الملخص
ان دستور العراق لسنة 2005 اختار أن یکون برلمانه مکوناً من غرفتین (مجلس نواب ومجلس اتحاد) وکان مشرعنا الدستوری موفقا فی ذلک کونه انسب الأنظمة المختارة للدول التی تتمیز بتعقید عرقی، وان نظام الغرفتین هو الطریقة المثلى لتنظیم البرلمان فی الدول ذات الاتحاد المرکزی، الا ان دستورنا جاء ناقصا ومعیبا بالنسبة لتنظیم البرلمان مما حدا به أن یکون غیر معلن، فالغلبة واضحة لغرفته الأولى فضلا عن ما شابه من أخطاء اعترت عملیة تشکیل غرفته الثانیة،فعلى الرغم من نصه على تشکیل مجلس تشریعی یسمى بمجلس الاتحاد لیکون جزءا من السلطة التشریعیة الاتحادیة الى جانب مجلس النواب، ویمثل الأقالیم والمحافظات غیر المنظمة فی إقلیم، الا أنه جعل من الغرفة الثانیة (مجلس الاتحاد) والذی یفترض أن یحقق التوازن مجلسا تابعا لمجلس النواب، ویمثل الأقالیم والمحافظات غیر المنظمة فی إقلیم.
الموضوعات
أصل المقالة
السلطة التشریعیة بین الغرفة الواحدة والغرفتین فی الأنظمة الدستوریة-(*)-
Legislative Power between One Chamber and Two Chamber Parliament in Constitutional Systems
لیث ذنون حسین کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Laith Zanoun Hussein College of Law / University of Mosul Correspondence: Laith Zanoun Hussein E-mail: [email protected] |
(*) أستلم البحث فی 30/5/2020 *** قبل للنشر فی 23/7/2020.
(*) Received on 30/5/2020 *** accepted for publishing on 23/7/2020.
Doi: 10.33899/alaw.2020.127231.1077
© Authors, 2021, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
ان دستور العراق لسنة 2005 اختار أن یکون برلمانه مکوناً من غرفتین (مجلس نواب ومجلس اتحاد) وکان مشرعنا الدستوری موفقا فی ذلک کونه انسب الأنظمة المختارة للدول التی تتمیز بتعقید عرقی، وان نظام الغرفتین هو الطریقة المثلى لتنظیم البرلمان فی الدول ذات الاتحاد المرکزی، الا ان دستورنا جاء ناقصا ومعیبا بالنسبة لتنظیم البرلمان مما حدا به أن یکون غیر معلن، فالغلبة واضحة لغرفته الأولى فضلا عن ما شابه من أخطاء اعترت عملیة تشکیل غرفته الثانیة،فعلى الرغم من نصه على تشکیل مجلس تشریعی یسمى بمجلس الاتحاد لیکون جزءا من السلطة التشریعیة الاتحادیة الى جانب مجلس النواب، ویمثل الأقالیم والمحافظات غیر المنظمة فی إقلیم، الا أنه جعل من الغرفة الثانیة (مجلس الاتحاد) والذی یفترض أن یحقق التوازن مجلسا تابعا لمجلس النواب، ویمثل الأقالیم والمحافظات غیر المنظمة فی إقلیم.
الکلمات المفتاحیة: البرلمان، الغرفة الواحدة والغرفتین، العقلنة، الازدواج البرلمانی.
Abstract:
The 2005 Constitution of Iraq has chosen to have a two--chamber parliament (the Iraqi Parliament and the Federal Council) and our constitutional legislator was successful in that it was the most suitable system chosen for countries with ethnic complexity. The two-chamber system is considered as the best way to organize parliament in federal countries.
however, the Constitution was incomplete and flawed with regard to the organization of parliament, which led that this organization is undeclared , and the predominance of its first room is clear. as well as the similar mistakes in the process of forming his second room. Hence the constitution stipulates the formation of a legislative council called the Federal Council in order to be part of the federal legislative authority alongside the House of Representatives, representing provinces and provinces that are not organized in the province , but the constitution made the second chamber (the Council of Union), which is supposed to balance a council of representatives, representing the provinces and the unregulated provinces in the province.
Keywords: Parliament, One Chamber and Two Chamber, Rationalization, Parliamentary Duplication, Constitutional Systems
المقدمـة
ان السلطة التشریعیة Legislatife Authority، هی عصب الدولة ومستودع الفکر والخبرة ومصدر قوة الدفع فیها اما نحو النمو والتقدم أو الانکماش والتعثر، وبسبب مکانتها الرفیعة بین المؤسسات الدستوریة فی البلاد ولدى شعبها، تتولى السلطة التشریعیة سن القوانین العامة المجردة، أی التی تضع القواعد العامة الملزمة للأفراد، والسلطة التشریعیة فی مختلف صور الدیمقراطیة قوامها الشعب أو البرلمان أو کلاهما معا، الا ان دساتیر دول العالم تختلف فی کیفیة تنظیم الهیئة المنتخبة أو البرلمان، فمنها من یأخذ بنظام المجلس الواحد أو الفردی، فیما اخذت دول تأصلت فیها الدیمقراطیة حد النخاع بنظام المجلسین ولم تتحول عنه، علما أن المشرع الدستوری العراقی قد اخذ بهذا الأخیر، حیث أن المادة 48 من الدستور الحالی قد نصت على أن السلطة التشریعیة تتکون من مجلسین هما مجلس النواب ومجلس الاتحاد، والسؤال المطروح فی هذا الصدد هل أصاب المشرع الدستوری فی تقریر قیام السلطة التشریعیة على نظام المجلسین؟
فی هذا البحث سنجیب على التساؤل أعلاه فی أربعة مطالب متتابعة، نتناول فی الأول أسس تکوین البرلمانات، وفی الثانی نتحدث عن مبررات الغرفة الواحدة والغرفتین، وفی الثالث سنتحدث عن شروط نظام الغرفتین، وفی المطلب الرابع سنتحدث عن عقلنة العمل البرلمانی العراقی بین الغرفة الواحدة ونظام الغرفتین فی ظل الدستور النافذ.
المطلب الاول
أسس تکوین البرلمانات
ان کلمة البرلمان "parliament" وهی کلمة فرنسیة الأصل ظهرت فی القرن الثالث عشر تعنی مکان الحدیث أو المناقشة، فهی ناشئة عن الفعل تحدث أو تکلم "parler"، وکلمة "ment" والتی تعنی المکان،ومن خلال الاستخدام ادمجت فی کلمة واحدة فأصبحت برلمان[1]، واستعارتها اغلب الدول وأطلقتها على مجالسها، وهی من المفردات الشائعة التی تعنی السلطة التشریعیة، کما وتسمى بعدة تسمیات أخرى "مجلس النواب، مجلس الاتحاد" کما فی العراق، الکونجرس کما فی الولایات المتحدة الامریکیة، والجمعیة الوطنیة کما فی فرنسا، و مجلس الامة، مجلس الشعب، مجلس النواب کما فی مصر، الا أنه وعلى الرغم من تعدد التسمیات فإنها تعنی السلطة التی تختص بتشریع القوانین فی الدولة[2].
وللبرلمان معنیان، الأول هو النظر الى البرلمان کجهاز تشریعی یمثل مشارکة المواطنین فی الحیاة السیاسیة، اما الثانی فهو اعتبار البرلمان مؤسسة مهمة من مؤسسات المجتمع الدیمقراطی الذی یقوم على حریة المشارکة السیاسیة والتعددیة الحزبیة، الا أن الواقع یشیر أن کلا قد تلجأ الى أسالیب أخرى، لذا فأنه قد لا یوجد بها برلمان منتخب وانما تقوم بتشکیل المعنیین یکمل أحدهما الاخر ولکنهما غیر متلازمین، فمشارکة المواطنین فی الحیاة السیاسیةقد تأخذ صوراًمتعددة حسب الظروف الثقافیة والتقالید الاجتماعیة وطبیعة نظام الدولة، وعلى الرغم من أن اهم أحدث صور تلک المشارکة هی اختیار المواطنین لمجموعة من النواب الذین یمثلونهم ویعبرون عن آرائهم، أی تکوین البرلمانات المنتخبة الا أنه فی بعض المجتمعات مجالس استشاریة تضم مجموعة من القیادات والرموز والشخصیات العامة بهدف التشاور معهم فی شؤون الحکم[3].
وللبرلمانات تعریفات متعددة منها، أنه "مؤسسة سیاسیة مکونة من مجلس أو عدة مجالس، أو "غرف"، یتألف کل منها من عدد مرتفع من الأعضاء، ویتمتع هذا المجموع بسلطات تقدیریة متفاوتة الأهمیة"[4]، فیما ذهب اخرون الى أن البرلمان هو مقر التقاء النواب المنتخبین من قبل المواطنین فی الدول الدیمقراطیة لممارسة السلطات الرقابیة والتشریعیة التی یحددها دستور کل دولة"[5]، وذهب ثالث الى أن البرلمان هو" تلک المؤسسة الحکومیة التی لها صلاحیة تشریع القوانین للمجتمع وتعدلیها والغائها، وقد یکون منتخبا أو معینا أو وراثیا فی تکوینه أو مزیجا من ذلک، وقد یتکون من مجلس واحد أو من مجلسین"[6].
ولم یظهر البرلمان فجأةً وإنما مرّ بمراحل متعددة، فالحیاة البرلمانیة لأیة دولة تعتبر صورة صادقة لواقع وحقیقیة مجتمع هذه الدولة، وهی لیست نتاج نظریة مسبقة، بل نتاج تطور تأریخی طویل تم فی بریطانیا بادئ الامر، وقلد فی الدول الاوربیة الأخرى، فسمح بالانتقال من الملکیة الاوتوقراطیة الى النظام البرلمانی الحدیث، عبر مرحلتین وسطیتین هما الملکیة المحدودة والبرلمانیة الأورلیانیة[7]، فکان أول اختصاصاته الموافقة على فرض الضرائب والرسوم وبمرور الزمن تدرجت صلاحیات البرلمان، فبعد أن کان له الاختصاص المالی أصبح البرلمان السلطة المختصة بالتشریع، کذلک وعبر تطور استطاع أن یجعل له حق الرقابة على اعمال الحکومة باعتبار أن البرلمان هو المعبر عن إرادة الشعب، والذی ینوب عنه ممثلوه فی عملیة صنع القوانین الملزمة للحکام والمحکومین فی الدولة على السواء[8].
وتقوم البرلمانات سواء ذوات الغرفة الواحدة أو الغرفتین على بعض الأسس اللازمة للحکم على مدى دیمقراطیتها یمکن اجمالها بالآتی[9]:
1- أن یکون البرلمان منتخبا
ویتحقق ذلک بقیام الشعب بانتخاب ممثلیه فی البرلمان سواء کان یتکون من غرفة واحدة أو غرفتین، اذ إن التعبیر عن إرادة الامة وممارسة السلطة باسمها بشکل دیمقراطی یتطلب أن یکون تمثیل الامة ناشئا عن الانتخاب، ولذلک لا یعتبر أی مجلس یتم تشکیله بالوارثة أو التعیین مجلسا نیابیا دیمقراطیا، ولا یصح أن یتولى التعبیر عن الإرادة العامة، على أن من المبادئ الدستوریة المقررة فی العلوم السیاسیة أن الجماعات یجب أن یسوس امورها خیارها أی أکثر الافراد حکمة، لذلک یجب أن یکون الناخب مثقفا، والحد الأدنى لهذه الثقافة هو معرفة القراءة والکتابة، حتى نکفل حسن اختیار الناخبین لمن یمثلونهم ویسوسون امورهم، فالأمیون اقرب استجابة للمؤثرات الانتخابیة، ویسهل خداعهم بالشعارات والدعایات التی تستخدم فی الحملات الانتخابیة والاستفتائیة، ومن ثم فانهم لا یملکون القدرة على الحکم السلیم بالنسبة للشؤون العامة فی الدولة، بل یسهل تضلیلهم وخداعهم رغم تقریر سریة الانتخاب، أما المتعلم فیکون من الصعب خداعه[10].
ان السماح لطبقات الشعب الجاهلة بانتخابها الاخیار للنیابة عنها، والاحتکام لرأیها فی الازمات المختلفة، بینما هی لا تستطیع أن تمیز الغث عن السمین، هو أمر یرفضه المنطق، ولا یؤیده محب الدیمقراطیة الحقة، بل أن السماح للجهلة بالاشتراک فی الحکم انما هو تحکیم للجهل فی العقل والفوضى فی النظام[11].
وتجدر الإشارة الى أن مقدار المعرفة اللازمة لتکوین رأی مستنیر فی أمور الحیاة العامة یتزاید باضطراد تبعا لاعتبارات الطابع الفنی المتزاید فی قضایا الحکم ومسائل التشریع، والأمیة حال دون الوقوف على تلک القضایا والالمام بها، وعائق من تحصیل القدر الکافی للمعرفة المستنیرة بالحیاة السیاسیة، فالأمیة نقص کبیر فی هذا العصر وهو ما عبر عنه لاسکی بقوله "أن ابداء الرأی فی المسائل السیاسیة یتطلب عقولا مثقفة"[12]، کما أن الأمی الجاهل أکثر الناس خوفا من الحکومة، ولقد کان الجهل والخوف من أسباب الغیاب عن المشارکة فی التصویت، فضلا عن أن الأمیون لا یمکنهم التصویت کتابة، بل یتناسب معهم التصویت الشفهی، وهذا یعد بمثابة اعتداء على سریة التصویت، واذا فقد التصویت سریته فقد الانتخاب والاستفتاء حریته، ففی میدان التصویت لا حریة بلا سریة[13].
وإذا کانت الدیمقراطیة تقضی بمساواة المواطنین فی الحقوق السیاسیة وتخویلهم إیاها بناء على صفة المواطنة دون تمییز بین المتعلمین أو الامیین، فأن استبعاد الأمیین من المشارکة ینبغی أن یکون من إملاءات الدیمقراطیة أیضا، ونتفق مع الرأی الذی یرى أن اشتراط مستوى ثقافی فیمن یشارک فی الحیاة السیاسیة لا یعد اعتداء على الدیمقراطیة ولا ینطوی على مساس بعمومیة الاقتراع[14]، فهیئة الناخبین بالنظر الیها فی فترة معینة قد لا تکون معبرة تماما عن إرادة الأمة الحقیقیة، مما قد یتطلب عدم الأخذ برأی هذه الهیئة ریثما تتکشف الأمور على حقیقتها، ویتضح أن هذا الرأی یعبر عن إرادة مستقرة ثابتة لها، ولیست مجرد نزوات أو نزعات وقتیة، وتفریعا على ذلک أصبح مشروعا وضع قیود على إرادة الأغلبیات الطارئة لضمان توافر الأغلبیات الرشیدة والعاقلة، التی یمکن أن تعبر تعبیرا صحیحا عن إرادة الامة، فأعضاء البرلمان لا یتطلب منهم –على حد تعبیر بعض الکتاب الفرنسیین –أن یکونوا مصوری صاحبة الجلالة الأمة، بل علیهم أن یکونوا أولا قادتها ومعلمیها، أنه اذا کان واجبا وضروریا أن یقوم الرأی العام بمراقبة الحکومات والبرلمانات فأنه مما لا یقل ضرورة "أن یکون الرأی العام کذلک – کما یقول بارتملی- موضع رقابة أولئک الذین یتحملون تبعة مسؤولیة توجیه سیاسة البلاد"[15]، والواقع أن ثمة مسائل کثیرة کان الرأی العام فیها لا یسبق تغیرات اتجاه سیاسة الحکومة ولم یکن یوحى بها وانما کان یتبعها"، فالرای العام الحقیقی لیس دائما هو رأی أغلبیة الناخبین، فبعض الدساتیر لا تأخذ برأی الأغلبیة اذ تغلب علیه رأی الأقلیة.[16]
2- أن یکون البرلمان ذا سلطات فعلیة
ویکون ذلک بتمتع البرلمان بسلطات نهائیة حقیقیة وصلاحیات دستوریة تمکنه من المشارکة فی تسییر دفة الحکم فی الدولة ومنع خلق الدیکتاتوریات والا تحول الى مجرد مجلس استشاری، سواء تشکل من غرفة واحدة أو غرفتین، وصلاحیات فی المجال التشریعی مثل حق تقدیم مشاریع القوانین والموافقة النهائیة على جمیع القوانین، وان یستحیل اصدار أی تشریع الا بعد موافقته باعتباره صاحب الاختصاص التشریعی فی الدولة.
یضاف الى وظیفة التشریع ما یتمتع به البرلمان من سلطات فی المجالات السیاسیة والمالیة، وعلى ذلک فلا یمکن إضفاء الصفة النیابیة على أنظمة تتشکل برلماناتها على أساس الانتخاب، إذا کانت لا تتمتع الا بسلطات استشاریة، وکانت السلطة الفعلیة بین ایدی غیرها افرادا أو هیئات.
ان تحلیل المهام القانونیة والواقعیة للمؤسسات النیابیة ینطلق من البحث فی وظائف هذه المؤسسات وصلاحیاتها، فهی فی بعض الحالات تقوم بوظیفة حاسمة فی صمیم النظام السیاسی کما فی الدیمقراطیات الغربیة، الا أنها فی حالات أخرى تمثل وظیفة رمزیة فی إطار تسلطی کما فی أنظمة الحزب الواحد.
3- یمثل البرلمان الامة لمدة معینة
استنادا الى أن البرلمانات تتولى التعبیر عن الإرادة العامة یتعین ألا تکون مدتها مؤبدة، اذ تقتضی العودة الى الشعب خلال مدة محددة، لمعرفة رغباته ومیوله وارادته بإجراء انتخابات جدیدة، لمعرفة اتجاهات الرأی العام، أما جعل مدة البرلمان غیر محدودة فیؤدی الى اهدار فکرة النیابة عن الشعب لأنه سیفقد بعد حین صفته التمثیلیة ویبتعد عن اتجاه الشعب وارادته.
وتجدر الإشارة الى أن تحدید مدة العضویة بالبرلمان لا یشکل رکنا من ارکان الدیمقراطیة فحسب، بل هو أیضا أداة من أدوات الرقابة الشعبیة على أداء النواب، حیث یستخدم الناخبین حقهم فی الانتخابات التالیة بإعادة انتخاب ممثلیهم أو حجب الثقة عنهم، لذا فان تحدید مدة نیابة البرلمان یؤدی الى استمرار شعور النواب بالمسؤولیة، وتجنب الشعوب من خطر الاستبداد البرلمانی الذی کانت تعانی منه لفترات تاریخیة طویلة.
وتتفق معظم الدساتیر على مدد متوسطة فی تحدید مدة الدورة البرلمانیة[17]، التی تتراوح بین ثلاث سنوات الى خمس سنوات، وسبب ذلک یعود الى أن المدد القصیرة تؤدی الى ارباک العمل، وجعل النواب خاضعین بصفة مستمرة للناخبین کی یعیدوا انتخابهم، وأن المدد الطویلة تباعد بین الهیئة النیابیة وحقیقة اتجاهات الرأی العام، لذا فان الفترة المتوسطة تجمع ما بین مبدأی استقرار الحیاة النیابیة وفاعلیة الرقابة الشعبیة واتجاهات الرأی العام.
4- النائب فی البرلمان یمثل الامة کلها
ومن أجل إضفاء الصفة التمثیلیة على البرلمانات فأنه یجب أن تقوم العلاقة بین النواب والناخبین على أساس أن یکون عضو البرلمان ممثلا عن الشعب بمجموعه، لا أن یکون مجرد نائب عن ناخبی دائرته، بل أن الدیمقراطیة النیابیة تقتضی أن یکون النائب ممثلا لکافة افراد الشعب بمختلف دوائره الانتخابیة وقطاعاته الاجتماعیة وطوائفه المختلفة، وقد کان النواب فی السابق یمثلون دوائرهم الانتخابیة فقط، وکان للناخبین الحق فی إعطاء تعلیمات ملزمة للنائب ولهم حق عزله فی أی وقت، من حق الموکل عزل وکیله متى أراد، فالعلاقة بین النائب والناخبین کانت تأخذ صورة الوکالة بالمعنى المفهوم منها فی القانون المدنی، ولکن بعد قیام الثورة الفرنسیة انتهت نظریة الوکالة الإلزامیة، اذ أعلنت الجمعیة التأسیسیة فی 18 یولیو سنة 1789 بطلان جمیع التوکیلات الصادرة من الناخبین للنواب، وکان الدافع لهذا القرار تمسک بعض النواب بالتوکیلات المعطاة لهم من ناخبیهم[18]، فأصبح عضو البرلمان یمثل الأمة بأجمعها، وعلى ذلک کان تنظیم العلاقة بین الناخبین والنواب من المسائل التی اثارت الجدل، ونظمتها عدة أفکار منها الوکالة الإلزامیة، وفکرة الوکالة العامة للبرلمان، وفکرة الانتخاب مجرد اختیار ونظریة الوصایة، وکلها نظریات منتقدة لقیامها على أفکار وأسس غیر سلیمة[19].
وفی الدول التی تأخذ بنظام الغرفتین والتی تمثل إحداهما الولایات أو المقاطعات، فأن النواب أعضاء هذا المجلس مثلهم مثل أعضاء المجلس الاخر المنتخب من قبل السکان، یمثلون افراد الشعب أیضا ولیس الولایة التی انتخبوا لتمثلیها فی البرلمان فحسب، فهذا المطلب یعکس مبدأ وحدة الامة ویحمی من حدوث تنازع فی تمثیل المواطنین ویعطی للنائب الحریة فی أن یبدی آراءه بالکیفیة التی ترضی ضمیره، ولا یستهدف فی تصرفاته الا المصلحة العامة، وقد أخذت به الدول الحدیثة بعد صراعات عدیدة حول مسألة التمثیل، وخاصة بعد الحروب وانسلاخ مقاطعات عن دولها وانضمامها الى دول أخرى، وعلى الرغم من أن دساتیر بعض الدول تنص صراحة على هذا المبدأ[20]، الا أن عدم النص علیه فی دساتیر
دول أخرى لا یلغی أهمیته للدیمقراطیة البرلمانیة[21].
المطلب الثانی
مبررات الاخذ بنظام الغرفة الواحدة والغرفتین
من المعروف أن السلطة التشریعیة فی الدولة یتولاها البرلمان، والبرلمان اما أن یتکون من غرفة واحدة واما أن یتکون من غرفتین إحداهما تسمى المجلس الأدنى وهو عادة المجلس الأکثر تمثیلا للشعب مثل مجلس النواب فی أمریکا والجمعیة الوطنیة فی فرنسا، والمجلس الآخر هو المجلس الأعلى مثل مجلس الاعیان فی العراق بظل دستوره لسنة 1925[22].
والواقع أن نظام الغرفتین یعد ثمرة للتطور التاریخی للنظام الدستوری الإنجلیزی، ذلک أن هذا الأخیر کان یتکون فی الأصل من غرفة واحدة هی المجلس الکبیر وکان یضم أمراء الاقطاع والأساقفة ثم انضم إلیهم بعد ذلک ممثلو المقاطعات والمدن الهامة وممثلو الاکلیروس رغبة فی توسیع التمثیل الشعبی، وانتهى الامر الى انقسام البرلمان الى غرفتین، مجلس العموم الذی یضم نواب المدن والمقاطعات، ومجلس اللوردات الذی یضم ممثلی الشعب[23].
وعلى الرغم من أن هذا النظام کان نتاجا خالصا للتجربة الإنجلیزیة، فان العدید من الدول قد اتبعت ذات النهج مستندة فی ذلک الى الفقه الدستوری الذی أبرز مبررات تنوع تشکیل مجلس البرلمان وشروط الثنائیة فیه وکما یلی:
1- مبررات التشکیل الثنائی
ان نظام الغرفتین یعد حاجة اساسیة فی الدول الفیدرالیة، بحیث تمثل الغرفة الأعلى المقاطعات على قدم المساواة[24]، وتمثل الغرفة الأدنى السکان بحسب أهمیتهم العددیة کما فی الدولة البسیطة (أی دون تساوی المقاطعات فی هذا التمثیل لاختلافها من حیث عدد السکان)، فهنا نجد الازدواج ضروریا لأن الدولة المتحدة لا تتکون من أفراد فقط، بل ومن المقاطعات أو دویلات مستقلة استقلالا ذاتیا، فتمثل الغرفة الأعلى مصالح هذه المقاطعات، وتمثل الغرفة الأدنى مصلحة الدولة المتحدة فی مجموعها أی مصلحة الاتحاد، فهو أمر تفرضه ضرورة التوفیق بین النزعة الانفصالیة للولایات أو الدویلات الأعضاء فی الاتحاد، وضرورة حمایة استمراریة الاتحاد، على أن هذه الاعتبارات لم تمنع البعض من القول بنظام الغرفة الواحد حتى فی هذه الدول المتحدة کما فی دولة الامارات العربیة المتحدة[25].
کما أن الاخذ بنظام الغرفتین من شأنه امکان تغییر التمثیل فی نطاق کل غرفة، فاذا قامت احدى الغرفتین على أساس تمثیل الشعب فی مجموعه، فأنه یمکن تمثیل مصالح معینة فی الغرفة الثانیة کالطبقات الأرستقراطیة قدیما، والمصالح المهنیة حدیثا، فالاعتبار الأول کان هو أصل نشأة مجلس اللوردات فی إنجلترا، وما یزال هو السبب التاریخی فی نشأة معظم المجالس العلیا فی الدول البسیطة لا سیما الدول الاوربیة[26].
والازدواج البرلمانی، أی نظام الغرفتین من شأنه رفع مستوى المجالس النیابیة بسد النقص فی الکفاءات داخلها، لأن الأخذ بنظام الاقتراع العام قد یؤدی الى انخفاض مستوى کفاءة وخبرة أعضاء هذه المجالس، فضلا على أن کثیرا من رجال العلم وأصحاب الخبرة والکفاءة یعزفون عن دخول الانتخابات أو یعجزون عن الفوز فیها، فنظام الغرفتین یسمح بمد الغرفة الأعلى بذوی الخبرة والکفاءة عن طریق التعیین أو باشتراط شروط خاصة فی الناخبین أو المرشحین، فهو یوفق اذن بین الاقتراع العام (فی الغرفة الأدنى) وبین حسن الاختیار وتمثیل المصالح والکفاءات (فی الغرفة الأعلى)[27].
ونظام الغرفتین یسمح بتفادی الخطأ أو التسرع فی التشریع عن طریق إعادة مناقشة القانون فی الغرفة الأخرى بما یکفل له التروی وزیادة التمحیص، بحیث یتلافى ما یمکن أن تقع فیه الغرفة الأخرى من خطأ أو انقیاد لعاطفة عارضة، وعلیة فإن الغرفة الثانیة هی من ینقذ الموقف وتقیل الأولى من عثرتها، وبالتالی لا سبیل الى ذلک الإنقاذ أحسن من نظام الغرفتین، ولا یکفی فی نظام الغرفة الواحدة لتحقیق هذه الغایة تعدد القراءات أو إعطاء الرئیس الأعلى حق الاعتراض على مشروعات القوانین، اذ اثبتت التجربة عدم کفایة الاجراء الأول فعلاً لأن القراءات التالیة لیست فی الغالب الا شکلیة ما دام المجلس قد وافق على المشروع فی القراءة الأولى، أما حق الاعتراض فلا یقدم الرئیس الأعلى ووزراؤه على استعماله الا نادرا، بل نجد هذا الحق وقد تعطل فعلاً فی بعض البلاد کما فی العراق الملکی[28].
کما ویحول الازدواج البرلمانی دون استبداد البرلمان، اذ اثبتت التجارب أن المجالس النیابیة تمیل الى توسیع سلطاتها، فاذا کان البرلمان مکونا من غرفة واحدة لا یوجد من یوقف اندفاعه، لذا فان نظام الغرفتین یلطف من حماس البرلمان، کما یعزى لهذا النظام أنه یخفف من حدة النزاع بین البرلمان والحکومة حیث تقوم إحدى الغرفتین بمهمة التوفیق بین الحکومة والغرفة الأخرى، فالبرلمان اذا کان مکوناً من غرفتین واختلفت احداهما مع الحکومة وهو الغالب، قامت الغرفة الثانیة بدور الحکم بینهما، اذ إن انضمامها بالرأی الى أحد الفریقین یحمل غالبا الطرف الاخر على التسلیم، وبالمقابل ترد الحکومة للبرلمان هذا الصنیع اذا ما اختلفت غرفتاه، فتکون بینهما حمامة السلام، وبذلک یسود الحیاة العامة سلم شامل وتحکیم ودی، وهذا کله على عکس حالة وجود مجلس بغرفة واحدة، فکثیرا ما أدى ذلک النظام الى اتباع وسائل العنف والانقلاب السیاسی، بل وأدى کذلک الى الزج برئیس الدولة نفسه فی میدان الصراع الحزبی العنیف[29]، وعلیه فأن وجود نظام الغرفة الأعلى التی تملک الحق فی إعادة النظر فیما تقرره الغرفة الأدنى یؤدی الى توافر الأغلبیة الرشیدة العاقلة، القائمة على البحث والاستقصاء بعد تبادل الرأی والمناقشة داخل الغرفتین النیابیتین[30].
وتجدر الإشارة الى أن الدساتیر ذات الغرفة الواحدة أقصر عمرا وأقل استقرارا من الدساتیر ذات الغرفتین، وتاریخ کل من إنجلترا وبلجیکا وفرنسا وغیرها یؤید هذه الظاهرة[31]، بعکس نظام الغرفتین الذی إذا حل إحدى غرفتیه فان بإمکان الغرفة الأخرى القیام بمراقبة الحکومة، هذا إذا کان دور انعقاد الغرفتین مختلفین، وبهذا النظام یمکن أن تستمر الإرادة الشعبیة وتضمن رقابة الرأی العام وحمایة الدیمقراطیة وسد الفراغ التشریعی وحمایة المؤسسات الدستوریة من إساءة الحکومة الیها[32].
ویلحظ أیضا أن نظام الغرفتین یعد وسیلة لملیء الفراغ الدستوری بشکل مؤقت حتى یقف امام الحکومة لمنعها من الانحرافات الدستوریة والقانونیة، وهذا ما لا یتوافر فی حال الاخذ بنظام الغرفة الواحدة، فالرأی الفقهی الذی ساد بعد الحرب العالمیة الأولى هو تفضیل نظام الغرفتین، شرط أن تختلف طریقة انتخاب واختصاص کل منهما[33].
بالإضافة الى ما سبق فان مراعاة الظروف التاریخیة والاقتصادیة والاجتماعیة تقتضی الأخذ بنظام الغرفتین، فالظروف التاریخیة أدت الى قیام مجلس اللوردات ومجلس العموم فی إنجلترا، والظروف الاقتصادیة والاجتماعیة أدت الى قیام مجلس الممثلین ومجلس الشیوخ فی بلجیکا، وقیام مجلس الممثلین ومجلس الشیوخ فی ایرلندا، وقیام مجلس نواب ومجلس شیوخ فی إیطالیا، وقیام مؤتمر البرلمانیین ومجلس الشیوخ فی اسبانیا[34].
2- مبررات التشکیل الأحادی
یرى أنصار الغرفة الواحدة أو المجلس الفردی الاخذ بهذا النظام وایثاره على نظام الغرفتین لما یتضمنه -حسب رأیهم – النظام الأول من مزایا یمکن اجمالها بالآتی[35]:
أ - یتمیز نظام الغرفة الواحدة بالبساطة والبعد عن التعقید، اذ تترکز السلطة التشریعیة فی غرفة واحدة لها نظامها واجراءاتها المحددة بخلاف الحال فی نظام الغرفتین الذی تتوزع فیه على الغرفتین وتتعقد النظم والإجراءات وتختلف الاشکال والاختصاصات مما قد یؤدی الى الصدام والخلاف بینهما، وهذا ما سیؤثر على سیر العملیة التشریعیة، ولهذا مالت معظم الدول حدیثة العهد بالدیمقراطیة الى نظام الغرفة الواحدة.
ب - یعمل نظام الغرفة الواحدة على سرعة العمل التشریعی وتبسیطه وذلک على غلاف نظام الغرفتین، حیث یعمل هذا الأخیر على تعطیل واعاقة العمل التشریعی وزیادة تعقیده، اذ لابد من موافقة کلا الغرفتین على التشریع الامر الذی یتطلب وقتا طویلا لإتمامه، ولذلک شبه بنیامین فرانکلین نظام الغرفتین بالعربة التی یجرها جوادان فی اتجاهین متضادین، ولعله من الظاهر مقدار ما فی هذا القول من اسراف، فضلا عن أن العبرة لیست بکثرة التشریعات وانما بصلاحیتها ودقتها وهذا اکثر ضمانا فی نظام الغرفتین منه من نظام الغرفة الواحدة وهو یشفع –الى حد کبیر- لبطء التشریع فی نظام الغرفتین، فضلا عن عیوب الاکثار من التشریعات والاسراف فی تعدیلها مما یحرمها صفة الثبات والاستقرار الضروریة لها.
ج - یعمل نظام الغرفة الواحدة بالقضاء على روح الانقسام والنزاع داخل السلطة التشریعیة وتفادی تصادم الغرفتین الذی لا مناص منه ما دامت الغرفتان مختلفتی التشکیل، مع منحهما اختصاصات متساویة فلا بد وأن یؤدی الى اختلافهما فی بعض المسائل الجوهریة، وقد تتمسک کل غرفة بوجهة نظرها، مما یتعارض مع الصالح العام، ولکن یرد على ذلک بأن مثل هذا التصادم لا یدوم طویلا لأن استمراره واشتداده یلفت نظر الرأی العام فینضم الى أحد الطرفین انضماما یرجح کفته ویحل النزاع، أی أن الرای العام یکون حکما یضع حدا لهذا التصادم المؤقت، ومن ثم فأن الدساتیر التی تأخذ بنظام الغرفتین تحرص على رسم الطریقة التی تؤدی الى کیفیة حسم النزاع بین الغرفتین، ویتم ذلک عادة اما بحل الغرفتین کلیهما، أو جمع الغرفتین فی صورة مؤتمر، أو جمع لجنة مشترکة من أعضاء یمثلونها، أو فی النهایة الجمع بین احدى هذه الطرق والأخرى.
د - یتماشى نظام الغرفة الواحدة مع مبدأ سیادة الأمة الذی یجعل من السیادة وحدة واحدة غیر قابلة للتجزئة، الامر الذی یحتم تمثلیها بغرفة واحدة لا بغرفتین نیابیَّتین بإرادتین قد تتعارضان، وهنا لابد أن تکون إحداهما على الأقل مخالفة لرأی الأمة، فیجب تبعا لذلک أن تسقط من الحساب ولا یؤبه لها اذ القول بالعمل بها اعمال لما یخالف رأی الأمة، أما إذا اتفقت الغرفتان فی الرأی فمعنى ذلک عدم فائدة إحداهما ووجوب الاکتفاء بمجلس واحد، وعلیه یتعارض نظام الغرفتین مع وحدة إرادة الأمة.
ولکن یرد على ذلک بأن الازدواج البرلمانی لا یفید تجزئة السیادة، کما لا یفید هذه التجزئة مثلا سلطات ثلاث فی الدولة، ویلاحظ أیضا أننا لو سرنا مع منطق هذه الحجة الى النهایة لتعذر-فی نظام الغرفة الواحدة نفسه-تعلیل وجود أعضاء متعددین فی هذا المجلس یعبرون بإراداتهم المتعددة عن إرادة الأمة الواحدة، وهم فی تعبیرهم هذا یتعارضون وتتضارب آراؤهم وقد تذهب شیعا متنافرة، فهذه الحجة النظریة تؤدی فی النهایة الى ضرورة التعبیر عن إرادة الأمة بواسطة فرد واحد ذی إرادة واحدة، أی تؤدی الى حکم الفرد (الملکیة المطلقة أو الدیکتاتوریة)، وعلیه فمبدأ السیادة الشعبیة غیر القابلة للتجزئة لا یتعارض نظریا مع تکون البرلمان من غرفتین، هذا بالإضافة الى ما ذهب الیه البعض من أن مهمة البرلمان لیست هی التعبیر الدقیق عن إرادة الشعب، وانما وضع أفضل القوانین وأقدرها على تحقیق المصلحة العامة.
هـ - الحیلولة دون خلق طبقات ارستقراطیة أو طبقات المصالح، فنظام الغرفتین وضرورة اختلافهما من حیث التکوین على نحو یجعل الغرفة الأعلى معینة کلها أو بعضها، وتمتعها فی کثیر من البلاد بعدم جواز حلها على خلاف الغرفة الأدنى، وقصر عضویتها أحیانا على فئة خاصة لها مزایاها المالیة أو الشرفیة، کل ذلک یساعد على خلق ارستقراطیات جدیدة لا یخفى شرها على المد الدیمقراطی الذی نعاصره، وهی ذات الفکرة التی حملت الجمعیة التشریعیة الفرنسیة سنة 1789 على الموافقة بأغلبیة عالیة جدا على نظام الغرفة الواحدة، على أن هذا الاعتبار لم یعد له خطره فی بلاد تغلغل فیها سلطان الشعب کفرنسا، الا أن هذا الخطر یظهر بوضوح فی البلاد حدیثة العهد بالدیمقراطیة والتی لا زالت ذکریات الحکم مطلق والطبقات الأرستقراطیة عالقة فی اذهان الکثیرین من رجالها وبنیها، فهنا یکون لنظام الغرفتین خطره من هذه الناحیة، ویتعین عند الاخذ به أن یکون هذا الاعتبار نصب أعین وموضع اهتمام القائمین على تطبیق النظام الدیمقراطی.
ولما تقدم تظهر علة جنوح أغلب الدساتیر الى الاخذ بفکرة الازدواج البرلمانی والعدول عن نظام الغرفة الواحدة، فقد حصل هذا العدول فی کل من فرنسا، التی أخذت بنظام الغرفة الواحدة مرتین بدستوری سنة 1791 وسنة 1848، وألمانیا والبرتغال والمکسیک وبیرو وبولیفیا والأکوادور ویوغوسلافیا وغیرها، کما أخذت بنظام الغرفتین الدساتیر التی صدرت بعد الحرب العالمیة الأولى على نحو یکاد یکون جماعیا، وذلک کله بعد أن سبقت إنجلترا العالم الى الاخذ بهذا النظام، وقد اتبع العراق نظام الغرفتین فی دستوره الأول لسنة 1925(القانون الأساسی العراقی)، ودستوره لسنة 2005 النافذ حالیا، ورغم مفاضلتنا لنظام الغرفتین الا أن الامر مرتبط ببیئة وظروف کل دولة بصورة عامة، وأن تقلید دولة لدولة أخرى أمرا بعیدا عن الصواب فی هذا المجال، اذ یجب أن تدرک کل دولة مع أی النظامین تنسجم ظروفها ومعطیاتها الخاصة وکذلک بیئتها ومناخها السیاسی والاقتصادی والتاریخی والاجتماعی.
المطلب الثالث
شروط نظام الغرفتین
لکی یحقق نظام الغرفتین المزایا والفوائد المرجوة منه لا بد من المغایرة بین الغرفتین حتى لا تصبح إحداهما مجرد صورة للأخرى، فتفقد الثنائیة معناها وتنحسر مزایا الازدواج البرلمانی، ولتحقیق هذه المغایرة لا بد من توافر شرطین اساسیین هما:
اولا- المغایرة بین الغرفتین من حیث التشکیل بحیث لا یکونا نسختان متطابقتان
القاعدة هی أن تکون إحدى الغرفتین منتخبة انتخابا شعبیا ولمدة غیر طویلة حتى تمثل الأمة تمثیلا صحیحا ویمکنها من مراقبة نوابها والحکم على أعمالهم، وهذه الغرفة هی الغرفة الأدنى أی مجلس النواب، أما الغرفة الأعلى فلا یصح أن تکون ولیدة نفس الناخبین السابقین وبنفس الإجراءات وعلى نمط واحد، والا ضاعت حکمة الازدواج، ولذلک نجد أن الغرفة الأعلى تختلف فی تشکیلها عن الغرفة الأدنى بصورة أو أکثر وکما یلی:
1- جعل عضویة الغرفة الأعلى بالوارثة
ویکون ذلک عن طریق تخصیص أکثریة مقاعد الغرفة الأعلى لطبقة معینة وهی عادة الارستقراطیة فی المجتمع، کما هی الحال بالنسبة لمجلس اللوردات فی إنجلترا حیث أن العدد الأکبر من أعضائه هم ممن یحملون لقب لورد بالوراثة، ولیس بخاف ما هنالک من تناقض بین هذه العضویة الوراثیة وروح الدیمقراطیة، ولعله ولهذه العلة تحدیدا أضحت السلطة التشریعیة فی إنجلترا تترکز بصورة شبه تامة بمجلس العموم[36].
2- تعیین کل أعضاء الغرفة الأعلى[37]
قد یکون التعیین لمدى الحیاة کما کان الحال فی ایطالیا الفاشیة وکذلک الحال بالنسبة لمجلس الشیوخ فی الإمبراطوریة الثانیة الفرنسیة، أو لمدة معینة کما فی العراق بظل دستوره لسنة 1925(القانون الأساسی العراقی)، اذ یعین الاعیان لمدة ثمانی سنوات[38]، وکذلک فی دستوری مصر لعامی 1923[39]، 1930[40]، کما أخذ الدستور الأردنی بهذه الطریقة أیضا[41]، وهذا الحق للرئیس الأعلى یستعمله بواسطة وزرائه وهو مقید عادة بشروط خاصة.
وهذه الطریقة فی اختیار أعضاء المجالس-أی تعیین کل الأعضاء-تجافی الدیمقراطیة، لذلک أثارت اعتراض أعضاء المجلس التأسیسی العراقی عند مناقشته لنصوص القانون الأساسی وان لم یقر المجلس المذکور ذلک الاعتراض.
3- انتخاب کل أعضاء الغرفة الاعلى[42]
وقد یکون ذلک على درجة واحدة (بانتخاب مباشر) وهو ما اخذت بولونیا فی دستور سنة 1921(المعدل سنة 1926والملغى سنة 1934)، وتشیکوسلوفاکیا فی دستور سنة 1920، والولایات المتحدة الامریکیة فی دستورها لسنة 1787 بعد التعدیل السابع عشر لأسلوب الانتخاب. وقد یکون الانتخاب على درجتین أو أکثر (بانتخاب غیر مباشر)، کما کان الحال بالنسبة لأعضاء مجلس الشیوخ فی ظل الدساتیر الفرنسیة لسنة 1875و 1944و 1958، وکما هو الشأن بالنسبة لمجلس الشیوخ الإیطالی وفقا لدستور سنة 1947.
وتتبع بلجیکا طریقة خاصة فی انتخاب أعضاء مجلس الشیوخ بمقتضاها ینتخب الجزء الأکبر منه مباشرة بواسطة الشعب من بین طبقات وهیئات معینة على أساس الاقتراع العام، والجزء الآخر من المجلس ینتخب على درجتین بواسطة مجالس الدیریات، والباقی ینتخبهم جمیع الأعضاء السابق ذکرهم بعد الفصل فی صحة انتخابهم، أی على درجتین من وجه، وعلى ثلاث درجات من وجه آخر.
4- جعل بعض أعضاء الغرفة الأعلى معینا والبعض منتخبا
وفق هذه الطریقة ینتخب عدد من أعضاء الغرفة الأعلى بواسطة الاقتراع العام السری ویعین القسم الآخر من قبل السلطة التنفیذیة، أی أن هذه الغرفة لها صفة نیابیة وهی ممثلة لأصحاب الکفاءات فی آن معا، وأخذت إیطالیا فی دستورها لسنة 1947 بهذه الطریقة، حیث یعین خمسة من أعضاء المجلس من قبل رئیس الجمهوریة وینتخب الأعضاء الاخرون بالاقتراع العام المباشر من قبل الشعب، کما اخذ بها دستور مصر لسنة 1923، اذ کان ینتخب ثلاثة اخماس الشیوخ بطریق الاقتراع العام المباشر، ویعین الملک (بواسطة وزرائه) الخمسین، وذلک مع اختلاف فی السن وفی الدوائر الانتخابیة وفی بعض الشروط الأخرى، هذا فضلا عن ضرورة انتخاب الشیوخ من طبقات محددة تحدیدا دقیقا[43].
وکذلک اتبع المشرع المصری هذه الطریقة فی تشکیل مجلس الشورى، حیث یستفاد من نص المادة الأولى من القانون رقم 38 لسنة 1972 بشأن مجلس الشعب والمادة 196 من دستوره لسنة 1971 الملغى فی شأن مجلس الشورى أنه بینما یختار أعضاء مجلس الشعب بالکامل عن طریق الانتخاب (باستثناء عشرة أعضاء یقوم رئیس الجمهوریة بتعیینهم) فان الدستور یأخذ فی تشکیل مجلس الشورى بمبدأ الجمع بین الانتخاب والتعیین[44]، وهو ما جاء أیضا فی دستوره لسنة 2012 الملغى، اذ اعطى لرئیس الجمهوریة الحق فی تعیین عشر أعضاء المجلس[45].
هذه الطریقة تمتاز بإثراء الغرفة الأعلى بأصحاب الکفاءات العالیة التی قد لا تستطیع الوصول الى هذه الغرف أو المجالس بطریق الانتخاب نظرا لجهل العامة کفایتهم أو لعدم استطاعة هؤلاء الاکفاء مزاحمة المرشحین الاخرین، اذ لا یتوفر لدیهم المال اللازم للدعایة والنشر، أو لعدم اجادتهم الخطابة بالدرجة التی من شأنها التأثیر فی الجمهور[46].
5- منح العضویة فی الغرفة الأعلى بحکم القانون
ومقتضى ذلک أن تتألف الغرفة الأعلى من أعضاء یتم اختیار بعضهم على أساس الانتخاب ویتم تعیین بعضهم الاخر بقوة القانون دون أن یکون لإرادة السلطة التنفیذیة دخل فی اختیارهم، والمقصود بالأعضاء المعینین بقوة القانون أشخاص یشغلون مراکز معینة على أن کل من یشغلها یکون عضوا فی الغرفة الأعلى، ومن هذا القبیل ما قرره الدستور الرومانی الصادر فی 29 مارس 1923[47]، والدستور الإیطالی الصادر سنة 1947، الذی یجعل رؤساء الجمهوریة السابقین أعضاء فی مجلس الشیوخ بحکم القانون[48].
ومما تقدم یتضح أن الدساتیر تفرق فی تشکیل مجلس النواب وتشکیل مجلس الشیوخ أو الاعیان، وهنالک أوجه أخرى للتفریق بین الغرفتین تلجأ الیها الدساتیر أیضا، وبخاصة تلک التی لم تفرق بینهما على أی من الأسس السابقة، اذ إنها بذلک تکون أحوج من غیرها الى التفریق بینهما بواحدة أو أکثر من الوسائل الاتیة:
أ- اختلاف عدد أعضاء الغرفتین
تجعل غالبیة الدساتیر الغرفة الأعلى أقل عددا من أعضاء الغرفة الأدنى لکی تختلفا روحا ومیولا، وذلک انسجاما مع حرصها على تجسید الرأی العام فی الغرفة الأدنى، إذ تحقق میزة کثرة العدد غایتها متى کان الدستور یجعل حسم بعض المشاکل والبت فی بعض الأمور للغرفتین معا فی هیئة مؤتمر، حیث یغلب رأی الغرفة الأکثر عددا، وکقاعدة عامة إذا ما استثنینا مجلس اللوردات البریطانی والذی یتجاوز عدد أعضائه ال 1000 عضو وکذلک مجلس الشیوخ الإیطالی الذی یتجاور عدد أعضائه ال 300 عضو، فأن الغرف العلیا للدول الأخرى تکون أقل عددا من عدد أعضاء الغرف الدنیا، وهو تشکیل صائب من جهتین، الأولى کی لا تکون الغرفة الأعلى متطابقة مع الغرفة الأدنى، الامر الذی من شأنه تأخیر العمل البرلمانی وزیادة الجدل فی أروقة الغرفة الأعلى، وأما الثانیة فهی مراعاة التوازنات التی قد تکون هی السبب فی تشکیل الغرفة الأعلى، مثل التوازنات العرقیة والطائفیة وتمثیل الأقالیم الکبیرة والصغیرة على قدم المساواة داخل البرلمان.
ب- الاختلاف فی سن الناخب وشروط العضویة
قد یتطلب الدستور شروطا خاصة فی أعضاء الغرفة الأعلى لاسیما ما یتعلق منها بسن الناخب والمرشح، حیث یتطلب سنا أکبر کونها تمثل حکمة الشیوخ واتزانهم، وهذا ما أخذ به دستور مصر لسنة، فسن ناخبی النواب کانت 21 سنة میلادیة کاملة، أما سن ناخبی الشیوخ فکانت خمسا وعشرین سنة، أما سن العضو فقد کانت ثلاثین سنة بالنسبة للنائب وأربعین سنة بالنسبة للشیخ[49]، واشترط القانون الأساسی العراقی أن یکون عضو مجلس الاعیان قد بلغ 40 سنة وعضو مجلس النواب قد بلغ 30 سنة من عمره، وقد یشترط الدستور شروطا أخرى کانتماء أعضاء الغرفة الأعلى الى طوائف معینة مثلما فعل الدستور المصری لسنة 1923، حیث اشترط فی أعضاء مجلس الشیوخ أن یختاروا (أو یعینوا) من بین الوزراء والممثلین السیاسیین ورؤساء مجالس النواب ووکلاء الوزرات، ورؤساء ومستشاری محکمة الاستئناف أو أیة محکمة أخرى من درجتها أو أعلى منها، والنواب العمومیین، ونقباء المحامین، وموظفی الحکومة من درجة مدیر عام فصاعد سواء فی ذلک الحالیون والسابقون وکبار العلماء والرؤساء الروحیین وکبار الضباط المتقاعدین من رتبة لواء فصاعدا، والنواب الذین قضوا مدتین فی النیابة والملاک الذین یدفعون قدرا معینا من الضرائب[50]، وبذات الاتجاه ذهب الدستور الأردنی لسنة 1952[51]، کما واشترط الدستور الإیطالی لسنة 1947 بأن یکون رؤساء الجمهوریة السابقون أعضاء فی مجلس الشیوخ مدى الحیاة الا فی حالة تنازلهم عن المنصب، وبإمکان رئیس الجمهوریة تعیین مواطنین کانوا فخرا للامة فی المجالات الاجتماعیة والعلمیة والفنیة کشیوخ مدى الحیاة [52].
ج- اختلاف مدة العضویة وطریقة التجدید
تتجه الدول الى المغایرة فی مدة العضویة فی الغرفتین، بحیث تکون مدة الولایة فی الغرفة الأعلى أطول، وتبریر ذلک أن الغرفة الأدنى هی الأکثر تمثیلا للشعب لذا یتعین تقصیر مدة ولایتها حتى یتمکن الناخبون من مراقبة أعضائها وتقییم أدائهم فهی تعنی التغییر والحرکة، وبهذا تظل هذه الغرفة أکثر التصاقا بالناخبین وأکثر تعبیرا عن اتجاهات الرأی العام المتطورة، أما الغرفة الأعلى فأن طول مدة ولایتها لا تحول دون تحقیق الأغراض المرجوة منها لأنها أساسا تهدف الى توفیر الکفایات وتحقیق التوازن وتخفیف حدة النزاع بین السلطات، مما یؤدی الى الاستقرار السیاسی واستمرار مؤسسات الدولة فی خدمة المواطنین تحت رقابة أحد غرفتی البرلمان وبالتالی یمنع من تفرد الحکومة فی السلطة ویبعد البلاد عن شر القلاقل والفوضى فهی تمثل الاتزان والثبات والاستقرار، وفی الغالب تأخذ الدساتیر بالتجدید الکامل للمجلس الشعبی (الغرفة الأدنى) بعد انتهاء مدته، فی حین تتم إعادة انتخاب الغرفة الأعلى عن طریق التجدید النصفی أو الثلثی، ومثال ذلک انتخابات مجلس النواب والشیوخ الأمریکی، والجمعیة الوطنیة ومجلس الشیوخ الفرنسی[53].
أما مجلس النواب فی ظل القانون الأساسی العراقی لسنة 1925، فقد کان التجدید کلی یتم کل أربع سنوات وهی مدة نیابة العضویة فیه، ومدة نیابة مجلس الاعیان ثمان سنوات، بحیث أن مجلس الاعیان یبقى قائما ومن ثم یکون هنالک دائما مجلسٌ بمواجه الوزارة غیر مرتبک فی أعماله، فالتجدید الکلی قد یؤدی الى نوع من الارباک فی العمل[54]، أما الدستور الأردنی فقد ساوى فی مدة العضویة للمجلسین وجعلها أربع سنوات شمسیة لکل منهما، ولو أن للملک وبإرادة ملکیة مد مدة مجلس النواب لمدة لا تقل عن سنة ولا تزید عن سنتین[55]، ولکن لما کان مجلس النواب یمکن حله، فأن لذلک أثره على المجلس الاخر، غیر القابل للحل، ومن ثم فقد نصت المادة 66 من الدستور نفسه على أنه "1- یجتمع مجلس الاعیان عند اجتماع مجلس النواب وتکون أدوار الانعقاد واحدة للمجلسین 2- اذا حل مجلس النواب توقف جلسات مجلس الاعیان"، وعملا فأن حل مجلس النواب یؤدی الى شل نشاط المجلس الاخر حتى ینعقد المجلس الجدید، وبذات الاتجاه سار الدستور الإیطالی حیث ساوى بین المجلسین بالمدة وجعلها خمس سنوات[56].
ثانیا- المغایرة فی اختصاصات کلا الغرفتین
الشرط الثانی لنظام الغرفتین هو تساویهما أساسا فی التشریع، بحیث تکون للغرفة الأعلى سلطة تشریعیة الى جانب الغرفة الأدنى أو على الأقل أن تکون للغرفة الأعلى سلطة وقف التشریعات التی یصدرها المجلس الأدنى وتکاد تجمع الدساتیر على المساواة بین الغرفتین فی مجال التشریع بمراحله کافة، ولکن لیس معنى ذلک ضرورة تساویهما المطلق فی التشریع أو تساویهما أیضا فی المسائل الأخرى غیر التشریع[57].
فنظام الغرفتین یتطلب إقرار مبدأ المشارکة التشریعیة المتساویة بین الغرفتین بحیث لا یجوز اصدار أی قانون الا بعد موافقة الغرفتین طبقا للأصول والإجراءات التی یتطلبها الدستور أو النظام الداخلی لکل غرفة، أی أن یکون لکل منهما الحق فی تقدیم مشاریع القوانین ومناقشتها بشکل مستقل عن الغرفة الأخرى، وأن یصادق على مشروع القانون بعد مروره فی الغرفتین، وتسمى الأنظمة التی تعطی الغرفتین نفس القوة فیما یتعلق بالمسائل التشریعیة، بالثنائیة المتساویة ومثالها ما یحصل فی إجراءات التشریع بین مجلس النواب والشیوخ الأمریکیین، على أن ضرورة وعدم اعتراض أی من الغرفتین على مشروع قانون ما لا یعنی وأده وانتهاء إمکانیة مواصلة تشریعه، فالدساتیر غالبا ما تضع مخرجا لهذا الاعتراض وبطرق مختلفة منها[58]:
1- امکان اجتماع الغرفتین بجلسة مشترکة وتقریب وجهات النظر بین الغرفتین وصولا للحل وتمریر المشروع، مثال ذلک ما نص علیة الدستور الأردنی لسنة 1952[59].
2- حق حل البرلمان، ان التهدید باستعمال هذا الحق من قبل الحکومة قد یؤدی الى دفع الغرفتین للتفاهم مع بعضهما البعض ومع الحکومة، ففی بلجیکا مثلا تستطیع الحکومة حل أی من الغرفتین أو کلیهما معا، على أن هذه الوسیلة ان کان للحکومة استخدامها فی النظام البرلمانی فأنه لیس لها ذلک فی النظام الرئاسی.
3- حق الرئیس بالاعتراض على القوانین فی النظام الرئاسی، وهو حق تنفیذی یمنح لرئیس السلطة التنفیذیة لکی یظهر للبرلمان المساوئ المترتبة على تنفیذ القانون المقترح، وللبرلمان الحریة فی الاخذ برأی الرئیس أو العدول عنه، وبذلک یکون حق الاعتراض حق فیتو توقیفی، لأنه یتعین على رئیس الدولة فی حالة اعتراضه على مشروع القانون أن یرده الى البرلمان لدراسته مرة ثانیة، فاذا عاد الأخیر وأقره، صدر القانون رغم اعتراض الرئیس، وهذا الحق کثیرا ما مارسه الرئیس الأمریکی، على أن هذا الحق یسقط اذا ما أکد الکونجرس على القانون بأکثریة الثلثین، على أنه نادرا ما یستطیع الکونجرس تأکید القوانین التی یعترض علیها الرئیس لصعوبة تحقیق اغلبیة الثلثین[60].
4- الاستفتاء، اذ بالإمکان طرح أی مشروع قانون تختلف فیه الغرفتان على الاستفتاء الشعبی، وهذا الأخیر قد یکون إلزامیا استنادا للدستور أو اختیاریا بناء على طلب الحکومة أو أحد الغرفتین أو حتى بناء على المبادرة الشعبیة.
5- الاختیار المعجل للحکومة، أذ یکون للحکومة فی حالة عدم توصل المجلسین لقرار نهائی بصدد نص تشریعی معین أن تطلب من الغرفة الأدنى بالتوصل لقرار نهائی، وذلک اما بالنص الذی صاغته اللجنة المشترکة من الغرفتین أو النص الأخیر الذی اقرته بنفسها بصیغته المعدلة، وبدون موافقة الغرفة الاعلى، وهذا النظام أخذت به فرنسا بدستورها لسنة 1958 النافذ حالیا[61].
وعلیه فالقاعدة هی وجوب المساواة بین الغرفتین، ولکن السؤال المطروح الان هو هل ترد على هذه القاعدة استثناءات؟ هنالک استثناءات[62]على هذه القاعدة مما أصبح یعرف بالثنائیة غیر المتساویة، وهی عادة ما تتعلق بامتیاز الغرفة الأدنى (المجلس الشعبی) على الغرفة الأعلى فی المسائل التشریعیة، والمالیة، والرقابة على الحکومة، ففی القوانین العادیة تذهب بعض الدساتیر الى حرمان الغرفة الأعلى من حق اقتراحها، أو وجوب عرضها أولا على المجلس الشعبی، أو إعطائه الغلبة فی حالات الغلاف بین المجلسین، وذلک بأن تجعل الکلمة النهائیة له فی اقرار مشروع القانون، وفی المسائل المالیة فإن الأولویة فی حق اقتراح القوانین الخاصة بفرض الضرائب أو زیادتها تکون له دون الغرفة الاخرى، ولعلها القاعدة المشترکة فی معظم الدساتیر التی تتبنى المغایرة بین الغرفتین من حیث الاختصاص.
أما الاختصاص الرقابی فیتوزع بین الغرفتین أیضا، وغالبا ما تمنح الدساتیر حق منح الثقة أو حجبها عنها أو عن أحد الوزراء أو أکثر الى الغرفة الأدنى، وهو ما یعرف بمسؤولیة الوزارة سیاسیا، کما فی إنجلترا وفرنسا فی ظل دستور سنة 1958 والعراق فی ظل دستور سنة 1925 ومصر فی دستورها لسنة 1923، ومع ذلک تسأل الوزارة أمام الغرفتین فی بعض الدساتیر کما فی بلجیکا.
أما مسؤولیة الوزارة جنائیا فیختلف بصددها اختصاص الغرفتین، فعادة ما تنظر إحدى الغرفتین فی جزء منها، وتنظر الغرفة الثانیة فی جزء آخر، کما هو الحال فی إنجلترا وفرنسا فی ظل دستور 1875 والولایات المتحدة الامریکیة، ففی هذه الأخیرة یمارس مجلس النواب حق الاتهام الجنائی ضد رئیس الدولة وکبار الموظفین الفدرالیین فیما ینسب إلیهم من جرائم الخیانة أو الرشوة وبعض الجنایات والجنح الکبرى، ثم یتولى مجلس الشیوخ إجراءات المحاکمة والادانة بقرار اغلبیة أعضائه على الأقل.
المطلب الرابع
عقلنة العمل البرلمانی العراقی فی دستور العراق لسنة 2005
یقصد بالعقلنة البرلمانیة اعتماد مؤسسات دستوریة وتوزیع الصلاحیات فیما بینها، وتنظیم العلاقات القائمة بین هذه المؤسسات، بما یؤدی الى انتظام عمل المؤسسات الدستوریة واستقرارها وفاعلیتها والحیلولة دون تعرضها لحالة شلل أو جمود[63].
والعقلنة البرلمانیة حرکة بدأت بها دساتیر أوربا بعد الحرب العالمیة الأولى غایتها الوصول الى تنظیم قانونی للعلاقات السیاسیة التی قام علیها النظام البرلمانی لاسیما فی إنجلترا بهدف الوصول الى الاستقرار الحکومی والعمل بفاعلیة أکثر، اما فی فرنسا فقد امتدت الى الفلسفة السیاسیة التی آمن بها الجنرال دیغول ومعاونوه کمیشیل دبوریه ورینیه کابتان، والتی تذهب الى أن الأمة لا یجب أن تقودها الأحزاب لکیلا تتحکم بمصیر البلاد الامر الذی یقتضی الا یتمتع البرلمان بالهیمنة، فهی مجال للتنافس وهی المکان التی تسقط فیه الحکومات، الامر الذی ینبغی معه تقیید صلاحیات الأخیرة وتقویة سلطات الرئیس الذی یقود البلاد ویوحد کلمتها، وهو ما عبر عنه دیغول فی خطاب Bayeux فی 26 حزیران 1946، اذ طالب بصلاحیات واسعة وتوازن تشریعی تنفیذی[64]، فیما یرى جانب آخر من الفقه أن البرلمانیة المعقلنة للجمهوریة الخامسة تکمن قبل کل شیء فی صلاحیات الحکومة تجاه البرلمان من حیث[65]:
1- تحدید الدورات البرلمانیة، فالمادة 28 بتحدیدها المدة الاجمالیة للدورات العادیة بستة شهور تحصر رقابة النواب نصف السنة.
2- رقابة المجلس الدستوری لنظام الجمعیات، اذ تأتی هذه الرقابة لصالح الحکومة فالجمعیات تتجه طبیعیا الى زیادة صلاحیاتها تجاهها.
3- صلاحیات الحکومة على مستوى الأصول التشریعیة المتبعة، فالحکومة هی سیدة جدول أعمال الجمعیات وبالتالی یمکنها إلزام البرلمان بمناقشة النصوص التی ترغب بها وابعاد کل ما عدا ذلک.
4- طرح المسؤولیة حول نص وللجوء الى اللجنة المختلطة.
وبالرجوع الى دستور العراقی لسنة 2005 النافذ حالیا نجد أن برلمانه قد أخذ بنظام الغرفتین، الا أنه غیر معقلن فالغلبة واضحة لغرفته الأولى فضلا عن ما شابه من أخطاء اعترت عملیة تشکیل غرفته الثانیة،فعلى الرغم من نصه على تشکیل مجلس تشریعی یسمى بمجلس الاتحاد لیکون جزءا من السلطة التشریعیة الاتحادیة الى جانب مجلس النواب[66]، ویمثل الأقالیم والمحافظات غیر المنظمة فی إقلیم، الا أنه جعل من الغرفة الثانیة (مجلس الاتحاد) والذی یفترض أن یحقق التوازن وخصوصا فی مجال التشریع مجلسا تابعا لمجلس النواب، اذ ترک تنظیم هذا المجلس من حیث کیفیة تکوینه وشروط العضویة فیه واختصاصاته وکل ما یتعلق به لقانون یسنه مجلس النواب بأغلبیة ثلثی أعضائه[67]، وهذا یعنی ابعاد مجلس الاتحاد من الساحة الدستوریة الى الساحة القانونیة، وبالنتیجة تکون اختصاصات هذا المجلس غیر مصونة لأنها غیر محددة فی الدستور الاتحادی مما یجعل منه مجلسا ضعیفا ینتظر ما یتفضل به مجلس النواب علیه من اختصاصات ممنوحة، الامر الذی من شأنه مخالفة مبادئ القانون الدستوری التی توجب تنظیم السلطة التشریعیة بنص دستوری ولیس بقانون عادی، مما یدل على الانقسام بین مشرعی الدستور حول فکرة الفدرالیة، ومما یؤکد ذلک أن قانون إدارة الدولة العراقیة للمرحلة الانتقالیة لعام 2004، الذی یعد أول دستور یأخذ بالشکل الاتحادی للدولة العراقیة[68]، قد خرج عن القاعدة التی تقضی بأن نظام الغرفتین ضرورة للدولة التی تأخذ بالاتحاد المرکزی، حیث أناط السلطة التشریعیة الى غرفة واحدة وهی الجمعیة الوطنیة[69]، مع الإشارة الى أن دستور العراق لسنة 2005 قد تضمن العدید من الاحکام الواردة فی قانون إدارة الدولة ومنها النظام الفدرالی الذی یفرض الاخذ بنظام الغرفتین، غیر أن المشرع الدستوری وان أخذ بنظام الغرفتین خلافا لقانون إدارة الدولة، الا أنه فی الوقت نفسه عمل على استمرار العمل بمنهج هذا الأخیر فی تطبیق نظام الغرفة الواحدة من خلال تنظیم أحد فرعی السلطة التشریعیة وهو مجلس النواب واحالة تنظیم الفرع الثانی وهو مجلس الاتحاد الى قانون یسن من قبل مجلس النواب فضلا عن النص على تأجیل قیام هذا المجلس الى حین صدور قرار من مجلس النواب بأغلبیة الثلثین بعد دورته الانتخابیة الأولى التی یعقدها بعد نفاذ هذا الدستور، یضاف الى ذلک أن المشرع الدستوری لم ینص على الاجراء الواجب اتخاذه فی حالة اخفاق مجلس النواب فی أجاز القانون الخاص بتشکیل هذا المجلس حلال المدة المحددة فی الدستور، وهو ما تحقق على الصعید العملی اذ انتهت الدورة الانتخابیة الثالثة دون تشکیل هذا المجلس الامر الذی یؤکد ما تقدم ذکره من أن هنالک انقساما بین أعضاء الجمعیة الوطنیة حول فکرة الفدرالیة، فخلق نوعا من عدم المساواة والتوازن بین الغرفتین، فضلا عن الاخلال بمقومات النظام الاتحادی الذی یقوم على نظام الغرفتین، فوجود الغرفة التی تمثل الأقالیم الأعضاء الى جانب الغرفة التی تمثل عموم الشعب ضرورة تقتضیها طبیعة النظام الاتحادی[70].
ان الدستور العراقی وبالرغم من أنه خصص الفصل الأول من الباب الثالث منه للسلطة التشریعیة، الا أنه أهمل تنظیم مجلس الاتحاد حیث خصص له مادتین فقط وهما المادتان 65 و137، والاولى منهما احالت الى قانون الذی سیصدر عن مجلس النواب تنظیم کل التفاصیل، فیما قضت الثانیة بتأجیل العمل بأحکام المواد الخاصة بمجلس الاتحاد أینما وردت فی الدستور الى حین صدور قرار مجلس النواب المشار الیه بالمادة 65 سالفة الإشارة بعد دورته الانتخابیة الأولى التی یعقدها بعد نفاذ هذا الدستور، على الرغم من أنه المجلس المهم والجوهری فی النظام الاتحادی، بینما نظم کل ما یتعلق بمجلس النواب من خلال المواد 49 الى 64، أی بخمس عشرة مادة دستوریة نظمت کیفیة تکوین المجلس وعدد أعضائه وشروط العضویة فیه وأداء الیمین وانعقاد جلساته وانتخاب رئاسة المجلس ومدة الدورة الانتخابیة ودورة انعقاده السنویة والجلسات الاستثنائیة وکیفیة تمدید الفصل التشریعی والنصاب القانونی لانعقاده وتقدیم مشروعات القوانین واختصاصات المجلس من تشریع القوانین والرقابة الى...الخ، وکذلک إقرار الموازنة والحساب الختامی وأحال الى القانون تنظیم حقوق وامتیازات النواب وأعضاء المجلس ونظم الیة حله.
مما تجدر الإشارة الیه فی هذا الصدد أن مجلس الاتحاد یشبه مجلس الاعیان العراقی فی القانون الأساسی لسنة 1925، لا سیما ما یتعلق بالخضوع والتبعیة، والفارق بینهما هو أن مجلس الاعیان کان خاضعا للملک، بینما مجلس الاتحاد سیخضع لمجلس النواب، بل أن مجلس الاعیان یتفوق على مجلس الاتحاد من حیث أن اختصاصاته کانت محددة بموجب الدستور، على الرغم من أن الدولة بموجب المادة 2 من القانون الأساسی العراقی کانت ملکیة وراثیة مرکزیة موحدة بسیطة، بینما اختصاصات مجلس الاتحاد غیر محددة دستوریا، بل ان الامر متروک لمشیة مجلس النواب لیسن قانونا بأغلبیة ثلی أعضائه یحدد اختصاصاته، على الرغم من أن شکل الدولة العراقیة بموجب الدستور الحالی هو اتحادی (فدرالی) ونظام الحکم فیها جمهوری برلمانی، فما هذا التناقض؟
کما أن المشرع الدستوری لم یکن موفقا ووقع فی خطأ جوهری عندما ربط التمثیل فی مجلس الاتحاد بین الأقالیم والمحافظات غیر المنتظمة بإقلیم، ولم یبین کیفیة التمثیل هل على أساس قاعدة المساواة أم اللامساواة، ولا طریقة اختیار أعضاء المجلس وانما ترک تنظیم ذلک للقانون الذی یسنه مجلس النواب، فمنح المحافظات حق التمثیل فی مجلس الاتحاد اسوة بالأقالیم الأعضاء یخالف ما سارت علیه دساتیر معظم الدول الاتحادیة کونها تقصر التمثیل فی المجلس الاتحادی على الوحدات الأساسیة من الولایات أو الأقالیم أو الکانتونات ...الخ دون غیرها من مستویات الحکم[71]، فهنالک فرق کبیر بین الأقالیم الأعضاء فی الدولة الاتحادیة وبین المحافظات التابعة لنظام اللامرکزیة الإداریة، فالدولة الاتحادیة تعنی ببساطة اتحاد مجموعة من الأقالیم أو المقاطعات المتمتعة بالحکم الذاتی تحت ظل حکومة مرکزیة واحدة مع بقائها متمتعة ببعض مظاهر الاستقلال على المستوى الخارجی أو الداخلی ولذا تحتفظ الوحدات المکونة للدولة الاتحادیة لنفسها بوضع دستور وانتخاب برلمان وحکومة وقضاء محلی یمتاز عن نظیره الاتحادی، فهی تتقاسم مع المرکز الوظائف التنفیذیة والتشریعیة والقضائیة، أما المحافظات فهی مجرد نوع من التنظیم الإداری تتقاسم فیه السلطة المحلیة مع الحکومة بعض الاختصاصات الإداریة والمالیة فحسب، فلا تملک دستورا أو برلمانا أو قضاء مستقلا عن نظیره الاتحادی، فوظیفتها تقدیم الخدمات المحلیة والنهوض بالمرافق العامة القریبة من المواطن، وبالتالی فهی لیست عضوة من أعضاء الاتحاد الفدرالی ولا تساهم بوصفها جماعات محلیة فی تکوین إرادة الدولة الاتحادیة، وأن هذا المجلس هو مجلس للأقالیم ویکون لکل الأقالیم ممثلون فیه، فالبرلمان الاتحادی الذی یعبر عن إرادة الدولة ویصدر القوانین الاتحادیة یدخل فی تشکیله ممثلو الأقالیم ولیس للمحافظات أی دور فیه، فالغایة من إیجاد الغرفة الثانیة هی بمثابة رسالة اطمئنان للوحدات الفدرالیة بأن لها القوة التمثیلة ذاتها التی تملکها الوحدات الأخرى بغض النظر عن أی اعتبار آخر، وبالتالی فأن منح المحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم حق التمثیل بمجلس الاتحاد یعد اجحافا بحق الأقالیم وتقلیلا من شأنها، وأن بقاء المرکز الدستوری لمجلس الاتحاد بهذا الشکل یفقده أی فاعلیة قانونیة وسیاسیة فی النظام الاتحادی ویضیع على الأقالیم أهمیة المشارکة فیه بوصفها ضمانة لحمایة استقلالها، ویمثل قرینة ومؤشراً على توجه المشرع الدستوری لجعل المحافظات غیر المنتظمة بإقلیم وحدات اتحادیة وربما مساواتها بالأقالیم تطبیقا لمبدأ اللامرکزیة السیاسیة[72].
کما ویلحظ أن دستور العراق النافذ قد نص فی المادة 137[73] منه على ارجاء العمل بأحکام المادة 65 الخاصة بتشکیل مجلس الاتحاد الى ما بعد الدورة الأولى من الانتخابات البرلمانیة وکما سبقت الإشارة، مما یعنی تأجیل تشکیل هذه الغرفة، الامر الذی یجعل من مجلس النواب السلطة التشریعیة التی تمارس اختصاصات هائلة بموجب الدستور وبشکل منفرد دون مشارکة مجلس الاتحاد، نظرا لإرجاء تنفیذ قانون تشکیل الأقالیم استنادا الى المادة 118 من الدستور النافذ[74]، وهو ما دعا المحکمة الاتحادیة العلیا وبمناسبة حکمها بطلب التفسیر ذی العدد 72/ اتحادیة/2012، الى التأکید على اکمال مکونات السلطة التشریعیة بتشکیل مجلس الاتحاد، وقد جاء هذا الحکم على أثر طلب من مجلس النواب بتفسیر المادتین 65 و 137 من الدستور المتعلقتین بمجلس الاتحاد، حیث أکد الحکم على أن هاتین المادتین یکمل بعضهما البعض ذلک أن اصدار قانون یتضمن انشاء (مجلس الاتحاد) وینظم تکوینه وشروط العضویة فیه واختصاصاته وکل ما یتعلق به من شؤون یلزم أن تسبقه مرحلة التحضیر والاعداد نظرا لأهمیة هذا المجلس الذی یشکل الجناح الآخر للسلطة التشریعیة بعدما شکل مجلس النواب جناحه الآخر حیث وردة أحکامه فی صلب الدستور، وهذا ما کان یقتضی بالنسبة لمجلس الاتحاد".
وعلیه فأن المحکمة الاتحادیة العلیا قد شددت فی حکمها على أهمیة استیفاء "أحکام هذا القانون للشروط الشکلیة والموضوعیة وعلى مستوى الوضوح والدقة التی تمنع ولو بشکل غالب الاجتهادات المتعارضة، لذا یلزم أن یصدر من مجلس النواب قرارا (بیان) یشیر الى الایذان بالتحضیر لإعداد (قانون لمجلس الاتحاد) بعدما انتهت دورته الانتخابیة الأولى وحان بعدها وجوب اکمال جناحی السلطة التشریعیة الوارد ذکرها فی المادة (48) من الدستور ((تتکون السلطة التشریعیة من مجلس النواب ومجلس الاتحاد))"، وبالتالی فإن على مجلس النواب إقراره، وفق تفسیر المحکمة بأن "یدعو السلطتین التنفیذیة والقضائیة والمنظمات والمعنیین بإعداد الأفکار والتصورات التی تخص (مجلس الاتحاد) بکل أبعاده ومرامیه وذلک فی ضوء ما ورد فی المبادئ الأساسیة للدستور وتجارب الدول فی هذا المجال بعدها تجمع تلک الأفکار والتصورات والصیاغات لتصاغ أحکام القانون وفق السیاقات التشریعیة من مجلس شورى الدولة ثم یعود المشروع لیناقش فی مجلس النواب ثم یسن بأغلبیة ثلثی أعضاء المجلس، وبناء علیه أن تشریع قانون مجلس الاتحاد یستوجب صدور قرار من مجلس النواب بأغلبیة الثلثین یسبق عملیة تشریعه وفق الإجراءات المتقدم ذکرها، تطبیقا لأحکام المادة (137) من الدستور"[75].
ومما تقدم یتضح أن المشرع الدستوری لم یکن موفقا فی تنظیم مجلس الاتحاد، فالمادة 65 جاء نصها معیبا بشکل واضح، اذ إن من غیر المعقول ولا المقبول أن الغرفة الأعلى تنظم أحکامها الغرفة الأدنى وأن یتغافل الدستور عن تحدید شروط المرشحین لعضویة مجلس الاتحاد واختصاصاته وکل ما یتعلق به بعد أن رصد لمجلس النواب أغلب الاختصاصات الهامة والرئیسیة لهذا نتمنى على المشرع الدستوری تعدیلها وبالشکل الذی ینسجم مع معاییر الدساتیر العالمیة ومع مواد الدستور الأخرى وفی حالة تعذر تعدیلها فإننا نقترح أن یتضمن القانون الذی سیصدره مجلس النواب أن یتألف مجلس الاتحاد من ممثلی الأقالیم فقط دون ممثلی المحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم الذین لهم الحق فی التمثیل بمجلس النواب فقط، ونظرا لأن العراق حالیا فیه إقلیم واحد نقترح أن یتم تشکیل مجلس الاتحاد من عدد من الأعضاء بنسبة 6 نواب عن الإقلیم و2 من النواب عن کل محافظة غیر منتظمة بإقلیم وبغض النظر عن عدد النفوس عملا بقاعدة التمثیل المتساوی فی تشکیل الغرفة الثانیة، على أن یکون من مواطنی الإقلیم أو المحافظة بحسب سجلات الأحوال المدنیة ومقیما بشکل دائم ولمدة لا تقل عن عشرة سنوات.
أما عن مدة العضویة، فنقترح أن ینتخب عضو مجلس الاتحاد لمدة ستة سنوات غیر قابلة للتجدید وبطریقة الترشیح الفردی، على أن یتم تجدید ثلث الأعضاء کل سنتین، والحکمة من جعل مدة النیابة غیر قابلة للتجدید هو ألا یطمع أعضاء المجلس بالتجدید فیقومون بإرضاء من قاموا باختیارهم، أما الحکمة من طریقة التجدید هو أن یظل المجلس قائما بوجه الحکومة فی حالة حل مجلس النواب، ویفوز بالمقعد الحاصل على أعلى الأصوات مع الاخذ بنظر الاعتبار إمکانیة تقسیم الإقلیم أو المحافظة غیر المنتظمة فی إقلیم الى أکثر من دائرة تضم مقعدا واحدا فقط.
وفیما یتعلق بأدوار الانعقاد فنقترح أن یکون فی کل سنة فصلین تشریعیین امدهما عشرة أشهر، على ألا تتزامن عطلته التشریعیة مع مجلس النواب.
وبشأن شروط العضویة فی مجلس الاتحاد نقترح أن یکون المرشح عراقیاً بالولادة ومن اب عراقی ولا یحق لمزدوج الجنسیة الترشح قبل تقدیم ما یؤید التنازل عن الجنسیة الأخرى غیر العراقیة الى المفوضیة العلیا المستقلة للانتخابات، وان یکون کامل الاهلیة واتم الأربعین عاما، فهذا العمر مناسب لعضویة الغرفة الأعلى کونه کافیا لمنحة الرویة والاتزان اللازمین للعمل فیه هذا فیما یخص سن العضو، أما بالنسبة لمؤهلاته فیشترط فیه أن یکون حاملا للشهادة الجامعیة الأولیة فی الأقل، بشرط أن تکون الشهادة صادرة من جامعة معترف بها من الجهات الرسمیة والمختصة فی الدولة، أما بالنسبة لانتماء العضو لطبقة معینة فی المجتمع فإننا بالضد من ذلک کونها لو حصلت لخلقت طبقات ارستقراطیة داخل الشعب العراقی وهو امر غیر مستحب، وأن یکون حسن السیرة والسمعة والسلوک وغیر محکوم علیه بجنایة أو جنحة مخلة بالشرف ولو کان مشمولا بقانون العفو العام مالم یرد الیه اعتباره وفق القانون وبحکم قضائی، وان لا یکون قد أثرى على حساب الوطن والشعب أو على حساب المال العام، والا یکون من افراد القوات المسلحة أو المؤسسات الأمنیة عند ترشحه للمجلس، والا یکون مشمولا بأحکام اجتثاث البعث (قانون المسالة والعدالة) عملا بالمادة 135/3 من الدستور العراقی النافذ[76].
وفیما یتعلق بالصلاحیات، نقترح ان تکون للمجلس سلطة اقتراح القوانین المعدة من قبل لجانه المتخصصة أو من قبل ستة من أعضائه، على أن تکون له الأولویة فی اقتراح القوانین المتعلقة بحقوق الأقالیم والمحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم لتناقش فی المجلس وفی حال الموافقة علیها مبدئیا علیها ترسل الى مجلس النواب.
ویلحظ ان الدستور النافذ قد حرم مجلس الاتحاد وبشکل مطلق طبقا للمادة 126/ 1[77] منه من الحق فی تعدیل الدستور مما یستوجب تعدیل هذه المادة ومنح مجلس الاتحاد حق التعدیل وعلى قدم المساواة مع مجلس النواب ضمانا لمصالح الأقالیم والمحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم.
أما بالنسبة لشراکته لمجلس النواب فی سلطة تشریع القوانین، فنقترح أن یکون لکلا المجلسین اختصاصا تشریعا وبالتساوی، بحیث یشترط بعد موافقة مجلس النواب أن تعرض مشاریع القوانین على مجلس الاتحاد لتقرأ وتقر من قبله، ومعنى ذلک أن یوافق المجلسان کلاهما على کل قانون یوضع للدولة الاتحادیة، بحیث اذا رفض احد المجلسین عد القانون کانه لم یکن ولا یمکن إصداره، وهو ما اخذت به دساتیر کل من الولایات المتحدة الامریکیة[78]وسویسرا[79]، کما ونقترح أن یکون لمجلس الاتحاد الحق فی مراقبة أعضاء السلطة التنفیذیة فی حال حل مجلس النواب أو انقطاعه عن العمل لأی سبب کان وبالوسائل ذاتها المنصوص علیها بالمادة 61/ سابعا من الدستور العراق لسنة 2005[80]، ونقترح أیضا أن یکون له اختصاصا قضائیا فی مسائلة رئیس الجمهوریة جنائیا فی حال اتهامه وبقرار مسبب من مجلس النواب وفق المادة 61/ سادسا من الدستور النافذ[81]، وله أیضا المساءلة الجنائیة لنواب رئیس الجمهوریة ورئیس الوزراء والوزراء وکذلک القضاة الاتحادیین بعد توجیه التهمة لهم من قبل مجلس النواب فی حالة الخیانة والرشوة والفساد الإداری والمالی والجنح والجرائم الکبرى، وکذلک فی حالة مخالفتهم لأحکام المادة 50 من الدستور النافذ[82].
وتجدر الإشارة الى أن دستور العراق لسنة 2005 لم یشر الى أی دور لمجلس الاتحاد فی تعین کبار موظفی الدولة الاتحادیین، بل منحه لمجلس النواب استنادا للمادة 61/ خامسا من الدستور النافذ[83]، وکان من المفترض منح هذا الاختصاص لمجلس الاتحاد یباشره حصریا مع السلطة التنفیذیة لان منحه لمجلس النواب الذی تسیطر علیه الحزبیة –الکتلة النیابیة الأکثر عددا-سیؤدی الى تغلیب الحزبیة وتدخلها فی عمل السلطة القضائیة وأصحاب الدرجات الخاصة، لذا نقترح أن یمارس هذا الاختصاص من قبل مجلس الاتحاد دون مجلس النواب بالاشتراک مع مجلس الوزراء[84].
وبذات الاتجاه لم یمنح المشرع الدستوری أی دور لمجلس الاتحاد -رغم أهمیته -فی اختیار رئیس الجمهوریة، کونه یمثل الأقالیم والمحافظات غیر المنتظمة فی إقلیم، وبالتالی فان اشتراکه فی هذا الاختیار من شأنه أن یصون العدالة والتوازن بین الوحدات المکونة للدولة الاتحادیة کونه نابع من جهة أکثر عقلانیة ودقة فأعضائه یتمتعون بالخبرة والکفاءة التی من شأنها أن تحقق المصلحة العلیا للشعب أسوة بغالب الاعم من دساتیر الدول ذات الاتحاد المرکزی، لذا نقترح اشراک مجلس الاتحاد فی اخیار رئیس الجمهوریة والابتعاد عن جعله اختصاصا حصریا لمجلس النواب[85].
وفیما یتعلق بحالة الخلاف بین المجلسین حول النصوص القانونیة، فأن دستور العراق النافذ لسنة 2005 لم یتضمن أیة إشارة الى کیفیة حله، الا أن مسودة التعدیلات الدستوریة المقدمة فی 12/7/2009 ومقترح قانون مجلس الاتحاد المقدم فی 22/9/2014 قد تبنى آلیة الذهاب والإیاب لحل الخلاف بین المجلسین[86]، وهو ما دفع جانب من الفقه –وبحق- الى انتقاد الحلین کلیهما وذهب الى ضرورة أن تکون العلاقة بین المجلسین تعاونیة، وأن یوافق المجلسان کلاهما على مشروع القانون وفی حالة الخلاف یتوجب تشکیل لجنة خاصة والتی تتکون من أعضاء یمثلون المجلسین وبعدد متساوٍ للتوفیق بینها، وأن تقر اللجنة قراراتها بأغلبیة الثلثین ومن ثم ارسال تقریرها بصدد الخلاف الى المجلسین للتصویت علیه بجلسة مشترکة وبأغلبیة الثلثین أیضا، وفی حالة الفشل یهمل مشروع القانون المختلف علیه نهائیا، فموافقة اللجنة التوفیقیة جوهریة فی هذا الصدد، وهو ما اخذ به الدستور الأمریکی والسویسری حیث یلغى ویموت القانون لکی لا یصدر قانونا بالإجحاف من أحد المجلسین لاسیما وأن مجلس النواب هو الأکثر عددا من مجلس الاتحاد[87].
الخاتمـة
بعد الانتهاء من استعراض جوانب البحث المختلفة توصل الباحث الى عدد من النتائج والتوصیات وکما یلی:
أولا: النتائج
1- ان الاخذ بنظام الغرفتین یعد من مقتضیات النظام الاتحادی المرکزی (الفدرالی) لحفظ التوازن بین مصالح الدولة الفدرالیة ومصالح الأقالیم الأعضاء فیها، فهو یتیح للأقالیم الاشتراک فی شؤون الحکم المختلفة ولاسیما ما تعلق منها بصنع القوانین واتخاذ القرارات الفدرالیة، لذلک اخذت به غالبیة الدساتیر الفدرالیة عند تنظیمها للسلطة التشریعیة کونه یتلاءم وطبیعة التکوین القانونی والسیاسی لها.
2- جاء نص الدستور العراقی بشأن مجلس الاتحاد ناقصا ومعیبا، لأنه أجل العمل بأحکام المادة 65 الخاصة بتشکیله الى حین صدور قانون من مجلس النواب بأغلبیة ثلی أعضائه بعد دورته الانتخابیة الأولى وذلک استنادا للمادة 137 منه، وبذلک أصبح مجلس النواب هو السلطة التشریعیة الوحیدة التی تمارس اختصاصات هائلة وفقا للدستور وعلى وجه الانفراد من دون مشارکة مجلس الاتحاد.
3- ان ترک تنظیم مجلس الاتحاد من حیث کیفیة تکوینه، وأساس التمثیل فیه واختصاصاته وکل ما یتعلق به لقانون یسنه مجلس النواب یؤدی الى خضوع مجلس الاتحاد لمجلس النواب.
4- ان الأقالیم فی الدول الفدرالیة تختلف اختلافا جوهریا عن الهیئات المحلیة (المحافظات) فی نظم اللامرکزیة الإداریة، لذا فأن منح المحافظات حق التمثیل فی مجلس الاتحاد اسوة بالأقالیم أمر لا مبرر له، ویعد اجحافا بحق الأقالیم وتقلیل من شأنها الا إذا کانت المحافظة بحد ذاتها اقلیما.
ثانیا: التوصیات
1- لا بد للمشرع الدستوری العراقی ابتداء تنظیم الأحکام الخاصة بمجلس الاتحاد بوصفه المجلس الثانی المکون للسلطة التشریعیة بحسب المادة 48 من الدستور وعدم ترک تنظیمه للقانون الذی یصدره مجلس النواب ففی ذلک بدعة دستوریة لا سند لها فی المبادئ الدستوریة ولاسیما الاتحادیة منها،
2- ضرورةأن تسند لمجلس الاتحاد اختصاصات اصلیة فی مجال التشریع والرقابة فهو شریک لمجلس النواب فی ممارسة السلطة التشریعیة.
3- ضرورةأن یکون لمجلس الاتحاد اختصاصٌ قضائیٌّ فی مساءلة رئیس الجمهوریة جنائیا فی حال اتهامه وبقرار مسبب من مجلس النواب، وله أیضا المساءلة الجنائیة لنواب رئیس الجمهوریة ورئیس الوزراء والوزراء وکذلک القضاة الاتحادیین بعد توجیه التهمة لهم من قبل مجلس النواب فی حالة الخیانة والرشوة والفساد الإداری والمالی والجنح والجرائم الکبرى، وکذلک فی حالة مخالفتهم لأحکام المادة 50 من الدستور النافذ.
4- بشأن شروط العضویة فی مجلس الاتحاد نقترح أن یکون المرشح عراقیاً بالولادة ومن اب عراقی ولا یحق لمزدوج الجنسیة الترشح قبل تقدیم ما یؤید التنازل عن الجنسیة الأخرى غیر العراقیة الى المفوضیة العلیا المستقلة للانتخابات، وان یکون کامل الاهلیة واتم الأربعین عاما، وأن یکون حاملا للشهادة الجامعیة الأولیة فی الأقل، وأن یکون حسن السیرة والسمعة والسلوک وغیر محکوم علیه بجنایة أو جنحة مخلة بالشرف ولو کان مشمولا بقانون العفو العام مالم یرد الیه اعتباره وفق القانون وبحکم قضائی، وان لا یکون قد أثرى على حساب الوطن والشعب أو على حساب المال العام، والا یکون من افراد القوات المسلحة أو المؤسسات الأمنیة عند ترشحه للمجلس، والا یکون مشمولا بأحکام اجتثاث البعث.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
1- Arabic Sources
First: books
1-Dr. Nazem Abdel-Wahid Al-Jassour, Lexicon of Political, Philosophical, and International Terms, 2008, Arab Renaissance House, Beirut, Lebanon.
2-Dr. Edmond Rabat, Mediator in Constitutional Law, Part 1, Countries and Their Regulations, 1968, Dar al-Alam for Millions, Beirut.
3-Dr. Shamran Hammadi, Political Systems, The Principle of Separation of Powers, Part Two, 1st Floor, 1971, Dar al-Alam for Millions, Beirut.
4-Maurice Doverge, political institutions and constitutional law, "Major political systems", translated by Dr. George Saad, 1st edition, 1992, University Foundation for Studies, Publishing and Distribution, Beirut, Lebanon.
5- Dr. Mohammed Al-Dajani and d. Munther Al-Dajani, Political Theories and Concepts, 1st edition, 2000, Al-Quds University.
6- Mr. Sabri, Principles of Constitutional Law, 3rd edition, 1946, Abdullah Wahba Library.
7- Dr. Abdel-Ghani Basyouni Abdullah, Political Systems, 1998, University House, Beirut.
8- Dr. Noman Ahmad Al-Khatib, Mediator in Political Systems and Constitutional Law, 1999, Dar Al-Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman.
9- Dr. Abdel Hamid Metwally, The Problem of Reforming the Election System in Egypt, 1948, Culture Publishing House.
......................., detailed in Constitutional Law, Part I, 1956, Muharram Bey Press, Alexandria.
10- Dr. Atef Al-Banna, Mediator in Political Systems, First Edition, 1988, Dar Al-Fikr Al-Arabi.
11- Dr. Suleiman al-Tamawi, Political Systems and Constitutional Law, 1988.
..........................., The Three Powers in Contemporary Arab Constitutions and in Islamic Political Thought "A Comparative Study", 5th edition, 1986, Ain University Press Sun.
12- Dr. Shams Mirghani Ali, Constitutional Law, 1977, The World of Books, Cairo.
13- Dr. Abdul Salam my mind and dr. White Ibrahim, Compendium of Letters in Comparative Constitutional, Administrative, and Judicial Systems, Second Letter, 1936, Accreditation Press, Egypt.
14- Dr. Mohamed Kamel Leila, “The State and Government” Political Systems, 1967-1986, Arab Thought Center, Cairo.
15- Dr. Mohammed Kazem Al-Mashhadani, Constitutional Law and Political Systems "The State and Government", 2nd edition, 2012, University of Bahrain Press.
16- Dr. Abdul Karim Alwan, Political Systems and Constitutional Law, 2006, House of Culture for Publishing and Distribution.
17- Dr. Issam Ali Al-Debs, Political Systems "Third Book, The Legislative Authority, First Constitutional Institution" 2011, Dar Al-Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman, Jordan.
18- Dr. Othman Khalil, Constitutional Law, "The First Book on General Constitutional Principles," 1956, Egypt Press, Egyptian Joint Stock Company, Cairo.
19- Dr. Ramzi Al-Shaer, Ideologies and Their Impact on Contemporary Political Systems, First Section “Liberal Ideology”, 1988, Ain Shams University Press.
20- Dr. Ismail Al-Ghazal, Constitutions and Constitutional Institutions, 1996, Izz Al-Din Printing and Publishing Corporation, Beirut.
.................., Constitutional Law and Political Systems, 1982, University Foundation for Studies, Publishing and Distribution.
21- Dr. Hassan Al-Hassan, Constitutional Law in Lebanon, 2nd edition, 1963, Publications of Al-Hayat Library House, Beirut.
22- Dr. Ibrahim Abdel-Aziz Shiha, Political Systems and Constitutional Law "An Analysis of the Egyptian Constitutional System", Dar Al-Maarif facility in Alexandria.
23- Dr. Raafat Desouki, Executive Authority Hegemony over Acts of Parliament, 2006, Al-Maaref Establishment, Alexandria.
24- Dr. Muhammad Nasr Muhanna, The State and Comparative Political Systems, 1st Floor, 2011, Al-Wafaa Printing and Publishing House, Alexandria.
25- Dr. Fouad Al-Attar, Political Systems and Constitutional Law, 1975, Arab Renaissance House, Cairo.
26- Dr. Rabih Anwar Fath Al-Bab Metwally, Political Systems, 1st edition, 2013, Al-Halabi Human Rights Publications, Beirut.
27- Dr. Faisal Shatnawi Political Systems and Constitutional Law, 2003, Dar Al-Hamid for Publishing and Distribution, Amman, Jordan.
28- Dr. Zuhair Shukr, Mediator in Constitutional Law, Part 1 "General Theory and Major Countries", 3rd floor, 1994, University Foundation for Studies, Publishing and Distribution, Beirut.
29- Dr. Issam Suleiman, Parliamentary Systems between Theory and Practice, "A Comparative Study", 1st edition, 2010, Al-Halabi Human Rights Publications, Beirut, Lebanon.
30- Dr. Muhammad Tayi, Constitutional Law and Political Institutions, 6th edition, 2006, no place for publication.
31- Ronald L. Watts, Federal Systems, translated by Ghalib Barhumah, Maha Bustami and Maha Takla, Special Edition, 2006, Forum of Federations, Ottawa, Canada.
Second: Theses and Scientific Messages
1- Saadia Majeed Yassin, Powers of the Supreme Council of Parliament, Master Thesis, University of Duhok, Scola Law, 2013.
Third: Scientific Research
1- Dr. Hamid Hanoun Khaled and Mahmoud Wahhab Hassan Al-Barzanji, Constitutional Organization of the Federal Union Council, Journal of Legal Sciences, College of Law, University of Baghdad, the third special issue, first part, 2017.
2- Dr. Maha Bahjat Younis Al-Salhi and Raed Hamdan Aajib Al-Maliki, The Principle of Participation as a Guarantee to Protect Self-Independence of the Woes of the Federal State (Comparative Study), Journal of Legal Sciences, College of Law, University of Baghdad, Third Special Issue, Part 1, 2017.
Fourth: Constitutions, Laws, Regulations and Instructions
1- The Iraqi Basic Law of 1925.
2- The Transitional Administrative Law of 2004.
3- Iraq Constitution of 2005.
4- The American Constitution of 1787.
5- French constitutions of the years 1791, 1875, 1944, 1958.
6- Egyptian constitutions for the years 1923, 1930, 1971, 2012.
7- The Italian Constitution of 1947.
8- The Jordanian Constitution of 1952.
9- Law No. 38 of 1972 regarding the Egyptian People's Assembly.
Fifth: Websites
1- https;//www.iraqfts.iq/krara
2- http:// www. Dostor. Jeeran. Com/ htm.
References (Enghlish)
2- Foreign Sources
1- Barthelmy ; Demoratie et Poliique Etrangere ( pd. 1917) .