الملخص
لقد جاء البحث لیسلط الضوء على الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة ومدى حجیتها وتناولنا حجیة الأحکام بصورة عامة على أنها قوة الأحکام القضائیة التی تصدر من القضاء بشأن نزاع معروض أمامه، ومن ثم وضحنا الحکمة من مبدأ الحجیة وهو توفیر الاستقرار فی نظام الدولة القانونی ووضع حد نهائی للمنازعات وضمان استقرار الحقوق والمراکز القانونیة، فما مدى تمتع حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة حیث تناولنا مفهوم الحجیة النسبیة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة أی لا تسری إلا فی مواجهة اطراف النزاع الذی صدر الحکم بشأنهم ولا یمتد إلى غیرهم، ثم وضحنا الحجج والأسانید التی استند إلیها الاتجاه الذی ینادی للأخذ بالحجیة النسبیة، ثم وضحنا الحجج والأسانید التی استند إلیها الاتجاه الذی ینادی للأخذ بالحجیة النسبیة، ثم وضحنا مفهوم الحجیة المطلقة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة والتی یحتج بها فی مواجهة الکافة من کان طرفاً فی المسألة ومن لم یکن وما هی الحجج والأسانید التی استند إلیها الاتجاه الذی ینادی بالحجیة المطلقة، وأخیراً تناولنا موقف المشرع العراقی من مسألة حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة والذی لم یتناولها بنص صریح فی قوانین الجنسیة السابقة والنافذ وترکها للقواعد العامة، على عکس ما ذهب إلیه المشرعان المصری والفرنسی، وفی ختام البحث توصلنا إلى جملة من النتائج والتوصیات.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة ومدى حجیتها -(*)-
Judgments in matters of nationality and the extent of their validity
حکم دحام حبو وسام توفیق عبدالله الکتبی مدیریة الجنسیة/ محافظة نینوى کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Hakem of Daham Habo Wissam Tawfiq Abdullah Al-Ketbi Directorate of Nationality/Nineveh Governorate College of Law / University of Mosul Correspondence: Hakem of Daham Habo E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 3/7/2019*** قبل للنشر فی 3/9/2019.
(*) Received on 3/7/2019 *** accepted for publishing on 3/9/2019.
Doi: 10.33899/alaw.2019.125877.1016
© Authors, 2020, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
لقد جاء البحث لیسلط الضوء على الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة ومدى حجیتها وتناولنا حجیة الأحکام بصورة عامة على أنها قوة الأحکام القضائیة التی تصدر من القضاء بشأن نزاع معروض أمامه، ومن ثم وضحنا الحکمة من مبدأ الحجیة وهو توفیر الاستقرار فی نظام الدولة القانونی ووضع حد نهائی للمنازعات وضمان استقرار الحقوق والمراکز القانونیة، فما مدى تمتع حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة حیث تناولنا مفهوم الحجیة النسبیة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة أی لا تسری إلا فی مواجهة اطراف النزاع الذی صدر الحکم بشأنهم ولا یمتد إلى غیرهم، ثم وضحنا الحجج والأسانید التی استند إلیها الاتجاه الذی ینادی للأخذ بالحجیة النسبیة، ثم وضحنا الحجج والأسانید التی استند إلیها الاتجاه الذی ینادی للأخذ بالحجیة النسبیة، ثم وضحنا مفهوم الحجیة المطلقة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة والتی یحتج بها فی مواجهة الکافة من کان طرفاً فی المسألة ومن لم یکن وما هی الحجج والأسانید التی استند إلیها الاتجاه الذی ینادی بالحجیة المطلقة، وأخیراً تناولنا موقف المشرع العراقی من مسألة حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة والذی لم یتناولها بنص صریح فی قوانین الجنسیة السابقة والنافذ وترکها للقواعد العامة، على عکس ما ذهب إلیه المشرعان المصری والفرنسی، وفی ختام البحث توصلنا إلى جملة من النتائج والتوصیات.
الکلمات المفتاحیة: استقرار الحقوق، حجیة الأحکام، الحجیة النسبیة والحجیة المطلقة.
Abstract
The research highlights the rulings on the issue of nationality and the extent of its validity, and we consider the validity of the judgments generally to be the force of the judicial decisions handed down by the judiciary in respect of a dispute before it. Therefore, we have clarified the principle of the authoritative principle of providing stability in the legal system of the state and putting an end to it. And to ensure the stability of rights and legal centers, the extent to which the validity of the verdicts in nationality matters has been enjoyed. We have dealt with the concept of the relative validity of the provisions of nationality matters, which applies only to parties to the dispute for which the judgment has been rendered and does not extend to others, We then explained the concept of the absolute validity of the rulings issued in matters of nationality and invoked against all erga omnes parties And what were the arguments and arguments on which the trend of absolute absolutism was based. Lastly.
Key words: Stability of Rights, Authenticity of Judgments, Relatively Authentic and Absolute Authenticity.
المقدمـة
1- تعریف بموضوع البحث :
من المبادئ الأساسیة فی نظریة الاحکام ان ما یصدر عن القضاء من حکم فاصل فی منازعة ما ینطوی على قاعدة موضوعیة هی أن هذا الحکم قد صدر صحیحاً ویعبر عن الحقیقة فیکون من ثم حجة على ما قضى به، وحجیة الاحکام القضائیة قد تکون نسبیة، أی أن حجیة الحکم تقتصر على أطراف النزاع ولا تتعدى هؤلاء ولا یکون للحکم حجة فی مواجهة الغیر، وقد تکون الحجیة مطلقة ای أن الحکم الصادر من المحکمة المختصة یعد حجة على الکافة من کان طرفاً فی المسألة ومن لم یکن.
فالحجیة هی قوة الأحکام القضائیة التی تصدر من القضاء بشأن نزاع معروض امامه وأن هذه الأحکام تعد قرینة قانونیة قاطعة لتعلقها بالنظام العام، فلا یجوز قبول دلیل ینقض حجیة الأحکام الباتة، واطلق علیها المشرع العراقی (حجیة الأحکام التی حازت درجة البتات) فما مدى حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة هل لها حجیة نسبیة أم مطلقة، واختلف الفقه بشأن ذلک وکل له حججه وأسانیده التی ینادی بها للأخذ برأیه.
والمشرع العراقی لم یتناول مسألة حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة فی قوانین الجنسیة السابقة والنافذ وبالتالی لا بد من الرجوع إلى القواعد العامة فی قانون الاثبات رقم (107) لسنة 1979 على عکس ما ذهب إلیه المشرعان المصری والفرنسی الذین تناولا مسألة حجیة الأحکام فی مسائل الجنسیة بنصوص صریحة فی قوانین الجنسیة الخاصة بهما.
2- اهمیة البحث :
تتسم هذه الدراسة بقدر کبیر من الأهمیة لما مر به الفقه من سجال ونقاش قانونی بخصوص مدى تمتع الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة بالحجیة النسبیة أم الحجیة المطلقة، وکذلک تفاوت تشریعات الدول بشأن مسألة تنظیم حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة فی قوانین الجنسیة وتحدید الحجیة مطلقة أم نسبیة وعدم ترکها للقواعد العامة.
3- مشکلة الدراسة:
واجهت دراستنا لموضوع البحث مشاکل منها تفاوت تشریعات الدول فی تناول مسألة حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة، فمنها نص علیها صراحةً فی قوانین الجنسیة وحدد حجیتها، بینما لم تتناولها تشریعات أخرى وتنص علیها صراحةً فی قوانین الجنسیة وترکتها للقواعد العامة لحجیة الأحکام، وکذلک قلة المصادر والبحوث والدراسات التی تناولت حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة بوجه خاص.
4- منهجیة البحث :
تم اختیار المنهج التحلیلی لدراسة موضوع حجیة الأحکام بصورة عامة وحجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة بصورة خاصة وتوضیح مفهوم الحجیة النسبیة والمطلقة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة وشروطها، ومن ثم تناولنا المنهج المقارن بین القانون العراقی وقوانین بعض الدول ومنها المصری واللبنانی والفرنسی.
5- هیکلیة البحث :
تناولنا البحث وفقاً للخطة الآتیة :-
المبحث الأول: حجیة الأحکام القضائیة .
المطلب الأول: مفهوم حجیة الأحکام القضائیة.
المطلب الثانی: الحجیة النسبیة والحجیة المطلقة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة.
المبحث الثانی: حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة فی القانون العراقی المقارن.
المطلب الأول: حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة فی القانون العراقی.
المطلب الثانی: حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة فی القانون المقارن.
المبحث الأول
حجیة الأحکام القضائیة
إن ما سبق عرضه على القضاء وتم الفصل فیه لا یجوز ان یطرح للنقاش مرة أخرى أمام نفس المحکمة التی اصدرت الحکم أو أمام أی محکمة أخرى لتفصل فیه من جدید، إذ لا یعقل ان تستمر الخصومات بین الناس ولا تقف عند حد، فتتأبد المنازعات الأمر الذی یترتب علیه عدم استقرار المراکز القانونیة، فلا بد للحکم حجة فیما فصل فیه، فما هو مفهوم حجیة الأحکام القضائیة وما هی شروطها وما هی حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة هذا ما سنبحثه فی مطلبین وکما یلی :
المطلب الأول: مفهوم حجیة الأحکام القضائیة .
المطلب الثانی: حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة نسبیة أم مطلقة.
المطلب الأول
مفهوم حجیة الأحکام القضائیة
یقصد بحجیة الأحکام : قوة الأحکام القضائیة التی تصدر من القضاء بشأن نزاع معروض امامه، وأن هذه الأحکام تعد قرینة قانونیة قاطعة لتعلقها بالنظام العام وتعبر عن الحقیقة، فلا یجوز قبول دلیل ینقض حجیة الأحکام الباتة. فماذا یقصد بحجیة الأحکام القضائیة وما هی شروطها وهذا ما سنتناوله فی فرعین وکما یلی:-
الفرع الأول : التعریف بحجیة الأحکام القضائیة.
الفرع الثانی: شروط حجیة الأحکام.
الفرع الأول
التعریف بحجیة الأحکام القضائیة
الحکم فی الاصطلاح القانونی یقصد به القرار النهائی الذی تنتهی به الدعوى ویعد حجة فیما یفصل بوصفه حقیقة قضائیة وهو أما أن یکون حکم قطعی بات أی الحکم الفاصل الذی تصدر المحکمة فی خصومة معروضة على القضاء وتبت أو تقطع به فی درجتها الاعتیادیة، وأما أن یکون الحکم نهائی، وهو الذی استکمل جمیع مراحل الطعن ووصل إلى الدرجة النهائیة ولم یعد قابلاً للطعن بأی طریق من طرق الطعن القانونیة.
فحجیة الأحکام هی الصفة التی تثبت للحکم بموجب القانون وتجعل ما قضى به غیر قابل للمنازعة مرة أخرى فهی قرینة على الحقیقة وعلى صحة صدور الحکم من حیث الشکل والمضمون، فقرینة الحقیقة هی ان الحکم یعتبر عنوان لحقیقة الشیء الذی قضى به، بحیث لا یمکن انکار هذه القرینة فی أی مجال ولدى أیة سلطة أو جهة قانونیة فی الدولة، ولا یجوز للمحکمة ان تقضی بها من تلقاء نفسها، أما قرینة صحة الحکم فمقتضاها ان الحکم یفترض قرینة قانونیة على أن صدوره کان بناءً على اجراءات صحیحة وأن متى ما صار له شکل ومظهر الحکم وکیانه لا یجوز الادعاء ببطلانه بدعوى اصلیة للبطلان.
وتستهدف حجیة الأحکام، استقرار الحقوق والمراکز القانونیة ووضع حد لتحدید الخصومات وعدم تأبیدها وتفادی صدور أحکام متناقضة مما یؤدی إلى مشکلات فی تنفیذ الأحکام وفقد القضاء لهیبته واحترام الناس له، لذلک تعد حجیة الأحکام من النظام العام.
الفرع الثانی
شروط حجیة الأحکام
تنقسم شروط حجیة الأحکام إلى قسمین شروط متعلقة بالأحکام وشروط متعلقة بالدفع بحجیة الأحکام وسنتناولها کما یلی:
أولاً- الشروط المتعلقة بالأحکام:
حتى یجوز الحکم على الحجیة یشترط أن یکون الحکم قضائیاً وأن یکون التمسک بمنطوق الحکم دون اسبابه وسنتناول هذه الشروط کما یلی:-
1- أن یکون الحکم صادراً من جهة قضائیة: أی أن یکون صادر بموجب سلطة المحکمة الاصلیة لا سلطتها الولائیة أو الاداریة، ویشترط فی الحکم القضائی ان یکون صادراً من محکمة لها ولایة الفصل فی موضوع الحکم الذی اصدرته وان یکون الحکم صادر من المحاکم الوطنیة ولیس من محاکم الدول الاخرى.
2- ان یکون الحکم قطعیاً وباتاً، أی أن یکون فاصلاً فی موضوع النزاع بشکل قطعی وبات سواء أکان ذلک بصورة کلیة أو جزئیة أو بدفع من الدفوع الشکلیة أو الموضوعیة ولا یشترط لحیازة الحکم القطعی لحجیة الأحکام أن یکون نهائیاً، فالحکم تثبت له الحجیة بمجرد صدوره ما دام قطعیاً حتى لو کان قابلاً للطعن.
3- إن حجیة الأحکام تثبت فی الاصل لمنطوق الحکم دون أسبابه، ومنطوق الحکم هو الفقرة الحکمیة من قرار القاضی، أی هو الجزاء النهائی فی الحکم الذی تحسم فیه المحکمة النزاع وتؤکد به حقوق الخصوم دون الوقائع والأسباب، أما أسباب الحکم فلا تکون لها فی الأصل حجیة الشیء المحکوم به ما لم تکن مرتبطة ارتباط وثیقاً بمنطوق الحکم.
ثانیاً- الشروط المتعلقة بالدفع بحجیة الأحکام :
وهذه الشروط هی وحدة الخصوم والمحل والسبب وسنتناولها کما یلی :
1- وحدة الخصوم : الأصل ألا تکون للأحکام حجیة إلا فی نزاع قائم بین الخصوم انفسهم وهو ما یعبر عنه بأنه حجیة الأحکام نسبیة، واطراف النزاع هم المدعی والمدعى علیه والمتدخلین فلا یکون للحکم حجیة إلا بالنسبة للخصوم انفسهم ولیس للحکم حجة على الخصوم وحدهم بل هو حجة أیضاً على خلف الخصم سواء کان الخلف عاماً أم خاصاً.
2- وحدة المحل: ویقصد به وحدة موضوع الدعوى أی الحق أو المرکز القانونی الذی یطالب به المدعی فی عریضة دعواه ویسعى إلى حمایته، فمن اجل اکتساب الحکم حجیة الأحکام یجب اتحاد الموضوع فی الدعوى، والقاعدة أن الأحکام لا تکون حجة إلا فیما فصلت فیه من الحقوق وهذا هو مضمون قاعدة نسبیة وأثر الأحکام من حیث المضمون وما لم تفصل فیه المحکمة بالفعل فلا یکون موضوعاً لحکم یجوز حجیة الأحکام.
3- وحدة السبب : ویقصد به الواقعة القانونیة أو التصرف القانونی الذی یستند الیه الحق المطالب به فی الدعوى فالسبب فی الدعوى قد یکون عقداً أو إرادة منفردة أو فعلاً غیر مشروع أو إثراء بلا سبب أو نصاً فی القانون أی المقصود بالسبب المصدر المنشئ للحق.
المطلب الثانی
الحجیة النسبیة والحجیة المطلقة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة
إن اصطلاح حجیة الاحکام اطلق علیها المشرع العراقی (حجیة الأحکام التی حازت درجة الثبات) فیما اطلق علیها المشرع المصری (حجیة الأمر المقضی) واطلق علیها المشرع اللبنانی بـ (حجیة القضیة المحکوم فیها).
أما الأحکام القضائیة الصادرة فی مسائل الجنسیة فهل لها حجیة نسبیة أم حجیة مطلقة وما هی حجج واسانید الاتجاه الذی نادى بالحجیة النسبیة والمطلقة لأحکام الجنسیة وهذا ما سنتناوله فی فرعین وکما یلی:-
الفرع الأول: الحجیة النسبیة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة.
الفرع الثانی: الحجیة المطلقة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة.
الفرع الأول
الحجیة النسبیة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة
إن الأحکام التی تصدر من القضاء تعد حجة فیما فصلت فیه وما قررته من حمایة قضائیة تطبیقاً لقواعد القانون یجب التسلیم به، سواء صدرت من قبل المحکمة التی أصدرتها أو من قبل محکمة أخرى، وهذا هو مبدأ نسبیة حجیة الأحکام، فهل یسری هذا المبدأ على الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة وما هی الحجج والاسانید التی اعتمدها الاتجاه القائل بمبدأ نسبیة حجیة الاحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة وهذا ما سنتناوله وکما یلی :-
أولاً- التعریف بالحجیة النسبیة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة.
ثانیاً- حجج واسانید الاتجاه الذی نادى بالحجیة النسبیة لأحکام الجنسیة .
أولاً- التعریف بالحجیة النسبیة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة :
مبدأ نسبیة حجیة الاحکام معناه ان حجیة الحکم تقتصر على اطراف الخصومة التی فصل فیها ذلک الحکم، فالحمایة القضائیة التی یمنحها الحکم لا تتعدى هؤلاء، ولا یکون الحکم حجة فی مواجهة الغیر، الذی لم یکن طرفاً فی الدعوى التی فصل فیها، ویکون لهذا الغیر أن یتمسک بنسبیة حجیة الاحکام مقرراً أنه لا حجیة للحکم فی مواجهته.
فالأصل أن حجیته احکام القضاء نسبیة لا تسری إلا فی مواجهة اطراف النزاع الذی صدر الحکم بشأنهم، کما أنها تفترض وحدة محل النزاع وسببه، فنطاق الحجیة یتحددان بوحدة الخصوم والمحل والسبب.
والسؤال الذی یطرح نفسه: هل یسری مبدأ نسبیة حجیة الأحکام على الاحکام الفاصلة فی مسائل الجنسیة، بحیث إذا صدر حکم یقرر ثبوت الصفة الوطنیة لشخص معین فإن ذلک لا یمنع شخصاً آخر له مصلحة من ان یرفع دعوى منکراً فیها الصفة الوطنیة على من کانت جنسیته محلاً للنزاع فی الدعوى الأولى.
فلو تصورنا صدور حکم بثبوت الصفة الوطنیة لصالح احد الأشخاص فإن ذلک لا یمنع شخصاً آخر له مصلحة ولم یکن طرفاً فی الدعوى التی صدر فیها هذا الحکم من أن یرفع دعوى ینکر فیها الجنسیة التی ثبتت للشخص فی الدعوى الاولى بحکم القضاء الصادر فیها والذی حاز الحجیة، ذلک أن حجیة هذا الحکم هی نسبیة لا یجوز التمسک بها إلا فی مواجهة من کانوا اطرافاً فیها.
ومثل هذه النتیجة التی یؤدی إلیها اعمال المبدأ فی نسبیة اثر الأحکام تتعارض لا شک مع طبیعة رابطة الجنسیة التی تفید انتماء الشخص إلى الجماعة الوطنیة بصفة نهائیة ففی ظل غیاب نص تشریعی صریح یحدد نوع حجیة الاحکام الفاصلة فی مسائل الجنسیة یمکن القول بأنه یتعین احترام الاصول العامة فی حجیة الأحکام خصوصاً بشأن نطاقها الشخصی الذی یفرض نسبیة الحجیة المذکور، فالحکم المقرر لثبوت الجنسیة او نفیها لا تکون له حجیة ولا یمنع من رفع الدعوى مجدداً إلا بین اطراف الدعوى التی صدر فیها، فمن لم یکن طرفاً فی الدعوى الاولى لا یتمسک بذلک الحکم فی مواجهته. فحجیة الحکم تقتصر على حدود القضیة التی صدر منها الحکم، فلا یکون هناک مانع من اثارة موضوع الجنسیة من جدید فی قضیة اخرى مختلفة اطرافها حتى ولو کانت متحدة مع القضیة الأولى محلاً وسبباً، وبالتالی لیس هناک مانع من صدور حکم القضیة الاخرى بخصوص الجنسیة ثبوتاً أو نفیاً سواء اتفق ذلک أم اختلف مع ما قرره الحکم الصادر فی القضیة الأولى فی هذا الشأن.
ثانیاً- حجج واسانید الاتجاه الذی ینادی بالحجیة النسبیة لأحکام الجنسیة :
یستند انصار هذا الاتجاه القائل بالحجیة النسبیة لأحکام الجنسیة إلى عدة حجج وأسانید من اهمها:-
أ- القاعدة العامة لحجیة الاحکام : طبقاً للقواعد العامة فی القانون المدنی وقانون المرافعات فإن للأحکام القضائیة حجیة تقتصر على اطراف الدعوى وحدهم ولا تتعداهم إلى من کان خارج الدعوى أو خارج الحکم أو القرار النهائی، فالأحکام الصادرة فی منازعات الجنسیة هی احکام قضائیة بالمعنى الدقیق ولیست عملاً ولائیاً، ومن ثم فهی تخضع للقاعدة العامة الخاصة بحجیة الاحکام وهی نسبیة الأحکام.
ب- التمییز بین احترام الأحکام وحجیة الأحکام : إن الأحکام الصادرة فی منازعات الجنسیة یجب أن تحوز الاحترام فی مواجهة الکافة ولا تحوز الحجیة إلا فی مواجهة اطرافها، فصدورها لا یمنع الغیر من رفع دعوى جدیدة امام القضاء بذات المحل والسبب طالما لم یکن طرفاً فی الدعوى التی صدرت فیها هذه الأحکام.
ت- التمییز بین الأحکام المقررة والأحکام المنشئة :- تنقسم الأحکام القضائیة الموضوعیة من حیث نوع الحمایة القضائیة التی تمنحها للمحکوم له إلى أحکام مقررة ومنشئة وملزمة، والأحکام المقررة أو الکاشفة هی الأحکام التی تقضی بوجود او عدم وجود حق أو مرکز قانونی أو واقعة قانونیة، أما الأحکام المنشئة فهی التی تقرر انشاء مرکز قانونی جدید او تعدیل او انهاء مرکز قانونی قائم، فالحکم المنشئ کالحکم المقرر یرتب اثره بمجرد النطق به دون الحاجة إلى اتخاذ اجراء لاحق، ویرى جانب من الفقه أن الحکم بالجنسیة هو حکم کاشف لا منشئ فله حجیة نسبیة ولیست قطعیة.
الفرع الثانی
الحجیة المطلقة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة
من المسلم به ان الحکم القضائی عنوان للحقیقة، والحکم البات حجة مطلقة على ما قضى به وبالتالی لا یمکن للمحکمة التی أصدرته أو لأی محکمة أخرى ان تنظر ذات النزاع من جدید.
فما هو مدى تمتع الأحکام القضائیة الصادرة فی مسائل الجنسیة بالحجیة المطلقة وما هو مفهوم الحجیة المطلقة وما هی الحجج والاسانید التی استند إلیها اصحاب الاتجاه الذی ینادی بالحجیة المطلقة لأحکام الجنسیة وهذا ما سنتناوله وکمای یلی:-
أولاً- التعریف بالحجیة المطلقة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة.
ثانیاً- حجج واسانید الاتجاه الذی نادى بالحجیة المطلقة لأحکام الجنسیة .
أولاً- التعریف بالحجیة المطلقة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة :
الحجیة المطلقة للأحکام یقصد بها : ان الحکم الصادر من المحکمة المختصة یعد حجة على الکافة بعد أن یستنفذ طرق الطعن فیه أو لفوات مواعید الطعن، فلا یجوز للمحکمة التی أصدرت الحکم أو لغیرها من المحاکم ان تعید النظر فیما قضى به هذا الحکم، فیعد حجة فی مواجهة الدولة ومؤسساتها والافراد کافة على حد سواء. أما فی مجال الحجیة المطلقة لأحکام الجنسیة، فالجنسیة صفة قانونیة فی الشخص تنشأ وتنقضی بحکم القانون، وهی أما أن تتوافر فی الشخص او تنعدم ولکن فی کلتا الحالتین یجب أن یکون وجودها وانعدامها حقیقة مطلقة یحتج بها مواجهة الکافة.
فالحجیة المطلقة لأحکام الجنسیة معناه: أن الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة تحوز الحجیة المطلقة، أی یحتج بها فی مواجهة الکافة من کان طرفاً فی المسألة ومن لم یکن، فما تقضی به المحکمة یکون حجة امام الجمیع، فلو صدر حکم نهائی لصالح احد الأفراد بثبوت جنسیته الوطنیة فیکون لهذا الحکم حجة على الکافة، ویحتج به امام الجمیع فلا یستطیع احد أن ینکر جنسیته التی تثبتت بحکم قضائی حاز حجیة الامر المقضی به، کما لا یجوز التشکیک فی هذه الجنسیة أو رفع دعوى جدیدة لأفکارها والحکم فیها. وان تقرر الحجیة المطلقة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة امر تقضیه طبیعة الجنسیة وکونها رابطة بین الدولة والفرد ینبغی أن یفصل فیها على وجه واحد لا یتغیر، ما دامت الوقائع التی تبنى علیها لم تتغیر.
واستقر الفقه ایضاً على أن الحجیة المطلقة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة تقتضی على منطوق الحکم وأسبابه، إذا کانت هذه الأسباب مرتبطة ارتباطاً وثیقاً بمنطوق الحکم، فالحجیة لا تثبت إلا بمنطوق الحکم ولا تثبت لبقیة اجزاء الحکم فأسباب الحکم هی الأساس القانونی الذی تقررت بمقتضاه الجنسیة.
وحتى یتمتع الحکم القضائی الصادر فی منازعات الجنسیة بالحجیة المطلقة، فیجب ان یکون الحکم صادراً من جهة قضائیة مختصة بنظر النزاع، لأنه القضاء الذی أناط به المشرع سلطة الفصل فی منازعات الجنسیة کما یجب أن یکون الحکم نهائیاً وباتاً وحاسماً لموضوع الدعوى أو فی جزء منه أو فی موضوع متفرع منه سواء تعلق الأمر بالقانون أم بالوقائع.
کما یجب أن تتحد وحدة اطراف الدعوى وهی الفرد والدولة، وهی دعوى یجب أن تقام بوجه الدولة نظراً لأهمیتها وتأثیرها على النظام العام، وکل دعوى لا تقام على هذا الوجه ترد شکلاً، أما الطرف الثانی الذی یمثل فی هذه الدعوى وهو الفرد الذی یختصم الدولة طالباً الحکم له بتحدید مرکزه من الجنسیة الوطنیة نفیاً أو ثبوتاً.
کذلک حتى یکون الحکم الصادر فی مسائل الجنسیة له حجیة مطلقة فلا بد ان تکون هناک وحدة المحل والسبب، فالمحل فی مسائل الجنسیة هو جنسیة الشخص الذی ثار بشأنها النزاع، فإذا کانت هناک دعوى اخرى متصلة بجنسیة احد اخوة الشخص أو أصوله کالأب أو الجد، فلا یجوز دفع هذه الدعوى بحجیة الحکم السابق. أما السبب فهو الأساس القانونی وهو المصدر المتمثل فی الواقعة القانونیة او العمل القانونی الذی تتقرر الجنسیة بالنظر إلیه، وحین یکون الحکم الصادر فی مسائل الجنسیة حجیة فی مواجهة الغیر ما یلزم ان یکون السبب واحد فی الدعویین الدعوى التی فصل فیها الحکم والدعوى الجدیدة.
ثانیاً- حجج واسانید الاتجاه الذی نادى بالحجیة المطلقة لأحکام الجنسیة :
یستند انصار هذا الاتجاه القائل بالحجیة المطلقة لأحکام الجنسیة إلى عدة حجج واسانید من أهمها:
أ- صفة الجنسیة فی الفرد : إذا کانت الجنسیة هی صفة فی الفرد وتفید انتسابه للدولة فإن هذه الصفة تحتمل احد الأمرین، أما أن یکون الفرد وطنیاً أو أجنبیاً، فإذا صدر حکم من القضاء یثبت للشخص هذه الصفة فلا مجال ولا وسیلة لإنکارها أو التشکیک فیها من احد حتى ولو لم یکن طرفاً فی الدعوى التی صدر فیها الحکم.
ب- صفة احد طرفی العلاقة والدعوى فی الجنسیة : وجود الدولة کطرف لها طبیعة متمیزة فی رابطة الجنسیة کون المرکز القانونی یحدد بالدرجة الاولى طرفیها، وکذلک صدور حکم قضائی وحیازته للحجیة بخصوص جنسیة احد الأفراد یحول دون إعادة طرح ذات الموضوع امام القضاء من جدید فی دعوى اخرى لأنه سیکون هناک وحدة فی خصوم الدولة والفرد.
ت- طبیعة رابطة الجنسیة وتعلقها بالنظام العام: تعد رابطة الجنسیة رابطة موضوعیة وأن تعلقت بشخص معین، وهی رابطة من روابط القانون العام وتتعلق بالدولة مباشرة وهی أحد طرفیها وهی التی تنظم منحها وسحبها وما یترتب على ذلک من نتائج، فهی علاقة موضوعیة اکثر منها علاقة شخصیة ومؤدى ذلک أن الأحکام التی تقرر وجودها من عدمه لا یکون لها إلا الحجیة المطلقة، ومن ثم یحول ذلک دون الرجوع فیها أو المساس بها لطالما ثبتت بحکم قضائی حاز الحجیة، وهذه الحجیة لا یتطور بهذه الحالة إلا ان تکون مطلقة.
المبحث الثانی
حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة
فی القانون العراقی والمقارن
لم یتضمن قانون الجنسیة العراقیة واللبنانیة نصوصاً صریحة وخاصة بحجیة الأحکام القضائیة الصادرة فی مسائل الجنسیة، بخلاف قانونی الجنسیة المصریة والفرنسیة والذین اشارا بنص صریح بخصوص حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة وهذا ما سنتناوله فی فرعین وکما یلی:-
المطلب الأول: حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة فی القانون العراقی.
المطلب الثانی: حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة فی القانون المقارن.
المطلب الأول
حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة فی القانون العراقی
فی القانون العراقی، فإن الأحکام الصادرة من المحاکم العراقیة التی حازت درجة البتات تکون حجة فیما فصلت فیها من الحقوق إذا اتحدت اطراف الدعوى ولم تتغیر صفاتهم وتعلق النزاع بذات الحق محلاً وسبباً.
وحیث أنه لا یجوز قبول دلیل ینقض حجیة الأحکام الباتة، وأن الحجیة لا تکون لمنطوق الحکم فحسب وإنما تتعدى ذلک إلى الأسباب الجوهریة التی یبنى علیها الحکم، فإن تلک الأسباب الجوهریة تکتسب هی الأخرى حجیة الأمر المقضی به، وهذا ما نصت علیه المادة (106) من قانون الاثبات العراقی.
أما بخصوص مسائل الجنسیة فإن قوانین الجنسیة العراقیة السابقة رقم (42) لسنة 1924 ورقم (43) لسنة 1963 والنافذ لم تتضمن نصوصاً صریحة بخصوص حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة، ولاسیما ان القانون الحالی اجاز التظلم بقرار وزیر الداخلیة امام محکمة القضاء الاداری، وأجاز الطعن بقرار المحکمة الاخیرة أمام المحکمة الاداریة العلیا فی أحوال معینة.
وعلیه فإنه لا بد من الرجوع إلى أحکام قانون الإثبات العراقی رقم (107) لسنة 1979، وبموجب هذا القانون فإن حجیة أحکام المحاکم سواء فی منازعات الجنسیة او غیرها لها الحجیة المطلقة بحیث تسری على الکافة ویمکن ان تکون وسیلة احتجاج ودفع أمام محکمة الموضوع او حتى السلطة التنفیذیة.
إن المشرع العراقی أمر بجزاء یفرض على کل من یقوم بالإدلاء بشهادات أو بیانات کاذبة تتعلق بصفته الوطنیة أو عن عائلته لإثبات جنسیته العراقیة تتمثل بالغرامة او الحبس بحسب المادة (23) من قانون الجنسیة العراقیة السابق رقم (43) لسنة 1963 التی تنص على أن (یعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتین أو بغرامة لا تزید على مائة دینار کل من ابدى امام السلطات المختصة أقوالاً کاذبة أو قدم إلیها أوراقاً غیر صحیحة مع علمه بذلک بقصد اثبات الجنسیة العراقیة له أو لغیره بقصد نفیها عنه أو عن غیره) مقابل ذلک لم یفرض المشرع العراقی فی القانون النافذ أی عقوبة مالیة أو مدنیة على من استعمل طرق احتیالیة لإثبات الجنسیة العراقیة وإنما عاقبه بالسحب بحسب المادة (15) من القانون رقم (26) لسنة 2006 والتی تنص على أن (للوزیر سحب الجنسیة العراقیة من غیر العراقی التی اکتسبها إذا ثبت قیامه أو حاول القیام بعمل یعد خطراً على أمن الدولة وسلامتها، أو قدم معلومات خاطئة عنه أو عن عائلته عند تقدیم الطلب أثر صدور حکم قضائی بحقه مکتسب لدرجة البتات).
وکباحث ارى ان الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة لها حجیة مطلقة فی مواجهة الکافة لعدة أسباب منها، یعود الى طبیعة الجنسیة نفسها بوصفها رابطة بین الفرد والدولة، کذلک لیس من المقبول ان یصدر حکم من القضاء باعتبار شخص ما وطنیاً ثم یصدر بعد ذلک حکماً من قضاء آخر باعتبار الشخص ذاته لیس کذلک بالاستناد إلى الأسباب والوقائع التی استند إلیها الحکم الأول نفسها، کما أن الحجیة المطلقة لا تمتد إلى الوقائع والأعمال القانونیة السابقة على صدور الحکم والتی لم یفصل فیها القاضی کونها لم تکن محلاً للنزاع، کما أن الجنسیة عنصر من حالة الأشخاص فلا یجوز بالتالی ان ینظر فیها من جدید لاعتراض صدر من الغیر بعد أن أصبح الحکم نهائیاً وحاز على الحجیة، لهذه الأسباب أرى ان الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة لها حجیة مطلقة حتى وإن کانت الجنسیة متغیرة ومستمرة، علیه اوصی المشرع العراقی عند تعدیل قانون الجنسیة العراقی النافذ تنظیم مسألة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة وأن تکون لها حجیة مطلقة فی مواجهة الکافة وعدم ترکها للقواعد العامة فی الإثبات واقتراح ان یکون النص کالآتی (ان جمیع الاحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة تعتبر حجة على الکافة على ان ینشر الحکم فی الجریدة الرسمیة).
المطلب الثانی
حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة فی القانون المقارن
تفاوتت تشریعات الدول فی مسألة تنظیم حجیة الأحکام القضائیة الصادرة فی مسائل الجنسیة بین حجیة نسبیة وحجیة مطلقة والبعض منها نص علیها فی قوانین الجنسیة فی حین أن البعض الآخر لم یتناولها بأی نص قانونی وإنما ترکها للقواعد العامة وهذا ما سنتناوله ومن خلال ما یلی :-
الفرع الأول - موقف القانون المصری من حجیة الاحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة.
الفرع الثانی- موقف القانون اللبنانی من حجیة الاحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة.
الفرع الثالث- موقف القانون الفرنسی من حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة.
الفرع الأول
موقف القانون المصری من حجیة الاحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة
نصت المادة (22) من قانون الجنسیة المصریة رقم 26 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم _(154) لسنة 2004 فی فقرتها الثانیة على أن (وجمیع الأحکام التی تصدر فی مسائل الجنسیة تعتبر حجة على الکافة وینشر منطوقها فی الجریدة الرسمیة).
یتضح من هذه الفقرة مدى حرص المشرع المصری على تأکید الحجیة المطلقة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة، وتثبت الحجیة لکافة الاحکام الصادرة بصرف النظر عن صورة النزاع او الدعوى سواء کانت مسألة أولیة ام دعوى اصلیة، ومفاد ذلک ان الحکم الصادر من المحکمة المختصة فی مادة الجنسیة متى حاز هذه الحجیة بان استنفذ طرق الطعن فیه او لفوات مواعید الطعن، کان ذلک مانعاً من التصدی له أو المجادلة فیه أمام محکمة مختصة اخرى، فلا یجوز للمحکمة التی اصدرت الحکم او لغیرها من المحاکم ان تعید النظر فیما قضى به هذا الحکم.
الفرع الثانی
موقف المشرع اللبنانی من حجیة الاحکام الصادرة
فی مسائل الجنسیة
لم یتضمن القانون الجنسیة اللبنانی نصاً صریحاً بخصوص حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة، وفی ظل هذا الوضع ذهب جانب من الفقه والاجتهاد فی لبنان إلى تطبیق القواعد العامة فی حجیة الاحکام التی تقضی بالحجیة النسبیة. بینما ذهب جانب آخر من الفقه والاجتهاد إلى الأخذ بأن (الأحکام التی تتعلق بالجنسیة تحوز قوة القضیة المحکمة ازاء الجمیع إذا صدرت بحضور الدولة ذاتها وکان النزاع یدور حول جنسیة الفرد المخاصم للدولة، وذلک نظراً لأن الجنسیة رابطة بین الفرد والدولة).
الفرع الثالث
موقف القانون الفرنسی من حجیة الاحکام الصادرة
فی مسائل الجنسیة
موقف المشرع الفرنسی مر بعدة مراحل، ففی مرحلة ما قبل سنة 1945 کانت القاعدة التی تطبق على الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة فی فرنسا هی قاعدة الحجیة النسبة للأحکام القضائیة، أما بعد عام 1945 أخذ المشرع الفرنسی بالحجیة المطلقة فی الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة، على اعتبار أن الجنسیة تدخل فی نطاق القانون العام وهذا ما نصت علیه المادة (136) من قانون الجنسیة الفرنسیة لسنة 1945 على أن (الأحکام الصادرة فی مادة الجنسیة الفرنسیة من المحاکم العادیة تکون لها حجیة مطلقة بحیث تنتج آثارها ازاء الأشخاص الذین لم یکونوا اطرافاً فی الدعوى، أی لم یکونوا اطرافاً فی الحکم او القرار النهائی) ثم جاء قانون الجنسیة الفرنسیة المعدل سنة 1973 لیؤکد على الحجیة المطلقة للأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة.
الخاتمـة
بعد أن وصلنا إلى نهایة بحثنا ینبغی ان نبین اهم النتائج والتوصیات التی توصلنا إلیها وهی على النحو الآتی:-
أولاً- النتائج:
1- تعرف حجیة الأحکام بأنها القوة القضائیة للأحکام التی تصدر من القضاء بشأن نزاع معروض أمامه وتعد هذه الأحکام قرینة قانونیة قاطعة لتعلقها بالنظام العام وتعبر عن الحقیقة، فلا یجوز قبول دلیل ینقض حجیة الأحکام الباتة.
2- إن مصطلح حجیة الأحکام اطلق علیه المشرع العراقی بـ (حجیة الأحکام التی حازت درجة البتات).
3- لوحظ ان حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة رجح انها قد تکون نسبیة بمعنى أنها لا تسری إلا فی مواجهة اطراف النزاع الذی صدر الحکم بشأنها ویترتب على ذلک نتائج لا یمکن قبولها ومنها عدم الاعتراف بأثر الحکم الصادر بثبوت او عدم ثبوت الجنسیة لشخص ما، إلا فی خصوص المنازعة التی صدر فیها الحکم کما یفترض توافر شرط وحدة المحل والسبب.
4- البعض الآخر من الفقه ذهب إلى أن الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة لها حجیة مطلقة أی یحتج بها فی مواجهة الکافة من کان طرفاً فی المسألة ومن لم یکن، فما تقتضی به المحکمة یکون حجة أمام الجمیع وکما یفترض توافر شروط منها أن یکون الحکم صادراً من جهة قضائیة مختصة بنظر النزاع مع وحدة أطراف النزاع ووحدة المحل والسبب.
5- اتضح أن قوانین الجنسیة العراقیة السابقة والنافذة لم تتضمن أی نص ینظم مسألة حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة وترکها للقواعد العامة فی قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979.
6- المشرعان المصری والفرنسی نظما مسألة حجیة الاحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة بقانون الجنسیة الخاصة بهما وأکدا على ان الأحکام لها حجیة مطلقة، على عکس المشرع اللبنانی الذی ینظم مسألة حجیة الأحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة وترکها للقواعد العامة الواردة فی قانون اصول المحاکمات المدنیة والذی یقضی بالحجیة النسبیة لجمیع الأحکام.
ثانیاً- التوصیات :
نوصی المشرع العراقی عند تعدیل قانون الجنسیة النافذ النص على حجیة الاحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة ونقترح ان یکون النص کالآتی (تعتبر جمیع الاحکام الصادرة فی مسائل الجنسیة تعتبر حجة على الکافة على ان ینشر الحکم فی الجریدة الرسمیة)، وحسب رأینا هذا ان النص ینسجم مع مصلحة الأفراد إذ لیس من المنطق ان یصدر حکم من القضاء باعتبار شخص ما وطنیاً ثم یصدر بعد ذلک حکم من قضاء آخر باعتبار الشخص نفسه لیس کذلک بالاستناد إلى الأسباب والوقائع التی استند إلیها الحکم الأول نفسها.
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Sources
1- Dr. Ahmed Abdel Karim Salameh, International Private Law, Nationality, Homeland and the Treatment of Aliens, I 1, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, p.
2- Dr. Jaber Ibrahim Al-Rawi, Explanation of the provisions of the Nationality Law, 1, Dar Wael Publishing, Amman, Jordan, 2000.
3- Dr. Jaber Ibrahim Al-Rawi, International Private Law, Nationality, Dar es Salaam Press, Baghdad, 1977.
4- Dr. Georges Shafiq Sari, The Judgments of the Administrative Judiciary in the Proceedings of Nationality, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1995.
5- Dr. Hafdah Mr. Haddad, Introduction to Nationality and the Center of Foreigners, University Press House, Alexandria, 2007
6- Dr. Abbas Aboudi, Explanation of the provisions of the Iraqi Nationality Law No. 26 of 2006, and the home and the center of foreigners, a comparative study, Dar Senhoury, Beirut, 2015.
7- Dr. Abbas Aboudi, Explanation of the provisions of the Iraqi Evidence Law, Comparative Study, I 2, Mosul University, Faculty of Law, 1997.
8- Dr. Abdel Moneim Zamzam, The Provisions of Nationality in International Law and Egyptian Law, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 2011.
9- Dr. Izz al-Din Abdullah, International Private Law, Nationality, Homeland and the Enjoyment of Foreigners, C1, I 11, Egyptian General Book Printing Press, p.
10- Dr. Akasha Mohamed Abdel Aal, Lebanese Nationality and Foreigners Center, C1, University Press and Publishing House, Beirut, 1999.
11- Qusay Mohammed Al-Ayoun, Explanation of Nationality, 1, Dar Al-Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman, 2009.
12- Dr. Mohamed Samer Daghmush, Judicial Supervision and Qualitative Jurisdiction on Nationality Issues, Comparative Study, I, Center for Arab Studies for Publishing and Distribution, Egypt, 2018.
13- Dr. Mohammed Kamal Fahmi, Principles of Private International Law, Nationality, Homeland and Foreigners' Center, II, University Culture Foundation, Cairo, 1981.
14- Dr. Hisham Sadek, Dr. Okasha Mohamed Abdel-Aal, d. Hafidah Haddad, Nationality and Foreigners' Center, Comparative Study, University Publications House, Alexandria, 2006.
15- Dr. Waleed Ramadan Abdul Tawab, Nationality and Aliens Center and the Law on Travel Ban according to the latest amendments, Dar Mahmoud Publishing and Distribution, Cairo, b.
16- Dr. Younis Salah Eddin Ali, International Private Law, An Analytical Study in the Legal System of Nationality, Homeland and Legal Status of Aliens, 1, Zain Legal and Literary Library, Beirut, 2016.
Second-
Sardar Yassin Hamad Amin, Jurisdiction in Nationality Disputes, PhD thesis submitted to the Faculty of Law and Politics, Salahuddin University, 2008.
18- Razan Ali Rahim Mohamed, Administrative Judicial Supervision of Administrative Decisions Issued in the Field of Nationality, Master Thesis submitted to Mansoura University, Faculty of Law, 2004, from the website:
http://www.mahamah.net/Law/wp.content/upbads/2017/05
Date of visit.