الملخص
یعد الحق فی السکن أحد أهم الحقوق الاقتصادیة الاجتماعیة المنصوص علیها فی الشریعة الاسلامیة والمواثیق والاتفاقیات الدولیة التی باتت جزءً لا یتجزأ من الدساتیر ویرتبط هذا الحق بحقوق أساسیة أخرى، کالحق فی الکرامة الانسانیة والصحة والخصوصیة وتکوین الأسرة ورعایتها, ولا یقصد به الجانب المادی او اللغوی فحسب بل المفهوم الانسانی الاجتماعی الحقوقی والأثر النفسی الذی یترکه المسکن عند الإنسان إذ یعد توفیر السکن الملائم عنصراً جوهریاً من عناصر ضمان الکرامة الإنسانیة فالمسکن ضرورة أساسیة من ضرورات المعیشة الصحیة السویة، فهو یلبی حاجة أو حاجات نفسیة عمیقة للتمتع بالخصوصیة وبمکان مقصور على الشخص وحده؛ وحاجات مادیة للتمتع بالأمن والاحتماء من عوادی الطقس؛ کما یلبی أیضا الحاجة الاجتماعیة إلى وجود أماکن تجمع أساسیة تنشأ فیها العلاقات الاجتماعیة وتترعرع، فهو حق الإِنسان فی العیش بمکان ما بأمان وسلام وکرامة بصورة تضمن له حقه الإِنسانی فی السکن بصورة تلائم احتیاجاته الانسانیة ویزودنا بإطار فرید لرصد الخطوات التی تتخذها کل دولة تجاه توفیر المسکن وفقا لمطالب المواطنین وإصرارهم على تلبیة ذلک الحق الإنسانی الأساسی.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
حق السکن فی الشریعة الإسلامیة والتشریعات الوضعیة دراسة مقارنة-(*)-
The Right to housing in Islamic Law and statutory legislation: A comparative study
حبیب إدریس المزوری احمد محمود أمین الحیالی کلیة الحقوق/ جامعة الموصل کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Habib Idris Al-Mazouri Ahmed Mahmoud Amin Al-Hayali College of law / University of Mosul College of law / University of Mosul Correspondence: Habib Idris Al-Mazouri E-mail: |
(*) أستلم البحث فی *** قبل للنشر فی
(*) Received on *** accepted for publishing on .
Doi: 10.33899/alaw.2020.166860
© Authors, 2020, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
یعد الحق فی السکن أحد أهم الحقوق الاقتصادیة الاجتماعیة المنصوص علیها فی الشریعة الاسلامیة والمواثیق والاتفاقیات الدولیة التی باتت جزءً لا یتجزأ من الدساتیر ویرتبط هذا الحق بحقوق أساسیة أخرى، کالحق فی الکرامة الانسانیة والصحة والخصوصیة وتکوین الأسرة ورعایتها, ولا یقصد به الجانب المادی او اللغوی فحسب بل المفهوم الانسانی الاجتماعی الحقوقی والأثر النفسی الذی یترکه المسکن عند الإنسان إذ یعد توفیر السکن الملائم عنصراً جوهریاً من عناصر ضمان الکرامة الإنسانیة فالمسکن ضرورة أساسیة من ضرورات المعیشة الصحیة السویة، فهو یلبی حاجة أو حاجات نفسیة عمیقة للتمتع بالخصوصیة وبمکان مقصور على الشخص وحده؛ وحاجات مادیة للتمتع بالأمن والاحتماء من عوادی الطقس؛ کما یلبی أیضا الحاجة الاجتماعیة إلى وجود أماکن تجمع أساسیة تنشأ فیها العلاقات الاجتماعیة وتترعرع، فهو حق الإِنسان فی العیش بمکان ما بأمان وسلام وکرامة بصورة تضمن له حقه الإِنسانی فی السکن بصورة تلائم احتیاجاته الانسانیة ویزودنا بإطار فرید لرصد الخطوات التی تتخذها کل دولة تجاه توفیر المسکن وفقا لمطالب المواطنین وإصرارهم على تلبیة ذلک الحق الإنسانی الأساسی.
الکلمات المفتاحیة: الحق فی السکن، خطة ملائمة للإعمار، حاجات ضروریة، دور الدولة فی الاسلام.
Abstract
Although the right to housing has been recognized internationally as a basic human right for human survival and dignity, it is estimated that more than billion people do not enjoy decent and proper housing, and about 100 million homeless people. Governments attribute the problem to the lack of resources and capabilities. States differ in their measures and views as to the right to residence depending on their philosophical policies and their financial, economic, political, and social systems derived from their philosophies and ideologies to find solutions to the problems of human life including economic, financial and social problems in order to attain welfare for the community. Such a view is taken differently in the Islamic Law whose teachings and principles are superior to other positive theories and principles. Indeed, the Islamic civilized experience has produced an ideal realistic state which is considered a source of pride for every Muslim, in that the Islamic state secures a suitable dwelling for every Muslim in case he is not capable of finding it. Therefore, this study looks at the right to residence and housing in sharia which is different from that of modern laws to show the role of Islam law and jurisprudence in protecting this right as a fundamental right to human. The problem of residence results from many years of negligence and unsuccessful plans. It is the result of many reasons the most important of which are : unavailability of systematic and comprehensive database of housing, absence of suitable plans for construction, delay of issuing organized designs, and defect of positive legislation in regulating the sector of housing.
Keywords: Right to Residence and housing, law, Islamic law, comparative analysis
المقدمـة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد فانه یمکن توضیح مقدمة البحث من خلال الفقرات الآتیة:
أولاً: تعریف الموضوع:
یعد الحق فی السکن أحد أهم الحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة المنصوص علیها فی الشریعة الاسلامیة والمواثیق والاتفاقات الدولیة التی باتت جزءً لا یتجزأ من الدساتیر ویرتبط هذا الحق بحقوق أساس أخرى، کالحق فی الکرامة الانسانیة والصحة والخصوصیة وتکوین الأسرة ورعایتها, ولا یقصد به الجانب المادی او اللغوی فحسب بل المفهوم الانسانی والاجتماعی والحقوقی والأثر النفسی الذی یترکه المسکن عند الإنسان إذ یعد توفیر السکن الملائم عنصراً جوهریاً من عناصر ضمان الکرامة الإنسانیة فالمسکن ضرورة أساس من ضرورات المعیشة الصحیة السویة، فهو یلبی حاجة أو حاجات نفسیة عمیقة للتمتع بالخصوصیة وبمکان مقصور على الشخص وحده؛ وحاجات مادیة للتمتع بالأمن والاحتماء من عوادی الطقس؛ کما یلبی أیضا الحاجة الاجتماعیة إلى وجود أماکن تجمع أساس تنشأ فیها العلاقات الاجتماعیة وتترعرع، فهو حق الإِنسان فی العیش بمکان ما بأمان وسلام وکرامة بصورة تضمن له حقه الإِنسانی فی السکن بصورة تلائم احتیاجاته الانسانیة ویزودنا بإطار فرید لرصد الخطوات التی تتخذها کل دولة تجاه توفیر المسکن وفقا لمطالب المواطنین وإصرارهم على تلبیة ذلک الحق الإنسانی الأساس.
ثانیاً: أهمیة البحث:
یعد حق الإنسان فی السکن من الحقوق الأساسیة التی لا غنى عنها ویأتی السکن فی الأهمیة بعد المأکل والمشرب فی التسلسل الهرمی للاحتیاجات الإنسانیة وقد أوصت به الشریعة الإسلامیة, والتشریعات الوضعیة لما یمثله موضوع السکن من أهمیة کبیرة فی حیاة الإنسان کونه یمثل الحق الذی یضمن له العیش بکرامة، فضلاً عن أهمیة قطاع السکن والارتباط التام والوثیق بمستوى الاسرة وحیاتها, و ثم المجتمع والسکن هو احد الاسباب الرئیسة التی تساعد الأسرة على وظیفتها الأساس فی تربیة أجیال صالحة فی المجتمع وأن قطاع السکن مهم فی تکوین الناتج المحلی الإجمالی واستقطابه لعدد من المشتغلین ومساهمتهم فی تکوین رأس المال الثابت فی العراق.
ثالثاً: مشکلة البحث:
على الرغم من إدراک دول العالم لأهمیة المسکن والحق فیه والحق فی تحقیق رغد الإنسان وبقائه وعیشه بکرامة، فإن التقدیرات تشیر إلى أن أکثر من ملیار شخص یقیمون فی مساکن دون المستوى الملائم، وإلى أن عدد من لا مأوى لهم یربو على (100) ملیون شخص وتلجأ الحکومات إلى الزعم بعدم توافر الإمکانات والموارد اللازمة لتنفیذ البرامج واتخاذ الإصلاحات الرامیة إلى إیجاد الظروف اللازمة للتوسع فی التمتع بالحق فی السکن وتختلف اجراءات الدول ونظرتها لحق السکن باختلاف فلسفة الدولة السیاسیة واختلاف نظامها المالی والاقتصادی والسیاسی والاجتماعی والمنبثق عن فلسفتها وایدیولوجیته التی تهدف إلى إیجاد الحلول لمشاکل الحیاة الإنسانیة ومعالجتها بما فی ذلک المشاکل الاقتصادیة والمالیة والاجتماعیة بغیة تحقیق السعادة والرفاهیة للمجتمع, کما تختلف هذه النظرة لحق السکن فی الشریعة الاسلامیة عن القوانین الوضعیة ودساتیر الدول والمواثیق الدولیة لحقوق الانسان حیث تفوق المبادئ والتعالیم الإسلامیة جمیع المبادئ والنظریات فقد أنتجت التجربة الحضاریة الإسلامیة دولة مثالیة واقعیة تعد مفخرة لکل مسلم, وقد کفلت الدولة فی الاسلام الحق لکل فرد فی داخل الدولة الإسلامیة فی مسکن یلیق به، وعلى الدولة أن توفر له ذلک إن عجزت موارده عنه, لهذا جاءت هذه الدراسة لتسلط الضوء على اختلاف نظرة الاسلام لحق السکن عن القوانین الوضعیة ولتظهر وتبین دور الدولة فی الاسلام فی توفیر الحاجات الاساس للناس والعیش بکرامة. ومشکلة الإسکان هی حصیلة سنوات عدیدة من الاهمال, وعدم التخطیط السلیم ونجمت هذه المشکلة عن أسباب کثیرة أهمها: عدم توافر قاعدة بیانات إسکان شاملة ومنظمة, وغیاب التخطیط العمرانی الشامل, وتأخر صدور المخططات التنظیمیة, وقصور التشریعات الوضعیة المنظمة لقطاع الإسکان وضعف الید العاملة فی قطاع البناء.
رابعاً: منهجیة البحث:
سنعتمد فی کتابة البحث المنهج التحلیلی والمقارن, وذلک بتحلیل أراء الفقه الاسلامی, والفقه القانونی, وغیرهم, وتحلیل نصوص التشریعات الوضعیة, ومقارنتها مع بعضها البعض, وبیان حق السکن فی المواثیق والاتفاقات الدولیة من أجل الوصول إلى الحل المناسب لمشکلة البحث.
فضلاً عن ذلک سنرکز على التشریعات الوضعیة العراقیة ومقارنتها مع التشریع المصری بقدر الامکان للوقوف على الراجح منها خدمة لحل معضلة البحث.
خامساً: هیکلیة البحث:
سیتم تناول أهم المفردات التی تتعلق بجانب مهم من جوانب حیاة الإنسان الا وهو المسکن, وذلک من خلال مبحثین وکالاتی:
المبحث الأول : حق السکن فی الشریعة الإسلامیة.
المبحث الثانی: حق السکن فی التشریعات الوضعیة.
المبحث الأول
حق السکن فی الشریعة الاسلامیة
یعد الحق فی السکن أحد أهم الحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة للإنسان إذ یعد توفیر السکن الملائم عنصراً جوهریاً من عناصر ضمان الکرامة الإنسانیة فالمسکن ضرورة أساس من ضرورات المعیشة الصحیة السویة، فهو یلبی حاجة أو حاجات نفسیة عمیقة للتمتع بالخصوصیة وبمکان مقصور على الشخص وحده، وحاجات مادیة للتمتع بالأمن والاحتماء من عوادی الطقس، کما یلبی أیضاً الحاجة الاجتماعیة إلى وجود أماکن تجمع أساس تنشأ فیها العلاقات الاجتماعیة وتترعرع، لذلک کله ارتأینا تقسیم هذا المبحث على المطالب الآتیة:
المطلب الأول
تعریف حق السکن وأهمیته
من أجل توضیح معنى حق السکن وبیان أهمیته لابد من تقسیم هذا المطلب إلى الفرعین الآتیین:
الفرع الأول
تعریف حق السکن
من أجل معرفة حقیقة حق السکن، لابد من الرجوع الى علماء اللغة العربیة، والفقه الاسلامی، وسیتم توضیح ذلک فی النقطتتین الآتیین:
أولاً: تعریف حق السکن لغةً: الحَقُّ: هو اسمٌ من أسماء اللهِ تعالى، أو صفة من صِفاتِهِ، وفی القُرْآنُ الکریم یراد معان کثیرة أهمها: خلاف الباطِلِ، والأمر المَقْضِیُّ، والعَدْلُ، والإِسْلامُ، والمالُ، والمِلْکُ، والمَوجود الثابِتُ، والصِدْقُ، والموتُ، والحَزْمُ, والحَقَّةُ أخصّ منه. یقال: هذه حَقَّتی، أی حَقّی.
أما معنى السکن لغةً: (سَکَنَ) الشَّیْءُ مِنْ بَابِ دَخَلَ وَ(السَّکِینَةُ) الْوَدَاعُ وَالْوَقَارُ. وَ(سَکَنَ) دَارَهُ یَسْکُنُهَا بِالضَّمِّ (سُکْنَى) وَ(أَسْکَنَهَا) غَیْرَهُ (إِسْکَانًا), وَ(الْمَسْکِنُ) بِکَسْرِ الْکَافِ الْمُنْزِلُ وَالْبَیْتُ وَأَهْلُ الْحِجَازِ یَفْتَحُونَ الْکَافَ. وَ(السَّکْنُ) بِوَزْنِ الْجَفْنِ أَهْلُ الدَّارِ, سکَن فی المکانِ: أقام به واستوطنه کان یسکُن الرِّیفَ قال تعالى:{وَإِذْ قِیلَ لَهُمُ اسْکُنُوا هَذِهِ الْقَرْیَةَ}, أسکنه فی المکان: جعله یسکُنه أو یقیم فیه ویستوطنه "أسکنت أخی فی منزلی, قال تعالى:{رَبَّنَا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی بِوَادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ}" ویسمى المَسْکَن، بیتاً "قال تعالى:{وَاللهُ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ بُیُوتِکُمْ سَکَنًا}".
ثانیاً: تعریف حق السکن اصطلاحاً : یقصد بالسکن هو البیت الذی یقیم فیه الإنسان بصفة دائمة أو مؤقته، وهو المکان الطبیعی الذی یأوی إلیه الشخص لیقیه من حر الصیف وبرد الشتاء وعیون المارة، وهو موضع أسراره ومستقر عائلته, ولا ریب أن حاجة الإنسان إلى المسکن من الأمور الأساس فی حیاته، وهو من نِعم الله عز وجل على الإنسان، یقول الله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَکُم مِّن بُیُوتِکُم سَکَنا وَجَعَلَ لَکُم مِّن جُلُودِ ٱلأَنعَمِ بُیُوتا تَستَخِفُّونَهَا یَومَ ظَعنِکُم وَیَومَ إِقَامَتِکُم وَمِن أَصوَافِهَا وَأَوبَارِهَا وَأَشعَارِهَا أَثَثا وَمَتَعًا إِلَى حِین﴾ ومعنى قَوْلُهُ تَعَالَى: "جَعَلَ لَکُمْ" مَعْنَاهُ صَیَّرَ، وَکُلُّ مَا عَلَاکَ فَأَظَلَّکَ فَهُوَ سَقْفٌ وَسَمَاءٌ، وَکُلُّ مَا أَقَلَّکَ فَهُوَ أَرْضٌ، وَکُلُّ مَا سَتَرَکَ مِنْ جِهَاتِکَ الْأَرْبَعِ فَهُوَ جِدَارٌ، فَإِذَا انْتَظَمَتْ وَاتَّصَلَتْ فَهُوَ بَیْتٌ. وَهَذِهِ الْآیَةُ فِیهَا تَعْدِیدُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ فِی الْبُیُوتِ، فَذَکَرَ أَوَّلًا بُیُوتَ الْمُدُنِ وَهِیَ الَّتِی لِلْإِقَامَةِ الطَّوِیلَةِ. وَقَوْلُهُ: "سَکَناً" أَیْ تَسْکُنُونَ فِیهَا وَتَهْدَأُ جَوَارِحُکُمْ مِنَ الْحَرَکَةِ، وَقَدْ تَتَحَرَّکُ فِیهِ وَتَسْکُنُ فِی غَیْرِهِ، إِلَّا أَنَّ الْقَوْلَ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ". فذْکُرُ تَبَارَکَ وَتَعَالَى تَمَامَ نِعَمِهِ عَلَى عَبِیدِهِ، بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الْبُیُوتِ الَّتِی هِیَ سَکَنٌ لَهُمْ، یَأْوُونَ إِلَیْهَا، وَیَسْتَتِرُونَ بِهَا، وَیَنْتَفِعُونَ بِهَا سَائِرَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ. أی أن الله سبحانه وتعالى قد جعل البیوت أیاً کان نوعها سکناً یفیء إلیها الناس، یشعرون فیها بالراحة، ویأمنون على عوراتهم وحرماتهم.
الفرع الثانی
أهمیة حق السکن
یحتل توفیر السکن الملائم قمة سلم الأولویات الضروریة للإنسان فی أی مجتمع، فهو لا یقل أهمیة عن حاجة الإنسان إلى الطعام والشراب، کما أنه ضروری لتحقیق الاستقرار المجتمعی الذی یستطیع الفرد من خلاله أن یؤدی دوره المأمول فی المجتمع، لذلک فأن السکن الملائم یعد من الحقوق الأساس للإنسان، وقد قال الله تعالى ﴿وَلَقَد کَرَّمنَا بَنِی ءَادَمَ وَحَمَلنَهُم فِی ٱلبَرِّ وَٱلَبحرِ وَرَزَقنَهُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَتِ وَفَضَّلنَهُم عَلَى کَثِیر مِّمَّن خَلَقنَا تَفضِیلا﴾.
وحفظ الإسلام للإنسان حق السکن بل کفل له الأمن فی مسکنه لأنه مأواه ومکمن سره ومکان راحته وطمأنینة نفسه, فالسکن من الأمور الأساس لضمان حیاة کریمة، تبعده عن عوارض الکون کحر الصیف وبرد الشتاء, وقد ضَمِن الإسلام هذا الحق لکل سکان الدولة الإسلامیة من المسلمین وأهل الذمة، فکفل ذلک الحق لکل فرد من أهل الذمة کما یکفله تماماً لکل فرد من المسلمین، ولکل إنسان الحق فی السکن سواء أکان بالتملک أم الاستئجار أم التبرع ولو موقوفاً کمسکن لابن السبیل، أو کمسجد لمضطر؛ لأن أهل الصُفة اتخذوا مسجد النبی صلى الله علیه وسلم مقراً مؤقتاً لهم؛ لفقرهم؛ وعدم استطاعة بیت المال توفیر سکن لهم. ولا یجوز ترک أسرة أو فرد من غیر إیواء فی سکن لأن ذلک سیؤدی إلى ضرر فی نفسه، وماله، وعبادته، وعرضه، ویشق علیه ومن معه من أسرته، ودفع الضرر عنه واجب، والوجوب یکون علیه أولا بدفع ذلک الضرر عن نفسه وأهله بتملک مسکن، أو باستئجاره، أو الحصول علیه بتبرع؛ فإن عجز ففرضُ عین على الدولة أن تؤویه وأسرته، وهو فرض کفایة على المجتمع، ویأثمون جمیعا بترکه.
وحفظاً لهذا الحق قررت الشریعة الإسلامیة حرمة المسکن لکل فرد تمت سیادتها فإذا ما توافر للفرد سکن فلا یجوز لأحد أن یعتدی على حرمة ذلک المسکن ولا یجوز لأحد أن یدخل مسکناً إلا بإذن صاحبه، قال تعالى: ﴿یَأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ لَا تَدخُلُواْ بُیُوتًا غَیرَ بُیُوتِکُم حَتَّى تَستَأنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهلِهَا ذَلِکُم خَیر لَّکُم لَعَلَّکُم تَذَکَّرُونَ﴾, وعَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا فَلَمْ یُؤْذَنْ لَهُ، فَلْیَرْجِعْ".
المطلب الثالث
دور الدولة فی الاسلام بتأمین السکن
یعد الإسلام الدین الوحید الذی وضع المبادئ الأساس التی تشمل کل جوانب الحیاة الإنسانیة ولیس المادیة فقط فهو ینظم الجوانب الروحیة والأخلاقیة والاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة بشکل متکامل ومترابط بما یکفل للمجتمع الذی یسلک المنهج الإسلامی عقیدةً وسلوکاً السعادة والطمأنینة فی الحیاة وتحقیق التقدم الاقتصادی والاجتماعی المطلوب، ولقد وضع الإسلام فی الجانب الاقتصادی قواعد وکفل حریات وقرنها بضوابط وحدود فقد کفل الإسلام لکل فرد بعینه إشباع الحاجات التی لابد للإنسان من حیث کونه إنسان أن یشبعها وهی المأکل والملبس والمسکن کما حث الفرد على التمتع بالطیبات والأخذ من زینة الدنیا بقدر ما یستطیع فهو یضمن حق العیش لکل فرد بعینه وأتاح له الرفاهیة فی الحیاة, ودور الدولة فی الإسلام هو رعایة مصلحة الناس عملاً بحدیث النبی صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ (کُلُّکُمْ رَاعٍ، وَکُلُّکُمْ مَسْؤولٌ، فَالْأَمِیرُ الَّذِی عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِیَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَیْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِیَةٌ عَلَى بَیْتِ زَوْجِهَا، وَهِیَ مَسْؤُولَةٌ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَیِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ، أَلَا فَکُلُّکُمْ رَاعٍ، وَکُلُّکُمْ مَسْؤُولٌ) .
وتتحمل الدولة مسؤولیة توفیر المساکن لکل فرد من أفرادها لذلک قررت الشریعة الإسلامیة حق المسکن لکل أفراد الدولة فلکل إنسان حق فی السکن بالتملک أو بالاستئجار أو بالتبرع، ومنحتهم حریة بناء المساکن وتملکها وتأجیرها للغیر .
ومن الشواهد التاریخیة على ذلک ما ذکر عن الخلیفة الراشد عمر بن عبد العزیز (رحمه الله تعالى) أنه کتب إلى عماله: أن اقضوا عن الغارمین فکُتب إلیه: إن نجد الرجل له المسکن والخادم، وله الفرس، وله الأثاث فی بیته، فکتب عمر: لابد للرجل من المسلمین من مسکن یأوی رأسه، وخادم یکفیه مهنته، وفرس یجاهد علیه عدوه، وأثاث فی بیته، ومع ذلک فهو غارم، فاقضوا عنه ما علیه من الدین، ففی هذا الخبر یأمر أمیر المؤمنین عمر بقضاء الدیون عن الغارمین وإن کانوا یملکون المسکن والأثاث والخادم والفرس، وهو مظهر عظیم من مظاهر الرحمة والمواساة، والاهتمام بشؤون الرعیة، وهکذا یتصرف الأئمة العادلون بأموال الأمة، حیث یغنون بها فقیرها ویجبرون به کسیرها، ویفکون بها أسیرها، ویقضون به عن معسرها، ویسدون به خلة معوزها.
وقد وصل دور الدولة واهتمامها بمصالح الناس إلى ابعد من ذلک فقد تتکفل الدولة بإصلاح جدار بیت فی ولایة بعیدة لأحد الرعایا ومما یروى عن الخلیفة الراشد عمر بن عبد العزیز (رحمه الله) (أنه کان یتابع أمور المسلمین ویفتح الأبواب على مصراعیها لسماع أخبارهم: فقد کان برید عمر بن عبد العزیز لا یعطیه أحداً من الناس إذا خرج کتاباً إلا حمله، فخرج برید من مصر فدفعت إلیه فرتونة السوداء مولاة ذی أصبح کتاباً تذکر فیه أن لها حائطاً قصیراً، وأنه یقتحم علیها فیسرق دجاجها، فکتب: بسم الله الرحمن الرحیم، من عبد الله أمیر المؤمنین إلى فرتونة السوداء مولاة ذی أصبح، بلغنی کتابک وما ذکرتی من قصر حائطک وأنه یُدخل علیک فُیسرق دجاجکِ، فقد کتبت کتاباً إلى أیوب بن شرحبیل، وکان أیوب عامله على صلاة مصر وحربهاـ آمره بأن یبنی لک ذلک یحصنه لک مما تخافین إن شاء الله، وکتب إلى أیوب بن شرحبیل: من عبد الله عمر أمیر المؤمنین إلى ابن شرحبیل، أما بعد: فإن فرتونة مولاة ذی أصبح کتبت تذکر قصر حائطها، وأنه یسرق منه دجاجها وتسأل تحصینه لها، فإذا جاءک کتابی هذا فارکب أنت بنفسک إلیه حتى تحصنه لها، فلما جاء الکتاب إلى أیوب رکب ببدنه حتى أتى الجیزة یسأل عن فرتونة حتى وقع علیها، وإذا هی سوداء مسکینة، فأعلمها بما کتب به أمیر المؤمنین وحصنه لها).
وإذا عجزت الدولة بمواردها المختلفة عن کفالة هذا الحق للمحتاجین من رعایاها، فإن المسؤولیة تقع على عاتق الأغنیاء فی المجتمع، فعلیهم أن یقوموا بإیفاء حاجات الفقراء والمحتاجین من الطعام والشراب واللباس والمأوى یقول ابن حزم الاندلسی (رحمه الله): (وَفُرِضَ عَلَى الأَغْنِیَاءِ مِنْ أَهْلِ کُلِّ بَلَدٍ أَنْ یَقُومُوا بِفُقَرَائِهِمْ, وَیُجْبِرُهُمْ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِکَ, إنْ لَمْ تَقُمْ الزَّکَوَاتُ بِهِمْ, وَلاَ فِی سَائِرِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِینَ, فَیُقَامُ لَهُمْ بِمَا یَأْکُلُونَ مِنْ الْقُوتِ الَّذِی لاَ بُدَّ مِنْهُ, وَمِنْ اللِّبَاسِ لِلشِّتَاءِ وَالصَّیْفِ بِمِثْلِ ذَلِکَ, وَبِمَسْکَنٍ یَکُنُّهُمْ مِنْ الْمَطَرِ, وَالصَّیْفِ وَالشَّمْسِ, وَعُیُونِ الْمَارَّةِ. وَبُرْهَانُ ذَلِکَ: قَوْلُ اللَّهِ تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْکِینَ وَابْنَ السَّبِیلِ), وَقَالَ تعالى:(وَبِالْوَالِدَیْنِ إحْسَانًا وَبِذِی الْقُرْبَى وَالْیَتَامَى وَالْمَسَاکِینِ وَالْجَارِ ذِی الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِیلِ وَمَا مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ), فَأَوْجَبَ تَعَالَى حَقَّ الْمَسَاکِینِ, وَابْنِ السَّبِیلِ, وَمَا مَلَکَتْ الْیَمِینُ مَعَ حَقِّ ذِی الْقُرْبَى وَافْتَرَضَ الإِحْسَانَ إلَى الأَبَوَیْنِ, وَذِی الْقُرْبَى, وَالْمَسَاکِینِ, وَالْجَارِ, وَمَا مَلَکَتْ الْیَمِینُ, وَالإِحْسَانُ یَقْتَضِی کُلَّ مَا ذَکَرْنَا, وَمَنْعُهُ إسَاءَةٌ بِلاَ شَکٍّ).
ویجب عیناً على کل مسلم قادر له فضل سکن، واطلع على وضع أسرة بلا سکن أن یؤویها إن لم یقم به غیره، ویکون الإیواء مدة مؤقتة لدفع ضرر الاضطرار؛ لأن الدوام ضرر بالمتبرع إلا إن رضی أو استمر الاضطرار ممن آواهم واستمرت قدرته على إیوائهم؛ ولأن هذا هو ابن سبیل، وابن السبیل مؤقت لا دائم، وسواء کان هذا الفرد أم الأسرة موافقاً فی الدین أم مخالفاً؛ لأن دفع الضرر الواقع والمتوقع عن الأنفس والأعراض والأموال واجب مطلق لا یُقَدَّرُ بمن یوافق فی الدین، وذلک لعموم قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِیتَاءِ ذِی الْقُرْبَى وَیَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ وَالْبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ﴾، ولقوله تعالى: ﴿لَا یَنْهَاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُمْ مِنْ دِیَارِکُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ﴾ فهذه إباحة، والأُوْلَى أمرُ, ولعموم الأمر فی قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئًا وَبِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَانًا وَبِذِی الْقُرْبَى وَالْیَتَامَى وَالْمَسَاکِینِ وَالْجَارِ ذِی الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِیلِ وَمَا مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا یُحِبُّ مَنْ کَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾, فلم یخصص مسلماً من غیره, ووصْفُ ابن السبیل یشمل من لم یجد مأوى، سواء أکان فردا أم أسرة؛ لأن السبیل هو الطریق: وهذا مثله, فوجب بنص الآیة الإحسان إلى ابن السبیل، ولا إحسان مع ترکه فی الشارع مع ولده وأسرته أو حتى منفرداً، بل هو من الإساءة والمخالفة لنص الأمر بالإحسان.
المطلب الرابع
الحقوق الشرعیة المتعلقة بالمسکن
نظراً لما للمسکن من أهمیة فی حیاة الإنسان فقد أقرت الشریعة الإسلامیة حق السکن لکل فرد فی المجتمع کما مر بنا وأقرت أیضاً بالحقوق التی ترتبط بهذا الحق، وسنوضح تلک الحقوق فی الفروع الآتیة:
الفرع الأول
الحق فی حریة اختیار المسکن واستعماله
لکل إنسان کامل الحریة فی اختیار مکان سکنه، ونوعیة المسکن، وذلک حسب إمکاناته المادیة ومستواه الاجتماعی، وله أیضاً کامل الحریة فی اختیار الأثاث الذی یراه مناسباً لهذا المسکن، بما یتفق وذوقه الخاص شریطة عدم الإسراف والتبذیر، وما یحقق له راحته، ولکل إنسان الحق فی استعمال مسکنه بالشکل الذی یروق له، لا یقیده فی ذلک إلا مراعاة القواعد والضوابط الشرعیة القاضیة أنه لا ضرر ولا ضرار، فیتعین علیه استعمال مسکنه بطریقة لا تلحق ضرراً بجیرانه، أو تسبب لهم إزعاجاً من أی نوع.
الفرع الثانی
عدم دخول المسکن بغیر إذن صاحبه
وهذا تقریر لحرمة المسکن، وتأکید على عدم انتهاکها، فقد منع الإسلام من اقتحام السکن دون إذن صاحبه مهما کانت منزلة المقتحم فمن حق کل إنسان ألا یدخل أحد فی مسکنه إلا بإذنه ورضائه، لأن مسکن الشخص موضع اسراره ومستقر عائلته، فأی دخول بغیر إذن یکون اعتداء على الشخص ذاته وعلى حرمة مسکنه، وهو لا یجوز، لقول الله تعالى: ﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُیُوتًا غَیْرَ بُیُوتِکُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ ٢٧ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِیهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى یُؤْذَنَ لَکُمْ وَإِنْ قِیلَ لَکُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْکَى لَکُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِیمٌ ٢٨﴾.
نستدل من هاتین الآیتین الکریمتین أنهما قررتا حرمة المسکن على أتم وجه وأکمله قبل أن تعرف الدساتیر والإعلانات العالمیة لحقوق الإنسان ذلک بأربعة عشر قرناً من الزمان، فلا یجوز أن یدخل شخص بیت غیره دون إذنه حتى إذا لم یجد أحداً من سکان المنزل فلیس له الدخول حتى یحصل على إذن بالدخول من صاحب المنزل؛ لأن المنزل مستودع أسرار الشخص فلا یجوز اقتحامه والاطلاع على هذه الأسرار ولو کان صاحبه خارجه لعمل أو قضاء حاجة. ولقد زادت هذه الآیة النهی عن دخول البیوت دون إذن أصحابها تأکیداً فأمرت الداخل بالرجوع إذا طلب منه صاحب البیت ذلک فقال تعالى: ﴿وَإِن قِیلَ لَکُمُ ٱرجِعُواْ فَٱرجِعُواْ هُوَ أَزکَى لَکُم وَٱللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ عَلِیم﴾، ولقد بلغ من حرص الإسلام على تأکید حرمة المسکن، ومنع الدخول فیه دون إذن صاحبه أنه سبحانه وتعالى أرشد المسلمین أن یعلموا أطفالهم الذین لم یبلغوا الحلم آداب الاستئذان, فقال تعالى: ﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْکُمُ الَّذِینَ مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ وَالَّذِینَ لَمْ یَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْکُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِینَ تَضَعُونَ ثِیَابَکُمْ مِنَ الظَّهِیرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَکُمْ لَیْسَ عَلَیْکُمْ وَلَا عَلَیْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَیْکُمْ بَعْضُکُمْ عَلَى بَعْضٍ کَذَلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمُ الْآیَاتِ وَاللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ﴾.
الفرع الثالث
عدم الاستیلاء على المسکن دون مسوغ شرعی
إذا ملک الإنسان مسکنا، فإن ملکیته له تکون مصونة شرعاً، فلا یجوز لأی شخص أن یعتدی على هذه الملکیة بالاستیلاء، أو الإتلاف بالهدم وغیره، إلا إذا کان ذلک من قبل الحاکم، واقتضته مصلحة عامة کتوسعة طریق أو بناء مسجد ونحوه، مع تعویض المالک. وصفوة القول: أن الإسلام أعطى الإنسان حریة المسکن، وأضفى على هذا المسکن حرمة وحصانة، لأنه مستودع أسراره ومستقر عائلته، فلا یجوز لأحد أن یتجسس علیه، ولا أن یدخل مسکنه دون إذنه.
المطلب الخامس
التخطیط العمرانی وآلیات حل مشکلة السکن فی الاسلام
لتصلیت الضوء على التخطیط العمرانی للمدن فی الشریعة الاسلامیة وبیان آلیات حل مشکلة السکن سیتم تقسیم هذا المطلب إلى الفرعین الآتیین:
الفرع الاول
التخطیط العمرانی للمدن فی الإسلام
برع المسلمون فی مختلف العلوم لقرونٍ عدیدةٍ ولا سیما الفترة المُمتدّة من بدایة قیام الدولة الإسلامیّة الأولى حتّى سقوط الخلافة العثمانیة وکان لتخطیط المدن الإسلامیّة اهتمام خاصّ من قبلهم، حیث بدأت تأخذ نمطاً مُمیّزاً فی تخطیطها مع بدایات الدعوة إلى الإسلام، وقد شکّل الفکر الإسلامی المرجع الأساس لتخطیط هذه المدن التی تمّ تأسیسها تباعاً مع اتّساع رقعة الدولة فی الإسلام، فکثر عددها، وتوسّعت، وازدهرت، بتوسّع وازدهار الحضارة الإسلامیّة, کان الإسلام وراء تکوین حضارة إسلامیة، وإنشاء مدن إسلامیة بمنهجیّة متمیّزة مصدرها الفکر الإسلامی الذی تراکم لقرونٍ عدیدة، وشهدت الدولة فی الإسلام ومع توسّعها المضطرد تأسیس وتطوّر وازدهار المئات من المدن الإسلامیة التی تشابهت فی منهجیّتها المُستمدة من العقیدة الإسلامیة أی الکتاب والسّنة ومصادر التشریع الإسلامی، وقیم الفکر الإسلامی وفی مقدّمتها عدالة الحکم، وفی ظل الحکم الإسلامی العادل تأسّست وازدهرت مدن تاریخیّة عدیدة کالکوفة، وحلب، والبصرة، وبغداد، ودمشق، والقاهرة، والرقة، والفسطاط، والعسکر، والقطائع، والقیروان، وفاس، ومراکش، والمهدیة، والجزائر، وغیرها وقد ارتبطت هذه المدن شکلاً ومضموناً ارتباطاً وثیقاً وکاملاً بالإسلام، کمنهجٍ وطریقةٍ فی الحیاة، وأصبح الإسلام ونظمه وأحکامه هو المحور الأساس الذی تدور حوله حیاة المدینة بأسرها وبکل تفاصیلها وجُزئیاتها، وبجوانبها المختلفة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة، وتخطیطها وترکیبها العمرانی وکان للإسلامالأثر الفعّالالذیأرسىوعمّقأصالةالمدینةالعربیة والإسلامیّة،بلرسّخقیمهاالتیهیّأت مجتمعهاتهیئةحضاریةوفیتوافقٍتامٍّ،شکّلفیالنّهایة منهجیّةواضحةلصورةالمدینةالإسلامیّةابتداءًمناختیار موقعها،وتخطیطموضعهامروراًبتخطیطاستعمالات أرضها وترکیبهاالداخلی،وانتهاءًبتطوّرهاونُضجهابشکلٍدقیقٍومتناغمٍ، عمرانیاً،وسُکّانیّاً،وبیئیّاً،وامنیّاً،وثقافیّاً.
إنّ ظهور الإسلام کقوّة سیاسیّة جدیدة على خریطة العالم کان له أثره الواضح فی ظهور مدن إسلامیة کانت بمثابة مراکز حضاریّة حملت لواء الحضارة بعد روما وتمثّل هذه المدن المستوى التّطبیقی لتکثیر العمارة، وقد اهتم الحکام المسلمون بالعمارة والعمران ومشارکتهم المباشرة فی اختیار مواقع المدن ومتابعة عملیات تخطیطها وإنشائها،وأوضح مثالعلىذلکمافعلهالخلیفةالمنصورعندماأنشأمدینة بغداد, یقولابنحزمفیمفهومالمدینةودور الدولة فی مسألة البناء وتکثیرالعمارة: (یَأْخُذ السُّلْطَان النَّاس بالعمارة وَکَثْرَة الْغِرَاس ویقطعهم الإقطاعات فِی الأَرْض الْموَات وَیجْعَل لکل أحد ملک مَا عمره ویعنیه على ذَلِک فِیهِ لترخص الأسعار بعیش النَّاس وَالْحَیَوَان ویعظم الْأجر وَیکثر الْأَغْنِیَاء وَمَا تجب فِیهِ الزَّکَاة) فالعمارة والبناء "سَبَب فِی کَثْرَة المَال وحاصلة أُمُور: أَحدهَا وَهُوَ أَصْلهَا الْعَام کَثْرَة الْعمرَان الْمَحْفُوظ برعایة الْعدْل فقد قَالُوا المَال بالخراج وَالْخَرَاج بالعمارة والعمارة بِالْعَدْلِ", ولا یمنع السلطان البناء الواسع وأن یبلغ به غایة الإتقان والقوة ولکن یمنع من التزویق والنقش والتزخرف وأشباه ذلک.
وتتمثّل منهجیّة الفکر الإسلامی فی تخطیط المدن الإسلامیة بشکل عام، بمقدار التناغم والتوافق بین المضمون الاجتماعی أو الإسلامی لسکان المدینة وملامحها العمرانیة والمعماریة، کأساس للبحث عن المضامین الإسلامیة، التی یمکن عدها أساساً لنظریة تخطیط المدینة الإسلامیة، والمضامین الإسلامیة هنا تشمل الجوانب السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة، کما تحددها العقیدة الإسلامیة، وهذه المدن بمفهومها العقائدی تُعبر عن الحیاة الیومیة للمجتمع الذی تغلغل فیه الإسلام کدین وعقیدة فی کل عناصر حیاته المادیة والمعنویة، فنظام الحیاة الإسلامیة هو فی حقیقة الأمر نظام کلى یشمل کل أسباب الحیاة الیومیة على المستوى العام والخاص لکل السکان .
وبما أن العمارة فی أی مجتمع هی انعکاس للعوامل الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة والتاریخیة لهذا المجتمع، فیمکن استنباط أحکام العمارة والعمران بالقیاس على أحکام الاقتصاد والاجتماع والمعاملات فی الإسلام ومع ذلک لم نجد من علماء الدین من تطرق إلى القواعد العمرانیة فی مجالات البناء والتعمیر وإن کان هناک الکثیر من الاجتهادات فی موضوعات إحیاء الأرض وشروط الملکیة العامة والخاصة کما أن هناک العدید من الأحکام والفتاوى التی تطرقت إلى شروط البناء والعلاقات والأعراف بین الأطراف وتطبیق مبدأ لا ضرر ولا ضرار.
والتعمیر یصحبه الاستیطان البشری فی التجمعات العمرانیة الجدیدة مرتکزاً على مبدأ التوازن والتکافل الاجتماعی بین الطبقات والجمع بینها فی العمران دون تفرقة أو طبقیة أو تمییز فی الجنس أو اللون ما داموا یتقون الله فی أعمالهم وفی أداء وظائفهم الاجتماعیة والعملیة التی تتوافق مع إمکاناتهم وقدراتهم, قال تعالى: ﴿أَهُمْ یَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّکَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَیْنَهُمْ مَعِیشَتَهُمْ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِیَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِیًّا وَرَحْمَتُ رَبِّکَ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ﴾.
وقال تعالى: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِی جَعَلَکُم خَلَئِفَ ٱلأَرضِ وَرَفَعَ بَعضَکُم فَوقَ بَعض دَرَجَت لِّیَبلُوَکُم فِی مَا ءَاتَىکُم إِنَّ رَبَّکَ سَرِیعُ ٱلعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُور رَّحِیمُ﴾.
نستدلُ مما تقدم أن الشریعة الإسلامیة قد وضعت سبلاً وقائیة لظاهرة عشوائیات السکن ویتمثلُ ذلک فی التعمیر والتخطیط العمرانی للمدن بشکل دقیق ومنظم, وتوفیر الدولة لکل فرد من افراد المجتمع سکن یلائم وضعه الاجتماعی والاقتصادی, لکی یعیش حیاة کریمة هادئة .
المطلب السادس
آلیات الاقتصاد الإسلامی لحل مشکلة الإسکان
لما کان المسکن ضرورة وفطرة کرّم الله سبحانه وتعالى بها الإنسان دون سائر خلقه لیستأثر بخصوصیاته عن غیره، فإن الشریعة الإسلامیة قد حرصت على أن یکون المسکن مهوى للنفس وملاذاً للبدن ومراحًا لعلاقات المودة التی تربط بین أفراده، یلزم فیه أن یکون واسعاً لیشمل الجوانب النفسیة والمادیة، فعَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ قوله: "إِنَّ مِنْ سَعَادَةِ الْمُسْلِمِ الْمَسْکَنَ الْوَاسِعَ، وَالْجَارَ الصَّالِحَ، وَالْمَرْکَبَ الْهَنِیءَ", ویرى جانب من الشراح أن هناک مسؤولیة تقع على المجتمع أفراداً وجماعات، کما تقع أیضا على الدولة، فالدولة ملزمة بأن توفر الحاجات إلى حد الکفایة الوسیطة، أی إلى حد إشباع حاجات أوساط الناس، لما فی ذلک من تحقیق لمقاصد الشریعة الاسلامیة من إشباع الضرورات، ویجوز أخذ الدین والقرض من مال الزکاة لبناء المساکن، تأسیسا على أن السکن أو المبنى من الحاجات الأساس التی تؤمنها الزکاة للإنسان إذا کان غیر قادر على تأمینها.
وفى دراسة اکادیمیة بعنوان (الآلیات التمویلیة الإسلامیة لتنشیط السوق العقاری) یلخص فیها هذه الآلیات فی الفروع الآتیة:
الفرع الأول
التمویل عن طریق بیع المرابحة بالتقسیط
وهو أحد صور البیع الجائزة شرعاً لأنها تدخل فی عموم قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَیْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾، ومفهوم بیع المرابحة یتحدد فی بیع شیء بثمن شرائه وزیادة ربح معلوم یتفق علیه الطرفان، ویمکن أن یتم سداد ثمن البیع بالأجل على أقساط بثمن أعلى من ثمن البیع النقدی، ویتم وفق الآتی:
1. تقوم المؤسسة التمویلیة بشراء العقار أو الوحدة السکنیة نقداً أو بالآجل من صاحبها (شرکة عقاریة مثلا) إما بناءً على طلب من محتاج الوحدة أو دون طلب مسبق.
2. یتم إبرام عقد بیع الوحدة مع طالب السکن بثمن شراء المؤسسة التمویلیة لها وزیادة هامش ربح معلوم وما یقابل الأجل، على أن یسدد جزءا من ثمن البیع مقدماً والباقی یسدد على أقساط طویلة الأجل.
3. للمؤسسة التمویلیة حق المطالبة بضمانات لسداد الأقساط، ویجوز شرعاً طبقاً للمذهب المالکی رهن الوحدة السکنیة المبیعة.
الفرع الثانی
التمویل عن طریق عقد الاستصناع والاستصناع الموازی
وهو من العقود المسماة فی الفقه الحنفی، ویدخل ضمن عقد السَّلَم لدى جمهور الفقهاء، وصورته أن یطلب شخص من آخر صناعة شیء معین مثل بناء عقار بمواصفات معینة، وتکون موارد الصنع والعمل من عند الصانع، ویجوز فیه تأخیر دفع الثمن، ومعنى الاستصناع الموازی أن یتفق من طلب منه الصناعة مع صانع آخر لینفذ العقد مقابل ثمن أقل من الثمن الأول، ویکسب الفرق، فمثلاً لو أن شخصاً لدیه قطعة أرض، ویرید إقامة مبنى علیها، واتفق مع مقاول لبنائها مثلا بمبلغ معین مثلاً، ولکن لیس لدیه تمویل، یتقدم هذا الشخص إلى مؤسسة مالیة بطلب لإقامة المبنى بموجب عقد استصناع، وتتفق المؤسسة المالیة مع المقاول فی عقد استصناع مواز لإقامة المبنى بالمبلغ المحددأو أقل منه حسب المساومة التی تجریها مع مقاولین آخرین، ثم تقوم المؤسسة المالیة بالاتفاق مع صاحب المبنى المطلوب إقامته على أن یسدد لها المبلغ على أقساط، ویراعى فی تحدیده تحقیق هامش ربح للمؤسسة إلى جانب الزیادة مقابل الأجل.
الفرع الثالث
التمویل عن طریق الإجارة
ویوجد التمویل عن طریق الاجارة نوعان أساسان یمکن توضیحهما على النحو الآتی:
أ. الإجارة التشغیلیة أو الأصلیة: وهی أن یستأجر مبنى للسکن مثلا مقابل أجرة محددة تدفع دوریاً، وتقتصر علاقة المستأجر على الانتفاع بالمبنى الذی یظل ملکه للمؤجر، ویمکن أن یتم ذلک بأسلوبین:
الأول: أن تنشأ شرکة عقاریة یکون غرضها إنشاء المبانی ثم تأجیرها لطالبی السکن مقابل أجرة شهریة.
الثانی: أن تصدر شرکة استثمار سندات إجارة تجمع بموجبها مبالغ من المدخرین، ثم تنشئ بهذا المبلغ عدة مبان تقوم بتأجیرها، على أن یشارک حملة السندات فی الحصول على قیمة الإیجار الدوری بحسب ما یحمله کل شخص من سندات بعد خصم مقابل إدارة العقار، ویمکن أن یتم تداول هذه السندات فی السوق الثانویة.
ب. الإجارة التمویلیة أو الإجارة المنتهیة بالتملیک: وهی التی یزید فیها قسط الإیجار الدوری، واعتبار الزیادة جزءً أو قسطاً من ثمن المبنى، حتى تنتهی مدة الإجارة بتملک المستأجر للمبنى، وتتم عن طریق قیام مؤسسة مالیة بشراء أو إنشاء مبناً ثم تقوم بتأجیره للغیر مقابل قسط إیجار دوری یحدد بحیث تسترد المؤسسة تکالیف الحصول على المبنى وهامش ربح وجزء من ثمن المبنى مع کل قسط إلى أن تنتهی مدة الإیجار، فتنتقل ملکیة المبنى إلى المستأجر.
الفرع الرابع
التمویل عن طریق المضاربة المخصصة
وهی من العقود الشرعیة، وتعرف بأنها دفع مال لآخر لیعمل فیه، والربح بینهما على ما اتفقا، وصورتها أن یکون لدى بعض الناس فائض مدخرات ویریدون استثمارها ولکن لا تتوافر لدیهم المقدرة أو الوقت أو الخبرة، فیدفعون أموالهم إلى شخص خبیر لیستثمر هذه الأموال مقابل حصة من الربح، وکونها مضاربة مخصصة أی یحدد فیها نوع ومجال الاستثمار وهو فی مجالنا یتمثل فی الاستثمار العقاری, ویمکن أن یتم استخدام المضاربة فی تنشیط السوق العقاری من خلال قیام مؤسسة مالیة أو استثماریة بالتخطیط لإنشاء مبناً أو عدة مبان، وبعد تحدید التکلفة اللازمة یقسم المبلغ إلى سندات أو وثائق تطرحها للاکتتاب العام لجمع هذه المبالغ، ثم تقوم بإنشاء المبنى وبیع وحداته بالتقسیط، ویوزع الربح على حملة السندات أو الصکوک على أن یتم استهلاک (استرداد قیمة) السندات من الأقساط المحصلة دوریا.
الفرع الخامس
التمویل الخیری
الى جانب عقود المعاوضات التی شرعها الإسلام، فإنه توجد عقود التبرعات القائمة على عمل الخیر والإحسان إلى الناس لأن الله سبحانه وتعالى کما أمر بالعدل أمر بالإحسان فی قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِیتَاءِ ذِی الْقُرْبَى وَیَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ وَالْبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُون﴾، والعدل أن یحصل کل شخص فی عقد معاوضة على حقه، أما الإحسان فیقوم على أن یعطی شخص لآخر مالاً دون مقابل منه، وإنما یرجو من الله عز وجل الثواب، ولقد شرع الإسلام آلیات عدیدة لعقود التبرعات أو الإحسان، منها ما هو واجب مثل الزکاة ونفقة الأقارب وحقوق الجیران، ومنها ما هو تطوعی مثل الوقف والصدقات التطوعیة الأخرى، وفى هذا الإطار یمکن استخدام أسلوب الوقف الذی یمثل صدقة جاریة یستمر ثوابها إلى ما بعد حیاة الإنسان فی توفیر التمویل اللازم لمساکن المحتاجین من الفقراء والمساکین، ولاسیما أن نسبة من لا یجدون السکن المناسب من سکان العشش والسکن المجازی والعشوائیات فی تزاید.
نستدل مما تقدم ان الشریعة الاسلامیة وضعت سبلاً ووسائل وقائیة للحد والقضاء من ظاهرة عشوائیات السکن، ویتمثل ذلک فی أن تلتزم الدولة انطلاقاً من مسؤولیة الراع تجاه رعیته، بان توفر لکل فرد من أفراد المجتمع سکنا یلائم حالته الاجتماعیة والاقتصادیة؛ لکی یعیش حیاة کریمة؛ فضلاً عن اعتبارها من الحاجات الأساس، والمقاصد الضروریة الخمسة المتمثلة بحفظ النفس، العقل، والدین، والمال، والعرض.
المبحث الثانی
حق السکن فی التشریعات الوضعیة
یعد حق الإنسان فی السکن من الحقوق الأساس التی لا غنى عنها ویأتی السکن فی الأهمیة بعد المأکل والمشرب فی التسلسل الهرمی للحاجات الإنسانیة وقد أوصت بها التشریعات الوضعیة لما یمثله موضوع السکن من أهمیة کبیرة فی حیاة الإنسان کونه یمثل الحق الذی یضمن له العیش بکرامة، فضلاً عن أهمیة قطاع السکن والارتباط التام والوثیق بمستوى الاسرة وحیاتها, ان المجتمع والسکن هو احد الاسباب الرئیسة التی تساعد الأسرة على وظیفتها الأساس فی تربیة أجیال صالحة فی المجتمع وأن قطاع السکن مهم فی تکوین الناتج المحلی الإجمالی واستقطابه لعدد من المشتغلین ومساهمتهم فی تکوین رأس المال الثابت فی العراق، وسیتم توضیح هذا المبحث من خلال المطالب الآتیة:
المطلب الأول
تعریف حق السکن قانوناً
لم تعرف التشریعات الوضعیة ومنها القانون العراقی والقانون المصری المسکن وترک ذلک للفقه وهذا مسلک یحمد علیه المشرع, ویعرف المسکن بأنه المکان الذی یقضی فیه الإنسان اکثر وقته، ومنه ینطلق للعالم وللبیئة المحیطة یؤثر فیهما ویتأثر منهما، وبقدر ما یکون ملائما بقدر ما یکون الإنسان مبدعًا وفاعلاً وخلاقًا.
ویعد الحق فی السکن، أحد المفاهیم التی ظهرت إلى واجهة الخطاب السیاسی والقانونی الدولی، منذ تاریخ صدور الإعلان العالمی لحقوق الإنسان فی سنة 1948، والمعنى المراد الوصول إلیه من وراء استخدام هذا المفهوم، لا یأتی مرادفا للحق فی الملکیة ولا مساویاً له فی المعنى، کون الحق فی الملکیة مصان بشکل مستقل، وأن الحق فی السکن یعد أوسع من خلال تطرقه لعدد من الجوانب التی لیست لها صلة بالملکیة، کما أنه یتعدى أیضا نطاق المعنى الظاهر، والمنبثق من جراء استخدام لفظة السکن، والتی تعنی غالباً المبنى المادی الشاخص فی شکل غرفة ذات أربعة جدران والسقف الذی یغطیها، إلى معنى أوسع وأشمل ومرتبط بشکل مباشر بالکائن البشری، والکرامة الإنسانیة.
وقد تم تفسیره وتحدید أبعاده، کونه حقا لکل إنسان فی مکان یضمن له العیش بکرامة وأمان، وبما یضمن له خصوصیته وبناء علاقات عائلیة واجتماعیة، والتأثیر على ما حوله اجتماعیاً وسیاسیاً وثقافیاً وهو المکان الذی یعطی الفرصة لقاطنیه للمساهمة النشطة والواعیة والخلق والإبداع فی إطار الحیاة الاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة والثقافیة التی یعیشونها.
وقد ورد فی التعلیق العام رقم (4) بشأن الحق فی السکن، والذی اعتمدته لجنة الحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة، فی دورتها المنعقدة بتأریخ 1/12/1991 والذی جاء فیه "لا ینبغی تفسیر الحق فی السکن تفسیراً ضیقاً أو تقلیدیاً، یجعله مساویاً على سبیل المثال للمأوى الموفر للمرء بمجرد وجود سقف فوق رأسه، أو یعتبر على وجه الحصر سلعة"، وهذا یعنی ضرورة استیفاء حد أدنى من المعاییر، قبل أن یکون بالإمکان اعتبار أشکال معینة من المأوى سکنا لائقاً, وهی المعاییر التی تتعلق غالباً حسب الاجتهادات القانونیة التی جرى الأخذ بها، بأمن الحیازة، والقدرة على تحمل تکالیفه، وأهلیة الموقع، والصلاحیة للسکن، وتوفر الخدمات والتجهیزات ومرافق البنیة التحتیة، والملاءمة من الناحیة الثقافیة، فیتمثل حق السکن فی حق کل إنسان فی مستقر یضمن له العیش بکرامة وأمان، ویحفظ له خصوصیته وقدرته على بناء علاقات عائلیة واجتماعیة.
المطلب الثانی
الأساس الدستوری لحق السکن
بعد أن احتلت الولایات المتحدة الأمریکیة العراق فی عام ۲۰۰۳ الأمر الذی أدى إلى سقوط النظام وانهیاره وتغییر نظام الحکم فی العراق اصدرت سلطة الائتلاف مجموعة من الأوامر والقوانین، کان من أهمها قانون إدارة الدولة العراقیة للمرحلة الانتقالیة فی عام ۲۰۰4 وعد هذا القانون بمثابة دستور للعراق فی حینها, وخُصص الباب الثانی منه لتنظیم الحقوق والحریات والذی حمل عنوان "الحقوق الأساسیة" من المادة (۱۰-۲۳) وتناولت هذه المواد مختلف الحقوق والحریات الأساس للأفراد والتی اعتمد علیها دستور العراق الدائم فیما بعد فی صیاغة النصوص المتعلقة بالحقوق والحریات العامة.
وفیما یتعلق بالحق فی السکن یمکن استنتاجه ضمنیاً من نص المادة (14) حیث نصت على حق الفرد بالحقوق الأساس والحاجات الحیویة وأن تسعى الدولة العراقیة ووحداتها الحکومیة وبضمنها الأقالیم والمحافظات والبلدیات والإدارات المحلیة لتوفیرها على اعتبار أن حق السکن من الحقوق الأساس والحاجات الحیویة کما جاء فی نص المادة بقولها "للفرد الحق بالأمن والتعلیم والعنایة الصحیة والضمان الاجتماعی, وعلى الدولة العراقیة ووحداتها الحکومیة وبضمنها الأقالیم والمحافظات والبلدیات والإدارات المحلیة, بحدود مواردها ومع الأخذ بالاعتبار الحاجات الحیویة الأخرى أن تسعى لتوفیر الرفاه وفرص العمل للشعب".
أما المادة (15/ب) من هذا القانون المذکور آنفاً فقد عالجت الخصوصیة وحرمة المساکن التی تعنی عدم جواز اقتحام المسکن أو تفتیشه إلا بموجب اجراءات واحوال یحددها القانون سواء أکان المسکن مملوکاً لمن یسکنه أم کان مستأجراً، وسواء أکان المسکن دائماً أم مؤقتاً؛ لأنه هو المکان الذی یشعر فیه الإنسان بالراحة والسکینة والهدوء حیث نصت على أنه: "لا یجوز انتهاک حرمة المساکن الخاصّة من قبل الشرطة أو المحقّقین أو السلطات الحکومیة الأخرى سواء کانت هذه السلطات تابعة للحکومة الاتحادیة أم الإقلیمیة، أم المحافظات والبلدیات والإدارات المحلیة، إلا إذا أصدر قاض مختص حسب القانون المرعی إذناً بالتفتیش ...".
وبعد ذلک ظهرت حاجة ملحة لإصدار دستور جدید ودائم للعراق وتم ذلک بالفعل عام 2005 وتم اعتماد دستور جدید بالتصویت علیه بتأریخ 15 تشرین الأول عام 2005 والذی جاء بنصوص تؤکد الحقوق والحریات للجمیع، ومن أبرزها: الحق فی السکن الملائم والعیش فی حیاة حرة کریمة إذ نص هذا الدستور وبشکل مباشر على حق السکنإذ جاء فی المادة (۳۰) من الدستور "أولاً: تکفل الدولة للفرد وللأسرة وبخاصة الطفل والمرأة الضمان الاجتماعی والصحی، والمقومات الأساس للعیش فی حیاةٍ حرةٍ کریمة، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسکن الملائم, ثانیاً: تکفل الدولة الضمان الاجتماعی والصحی للعراقیین فی حال الشیخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو الیتم أو البطالة، وتعمل على وقایتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السکن والمناهج الخاصة لتأهیلهم والعنایة بهم، وینظم ذلک بقانون".
ونلاحظ أنه على الرغم من تأکید الدستور العراقی على حق السکن لکل عراقی ووجوب أن تعمل الدولة على توفیره لکل مواطن کما جاء فی المادة (30) وأن ینظم ذلک بقانون إلا أنه لم یشرع قانون بهذا الخصوص الى الأن، وبقی حبراً على ورق.
ونصت المادة (17) فی الفقرة ثانیاً من الدستور على حرمة المسکن واکدت على عدم جواز دخوله أو تفتیشه أو التعرض له إلا بقرارٍ قضائی حیث نصت على أن: "ثانیاً:- حرمة المساکن مصونةٌ، ولا یجوز دخولها أو تفتیشها أو التعرض لها إلا بقرارٍ قضائی، ووفقاً للقانون". واکدت المادة(44) من الدستور العراقی حریة المسکن داخل العراق وخارجه فی الفقرة أولاً بقولها "أولاً:- للعراقی حریة التنقل والسفر والسکن داخل العراق وخارجه". وبعد الاحداث التی شهدها العراق فقد حرمت اعداد کبیرة من الأفراد من حقهم فی الحصول على سکن، کما أن الکثیر من العائلات فقدت منازلها وتعرضت للنزوح والتهجیر بسبب غیاب الأمن وانعدام الاستقرار فی العراق وفشل السلطات المعنیة بتوفیر الحمایة اللازمة للمساکن التی أکدها دستور العراق.
أما فی مصر فبالرغم من أنها من الدول الموقعة على العهد الدولی الخاص بالحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة منذ عام 1967، فإن الإشارة إلى الحق فی المسکن الملائم لم تظهر فی أی من الدساتیر المصریة سوى فی فترة ما بعد ثورة 25 ینایر 2011 فقد ظهر الحق فی المسکن الملائم لأول مرة فی دستور عام 2012 فقد نصت المادة (68) منه على حق السکن بقولها المسکن الملائم والماء النظیف والغذاء الصحی حقوق مکفولة، وتتبنى الدولة خطة وطنیة للإسکان تقوم على العدالة الاجتماعیة، وتشجیع المبادرات الذاتیة، وتعاونیات الإسکان وتنظیم استخدام أراضی الدولة لأغراض العمران، بما یحقق الصالح العام، ویحافظ على حقوق الأجیال".
تم التأکید فی هذه المادة وبشکل صریح على حق السکن الملائم إذ أکدت کفالة الدولة لهذا الحق وأن یکون هذا المسکن ملائماً وآمناً وصحیاً وتوفیر الغذاء والماء النظیف والتی تُعَدّ من أهم العناصر المکونة لحق السکن, کما جاءت هذه المادة موضحة ضرورة اعتماد خطة وطنیة للإسکان وتنظیم توزیع الأراضی، یلاحظ هنا أن المشرع المصری کان أکثر وضوحاً من المشرع العراقی فعلى الرغم من أن دستور العراق الدائم صدر منذ عام ۲۰۰5 وانه أکد حق السکن، إلا أنه لم یذکر تفصیلات هذا الحق وکیفیة توفیره ووضع الخطط اللازمة لذلک مثلما فعل المشرع المصری.
أما الدستور المصری لعام 2014 فقد نص وبشکل صریح على حق السکن الملائم وأن تکفل الدولة للمواطنین هذا الحق وتلتزم بوضع خطة وطنیة للإسکان تراعى الخصوصیة البیئیة، وتکفل إسهام المبادرات الذاتیة والتعاونیة فی تنفیذها ومدها بالمرافق الأساس فی إطار تخطیط عمرانی شامل للمدن والقرى واستراتیجیة لتوزیع السکان, إذ نصت المادة (۷۸) من الدستور على أنه: "تکفل الدولة للمواطنین الحق فی السکن الملائم والأمن والغذاء الصحی بما یحفظ الکرامة الانسانیة ویحقق العدالة الاجتماعیة وتلتزم الدولة بوضع خطة وطنیة للإسکان تراعى الخصوصیة البیئیة، و تکفل إسهام المبادرات الذاتیة والتعاونیة فی تنفیذها، وتنظیم استخدام أراضی الدولة ومدها بالمرافق الأساس فی إطار تخطیط عمرانی شامل للمدن والقرى واستراتیجیة لتوزیع السکان، بما یحقق الصالح العام وتحسین نوعیة الحیاة للمواطنین ویحفظ حقوق الأجیال القادمة, کما تلتزم الدولة بوضع خطة قومیة شاملة لمواجهة مشکلة العشوائیات تشمل إعادة التخطیط وتوفیر البنیة الأساس والمرافق، وتحسین نوعیة الحیاة والصحة العامة، کما تکفل توفیر الموارد اللازمة للتنفیذ خلال مدة زمنیة محددة".
یتضح لنا مما تقدم بأنه وعلى الرغم من أن العراق کان قد سبق مصر فی کفالة حق السکن والتی أکدتها دساتیر العراق ولاسیما دستور عام ۲۰۰5 إلا أن دستور مصر لعام ۲۰۱۲ ودستور عام ۲۰۱4 کانا اکثر توضیحاً لهذا الحق، إذ أن کلا الدستورین اوضحا کیفیة وضع الخطط الشاملة لتوفیر هذا الحق بالشکل الذی یتلاءم مع البیئة والتنمیة ویضمن تحقیق العدالة الاجتماعیة بین الأجیال الحالیة والمستقبلیة من خلال وضع برامج وخطط من أجل العمران وضرورة تنظیم توزیع اراضی الدولة وبشکل عادل بحیث یضمن أن یحصل الأفراد على مساکن ملائمة وامنة وصحیة بما یضمن حصول الجمیع على مستوى معیشی لائق یکفل الکرامة الانسانیة للأفراد، ووضع خطة قومیة شاملة لمواجهة مشکلة العشوائیات تشمل إعادة التخطیط وتوفیر البنیة الأساس والمرافق، وتحسین نوعیة الحیاة والصحة العامة فی حین أن المشرع العراقی اکتفى بالقول فی المادة الدستوریة رقم (۳۰) من دستور ۲۰۰5 على أنه من واجبات الدولة توفیر السکن.
ویرى البعض أن حجم ونوع الالتزامات القانونیة تجاه حق السکن والوفاء به، لا یعنی ذلک أن الالتزام الناشئ على الدولة یجب أن یکرس التزاماً علیها ببناء مساکن لمواطنیها کافة، أو أن تعمل على توفیر المسکن لکل فرد بشکل مجانی، وفی کل مکان وفی الأوقات کافة , فالدستور العراقی مثلاً عندما کفل حق السکن وحمایته ونص على ضرورة وجود قانون خاص بالسکن من أجل ضمان قیام الدولة بواجباتها فی توفیر السکن إلا أن ذلک لا یعنی الزام الدولة بتوفیر مسکن لکل شخص بالمجان، وإنما الزامها بوضع خطط وبرامج واتباع سیاسات تمکنها من توفیر المساکن حیث أکدت المادة (۳۰) من الدستور التی أشارت إلى ضرورة أن ینتظم بقانون لأنه حتى ان قیل أنه لیس بالضرورة وجود قانون خاص بالسکن على اعتبار أن المادة الدستوریة ذکرت مجموعة من الحقوق ومن ضمنها حق السکن ولکن فی الواقع أن هذه الحقوق الواردة فی المادة الدستوریة مرتبطة ارتباطاً وثیقاً بتوفیر حق السکن لأن السکن یُعَدّ حاجة اساس لکل إنسان ومن ثم لا یمکنه الحصول على حقوقه والتمتع بها وهو لا یملک سکنا، ومن ثم فإن ضمان توفیر هذا الحق لا یکون إلا من خلال قانون خاص به وهذا سیساعد الدولة على القیام بواجباتها تجاه مواطنیها.
وبدورنا نرى أن السکن هو حاجة اساس لکل إنسان ومن ضروریات الحیاة الکریمة له فالدولة ملزمة بتوفیر السکن للکل مع بقیة الحاجات الأساس والضروریة لحیاة الإنسان وهذا ما جاء به الاسلام وورد فی الشریعة الاسلامیة وهو مغایر تماماً لما اخذت به الدساتیر الوضعیة والسبب فی هذا الاختلاف هو اختلاف النظر إلى دور الدولة فـدور الدولة فی الاسلام هو رعایة مصالح الناس وحفظها بما یتفق وینسجم مع مقاصد الشریعة الإسلامیة.
المطلب الثالث
الاساس القانونی لحق السکن
تطرقنا فی المطلب الثانی إلى التنظیم الدستوری لحق السکن، وتبین لنا أن الدستور العراقی کفل هذا الحق، لذا فی هذا المطلب سنتناول أهم القوانین العراقیة التی أکدت هذا الحق ومن أبرزها:
الفرع الأول
حق السکن فی القانون المدنی العراقی
نصت الفقرة الأولى المادة (68) من القانون المدنی العراقی على أن "الحقوق العینیة الأصلیة هی حق الملکیة وحق التصرف وحق العقر وحقوق المنفعة والاستعمال والسکنى والمساطحة وحقوق الارتفاق وحق الوقف وحق الاجارة الطویلة"، وحق السکن هو فرع من فروع الحقوق العینیة الأصلیة شأنه شأن حق الملکیة الذی یتفرع إلى عناصر التصرف، والاستعمال، والاستغلال، وحیث ان عنصر الاستعمال یتضمن من بین مضامینه السکن فعلیه یکون حق السکن متفرعا من الحقوق العینیة الأصلیة، وعرفت الفقرة الاولى من المادة (67) من القانون المدنی العراقی الحق العینی بقولها "الحق العینی هو سلطة مباشرة على شیء معین یعطیها القانون لشخص معین".
ویعد حق السکنى صورة من صور حق الاستعمال الا ان الاستعمال فیه مقید بسکنى صاحب الحق واسرته فقط هذا وان کلا من حقی الاستعمال والسکنى یعدان بدورهما من صور حق المنفعة اذ ان حق المنفعة یخول صاحبه سلطتی الاستعمال والاستغلال فی حین لا یکون لصاحبی حق الاستعمال والسکنى سلطة الاستغلال وانما سلطة الاستعمال فقط وتحدیدها بالنسبة لحق السکنى بنوع معین من الاستعمال الا وهو سکنى صاحب الحق واسرته، وهذا ما نص علیه القانون المدنی العراقی إذ جاء فی المادة (1261) منه على أنه: "یصح ان یکون تملیک المنفعة قاصراً على الاستعمال او على السکنى". ونصت المادة (1262) منه على أنه: "نطاق حق الاستعمال وحق السکنى یتحدد بمقدار ما یحتاج الیه صاحب الحق وأسرته فی خاصة أنفسهم"، والأسرة هنا تشمل جمیع من یعوله صاحب حق السکنى من الأقارب والأزواج والأولاد والخدم، ولا یقید بمن لهم حق النفقة على صاحب الحق شرعاً , وذکر المشرع المصری الحقوق العینیة الأصلیة فی القسم الثانی من الکتاب الثالث وعد حق الاستعمال والسکنى من الحقوق العینیة المتفرعة عن الملکیة فی الباب الثانی فی المواد (996-998) من القانون المدنی النافذ.
الفرع الثانی
حق السکن فی قانون الأحوال الشخصیة العراقی رقم (۱۸۸)
لسنة 1959
الزم قانون الأحوال الشخصیة المعدل الزوج بتوفیر مسکن شرعی للزوجة وکذلک المطلقة لها الحق فی السکن فیلزم الزوج بأن یدفع النفقة للزوجة ومن بین النفقة السکن حیث نصت الفقرة الثانیة من المادة (24) منه على أنه: "تشمل النفقة الطعام والکسوة والسکن ولوازمها وأجرة التطبیب بالقدر المعروف وخدمة الزوجة التی لأمثالها معین".
وأعطى قانون الاحوال الشخصیة المعدل وفق قانون حق الزوجة المطلقة فی السکنى رقم (77) لسنة 1983 المعدل فی الفقرة الاولى من المادة الاولى منه للزوجة المطلقة الحق فی البقاء ساکنة بعد الطلاق أو التفریق فی الدار أو الشقة التی کانت تسکنها مع الزوج بصورة مستقلة، إذا کانت مملوکة له کلاً أو جزءاً أو کانت مستأجرة من قبله وتفصل المحکمة فی هذه النقطة مع الحکم الفاصل فی الدعوى.
وجاء فی الاسباب الموجبة لقانون حق الزوجة المطلقة فی السکنى ما یأتی : "لوحظ ان کثیراً من الزوجات یبقین بلا مأوى بعد طلاقهن او تفریقهن لذلک فان العدالة تقضی بأن تمنح الزوجة التی یصدر حکم بطلاقها او تفریقها حق البقاء فی الدار او الشقة التی تسکنها مع زوجها، مدة تکفیها لتهیئة مسکن یؤویها لان الزوج هو الاقدر على تهیئة مسکن له ...." نعتقد أن موقف المشرع العراقی فی تشریعه لهذا القانون کان منتقداً ؛ لأن العدالة تقضی أن تقوم الدولة بتوفیر المسکن للمطلقة, لأن الاخیرة هی الاقدر على تهیئة المسکن من الزوج نظراً لسعة مواردها , وانطلاقاً من مسؤولیتها تجاه رعیتها.
وقد استعمل مشرع قانون الأحوال الشخصیة مفردات البیت، والدار، والمسکن، والشقة تأکیداً على حق الزوجة سواء اکانت مطلقة أم غیر مطلقة فی السکنى، ودرجت محکمة التمییز العراقیة على استعمال هذه المفردات فی قراراتها إلا أن اللفظ الشائع الاستعمال فی التشریع العراقی هو مصطلح البیت الشرعی. وهذه المفردة تعنی فی الاصطلاح الشرعی الغرفة، وهو ما یمکن عَدُهُ مسکناً شرعیاً للمعسرین ولا یمکن عَدُهُ کذلک بالنسبة إلى المیسورین أو متوسطی الحال الذین یجب علیهم أن یهیئوا داراً مستقلة أو شقة.
أما المشرع المصری فقد أکد فی قانون الأحوال الشخصیة المصری رقم (25) لسنة ۱۹۲۰ المعدل بالقانون رقم (25) لسنة ۱۹۲۹ المعدل بالقانون رقم (۱۰۰) لسنة 1985 فی مادته الأولى على حق الزوجة فی النفقة...، وتشمل النفقة الغذاء, والکسوة, والمسکن, ومصاریف العلاج وغیر ذلک مما یقضی به الشرع...، مؤکداً على أن خروج الزوجة من مسکن الزوجیة بدون إذن من زوجها لا یعدُ سبباً لسقوط نفقتها.
الفرع الثالث
حق السکن فی قانون العقوبات العراقی رقم (111) لسنة 1969
لقد أکد قانون العقوبات العراقی حق السکن وحمایته فی العدید من النصوص القانونیة منها المادة (334) "یعاقب بالحبس وبالغرامة او بإحدى هاتین العقوبتین کل موظف او مکلف بخدمة عامة استغل سلطة وظیفته فاشترى عقاراً او منقولاً قهراً عن مالکه او استولى علیه او على منفعة او ای حق آخر للغیر بغیر حق او اکره مالکه على اجراء ای تصرف مما ذکر لشخصه او لشخص آخر او على تمکینه من الانتفاع به بأی وجه من الوجوه", فنجد نص هذه المادة یؤکد حمایة المسکن بصورة غیر مباشرة، لأن المسکن یعد عقاراً لذلک ینطبق نص هذه المادة على المسکن.
وأکد المشرع العراقی حق السکن وحمایته أیضاً فی الفقرة الاولى من المادة (428) مَن قَانون العقوبات حیث عاقبَ على جریمة انتهاک حرمة المسکن بعقوبة اصلیة تتمثل بالحبس واخرى تتمثل بالغرامة فعاقب المشرع العراقی "بالحبس مَدة لا تَزید عَلى اَلسنة وبغرامة لاَ تَزید عَلى مَئة دَینار من دخل محلاً مسکوناً او معداً للسکنى او احد ملحقاته وکان ذلک بدون رضاء صاحبه وفی غیر الأحوال التی یرخص فیها القانون بذلک".
وکذلک أشارت المادة (440) من قانون العقوبات العراقی فی فقرتها الرابعة, الى المسکن وعدته ظرفا مشدداً فی جریمة السرقة فنصت على "أن ترتکب السرقة فی محل مسکون او معد للسکن او فی احد ملحقاته وان یکون دخوله بواسطة تسور جدار او کسر باب او نحوه او استعمال مفاتیح مصطنعة او انتحال صفة عامة او الادعاء بأداء خدمة عامة او بالتواطؤ مع احد الساکنین فی المحل او باستعمال ایة حیلة", وهذا دلیل على حمایة المشرع لهذا الحق وتشدید العقوبة فی حالة انتهاکه من قبل الغیر.
أما المشرع المصری فقد عنی کذلک بحمایة حق السکن والتأکید علیه شأنه شأن المشرع العراقی فأورد مجموعة من النصوص التی تجرم الاعتداء على حرمة المسکن وذلک فی قانون العقوبات المصری الباب الرابع عشر فی المواد (369-373).
المطلب الرابع
حق السکن فی الاتفاقات والمواثیق الدولیة لحقوق الانسان
تناول الإعلان العالمی لحقوق الإنسان بشکل واضح وصریح الحق فی السکن، وذلک کونه حقًا أساساً من حقوق الإنسان, فقد ورد ذلک فی الفقرة الاولى من المادة (25)، التی تنص على أنه: "لکلِّ شخص حقٌّ فی مستوى معیشة یکفی لضمان الصحة والرفاهیة له ولأسرته، ولاسیما على صعید المأکل والملبس والمسکن والعنایة الطبیة وصعید الخدمات الاجتماعیة الضروریة، وله الحقُّ فی ما یأمن به الغوائل فی حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشیخوخة أو غیر ذلک من الظروف الخارجة عن إرادته والتی تفقده أسباب عیشه".
ویمکن القول ان الإعلان العالمی لحقوق الإنسان قد شکل الأساس الذی بنی علیه تطور مضمون الحق فی السکن الملائم، والذی تفصله المادة) 11 (من العهد الدولی الخاص بالحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة، وخاصة الفقرة الأولى منها، والتی تعد أحد أهم النصوص القانونیة لهذا الحق اذ نصت على أنه: "تقر الدول الأطراف فی هذا العهد بحق کل شخص فی مستوى معیشی کاف له ولأسرته، یوفر ما یفی بحاجتهم من الغذاء والکساء والمأوى، وبحقه فی تحسین متواصل لظروفه المعیشیة وتتخذ الدول التدابیر اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة فی هذا الصدد بالأهمیة الأساس للتعاون الدولی القائم على الرضا الحر".
وفی قرار لمجلس حقوق الإنسان فی الجمعیة العامة للأمم المتحدة اعتمده المجلس دون تصویت فی الجلسة (62) فی (23) اذار سنة 2016 تحت عنوان (السکن اللائق کعنصر من عناصر الحق فی مستوى معیشی مناسب, والحق فی عدم التمییز فی هذا السیاق)، جاء فیه: "إن مجلس حقوق الإنسان، إذ یؤکد من جدید أن صکوک القانون الدولی لحقوق الإنسان، بما فی ذلک الإعلان العالمی لحقوق الإنسان والعهد الدولی الخاص بالحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة، تستتبع واجبات والتزامات تقع على عاتق الدول الأطراف، تشمل جمیع مستویات الحکومة، فیما یتعلق بتوفیر إمکانات الحصول على سکن لائق", واشار أیضاً إلى أن "الدول مسؤولة فی المقام الأول عن ضمان الاعمال الکاملة لجمیع حقوق الإنسان والسعی لاتخاذ خطوات، منفردة وعن طریق المساعدة والتعاون الدولیین، وبخاصة على الصعیدین الاقتصادی والتقنی، وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، کی تحقق تدریجیاً الاعمال الکامل للحق فی السکن کعنصر من عناصر الحق فی مستوى معیشی مناسب بجمیع الوسائل المناسبة، بما فی ذلک اعتماد تدابیر تشریعیة".
نستدل مما تقدم ان التشریعات الوضعیة ولا سیما العراقی وضع سبلاً ووسائل وقائیة للحد والقضاء من ظاهرة عشوائیات السکن، ویتمثل ذلک فی أن تلتزم الدولة انطلاقاً من مسؤولیتها تجاه رعیتها، بان توفر لکل فرد من أفراد المجتمع سکنا یلائم حالته الاجتماعیة والاقتصادیة من دون تمییز بینهم؛ لکونه من الحاجات الأساس، لیعیش حیاة کریمة؛ وعدت المسکن حرمة وحصانة؛ لأنه مستودع أسرار الانسان، ومستقر عائلته، فلا یجوز التجسس علیه، ولا الدخول الیه الا بإذنه.
المطلب الخامس
الآلیات القانونیة لمعالجة ظاهرة عشوائیات السکن
لقد حرص القانون على أن یکون المسکن مهوى للنفس وملاذاً للبدن ومراحًا لعلاقات المودة التی تربط بین أفراده، لذا فالدولة ملزمة بأن توفر ذلک لأفراد مجتمعها؛ لما فی ذلک من تحقیق للمقاصد والضرورات الخمسة، من حفظ النفس، والدین، والعقل، والعرض، والمال، ویجوز لها أن تلجأ الى الدیون والقروض والمساعدات المالیة لبناء المساکن، لکونها من الحاجات الأساس للإنسان، ومن أهم الآلیات القانونیة التی یجب اتباعها للقضاء على عشوائیات السکن غیر المشروعة، وغیر الملائمة صحیاً، واقتصادیاً، واجتماعیاً لسکن الانسان هی ما یأتی:
الفرع الأول
التمویل عن طریق بیع المرابحة بالتقسیط
وهو أحد صور البیع الجائزة قانوناً إذ نص المشرع العراقی على أنه: "یجوز البیع مرابحة... والمرابحة بیع بمثل الثمن الاول الذی اشترى به البائع مع زیادة ربح معلوم ... ویلزم فی هذه البیوع ان یکون الثمن الاول معلوماً تحرزا عن الخیانة والتهمة"، وهذه البیوع تسمى بعقود الأمانة؛ لأنها تقوم على أساس الأمانة بالبائع فی مقدار الثمن والتصدیق بقوله، فاذا تبین أنه غیر صحیح کان خائنا للأمانة، ومغرراً، فعند تحقق الغبن الفاحش فی البیع یصبح العقد موقوفاً على اجازة صاحبه؛ نص المشرع العراقی على ما تقدم بقوله: "اذا غرر احد المتعاقدین بالآخر وتحقق ان فی العقد غبناً فاحشاً کان العقد موقوفاً على اجازة العاقد المغبون، فإذا مات من غرر بغبن تنتقل دعوى التغریر لوارثه. ویعتبر تغریراً عدم البیان فی عقود الامانة التی یجب التحرز فیها عن الشبهة بالبیان کالخیانة فی المرابحة...".
الفرع الثانی
التمویل عن طریق عقد الاستصناع
لقد أورد المشرع العراقی عقد الاستصناع ضمن العقود المسماة الواردة على العمل، وصورته أن یطلب شخص من آخر صناعة شیء معین مثل بناء عقار بمواصفات معینة، وتکون موارد الصنع والعمل من عند الصانع، ویجوز فیه تأخیر دفع الثمن، إذ نص المشرع على ما تقدم بقوله:" المقاولة عقد به یتعهد احد الطرفین ان یصنع شیئاً او یؤدی عملاً لقاء اجر یتعهد به الطرف الآخر"، وقال أیضاً أنه:" یجوز ان یقتصر المقاول على التعهد بتقدیم عمله على ان یقدم رب العمل المادة التی یستخدمها المقاول او یستعین بها فی القیام بعمله، ویکون المقاول اجیراً مشترکاً. کما یجوز له ان یتعهد المقاول بتقدیم العمل والمادة معاً ویکون استصناعاً" .
الفرع الثالث
الإجارة التمویلیة أو الإجارة المنتهیة بالتملیک
أورد المشرع العراقی الایجار ضمن العقود المسماة الواردة على الانتفاع بالشیء، وتعرف بأنها: "تملیک منفعة معلومة بعوض معلوم لمدة معلومة وبه یلتزم المؤجر ان یمکن المستأجر من الانتفاع بالمأجور". وصورة التمویل عن طریق الاجارة هی أن یستأجر مبنى للسکن مقابل أجرة محددة تدفع دوریاً، وتقتصر علاقة المستأجر على الانتفاع بالمبنى الذی یظل ملکه للمؤجر، ویزید فیها قسط الإیجار الدوری، واعتبار الزیادة جزءً وقسطاً من ثمن المبنى، حتى تنتهی مدة الإجارة بتملک المستأجر, وقد حسم المشرع العراقی کل خلاف حول تکییف حالة الایجار الساتر للبیع أو ما یسمى بالبیع الایجاری، فعده بیعاً معلقاً على شرط واقف هو سداد جمیع الأقساط، وذلک بقوله:" اذا کان البیع مؤجل الثمن، جاز للبائع ان یحتفظ بالملکیة الى ان یستوفی الثمن کله حتى لو تم تسلیم المبیع. فإذا کان الثمن یدفع اقساطاً، جاز للمتبایعین ان یتفقا على انیستبقی البائع جزءاً منه تعویضاً له عن فسخ البیع اذا لم تسدد جمیع الاقساط، ومع ذلک یجوز للمحکمة تبعاً للظروف ان تخفض التعویض المتفق علیه، وفقاً لأحکام التعویضات الاتفاقیة. واذا سددت الاقساط جمیعاً انتقلت ملکیة المبیع الى المشتریمن وقت البیع، الا اذا وجد اتفاق على غیر ذلک. وتسری احکام الفقرات الثلاث السابقة حتى لو سمى المتعاقدان البیع ایجاراً".
الفرع الرابع
التمویل الخیری
تقوم عقود التبرعات على عمل الخیر والإحسان والبِر إلى الناس المحتاجین، ویمثل الوقف أحد تلک الأعمال، لکونها صدقة جاریة یستمر ثوابها إلى ما بعد حیاة الإنسان، فضلاً عن الهبات والصدقات الخیریة فی توفیر التمویل اللازم لمساکن المحتاجین من الفقراء والمساکین، ولاسیما أن نسبة من لا یجدون السکن المناسب من سکان العشوائیات فی تزاید مستمر. وقد عد المشرع العراقی عقد الهبة والصدقة من العقود المسماة الواردة على الملکیة فی الفرع الأول من الفصل الثانی للکتاب الثانی من الباب الأول للقانون المدنی، فنص على أن: "الهبة هی تملیک مال لآخر بلا عوض. والصدقة هی المال الذی وهب لآجل الثواب وهی فی احکامها کالهبة الا فیما ورد فیه نص خاص".
الـخاتمـة
بعد ان انتهینا من کتابة البحث فقد توصلنا بفضل الله تعالى الى أهم النتائج والتوصیات الآتیة:
أولاً: النتائج:
من أهم النتائج التی توصلنا الیها هی الآتی:
ثانیاً: التوصیات:
أن من أهم آلیات التمویل الإسلامی والقانونی لتنشیط السوق العقاری، والتی تعد من السبل الوقائیة للقضاء على أزمة السکن فی العراق وبناء العشوائیات وتتلخص فی النقاط الأساس الآتیة:
أولاً: التمویل عن طریق بیع المرابحة بالتقسیط: وهو أحد صور البیع الجائزة فی الشریعة الاسلامیة والقانون المدنی العراقی، ویتم وفق الخطوات الآتیة:
1. تقوم المؤسسة التمویلیة بشراء العقار أو الوحدة السکنیة نقداً أو بالآجل من صاحبها إما بناءً على طلب من محتاج الوحدة أو دون طلب مسبق.
2. یتم إبرام عقد بیع الوحدة مع طالب السکن بثمن شراء المؤسسة التمویلیة لها وزیادة هامش ربح معلوم وما یقابل الأجل، على أن یسدد جزء من ثمن البیع مقدماً والباقی یسدد على أقساط طویلة الأجل.
3. للمؤسسة التمویلیة حق المطالبة بضمانات لسداد الأقساط، ویجوز شرعاً طبقاً للمذهب المالکی رهن الوحدة السکنیة المبیعة.
ثانیا: التمویل عن طریق عقد الاستصناع والاستصناع الموازی: وهو من العقود المسماة فی الفقه الحنفی والقانون المدنی العراقی، ویدخل ضمن عقد السَّلَم لدى جمهور الفقهاء، ویتم ذلک بأن شخصاً لدیه قطعة أرض، ویرید إقامة مبنى علیها، واتفق مع مقاول لبنائها بمبلغ معین، ولکن لیس لدیه تمویل، یتقدم هذا الشخص إلى مؤسسة مالیة بطلب لإقامة المبنى بموجب عقد استصناع، وتتفق المؤسسة المالیة مع المقاول فی عقد استصناع مواز لإقامة المبنى بالمبلغ المحددأو أقل منه حسب المساومة التی تجریها مع مقاولین آخرین، ثم تقوم المؤسسة المالیة بالاتفاق مع صاحب المبنى المطلوب إقامته على أن یسدد لها المبلغ على أقساط، ویراعى فی تحدیده تحقیق هامش ربح للمؤسسة إلى جانب الزیادة مقابل الأجل.
ثالثا: التمویل عن طریق الإجارة، وهی من العقود المسماة فی الفقه الإسلامی والقانون المدنی العراقی، ویوجد منها نوعان هما:
1. الإجارة التشغیلیة أو الأصلیة: وهی أن یستأجر مبنى للسکن مثلاً مقابل أجرة محددة تدفع دوریاً، وتقتصر علاقة المستأجر على الانتفاع بالمبنى الذی یظل ملکه للمؤجر، ویمکن أن یتم ذلک بأسلوبین:
أ. أن تنشأ شرکة عقاریة یکون غرضها إنشاء المبانی ثم تأجیرها لطالبی السکن مقابل أجرة شهریة.
ب. أن تصدر شرکة استثمار سندات إجارة تجمع بموجبها مبالغ من المدخرین، ثم تنشئ بهذا المبلغ عدة مبان تقوم بتأجیرها، على أن یشارک حملة السندات فی الحصول على قیمة الإیجار الدوری بحسب ما یحمله کل شخص من سندات بعد خصم مقابل إدارة العقار، ویمکن أن یتم تداول هذه السندات فی السوق الثانویة.
2. الإجارة التمویلیة أو الإجارة المنتهیة بالتملیک: وهی التی یزید فیها قسط الإیجار الدوری، واعتبار الزیادة جزءً أو قسطاً من ثمن المبنى، حتى تنتهی مدة الإجارة بتملک المستأجر للمبنى، وتتم عن طریق قیام مؤسسة مالیة بشراء أو إنشاء مبنى ثم تقوم بتأجیره للغیر مقابل قسط إیجار دوری یحدد بحیث تسترد المؤسسة تکالیف الحصول على المبنى وهامش ربح وجزء من ثمن المبنى مع کل قسط إلى أن تنتهی مدة الإیجار، فتنتقل ملکیة المبنى إلى المستأجر.
رابعاً: التمویل عن طریق المضاربة المخصصة: وهی من العقود الشرعیة القانونیة، وتعرف بأنها دفع مال لآخر لیعمل فیه، والربح بینهما على ما اتفقا، وصورتها أن یکون لدى بعض الناس فائض مدخرات ویریدون استثمارها ولکن لا تتوافر لدیهم المقدرة أو الوقت أو الخبرة، فیدفعون أموالهم إلى شخص خبیر لیستثمر هذه الأموال مقابل حصة من الربح، وکونها مضاربة مخصصة أی یحدد فیها نوع ومجال الاستثمار وهو فی مجالنا یتمثل فی الاستثمار العقاری, ویمکن أن یتم استخدام المضاربة فی تنشیط السوق العقاری من خلال قیام مؤسسة مالیة أو استثماریة بالتخطیط لإنشاء مبناً أو عدة مبان، وبعد تحدید التکلفة اللازمة یقسم المبلغ إلى سندات أو وثائق تطرحها للاکتتاب العام لجمع هذه المبالغ، ثم تقوم بإنشاء المبنى وبیع وحداته بالتقسیط، ویوزع الربح على حملة السندات أو الصکوک على أن یتم استهلاک (استرداد قیمة) السندات من الأقساط المحصلة دوریا.
خامساً: التمویل الخیری: لقد شرع الإسلام والقانون المدنی العراقی آلیات عدیدة لعقود التبرعات أو الإحسان، منها ما هو واجب شرعاً مثل الزکاة ونفقة الأقارب وحقوق الجیران، ومنها ما هو تطوعی مثل الوقف والهبات والصدقات التطوعیة الأخرى، وفى هذا الإطار یمکن استخدام أسلوب الوقف الذی یمثل صدقة جاریة یستمر ثوابها إلى ما بعد حیاة الإنسان فی توفیر التمویل اللازم لمساکن المحتاجین من الفقراء والمساکین، ولاسیما أن نسبة من لا یجدون السکن المناسب من سکان العشوائیات فی تزاید.
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: Arabic language books:
1. Dr. Ahmed Mukhtar Abdel Hamid Omar (died: 1424 AH) with the help of a working group, A Dictionary of Contemporary Arabic Language, Part 1, 1st editoin, Book World, 1429 AH - 2008 AD.
2. Abu Nasr Ismail bin Hammad Al-Gohary Al-Farabi (died: 393 AH), Al-Sahah, the crown of language and the Sahih of Arabia, by: Ahmed Abdel Ghafour Attar, p 4th, 4th edition, Dar Al- Alam for millions - Beirut, 1407 AH-1987 AD
3. Majd Al-Din Abu Taher Muhammad bin Yaqoub Al-Fayrouz Abadi (died: 817 AH), The surrounding dictionary, Investigation: The Heritage Office of the Al-Resala Foundation supervised by: Muhammad Naim Al-Arqsousi, 2nd edition, Al -Resala Foundation for Printing, Publishing and Distribution, Beirut - Lebanon, 1426 AH - 2005 AD.
4. Zainuddin Abu Abdullah Muhammad bin Abi Bakr bin Abdul Qadir al-Hanafi al-Razi (died: 666 AH), Mukhtar al-Sahah, verified: Yusuf al-Sheikh Muhammad, 5th edition, Al-Asriyya Library - Ideal House, Beirut - Saida, 1420AH-1999AD.
Second: Interpretation books:
5. Abu Abdullah Muhammad bin Ahmed bin Abi Bakr bin Farah al-Ansari al-Khazraji, Shams al-Din al-Qurtubi (died: 671 AH), investigation: Ahmad al-Bardouni and Ibrahim Atfish, The Collective of the Rulings of the Qur'an The Interpretation of al-Qurtubi, vol 10th, 2nd edition, Dar al-Kitab al-Masriya - Cairo, 1384 AH - 1964 AD.
6. Abu al-Fida'a, Ismail bin Omar bin Katheer al-Qurashi al-Basri and al-Dimashqi (died: 774 AH), The Great Interpretation of the Qur'an, investigation by Sami bin Muhammad Salama, p 4th, 2nd edition, Thebes Publishing and Distribution House, 1420 AH-1999 AD.
Third: The hadith books:
7. Ibn Battal Abu Al-Hassan Ali bin Khalaf bin Abdul Malik, Sharh Sahih Al-Bukhari by Ibn Battal, investigation: Abu Tamim Yasser bin Ibrahim, p 7th, 2nd edition, Al-Rushd Library, Riyadh, 1423 AH - 2003 AD.
8. Ahmed bin Al-Hussein bin Ali bin Musa al-Khosujurdi al-Khorasani, Abu Bakr al-Bayhaqi (died: 458 AH), literature for al-Bayhaqi, took care of and commented on it: Abu Abdullah al-Saeed al-Mandwah, part 1, Bab al-Bena'a, 1st edition, Cultural Books Foundation, Beirut - Lebanon 1408 AH - 1988 AD.
9. Abu Abdullah Ahmad bin Muhammad bin Hanbal bin Hilal bin Asad al-Shaibani (died: 241 AH), Musnad of Imam Ahmad bin Hanbal, investigation: Shuaib Al-Arnaout - Adel Murshid, and others ,supervised by: Dr. Abdullah bin Abdul Mohsen Al-Turki, Edition: First, Al-Risala Foundation, without publishing place, 1421AH-2001AD.
Fifth: Jurisprudence and legal books:
10. Abu Muhammad Ali bin Ahmed bin Saeed bin Hazm Al-Andalusi, al mohala bel athar, by: Abdul-Ghaffar Suleiman Al-Bandari, p 1st , 1st edition, Zakat Book, Dar Al-Kutub Al-Alami, Beirut, Lebanon, 2003 AD - 1425 AH.
11. Abi Al-Qasim Ibn Radwan Al-Malqi (died: 738 AH - 1381 AD), shining meteors in beneficial politics, investigation by Dr. Sami Al-Nashar, Publishing House of Culture, Casablanca, 1984.
12. Dr. Ahmad Al-Kubaisi, Al-Wajeez in the Personal Status Law and its Amendments, Marriage and Divorce and Their Effects, Part 1, The Talent Library, Baghdad, 1990.
13. Dr. Ahmed Ali Al-Khatib, Dr. Ahmed Obaid Al-Kubaisi, and Dr. Muhammad Abbas Al-Samarrai, Explanation of the Personal Status Law, 1st edition, Ibn Al-Atheer House, University of Mosul, 1980.
14. Prof. Jaafar Al-Fadhli, Al-Wajeez in Contracts Named, Sale, Rent, and Contracting, 2nd edition, Dar Ibn Al-Atheer, University of Mosul, 2005.
15 prof. Rafeeq Younis Al-Masry, Toward an Islamic Economy, Najash and Bidding and bidding, and Practice, 1st edition, Dar Al-Maktabi, Damascus, 1999.
16. Dr. Sami Jamil Al-Kubaisi, Money Assault Crime, 1st Edition, Center for Islamic Research and Studies, Baghdad, 2008.
17. Dr. Abdul Baqi Ibrahim, A Journey to Search for Self and the Principles of Architecture in Islam, Origination - Faith - Approach - Theory, Autobiography, Without Place, printed, 1419AH-1999AD.
18. Dr. Abdul Majeed Al-Hakim, Abdul-Baqi Al-Bakri and Muhammad Taha Al-Bashir, Al-Wajeez in The Theory of Compliance in Iraqi Civil Law, Source of Commitment, Part 1, 2nd edition, Ibn Al-Atheer House, University of Mosul, 2011.
19. Abboud Alwan Abboud, the crime of theft, its causes and effects, book published on the Internet, on the following website: https://almerja.com/reading.php?idm=40505
20. Ali Ali Suleiman, Explanation of the Libyan Civil Law, Original and Subordinate Rights in Kind, Dar Sader, Beirut, 1969.
21. Dr. Ali Muhammad Muhammad al-Salabi, The Umayya State Factors of Prosperity and Repercussions of the Crash, Part 2 th, 2nd Edition, Dar Al-Maarefa for Printing, Publishing and Distribution, Beirut - Lebanon, 1429 AH - 2008 AD.
22. Dr. Fadl bin Abdullah Murad, presented in Fiqh Al-Asr, part 1, 2nd edition, the new generation, Sana'a, 143 AH - 2016 AD.
23. Dr. Muhammad bin Ahmed bin Saleh Al-Saleh, Human Rights in the Quran and Sunnah and its Applications in the Kingdom of Saudi Arabia, 1st edition, Saudi Arabia, 1423 AH-2002 AD.
24. Muhammad Hassan Kazem Al-Hussainawi, Human Rights Guarantees in the Investigation and Evidence Collection (Comparative Study), 1st edition, The Arab Center for Publishing, Cairo, 1439AH-2018AD.
25. Muhammad bin Ali bin Muhammad Al-Asbahi Al-Andalusi, Abu Abdullah, Shams Al-Din Al-Gharnati Ibn Al-Azraq (died: 896 AH), “Baddaea Al-Salk” in Tabbaea Al-Malak, Investigation: Dr. Ali Sami Al-Nashar, p 1st , 1st edition, Ministry of Information - Iraq, 1977.
26. Muhammad Taha Al-Bashir and Dr. Ghani Hassoun Taha, Rights in Kind, Part 1, 3rd edition, Legal Library, Baghdad, 2010.
27. Prof. Muhammad Al-Zuhaili, Human Rights in Islam, a comparative study with the Universal Declaration and the Islamic Declaration of Human Rights, 4th edition, Dar Ibn Katheer, Beirut, 2005.
28. The Palestinian Center for Human Rights, the right to adequate housing in international human rights treaties, series of education in the field of economic, social and cultural rights, without a place, place and year of publication.
Sixth: Master thesises and Phd thesis:
29. Ahmed Ali Abdel-Zoubi, The Right to Privacy in Criminal Law, PhD thesis submitted to the Council of the College of Law, University of Mosul, 2004.
30. Taha Saleh Khalaf Al-Jubouri, The Wife's Right to Live, Master Thesis, College of Law, University of Mosul, 2005.
31. Muhammad Rafi` Younis Muhammad al-Hayali, Metwally al-Waqf, Comparative Study, Master Thesis, College of Law, University of Mosul, 2005
Seventh: Scientific Research:
32. Khalif Mustafa Gharaibeh, The Methodology of Islamic Thought in Planning the Arab-Islamic City (Ibn Abi Rabi'a as an Example), research published in the Jordanian Journal of Social Sciences, Ministry of Higher Education and Scientific Research, Jordan, Vol 8th, No. 1, 2015.
33. Dr. Chawki Qasemi, The Right to Housing, research published in the Journal of Humanities and Social Sciences, University of Biskra, No. 12, Algeria, 2015.
34. Dr. Dohha Muhammed Saeed Al-Numan and Mr. Omar Riyadh Ahmad, right of residental, comparative study, published in the Journal of Tikrit University for Law, first year, first volume, first issue, p st ,September 2016 - Dhu Al -Hijjah 1437 AH.
35. Dr. Munther Qahf, Lease-to-Ownership and Lease Sukuk of Notables, research presented at the twelfth Islamic Jurisprudence course held in Riyadh for the period from September 21-27, 2000.
36. Hala Ali Hilal, the constitutional and legal basis for the right to housing in Iraq and some countries, research published in the Journal of Legal and Political Sciences, College of Law and Politics, University of Diyala, Vol 8th, First Edition, for the year 2019.
Eighth: Web sites:
37. Ahmed Ghanem, The tools of Islamic Economy to Resolve the Housing Problem, article published on December 29, 2002, on the following link: ttps: //www.islamweb.net/ar/article/29350/
38. Ahmed Jawed, Appropriate Housing is a natural right to preserve human dignity, an article posted on the following link: Appropriate housing is a natural right to preserve human dignity, Al-Noor Center: http://www.alnoor.se/article.asp?id=202492.
Ninth: statutory legislations:
37. Iraqi state Administration law fo the transitional phase in the year 2004
38. The Constitution of the Republic of Iraq of 2005.
39. Iraqi Civil Law No. (40) of 1959, as amended.
40. Iraqi Personal Status Law No. (188) of 1959, as amended.
41. Iraqi Penal Code No. (111) for the year 1969, as amended.
42. The Constitution of the Republic of Egypt of 2012.
43. The Constitution of the Republic of Egypt 2014.
43. Egyptian Penal Code No. (58) of 1937, as amended.
المصادر والمراجع
أولاً: کتب اللغة العربیة:
ثانیاً: کتب التفسیر:
ثالثاً: کتب الحدیث الشریف:
خامساً: الکتب الفقهیة والقانونیة:
https://almerja.com/reading.php?idm=40505
سادساً : الرسائل والاطاریح:
سابعاً: البحوث العلمیة:
ثامناً: مواقع الشبکة العنکبوتیة:
https://www.islamweb.net/ar/article/29350/
http://www.alnoor.se/article.asp?id=202492.
تاسعاً: التشریعات الوضعیة:
39. العقوبات المصری رقم (58) لسنة 1937 المعدل
40. قانون المدنی العراقی رقم (40) لسنة 1959 المعدل.
41. قانون الاحوال الشخصیة العراقی رقم (188) لسنة 1959 المعدل.
42. قانون العقوبات العراقی رقم (111) لسنة 1969 المعدل.
43. قانون إدارة الدولة العراقیة للمرحلة الانتقالیة فی عام ۲۰۰4.
44. دستور جمهوریة العراق لعام 2005.
45. دستور جمهوریة مصر لعام 2012.
46. دستور جمهوریة مصر لعام 2014.