصلحة العامة، فکما ذکرنا سابقاً ان السداد المباشر یمکّن الادارة من معرفة من سیتولى التنفیذ الفعلی للعقد، کما ان الادارة ستکون مطمئنة الى قیمة المبلغ الذی سیتقاضاه المتعاقد من الباطن لقاء ما قام به من التزامات، بالإضافة الى ان السداد المباشر یحقق مصلحة المتعاقد من الباطن ایضاً، اذ یجعله مطمئناً فی الحصول على مستحقاته المالیة، انطلاقاً من قدرة الادارة على السداد، فی حالة تعرض المتعاقد الاصلی للإفلاس او التصفیة القضائیة، کما انه یحقق مصلحة المتعاقد الاصلی ایضاً، وذلک بالسماح له بالاستعانة بالغیر، لتنفیذ الاعمال المطلوبة منه، دون ان یکون ملزماً فی مواجهة المتعاقد من الباطن من الناحیة المالیة، مع بقاء اشرافه التام على المتعاقد من الباطن.
الخـاتمـة
بعد أن انتهینا من دراسة موضوع السداد المباشر کضمانة من ضمانات المتعاقد من الباطن، توصلنا الى الاستنتاجات والتوصیات التالیة :-
أولاً: الاستنتاجات:
ثانیاً: التوصیات :
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
The source
Arabic literature:
1- D. Eli Masood Khattar, Sub-Contract in Administrative Dispute, Al-Halabi Human Rights Publications, 2015.
2- Dr. Adel Abdul Rahman Khalil, General Foundations for The Antiquities and Implementation of Administrative Contracts, Iman Press, Without Place of Publication, Without A Year Of Printing.
3- Dr. Aziza Al-Sharif, Studies in The Theory of The Administrative Contract, Arab Renaissance House, Cairo, 1982.
4- Dr. Mustafa Abdel Sayed Al-Jarhi, Contract of The Subcontractor, comparative study in Egyptian and French law, Arab Renaissance House, 1988.
5- Mohamed Said Amin, General Provisions of the Obligations and Rights of the Parties of the Contract in the Implementation of the Administrative Contract, University Culture House, 1998.
6- Dr. D. Muhannad Mukhtar Noah, Positive and Acceptance of the Administrative Contract (Comparative Study) i1, Al-Halabi Human Rights Publications, 2005 .
7- Dr. Walid Farouk Juma, Protection of the Subcontractor under the Public Works Contract, Doctoral Thesis presented to Ain Shams University, Faculty of Law, 2000.
II/ Research:
1- Dr. Ahmed Fathallah Abu Sakina, General Theory of Enrichment for No Reason in Administrative Law (Comparative Study), Doctoral Thesis presented to Ain Shams University, Faculty of Law, 1995.
2- Ahmed Mohammed Al-Hawamda; IssaGhassan Al-Raydi, The Role of Direct Litigation in preserving the Rights of Creditors, Study of Federal Legislation in the United Arab Emirates, Research Published in the Journal of Sharia and Law Sciences, Volume 46, Issue 1, 2019.
3- AnamAbdThajil, implementation of the administrative contract without contract with the administration, a master's letter submitted to the Faculty of Law, Al Mustansiriyah University, 2017.
4- Dr. Mustafa Kamal Wasfi, Legal Adaptation of Public Projects, Research Published in the Journal of Administrative Sciences, 13th Year, First Issue, 1971.
5- Nasser Sayed Ahmed Mohammed Hilal, Legal Nature of the Relationship between the Administrator and The Subcontractor, Doctoral Thesis presented to Ain Shams University, Faculty of Law, 2017.
6- Dr. Najm Hamad Al-Ahmad, Subcontracting in the scope of administrative contracts (comparative study), doctoral thesis presented to Ain Shams University in 2001.
Third/ Foreign literature:
.1- Taffo (RENE) Universite of paris x nanterr. Mai. 1981
2- Tamba. La protection du sous - traitantdans la carde des marches
publics, these. Lyon. 1987..
3- Roulet. (voldo). The government's policy of "de-interest" is to make the government more effective in its work .
Laws and regulations:
French Civil Code (75/1334) of 31 December 1975.1-
2- Egyptian Tenders and Tenders Law No. (89) of 1998 and its executive regulations.
3- Iraqi Government Contracts Law No. (87) of 2004.
4- Instructions for the implementation of government contracts No. (2) for 2014.
5- General conditions for iraqi civil engineering contracting for the year 1988.