الملخص
على الرغم من قدم المحاولات التی رسمت المعالم العلمیة للقانون، حیث یرجع أقدمها إلى القرن الأول قبل المیلاد على ید الفقیه الرومانی "شیشرون"، إلا أن المعالم العلمیة للقانون ما زالت بحاجة إلى تأطیر، وهذا یعود إلى طبیعة تدریسه، إذ رکَّزت المناهج التعلیمیة فی البلاد التی تأثرت بالنظام اللاتینی فی قوانینها وفی مناهج کلیات القانون فی دولها، على تدریس القانون بوصفه مجموعة قواعد، وأهملت الجانب العلمی له، فلم تکثرت بإعداد طالب القانون إعداداً علمیاً، بل أثقلت فکره بدراسة فروع القانون المختلفة، إذ یتخرج طالب الحقوق وهو یجهل أیة معرفة بأهم العلوم القانونیة، کعلم المقارنة القانونیة، وفلسفة القانون، وعلم أصول الفقه القانونی، وعلم الاجتماع القانونی، وعلم المنهجیة القانونیة، وعلم المنطق القانونی بشقیه الصوری والمادی. وهذا ما قد یتیح للبعض فی اتهام القانون بعده عن النهج العلمی واقتصاره على الفنون فحسب، مما حدا بنا إلى اثبات الجانب العلمی للقانون وتأطیره علمیاً، عبر مبحثین عالجنا فی المبحث الأول القانون من الفن الى العلم، ثم بحثنا فی المبحث الثانی مترتبات الترسیخ العلمی للقانون، وأنهینا البحث بأهم النتائج.
الموضوعات
أصل المقالة
التأطیر العلمی للقانون-(*)-
Scientific Framing of Law
محمد سلیمان الأحمد نجم الدین احمد محمد کلیة القانون/ جامعة السلیمانیة کلیة القانون/ جامعة السلیمانیة
Mohammed Sulaiman Al-Ahmed Najm eldien Ahmed Mohammed College of law, University of Sulaymaniyah College of law ,University of Sulaymaniyah Correspondence: Mohammed Sulaiman Al-Ahmed E-mail:prof.alahmed@gmail.com |
(*) أستلم البحث فی 14/2/2021*** قبل للنشر فی 28/3/2021.
(*) Received on 14/2/2021 *** accepted for publishing on 28/3/2021.
Doi: 10.33899/alaw.2021.129550.1134
© Authors, 2021, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
على الرغم من قدم المحاولات التی رسمت المعالم العلمیة للقانون، حیث یرجع أقدمها إلى القرن الأول قبل المیلاد على ید الفقیه الرومانی "شیشرون"، إلا أن المعالم العلمیة للقانون ما زالت بحاجة إلى تأطیر، وهذا یعود إلى طبیعة تدریسه، إذ رکَّزت المناهج التعلیمیة فی البلاد التی تأثرت بالنظام اللاتینی فی قوانینها وفی مناهج کلیات القانون فی دولها، على تدریس القانون بوصفه مجموعة قواعد، وأهملت الجانب العلمی له، فلم تکثرت بإعداد طالب القانون إعداداً علمیاً، بل أثقلت فکره بدراسة فروع القانون المختلفة، إذ یتخرج طالب الحقوق وهو یجهل أیة معرفة بأهم العلوم القانونیة، کعلم المقارنة القانونیة، وفلسفة القانون، وعلم أصول الفقه القانونی، وعلم الاجتماع القانونی، وعلم المنهجیة القانونیة، وعلم المنطق القانونی بشقیه الصوری والمادی. وهذا ما قد یتیح للبعض فی اتهام القانون بعده عن النهج العلمی واقتصاره على الفنون فحسب، مما حدا بنا إلى اثبات الجانب العلمی للقانون وتأطیره علمیاً، عبر مبحثین عالجنا فی المبحث الأول القانون من الفن الى العلم، ثم بحثنا فی المبحث الثانی مترتبات الترسیخ العلمی للقانون، وأنهینا البحث بأهم النتائج.
الکلمات المفتاحیة: علم القانون، منهجیة القانون، نظریة القانون، فلسفة القانون، علم الاجتماع، علم السیاسة.
Abstract
Despite the ancient attempts that drew the scientific milestones of the law, the oldest of which dates back to the first century BC by the Roman jurist "Cicero", the scientific features of the law still need to be framed. This is attributed to the way it is taught, as the educational curricula in the country that are influenced by the Latin system, or Civil Law Tradition, in its laws and in the curricula of the law faculties in their countries concentrated on the teaching of law as a set of rules, and neglected the scientific aspect of it. They did not abound in the scientific preparation of the law student but dominated his mind by the studying the different branches of law. Therefore, the student of law graduates and he/she is unaware of the most important legal sciences, such as legal comparative science, philosophy of law, jurisprudence, legal sociology, legal methodology, and legal logic with its pictorial and material parts. This may allow some to accuse the law of its distance from the scientific approach and its limitation to the arts only. Eventually, this led us to make an argument for the scientific aspect of the law and frame it scientifically, through two topics. To begin with, we will deal with law from art to science, and then in the second turn, we will investigate the scientific consolidation of the law, until we come to the conclusion that study with some important results.
Key words: science of law, methodology of law, theory of law, philosophy of law, sociology, political science.
المقدمـة
دأبت الدراسات القانونیة-فی العادة-على تقدیم شروحات موجزة وأخرى وافیة لقواعد قوانینٍ معینة، الأمر الذی أدى إلى خلق نوعاً من الانطباع المضطرد، أن هذه الدراسات لا تحوی نظریات عامة تخصُّ القانون بوصفه علماً یهتمُّ بالإنسان کسائر العلوم الانسانیة؛ وعلى الرغم مما قدَّمته المؤلفات العدیدة فی المدخل لدراسة القانون بنظریاته المختلفة، لا سیما نظریة القانون ونظریة الحق، وإلى جانب من أَلَّـف فی هذا المجال تحت مسمى علم القانون، أو العلوم القانونیة، إلا أنها لم تؤطر القانون تأطیراً علمیاً دقیقاً، بمعنى أنها لم تتناوله بوصفه علماً قائماً بذاته له موضوعه الخاص به، ولدیه مسائله التی یختص بها، ولدیه أهداف یود تحقیقها، بل قدّمت دراسة لأنواعه وأنواع قواعده وتوصیفات أقرب ما تکون إلى الفنون منها إلى العلوم.
ولا یشفع أن القانون أخذ یُدرَّس على الطلبة کنظریات ولیس فقط کشروحات متنیَّة، لکن بقیت هذه النظریات رهینة القواعد المنصوص علیها فی التشریع، فهی تبین للطالب رؤیة المشرع، ووسائله فی تحقیق غایاته، بعیداً عن الدراسة العلمیة القائمة على الکمال والتعضی فتدریس القانون لیس دلیلاً على أنه أصبح علماً. ففی القانون الرومانی کان الفقهاء یُدرِّسون القانون على الطلبة منذ القرن الاول قبل المیلاد وقبل ان یکون البریتور قد انتهى من تنمیة الاجراءات القضائیة وتطویرها، ابتدأ القانون الرومانی بالظهور بشکل جدید، وهو الشکل العلمی؛ فقد تمیزت هذه المرحلة بحدث کان احد اثنین او ثلاثة من الاحداث التی انتجت اعمق الآثار على التاریخ العام للقانون، غیر ان هذا الحدث لم یحظ من الدراسة القانونیة فی الوقت الحاضر الا بقسط ضئیل. فلو لم یکن القانون الرومانی، الا ممارسة عملیة او فنا واقعیا بحتاً لتنظیم الاجراءات القانونیة لما قوی على البقاء فی ظل الحضارة الرومانیة، ولو لم تکن النصوص القانونیة التی خلفها الرومان الا تلک الصیغ النموذجیة مع تعلیقات الفقهاء وشروحهم علیها لما حظیت احکام القانون الرومانی بالتطبیق فی مختلف العصور ؛ ولما کان من الممکن وقد تبدلت الاجراءات – ان ندرک مفهوم المنفعة وان نتبین مجالات التطبیق العلمی للصیغ، ولکتب اخیراً للقانون الرومانی ان یُطوى فی عالم النسیان، إلا أن جهود الفقهاء الرومان ومحاولاتهم فی تدریس القانون، قد أکست القانون طابعاً علمیاً، وإن لم یکن متکاملاً، ساهم هذا الطابع العلمی للقانون الرومانی أن یصمد ویبقى حیاً ویتغلغل فی الکثیر من تشریعات الدول المختلفة حول العالم، بوصفه مصدراً تاریخیاً مهماً، استقت منه التشریعات الحدیثة نظریاتٍ عدیدة. لکن هذه تبقى دراسات لم تحدد المعالم العلمیة لعلم القانون، وإن حاولت أن تجعل من القانون الرومانی فی حد ذاته علماً.
فضلاً عما سبق، فقد ساهمت المنهجیة المتَّبَعة فی تدریس القانون بالترکیز على القواعد القانونیة واهمال العلوم القانونیة، کعلم تکوین النظریات القانونیة، وعلم الظواهر، وعلم القانون المقارن وعلم الاجتماع القانونی وعلم المنهجیة القانونیة وعلم أصول الفقه القانونی والمنطقین القانونی والقضائی وفلسفة القانون وعلم السیاسة التشریعیة؛ فجمیع هذه العلوم لا یدرسها طالب الحقوق، وهی تبقى غریبة عنه حتى مع إکماله الدراسات العلیا.
هنا یبدو القانون وکأنه لیس بعلم، أو أنه علم لیس له إطارٌ محدد، إذ قد یلتبس بغیره من العلوم، بل قد یذوب فی بعضها، أو أنه مجرد فن، مما حدا بنا أن نعمل على تأطیره علمیاً، محاولین بحث هذا الموضوع فی مبحثین هما:
المبحث الأول: القانون من الفن الى العلم
المبحث الثانی: مترتبات الترسیخ العلمی للقانون
المبحث الأول
القانون من الفن الى العلم
فی البدء لا بد من تحدید معنى کل من العلم والفن، فالعِلْم_بکسر العین وسکون اللام_ مصطلح یُطلق فی الأساس على الإدراک مطلقاً تصوراً کان أو تصدیقاً، فقد عُرِّف بأنه الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، فهو حصول صورة الشیء فی العقل، فإطلاقه هو لإدراک الأشیاء على ما هی علیه، أما العلم بوصفه اسم عَلَم 'Science'، فهو مجموعة من القواعد تدعمها نظریات قامت على أساس الملاحظة والتجربة، ترسخ حقائق معینة، فالعلم أساسه المعرفة بالأشیاء وحقائقها وحقائق وجودها وتفاعلها فی الوجود، إذ یطلق العلم على مجموعة معارف تتمیز بالوحدة والتعمیم ولا تستند إلى الفروق الفردیة والأذواق الشخصیة.
أما الفن"Art" فقد أُختلف فی معناه لغةً واصطلاحاً، ففی المعجم الوسیط، الفن هو التطبیق العملی للنظریات العلمیة بالوسائل التی تحققها، ویکتسب بالدراسة والمرانة، وللفن ثلاثة معانٍ مختلفة هی: معنى عام: وهو الذی ینظر للفن من خلاله على أنه التطبیق العملی للنظریات العلمیة، ویعتبر هذا الجانب التطبیقی للعلوم، وهو ما یسمى بالعلوم التطبیقیة. معنى خاص: وهو الذی ینظر للفن على أنه مهارة شخصیة یمتلکها شخص محترف أو صاحب صنعة، وهو ما یسمى بالفنون التطبیقیة، والتی تشتمل على الفنون الیدویة المعتمدة على مهارة الإنسان فی تقدیم أمور نافعة ومفیدة. معنى أکثر خصوصیة: وهو الذی ینظر للفن على أنه عملٌ جمالیٌّ یثیر مشاعر السرور والفرح والبهجة فی الناس، وهو ما یسمى بالفنون الجمیلة.
وهنا قد یُطرح تساؤل، هل القانون علمٌ أم فن ؟ ولکی نفهم حقیقة هذا التساؤل، علینا أن نوضح، بعدما عرفنا الفرق بین العلم والفن، مکانة القانون بینهما. ولا یخفى أن القانون ولکونه مجموعة من القواعد التی تنظم السلوک الاجتماعی وتکون عامة مجردة ملزمة للأفراد باقترانها بجزاء یفرض على من یخالف هذه القواعد، هو عمل من إنتاج الجهد البشری، یتسم تارة بأنه علم، وتارة بأنه فن، لکن هذا لا یمنع بشکل عام أن تجتمع فی حقل واحد من حقول المعرفة صفتا العلم والفن، وکذا القانون، فهو علم من حیث أنه نتاج لنظریات فقهیة وتجارب عملیة أنتجها الواقع ورأى ضرورة تنظیمها، کما أنه نتاج ابداع وحبکة وصیاغة وصناعة وهندسة تشریعیة وفکریة وبلاغیة تجعل من الخطاب القانونی متمیزاً عن أی خطاب غیره، لکن الى أیهما أقرب ؟!.
لا شک أن العلم یستند فی الأساس على دراسة الأسباب والنتائج، فیتحرى عن العلل التی تقود الى الظواهر المحسوسة والمؤثرة فی الواقع؛ من جهته یعتمد الفن على تحقیق الغایات باعتماد وسائل توصل الیها، وبالتالی أمکن القول أن العلم یهتم بدراسة النتائج وأسبابها، فی حین یهتم الفن بدراسة الغایات ووسائلها. هنا نتساءل هل القانون یهتم بدراسة النتائج وأسبابها، أم أنه یهتم بدراسة الغایات ووسائلها ؟؟ الحقیقة أن الأمر یتطلب تمحیصاً دقیقاً لصورة القانون التی أفرزها الواقع فی الذهن، من خلال التطرق الى الحدیث عن الفیصل المنهجی و المعرفی بین القانون فناً والقانون علماً، وهذا ما سنتناوله فی المطلب الأول، ثم نستتبعه بالدعائم العلمیة للقانون فی مطلبٍ ثانٍ.
المطلب الأول
الفیصل المنهجی والمعرفی بین القانون فناً والقانون علماً
هناک فواصل منهجیة ومعرفیة بین کون القانون فناً وکونه علماً، نتناولها فی الفرعین الآتیین:
الفرع الأول
الفیصل المنهجی بین القانون فناً والقانون علماً
لقد طال التشکیک فی علمیة القانون جوهره، لیس فحسب مِن مَن کان یسعى لإلغاء طابعه العلمی، أو دمجه بعلوم أخرى، بل من کثیرین ادّعوا صدق تصورهم للقانون، منطلقین من فلسفة متعالیة، ممنهجین بـ (الترنسندنتالیة ـ Transcendental) غیر البعیدة عن الحکم السایکولوجی المسبق للظواهر، فبدلا من النظر الى جزئیات القانون من نافذته الکلیة، رسمت هذه المنهجیة معالم القانون من خلال نافذة جزئیة له هی التشریع، فأخذ القانون ینحصر فی التشریع، والتشریع هو القانون الذی یجب ان یتصوره الذهن، فانطلقت النظریات من فوهته واستقرت تحت قوقعته، ووضعت للقانون برامج ودراسات جعلته مجرد مجموعة من التشریعات، بحیث وجب تدریسه على أنه فقط مجموعة من القواعد ؛ وهذا ما دفع الکثیرین إلى إنکار الصفة العلمیة عنه، أو إدراجه ضمن الفنون فحسب.
فضلاً عن ذلک فإن الکثیر من الدراسات المنطلقة من رحم المدرسة الوضعیة، صوّرت القانون مجازاً على أنه سُننی ولیس سببی، فهو یهتم بدراسات الغایات والوسائل، ولیس النتائج والأسباب، فأنکروا وجود عامل قانونی مؤثر، وحالة قانونیة متأثرة، وغلّبوا على القانون طابع الأداة بید السلطة فی بسط سیطرتها ونظامها.
من هنا کان لا بد من محاولة اعادة دراسة القانون کظاهرة معرفیة، ووجود محتم، وقیمة متصلة بجوهره، واعتماد المنهج ( الفینومینولوجی Phenomenology ) فی تأطیره، أی دراسة القانون بوصفه علم یدرس ظواهر.
ومن الممکن تحدید الفیصل المنهجی فی عدّ القانون فناً أو عدّه علماً فی الاعتماد على طریقة تدریس القانون ودراسته، فلو قصّرنا الحدیث على طبیعة المناهج الدراسیة فی العراق، نجد أن هذه المناهج تنحاز الى عدّ القانون فناً، فهی تسلط الضوء على دراسة القواعد القانونیة فی جمیع فروع القانون، بشقیه العام و الخاص، کما أنها ترکز على شروحات القوانین، وفی کلیات الحقوق فی جامعات الدول المجاورة، لا سیما العربیة، الأمر لا یختلف کثیراً سواء تم اعتماد نظام التعلیم السنوی، أو نظام الساعات المعتمدة ؛ وکأن دراسة القانون باتت مقتصرة على دراسة التشریعات الساریة المعمول بها فی الدولة .
فی حین تقود دراسة القانون بوصفه علماً إلى تکوین مَلَکَة قانونیة للطالب لا تقتصر فقط على تمکینه من تطبیق القوانین وتفسیرها، بل تمکّنه من تکوین النظریات القانونیة کی یساهم فی تطویر الحیاة القانونیة على جمیع المستویات، بما فیها التشریع والقضاء، لذا یجب أن یعتمد المنهج فی القانون على التحلیل والترتیب معا، وعلى الاستنباط والاستقراء والقیاس المنطقی، وأن یتم تدریس العلوم القانونیة جنباً إلى جنب القوانین، بأسلوب علمی کفوء.
وعلیه لم یعد مقبولاً اقتصار الدراسات القانونیة على اسلوب التحلیل، بل یجب اتباع أسلوب الترکیب جنباً إلى جنب مع التحلیل، فالدائرة المعرفیة للقانون وتأثره وتأثیره بالواقع، تتطلب هذین الاسلوبین، کما أن اتباع هذین الأسلوبین یقوم على الاعتماد على منهجی الاستنباط والاستقراء، فما عادت دراسة القانون تقتصر على معرفة القانون المُطبق، أو التشریع على وجه الخصوص، واستنباط أحکامه لتطبیقها على أرض الواقع، وإنما شملت دراسة القانون دراسته علماً للظواهر القانونیة، إذ یساهم علم القانون فی تطویر القانون وجعله أکثر معقولیةً ومقبولیة.
الفرع الثانی
الفیصل المعرفی بین القانون فناً والقانون علماً
إن معرفتنا بالقانون بوصفه فناً، غیر عن معرفتنا بالقانون بوصفه علماً، فالقانون عندما یکون فناً، نحاول أن نحاکی واقعه المتمثل فی التشریع، ونعتمد على أنفسنا فی التفنن فی تطبیقه، أو فی التفنن فی تحییده، أما کون القانون علماً، فالمعرفة فیه تنصب على أصوله العلمیة ونظریاته التی رسخت مفهومه، ومدرکات تطویره، إن الفیصل المعرفی بین کون القانون فناً أو علماً یعتمد فی الأساس على إدراک طبیعة علم القانون أو فن القانون، فالقانون وإن ذهب البعض الى کونه علماً سننیاً ولیس علماً سببیاً، فهذا المذهب قد نظر الى القانون من زاویة الفن ولیس العلم، فالقانون عندما یکون فناً سیهتم بالغایات والوسائل المؤدیة الى تحقیقها، فهو بهذا سننی الطبع، لکن لو نظرنا الى القانون کونه علماً، فإنه علم سببی یهتم بالنتائج والأسباب المنتجة لها، ولهذا فإن تدخل القانون فی معالجة أمرٍ ما، یجعله سبباً فی تحقیق نتائج معینة، کما أن تعدیل توجه القانون نحو أمر ما، لا ینکر أنه نتیجة لمتغیرات الواقع التی دفعت القانون الى تغیر موقفه ولهذا یحتاج رجل القانون أن یقرأ بدقة متغیرات الواقع، وأن یتعامل مع الظواهر ویکسوها بکسوة قانونیة تجعلها ذات قیمة فی نظر القانون، ولهذا فإن دراسة الظواهر مهمة فی نطاق القانون، کی یتعلم طالب القانون کیفیة التعامل معها.
کما تفرض القیمة العلمیة للقانون الاهتمام بالاستقراء العلمی بقدر اهتمامنا باستنباط الأحکام القانونیة، فالاستقراء العلمی یُفید الدارس والباحث فی مجال علم القانون، أن یُکون النظریات العلمیة، کما یمنحه فرصة التهیئة لنفسه لیصبح فقیهاً قانونیاً، فالاستقراء، إلى جانب الاستنباط، یقود إلى التفقه فی القانون، والذی یرتکز على مجالین یعتمد علیهما الاستقراء بشکل واضح:
- الأول: تکوین النظریات العلمیة فی القانون، والنظریة هنا هی اظهار الحقیقة حسب معنیین للکلمة، بناء صورة محددة للرؤیا، وتعمیم مجرد تکون فیه صفات الحقیقة وخاصیاتها قابلة للنقل، فلیس کل ظهور للحقیقة یُشکل نظریة بالمعنى العلمی للحقیقة، وخاصیة النقل هی التی تُحوِّل النظریات إلى قواعد وأحکام.
- الثانی: التقعید الفقهی: وفی هذا المجال یقوم فقیه القانون بتحویل نظریاته إلى قواعد مصاغة بشکل محکم، کی تکون جاهزة لتشریعها أو عدها من ضمن مبادئ القانون؛ والتقعید الفقهی هو عمل علمی فقهی ینتهی بالفقیه إلى صیاغة نظریاته العلمیة بقواعد کلیة تنضبط بها الفروع والجزئیات، فالقاعدة هی حکم کلی، والتقعید هو ایجادها واستنباطها من مصادرها على رأی البعض، لکن مجال الاستقراء فی هذه العملیة العلمیة أخصب؛ وهی لا تشتمل فقط على ما یشتمل علیه علم القانون من موضوع، بل تطال مناهجه المعتمدة وأصوله أیضاً.
المطلب الثانی
الدعائم العلمیة للقانون
نظریتنا فی إثبات کون القانون علماً تقوم-کما فی الهندسة على المفروض والمطلوب إثباته والبرهان، سنعالج المفروض والمطلوب إثباته من أن القانون علمٌ فی الفرع الأول، ثم نتناول البرهان فی الفرع الثانی.
الفرع الأول
المفروض والمطلوب إثباته أن القانون علمٌ
سؤال یطرح نفسه: ما المفروض لإثبات أن القانون علم ؟ کما یطرح بعده سؤال آخر، وما هو المطلوب إثباته من أن القانون علم ؟
هذا ما سنوضحه فی المقصدین الآتیین:
المقصد الأول
المفروض فی عِلمیة القانون
یتجه الکثیر من فقهاء القانون والشرّاح، بل وحتى علماء علوم إنسانیة أخرى، إلى أن القانون علم، لکن طبیعة دراسته وتدریسه قد تشکک فی ذلک، وهذا التشکیک قائم على أن تدخل القانون فی أنماط الحیاة مقتصر على وضعه الوسائل الکفیلة لحمایة الحقوق وإشاعة النظام فی المجتمع، فهو، کما یتم تصویره، أداة بید الدولة، أو الجماعة، لوضع الوسائل اللازمة الکفیلة بتحقیق غایات محددة.
إن عملیة وضع الغایات والوسائل المحققة لها، لیست ببعیدة عن قانون السبب والنتیجة، فبسبب ما ینتجه الواقع من تطورات ومتغیرات یلجأ القانون الى وضع القواعد، ثم أن هذه القواعد هی فی حد ذاتها عوامل قادت الى تغیر أنماط الواقع بشکل أو بآخر، ولهذا فإن من المفروض أن یکون القانون علماً، یدرس کیفیة إکساء الظاهرة بالصفة القانونیة من خلال ترتیب آثار حقوقیة علیها. والشواهد على ذلک کثیر.
ففی الطلاق على سبیل المثال، ترى الکثیرین یرجعونه إلى عوامل اجتماعیة وأخرى اقتصادیة، متناسین ان للعامل القانونی دور بارز فیه، فالتشریعات التی ظهرت، والتعدیلات التی طرأت على قانون الاحوال الشخصیة، أسهمت بشکل فاعل فی فقد الثقة بین الزوجین، وجعلت من الزواج قیداً خانقاً على الحریة، وعلى الرغم من التشدید على الزوج فی الطلاق، وعلى الزوجة فی طلب التفریق، ترى الاثنین یقدمان على الانفصال، وبکثرة، کنتیجة لضعف الثقة بینهما، والسبب هو القانون.
المقصد الثانی
المطلوب إثباته فی کون القانون علماً
القانون لیس فقط مجموعة قواعد، بل اتجاهات وأفکار، قادت منها الى سن تلک القواعد، وأخرى تقود الانسان لیکون سویاً فی سلوکه، فالقانون عندما یعطی السلطة التقدیریة للقاضی، یرید أن یجعل القاضی، وهو ید القانون، أکثر اتصالاً بواقع الحیاة، کذا العلة من السلطة التقدیریة للإدارة. لیس القانون ذلک القید المزعج على حریة الأفراد، بقدر ما هو ضمانة لحمایتها، وهنا تتجه تلک الأفکار لوضع نظریات تحقق بها هذه النتیجة، فالعامل القانونی عامل قائم بذاته لا یرتبط فی وجوده بعوامل اجتماعیة أو اقتصادیة أو سیاسیة أو ما شاکل ذلک، لذلک فإن ما مطلوب إثباته هنا هو أن القانون لیس فقط تشریعاً، بل ناموس انتجته الإنسانیة لیرتقی بها الى مرتقى حضاری سامٍ.
إن جُلَّ ما مطلوب إثباته هنا هو التأکید على خصوصیة علم القانون وعدم اتــّصافه، بالتبعیة، لأی علم آخر، والتأکید على علویة هذا العلم على سائر العلوم الانسانیة، لأنه، وان کان یشترک مع تلک العلوم فی دراسة السلوک الانسانی، فهو یتمیز عنها بقواعده الملزمة المقیّدة لحریة الانسان فی تحقیق التوازن المطلوب، ورفع التعارض بین المصالح، فقواعده مؤکدة ومضمونة التطبیق، وهو علم سببی، مثل غیره، فضلاً عن أنه ملیء بالقواعد السننیة؛ إذ یذهب الفقیه "هانس کلسن" إلى عدّ القانون من العلوم السننیة ولیس السببیة، إذ یذهب إلى القول: (هناک علوم اجتماعیة لا تطبق مبدأ السببیة، بل تطبق مبدأ الاسناد، فهی تدرس التصرفات البشریة لا کما تجری فعلیا فی النظام السببی للطبیعة، وانما بالارتباط مع السنن التی تأمر کیف یجب أن تحدث. فهی اذن علوم سننیة ونجد من بینها علم الاخلاق وعلم القانون. ان تسمیة أحد العلوم بأنه سننی لا تعنی أنه یجب أن یأمر بسلوک معین وأن یسن سننا قابلة للتطبیق على سلوک الافراد. فدوره لیس الا بیان الضوابط والعلاقات الاجتماعیة التی تکونها تلک السنن. والعالم الذی یدرسها لیس له سلطة اجتماعیة، فهو یسعى إلى فهم الوقائع لا إلى ادارة المجتمع. ان المجتمع بالنسبة للعلم السننی هو نظام سننی (أخلاقی أو دینی أو قانونی) متکون من مجموعة من السنن. یخضع الفرد للنظام السننی بقدر ما تنظم سلوکه سنن ذلک النظام. ویکون النظام السننی فعّالاً بوجه عام عندما یخضع الافراد المخاطبین به إلى سننه. فاذا تحقق ظرف معین فی نظام فعال حقا، فمن المحتمل أن تتحقق النتیجة المقضی بها فی نفس السنة وهی کذلک. ومع ذلک فمن الصعب ان نسلم بأن هذا النوع من الافتراض یمکن ان تکون له صفة القانون الطبیعی الحقیقی القابل للمقارنة بقانون "ذوبان المعادن بتأثیر الحرارة". ولا حاجة بنا إلى الکلام عن هذه النقطة فی هذا المجال، لأن العلوم الاجتماعیة السننیة لا تهتم بالعلاقات السببیة التی قد توجد بین الظواهر الاجتماعیة). إلاّ أنی أختلف معه فی اقتصار تمییزه بین ما هو سببی وما هو سننی على التمییز بین العلم والفن، ولکون القانون علم وفن فی الوقت نفسه، فإنه کفن یهتم بالغایات ووسائل تحقیقها، وانه کعلم یهتم بالنتائج والأسباب المؤدّیـة إلیها، لکن المشکلة أن الدراسات تناولت القانون فی معظم مجالاتها کفن، وتمّ الخلط بین الفن والعلم، فشُبّـهَ للکثیر أن القانون علم سننی اسنادی، فی حین أنه علم لا یخلو من دراسة السببیة ؛ ولعلّ السبب الآخر وراء هذا الاعتقاد هو عدم وجود ذاتیة واستقلالیة للعامل القانونی عن العوامل الأخرى الاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة.
الفرع الثانی
البرهان على أن القانون علمٌ
والبرهان أن القانون علم هو أن مجسّم القانون قد تکوّن من جهود فقهیة وأخرى قضائیة فی تکوین نظریاته المختلفة، التی تشکلت بها قواعده المختلفة، فالقانون قائم على أساس علمی مفاده أن الأفراد یحتاجون موجهاً عاماً لهم، یضع لهم فواصل عازلة تتیح لکل منهم ممارسة حریاته وحقوقه بلا أی منازع أو تصادم، وهی لکی تصبح مؤثرة لا بد أن تکون ملزمة لهم بأن تکون مقترنة بجزاء یفرض على من یخالف أحکامه.
ولعلَّ السمة التی یتسم بها علم القانون هی أنه ینصب على موضوع خاص به، هو القانون، أو بالأحرى القانون منظوراً إلیه من حیث کونه قاعدة فی النظام الاجتماعی؛ وللتدلیل على أن القانون یمکن أن یکون موضوعاً لعلم، أی یشتمل على العناصر الصالحة لتکوین علم القانون، یجب أن نثبت أن له من الخواص ما للعلوم الأخرى. ویقال عادة إن دراسة ظواهر معینة تکون دراسة علمیة إذا توافرت فی هذه الظواهر خاصیتان أساسیتان، هما الکمال والتعضی. ناهیک عن ذلک فإن القانون أضحى الیوم من المعارف الانسانیة، إذ یحتوی على مسائل وأهداف، ومسائله تُشکل قضایا فیها موضوع ومحمول، لذا فهو لا یختلف عن أی معرفة تتأطر علمیاً، من خلال تسلیط الضوء على ظواهرها القابلة للدراسة والبحث والتمحیص.
وإذا سلمنا وجود ما یسمى بالظاهرة القانونیة فإن هذه الظاهرة ستکون موضوع علم القانون مثلما تکون الظواهر الفیزیائیة موضوعاً لعلم الفیزیاء وکما تکون الظواهر الکیمیائیة وهکذا. ولکن هل تتوافر فی الظاهرة القانونیة خاصیتا "الکمال" و "التعضی"، اللتان یقال انهما تتوافران فی کل ظاهرة تعد دراستها دراسة ذات طابع علمی، ویقصد "بالکمال" أن تکون الظاهرة موضوع الدراسة ظاهرة عامة بحیث تشمل جمیع الاشیاء التی تدخل فی مجال انطباقها، فإذا وجدت ظاهرة کیمیائیة أو فیزیائیة تصلح لبعض الأماکن دون بعض، أو تصدق على بعض الأجسام دون بعض، فلا تعتبر دراسة هذه الظاهرة دراسة علمیة.
ویقصد "بالتعضی" أن تنصب الدراسة لا على ظاهرة واحدة، أو ظواهر عدة لا ترابط بینها، بل على ظواهر عدة یرتبط بعضها ببعض ارتباطا منسقاً بحیث یمکن عن طریق الاستدلال الوصول من بحثها إلى مجموعة من معلومات عقلیة متناسقة بموضوع معین. اما ان خاصیة الکمال متحققة فی الظاهرة القانونیة فیدل علیه حرص النظم القانونیة الحدیثة على أن تبین للقاضی الوسیلة التی یجب علیه أن یستعین بها لإیجاد حل للمسائل التی لم یرد لها نص فی التشریع، کذلک یتکون النظام القانونی الحدیث من أجزاء تتلاقى جمیعاً فی مبادئ أساسیة علیا وروح ملهمة واحدة، مما یتیح الوصول إلى معلومات عقلیة متناسقة. ذلک أن قواعد القانون لا تعیش معزولة بعضها عن بعض، بل تجتمع فی شکل أنظمة قانونیة. والنظام القانونی هو "مرکّب" یتکون من جملة قواعد قانونیة تستهدف جمیعاً أهدافاً قانونیة واحدة.
کما أن القانون ینتهج منهجاً علمیاً هو منهج التوجیه، بما یستشعر فیه الجمهور من الزام یکون موجهاً لهم سلوکهم القویم فی أداء أعمالهم المختلفة، ولهذا یعتمد القانون، وفی أهم صورة، وهو التشریع، على نظریات علمیة توجّه القائمین على عملیة التشریع الى کیفیة التعامل مع الوقائع، والحرص على أن یؤدی القانون رسالته المنشودة، والحیلولة دون جعل القانون جزءاً من مشکلة ما فی الحیاة العملیة، فالقانون هو الحل الذی تجده الجماعة الأمثل لمشکلاتها، فهو یفرض على الجمیع احترام قواعده، وبالتالی فإن قدرة القانون على التقیید لا تضاهیها قدرة ؛ ولهذا لا یأتی القانون دوره ولن یؤدی وظیفته هکذا عبثاً، بل الأمر قائم على نظریات علمیة واعیة استدعت الى تحیید القانون عن مساره الفنی السابق، لیتخذ مساراً علمیاً جدیداً .
وقد قاد ذلک الى ظهور علوم ملموسة فی نطاق القانون، فالتشریع مثلاً لم یقتصر فقط على کونه مجموعة من فنون فی الصیاغة وصناعة النص، بل أضحى علماً قائماً بذاته، تحکمه نظریات رسخت من أهمیته وجدوى وجوده، بل وقبوله من قبل الأشخاص الموجه الیهم.
کما أصبح للفقه القانونی أصول علمیة تمیزه عن فقه الشریعة، قامت بها نظریات علمیة محکمة.
کما اهتمت أغلب کلیات الحقوق فی الجامعات المختلفة بتدریس علوم قانونیة مختلفة، مثل علم الاجتماع القانونی، وعلم القانون المقارن وعلم الظواهر القانونیة.
هکذا لم تصبح دراسة القانون مقتصرة على کونه مجموعة من القواعد فحسب، بل هو، فضلاً عن ذلک، علم قائم بذاته تحکمه نظریات علمیة قائمة على افتراضات واقعیة ومستندة على براهین صادقة وتحاکی مشکلات عملیة جمة و تتغیر و تتطور على تجربة الانسان للقانون فی الواقع الاجتماعی و التطبیقی.
وأخیراً فإنه لا شک ان العلوم، لاسیما الانسانیة منها، تشترک فی دراسة الحالات ذات الصفات المشترکة، فنرى بعض الحالات توصف بانها دینیة واجتماعیة، کالزواج، وهناک حالات توصف بانها اجتماعیة واقتصادیة، کالبطالة، وهناک حالات توصف بانها سیاسیة واقتصادیة، کتقسیم الثروة الوطنیة المتمثلة بالموارد الطبیعیة، وهناک حالات توصف بانها سیاسیة واجتماعیة، کالجریمة السیاسیة، وغیر ذلک من الحالات، لکن من الممکن دراسة جمیع هذه الحالات فی دائرة العلوم القانونیة بعدما نجد ان القانون تدخل فی تنظیمها، اذ تحولت إلى حالات قانونیة بامتیــــــاز، فلا نتناولها على انها حالات اجتماعیة أو دینیة أو اقتصادیة أو سیاسیة، بل هی حالات قانونیة، یمکن اعادتها إلى عوامل مختلفة، آخذین بعین الاعتبار وضع العامل القانونی على راس القائمة.
هنا لابد من التأکید على أن علم القانون، علم جامع مانع، یقف ویضع سد مانع أمام أی تدخل من العلوم الأخرى، لکن هذا لا یعنی أننا نکفر بتلک العلوم وننسف دورها وعلاقتها بعلم القانون فی بعض المواضع، لکننا لسنا مع هیمنتها علیه، لیس فقط من الناحیة النظریة، بل على الصعید الواقعی أیضا، وهذا هو المنطق القائل بتحرّر علم القانون، لیس فقط من علم السیاسة فحسب، کما نادى بذلک ( هانس کلسن )، بل من سائر العلوم الانسانیة الأخرى.
وأخیراً فإن البرهان الذی قدمناه یقودنا إلى التسلیم بأن القانون هو علم یقوم على عدد من النظریات العلمیة التی شیدت على أساس معطیات واقعیة وعقلیة وطبیعیة ومثالیة وتاریخیة تعطی للقاعدة القانونیة مداها ومعناها وتفسیرها بهدف کشف المراد منها، ومن ثم تطبیقها تطبیقاً سلیماً على الوقائع المتطابقة مع فرض تلک القاعدة، فالقاعدة القانونیة لا تُضمّن فی الغالب تعریفات أو شروط للتطبیق، فهی قاعدة عامة مجردة لا تغوص فی التفاصیل عادة، مما یعنی وجوب الرجوع إلى النظریة ذات العلاقة لبیان الأحکام التفصیلیة وفک الغموض الذی قد یکتنف تلک القاعدة. ولا غنى للقاضی أو رجل الإدارة فی حدود عمله عن الرجوع إلى تلک النظریات لتطبیق النصوص القانونیة تطبیقاً سلیماً لتفادی الوقوع فی الخطأ فی تطبیق القانون أو فهمه أو تأویله.
ومن تلک النظریات نظریة الشخص المعنوی ونظریة الأوضاع الظاهرة ونظریة الظروف الطارئة ونظریة العقد ونظریة البطلان ونظریة السبب ونظریة الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنة ونظریة التکییف ونظریة الغلو وغیر ذلک من کبرى نظریات القانون المستقرة غیر القابلة للحصر التی تبنى على أساس من معطیات الطبیعة والعقل والتاریخ والمنطق. إن عملیة الضبط الاجتماعی وتنظیم الحریات والمصالح عبر وجود قواعد وأحکام هو ما أطلق علیه اسم (القانون) حسب الاستعمال الأکادیمی الحدیث والذی یرادف مصطلحات أخرى أیضاً التی تطابق فی معانیها کلمة القانون وتبحث عن غایة واحدة وهی التنظیم الاجتماعی. لذلک یعد «القانون من أهم وسائل الضبط الاجتماعی بل هو الوسیلة الأساسیة التی یعتمد علیها المجتمع المنظّم فی ضبط سلوک أفراده».ویرى أحد الباحثین وهو روسکو باوند: "إن القانون هو علم الهندسة الاجتماعیة الذی یتحقّق من خلاله تنظیم العلاقات الإنسانیة فی المجتمع المنظم سیاسیاً أو الضبط الاجتماعی عن طریق الاستخدام المنهجی المطرد لقوّة المجتمع المنظم سیاسیا."
المبحث الثانی
مترتبات الترسیخ العلمی للقانون
ماذا یترتب على إثبات کون القانون علماً ؟ هنا لا بد من رسم معالم علم القانون، ووضع أطر محکمة للعلوم القانونیة وهذا ما سنعالجه فی مطلبین :
المطلب الأول
التأطیر الکلی لعلم القانون
لا شک أن القانون من أکثر العلوم صلةً بالإنسان، فهو یتناول کیانه القانونی وصفاته وخصائصه وعلاقاته بتحدید حقوقه وواجباته تجاه الآخرین، لذا فهو علم إنسانی بامتیاز، هدفه الأسمى هو الإنسان، والإنسان یهدف دائما الى العیش بسعادة، ولهذا فالسعادة هی هدف القانون البعید على الدوام.
الفرع الأول
المنهج العلمی للقانون وسماته العلمیة
وفی میزان السبب والنتیجة، فالقانون نتیجة تلک المؤثرات التی تنشأ من حالة احتکاک الأشخاص فیما بینهم وتصادم حقوقهم وتنازعها، إذ یتدخل القانون فیکون سبباً فی توازنها واحترامها وصیانتها.
المقصد الأول
المنهج العلمی للقانون
إن علم القانون لا یعتمد على المنهج الوصفی، بل یعتمد على منهجین متقابلین:
- الأول : منهج تحلیلی یقوم على کیفیة تحلیل القواعد وحسن تطبیقها على الوقائع بشکل سلیم.
- الثانی: منهج ترکیبی یقوم على استقراء الوقائع لوضع الأفکار والنظریات وصوغها قواعد قانونیة موجهة للأفراد.
على أنه یجب ألا تقود عملیة وضع النظریات إلى خلق حالة من الدوغمائیة، أو الدوجماتیة القانونیة، وهی حالة الجمود الفکری والاستسلام لما تفرضه القوانین من قواعد ملزمة لا یجوز انتقادها، وللأسف، وبسبب بعص النظریات التی أحاطت موضوعات العلوم القانونیة، فإن من هذه الدوجماتیة القانونیة وحدها یتکون الیوم معظم علم القانون، وأن التعلیم الجامعی یکاد ینحصر فیها وحدها.
المقصد الثانی
السمات الممیزة لعلم القانون
یتسم علم القانون بسمات خاصة، فإلى جانب أنه علم إنسانی، وأنه على صلة وثیقة بالتاریخ، هو علم ناقد فاحص : ففی حین یسلم العلم الطبیعی بقواعده دون قید أو شرط نجد العلم القانونی یناقش قواعده عند کل بحث قانونی. والسبب فی هذا الفرق هو ان العلم الطبیعی یتناول بحث ظواهر طبیعیة لم یکن للإنسان ید فی حدوثها ولذا اتسمت بالدقة والانضباط، أما العلم القانونی فمن خلق الذهن البشری والإرادة البشریة فکان لا محالة ینطوی على خلیط من عناصر متعارضة : صحة وغلط، عدل وظلم، تقدم وتأخر، منطق سلیم وآخر سقیم. فلم یکن ثمة مناص من أن ینظر علم القانون إلى قواعده نظرة ناقدة فاحصة حتى یستطیع أن یصل من خلال نقد قواعده إلى تصحیح هذه القواعد.
لیس علم القانون من قبیل العلوم البحتة التی تکون لها قیمة علمیة فی ذاتها، بصرف النظر عن تطبیقها العملی، وإنما هو علم عملی، علم معیاری أو علم قواعد،. وبهذه الصفة لا یکون له معنى ولا قیمة إلا بقدر ما تکون نظریاته واستدلالاته متجهة نحو غایة عملیة هی تطبیق القانون. أما العلم القانونی النظری التجریدی البحت فلا تکون له قیمة تساوی الاشتغال به.
فالقانون کعلم لا یکتفی بوصف الوقائع، ولا ینتهی عنده، کما فی العلوم الأخرى، بل یفرض الحل فرضاً لمواجهة تلک المشکلات، کما أن علم القانون بوصفه علماً إنسانیاً لا تکون له دقة العلوم الطبیعیة. ومن هنا لم یکن بد من أن یرد علیه النقص الملازم لأعمال البشر، ولم یکن بد من أن یقوم على الاحتمالات مما یعتذر معه الوصول إلى نتائج یقینیة مطلقة. ولذا کانت نتائج العلم القانونی، کنتائج سائر العلوم الاجتماعیة، نتائج تقریبیة.
کما أن القانون یمتاز بأن موضوعه وجوهره الحقوق، وهنا یختلف عن علم الأخلاق الذی یهتم بالفضائل ونبذ الرذائل.
الفرع الثانی
تمییز علم القانون من علوم أخرى
وهنا لا بد من التمییز بین علم القانون وغیره من العلوم، کعلم الاقتصاد والتاریخ والاجتماع والسیاسة وکذلک الفلسفة، لکننا سنقصر الحدیث فقط على تمییز علم القانون من علمین هما أشدُّ من غیرهما التصاقاً به، وهما: علم الاجتماع وعلم السیاسة.
المقصد الأول
علم القانون وعلم الاجتماع
تناول الکُتَّاب الحقوقیون موضوع التمییز بین علمی الاجتماع والقانون، أما الکُتـّـاب فی مجال علم الاجتماع فقلیلاً ما تناولوا هذا التمییز.
أولاً/- علم القانون وعلم الاجتماع وفقاً للحقوقیین: ویختلف علم الاجتماع عن علم القانون من وجوه، أهمها :
1- ان علم الاجتماع علم "وصفی" یصف "الحقیقة الاجتماعیة" ویشرحها. أما علم القانون فعلم "معیاری"، علم قواعد، یعنی بیان القواعد التی تطبق فی الحیاة الاجتماعیة. ان علم الاجتماع یصف لنا ما هو کائن أی التنظیم التلقائی للجماعات البشریة، أما القانون فیجب أن یذهب الى أبعد مما یقف عنده علم الاجتماع، إذ یجب أن یبحث لا فیما هو کائن فحسب بل کذلک فیما یجب أن یکون، فیما یعتبر أحسن قاعدة تحکم الحیاة فی الجماعة.
2- إن علم الاجتماع یعتد بالحقائق الاجتماعیة بأسرها و یحاول استجلاء أحوال الجماعة وأسباب تطورها. أما علم القانون فیبتغی توجیه الجماعة والوصول بها إلى أهداف اجتماعیة معینة. ومن هنا کان مجال علم القانون أضیق نطاقاً من مجال علم الاجتماع: ففی حین یشخص علم الاجتماع ببصره الى الحیاة الاجتماعیة بأسرها، یقصر علم القانون بصره على جزء معین من العلاقات الاجتماعیة.
إلا أن هذا الاختلاف بین العلمین لا یقطع الصلة بینهما، فعلم القانون یعتمد على ما یقدمه علم الاجتماع من تفسیرات لظواهر اجتماعیة یبغی القانون معالجتها، کما أن علم الاجتماع مفید للدراسات القانونیة المقارنة، عندما یحاول المشرع تبنی حل تشریعی معین من قانون دولة، قد تحول الدراسات الاجتماعیة دون ذلک، إذا أثبتت أن الواقع الاجتماعی لتلک الدولة مختلف عن ما یمکن تطبیقه فی الدولة التی یراد تشریع قانون ما فیها.
ثانیاً/- علم القانون وعلم الاجتماع وفقاً للاجتماعیین: لم یکترث علماء الاجتماع، والکُتـّـاب فی مجال هذا العلم بالبحث عن أوجه التمییز والعلاقة بین علمی الاجتماع والقانون إلا قلیلاً، لکن قسماً منهم رکزوا على البحث فی علم ممتزجٍ جدید هو علم الاجتماع القانونی، ففی الوقت الذی أهمل البعض التمییز بین علم الاجتماع وأی علم آخر، میَّـز بعضهم علم الاجتماع عن سائر العلوم الانسانیة باستثناء علم القانون، فی حین أن علم القانون هو من أقدم العلوم الانسانیة، إذ تعود تسمیته إلى الفقیه الرومانی "شیشرون" حوالی ستین سنة قبل المیلاد، فی حین تعود تسمیة وبلورة علم الاجتماع على ید "أوجست کونت" عام 1830 میلادی. وعلى الرغم من کثرة التعریفات لعلم الاجتماع، منها أنه الدراسة العلمیة للمجتمع، وأنه علم الظواهر الاجتماعیة، فإنه علم یهتم بدراسة المجتمع وظواهره بصفة عامة، من ناحیتی الثبات والحرکة، فدراسته هی دراسة قائمة على وصف الوقائع الاجتماعیة وتحلیلها. أما علم القانون فقواعده تقویمیة، وبالتالی هو علم معیاری قائم على تقویم سلوک الأفراد وتوجیهه، ومن اختلاط العلمین، ظهر علمُ جدید وجد البعض أنه فرع جدید لعلم الاجتماع، رغم معارضة من جهة فقهاء القانون وعلماء الاجتماع؛ وموضوع هذا العلم الجدید هو الجذور الاجتماعیة للقوانین، وتأثیر الأخیرة على المنظومة الاجتماعیة، وهو علم حدیث ظهر فی الفترة بین الحربین العالمیتین الأولى والثانیة، وسبب ظهوره هو تداخل العدید من الظواهر الاجتماعیة بالمسائل القانونیة، مما حدا إلى ضرورة وجود تفسیرات قانونیة لها، وهذا العلم هو أقرب للقانون منه إلى علم الاجتماع، لکنه أُلحق کفرعٍ لعلم الاجتماع، نظراً لعدم تأطیر القانون تأطیراً علمیاً.
المقصد الثانی
علم القانون وعلم السیاسة
عالج الکُتـّاب فی مجالی علم القانون وعلم السیاسة التمییز والعلاقة بین العلمین، حسب الآتی:
أولاً/- علم القانون وعلم السیاسة وفقاً للحقوقیین: لکلمة السیاسة معنیان : ففی معنى أول تطلق کلمة السیاسة على مجموعة العلاقات وأوجه النشاط التی تتکون منه وتطَّرِد علیه الحیاة والحکم فی شعب ما بوصفه مجموعة من الافراد. وفی هذا المعنى یبدو القانون شیئاً مستقراً (نسبیاً) بالقیاس الى ما تنطوی علیه الوقائع السیاسیة من احتمال وقابلیة للتغییر، اذ یفرض القانون سلوکاً معیناً إزاء ما یمکن أن یکون فی الحیاة السیاسیة من تحکم. وفی معنى ثان تطلق کلمة السیاسة على مجموعة الغایات المشترکة التی یستهدفها شعب ما والوسائل التی یعدها ذلک الشعب للوصول الى تلک الغایات. وفی هذا المعنى یعد القانون من أفضل الوسائل لتوجیه إرادة الأفراد نحو المعاونة فی تحقیق الأغراض السیاسیة التی تنشدها الجماعة بإقامة نظام قانونی.
وغالباً ما لا تکون السیاسة مستقرة، إذ تدور حول المصالح، لکن القانون، ولکونه یدور حول المبادئ، فهو أکثر استقراراً منها، والتفاعل بینهما کالتفاعل بین القانون والواقع، فالسیاسة تؤثر فی القانون وتتأثر به، لکنها تؤثر به من وجه وتتأثر به من عدة وجوه، فهی تؤثر فیه من وجه کونها لسان حال الأغلبیة فی الجماعة، وتتأثر به لما قد یوجهه القانون فی الجماعة لیقید بها السیاسة من عدة نواح، وعلى جمیع الأصعدة.
ثانیاً/- علم القانون وعلم السیاسة وفقاً لکُتاب السیاسة: یُرکز کُتّاب علم السیاسة على التمییز بین علم السیاسة والقانون من زاویتین محدودتین، هما: أنهم یمیزون السیاسة عن القانون الوضعی فحسب، وکأنما القانون کله وضعی، متناسین شقه الآخر وهو القانون الطبیعی، هذا من جانب، ومن جانب آخر یُرکزون على التمییز بین السیاسة والقانون الدستوری، وقد أعطیهم الحق فی ذلک، فهذا القانون هو الأقرب إلى فصول السیاسة وأبوابها.
ولهذا تجد بعضهم یذکر: "أن القانون هو قواعد السلوک للأفراد الذین یعیشون فی المجتمع تحت ظل الدولة. ومخالفته تستوجب العقاب الذی توقعه اجهزة سلطة الدولة. غیر أن الدولة لیست هی القانون. وانما هی ابعد من القانون الذی تضعه. واذا کان القانون لا یطبق الا فی اقلیم الدولة. فإنه توجد هیئة واحدة فقط تضع القانون. هذه الهیئة هی الدولة. وبعبارة اخرى ان القانون هو قانون لان الدولة هی التی اعلنت ذلک بواسطة هیئاتها التشریعیة. فلیس تشریع القوانین هو الذی یصنع الدولة. وانما قوة الدولة هی التی تضفی صفة القانون على التشریعات. توجد فی کل مجتمع جماعات متعددة ومختلفة تجمع عدداً کبیراً من الافراد وتحکمها قواعد للسلوک. غیر ان الفرق بین هذه القواعد وقوانین الدولة. هو ان مخالفة الاولى تؤدی الى فصل العضو من الجماعة فی حین یظل عضوا فی المجتمع ویمارس کامل حقوقه. اما قوانین الدولة فتطبق على جمیع افراد المجتمع الذین یعیشون ظروفاً متماثلة. ومخالفتها تؤدی الى ایقاع الجزاء علیه باسم الهیئة الاجتماعیة بکلیتها".
وینجم عن ذلک، ان القانون فی الهیئة الاجتماعیة ینطوی على تدریجیة معینة فی التنظیم هی اساس ضروری للانضباط، وتبعاً لذلک هو یشترط أیضاً وجود تنظیم سیاسی، یأخذ شکله المتمیز والخاص به، ویستقر على هیئة تدریجیة تنظیمیة. وعلیه فان القانون یتضمن مفهوم السیاسة. فی الوقت نفسه الذی تکون فیه غایة النظام وفکرة الطاعة الضروریة لقیام النظام، غیر قابلة للانفصال عن القانون الذی موضوعه المحافظة على بقاء النظام، ویؤلف القانون احدى الوسائل التی تستخدمها القوى السیاسیة فی المجتمع لإضفاء الشرعیة على مرکزها وممارستها سلطة الدولة.
المطلب الثانی
إطار العلوم القانونیة
الحقیقة هی عادة ما تکون البحث الأسمى لکل علم، ولهذا فإننا نرى أن العلوم من حیث معرفتها للحقیقة، هی على نوعین:
1- علوم تکشف عن حقیقة طبیعیة.
2- علوم تصنع حقیقة وضعیة.
فالعلوم التی تکشف عن حقیقة قائمة بحکم طبیعتها، هی علوم تفسر حقیقة الظواهر الموجودة فی الحیاة، فظاهرة اللیل والنهار فسرها العلم من خلال کشف حقیقة دوران الأرض حول نفسها، وظاهرة الفصول الأربعة، فسرها العلم من خلال کشف حقیقة دوران الأرض حول الشمس، وظاهرة المرض فسرها العلم بوجود فایروسات، وکذا تتجه الکثیر من العلوم، لا سیما الطبیعیة منها الى کشف الحقائق الموجودة حولنا.
أما العلوم التی تصنع حقیقة وضعیة، فهی العلوم التی تضع الحلول والمعالجات لظواهر لا یخدم وجودها وجود الانسان، أو تشکل خطراً علیه، فالعلوم التی تتوصل الى وضع علاجات وقائیة لبعض الأمراض، أو صناعة أدوات تسهل نقل الانسان من مکان الى آخر، أو صناعة أسلحة لدرء خطر العدو، أو خلق وسائل لمنع حدوث أزمة أو مشکلة مهما کان توصیفها، جمیعها خلقت حقائق لم تکن موجودة، لکنها فی النهایة حاکت الطبیعة، وهنا لا بد من تسلیط الضوء على تصنیف العلوم القانونیة، ومعرفة ماهیاتها بصورة مختصرة، وذلک فی الفرعین الآتیین:
الفرع الأول
تصنیف العلوم القانونیة
لا شک أن القانون هو من طائفة العلوم الثانیة، العلاجیة، فالقانون یضع حقائق وضعیة تشکل حلولاً لمشاکل عملیة، وهکذا فإن جمیع العلوم القانونیة تنصب فی هذا النطاق.
لکن کیف یمکن لنا تصنیف العلوم القانونیة ؟!
لا شک أن ظهور العلوم القانونیة قائم على المحاکاة بین القانون والواقع، ولهذا أمکن القول أن هناک علوماً قانونیة تساعد القائمین على القانون فی فهم الواقع، وهناک علوم قانونیة تساعد القائمین على القانون أیضاً فی فهم القانون، فالعلوم الأولى علوم تتعلق بالواقع الذی یرید القانون الاتصال به، أو الذی اتصل به القانون فعلاً، کعلم الاجتماع القانونی، ومن ضمنه علم الظواهر القانونیة، وعلم الاجرام، وعلم العقاب، وعلم التحقیق، والعلوم الجنائیة المرتبطة به، کعلم الدلالة الجنائیة وغیره، وأما العلوم الثانیة، فهی العلوم القانونیة الصرفة التی تتصل أکثر مما تتصل بالنص القانونی وبالقانون فی ذاته، کعلم التشریع وعلم القانون فی ذاته وعلم الحق فی ذاته وعلم أصول الفقه القانونی، وعلم المقارنة القانونیة، وعلم المنهجیة القانونیة، وعلم أصول القضاء، والعلوم المتعلقة بتفسیر القانون ومذاهبه وفلسفة القانون وتاریخه وما شاکل ذلک.
ولکون القواعد القانونیة یحکمها نسق معین، یُفترض أنه متین، ولما یتسم به عرض قواعد التنظیم القانونی من عرض منسق موحد، والذی هو أساس علم القانون، نشأ ما یسمى فی لغة الفلسفة "الدوجماتیة القانونیة" وهی علم آخر یضاف إلى العلوم القانونیة الصِرفة.
الفرع الثانی
أهم العلوم القانونیة
على وفق التصنیف المتقدم للعلوم القانونیة، فإننا سنتطرق لأهمهما ضمن قسمیها الرئیسین: العلوم القانونیة الواقعیة، والعلوم القانونیة الصرفة:
- أولاً: العلوم القانونیة الواقعیة: وتشتمل على العلوم التی تتصل بالواقع الذی یهتم به القانون، سواء فی مرحلة التأثر به عند وضع القاعدة أو الکشف عنها، أو فی مرحلة التأثیر به عند تطبیق القاعدة على أرض الواقع، وهذه العلوم تشمل: العلوم الجنائیة، کعلم الاجرام وعلم العقاب وعلم التحقیق وعلم الدلالة الجنائیة، فضلاً عن علم الاجتماع القانونی وعلم النفس القانونی، وعلم الادارة القانونیة، والمنطق القضائی، والعلوم المتصلة بنشاط المحامی وفنون هذا النشاط، کفن المحاججة والمناظرة، وعلم الظواهر القانونیة، إذا ما شئنا فصله عن علم الاجتماع القانونی.
ومن بین هذه العلوم، سنتناول: مفهومی علم الاجتماع القانونی وعلم النفس القانونی.
1- علم الاجتماع القانونی: وهو العلم الذی یدرس الجذور الاجتماعیة للقاعدة القانونیة من جهة، والتأثیر الاجتماعی للقانون، ولا سیما التشریع، من جهة أخرى، وقد عدَّه علماء الاجتماع من أهم فروع علم الاجتماع وأحدثها؛ ویمکن عدّ هذا العلم جزءا من النسیج العلمی للعلوم القانونیة، لأنه سیقدم أفضل خدمة لتواصل القانون مع الواقع الاجتماعی المُطبق فیه.
2- علم النفس القانونی: وهو فرع حدیث من فروع علم النفس، یعالج التأثیرات النفسیة للظواهر القانونیة، کما یُقدّم هذا العلم دوراً بارزاً فی عملیة کشف الحقیقة فی مجال التحقیق الجنائی، إذ یبنی للمحقق خبرة فی التعامل مع نفسیة المتهم من أجل کشف الحقیقة
- ثانیاً: العلوم القانونیة الصِرفة: وهی العلوم المتصلة بالقانون بمعزلٍ عن الواقع، وهی تتصل بالقانون فی مجال التشریع ونشاط الفقه وعمل القضاء المتصل بالجانب القانونی دون الواقعی، وتشمل: علم التشریع، وفلسفة القانون، وتاریخه، والمنطق القانونی، وعلم القانون فی ذاته، وعلم الحق فی ذاته، وعلم القانون المقارن، وعلم المنهجیة، وتکوین النظریات العلمیة، وأصول الفقه القانونی، وأصول القضاء.
ومن بین هذه العلوم، سنتناول: مفهومی علم التشریع وعلم أصول الفقه القانونی.
1- علم التشریع: وهو علم یختص بالفنون التشریعیة، إذ یهتم بقراءة الوقائع الاجتماعیة، من خلال الاعتماد على علم الاجتماع القانونی، وافراز ما یتصل بالقانون منها، ثم تحدید الجدوى من معالجة هذه الظواهر بالتشریع، أم ترک أمرها للعرف، ودراسة جمیع المراحل التی یمر بها التشریع، بما فیها صیاغة قواعده، والادارة التشریعیة، بما فیها ادارة المخزون التشریعی، وتقییم التشریعات النافذة، ومدى جودتها فی حل المشکلات، وتقدیم البدائل التشریعیة، عبر النقل والابتداع التشریعی، فهذا العلم من المهم جدا تدریسه لطالب الحقوق، لتفرع جزئیاته وعظم أثرها وأهمیتها على المؤسسات القانونیة.
2- علم أصول الفقه القانونی: وهو علم مرشد للفقه فی استنباط الأحکام من القوانین، وتکوین النظریات القانونیة عبر الاستقراء القانونی والتقعید الفقهی، وهو علم لم تکتمل معالمه لحد الان، یعتمد فی ترسیم حدوده على علم أصول الفقه الاسلامی والمنطق الصوری، لکنه علم من المهم تدریسه للطالب بدلاً من إغراقه فی الاشکالیات التی یثیرها أصول الفقه الاسلامی فی ذهنه، مما یؤدی إلى تلویث مَلَکَتــِه القانونیة.
الخاتمـة
بعد أن فرغنا من دراستنا حول "التأطیر العلمی للقانون"، فإنه أضحى من الیقین عندنا أن القانون هو علم من العلوم التی تهتم بالإنسان، ویُشکل ألصق العلوم الانسانیة بهذا الکائن، إذ یمسُّ هذا العلم کیانه المعنوی وشخصیته وأعماله وتصرفاته، ویحمی له حریاته وحقوقه، فهو علمٌ على منزلة کبیرة فیما یتعلق بالوجود الانسانی. وقد ترتب على محاولتنا لتأطیر علم القانون النتائج الآتیة:
1- القانون علم یتسم بالکمال والتعضی، وفیه مبادئ وأهداف ومسائل وموضوع، فموضوعه الحق، ومسائله الظواهر القانونیة، بما فیها القواعد القانونیة، وأهدافه کثیرة، منها العدل واشاعة الخیر بین الناس وتحقیق سعادة الانسان، واستقرار النظام الاجتماعی وتطوره، وما یتفرع عن هذه الأهداف من غایات، أما مبادئه فهی التی أوجدها العقل وألزمتها ضرورات الحیاة، وتفوُّق الکائن البشری على غیره من الکائنات، فمبادئ القانون تجد مرتعها فی القانون الطبیعی، الذی یکسو القانون بطابعی المقبولیة والمعقولیة، فیجعله أقرب ما یکون إلى الأخلاق والمنطق.
2- لا تنفی الصفة العلمیة للقانون صفاته الفنیة، فهو علمٌ وفنٌ فی الوقت نفسه، فهو علمٌ یعتمد على النظریات والوحدة والتعمیم والقیاس، وتبیین الروابط بین النتائج والأسباب، کما أنه علمٌ یعتمد اسلوب التمیُّز والابداع، لا سیما فی لغة الخطاب القانونی، کما أنه یهتم بالروابط بین الغایات والوسائل.
3- تقود دراسة القانون بوصفه علماً إلى تکوین مَلَکَة قانونیة للطالب لا تقتصر فقط على تمکینه من تطبیق القوانین وتفسیرها، بل تمکّنه من تکوین النظریات القانونیة کی یساهم فی تطویر الحیاة القانونیة على جمیع المستویات، بما فیها التشریع والقضاء، لذا یجب أن یعتمد المنهج فی القانون على التحلیل والترکیب معا، وعلى الاستنباط والاستقراء والقیاس المنطقی، وأن یتم تدریس العلوم القانونیة جنباً إلى جنب القوانین، بأسلوب علمی کفوء.
4- یجب إعادة النظر فی تدریس القانون فی کلیات القانون، من خلال تغییر المناهج الدراسیة، بإضافة تدریس مختلف العلوم القانونیة لطالب الحقوق، وفی مختلف المراحل، ولا سیما تلک العلوم التی یَلزم من عدم تدریسها للطالب، عدم اکتمال ملکته القانونیة، وهذه العلوم هی: علم التشریع، علم أصول الفقه القانونی، علم الاجتماع القانونی، فلسفة القانون، علم المقارنة القانونیة، علم المنهجیة القانونیة، علم المنطق القانونی.
5- ضرورة الفصل بین موضوعات ما یسمى بـ "المدخل لدراسة القانون" أو "أصول القانون"، إذ یوجد خلط کبیر بین تدریس القانون کعلم وتدریسه کفن، لا سیما فی نظریة القانون، إذ یخلط عموم المؤلفون فی هذا المنهج بین علم القانون والقاعدة القانونیة، لذا لا بد من الفصل بینهما، فیکون هناک مقرر بعنوان "علم القانون" ومقرر آخر بعنوان "المدخل إلى القاعدة القانونیة"، وآخر لــ "نظریة الحق"؛ أما علم القانون فیتناول کل ما یتعلق بالجانب العلمی للقانون، کالتعریف بهذا العلم، وتمییزه عن العلوم الأخرى، وضرورته، والتعریف بمبادئه ومسائله وموضوعه وأهدافه، والقاء نظرة على تقسیماته وأنواعه وفروعه، ثم على مصادره وتطبیقه. أما "المدخل الى القاعدة القانونیة" فیتناول الجانب الفنی للقانون، من حیث التعریف بالقاعدة القانونیة، وبیان صفاتها وسماتها وعناصرها وتقسیماتها وأنواعها، وتمییزها من القواعد الأخرى، ومصادر تکوینها، کما یشمل صیاغة القواعد القانونیة وتفسیرها.
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
References
First: Objective references:
1- Dr. Ibrahim Abu Al-Ghar, Studies in Legal Sociology, Dar Al-Maaref in Egypt, 1978.
2- Dr. Ihsan Muhammad Al-Hassan, Legal Sociology, Wael Publishing House, Amman, 1008.
3- Jamil Saliba and Kamel Ayyad, Logic and General Methods of Science, Al Kashaf Press, Beirut, 1948.
4- Dr. Hassan Ali Al-Thnoon, The Philosophy of Law, Al-Ani Press, Baghdad, 1975.
5- Roger Paul Droit, Jurisprudence of Philosophy, translated by: Farouk Al-Hamid, Dar Al-Farqad, Damascus, 2014.
6- Dr. Abdullah Mustafa, The Science of Fundamentals of Law, Baghdad, 1996.
7- Dr. Abdel Hamid Lotfy, Sociology, Dar Al Maaref in Egypt, 1966, 2nd Edition.
8- Dr. Abdul Hai Hegazy, Introduction to the Study of Legal Sciences, Part 1, Law, Kuwait University Press, 1972.
- Dr. Abdul Hai Hegazy, The Introduction to the Study of Legal Sciences, Volume 2, Al-Haq, Kuwait University Press, 1970.
10- Dr. Abd al-Rahman Badawi, Emmanuel Kant, Philosophy of Law and Politics, Agency for Publications, Kuwait, 1979.
11- Dr. Abdel Rahman Essawy, Legal Psychology, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 1996.
12- Dr. Abdul Razzaq Ahmed Al-Sanhoury Pasha and d. Ahmed Heshmat Abu Steit, The Origins of Law or the Introduction to the Study of Law, Publication, Translation and Publishing Press, Cairo, 1950.
13- Dr. Abdul Reda Al-Taan and Dr. Sadiq Al-Aswad, Introduction to Politics, University of Baghdad, 1986.
14- Dr. Issam Mansour and Yahya Nabhan, Contemporary Sociology, Wael Publishing House, Amman, 2014.
15- Philip Frank, The Philosophy of Science, The Relationship Between Science and Philosophy, translated by: Dr. Ali Ali Nassif, The Arab Institute for Studies and Publishing, Beirut, 1983, 1st Edition.
16- Dr. Muhammad Jamal Issa, The History of Social and Legal Systems, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 1996.
17- Dr. Muhammad Hassan Qassem, Introduction to the Study of Law, Part 1, The Legal Rule, Al-Halabi Human Rights Publications, 2007.
18- Muhammad Al-Ruqi, Theory of Jurisprudence and its Impact on the Differences of Jurists, Morocco, 1994.
19- Dr. Muhammad Sulaiman Al-Ahmad, The Origins of the Legislative Industry, research published in the Journal of Legal Studies, issued by the Bahraini Parliament, No. 3, 2020.
20- Dr. Muhammad Suleiman Al-Ahmad, The importance of the difference between legal accommodation and legal nature in determining the scope of application of the relevant law, research published in Al-Rafidain Journal of Rights, Volume IX, Issue 20, 2004.
21- Dr. Muhammad Suleiman al-Ahmad, The Philosophy of Truth, Zain Human Rights Publications, Beirut, 20.
- Dr. Muhammad Suleiman al-Ahmad, The Philosophy of Truth, Zain Human Rights Publications, Beirut, 20.
22- Dr. Muhammad Suleiman Al-Ahmad, "Nasal Okam" rule and its role in the formation of a sound legal queen, Zain Human Rights Publications, Beirut, 2017, 2nd ed.
23- Mustafa Millikan, Articles and Statements in Philosophy, Religion and Life, translated by: Ahmad Al-Qabbanji, Foundation for the Arab Expansion, Beirut, 2013.
24- Michel Fillet, Roman Law, translation: Dr. Hashem Al-Hafiz, Al-Ani Press, Baghdad, 1969.
25- Dr. Nassar Abdullah, A Study in the Philosophy of Ethics, Politics and Law, Dar Al-Wafa'a for Donia Printing and Publishing, Alexandria, 1999, 1st Edition.
26- Dr. Hashem Al-Hafiz, History of the Law, Al-Ani Press, Baghdad, 1972.
- Hans Kelsen, The Pure Theory of Law, translated by: Dr. Akram Al-Watti, Legal Research Center, Ministry of Justice, Baghdad, 1986.
28- Dr. Yahya Saidi, Jurisprudence and its Impact on Contemporary Ijtihad, Dar Ibn Hazm, Beirut, 2010.
References (English)
Second: Language Dictionaries:
1- Al-Ragheb Al-Isfahani, Vocabulary of the Qur’an, Dar Al-Qalam, Damascus, Al-Dar Al-Shamiya, Beirut, 1996.
2- b. n. Ponomariov, The Political Dictionary, translated and prepared by: Abd al-Razzaq al-Safi, (without reference to a printing press, place and time of publication).
3- Ali bin Muhammad Al-Sayyid Al-Sharif Al-Jurjani, Dictionary of Definitions, Dar Al-Fadila, Cairo, (without mentioning the year of publication).
- The Arabic Language Academy, Al-Mu’jam Al-Wasat, Dar Al-Shorouk International, Cairo, 2004, 4th edition.
5- Muhammad Ali Al-Thanawy, Scout Encyclopedia of Art and Science Conventions, Volume 2, Library of Lebanon Publishers, 1996, 1st ed.
Third: Websites:
1- An article entitled Science and Art, Concept and Differences, by Dr. Sami Sheikh Mohammed, available at: alwatanvoicw.com
2- An article entitled The Problem of Art: Available on the website: mawdoo3.com
3- An article on the problematic of defining art, available at: mawdoo3.com
4- Aristotle’s Philosophy of Art, by Dalal Hamza Muhammad Al-Ta’i, on the University of Babylon website: www.uobaby;on.edu.iq
المصـادر
أولاً: المراجع الموضوعیة:
1- د. ابراهیم أبو الغار، دراسات فی علم الاجتماع القانونی، دار المعارف بمصر، 1978.
2- د. احسان محمد الحسن، علم الاجتماع القانونی، دار وائل للنشر، عمـّان، 1008.
3- جمیل صلیبا وکامل عیـّاد، المنطق وطرائق العلم العامة، مطبعة الکشاف، بیروت، 1948.
4- د. حسن علی الذنون، فلسفة القانون، مطبعة العانی، بغداد، 1975.
5- روجیه بول دروا، فقه الفلسفة، ترجمة: فاروق الحمید، دار الفرقد، دمشق، 2014.
6- د. عبد الله مصطفى، علم أصول القانون، بغداد، 1996.
7- د. عبد الحمید لطفی، علم الاجتماع، دار المعارف بمصر، 1966، ط2.
8- د. عبد الحی حجازی، المدخل لدراسة العلوم القانونیة، ج1، القانون، مطبوعات جامعة الکویت، 1972.
9- د. عبد الحی حجازی، المدخل لدراسة العلوم القانونیة، ج 2، الحق، مطبوعات جامعة الکویت، 1970.
10- د. عبد الرحمن بدوی، إیمانوئیل کانت فلسفة القانون والسیاسة، وکالة المطبوعات، الکویت، 1979.
11- د. عبد الرحمن عیسوی، علم النفس القانونی، دار النهضة العربیة، القاهرة، 1996.
12- د. عبد الرزاق أحمد السنهوری باشا ود. أحمد حشمت أبو ستیت، أصول القانون أو المدخل لدراسة القانون، مطبعة التألیف والترجمة والنشر، القاهرة، 1950.
13- د. عبد الرضا الطعان و د. صادق الأسود، مدخل إلى علم السیاسة، جامعة بغداد، 1986.
14- د. عصام منصور ویحیى نبهان، علم الاجتماع المعاصر، دار وائل للنشر، عمّـان،2014.
15- فیلیب فرانک، فلسفة العلم، الصلة بین العلم والفلسفة، ترجمة: د. علی علی ناصیف، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، بیروت، 1983، ط1.
16- د. محمد جمال عیسى، تاریخ النظم الاجتماعیة والقانونیة، دار النهضة العربیة، القاهرة، 1996.
17- د. محمد حسن قاسم، المدخل لدراسة القانون، ج1، القاعدة القانونیة، منشورات الحلبی الحقوقیة، 2007.
18- محمد الروکی، نظریة التقعید الفقهی وأثرها فی اختلاف الفقهاء، المغرب، 1994.
19- د. محمد سلیمان الأحمد، أصول الصناعة التشریعیة، بحث منشور فی مجلة دراسات قانونیة، یصدرها مجلس النواب البحرینی، العدد 3، 2020.
20- د. محمد سلیمان الأحمد، أهمیة الفرق بین التکییف القانونی والطبیعة القانونیة فی تحدید نطاق تطبیق القانون المختص، بحث منشور فی مجلة الرافدین للحقوق، المجلد التاسع، العدد 20، 2004.
21- د. محمد سلیمان الأحمد، فلسفة الحق، منشورات زین الحقوقیة، بیروت، 20.
22- د. محمد سلیمان الأحمد، قاعدة "نصل أوکام" ودورها فی تکوین ملکة قانونیة سلیمة، منشورات زین الحقوقیة، بیروت، 2017، ط2.
23- مصطفى ملیکان، مقالات ومقولات فی الفلسفة والدین والحیاة، ترجمة: أحمد القبانجی، مؤسسة الانتشار العربی، بیروت، 2013.
24- میشیل فیلیه، القانون الرومانی، ترجمة: د. هاشم الحافظ، مطبعة العانی، بغداد، 1969.
25- د. نصّـار عبدالله، دراسة فی فلسفة الأخلاق والسیاسة والقانون، دار الوفاء لدنیا الطباعة والنشر، الاسکندریة، 1999، ط1.
26- د. هاشم الحتفظ، تاریخ القانون، مطبعة العانی، بغداد 1972.
27- هانس کلسن، النظریته المحضة فی القانون، ترجمة: د. أکرم الوتری، مرکز البحوث القانونیة، وزارة العدل، بغداد، 1986.
28- د. یحیى سعیدی، التقعید الفقهی وأثره فی الاجتهاد المعاصر، دار ابن حزم، بیروت، 2010.
ثانیاً: معاجم اللغة:
1- الراغب الأصفهانی، مفردات ألفاظ القرآن، دار القلم، دمشق، الدار الشامیة، بیروت، 1996.
2- ب. ن. بونوماریوف، القاموس السیاسی، ترجمة واعداد: عبد الرزاق الصافی، (دون اشارة الى مطبعة ومکان النشر وزمانه).
3- علی بن محمد السید الشریف الجرجانی، معجم التعریفات، دار الفضیلة، القاهرة، (دون ذکر سنة نشر).
4- مجمع اللغة العربیة، المعجم الوسیط، دار الشروق الدولیة، القاهرة، 2004، ط4.
5- محمد علی التهانوی، موسوعة کشاف إصطلاحات الفنون والعلوم، ج2، مکتبة لبنان ناشرون، 1996، ط1.
ثالثاً: المواقع الإلکترونیة:
1- مقال بعنوان العلم والفن، المفهوم والفروق، للدکتور سامی الشیخ محمد، متاح على الموقع: alwatanvoicw.com
2- مقال بعنوان اشکالیة الفن: متاح على الموقع : mawdoo3.com
3- مقال حول اشکالیة تعریف الفن، متاح على الموقع: mawdoo3.com
4- فلسفة الفن عند ارسطو، لـ دلال حمزة محمد الطائی، على موقع جامعة بابل:
5- altibbi.com
رابعاً: المراجع الأجنبیة:
* باللغة الانجلیزیة:
* باللغة الفرنسیة: