الملخص
البناء العشوائی هو بناء یقوم الأفراد بتخطیطه وتشییده على الأراضی المملوکة للدولة، وغالباً ما تکون هذه الأراضی على أطراف المدن ضمن مناطق غیر مخططة وغیر خاضعة للتنظیم ولا یسمح بالبناء علیها، حیث یقوم الافراد بإقامة مبانی تتنافى مع المجال العمرانی للمدن التی تنمو بداخلها أو حولها وتخالف القوانین المنظمة للتخطیط العمرانی.
وتعد مشکلة البناء العشوائی من أصعب المشکلات التی تعترض تقدم المجال العمرانی فی معظم الدول العربیة ومنها العراق، والذی استفحلت فیه هذه المشکلة بشکل خطیر فی ظل حالة الفوضى التی یمر بها البلد.
وقد حاولت الدول التی عانت من هذه المشکلة أن تتصدى لها بالتشخیص والمعالجة، وتباینت مواقفها التشریعیة فی هذا الصدد بین من عدت المتجاوز الطرف الضعیف فی المعادلة فنظرت له نظرة المتسامح معتبرةً إیاه شخص مغلوب على أمره اضطرته الظروف الحیاتیة الصعبة إلى التجاوز على أراضی الدولة مثل المشرع العراقی والذی تجسد موقفه فی قرار مجلس الوزراء العراقی الصادر فی 24/11/2019 والذی قضى بتملیک الأراضی السکنیة للمتجاوزین علیها، والمشرع المصری فی قانون التصالح فی مخالفات البناء رقم 17 لسنة 2019 وأمام الوجود الواقعی لهذه المشکلة على الأرض، وما تخلفه من انعکاسات خطیرة على جوانب الحیاة الاجتماعیة والصحیة والبیئیة والقانونیة وغیرها، فقد ارتأینا وبحکم التخصص تسلیط الضوء على الانعکاسات القانونیة لها وتحدیداً ما یتعلق منها بالقانون المدنی، حیث نحاول من خلال هذا البحث الوقوف عند بعض المشکلات القانونیة التی یثیرها وجود البناء العشوائی على أرض الواقع واخترنا منها على وجه التحدید مشکلة القیمة القانونیة للتصرفات التی یکون محلها البناء العشوائی، ومشکلة حقوق الغیر المرتبطة بالبناء العشوائی بشکل غیر مباشر والمتمثلة بکل من حقوق الجوار بین ساکنی هذه المبانی العشوائیة، وحقوق دائنی المتجاوز فی التنفیذ على البناء.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
البناء العشوائی ومشکلاته القانونیة -(*)-
haphazard construction of buildings and its legal implications
ضحى محمد سعید عبد الله النعمان کلیة الحقوق/ جامعة الموصل – کلیة الحقوق/ جامعة البحرین
Duha Muhammed Saeed Abdullah Al-Numan College of law / University of Mosul - College of Law/ University of Bahrain Correspondence: Duha Muhammed Saeed Abdullah Al-Numan E-mail: |
(*) أستلم البحث فی *** قبل للنشر فی
(*) Received on *** accepted for publishing on .
Doi: 10.33899/alaw.2020.166828
© Authors, 2020, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
البناء العشوائی هو بناء یقوم الأفراد بتخطیطه وتشییده على الأراضی المملوکة للدولة، وغالباً ما تکون هذه الأراضی على أطراف المدن ضمن مناطق غیر مخططة وغیر خاضعة للتنظیم ولا یسمح بالبناء علیها، حیث یقوم الافراد بإقامة مبانی تتنافى مع المجال العمرانی للمدن التی تنمو بداخلها أو حولها وتخالف القوانین المنظمة للتخطیط العمرانی.
وتعد مشکلة البناء العشوائی من أصعب المشکلات التی تعترض تقدم المجال العمرانی فی معظم الدول العربیة ومنها العراق، والذی استفحلت فیه هذه المشکلة بشکل خطیر فی ظل حالة الفوضى التی یمر بها البلد.
وقد حاولت الدول التی عانت من هذه المشکلة أن تتصدى لها بالتشخیص والمعالجة، وتباینت مواقفها التشریعیة فی هذا الصدد بین من عدت المتجاوز الطرف الضعیف فی المعادلة فنظرت له نظرة المتسامح معتبرةً إیاه شخص مغلوب على أمره اضطرته الظروف الحیاتیة الصعبة إلى التجاوز على أراضی الدولة مثل المشرع العراقی والذی تجسد موقفه فی قرار مجلس الوزراء العراقی الصادر فی 24/11/2019 والذی قضى بتملیک الأراضی السکنیة للمتجاوزین علیها، والمشرع المصری فی قانون التصالح فی مخالفات البناء رقم 17 لسنة 2019 وأمام الوجود الواقعی لهذه المشکلة على الأرض، وما تخلفه من انعکاسات خطیرة على جوانب الحیاة الاجتماعیة والصحیة والبیئیة والقانونیة وغیرها، فقد ارتأینا وبحکم التخصص تسلیط الضوء على الانعکاسات القانونیة لها وتحدیداً ما یتعلق منها بالقانون المدنی، حیث نحاول من خلال هذا البحث الوقوف عند بعض المشکلات القانونیة التی یثیرها وجود البناء العشوائی على أرض الواقع واخترنا منها على وجه التحدید مشکلة القیمة القانونیة للتصرفات التی یکون محلها البناء العشوائی، ومشکلة حقوق الغیر المرتبطة بالبناء العشوائی بشکل غیر مباشر والمتمثلة بکل من حقوق الجوار بین ساکنی هذه المبانی العشوائیة، وحقوق دائنی المتجاوز فی التنفیذ على البناء.
الکلمات المفتاحیة: البناء العشوائی، التجاوز على أرض الدولة، رخصة البناء.
Abstract
Haphazard housing is a building that individuals plan and construct on state-owned lands, and often these lands are on the outskirts of cities within unplanned and unregulated areas where construction is unpermitted. Practically speaking, it has become common to see individuals construct buildings that are incompatible with the urban sphere of cities violating Urban Planning Organization laws. And this problem is one of the most difficult problems facing the progress of the urban planning policies and authorities in most Arab countries, including Iraq, in which this problem has become seriously dangerous in light of the chaos the country is going through.
The countries that have suffered from this problem have tried to address it by diagnosis and treatment, and their legislative positions in this regard have varied between those who went beyond the weak party in the equation, considering the circumstances that pushed this person to overtake the lands of the state, as the Iraqi legislator does. The position of Iraqi law was embodied in the decision of the Iraqi Council of Ministers issued on 24/11/2019, which formalizes housing in informal settlements, and the Egyptian building Reconciliation Law (No. 17 / 2019).
Facing the realistic presence of this problem on the ground, and the seriousness of its social, health, environmental, and legal implications, this study attempts to shed light on the legal implications in the context of civil law. We attempt in this research to stand at some legal problems haphazard constructions, focusing on the problem of the legal value of the actions, rights of other people such as neighbors rights affected by these informal housing.
keywords: haphazard construction, Haphazard Property Development, Squatter areas, Iraqi law, overtaking on state land, building permit
المقدمـة
الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الأنبیاء نبینا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه وبعد
نعرف بمقدمة بحثنا من خلال الفقرات الآتیة:
أولا: التعریف بموضوع البحث
یلجأ بعض الأفراد وبدوافع متعددة یقع فی مقدمتها الحاجة لإیجاد مأوى إلى التجاوز على الأراضی المملوکة للدولة، وغالباً ما تکون هذه الأراضی على أطراف المدن ضمن مناطق غیر مخططة وغیر خاضعة للتنظیم ولا یسمح بالبناء علیها، حیث یقوم هؤلاء الافراد بإنشاء مبانی تتنافى مع المجال العمرانی للمدن التی تنمو بداخلها أو حولها وتخالف القوانین المنظمة للتخطیط العمرانی.
وتعد مشکلة البناء العشوائی من أصعب المشکلات التی تعترض تقدم المجال العمرانی فی معظم الدول العربیة ومنها العراق، والذی استفحلت فیه هذه المشکلة بشکل خطیر فی ظل حالة الفوضى التی یمر بها البلد.
وقد حاولت الدول التی عانت من هذه المشکلة أن تتصدى لها بالتشخیص والمعالجة، وتباینت مواقفها فی هذا الصدد بین من عدت المتجاوز الطرف الضعیف فی المعادلة، فنظرت له نظرة المتسامح، معتبرةً إیاه شخص مغلوب على أمره، اضطرته الظروف الحیاتیة الصعبة إلى التجاوز على أراضی الدولة، وبین من عدته غاصباً متعدیاً، بل وصل الحد إلى تجریم فعله فی بعض التشریعات.
والحقیقة إن خطورة هذه الظاهرة یقتضی ألا تقف الحلول عند تشخیص مشکلاتها ومحاولة ایجاد الحلول لمعالجتها فقط، بل یستلزم الأمر وضع المقترحات التی تکفل وقف تمددها ومنع تجددها، وایجاد الضمانات اللازمة للحد منها تدریجیاً، وصولاً إلى مدن خالیة من البناء العشوائی، ضمن مدى زمنی منظور یتم التخطیط له، فی حالة وجود الرغبة الحقیقیة المخلصة للتغییر والنهوض بالواقع، لأن أی تأخیر فی معالجة هذه المشکلة سوف یؤدی إلى استفحالها وصعوبة ایجاد حل لها.
ولکن وأمام الوجود الواقعی لهذه المشکلة على الأرض، وما تخلفه من انعکاسات خطیرة على جوانب الحیاة الاجتماعیة والصحیة والبیئیة والقانونیة وغیرها، فقد ارتأینا وبحکم التخصص تسلیط الضوء على الانعکاسات القانونیة لها وتحدیداً ما یتعلق منها بالقانون المدنی، حیث نحاول من خلال هذا البحث الوقوف عند بعض المشکلات القانونیة التی یثیرها وجود البناء العشوائی على أرض الواقع واخترنا منها على وجه التحدید مشکلة القیمة القانونیة للتصرفات التی یکون محلها البناء العشوائی، ومشکلة حقوق الغیر المرتبطة بالبناء العشوائی بشکل غیر مباشر والمتمثلة بکل من حقوق الجوار بین ساکنی هذه المبانی العشوائیة، وحقوق دائنی المتجاوز فی التنفیذ على البناء.
ثانیاً: أهمیة الموضوع وسبب اختیاره
أمام تفاقم ظاهرة البناء العشوائی وانتشارها بشکل غیر مسبوق فی العراق، وأمام اقبال الناس وتحت تأثیر الواقع المُزری الذی یعصف بالبلد إلى التعامل فیها سواء بالبیع أو الایجار، حیث أصبح معتاداً وشائعاً بین الناس اجراء التصرفات القانونیة التی یکون محلها بناءً عشوائیاً مقاماً بغیر ترخیص ولا موافقات أصولیة، کان لابد لنا من وقفة عندها لتشخیص المشکلات القانونیة المترتبة علیها، لهذا فإن اختیارنا لموضوع البحث یعود بالدرجة الأساس للوجود الواقعی لهذه المشکلة من جهة، ولعدم وجود دراسات متخصصة على الصعید الوطنی على أقل تقدیر تتصدى لانعکاساتها القانونیة من جهة أخرى.
ثالثاُ: منهجیة البحث
سوف نعتمد فی بحثنا المنهج التحلیلی المقارن، ونقف على وجه الخصوص عند موقف المشرع العراقی سواء فی القانون المدنی رقم 40 لسنة 1951 أو فیما یخص تصدیه لمشکلة البناء العشوائی والذی یتجسد بقرار مجلس الوزراء العراقی الصادر فی 24/11/2019 والذی قضى بتملیک الأراضی السکنیة للمتجاوزین علیها، کما ونقارن موقف المشرع العراقی بموقف المشرعین فی الدول التی تعانی من المشکلة ذاتها وکیفیة المعالجة التشریعیة لها، واخترنا منها على وجه الخصوص، المشرع المصری بموجب القانون المدنی رقم 131 لسنة 1948 وذلک الخاص بالبناء العشوائی بموجب قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 وقانون التصالح فی مخالفات البناء المصری رقم 17 لسنة 2019.
رابعاً: خطة البحث
سوف نقف عند تفصیلات البحث من خلال الخطة الآتیة:
المبحث الأول: التعریف بمشکلة البناء العشوائی ودور التشریعات فی معالجتها
المطلب الأول: التعریف بمشکلة البناء العشوائی وانعکاساتها السلبیة
الفرع الأول: التعریف بمشکلة البناء العشوائی
الفرع الثانی: الانعکاسات السلبیة لمشکلة البناء العشوائی
المطلب الثانی: دور التشریعات فی معالجة مشکلة البناء العشوائی
الفرع الأول: إلزام المتجاوز بهدم البناء وإزالة التجاوز
الفرع الثانی: تملیک المتجاوز للأرض المتجاوز علیها المتجاوز علیها
المبحث الثانی: المشکلات القانونیة الناجمة عن البناء العشوائی
المطلب الأول: القیمة القانونیة للتصرفات الواردة على البناء العشوائی
الفرع الأول: البناء العشوائی على أراضی الدولة المخصصة للمنفعة العامة
الفرع الثانی: البناء العشوائی على أراضی الدولة الخاصة
المطلب الثانی: حقوق الغیر والبناء العشوائی
الفرع الأول: حقوق الجوار والبناء العشوائی
الفرع الثانی: حقوق الدائنین والبناء العشوائی
الخاتمة
المبحث الأول
التعریف بمشکلة البناء العشوائی ودور التشریعات فی معالجتها
سوف نقف فی هذا المبحث عند التعریف بمشکلة البناء العشوائی ونبین أسباب حصولها وما تخلفه على الواقع العمرانی والبیئی والاجتماعی من انعکاسات سلبیة، وذلک من خلال تقسیم هذا المبحث إلى مطلبین، نخصص الأول منهما لتعریف البناء العشوائی وأسبابه، ونخصص الثانی لدور التشریعات فی التصدی لهذه المشکلة، وکالآتی:
المطلب الأول
التعریف بمشکلة البناء العشوائی وانعکاساتها السلبیة
نتناول فی هذا المطلب التعریف بمشکلة البناء العشوائی، ثم نعرج لبیان انعکاساتها السلبیة على الواقع العمرانی والبیئی والاجتماعی، وذلک من خلال فرعین نخصص الأول منهما للتعریف بمشکلة البناء العشوائی، ونخصص الثانی للانعکاسات السلبیة لمشکلة البناء العشوائی، وکالآتی:
الفرع الأول
التعریف بمشکلة البناء العشوائی وأسبابها
أولا: التعریف بمشکلة البناء العشوائی
البناء لغةً کما ورد فی معاجم اللغة المبنى والجمع ابنیة ، وأصل البناء فیما لا ینمی کالحجر والطین ونحوه وهو ما یشید لإقامة الانسان او الحیوان او لوضع الأشیاء، وسمی بناءً من حیث کونه لازماً موضعاً لا یزول من مکان الى غیره.
ویعدّ بناءً کل مجموعة من المواد أیاً کان نوعها اتصل قراراً بید الانسان ویستوی أن تکون هذه المواد خشباً أو حجارةً أو حدیداً أو کل هذا معاً أو شیئاً غیر هذا من المواد التی تستعمل فی البناء ، ویستوی أن یکون البناء معداً لسکن الانسان أو لإیواء الحیوان أو لإیداع الأشیاء.
أما مصطلح (العشوائی) لغةً فهو أسم منسوب إلى عشواء وهو ما لا تبصر فیه ولا رویة وعلى غیر هدى ونور فهذه الکلمة مشتقة من فعل عَشُوَ وعَشَا عَشْوًا، وتعنی من ساء بصره باللیل والنهار أو من أبصر بالنهار ولم یبصر فی اللیل. فالعشاوة هی سوء البصر لیلا ونهارا أو لیلا فقط، وتستعمل هذه الکلمة فی العلوم للتعبیر عن انعدام الغرض والغایة وفقدان الهدف أو السبب أو الترتیب ، بمعنى أن العشوائیة هی فقدان التخطیط.
وبالتالی فإن البناء العشوائی هو بناء غیر منظم بنی بدون ترخیص وقد یفتقر لأبسط مقومات الحیاة الکریمة وتسمى مجموعة المبانی العشوائیة بالمنطقة العشوائیة أو العشوائیات ویطلق علیها فی العراق (حواسم) أو (تجاوز) أو أحیاء (التنک) وتسمى فی مصر (إسکان العشش) والمصطلح الشائع فی المغرب هو (السکن غیر اللائق) وفی الجزائر (البناء القصدیری) أو (الفوضوی) وفی الیمن (بیوت عشوائیة(.
ویقسم جانب من الفقه أنماط البناء العشوائی إلى الاشکال الآتیة:
1- الإسکان المشوه: وهو کل ما بنی من مواد غیر ثابتة ولم یراع فیه الشروط الصحیة والبیئیة ویکون بحد ذاته خالیا من الخدمات ویظهر بشکل واضح على طول السکک الحدیدیة والممرات المائیة.
2- إسکان المقابر: وهو نوع من السکن العشوائی موجود فی مصر حیث یتخذ بعض العامة من المقابر الخاصة مکاناً للسکنى ومثله السکن فی احواش المساجد والمناطق الأثریة والدکاکین.
3- إسکان الغرف الواحدة: ویتمثل فی سکن عائلة فی غرفة واحدة وتشارک غیرها من الأسر فی دورة میاه واحدة وغالبا ما تکون الغرفة ضیقة المساحة متهالکة البنیان.
4- إسکان الایواء: وهو عبارة عن الخیام التی تنشأ بصورة مؤقتة للذین تهدمت منازلهم بسبب الحروب أو الکوارث البیئیة.
5- الإسکان العشوائی أو الفوضوی أو سکن واضعی الید: وهو المسکن الذی تم إنشاؤه دون الحصول على ترخیص مسبق من السلطات المحلیة المختصة، ولم یراع فیه تقسیمات المنطقة، ولا یوجد فی منطقة انشائه مرافق وخدمات وهی مناطق تقع على أطراف المدن الکبرى أو فی داخلها یسکنها فئات اجتماعیة على الغالب فقیرة تقوم بوضع الید على أراضی الدولة وتنشأ بمجموع هذه المساکن مناطق عشوائیة تفتقر للخدمات والمرافق الحضریة.
ویلاحظ أن البناء العشوائی فی العراق لا یشتمل على جمیع الأنماط المتقدمة وإنما یتخذ فی الغالب النمط الأخیر، وینشأ أما عن طریق التجاوز الفردی على أراضی الدولة، أو عن طریق شراء الأراضی التی تقوم الجمعیات التعاونیة بتقطیعها وتوزیعها على فئات معینة، قبل أن تستوفی الخطوات القانونیة اللازمة لتغییر صنف الأرض وتصحیح جنسها، فیقوم مشترو هذه الأراضی بالبناء علیها مع أنهم لا یمتلکون سنداً بملکیة للأرض، فإذا استکملت الجمعیة الإجراءات القانونیة اللازمة لتغییر صنف الأرض أصبح البناء قانونی، أما فی المرحلة التی تسبق استیفاء هذه الإجراءات فیکون البناء من قبیل البناء العشوائی، کما یلاحظ من جهة أخرى أن ساکنی هذه المناطق لیسوا بالضرورة من الفقراء أو المعدمین ممن تضطرهم الظروف إلى السکن غیر المرخص، بل هم فی کثیر من الأحیان من متوسطی الدخل، ولهذا فإن العشوائیات فی العراق تمتاز بأنها قد تضم أحیانا مساکن عالیة البنیان فیها مقومات المسکن من مرافق ومشتملات داخلیة ولکنها انشئت فی مناطق تفتقر للخدمات العامة وأقیمت بدون تخطیط ولا موافقات أصولیة، وهنا یجب عدم الخلط بین البناء العشوائی وعدم الحصول على إجازة البناء على أرض مسجلة اصولیاً فی مناطق التخطیط العمرانی، فهذه الأخیرة لا تعد بحکم البناء العشوائی وإن تعرض من أقامها للجزاء القانونی کالغرامة مثلاً.
ومما تقدم یتضح أن لمفهوم البناء العشوائی معانِ مختلفة باختلاف النواحی التی ینظر إلیه منها:
فمن ناحیة التکوین والمنشأ: هو البناء الذی نشأ من خلال وضع الید بشکل غیر قانونی على أراضی الدولة.
أما من الناحیة القانونیة: فهو البناء الذی تم انشاؤه على الأراضی التی لا یوجد للبانی حق ولا مسوغ قانونی لیقیم بناءه علیها.
ومن الناحیة التخطیطیة: هو البناء الذی تم إنشاءه وفقا لاجتهادات شخصیة دون مخطط عام شامل وعلى غیر مقتضیات قوانین التخطیط العمرانی.
أما من الناحیة الاجتماعیة والاقتصادیة: فهو البناء الواقع ضمن مناطق عدیمة الخدمات تکونت فی الغالب نتیجة الظروف الاقتصادیة السیئة أو حرکات الهجرة الاجتماعیة والاقتصادیة للباحثین عن حیاة أفضل فرص عمل.
ثانیا: أسباب تفاقم مشکلة البناء العشوائی
لا شک أن إیجاد الحلول لأیة مشکلة یقتضی فی البدء معرفة مسبباتها، فلا علاج بدون تشخیص، الأمر الذی یستوجب منا الوقوف عند أسباب تفاقم مشکلة البناء العشوائی فی بعض الدول.
وفی متابعة لهذه المشکلة ترصد دراسة لمعهد التخطیط القومی فی مصرسبعة أسباب أدت لوجود العشوائیات تتمثل فی:
1- زیادة معدلات نمو السکان.
2- تدفق الهجرة من الریف إلى الحضر بسبب عدم اهتمام الحکومات بالمناطق الریفیة.
3- ارتفاع أسعار الأراضی المعدة للبناء.
4- ارتفاع ایجارات المعروض من المساکن للتأجیر.
5- رغبة الأهالی فی سکن أبنائهم واقاربهم بجوارهم.
6- تقلص ومحدودیة المساکن الشعبیة التی کانت سائدة فی السابق.
7- تقاعس الأجهزة الحکومیة عن تنفیذ القوانین الخاصة بالمبانی والتخطیط العمرانی واجازات البناء وحمایة الأراضی المملوکة للدولة وضعف الاهتمام بالتنمیة الإقلیمیة.
وفی نظرة للأسباب المتقدمة یمکن القول إنها تنقسم إلى المجامیع الآتیة:
أولاً: الأسباب الاجتماعیة وتتمثل بالآتی:
1- ارتفاع معدل النمو السکانی، نتیجة الزیادة الطبیعیة لعدد السکان وتزاید اعداد الأسر الفتیة الجدیدة، وحاجتها الضروریة للسکن والذی تعجز إمکانیات الشباب عن توفیره داخل النطاق العمرانی للمدن القائمة.
2- الهجرة المتواصلة من الریف للمدینة، بسبب المرکزیة الإداریة وما تستتبعه من اهتمام بالمدن والتی توجد فیها الخدمات الکبرى من جامعات ومستشفیات ومصالح حکومیة، وافتقار القرى لکل هذا الخدمات، وبهدف البحث عن فرص عمل بالمدن نتیجة لتفتت الحیازة الزراعیة بالمیراث من جهة، ونتیجة رغبة سکان الریف بالعمل فی مجالات وظیفیة أو تجاریة أو صناعیة أخرى غیر الزراعة من جهة أخرى.
ثانیاً: الأسباب العمرانیة وتتمثل بالآتی:
1- ضعف التنمیة الاقلیمیة الشاملة، ومن صورها اهمال نمط الاسکان الاقتصادی لمحدودی الدخل، وغیاب مخططات توجیه النمو العمرانی وتحدید استعمالات الأراضی.
2- ضعف عمل الجهات المعنیة بالتخطیط العمرانی، مما دفع المواطنین لمخالفة القانون وقیامهم بالتخطیط العشوائی بدون حسیب ولا رقیب.
ثالثاً: الأسباب الاقتصادیة وتتمثل بالآتی:
1- ارتفاع تکلفة السکن، واختلال التوازن فی منحنى العرض والطلب على المساکن.
2- قصور وسائل التمویل والدعم، وعدم توفیر قروض طویلة الأجل أو أراضی مجانا أو بسعر رمزی.
رابعا: الأسباب السیاسیة وتتمثل بالآتی:
1- انسحاب القطاع الخاص من السوق العقاریة بشکل خاص، وتهمیش دوره فی دفع عجلة الاقتصاد بشکل عام، مع غیاب دور الدولة فی توفیر المساکن المدعومة.
2- ضوع الدولة للضغط المجتمعی والعشائری، مما دفعها لتقدیم تسهیلات للمناطق العشوائیة مثل مدها بالمرافق والخدمات، بل وصل الامر لحد تملیکها الأراضی للمتجاوزین علیها بشکل قانونی وسعر زهید.
وبالمحصلة فإن کل الأسباب المتقدمة وقفت بالضد من النمو الحضاری المتسارع الذی شهدته الدول النامیة ومنها الدول العربیة والعراق على وجه الخصوص خلال النصف الثانی من القرن العشرین، والذی کان من أحد افرازاته ظهور العشوائیات فی احشاء المدن وأطرافها.
الفرع الثانی
الانعکاسات السلبیة لمشکلة البناء العشوائی
للبناء العشوائی انعکاسات سلبیة لا تکاد تحصر سواء على قاطنیه أو على المجتمع، وسوف نحاول فی هذا المطلب رصد مجموعة من أهم هذه الانعکاسات التی تعد نتیجة حتمیة لمشکلة البناء العشوائی ومنها:
المطلب الثانی
دور التشریعات فی معالجة مشکلة البناء العشوائی
تعترض عملیة التصدی لمشکلة البناء العشوائی عقبة وجود مصلحتین متضاربتین، هما کل من مصلحة المتجاوز فی الإبقاء على بنائه وعدم هدمه، ومصلحة المجتمع فی المحافظة على أراضی الدولة وحمایتها من کل اعتداء یقع علیها، وأمام تعارض هاتین المصلحتین تباینت مواقف التشریعات فی الدول التی تواجه مشکلة البناء العشوائی فی إیجاد الحلول الکفیلة بمعالجتها، فمنها من غلب مصلحة المتجاوز فقضى بتملیک الأرض للمتجاوز، ومنها من غلب المصلحة العامة فألزم المتجاوز بهدم بنائه وإزالة تجاوزه، وللوقوف على کل من هذین الاتجاهین، سوف نقسم هذا المطلب إلى فرعین، نخصص الأول منهما لموقف التشریعات التی غلبت المصلحة العامة، ونخصص الثانی لموقف التشریعات التی غلبت مصلحة المتجاوز، مع بیان الأسباب والحجج التی استند لها کل اتجاه.
الفرع الأول
إلزام المتجاوز بهدم البناء وإزالة التجاوز
من التشریعات التی تعاملت مع مشکلة البناء العشوائی معاملة صارمة هو المشرع المصری، حیث قضت الفقرتان الأولى والسادسة من المادة (60) من قانون البناء رقم 119 لسنة 2008، على ما یأتی: ((تزال بالطریق الإداری على نفقة المالک المخالفات الآتیة:
وحدد المشرع الإجراءات الکفیلة بتنفیذ أمر الإزالة، وذلک بتکلیفه الجهة الإداریة المختصة بشؤون التخطیط والتنظیم بإزالة البناء المخالف خلال المدة المناسبة التی تحددها هذه الجهة، على أن یتم اخطار ذوو الشأن بقرار الازالة وبالمدة المحددة للتنفیذ، بموجب کتاب موصى علیه مصحوب بعلم الوصول، فإذا امتنع المالک عن التنفیذ أو انقضت المدة دون إتمامه تتولى الجهة الإداریة المختصة بشؤون التخطیط والتنظیم التنفیذ بنفسها أو بواسطة من تعهد إلیه به، ویتحمل المخالف جمیع النفقات ، وتحصل منه بطریق الحجز الإداری، وللجهة الإداریة فی سبیل تنفیذ قرار إزالة المخالفة أن تخلی المبنى بالطریق الإداری من شاغلیه دون حاجة إلى اتخاذ أیة إجراءات قضائیة.
ثم عاد المشرع المصری وأصدر القانون رقم 17 لسنة 2019 بشأن التصالح فی بعض مخالفات البناء وتقنین أوضاعها، لیؤکد موقفه الصارم بشأن البناء العشوائی فرغم أن أسم القانون یوحی بأن مضمونه تسویة الأوضاع مع المتجاوزین بالتصالح إلا أن المادة الأولى منه بحد ذاتها تکفی لتبین خلاف ذلک حیث جاء فیها ما نصه: ((... یجوز التصالح وتقنین الأوضاع بالأعمال التی ارتکبت بالمخالفة لأحکام قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 ... والتی ثبت القیام بها قبل العمل بأحکام هذا القانون وذلک على النحو المبین به)) فالنص بصیغته المتقدمة یوحی بإمکانیة حصول التصالح من قبل الدولة مع من تجاوز بالبناء العشوائی على أراضیها وأن التصالح سیکون بالتأکید بموجب تعویض وإجراءات یحددها المشرع إلا أنه سرعان ما یتبین خلاف ذلک ومن خلال المادة الأولى نفسها حیث اردف المشرع فیها بالقول: ((ویحظر التصالح على أی من المخالفات الأتیة: 5- البناء على الأراضی المملوکة للدولة ما لم یکن صاحب الشأن قد تقدم بطلب لتوفیق أوضاعه وفقاً للقانون 6- البناء على الأراضی الخاضعة لقانون حمایة الآثار وحمایة نهر النیل 8- البناء خارج الاحوزة العمرانیة المعتمدة)).
الفرع الثانی
تملیک المتجاوز للأرض المتجاوز علیها
من التشریعات التی قضت بتملیک المتجاوزین للأراضی التی تجاوزوا علیها بالبناء هو المشرع العراقی، حیث أصدر مجلس الوزراء العراقی القرار رقم 418 لسنة 2019، والذی قضى من خلاله بتملیک الأرض للمتجاوز فی حال توفر الشروط الآتیة:
2- أن تکون الأرض المتجاوز علیها مملوکة للدولة، وبمفهوم المخالفة لا یمکن لمن تجاوز بالبناء على أرض مملوکة ملکیة خاصة أن یتملکها لأی سبب من الأسباب ما دام یعلم أنه یقیم بناءه على أرض الغیر بل سوف یعد بانِ بسوء نیة ویکون مصیر بناءه الهدم، ورغم أن قرار مجلس الوزراء لم یشر صراحة لهذا الشرط إلا أنه شرط بدیهی فلا یمکن للدولة أن تهب ما لا تملک، کما ولا یجوز نزع الملکیة الخاصة الا لمقتضیات المصلحة العامة، ومن جهة أخرى یلاحظ أن المشرع لم یخرج من نطاق تطبیق حکم التملیک الحالة التی یکون فیها البناء على الأراضی الخاضعة لقانون حمایة الآثار أو من الأراضی الزراعیة التی تشکل أحد روافد الاقتصاد القومی للبلد وهو أمر لابد من معالجته.
3- أن تکون الأرض المتجاوز علیها واقعة فی القرى الکائنة خارج حدود التصامیم الأساسیة للمدن قبل نفاذ قرار مجلس الوزراء والتی دخلت بعده ضمن حدود التصامیم الأساسیة، والواقع أن هذا الشرط حد کثیراً من نطاق التملیک من ناحیتی المکان والزمان فأما من ناحیة المکان فقد حدد مکان الأراضی المتجاوز علیها بأن تکون فی أطراف المدن تلک الأطراف التی کانت فی الأساس عند تشیید البناء واقعة خارج الحدود الإداریة لبلدیات المدن سواء أکانت اقضیة أم نواحی وبذلک لن ینطبق هذا الشرط على البناء العشوائی الذی یقع فی قلب المدن ووسط احیائها، أما من حیث الزمان فقد حدد القرار ضمناً نطاق تطبیقه الزمنی على القرى التی تصبح بعد تاریخ 24/11/2019 وهو تاریخ نفاذ القرار ضمن حدود التصامیم الأساسیة للمدن وهنا یثار التساؤل الاتی:
ماذا لو شید أحدهم بناءً عشوائیاً بعد تاریخ 24/11/2019 هل یستفید من قرار التملیک إذا ما توفرت لدیه الشروط الأخرى للتملیک؟ ولتوضیح هذا الافتراض نقول: لو قام الیوم شخص بتشیید دار للسکن على أرض تقع فی القرى المحیطة بالمدن ثم دخلت تلک القریة بعد سنوات ضمن حدود التصامیم الأساسیة للمدینة التی تقع القریة فی أطرافها، وهذا أمر حتمی بالنظر للتوسع الطبیعی للمدن وامتداد حدودها لعدة کیلومترات کل بضعة سنوات، فهل یمکن لهذا المتجاوز ان یتمسک بحقه فی تملک الأرض استناداً لأحکام هذا القرار؟
الحقیقة إن قراءة متفحصة لنص الفقرة الأولى من قرار مجلس الوزراء یدفعنا للقول بأن جواب التساؤل أعلاه هو الایجاب، فمن عبارة (تملک الأراضی إلى المتجاوزین ممن شیدوا دوراً للسکن علیها فی القرى الکائنة خارج حدود التصامیم الأساسیة للمدن قبل نفاذ هذا القرار والتی دخلت بعده ضمن حدود التصامیم الأساسیة) نستدل أن کل قریة سوف تدخل مستقبلاً ضمن حدود المدن ستشمل أراضیها بأحکام هذا القرار، أما إذا دفع أحد بأن التملیک لن یشمل إلا من کان قد شید بناءه قبل صدور القرار فجوابنا هو أن هذا الشرط لن یکون إلا حبر على ورق بالنظر لصعوبة اثباته فی اغلب الحالات.
وبالتالی ورغم تحفظنا على القرار بأکمله، ولکن حیث أنه أصبح واقع حال فإن الأمر یستدعی إعادة النظر فیه بتحدید النطاق الزمنی لسریانه لا بجعله مفتوح التطبیق على المستقبل، فهذه الثغرة فیه یمکن أن یستغلها المتجاوزون مستقبلاً، علیه نقترح تحدید نطاق زمنی للعمل بأحکامه یتوقف العمل به بانقضائها.
أما عن إجراءات التملیک والتی یجب اتباعها لغرض تملک الأرض المتجاوز علیها إذا ما توفرت الشروط السابقة فقد حددها قرار مجلس الوزراء العراقی بالآتی:
1. تقوم لجنة التقدیر المؤلفة بموجب قانون بیع وایجار أموال الدولة رقم (21) لسنة 2013 بتقدیر بدل الأرض المتجاوز علیها على أن یکون التقدیر حقیقی ووفقاً لضوابط تعدها وزارة الاعمار والإسکان والبلدیات والاشغال العامة.
2. یلتزم المتجاوز بدفع ما یعادل (5%) من البدل الذی تم تقدیره، ویقسط بقیة البدل لمدة (20) سنة. ولم یحدد القرار مقدار الأقساط ولا أوقات سدادها بل ترک الامر للضوابط التی تعدها وزارة الإعمار والإسکان والبلدیات والاشغال العامة، ولا شک أن السبب فی هذا الأمر یرجع لاختلاف بدلات تقدیر تملیک الأراضی المتجاوز علیها، مما یستتبع بالتالی اختلاف مقدار الأقساط وتحدید أوقات استحقاقها، وبکل الأحوال فإن مسألة تحدید مقدار الأقساط وأوقات استحقاقها إذا لم تحدد فی القرار فیجب ألا تغفل عنها الضوابط التی أشار الیها.
3. إذا تأخر المتجاوز فی التسدید فإما أن یکون تأخره لمدة لا تتجاوز مدة السماح التی ترک القرار تحدیدها للضوابط المشار الیها أیضاً، وفی هذه الحالة یکون للوزیر المختص أو رئیس الجهة غیر المرتبطة بوزارة أو من یخوله أو أی منها أن یقرر قبول تسدید القسط أو الأقساط المتأخرة مع تحمیل القسط أو الأقساط المتأخرة الفائدة المنصوص علیها فی المادة (أولاً) من قانون بیع وایجار أموال الدولة رقم (21) لسنة 2013، أما إذا کان التأخر فی التسدید یتجاوز المدة المتسامح فیها التی حددتها الضوابط، مما یعنی أن استیفاء الأقساط المتأخرة أصبح متعذراً ففی هذه الحالة یباع العقار نقداً وفقاً لأحکام القانون المذکور آنفاً إذا لم یکن مسجلاً باسم المالک، أما إذا کان مسجلاً باسمه فیباع وفقاً إلى أحکام قانون التسجیل العقاری باعتباره محجوزاً لقاء ما تبقى من تملیکه، وتعد إشارة الحجز بحکم الرهن التأمینی.
ولعل ما یثیر الاستغراب ما نص علیه القرار من أن العقار یباع إذا لم یکن مسجلاً باسم المالک، وبالتأکید فإن المقصود هنا هو مالک البناء، ولکن فات المشرع على ما یبدو أن البناء مقام على أرض مملوکة للدولة أصلاً، وأن البانی متجاوز فی الأساس تقرر تملیکه الأرض استثناءً مقابل أقساط لم یقم بتسدیدها، فما الغایة من البیع فی هذه الحالة؟ فکان الاحرى بالمشرع أن یقضی بتفویت فرصة المتجاوز فی تملک الأرض، أما عن الأقساط التی کان قد سددها إذا کان هناک ثمة تسدید مسبق من قبله فإن الأمر یقتضی بیان حکمها، فهل یستردها البانی الذی لم یفلح فی تملک الأرض؟ أم تؤول ملکیتها للدولة على اعتبارها مقابلا عن الانتفاع بالأرض طیلة المدة التی بقی فیها البناء قائما علیها؟
4. توضع إشارة عدم التصرف على العقار لحین تسدید کامل البدل، ویفهم من هذا أن الملکیة سوف تنتقل للمتجاوز بموجب أحکام البیع بالتقسیط حیث أنها تنتقل ابتداءً مع إمکانیة تقیید سلطة المالک فی التصرف لحین تسدید کامل الأقساط.
5. تتولى مدیریة التخطیط العمرانی فی المحافظة، بالتنسیق مع البلدیة المعنیة اعداد مسوحات کاملة لواقع الحال مع مخططات للتطویر والتأهیل مع توفیر المساحات الخضراء والخدمات الاجتماعیة والصحیة والتعلیمیة والشوارع والمحاور التجاریة وتصادق من المدیریة العامة للتخطیط العمرانی.
ولعل من نافلة القول أن إعطاء المتجاوز على أراضی الدولة الحق فی تملکها أمر لیس بالجدید على المشرع العراقی حیث وجدنا قرارات عدیدة قد صدرت فی سنوات سابقة تنظم حالات التجاوز على أراضی الدولة منها القرار (548) الصادر فی 28/4/1979 ، والذی اعطى الحق للذین انشأوا تجاوزاً دور سکن قبل 1/1/1979 على أرض مملوکة للدولة أو البلدیات أن یتملکوا هذه الأراضی بشرط أن تکون هذه الأراضی ضمن المناطق السکنیة وأن یکون البناء المشید من الطابوق أو الحجر أو الاسمنت، کما اشترط القرار أن یقدم طلب التملک إلى مدیریة البلدیة فی مرکز العقار خلال مدة سنة من تاریخ نفاذه على أن یرفق بالطلب اقرار خطی بعدم تملک المتجاوز أو زوجته أو أولاده القاصرین دار سکن أو قطعة أرض وعلى ألا تزید مساحة الأرض المطلوب تملکها على 300 متر مربع.
ومن ناحیة اخرى فقد جاء القرار الأخیر فی الفقرة التاسعة منه بعقوبة جزائیة ـ لکل من تجاوز بعد نفاذه وبنى على أرض مملوکة للدولة أو للبلدیات ـ وهی الحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر ولا تتجاوز السنتین وبالغرامة التی لا تقل عن 300 دینار ولا تزید على 2000 دینار أو بإحداهما مع رفع التجاوز دون أی تعویض.
واستکمالاً لهذا القرار صدر القرار (1181) بتاریخ 15/9/1982 والذی حمل رئیس الوحدة الإداریة ومدیر البلدیة مسؤولیة رفع التجاوز الذی یقع على أراضی الدولة أو البلدیات وقضى بتطبیق الفقرة (9) من القرار (548) بحق المتجاوز کما نص فی الفقرة الثالثة منه على عقوبة جزائیة یتعرض لها رئیس الوحدة الإداریة ومدیر البلدیة الذی یثبت عدم قیامه بواجباته برفع التجاوز والعقوبة هی الحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر ولا تزید على ثلاث سنوات على أن تضاعف العقوبة فی حالة العودة.
أما الاجراءات التی یجب على رئیس الوحدة الاداریة أو مدیر البلدیة أن یتبعها لرفع التجاوز عن أراضی الدولة فقد حددها القرار المرقم 398 فی 6/6/1987 والتی بموجبها علیه أن ینظم مخططاً بالمساحة المتجاوز علیها وأن یصدر قراراً برفع التجاوز على نفقة المتجاوز خلال مدة یحددها بقراره، وللمتجاوز أن یطعن فی هذا القرار أمام محکمة الاستئناف بصفتها التمییزیة والتی یقع البناء ضمن منطقة اختصاصها خلال (15) یوم من تاریخ تبلیغه بالقرار ویکون القرار الصادر بنتیجة الطعن باتاً.
المبحث الثانی
المشکلات القانونیة الناجمة عن البناء العشوائی
یثیر البناء العشوائی العدید من المشکلات القانونیة، وفی هذا البحث اخترنا الترکیز على مشکلاته المرتبطة بالقانون المدنی تحدیداً، حیث اخترنا منها مشکلة القیمة القانونیة للعقود الواردة على البناء العشوائی، ومشکلة حقوق الغیر فی البناء العشوائی، وسوف نخصص لکل منهما مطلباً مستقلاً وکالآتی:
المطلب الأول
القیمة القانونیة للتصرفات الواردة على البناء العشوائی
بینا فی المبحث الأول أن البناء العشوائی فی العراق یأخذ نمط البناء المتکامل فی بعض الأحیان، فیکون مشتملاً على مقومات السکن من مرافق وخدمات، ولا ینقصه سوى أنه أقیم على أرض مملوکة للدولة وبدون ترخیص أو موافقات أصولیة، والملاحظ أن هذه المبانی العشوائیة تکون محلاً لعقود شائعة الانتشار على أرض الواقع العراقی، مما یدفعنا للتساؤل عن القیمة القانونیة للعقد الوارد على البناء العشوائی؟ وهل یرتب ذات الالتزامات التی یرتبها العقد الوارد على العقار المقام على أرض مملوکة ملکیة خاصة وبترخیص قانونی؟ وبعبارة أرى هل یستطیع مشتری البناء العشوائی أن یقیم دعوى ضمان العیوب الخفیة أو ضمان الاستحقاق مثلاً على بائعه؟ وهل یستطیع مؤجر البناء العشوائی أن یقیم دعوى المطالبة ببدل الأجرة أو دعوى التخلیة مثلاً على مستأجره؟
ابتداءً نقول أن أموال الدولة تنقسم من حیث تخصیصها إلى نوعین : فمنها ما کان مرصوداً للمنفعة العامة، کالطرق والجسور والحدائق العامة والموانئ والمطارات والمرافئ وغیرها وهذه یطلق علیها أسم الاموال العامة، ومنها ما یکون مملوکاً للدولة ولکنها تستعملها استعمال الافراد فی ملکهم الخاص، کالأراضی الامیریة التی لم تخصص للمنفعة العامة وتدعى هذه بالأموال الخاصة أو الدومین الخاص، وهذه الاموال یجوز التصرف فیها بکل انواع التصرف فهی تباع وترهن وتترتب علیها حقوق ارتفاق وتکتسب بالتقادم.
هذا وإن التخصیص للمنفعة العامة قد یکون فعلیاً، کما لو جعلت الدولة قسماً من أراضیها طریقاً عاماً دون استصدار قانون خاص بذلک، وقد یکون التخصیص بمقتضى قانون خاص.
وقد تبنى القانون المدنی العراقی معیار تخصیص المال المملوک للدولة للمنفعة العامة بالفعل أو بمقتضى القانون للتمییز بین نوعی أموال الدولة ، فنصت المادة (71) من القانون المدنی على أنه : (تعدّ أموالاً عامة العقارات والمنقولات التی للدولة أو للأشخاص المعنویة العامة التی تکون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى القانون، وهذه الاموال لا یجوز التصرف فیها أو الحجز علیها أو تملکها بالتقادم).
وقد بینت المادة (72) من القانون المدنی العراقی کیف تفقد الاموال العامة صفتها فنصت على أنه: (تفقد الاموال العامة صفتها بانتهاء تخصیصها للمنفعة العامة وینتهی التخصیص بمقتضى القانون او بالفعل او بانتهاء الغرض الذی من اجله خصصت تلک الاموال للمنفعة العامة).
وبعد هذا الایجاز لنوعی أموال الدولة نقول: إن البناء العشوائی قد یکون على أرض الدولة المخصصة للمنفعة العامة (أموال عامة)، وقد یکون البناء على الأموال الخاصة للدولة، وسوف نقف عند هذین الفرضین کل فی فرع مستقل وکالاتی:
الفرع الأول
البناء العشوائی على أراضی الدولة المخصصة للمنفعة العامة
وفی هذه الحالة یقام البناء العشوائی على أرض مخصصة للمنفعة العامة، واستناداً إلى الفقرة (2) من المادة (71) مدنی عراقی نجد أن المشرع قد اضفى حمایة للأموال العامة لکونها تعم بنفعها المجتمع کله، ویتوقف على حمایتها وصیانتها استمرار عمل المرافق العامة بشکل منتظم لخدمة المواطنین، وتتخذ هذه الحمایة فی نص المشرع على أن هذه الأموال لا یجوز التصرف فیها أو الحجز علیها او تملکها بالتقادم.
علیه وبما أن البناء من صور التصرف المادی، فلا یجوز لأحد أن یبنی على الأموال المخصصة للمنفعة العامة، والواقع أن کون الأرض مخصصة للمنفعة العامة کالطرق والجسور هو أمر لا یخفى على أحد، وهو کفیل بعدم الاقدام على البناء على مثل هذه العقارات.
ولو حدثت على سبیل الافتراض حالة بناء على أرض مخصصة للمنفعة العامة فیبدو لنا صواب ما ذهب إلیه بعض الفقه من أن البانی سیؤمر بالقلع مطلقاً، کما أن کل عقد یرد على هذا البناء العشوائی سوف یولد میتاً لکونه وارد على محل غیر قابل للتعامل فیه، وبالتالی فإن بیع البناء العشوائی لن یرتب الآثار التی یرتبها عقد البیع العقاری، وهکذا القول بالنسبة لغیره من العقود، ولن یستطیع أی طرف من طرفی العقد مقاضاة الطرف الثانی للمطالبة بتنفیذ الالتزامات التی یلقیها علیه العقد، بل ویستطیع من نفذ التزامه منهما أن یطالب بالرد وإعادة الحال إلى ما کانت علیه، وذلک بموجب أحکام المادة 138 من القانون المدنی العراقی، والتی جاء فیها: ((فإذا بطل العقد یعاد المتعاقدان الى الحالة التی کانا علیها قبل العقد)).
الفرع الثانی
البناء العشوائی على أراضی الدولة الخاصة
وفی هذه الحالة یقام البناء العشوائی على أراضٍ خاصة للدولة، أی على أرض تملکها الدولة ملکیة خاصة ولا تکون مخصصة للمنفعة العامة، فنجد أننا فی هذه الحالة أمام أمرین أیضاً، فإما أن تکون الأرض مملوکة للدولة ملکاً صرفاً، وإما أن تکون مثقلة بحق تصرف، علیه سوف نقف عند هذین الاحتمالین من خلال الفقرتین الآتیتین:
أولا: البناء العشوائی على الأرض المملوکة للدولة ملکاً صرفاً
إذا کانت الأرض المملوکة للدولة ملکیة خاصة خالیة من أی حق للغیر علیها، وحدث أن قام شخص بالبناء العشوائی على مثل هذه الأرض، فهل یکون من حقه أن یتملکها بموجب أحکام الالتصاق فی الأحوال التی یکون فیها حسن النیة على الأقل، ومن ثم تصح تصرفاته التی ینقل من خلالها ملکیة ما أقامه من بناء للغیر أو یرتب له حقاً علیه؟
الحقیقة لا یوجد نص قانونی صریح فی القانون المدنی یعالج هذه الحالة، ولکننا نجد أن جواب التساؤل یجب أن یکون بالنفی، وذلک لأن المشرع کما سبق وبینا فی المبحث السابق حدد على وجه التعیین من له الحق فی تملک الأراضی المتجاوز علیها، وبالتالی فإن أیة حالة تخرج عن حدود ذلک التعیین لن تکون مشمولة بالتملیک، ومتى ما لم یثبت الحق للمتجاوز بطلت جمیع تصرفاته التی رتبها على البناء الذی أقامه تجاوزاً.
ثانیاً: البناء العشوائی على الأرض المملوکة للدولة والمثقلة بحق تصرف
إذا حدث البناء على أرض الدولة المثقلة بحق تصرف فإن البانی قد یکون هو المتصرف نفسه، وقد یکون البناء من قبل أجنبی تجاوزاً على حق المتصرف.
وابتداءً نقول، إن حق التصرف هو حق عینی اصلی یخول صاحبه الانتفاع بالأراضی الامیریة واستغلالها. وقد نظم القانون المدنی العراقی احکام حق التصرف فی الفصل الاول من الباب الثانی المخصص للحقوق المتفرعة عن حق الملکیة وافرد له ثمانین مادة (المواد 1169-1249).
وقد تناولت الفقرة الاولى من المادة (1169) التصرفات المادیة التی یجوز للمتصرف ان یزاولها على الأرض الامیریة، والتی من ضمنها أن یقم علیها ما یشاء من أبنیة خاصة بالزراعة، کحظائر المواشی ، ومخازن الحبوب وغیرها ، أما الأبنیة التی لا تدخل فی الأغراض الزراعیة فلا یجوز للمتصرف أن یقوم بها.
ولکن إذا حدث أن تجاوز المتصرف حقه هذا، فأحدث ابنیة غیر مسموح له بتشییدها على الأرض التی له علیها حق تصرف، فما حکم هذه الأبنیة وما حکم تصرفه فیها؟
لم ینص القانون المدنی على حکم لهذه الحالة إلا أن قرارات خاصة کانت قد صدرت لتنظیم حکمها وبموجبها کان جزاء التجاوز هو إطفاء حق التصرف.
وبالتالی فإن ما یحصل على أرض الواقع الیوم، من قیام أصحاب حقوق التصرف بتقطیع الأراضی التی لهم علیها حق تصرف على شکل قطع صغیرة وبتقسیمات عشوائیة، وجعلها محلاً للتصرفات المالیة، فی عقود یبرمونها مع الأفراد، یطلقون علیها أسم البیع تجاوزاً، لکونه بیع خارج عن إطار الشرعیة القانونیة، وقیام الأفراد بالبناء على هذه الأراضی، وما یلی ذلک من تصرفات محلها هذه الأبنیة، فکل ذلک یدور فی فلک البطلان ولا یخرج عنه، ومن ثم لا یترتب أی أثر قانونی على مثل هذه التصرفات.
أما إذا حدث التجاوز على أرض الدولة المثقلة بحق تصرف من قبل أجنبی قام بالبناء العشوائی على هذه الأرض أو على جزء منها، فیمکن القول بأن هذه الحالة ستخضع کقاعدة عامة للأحکام التی تخضع لها ملکیة الافراد، حیث یعد بحکم البانی سیء النیة ویلزم بالقلع بموجب أحکام القانون المدنی، وبالتالی فإن تصرفه فی هذا البناء قبل إلزامه بالقلع سیجعل هذا التصرف وارداً على محل منعدم فیکون باطلاً أیضاً.
وهکذا ننتهی إلى القول بأن التصرفات التی یکون محلها بناء عشوائی مقام تجاوزاً على أرض الدولة سوف تکون باطلة، سواء کانت الأرض مخصصة للمنفعة العامة أم کانت مملوکة ملکیة خاصة، وسواء کانت هذه الأخیرة مملوکة للدولة ملکیة خالصة أم کانت مثقلة بحق تصرف، وبالتالی فإن من یقدم على التعاملات التی یکون محلها بناءً عشوائیا لا یلومن الا نفسه، فلن یستطیع القضاء أن یأخذ بیده إلى الخلاص مما أوقع نفسه فیه.
بقی أن نقول أن مشتری البناء العشوائی لن یستفید من القرار رقم 1198 لیتمکن من نقل ملکیة العقار حتى وأن توفرت لدیه إحدى الحالتین اللتین أشار لهما القرار: بأن یکون قد سکن العقار أو أحدث فیه ابنیة أو منشآت أخرى أو مغروسات.
المطلب الثانی
حقوق الغیر والبناء العشوائی
بینا فی المطلب الأول من هذا المبحث، ومن خلال البحث فی القیمة القانونیة للتصرفات الواردة على البناء العشوائی، حقوق المرتبطین بالبناء العشوائی بشکل مباشر، کونهم طرفاً فی تصرف قانونی محله هذا البناء، ونبین فی هذا المطلب حقوق الغیر ممن لا یربطهم بالمتجاوز تصرف قانونی، ولکنهم یرتبطون بالبناء العشوائی بشکل غیر مباشر، أما بحکم حالة الجوار أو لکونهم دائنین للمتجاوز ومن مصلحتهم التنفیذ على هذا البناء، وسوف نقف عند تفصیلات هاتین الحالتین من خلال الفرعین الآتیین:
الفرع الأول
أضرار الجوار فی البناء العشوائی
یقصد بمضار الجوار مسؤولیة الجار عما یسببه لجاره من ضرر جراء مباشرته لسلطته فی الاستعمال على العقار الذی یملکه، فالأصل أن المالک حر فی انتفاعه بالشیء الذی یملکه وفی ممارسة سلطاته علیه إلا أن حریته هذه تنتهی عند حدود حریة الاخرین، مما یحتم علیه عدم الغلو فی ممارسة هذه السلطات إلى الحد الذی یسبب لجاره ضرراً، فإذا فعل تحققت مسؤولیته عما یصیب الجار من ضرر.
ویلاحظ أن مضار الجوار قد تلحق الجار فی ملکه ذاته، کأن یقوم الجار بعمل یؤدی إلى وهن بناء جاره، کالذی یقوم بالحفر فی ملکه فیسبب الوهن فی أساسات بناء جاره، أو قد تتسبب مضار الجوار لا بوهن بناء الجار، وإنما بتفویت المنافع المقصودة منه کالراحة والهدوء فی دار السکن.
وفی کلتا الحالتین یستطیع الجار المتضرر اللجوء للقضاء لمساءلة جاره عن هذه الأضرار فإذا ما انتهى القاضی إلى الاقتناع بأن استعمال المالک لملکه یلحق بالجار ضرراً، فیکلف المالک بإزالته، وإزالة الضرر تتحقق إما عن طریق التنفیذ العینی أو عن طریق التعویض، فقد یحکم القاضی بمنع الاستعمال المشکو منه، أو ازالة مصدر الضرر، أو اتخاذ بعض الاجراءات الکفیلة بمنع وقوع الضرر مع بقاء ذلک الاستعمال، أو إجبار المالک على تغییر طریقة استعماله لملکه واتخاذ ما یلزم لعدم وقع الضرر مرة أخرى. کما قد یحکم القاضی بالتعویض لجبر الضرر الذی أصاب الجار، إذا کان التنفیذ العینی غیر کافٍ.
وهنا یثار التساؤل عن مدى حق ساکن البناء العشوائی فی الادعاء بمضار الجوار التی یسببها له جاره؟ ومدى حق ساکنی المناطق النظامیة فی اقامة دعوى مضار الجوار على ساکنی المبانی العشوائیة؟
الحقیقة أن دعوى مضار الجوار لا یشترط فی اقامتها أن یکون المدعی مالکاً للعقار بل یمکن أن یقیمها حائز العقار بشرط أن تکون له صفة فی اقامتها، وهذه الصفة تتأتى من کونه المتضرر من افعال جاره، وکذلک الحال بالنسبة للجار المسؤول، فقد یکون مالکاً للعقار أو منتفعا فیه باتفاق مع المالک رتب له من خلاله حقا عینیاً أو شخصیاً، فالأمر یتوقف على طبیعة الضرر وهل هو متأتی من البناء ذاته أم من الانتفاع به.
أما عن حق شاغل البناء العشوائی فی الادعاء بمضار الجوار، فیمکن قیاسها على ما ناقشه الفقه بخصوص من یحوز أو یشغل عقار دون سند قانونی ولا تتوفر لدیه شروط الحیازة القانونیة، حیث ذهبوا إلى القول بأن الجوار مرتبط بالحق، وعلیه فإن شاغل العقار بدون حق لیس له أن یدعى بإصابته بضرر عن المضار التی تصدر من جاره، فإذا کان الرأی هکذا بخصوص شاغل العقار المقام بترخیص قانونی ولکن اشغاله بدون وجه حق فلا شک أن شاغل البناء العشوائی لن تسمع دعواه من باب أولى.
أما عن الشق الثانی من التساؤل والمتعلق بحق ساکنی المناطق النظامیة بإقامة دعوى مضار الجوار على أحد ساکنی المناطق العشوائیة فإن الأمر مختلف تماماً وابتداءً قد یتساءل سائل: کیف یمکن أن تتحقق حالة الجوار بینهما؟ والحقیقة أن هذا الأمر وارد بالنظر لکون الجوار لم یعد ینظر له کما کان سابقاً على أنه علاقة بین عقارین متلاصقین، فقد اتجه الفقه الحدیث إلى إعادة النظر فی مفهوم الجوار فمیز بین التجاور والتلاصق، فالتلاصق هو صلة مادیة بین شیئین بحیث یتصل کل منهما بالآخر ولا ینفصل عنه، أما التجاور فهو التواجد فی نطاق أو حیز جغرافی معین ولو لم یکن هناک اتصال أو احتکاک مادی بین الأشیاء التی توجد فی هذا النطاق أو الحیز، والذی یتحدد بالمدى الذی یمکن أن یصل فیه أذى الأنشطة المجاورة.
فإذا ما انتهینا بأن حالة الجوار ممکنة التحقق فهل یحول انعدام السند القانونی لحیازة العقار دون إمکانیة إقامة دعوى مضار الجوار على ساکن البناء العشوائی؟
بالقیاس على ما اتجه إلیه الفقهمن أن غاصب العقار یعد جاراً وتتحقق مسؤولیته عندما یصدر منه ضرر یلحق جاره، وعلى ضرورة الأخذ بالمفهوم الواسع للجوار لحفظ حقوق المضرور من الضرر اللاحق به، یمکن القول بتحقق مسؤولیة ساکن البناء العشوائی عن مضار الجوار التی تصیب جاره ساکن العقار النظامی.
الفرع الثانی
حقوق الدائنین والبناء العشوائی
تعرف الذمة المالیة بأنها مجموع ما للشخص من حقوق وما علیه من التزامات مالیة حاضرة ومستقبلة.
وتتکون الذمة المالیة من عنصرین :
1. عنصر إیجابی وهو مجموع الحقوق المالیة التی تکون للشخص.
2. عنصر سلبی وهو مجموع الالتزامات المالیة التی تترتب على الشخص.
والذمة المالیة لا تشمل الحقوق والالتزامات المالیة الحاضرة فحسب، بل المستقبلة أیضا، ولذلک شبهها البعض بوعاء تنصب فیه الحقوق والالتزامات المالیة التی تعود للشخص، وهذه الحقوق والالتزامات قد تتغیر باستمرار فیزول بعضها ویحل غیرها محلها دون أن یؤثر ذلک على مفهوم الذمة المالیة نفسها، کما أن الذمة المالیة لا تحتوی إلا الحقوق والالتزامات المالیة، وهی على هذا الاساس تشکل الضمان العام لحقوق الدائنین.
وهنا یثار التساؤل عن مدى عد البناء العشوائی أحد العناصر الموجبة للذمة المالیة لمن أقامه؟ مما یخول دائنی هذا الشخص التنفیذ علیه واستیفاء دیونهم من ثمنه؟ ومما یرتبط بالتساؤل السابق مدى ثبوت حق الامتیاز للمقاول الذی أحدث البناء العشوائی؟
أما بالنسبة للشق الأول من التساؤل فإن إجابته تتوقف على الإجابة عن تساؤل مبدئی هو: هل یعد البناء العشوائی من قبیل الأموال؟ ذلک أن المادة (260) من القانون المدنی العراقی تنص على أنه: ((أموال المدین جمیعها ضامنة للوفاء بدیونه 2-وجمیع الدائنین متساوون فی هذا الضمان إلا من کان له منهم حق التقدم طبقاً للقانون)).
لا شک أن النظر إلى البناء العشوائی قائماً باعتباره عقاراً یفضی للقول بأنه لیس من الأموال التی تخول الدائنین التنفیذ علیه، ذلک أنه غیر مسجل فی مدیریة التسجیل العقاری باسم المدین.
کما لا یمکن القول بإمکانیة تنفیذ الدائنین على البناء منفصلاً عن الأرض على اعتباره منقولاً حسب المآل وذلک لأنه یفتقر لشروط وصف الشیء منقولاً حسب المآل وأهمها تلک التی تستوجب أن یکون مصیر الشیء الانفصال عن العقار، وأن یکون الانفصال عنه فی وقت قریب، فمصیر البناء العشوائی قد لا یکون الانفصال عن الأرض أما بسبب تملیک الأرض للمتجاوز أو بسبب مصادرة البناء من قبل الدولة، کما أن الانفصال عن الأرض إذا ما تحقق فربما لن یکون وشیک الوقوع، إلا أنه إذا ما حصل وتحقق الانفصال الفعلی _لأی سبب کان_ یصبح من حق الدائنین التنفیذ على ما یخلفه من انقاض.
وبالعودة للشق الثانی من التساؤل المطروح أعلاه والمتعلق بمدى ثبوت حق الامتیاز للمقاول الذی أحدث البناء العشوائی نقول: إن الامتیاز کما عرفه المشرع هو: اولویة فی الاستیفاء لدین معین مراعاة لسبب هذا الدین، وهو على أنواع ومراتب، ومن أنواعه: الامتیاز الخاص على عقار، ومن صور هذا النوع: امتیاز المقاول والمهندس المعماری، والذی أقره المشرع على اعتبار أن المقاولین والمهندسین المعماریین یوجدون شیئاً جدیداً یستفید منه مالک العقار بسبب زیادة قیمته، فیکون من العدل أن یتقدم هؤلاء على الدائنین الآخرین فی حدود تلک الزیادة، حیث یثبت لهم الامتیاز بالشروط الآتیة:
1- أن یکون المقاول أو المهندس قد عُهد إلیه بالعمل الذی یطالب بالمبالغ المستحقة له من أجله، فإذا قام شخص بتشیید بناء أو ترمیمه من تلقاء نفسه فلا یستفید من هذا الامتیاز ولو کان مقاولاً أو مهندساً معماریاً.
2- یضمن هذا الامتیاز جمیع المبالغ المستحقة للمقاول أو المهندس بسبب قیامه بتشیید البناء أو ترمیمه أو صیانته أو إعادة بنائه، ولا ینحصر فی أصل المبالغ بل یمتد إلى الفوائد المستحقة عن هذه المبالغ.
3- یقع الامتیاز على البناء الذی قام المقاول أو المهندس بتشییده أو إعادة تشییده أو ترمیمه أو صیانته من دون أن یمتد أثره إلى الأرض التی أقیم علیها، فإذا انهدم البناء یسقط حق المهندس أو المقاول بالامتیاز، ولا یقع هذا الامتیاز على قیمة البناء وإنما یقع على ما زاد فی قیمة العقار بسبب هذه المصروفات، وفی حدود ما یبقى قائماً من هذه الزیادة وقت البیع.
4- ومما یشترط لثبوت هذا الامتیاز أیضاً تحریر سند رسمی بالأعمال التی تمت والمبالغ المستحقة فی مقابلها وتسجیل الامتیاز فی دائرة التسجیل العقاری بناء على هذا السند، ولا شک أن هذا الشرط الأخیر سوف یقف عائقاً أمام ثبوت حق الامتیاز للمقاول أو المهندس الذی قام بتشیید أو إعادة تشیید أو ترمیم أو صیانة البناء العشوائی فحیث لا تسجیل لن یکون هناک امتیاز.
الخاتمـة
بعد أن انتهینا من بحثنا (البناء العشوائی واشکالیاته القانونیة) والذی وقفنا عند تفاصیله من خلاله مبحثین خصصنا المبحث الاول التعریف بمشکلة البناء العشوائی ودور التشریعات فی معالجتها، وخصصنا المبحث الثانی للإشکالیات القانونیة الناجمة عن البناء العشوائی، حیث اخترنا منها وبحکم التخصص تلک المرتبطة بالقانون المدنی کل من مشکلة القیمة القانونیة للتصرفات الواردة على البناء العشوائی ومشکلة حقوق الغیر فی البناء العشوائی فقد انتهینا إلى النتائج والتوصیات الآتیة:
أولاً: النتائج
1- البناء العشوائی هو بناء غیر منظم بنی بدون ترخیص عن طریق وضع الید على أراضی الدولة وتنشأ بمجموع هذه المساکن مناطق عشوائیة تفتقر للخدمات والمرافق الحضریة، کما أن العشوائیات فی العراق تمتاز بأنها قد تضم أحیانا مساکن عالیة البنیان فیها مقومات المسکن من مرافق ومشتملات داخلیة ولکنها انشئت فی مناطق تفتقر للخدمات العامة وأقیمت بدون تخطیط ولا موافقات أصولیة وأغلب حالاتها تحصل بسبب الجمعیات التعاونیة التی تقوم بتوزیع الأراضی على فئات معینة دون أن تستوفی الإجراءات القانونیة اللازمة لتصحیح صنف الأراضی وتصحیح جنسها.
2- یجب التمییز بین البناء العشوائی وعدم الحصول على إجازة البناء على ارض مسجلة اصولیا فی مناطق التخطیط العمرانی، فهذه الأخیرة لا تعد بحکم البناء العشوائی وإن تعرض من أقامها للجزاء القانونی کالغرامة مثلاً.
3- تقف وراء تفاقم مشکلة البناء العشوائی أسباب متعددة منها اجتماعیة وعمرانیة واقتصادیة وسیاسیة ساهمت مجتمعة فی ظهور العشوائیات فی احشاء المدن وأطرافها فی کثیر من الدول النامیة ومنها العراق على وجه التحدید.
4- للبناء العشوائی انعکاسات سلبیة لا تکاد تحصر سواء على قاطنیه أو على المجتمع منها التأثیر على المشهد العمرانی والتأثیر على الأراضی الزراعیة والأثریة فضلا عما تسببه من اضرار صحیة واجتماعیة وبیئیة ومضار جوار.
5- تباینت مواقف التشریعات فی الدول التی تواجه مشکلة البناء العشوائی فی إیجاد الحلول الکفیلة بمعالجتها فمنها من غلب مصلحة المتجاوز فقضى بتملیک الأرض للمتجاوز مثل المشرع العراقی حیث أصدر مجلس الوزراء العراقی القرار رقم 418 لسنة 2019 والذی قضى من خلاله بتملیک الأرض للمتجاوز فی حال توفر شروطمعینة، ومنها من غلب المصلحة العامة فألزم المتجاوز بهدم بنائه وإزالة تجاوزهمثل المشرع المصری.
6- یثیر البناء العشوائی العدید من المشکلات القانونیة المرتبطة بالقانون المدنی على صعید الواقع العراقی ذلک أنه یقع محلا للتصرفات المالیة کالبیع أو الایجار وقد انتهینا للقول بأن عقد بیع هذا البناء العشوائی سوف یولد میتاً لکونه وارد على محل غیر قابل للتعامل فیه وبالتالی فإن هذا البیع لن یرتب الآثار التی یرتبها عقد البیع العقاری ولن یستطیع أی طرف من طرفی العقد مقاضاة الطرف الثانی للمطالبة بتنفیذ الالتزامات التی یلقیها علیه عقد البیع بل ویستطیع المشتری إذا کان قد دفع الثمن أن یطالب برده وأن الحکم هذا یسری سواء کانت الأرض مخصصة للمنفعة العامة أم کانت مملوکة ملکیة خاصة وسواء کانت هذه الأخیرة مملوکة للدولة ملکیة خالصة أم کانت مثقلة بحق تصرف.
7- إن ما یحصل على أرض الواقع الیوم من قیام أصحاب حقوق التصرف بتقطیع الأراضی التی لهم علیها حق تصرف على شکل قطع صغیرة وبتقسیمات عشوائیة وجعلها محلاً للتصرفات المالیة فی عقود یبرمونها مع الافراد یطلقون علیها أسم البیع تجاوزاً لکونه بیع خارج عن إطار الشرعیة القانونیة، وقیام الافراد بالبناء على هذه الأراضی وما یلی ذلک من تصرفات محلها هذه الأبنیة فکل ذلک یدور فی فلک البطلان ولا یخرج عنه ومن ثم لا یرتب أی أثر قانونی على مثل هذه التصرفات.
8- یثیر الوجود الواقعی للبناء العشوائی بعض المشکلات التی تتعلق بحقوق الغیر علیه مثل مضار الجوار وحقوق الدائنین، فأما الأولى فقد انتهینا إلى أن شاغل البناء العشوائی لا یمکن أن یدعی بمضار الجوار ولکن یمکن أن یکون مدعاً علیه بها، وأما الثانیة فقد انتهینا إلى عدم إمکانیة التنفیذ على البناء العشوائی من قبل الدائنین إلا إذا أصبح انقاضاَ.
ثانیاً: التوصیات
1- ندعو المشرع العراقی الى الغاء قرار مجلس الوزراء المرقم 418 لسنة 2019 وإیقاف العمل به للأسباب الاتیة:
2- أن یأخذ القانونیون دورهم فی نشر المعرفة القانونیة بین أبناء المجتمع وتنبیههم بعدم قانونیة التصرفات التی یکون محلها البناء العشوائی وبخطورة تلک التصرفات التی تتم عن طریق الجمعیات التعاونیة التی لم تستوف الإجراءات القانونیة لتصحیح صنف الأراضی، فالبانی على هذه الأراضی کمن یبنی قصراً من رمال، ومن یقدم على التصرفات التی یکون محلها هذا البناء لن یستطیع القضاء أن یأخذ بیده للخلاص مما أوقع نفسه فیه.
3- أن یتم تفعیل العمل برخصة البناء وأن تأخذ الجهات ذات العلاقة دورها فی التأکد من الحصول علیها لدى کل من یشرع بالبناء لان رخصة البناء تعد أداة قانونیة رقابیة ووقائیة من ظاهرة البناء العشوائی.
4- أن تفی الدولة بالتزامها الذی قطعته على نفسها بموجب المادة (30) من الدستور النافذ لعام 2005 والذی تعهدت من خلاله بتوفیر السکن الملائم للفرد والأسرة (تکفل الدولة للفرد وللأسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الاجتماعی والصحی، والمقومات الاساسیة للعیش فی حیاةٍ حرة کریمةٍ، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسکن الملائم). ویمکن فی هذا الصدد الاستفادة من تجارب الدولة التی تعاونت من القطاع الخاص وعملت على تشجیع الاستثمار فی مجال الإسکان بالشکل الذی یتیح لها توفیر وحدات سکنیة وتوزیعها على المسجلین بأقساط تسدد على الأمد الطویل.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
المصـادر
أولاً: الکتب
ثانیاً: الرسائل العلمیة
ثالثاُ: البحوث العلمیة
رابعاً: مواقع الکترونیة
https://www.ishtartv.com/viewarticle,54574.html
تاریخ الزیارة 25/7/2020
خامساً: الدستور والقوانین والقرارات