الملخص
بالنظر لکثرة اِنِتهاکِ حُقوقِ الاِنسانِ ولاسیما فی جَریمَةِ الاخفاء القَسْری التی بات ارتکابها بشکل ممنهج ومنظم, بل انها اصبحت جزءاً من السیاسة العامة لکثیر من الدول ضد المعارضین لسیاستها وتوجهاتها، وعلى الرغم من انضمام العراق الى "اتفاقیة حمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری" الا انه یعد من الدول المتهمة بارتکاب هذه الجریمة سواء اکان فی عهد النظام السابق ام بعد عام 2003, وهوما دفعنا للبحث عن الیاتِ القَانونِ الدَولِیِ الجِنائِیِ المتعلقة بالحمایة من الاخفاء القَسْریِ التی تتکرس فیـها اَلیَـةً قانونِیةً یُمکِنْ من خلالها القضاء على هذه الجریمة وتحمیل مرتکبیها المســؤولیة الجنائیــة الدولیــة.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
الجديد في البحث
صنِّفت جریمة الاخفاء القسری احدى "الجرائم ضد الانسانیة" على وفق النظام الاساســی للمَحکمَةِ الجِنائیةِ الدُولیـَةِ، الا انه یمکننا القول بان البیئة العراقیة تُشکِلُ حَقلاً خَصِباً لهذا النَوعُ مِنَ الجَرائِمِ عَلى وفق مَا وثقته العَدیدُ مِن المُنَظماتِ الدُولِیةِ المَعنِیةِ بالجانب الانسانی وعلى راسها مُنَظمةُ العفو الدُوَلیةِ وهیومن رایتس ووش.
أصل المقالة
جریمة الاخفاء القسری فی القانون الدولی الجنائی -دراسة حالة العراق-(*)-
The Crime of Enforced Disappearance in International Criminal Law: A Case Study of Iraq
سهى حمید سلیم کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Suha Hamid Salim College of law / University of Mosul Correspondence: Suha Hamid Salim E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 5/2/2020 *** قبل للنشر فی 25/2/2020.
(*) Received on 5/2/2020 *** accepted for publishing on 25/2/2020.
Doi: 10.33899/alaw.2020.165263
© Authors, 2020, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
بالنظر لکثرة اِنِتهاکِ حُقوقِ الاِنسانِ ولاسیما فی جَریمَةِ الاخفاء القَسْری التی بات ارتکابها بشکل ممنهج ومنظم, بل انها اصبحت جزءاً من السیاسة العامة لکثیر من الدول ضد المعارضین لسیاستها وتوجهاتها، وعلى الرغم من انضمام العراق الى "اتفاقیة حمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری" الا انه یعد من الدول المتهمة بارتکاب هذه الجریمة سواء اکان فی عهد النظام السابق ام بعد عام 2003, وهوما دفعنا للبحث عن الیاتِ القَانونِ الدَولِیِ الجِنائِیِ المتعلقة بالحمایة من الاخفاء القَسْریِ التی تتکرس فیـها اَلیَـةً قانونِیةً یُمکِنْ من خلالها القضاء على هذه الجریمة وتحمیل مرتکبیها المســؤولیة الجنائیــة الدولیــة.
الکلمات المفتاحیة: الاخفاء القسری ،الحجز التعسفی ،جَریمًةٌ ضِدَ الاِنسانِیةِ ,المَسؤولیَةُ الجِنائِیةُ.
Abstract
Due to the widespread of human rights violation, the crime of enforced disappearance which its practice has become systematic in many states against oppositions. Iraq is one of these accused countries of committing enforced disappearance crime during the previous regime era and after 2003, despite being a member state of the International Convention for the Protection of All Persons from Enforced Disappearance. The issue that prompted us to look at the mechanisms of international criminal law related to protection from enforced disappearance by eliminating the crime and hold its perpetrators accountable.
Key words : Enforced disappearance, arbitrary detention, crimes against humanity, criminal liability, Iraq, international human rights law, the International Convention for the Protection of All Persons from Enforced Disappearance.
المقدمـة
صنِّفت جریمة الاخفاء القسری احدى "الجرائم ضد الانسانیة" على وفق النظام الاساســی للمَحکمَةِ الجِنائیةِ الدُولیـَةِ, وعلى الرغم من تجریم الاخفاء القسری وترتیب المَسؤولیةَ الجِنائیةَ الفَردِیةَ على مرتکب الفعل الا ان هذه الجریمةَ شهدت تزایداً مطرداً فی ظل البیئة الدولیة الراهنة، وقد تنوعت الضمانات التی وفرتها الاتفاقیات الدولیة لمنع ارتکاب هذه الجریمة ومحاسبة مرتکبیها ، غیران البیئة العراقیة تُشکِلُ حَقلاً خَصِباً لهذا النَوعُ مِنَ الجَرائِمِ عَلى وفق مَا وثقته العَدیدُ مِن المُنَظماتِ الدُولِیةِ المَعنِیةِ بالجانب الانسانی وعلى راسها مُنَظمةُ العفو الدُوَلیةِ وهیومن رایتس ووش. وقد حاولنا فی بحثنا هذا تسلیط الضوء على هذه الجریمة وبیان الالیات الدولیة خُصوصا الجِنائِیةِ مِنْها, لمواجهة هذه الجریمة وفق هیکلیة حاولنا من خلالها ان نطبق قواعد القانونُ الدولیِ عموما والقَانونُ الدَولِیِ الجِنائِیِ بشکل خَاصْ على الواقع العراقی ونوائم بین ما جاءت بهِ تِلکَ القَواعِدُ وما تَضمَنهُ قَانونُ العُقوباتِ العُراقِی ،علنا نحاول التخفیف من حدة ارتکاب هذه الجریمة وصولاً الى زجر مرتکبیها ومحاسبتهم جنائیاً.
اِشْکالِیةُ البَحثِ:
وفر القانون الدولی الجنائی مجموعة من الالیات الدولیة الجنائیة لمکافحة جریمة الاخفاء القسری, الا ان التساؤل الذی یثار فی هذا الخصوص, ما هو التوصیف القانونی الجنائی الدولی لجریمة الاخفاء القسری؟ وینبثق عن هذا التساؤل عدة تساؤلات, منها ما مدى التزام الدول الاطراف بتطبیق هذه الاتفاقیات وتضمینها بتشریعاتها الوطنیة, ,تحدیدا ما مدىتطبیقالعراق لهذه الاتفاقیات الدولیة؟وهل تمکن العراق من الحد من هذه الجریمة فی ظل انضمامه "لاتفاقیة حمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری لسنة 2006" ام لا؟ وهو لیس طرفا فی اتفاقیة روما؟ وهل تمکنت القوانین العراقیة النافذة والخاصة بهذه الجریمة من توفیر الغطاء القانونی اللازم لحمایة الاشخاص من الاخفاء القسری وتوفیر الضمانات الکافیة لهم؟ وماهی الاشکالیة القانونیة فی تعریف جریمة الاخفاء القسری الوارد فی هذه القوانین؟ وکیف یمکن ترتیب المَسؤولِیةُ الجِنائِیةِ الفردیة على مرتکبِ هذه الجریمةِ ؟هذا ما سیتم الاجابة عنه فی بحثنا هذا .
فرضیة البحث:
یقوم هذا البحث على فرضیة مفادها ان التَشریعاتِ الوَطنیةِ الحَالیة لا تتوافق مع المواثیق الدولیة الخاصة بجریمة دولیة کجریمة الاخفاء القسری, وبالتالی لابد من توفیرِ الحمایة اللازمة من هذه الجریمة من خلال ایجاد تشریع خاص بها لمکافحتها والقضاء علیها.
منهجیة البحثِ:
اعتمدنا فی کتابة بحثنا هذا على المنهج التحلیلی لقواعِدِ القانونِ الدُولیّ الخاصة بجریمة الاخفاء القسری وتحدیدا تلک الواردة فی قٌواعدِ القانُونِ الدُوَلیّ الجنائی ,کما اعتمدنا على المنهج التاریخی فی الوقوف عند التأصیل التاریخی لجریمة الاخفاء القسری فی الواقع العراقی, وقد تم الاعتماد على المنهج النقدی فی نقد مَوقِفِ الٌمشَرعِ العُراقِی من هذه الجَریمَة ومدى موائمة تشریعاته مع الاتِفاقِیاتِ الدُوَلیةِ المُتَعلقةِ بهذه الجَریمَةِ.
هیکلیة البحث:
المبحث الاول: التعریف بجریمة الاخفاء القسری
المطلب الاول: تعریف جریمة الاخفاء القسری
المَطلبُ الثانی: التکییف القانونی الدولی لجریمة الاخفاء القَسْری
المَطلبُ الثالث: اَرکانُ جَریمَةِ الاخفاء القَسْرِی
المَبحثُ الثانی: الحِمایَةُ الجِنائِیَّة الدُوًلِیَّةِ للأشخاص من جریمة الاخفاء القسری
المطلبُ الاول: الالیات الدولیةِ لحمایةِ الاشخاصِ من جریمة الاخفاء القسری
المطلبُ الثانی: دراسة تطبیقیة على جریمة الاخفاء القسری فی العراق
المطلبُ الثالثِ: المسؤولیة الجنائیة الفردیة عن جریمة الاخفاء القسری
المبحث الاول
التعریف بجریمة الاخفاء القسری
للتعریف المتکامل بجریمةِ الاخفاء القسری من وجهة النظر القانونیةِ الدولیةِ ینبغی بدایة الوقوف عند تعریف هذه الجریمة فی المواثیق الدولیة ثم نعرج على التکییف القانونی الدولی لها, ومن ثم التطرق الى موضوع مهم فی ای جریمةٍ دولیةٍ وهو تحدید ارکانها. وهذا ما سیتم التعامل معه فی المطالب الاتیة :
المطلب الاول
تعریف جریمة الاخفاء القسری
وقوفا عند التعریف القانُونیّ لجَریمَةِ الاخفاء القسری فی اطار المواثیق الدولیة التی تناولت هذه الجریمة, ینبغی بدایة التعرف على الدلالة اللغویة لمصطلح الاخفاء القسری. لذا سیتم التعامل مع تعریف الاخفاء القسری لغة واصطلاحا وفقا لما یأتی:
الفرع الاول: المدلول اللغوی لمصطلح الاخفاء القسری
درجت المواثیق الدولیة المعنیة بظاهرة الاخفاء القسری سواء تلک الصادرة عن الامم المتحدة بشکل اعلانات وقرارات ام تلک التی نظمتها باتِفاقیاتٍ ومُعاهداتٍ دُولِیةٍ على استخدام مصطلح "الاختفاء القسری", لکننا اثرنا استخدام مصطلح الاخفاء القسری فی بحثنا هذا لأننا وجدناه اکثر دقة فی المدلول اللغوی للکلمة.
تشیر معاجم اللغة العربیة الى ان کلمة (اختفاء) جاءت من الفعل اختفى , اختفى من, یختفی اختفَ, اختفاءً, فهو مختفٍ, والمفعول مختفى عنه ,اختفى الشیء/ اختفى عن الانظار/ اختفى من الانظار: توارى استتر, غاب, ویقال فی الامثلة "ان فی الحیاء لهنات ذات الوان من استحى اختفى ومن اختفى اتقى ومن اتقى وقی".
من هذا المنطلق فان مصطلح (الاختفاء)* یعنی ان یخفی الشخص نفسه لا ان یخفیه غیره , بمعنى ان عنصر الارادة متحقق فی عملیة الغیاب والاختفاء , وهذا ما لا یتفق مع متطلبات هذا البحث ومضمون ما جاءت به المواثیق والاتِفاقیاتِ الدُولِیةِ الَتی اِهتَمــت بظاهرة "الاختفاء القسری" لکون الجریمة ترتکب قهرا او بالإکراه. اما کلمة (اخفاء) من مصدر اخفى, یخفی, اخفَ, اخفاءً, فهی "تعنی اخفاء العیوب والتستر علیها وعدم اظهارها "اخفى الذهب فی مکان امین ستره وخبأه", من اجل ذلک فان مصطلح (الاخفاء) هو اکثر دقة فی الدلالة اللغویة فی حالة اختفاء الشخص قسرا)(. وفی هذا الاطار نشیر الى ان التشریع العراقی فی قانون المحکمة الجنائیة العراقیة العلیا رقم (10) لسنة 2005 استعمل مصطلح "الاخفاء القسری" عندما اتى على تعریف هذا المصطلح .
اما کلمة (القسری) فتعنی القهر, وهو القهر على الکره, قسره یقسره قسرا واقتسره. غلبه وقهره وقسره على الامر قسرا اکرهه علیه .
الفرع الثانی: التعریف القانونی للإخفاء القسری
تقع جریمة الاخفاء القسری "بقیام المتهم بإلقاء القبض على الاشخاص او احتجازهم او خطفهم مع رفض الافصاح عن اماکن تواجدهم, على ان یرتکب هذا الفعل باسم الدولة او منظمة سیاسیة بصورة مباشرة او غیر مباشرة ,بهدف حرمانهم من الحمایة القانونیة لفترة زمنیة طویلة". وهذه الجرائم تقع فی الدول الاستبدادیة التی تطبق نظام الطوارئ للتخلص من المعارضین لنظام الحکم.
وفیما یتعلق بالقانونِ الدولی وموقفه من تعریف الاخفاء القسری, فانه یمکن القول. ان اعلان الجمعیة العامة الخاص بحمایة جمیع الاشخاص من الاخفاء القسری لعام 1992, وهو اول وثیقة دولیة تنظم حالة الاخفاء القسری الا انه لم یعرفه, لکنه اشار الى صوره وهی "القبض على اشخاص او احتجازهم او اختطافهم رغماً عنهم او حرمانهم من حریتهم او على ای نحو اخر على ایدی موظفین من مختلف فروع الحکومة او مستویاتها او على ایدی مجموعات منظمة او افراد عادیین یعملون باسم الحکومة او بدعم منها بصورة مباشرة او غیر مباشرة او برضاها او بقبولها، ثم رفض الکشف عن مصیر الاشخاص المعنیین او عن اماکن وجودهم او رفض الاعتراف بحرمانهم من حریتهم مما یجرد هؤلاء الاشخاص من حمایة القانون".
یتضح لنا ان اعلان الجَمعیَةِ العاَمةِ اعلاه لم یورد تعریفاً للإخفاء القسری لکنه فصل لنا مضمون هذه الجریمة وهی "اما قبض على اشخاص او احتجازهم او اختطافهم او ای حالة اخرى سالبة للحریة" کما ان النص حدد من یقوم بارتکاب هذه الجریمة فضلا عن انه تضمن على شروط محددة ان تحققت فی عملیة الاعتقال نکون امام جَریمةِ اخفاءٍ قسری. والذینیقومون بارتکاب الجریمة هم اما:
1- اخفاء على ایدی السلطات الرسمیة للدولة بواسطة موظفیها .
2- اخفاء على ایدی السلطات الرسمیة للدولة ولکن بواسطة جماعات منظمة او افراد عادیین یعملون لحسابها .
اما شروط تحقق الفعل الجرمی الدولی حسب النص فتشمل, رفض الکشف عن مصیر ای شخص او مکان وجوده او رفض الاعتراف بحرمانهم من حریتهم والذی یشکل بحد ذاته مسببا لجریمة الاخفاء القسری حتى لو کانت الدوافع وراء اعتقاله مشروعة قانوناً. فضلا عن الحرمان من الحمایة القانونیة للإفراد المخفیین قسراً.
وفیما یتعلق بـ"الاتفاقیة الدولیة لحمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری لعام2006" فقد عرفت الاخفاء القسری بانه "الاعتقال او الاحتجاز او الاختطاف اوای شکل من اشکال الحرمان من الحریة یتم على ایدی موظفی الدولة، او اشخاص او مجموعات من الافراد یتصرفون بإذن او دعم من الدولة او بموافقتها ویعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حریته او رفض تقدیم المعلومات او اخفاء مصیر الشخص المختفی او مکان وجوده مما یحرمه من حمایة القانون".
حسب التعریف فان عناصر جریمة الاخفاء القسری هی:
1- الحرمان من الحریة سواء بـ"الاعتقال او الاحتجاز او الاختطاف" او اقتیاد الشخص رغما عن ارادته الى جهة مجهولة وحجزه .
2- ان یکون مرتکبی جریمة الاخفاء القسری من موظفی الدولة افرادا کانوا ام جماعات یتصرفون باسم السلطة .
3- عدم الاقرارِ بحرمانِ الشخصِ من حریته او تقدیم ایة معلوماتٍ او الافصاح عن مکان وجوده.
4- الحرمان من الحمایةِ القانونیةِ .
اما بخصوص القانُونِ الدًولِیّ الجِنائِی, فمن الواضح ان مواثیقَ المَحاکِمِ الجِنائِیةِ الدُوَلیةِ المٌؤقًتةِ سواء "محکمتی نورمبرغ او طوکیو" عام 1945 ام "محکمتی یوغسلافیا ورواندا" اهملت توصیف هذه الجریمة على الرغم من حالات اخفاء کثیرة شهدتها حروب تلک الفترة وتمت المحاکمة علیها, الا انه لم یتم تکییفها قانونیا على انها جرائم ضد الانسانیة ,فالقانون الدولی الجنائی خلا من الاشارة الى جریمة الاخفاء القسری طیلة تلک الحروب وصولا الى "اتفاقیةِ روما" عام 1998 التی جسدت التوصیف القانونی الدقیق لجریمة الاخفاء القسری.
وقد جاء اول تعریف قانونی لجریمة الاخفاء القسری من قِبلِ المَحکَمةِ الجِنائِیةِ الدُوَلِیةِ فی نظامها الاساسی, حیث عدت جریمة الاخفاء القسری بوَصفِها جَریمَةً ضِدَ الاِنسانِیةِ على انها "القاء القبض على ای اشخاص او احتجازهم او اختطافهم من قبل دولة او منظمة سیاسیة او بأذن او دعم منها لهذا الفعل او بسکوتها علیه ثم رفضها الاقرار بحرمان هؤلاء الاشخاص من حریتهم او اعطاء معلومات عن مصیرهم او عن اماکن وجودهم بقصد حرمانهم من حمایة القانون لفترة زمنیة طویلة ".
یوضح التعریف ان نظام روما حدد عناصر جریمة الاخفاء القسری بما یأتی:
1- حرمان الاشخاص من الحریة بإلقاء القبض علیهم او حجزهم او اختطافهم.
2- رفض الاعتراف بحرمان "الاشخاص من حریتهم او اعطاء معلومات عن مصیرهم".
3- القائم بفعل الاخفاء هو الدولة او منظمة سیاسیة سواء باذذنها او بسکوتها او بدعم منها.
4- حرمان الاشْخاصِ مِنَ الحِمایَةِ القَانونِیةِ .
5- ان یکون فعل الاخفاء لفَترةٍ زَمَنیةٍ طَویلَةٍ مع بقاء مصیر الاشخاص مجهولا.
ونشیر الى عامل الزمن فی جریمة الاخفاء القسری, فالملاحظ انه لا القَانونُ الدُوَلی الجِنائِی ولا اتِفاقِیةٌ عام 2006 اقدمت على تحدید الفترة الزمنیة التی یحتجز فیها الاشخاص کی تدخل فی نطاق جریمة الاخفاء, ونرى ان عدم تحدید المدة شیئا حسنا لان جریمة اخفاء الشخص تبدا من لحظة حرمانه من الحریة بمجرد عدم الاعلان عن مکان تواجده او رفض الاعتراف باحتجازه, الامر الذی یهیئ الاسباب لملاحقة مرتکبی الجریمة دون التقید بانتهاء المدة المحدد لذلک, رغم ان نظام روما عدَ بقاء مصیر الاشخاص مجهولا "لفترة زمنیة طویلة" اخْفاءً قَسْرِیا الا انه لم یحدد المدة.
فضلا عن ما تقدم فان نِظامَ المَحکَمةِ الجِنائِیةِ اشترط ان یکون ارتکاب الفعل "جزءً من هجوم واسع النطاق او ممنهج موجه ضد السکان المدنیین". وبعلم من منفذی الجریمة واتجاه نیتهم نحو تنفیذه, لکی تدخل الجریمة فی اختصاصها.
اما المشرع العراقی فانه لم یعرف جریمة الاخفاء القسری فی "قانونِ العقوباتِ العراقی رقم 111 لسنة1969", لکنه عرفها فی قانونِ المحکمةِ الجنائیةِ العراقیةِ العلیا رقم 10 لسنة 2005 بانه "القاء القبض على اشخاص او احتجازهم او اختطافهم من قبل الدولة او منظمة سیاسیة او بأذن او دعم منها لهذا الفعل او بسکوتها عنه ثم رفضها الاقرار بحرمان هؤلاء الاشخاص من حریتهم او عدم اعطاء معلومات عن مصیرهم او عن اماکن وجودهم بهدف حرمانهم من حمایة القانون مدة زمنیة طویلة" .
وبهذا فان قانونَ العقوباتِ العراقی لم یورد تعریفاً لجریمة الاخفاء القسری, وهو بذلک یکون قد حذا حذو العدید من التشریعات بشان عدم ایراد تعریف للعدید من الجرائم، ویمکن القول ان التعریف الذی اورده المشرع العراقی فی قانونِ المَحکَمَةِ الجِنائِیةِ العُلیَا لسنة 2005 یعد متوافقاً الى حد کبیر مع التعریف الذی اوردته المَحکَمةَ الجِنائیةَ الدُوَلِیَةَ للإخفاء القسری, وهذا قصور فی التشریع العراقی ولعل السبب فی ذلک ان تحدیدَ تَعْریفٍ لِجَریمَةِ الاخفاء اوتضمین مثل هذه الجریمة فی قانون العقوبات العراقی او ای قانون خاص بهذه الجریمة ممکن ان یضع السلطة السیاسیة سواء فی النظام السابق او الحالی فی حرج کبیر امام القضاء العراقی, فضلا عن ان ظاهرة الاخفاء القَسرِی لم تکن بهذا الشیوع کما علیه الان.
یمکننا تعریف جریمة الاخفاء القسری, بانه عملیة ممنهجة ومنظمه تتم بعلم السلطات الرسمیة للدولة او بتجاهل منها غایتها القبض على اشخاص مخصوصین، مع عدم اعطاء ای معلومات لذویهم عن اماکن احتجازهم او ما آل الیه مصیرهم وتجریدهم من ای حمایةٍ قانونیةٍ.
المطلب الثانی
التَکییفُ القَانونیّ الدولی لِجَریمةِ الاخفاء القَسْرِی
لقد تم تصنیف جریمة الاخفاء القَسری کَجَریمةٍ ضِدَ الاِنسْانیةِ فی العدید من المواثیق الدولیةِ الجنائیةِ، تحدیدا فی النظامِ الاساسی للمَحکَمةِ الجِنائِیةِ الدُوَلیةِ والذی وسع من الافعال المحظورة لهذا النوع من الجرائم ,حیث نصَ نظامُ روما على انه "لغرض هذا النظام الاساسی یشکل ای فعل من الافعال التالیة جریمة ضد الانسانیة متى ارتکبت فی اطار هجوم واسع النطاق او منهجی موجه ضد ایة مجموعة من السکان المدنیین وعن علم بالهجوم" "ط:- الاختفاء القسری للأشخاص"
یتضح لنا من قراءة المادة اعلاه ان النظامَ الاساسی للمحکمةِ الجنائیةِ الدولیةِ قد عد جریمة الاخفاء القَسری جریمةً ضدَ الانسانیةِ, فیما لو توفرت فیها الشروط الاتیة:
1- ارتکاب الفعل اللاإنسانی فی اطارِ هُجومٍ واسِعٍ او مَنهَجی: وذلک بان یستهدف الهجوم "عدد کبیر من الضحایا" وعلى وفق خطة منظمة ومسبقة من الدولة او منظمة معینة ,وان لا یکون الهجوم عشوائیاً.
2- توجیه الفعل اللاإنسانی "ضدَ السکانِ المدنیین": یعتبر الفعل لا انسانی جریمةً ضدَ الانسانیةِ اذا ما مس فئة من السکان المدنیین واما اذا مس فئة اخرى کأعضاءِ القواتِ المسلحةِ اعتبر جریمة حرب.
3- ان یحمل مرتکب الفعل "الصفةَ الرسمیةَ": یحمل الصفة الرسمیة کل شخص مکلف بتنفیذ القانون ویندرج تحت هذا المصطلح "جمیع الاشخاص الموظفین المسؤولین عن تنفیذ القانون" والذین یمارسون صلاحیات الاعتقال والاحتجاز سواء صدر منه سلوک ایجابی ای اذا مارس بنفسه فعل الاخفاء القسری او بدعمه وموافقته الصریحة او الضمنیة.
4- ان یکون مرتکب الفعل عالم بالهجوم: ویقصد بذلک ان کل من یشارک فی الهجوم لابد ان یکون عالماً بانه سوف یتم على نطاق واسع او نَتیجةً لِخِطَةٍ مَرسومَةٍ مسبقاً وفیه اعتداء على الحقوق الاساسیة للسکان المدنیین.
استنادا الى النص فانه لکی یعد الفعل جریمة اخفاء قسری ویدخل فی اخْتِصاصِ المَحکَمَةِ الجِنائیةِ الدُوَلیةِ لابد ان یرتکب على نطاق واسع او منهجی ضدَ السکانِ المدنیینَ, بمعنى اذا ارتکب الفعل ضد حالات فردیة او متفرقة فلا یدخلُ فی اختِصاصِ المَحکَمةِ لان شروط الجریمةَ الدولیةِ لا تتحقق فیها, وعلیه فلا حمایة لهذه الحالات .
ویمکن القول ان القائد العسکری او الرئیس یندرج تحت وصف مرتکب لجریمة الاخفاء القسری اذا کان على علم او بإمکانه ان یعلم بالأفْعالِ اللاإنسْانِیةِ التی یعتزم الجنود التابعون له او المرؤوسین ارتکابها ، وذلک دون ان یتخذ تدابیر لمنعهم من ارتکابها. استنتاجا لما تقدم نرى ان تخلف احد الشروط المذکورة انفاً یؤدی الى عدم اعتبار جریمة الاخفاء القَسری مِن بین الجرائمَ ضِدَ الانسانیةِ رغم النتیجة الواحدة الا وهی حِرْمانَ الشَخْصِ مِن حُریتِه.
المطلب الثالث
ارکانُ جریمةِ الاخفاء القسری
یشترط لتحقق جریمة الاخفاء القسری بوصفها جریمة دولیة صنفت على انها جریمةً ضدَ الانسانیةِ توافر ثلاثة ارکان وهی:
اولاً:- الرُکنُ المَادِیّ: الرُکْنُ المَادیّ لجَریمَةِ الاخفاء القسری هو "عبارة عن ذلک النشاط او السلوک الخارجی الذی یجرمه القانون ویعاقب مرتکبه سواء کان ذلک السلوک ایجابیاً او سلبیاً" وذلک بان یَقومُ الجَانــی بالقیام بالفعل أَو الامتناع عن الفعل ای "بالقَبضِ عَلى الشخصِ او احتِجازهِ او خَطفهِ وبالامْتِناعِ عن الاقرارِ بِحِرمانِ الشَخْصِ او الاشْخاصِ مِن حریتِهِم او اعطاء ای معلومات عن مصیرهم" بغیة منعهم من الحمایة القانونیة. وسنحاول فیما یأتی تسلیطَ الضوءِ بشیء من الایجاز:
1- ارتکاب الجریمة عن طریق القیام بفعل: وتتم هذه الجریمة عن طریق القیامِ بفعلِ "القبضُ او الاحتجازِ او الاختطافِ" لشخصٍ او اکثَر ، وان یعقب ذلک او یتزامن معه رفض "الاقرار بحرمان الشخص من حریته" والذی یصدر من طرف اخر بالجریمة ، ویمکن ان یتزامن مع الفعل هذا نقل الضحیة الى مکان اخر او استجوابه اثناء الاحتجاز او التخلص من جثته.
2- ارتکاب الجریمة عن طریق الامتناع عن الفعل: وتتجسدُ الجریمةُ فی هذهِ الحالة برفض الاقرارِ بحِرْمانِ الشَخصِ او الاشْخاص من حُرِیتِهِم او رفض اِعْطاءُ مَعْلوماتِ عن مَصیرِهم او عن اماکن وجودهم ,ولکن یشترط لتحقق هذه الجریمة ان یتزامن او یسبق هذا الرفض حرمان الشخص او الاشخاص من حریتهم البدنیة.
3- الحرمان من الحمایةِ القانونیةِ: وتتجسد الجریمة فی هذه الحالة "بالقبض على الشخص او احتجازه او اختطافه" ثم یرفض "الاقرار بحرمانه من حریته" او الاقرار بمکانِ وجودهِ او مصیرهِ بهدف حِرمانِهِ مِن الحِمایةِ القَانونِیةِ.
وعلیه فان الرکنَ المادی لجریمةِ الاخفاء القسری بوصفها جَریمةً ضِدَ الاِنْسانیةِ یتحقق بتحقق الحالات الثلاث السابقة، سواء اتم ذلک عبر اجهزة الدولة او احد موظفیها او ممن یعملونَ تحتَ امرتِها او مِن قبلِ افراد او منظمات سیاسیة تدعمها الدولة او ان یتم العمل بعلمها او بترخیصها او بتحریضها او حتى بسکوتها وتغاضیها عن الفعل.
ثانیاً:- الرکنُ المعنوی: لابد لِقیامِ جریمةَ الاخفاء القسری ان یتزامن توفرُ القصدَ الجنائِی الى جانب ارتکاب الفعل المادی ، فلابد ان یکون الفعل صادراً عن ارادة اثمة تستند الى القصد الجنائی او الخطأ لتبریر تحمل الجانی تبعة انتهاکه للقانون.
واستناداً لما جاء فی ارکان جریمة الاخفاء القسری لابد من التمییز بین ثلاث حالات للقصد العام فی هذهِ الجریمةِ.
1- ان یتوفر لدى مُرتکبَ فعلُ الحرمانِ من الحریّةِّ العلم والارادة للفعل والنتیجة فضلا عن علمه ان هَذا الحرمانَ مِنَ الحریةِ سیلیه وفقاً للمَجرىَ العادیً للأمورِ رفض الاقرار بمصیرِ الشخصِ المَحرومِ منَ الحُریةِ .
2- لابد ان یتوفر لدى مرتکب فعل الامتناع (رفض الاقرار )العلم والارادة بانه یرفض هذا الاقرار اضافة الى علمه بانه یسبق هذا الرفض الحرمان من الحریة .
3- اذا قام مُرتکبُ الجریمةِ بالفعل والامتناع عَنِ الفعلِ فسیکون علیه ان یکون على علم بجمیع ارکانِ الجریمةِ وان تتجِهُ ارادته نحو حرمان الضحیة من حریتها وانکار هذا الحرمان.
وبالتالی فان جریمة الاخفاء القَسریُ مِنَ الجَرائمِ العَمدِیةِ التی لابد ان یتوفر لدى مرتکبها عنصری "العلم والارادة" أَی ان یکون الجَانیِ عَلى علم بطبیعة الفعل غیر المشروع المشکل لهذه الجریمة وتتجه ارادته لارتکاب هذا الفعل على الرغم من علمه بعدم مشروعیته.
ثالثاً :- الرکن الدولی: ان الجَرائمَ ضِدَ الاِنسانیةِ هی جَرائمٌ دُولیةُ وذلک لطَبیعَةِ الحٌقوقِ التی یَتمُ الاعتِداءُ عَلیهَا والتی تُرتکبُ جَمیعُها ضِدَ الاِنسانِ، وَبِالتالی فان اهم ما یمیز الجرائمُ ضِدَ الانسانیةِ هو رکنها الدولی وهذا ما یمیزها عن الجرائم الداخلیة. ولکن ما هو المعیار لاعتبار جریمة ما هی جریمة دولیة ؟ للإجابة على هذا التساؤل نقول ان هذه الجریمة لابد ان تقع بناء على امر من الدولة او بتشجیع منها او رضاها بذلک السلوک الاجرامی او السماح بارتکابه او على اقل تقدیر اهمالها لواجباتها الدولیة. کما ان الرُکنَ الُُدوَلی یتحقق فی حالةِ الاعْتِداءِ على مصلحة او حق یحمیه القانون الدولی وذلک بمخالفة قواعد النظام الدولی العام وقواعدُ الانسانیةِ, فجریمة الاخفاء القَسریِ تعد من الجَرائمِ الدُوَلیةِ وهی جریمة ضدَ الانسانیةِ ولأنها تُرتَکبُ بشکلٍ ممنهج ومنظم وعلى نطاق واسع فأنها تؤدی الى القضاء على عَددٍ کَبیرٍ مِنَ النَاسِ وتمُسُ وجُودَ الجنسِ البشَریّ ذاته وتهدر القیم الاساسیة للإنسان ، لذلک فان الرکن الدولی لهذه الجریمة یتحققٌ بالاعتداءِ عَلى هذه المصالح الاساسیةِ وان یکون الاعتِداءُ عَلَى هذِهِ المصالح بعلم الدولة او بتغاضیها او تساهلها مع مرتکبها.
المبحثُ الثانی
الحِمایَةُ الجِنائِیةُ الدُوَلیَةُ للأشْخاصِ من جَریمةِ الاخفاء القَسْرِی
تنطوی الحمایةُ الجنائیةُ الدولیةُ للأشخاصِ مِن جریمةِ الاخفاء القسری على جملة الیات متاحة على مستوى القانونِ الدولیِ الجنائِی, الا اننا ارتأینا أن نحدد هذه الالیات فی الصکوکِ الدولیةِ الَتِی تناولت هذه الجریمة ابتداءً من الاعلانِ العَالمی لسنة 1992 والذی تَطورَ الى اتفاقیةٍ دولیةٍ خاصة بحمایة الاشخاص من جریمة الاخفاء القسری لسنة 2006, واخیرا ستکون لنا وقفة مع النظام الاساس للمحکمةِ الجنائیةِ الدولیةِ المختصة فی النظر بهذه الجریمةِ فی اطار المسؤولیةِ الدولیةِ الجنائیةِ عن جریمةِ الاخفاء القسری, وقدر تعلق الامر بالعراق فإننا اخضعناه لدراسة تطبیقه لهذه الجریمة ومدى التزام تشریعاته الوطنیة باتفاقیة 2006 کونه طرف فیها. وهذا ما سنعرضه فی المطالب الثلاثة الاتیة :
المطلب الاول
الالیاتُ الدولیةِ لحمایةِ الاشخاصِ منَ جریمةِ الاخفاء القسِری
اخذ المجتمع الدولی على عاتقه مهمة التصدی لمواجهة ظاهرة الاخفاء القسری للأشخاص, وقد بدا الاهتمام بهذه الظاهرة یتزاید مع تزاید الاهتمام بحقوق الانسان الاساسیة، حیث اقتصر بالبدایة على الاتِفاقیاتِ الدُولیَةِ والاَقْلیمیةِ الخاصة بحِقوقِ الاِنْسَانِ وضمنتها بعض نصوصها المتعلقة بحقوق الانسان فی الحَیاةِ والامنِ والحریةِ ..وغیرها, الا ان المجتمع الدولی شعر بخطورة ما تشکله ظاهرة الاخفاء القسری على حیاة الاشخاص مما حدى به الى ایجاد معالجات لهذه الظاهرة. وبفضل مجهودات "لجنة حقوق الانسان" تم وضع اعلان لحمایة الاشخاص من الاخفاء القسری فی عام 1992والذی تمخض عن اتِفاقیةٍ دُولیةٍ لِحِمایةِ الاشخاص من هذا الاخفاء فی عام 2006. هذه الحمایة التی تناولتها الاتِفاقیةُ الدُولیةُ والاعلان ستکون محور بحثنا فی هذا المطلب الذی سیختصُ الفرعُ الاولِ منه فی بیان الحمایة التی جاء بها الاعلان, والفرع الثانی سیکون مخصصا للحدیثِ عن ابرز وجوه الحمایةِ التی جاءت بِها الاتفاقیةُ الدولیةُ .
الفرع الاول: الحمایة فی ظل "اعلان الجمعیة العامة للأمم المتحدة لعام 1992"
عَلى الرغمِ مِن أَنَّ الاعلانات الصادرة عن الجمعیة العامة غَیرُ مُلزمةٍ من الناحِیةِ القانونیةِ, الا انها تعد ملزمة اخلاقیا کونها تصدر عن الجَمعیةِ العَامةِ للأمُمِ المُتحِدةِ التِی تَضمُ جَمیعَ الدُولِ الاعضاءِ فیِها . وهذا القولُ ینطبقُ على اعلان الحمایة من "الاختفاءِ القَسِری لسَنةِ 1992".
اولاً: التزامات الدول فی التعامل مع جریمة الاخفاء القسری
لقد وضعت الجمعیة العامة العدید من الالتزامات على عاتق الدول فی تعاملها مع ظاهرة الاخفاء القسری نوجزها بالتالی :
1- لا یجوز لأی دولة ممارسة اعمال الاخفاء او ان تسمح به او تتغاضى عنه وان تعمل بالتنسیق والتعاون مع الامم المتحدة فی القَضاءِ عَلى هذهِ الظَاهرةِ . وفی سبیلِ ذلک على الدول ان تتخذ التَدابیرَ التَشریعیةِ والاِدارِیةِ وغیرِها لمنع وقوعَ جریمةَ الاخفاء القَسِری فی اراضیها.
2- الظروف الاستثنائیة وحالة الطوارئ, على الدول "عدم التذرع بالظروف الاستثنائیة" او حالة الطوارئ التی تواجهها فی اراضیها لتبریر حالات الاخفاء القسری فیها. ویمکن القول ان العدید من الدول تتذرع بهکذا حجج لتبریر انتِهاکِ حُقوقِ الاِنسانِ فی اراضیها ومنها حالات الاخفاء القسری .
3- عدم اطاعة الاوامر الصادرة بالإخفاء, مهما کانت هذه الاوامر سواء اکانت صادرة من جهة عسکریة ام مدنیة وعلى الموظف الذی یتلقى هکذا اوامر واجب الامتناع عن تنفیذها.
4- واجب الامتناع عَنِ التَسلیمِ: یعرف تَسلیمُ المُجرمینَ بانه "ان تتخلى دولة عن شخص موجود فی اقلیمها الى دولة اخرى بناءً على طلبها ، لتحاکمه عن جریمة یعاقب علیها القانون الدولی ،او لتنفذ فیه حکماً صادراً علیه من محاکمها"، ولکن یقع على الدول التزام بالامتناع عن تسلیم المجرم اذا ما کانت تعتقد ان هنالک احتمالیة لتعرض هذا الشخص لانتهاک حقوقه المعترف بها دولیا:
5- سرعة حسم القضایا امام القضاء: یمکن عد هذا الواجب ذو اهمیة کبیرة حیث ان من حق ای عائلة تعرض احد ابنائها للاعتقال على ید السُلطاتِ الرَسْمیةِ فی الدَولَةِ الحق فی معرفة مصیره والى این الت التحقیقات معه ، وتحتفظ السلطات الرسمیة حق دخول جمیع الاماکن التی یعتقد باحتمال وجود اشخاص محتجزین فیها.
ثانیاً:- شروط احتجاز الاشخاص:- عند تعرض ای شخص للاعتقال من قِبلِ السُلطاتِ الرَسمِیةِ فی الدولةِ فانه یتحتم على الدولة مراعات الشروط التالیة فی الاحتجاز:
1- ان یکون الاحتجاز "فی مکان معترف به رسمیاً" .
2- ان یتم تَطبیقَ القَانونِ الوَطَنی عَلیهِ، وان یمثل امام السُلطَةِ القَضائیة دون تأخیر.
3- یتم تثبیت معلومات دقیقة عن کل شخص محتجز کمکان احتجازه وحرکة تنقله من مکان الى اخر ولابد ان تکون هذه المعلومات فی متناول افراد اسرهم او محامیهم.
4- یتم الاحتفاظ بسجل رسمی یتم تحدیثه باستِمرارٍ بأسماء الاشخاص المحتجزین واماکن احتجازهم وان تعمل کل دولة على توفیر سجلاتٍ مَرکزیةٍ تحتوی على کُلِّ المَعلومَاتِ السابقة.
5- وفی حال الافراج عن ای شخص محتجز فلابد ان یکون هذا الافراج بطریقة تتیح التحقق من کونه قد افرج عنه فعلاً فی ظل اوضاع تکفل احترام سلامته البدنیة وقدرته على ممارسه حقوقه کاملة.
ثالثاً: معاقبة القائمین بأعمال الاخفاء القسری
نص اعلان الجَمعیةِ العَامةِ على ضرورة مُحاکَمة أیُ شَخصٍ مُتهَمٌ بِارتِکابِ اعمال الاخفاء الى السُلطاتِ المَدنیةِ المُختصَةِ فی الدولة لإقامة الدعوى والحکم علیه ما لم یکن قد تم تسلیمه الى دوله اخرى لکی تمارس ولایتها علیه ، هذا وقد نص الاعلان الدولی على جملة من الالتزامات على عاتق الدولة التی تعاقب على جَریمةِ الاِخْفاءِ القَسْریّ لعل اهمها:
1- عدم منح اللجوء السیاسی للقائمین بارتکاب جرائم الاخفاء القسری فی حال تقدم احد الاشخاص بطلب اللجوء السیاسی الى دولة ما ورأت ان هنالک اسباباً تدعو للاعتقاد ان طالب اللجوء قد ساهم فی اعمال شدیدة الخطورة ومنها جریمة الاخفاء القسری.
2- لابد من ایقاف الاشخاص المتهمین بجرائم الاخفاء القسری عن اداء واجباتهم الرسمیة وان لا یحاکموا امام قضاء استثنائی بل تجری محاکمتهم امام القضاء العادی.
3- لا یتم منح ای شخص حصانه ضد المعاقب عن جرائم الاخفاء القسری مع مراعاة عدم الاخلال بالأحکام التی جاءت بها "اتفاقیةُ فِینا للعلاقاتِ الدِبلوماسیةِ".
4- لا یسری التقادم على جرائم الاخفاء القسری ، کما انه لا یستفید مرتکبو جرائم الاخفاء القسری من ای عفو خاص او ای اجراء مماثل.
رابعاً:- تعویض الاشخاص ضحایا الاخفاء القسری:
اعطى اعلانُ الجَمعیةِ العَامةِ الحق لمن تعرض لِجَریمةِ الاخفاء القَسْری الحَقَ بِالتعْویضِ بما فی ذلک ضمان الوسائل الکفیلة بإعادة تأهیلهم على اکمل وجه ، اما فی حالة وفاة الشخص نتیجة للإخفاء القسری فان من حق عائلته المطالبة بالتعویض عما تعرض له.
فضلا عن ذلک فان الاعلان لم یغفل رعایة ابناء الذین تعرضوا للإخفاء القسری واباؤهم او حتى الاطفال الذین یولدون اثناء تعرض امهاتهم للإخفاء القسری، وعلیها ان تکرس کل امکانیاتها للبحث عن هؤلاء الاطفال واعادتهم الى اسرهم، وان تتاح الفرصة فی الدول التی تأخذ بنظام التبنی لاستعراض مسألة تبنی هؤلاء الاطفال والقیام بإلغاء ای حالة تبنی ناشئة فی الاساس عن جریمة اخفاء قسری.
الفَرعُ الثانی:الحمایة فی ظل"اتفاقیة حمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری لعام 2006"
ادراکاً من المجتمع الدولی بخطورة جریمة الاخفاء القسری وضرورة تکاثف جهود المجتمع الدولی للقضاء على هذه الظاهرة ,فقد عزم المجتمع الدولی على وضع اتفاقیة شاملة تتناول کافة الضمانات التی من الممکن منحها للأفراد لحمایتهم من الاخفاء القسری, هذه الضمانات قد تکون سابقة على ارتکاب هذه الجریمة وقد تکون معاصره وقد تکون لاحقة. سنتناول هذه الضمانات بشیء من التفصیل وفقا لما یأتی:
اولاً:- الضَماناتُ السَابقةِ عَلى ارتِکابِ جَریمةِ الاخفاءِ القَسریِ
ان الاتفاقیةَ الدولیةِ قَد نَصَت عَلى العدید من الضمانات التی یجب على الدول الالتزام بها خشیة تعرض مواطنیها للإخفاء القسری. و من اهم هذه الضمانات ما یأتی:
1- على کل دولة طرف فی الاتِفاقیةِ الدُولیةِ ان تضمن تشریعاتها نصوصاً تجرم الاخفاء القسری ،ولا یُمکِنُ للدَولةِ ان تَتَذرعَ بالظروفِ الاستثنائیةِ او حَالةِ الطَوارِئِ لتبریرِ هذه الجریمة, وقد عدت جریمة الاخفاء القسری الممنهجة والعامة بموجب اتفاقیة روما "جریمة ضد الانسانیة", وعلیه تستلزم ترتیب العواقب المترتبة علیها بعد تضمینها فی قانونها الجنائی.
2- کل دوله تعمل على تدریب الموظفین العسکرین والمدنیین المکلفین بتنفیذ القوانین و"موظفی الخدمة المدنیة او ای موظف یتدخل فی حراسة او معاملة ای شخص محروم من حریته على التثقیف والمعلومات اللازمة بشان الاحکام ذات الصلة المنصوص علیها بهذه الاتفاقیة".
3- تتخذ الدول "التدابیر المناسبة لتحمیل المسؤولیة الجنائیة على کل موظف تثبت ادانته" بارتکاب جریمة اخفاء قسری، حتى لو ثبت "ان هذا الشخص قد تلقى اوامره من مرؤوسه"، کما یتم معاقبة الرئیس فی حال ثبت علمه بقیام مرؤوسیه بارتکاب هکذا جرائم.
4- لقد اعطت الاتفاقیة لکل دولة سلطة تحدید العقوبة الملائمة لجریمة الاخفاء القسری بحسب ظروف کل قضیة ولم تلزم الدول بعقوبة معینة ، ودعت الدول للأخذ بالظروف المخففة او المشددة للجریمة، کما طالبت الاتفاقیة کل دولة تطبیق نظام التقادم بصدد جریمة الاخفاء القسری ان تکون مدة التقادم طویلة ومتناسبة مع جسامة الجریمة وتبدأ مع نهایة جریمة الاخفاء وغیرها.
5- اقرت الاتفاقیة اختصاص کل دولة طرف فی النظر فی جریمة الاخفاء القسری "عندما تکون الجریمة قد ارتکبت داخل ای اقلیم یخضع لولایتها او على متن طائرة او سفینة مسجلة فی هذه الدولة"، او "عندما یکون مرتکب الجریمة من رعایاها او عندما یکون الضحیة المخفی من رعایاها", وترى الدولة الطرف ملائمة اقرار اختصاصها، کما اعطت الاتفاقیة لکل دولة طرف الحق فی احتجاز ای شخص تعتقد انه طرف فی جریمة اخفاء قسری ولا یجوز ان یستمر الاحتجاز الا لمدة کافیة لإجراء الملاحقات الجنائیة بحقه او اتمام اجراءات تسلیمه للدولة صاحبة الاختصاص بمحاکمته وفقاً للمادة(9).
6- التعاون الدولی:- نصت الاتفاقیة على ضرورة التعاون الدولی لملاحقة المشتبه بهم فی جرائم الاخفاء القسری ، حیث نصت على انه:
- اذا عثرت ای دولة طرف على المشتبه به المفترض لجریمة اخفاء قسری بان تحیله الى محاکمها الخاصة لمباشرة الدعوى ضده او ان تحیله الى الدولة صاحبة الاختصاص.
- کما نصت الاتفاقیة على ان "تتعهد الدول على تقدیم المساعدة القضائیة فی ای تحقیق او اجراء جنائی" بما فیه تقدیم جمیع عناصر الاثبات المتاحة لدیها.
- ونصت الاتفاقیة على ان تتعاون الدول فی مساعدة ضحایا الاخفاء والبحث عن الاشخاص المخفین وتحدید اماکن وجودهم وتحریرهم ,وفی حالة وفاتهم لابد من اخراج جثثهم وتحدید هویاتهم.
ثانیاً: الضمانات المعاصرة لمٌحاکمةِ الشَخصِ عن ارتِکابهِ لجَریمةِ الاخفاء القسری
1- اماکن الاحتجاز:- یجوز لکل شخص یتم اعتقاله للاشتباه بکونه قد ارتکب جریمة اخفاء قسری ان یتصل فوراً بأقرب ممثل مؤهل للدولة التی یحمل جنسیتها او بممثل الدولة التی یقیم فیها اقامة اعتیادیة اذا کان الامر یتعلق بشخص عدیم الجنسیة ، وکل شخص ملاحق بجریمة اخفاء قسری له الحق بضمان معاملته معاملة عادلة فی جمیع مراحل الدعوى ,وان تجری محاکمتهِ امَامَ مَحکَمةٍ مُختًصَةٍ ومُستَقِلَةٍ ونَزیهَةٍ .وعلى الدولة العضو ان تضمن ایداع الشخص المحروم من "حریته فی مکان معترف به رسمیاً وخاضع للمراقبة" ، وان تتاح لأی شخص "اذن للاتصال بأسرته او محامیه" وان یتلقى الزیارات ، اما فی حال کون المحتجز اجنبی ففی هذه الحالة تتاح له فرصة الاتصال بالسلطات القنصلیة لدى بلده.
2- اجراءات الشکوى: تقوم السلطات المختصة بای دولة عضو بالاتفاقیة ببحث ای شکوى تقدم الیها حول وجود شخص ما قد "وقع ضحیةَ اخفاءً قسریا", وتقوم "هذه السلطات بالبحث فی الشکوى بحثاً سریعاً ونزیهاً" وتتخذ تدابیر "لضمان حمایة الشاکی والشهود واقارب الشخص المختفی وحمایة المشترکین فی التحقیق من ای سوء معاملة او ترهیب بسبب الشکوى المقدمة".
3- تسلیم المجرمین: تعد جریمة الاخفاء القسری من الجرائم الموجبة للتسلیم فی کل معاهدة تسلیم تبرم بین الدول الاطراف بالاتفاقیة ولا تعد جریمة سیاسیة. وتعد هذه الاتفاقیة الاساس القانونی الذی تستند الیه ای دولة تطلب تَسلیمُ المجرمینَ المُرتَکبینَ لجریمةِ الاخفاء القسری فی حال لم تکن مرتبطة بمعاهدة لتسلیم المجرمین مع "الدولة المطلوب منها التسلیم". لا یجوز لأی دولة ان تطرد او تبعد او تسلم ای شخص اذا کانت هنالک اسباب تدعو للاعتقاد ان هذا الشخص سیقع ضحیة اخفاء قسری.
4- ملفات المحتجزین: الزمت الاتفاقیة ای دولة طرف بان تتولى مهمة وضع سجلات او ملفات خاصة بأسماء الاشخاص المحرومین من حریتهم وتکون هذه الملفات خاضعة للتحدیث المستمر, وتتضمن هذه الملفات معلومات عن هویة الشخص المحتجز "وتاریخ وساعة ومکان حرمان الشخص من حریته" واسباب الحرمان ومعلومات عن حالته الصحیة, و "فی حالة وفاة الشخص المحروم من الحریة لابد ان یوضح فیها اسباب وظروف الوفاة والجهة التی نقلت الیها الرفاة"، وفی حال اخلاء سبیل المحتجز او نقله الى مکان اخر لابد من توضیح المکان الذی نقل الیه الشخص.
ولکن هل یجوز تقیید المعلومات اعلاه او حِرمان اقارب المحتجز من معرفة مصیره؟ لقد اجابت عَن هذا التَساؤل (المَادَة 20) من الاتفاقیة, بالنصعلى انه, یجوز تقیید المعلومات اعلاه فیما اذا کان الشخص خاضع "للمراقبة القضائیة", وکان "نقل هذه المعلومات یشکل مساساً بالحیاة الخاصة او بأمن الشخص او یعرقل حسن سیر التحقیق الجنائی" ، وعادت واستدرکت الاتفاقیة بانه لا یجوز بای حال من الاحوال تقیید هذه المعلومات کوسیلة لممارسة الدولة عبر موظفیها لجریمة الاعتقال التعسفی.
ونحن نعتقد ان نص هذه المادة یعطی للدولةِ ولمُوظَفیِها الحقُ فی ممارسةِ جریمةِ الاعتقالِ التَعَسُفی والاستناد لصریح هذه المادة .
ثالثاً: الضمانات اللاحقة لارتکاب جریمة الاخفاء القَسری
1- التَعویضُ وجَبرُ الضرَرِ: تَنُص الاتِفاقِیةُ عَلَى ان "تضمن کل دولة لضحیة الاختفاء القسری الحق فی جبر الضرر والحصول على تعویض بشکل سریع ومنصف" ویتمثل بالاتی:
"(ا)رد الحقوق. (ب) اعادة التأهیل. (ج) الترضیة بما فی ذلک رد الاعتبار لکرامة الشخص وسمعته. (د) ضمانات بعدم التکرار".
2- الوضع القانونی للشخص المخفی: فی حال لم "یتضح مصیر الشخص المخفی قسرا تتخذ کل دولة طرف التدابیر الملائمة بشان وضعهم القانونی" وخاصة فیما یتعلق بمسائل "الضمان الاجتماعی والمسائل المالیة وقانون الاسرة وحقوق الملکیة".
3-حِمایةُ عائِلةُ الشَخصِ ضحیة الاخفاء القَسرِی: نَصَتِ الاتِفاقِیةُ على ان "تتخذ کل دولة الضمانات اللازمة":
1- لمنع انتزاع ای طفل "یخضع احد ابویه او ممثلهم القانونی لإخفاء قسری او الاطفال الذین یولدون وامهاتهم فی الاسر" نتیجة لإخفاء قسری .
2- "تزویر او اخفاء او اتلاف المستندات" التی تثبت هویة هؤلاء الاطفال .
3- نصت الاتفاقیة على ضرورة مراعاة المصلحة الفضلى للأطفال ضحایا الاخفاء القسری فی استعادة جنسیتهم وروابطهم الاسریة ,ویجب ان تتاح فی الدُولِ الاطرافِ التی تَعتَرِفُ بنظامِ التبنی او ای شکل اخر من اشکال ایداع الاطفال, اجراءات قانونیة لمراجعة اجراءات التبنی او ایداع الاطفال, وعند الاقتضاء الغاء ای حالة من حالات التبنی، وجاءَ فی الاتفاقیة على اعطاء الطفل ضحیة الاخفاء القسری "فی حال قدرته على التمییز الحق فی ابداء رایه" ویکون رایه محل اعتبار لأغراض هذه الحالة.
رابعا: ضَمانَاتُ تَنفیذِ اتِفاقِیةُُ حِمایَةِ جَمِیعِ الأَشَخَاصِ مِنَ الإخفَاءِ القَسِریِ
من اجل ضمان "تنفیذ الدول الاعضاء" ما جاءت به الاتفاقیة من نصوص للحمایة من الاخفاء القســری, نَصتِ الاِتِفاقِیَّةُ عَلى ضرورة انشاء لجنة معینة بحالات الاخفاء القسری وتکون مؤلفة من عشرة اشخاص مشهود لهم بالنزاهة ,کما وفرت الاِتِفاقِیـّـةُ الیات انتخابُ الأَعَضَاءِ وعضویتهم وامتیازاتهم والتسهیلات الممنوحة لهم ,فضلا عن ان الاتفاقیة دعت الى ضرورة تعاون الدول الاعضاء مع اللجنة فی ادائها لمهامها.
ونسال هنا, ماهی أبرَزَالمَهَامُ المُلقاةُ على عاتق اللجنة للاضطلاع بها ؟ ان الدول الاعضاء تلتزم بتقدیم تَقرِیرِهَا الى اللَجنَةِ عَن طَرِیقِ الامین العام للأمم المتحدة و "فی غضون سنتین من بدء نفاذ هذه الاتفاقیة" "عن التدابیر التی اتخذتها لتنفیذ التزاماتها بموجب هذه الاتفاقیة", وَتَقُومُ اللَجَنَةُ بالنَظَرِ بهذا التقریر وتقدم للدول المعنیة ملاحظاتها وتوصیاتها بشأن التقریر.
ولکن هل یجوز للأفراد بصفتهم الشخصیة تقدیم طلب للجنة حول اخفاء احد اقاربهم؟ للإجابة على ذلک نقول نعم لقد سمحت الاتفاقیة للأفراد بصِفَتِهِم الشَخصیــةِ الحق فی تقدیم طلب الى اللجنة من اجل البحث عن ای شخص مختفی من اقاربهم سواء تم تقدیم الطلب من قبلهم شخصیــا او عن طریق مُحَامِیهِم الشخصی, ویمکن للَجِنَةِ قَبــول الطَلَبِ بعد التأکد من ان للطلب اساس قانونی وانه سبق للشخص تقدیم طلب اخفاء قسری للهیئات المختصة فی دولته لإجراء التحقیقات ,وانه لم یتم بحثه امام هیئة دولیة اخرى من هیئات التحقیق او التسویة ففی هکذا حالة فان اللجنة تقدم طلباً للدولة الطرف المعنی ان تزودها فی غضون المهلة التی تحددها بمعلومات عن حالة الشخص الذی یجری البحث عنه.
وبعد تقدیم الدولة الطرف للمعلومــات المَطلُوبَةِ یجوز للَجنَــةِ ان تقدم توصیاتها للدولة الطرف تتضمن طلباً باتخاذ کافة الاجراءات اللازمة ,بما فی ذلک اتخاذ اجراءات تحفظیة وتحدید مکان الشخص الذی یجری البحث عنه وحمایته, واحاطة اللجنة بما تتخذه الدولة من اجراءات وبعد ذلک تحیط اللجنة الافراد علماً بما تم اتخاذه من اجراءات من قبل الدَوُلَةِ المَعَنِیَةِ.
وفی هذا الخصوص لَنا ان نتساءل هل یجوز للأفراد تقدیم طلبات للجنة تتضمن وقوعهم ضحیة اخفاءٍ قَسِرِیٍ مِــن قِبَلِ دولهم التی هی طرف فی الاتفاقیة؟ اِنَّ الاِتِفَاقِیَةَ اعطت لِکُلِ دوله طرف الحق عند التصدیق على الاتفاقیة او بعده ان تعلن اعترافها باِختِصَاصِ اللَجنَةِ بتلقــی البَلاَغَاتِ وَالشَکَاوی المُقَدَمَةِ من افراد یَخضَعُونَ لِولایَتِها, ویدعون فیها وقوعهم ضحایا الانتهاک من طرف دولهم ، کما اعطت الاتفاقیة الحق للدولة بای وقت ان تعلن عن حق اللجنة بتلقی ای بلاغات من ای دولة عضو عند عدم التزام ای دولة اخرى عضو بالاتفاقیة.
ونحن نرى ان هذا یشکل قصور فی نصوص الاتفاقیة حیث کان بالإمکان توسیع اختصاص اللجنة بجعل ولایتها تمتد لتشمل ای ادعاء یتعلق بخرق الدول الاعضاء لنصوص الاتفاقیة سواء اکان هذا الادعاء مقدم من طرف الافراد ام من طرف الدول الاعضاء الاخرین.
وفی حال وصل الى علم اللجنة ان الدولة الطرف ترتکب انتهاکاً جسیماً لا حکام الاتفاقیة جَازَ للِجَنَةِ ان تَطلُبَ مِنَ الدُوَلِ الاَعضَاءِ "القیام بزیارة الى الدولة بعد التشاور معها", وان تقدم الدولة العضو القائمة بالزیارة تقریرها حول الزیارة وتخطر الدولة الطرف الدولة مرتکبة الانتهاک بنیتها بالقیام بالزیارة ,على ان تقدم الدولة الطرف ردها خلال مدة معقولة ویمکن للجنة ان تؤجل الزیارة بناءً على طلب مسبب من الدولة العضو, وفی حال حصول الموافقة على الزیارة, فللدولة الطرف واللجنة ان تقدمان لبعضهما کافة التسهیلات الممکنة وتقوم اللجنة بعد الانتهاء من الزیارة بإخطار الدولة الطرف بأبرز ملاحظاتها عن الزیارة التی قامت بها.
وفی حال تلقت اللجنة او اکتشفت ادلة تقوم على اسس سلیمة بان حالات اخفاء قسری یطبق بشکل عام او منهجی على الاراضی الخاضعة لولایة احدى الدول ,جاز لها ان تحصل على کافة المعلومات المتعلقة بهذه الحالة وان تعرض المسألة على وجه السرعة على الجمعیة العامة للأمم المتحدة عن طریق الامین العام للأمم المتحدة.
وبهذا الخصوص نقول, ان ربط ای اجراء تقوم به اللجنة بموافقة او بإخطار مسبق للدولة العضو المنتهکة لنصوص الاتفاقیة ,یضعف کثیراً من دور اللجنة ومن اهمیة الاتفاقیة فی درئها لجرائم الاخفاء القسری، حیث ان هذا الاخطار المسبق سیؤدی الى لجوء الدولة العضو الى اخفاء الادلة الثبوتیة على ارتکابها لهذه الجریمة وان تتدارک تورطها بای انتهاک وبالتالــی ما فائدة عمــل اللجنة؟
المطلب الثانی
دِراســة تطبیقیـة على جَریمَةِ الاخفاء القَسرِیِ فی العراق
بدایة ینبغی تناول تاریخ العراق مع ظاهرة الاخفاء القسری ومن ثم التحدث عن انضمام العراق الى اتفاقیة حمایــة جَمِیعُ الاَشخَاصِ من الاخفاء القَسرِیِ وتطبیقها علیه, وفقا لما یأتی:
الفرع الاول: تاریخ العراق مع ظاهرة الاخفاء القسری
للعراق تاریخ مع جریمة الاخفاء القسری والتی راح ضحیتها اعداد کبیرة من العراقیین نتیجة انتماءاتهم السیاسیة والعرقیة والطائفیة ، ففی عام 1991 اشار الفریق المعنی بحالات الاخفاء القسری التابع الى لِجنَةِ حُقُوقِ الِانسَانِ فی الامم المُتحِدَة آنذاک اِلَى هذه الحَقیِقَةِ, وعلى اثر ذلک قررت لجنة حقــوق الاِنسَانِ تعیین مقرر خاص معنی بمسالة حقوق الانسان فی العراق بموجب قرار صدر فی 6 اذار 1991،وقام بتقدیم العدیــد مِنَ التقاریر الخَاصَةِ بحالة حُقُوقِ الِانسَانِ فی العراق ولاسیما حالات الاخفاء القسری،وفی خضم تقریره الاول الذی صدر فی عام 1992 اوضح المقرر الخاص ان فی العراق سیاسة ممنهجة للإخفاء القسری, وانه خلال زیارته للعراق تلقى قائِمَةً تَضُمُ (238) شَخصَاً تعرضوا للإخفاء القسری، فی حین انه فی عام 1993 احال الفریق المعنی بالإخفاء القسری (5573) حالة الى الحکومة العراقیة, واشار الفریق الى ان هذه الحالات کانت من لدن اقارب الاشخاص المخفین وان اغلب الحالات المبلغ عنها یتحمل مسؤولیتها قوات الامن والحرس الجمهوری.
لقد ادانت الجمعیــة العامــة للأمم المُتَحِدَةِ الَجَرائِمَ الَمُرتَکَبة فی العراق بقرارها الصادر فی 27/ شباط /2002 والذی اشارت فیه الى الاِنتِهَاکاتِ اَلجَسیمةِ والمتکررة لِحُقُوقِ الاِنسَانِ فی العراق ومنها حالات الاخفاء القسری, کما اعلن "الفریق العامل المعنی بالاختفاء القسری" فی تقریره لعام 2003خلال مدة تغیــر نظــام اَلحُکمِ فــی العراق انه تَمَّ تَسجیلَ (16514) حالة اخفاء قسری حدثت فی عهد النظام السابق وبهذا یسجل العراق اعلى رقم فی حالات الاخفاء القسری ابلغ عنها الفریق العامل.
وبعد سقوط نظام الحکم فی العراق فی عام 2003 فان سیناریو الاخفاء القسری لم یغب عن المشهد العراقی ,وبقی العراق مصنف من الدول المتصدرة لجرائم الاخفاء القسری, ومن اهم حالات الاخفاء القسری التی تم احالتها من قبل المقرر المعنی بحالة حقوق الانسان فی العراق انه فی عام 2011 قامت قوات الامن العراقیة بتوقیف مجموعة من الرجال یتراوح عددهم بین (400-700) شخص فی مدینة الموصل, وتم بعدها نقلهم الى مقر احتجاز سری بالقرب من العاصمة بغداد واساءة معاملتهم وبعدها تم التحقق من اماکن (420 ) منهم حیث تبین انهم محتجزون فی مرکز احتجاز الرصافة فی حین لایزال زهاء (200) منهم غیر معلومی الاقامة.
وقد اشار تَقَریِرُ بعثة یونامی فی العراق لعام 2016 الى ان ما یقرب من (500-550) شخصاً اعتقلوا فی عملیة امنیة مشترکة قامت بها کل من الشرطة الاتحادیة وجهة اخرى تابعة للدولة وذلک فی محافظة صلاح الدین فقد اعتبر هؤلاء فی عداد المفقودین، وخلال العملیات العسکریة ضد تنظیم داعش الارهابی تم الادعاء بان جماعــاتٍ مُسَلَحةٍ تَعمَلُ جنباً الى جنب مع القوات العراقیة استهدفت المدنیین الفارین من مناطق النزاع وقد تعرضوا الى سلسلة من اِنِتهاکاتِ حُقُوقِ الِانسَانِ منها الاخفاء القسری, کذلــک وضح التقریر ان "مکتب المفوضیة السامیة لحقوق الانسان" فی البِعثَةِ تلقى تقاریر تفید بان ما یقارب (1200) شخص منهم اطفال تعرضوا للخطف فی کانون الاول عام 2015 على ایدی افراد ینتمون لمجامیع مسلحة ساندت قوات الامن العراقیة.
یَتَضحُ مما تقدم حجم ما عاناه الشعب العراقی ولازال یعانیه من اِنتِهَاکاتٍ صارخة لِحُقوقِ الِانسَانِ ولاسیما جرائم الاخفاء القَسرِیِ، سواء تلــک التــی ارتُکِبَتْ فِی عهد النِظامِ الَسابِقْ ،ام بعد سقوطه, وعَلَى الَرغْمِ مِمَا وعدت بهِ الوِلایاتُ المُتَحِدةِ الأَمِرِیکیةِ مِنَ الحریــة والدیمقراطیة فان سلسلة اِنتِهاکاتِ حُقُوقِ الاِنسَانِ الممنهجة لَمْ تغب عن المشهد العراقی ، بل ان العدید من هذه الانتهاکات قد تم ارتکابها برعایة امریکیة واممیة بامتیاز وما اِنتِهاکَاتِ حُقُوقُ الانَسانِ فی ابو غریب الا خیر شاهد على ما ذهبنا الیه.
الفرع الثانی: انضمام العراق الى اتفاقیة حِمَایةِ جَمیِعِ الاَشخَاصِ مِنَ الاختِفَاءِ القَسْرِی
لقد انضم العراق الى اتفاقیة "حمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری" وصادق علیها بالقانون رقم (17) لعام 2010 ،وفیما لو طبقنا هذه الاتفاقیة على العراق فإننا نخلص الى ما یأتی:
1- ان الاتِفاقِیَةَ الدَولِیَةَ لا تُعَدْ وفقاً للدُستورِ العراقی اعلى مِنَ التَشْریعِ الوَطَنیِ حیث لم یعترف الدستور العراقی بعلویة الاتِفاقِیاتِ الدُوَلِیةِ على التَشریعِ الوَطَنیِ, وبالتالی فان الاخفاء القسری لا یعتبر جریمة طبقا لِقَانونِ العُقُوباتِ العِراقِیِ بالمَعْنَى الدقیق لتعریف هَذِهِ الجَرِیمَةِ ,وفق المَادَةِ (2) مِنَ الاتفاقیة ولا یمکن الاعتماد على تجریم افعال الخطف وتقیید الحریة لأنها لا تغطی جریمة الاخفاء القسری کما جاءت به نصوص الاتفاقیة. لذلک یستلزم لتنفیذ هذه الاتفاقیة ابتداءً ان یعرّف المشرع العراقی جریمة الاخفاء القسری.
2- لقد جرم قَانُونُ المَحکَمَةِ الجِنائِیةِ العُراقِیَةِ العُلْیَا رقم 15لِسَنَةِ 2005 الاخفاء القسری، لکنه حصره فقط بالجرائم المرتکبة بین عامی 1968 -2003,وهذه ثغرة قانونیة خطیرة فی نص القانون حیث عد جرائم الاخفاء القسری التی ینطبق علیها النص تنحصر فقط فی فترة (حکم حزب البعث المنحل), ای ان افعال الاخفاء القسری التی ترتکب بعد هذا التاریخ لا تدخل فی نطاق التجریم, وهذا اجحاف بحق المخفیین قسرا وبالتالی افلات الجناة من العقاب. کما ان تقیید النص بمدة سابقة على صدور القانون تجعل اثاره تمتد باثر رجعی على الماضی فقط وعلى مرتکبی هذه الجرائم خلال تلک الحقبة ما یعنی "افراغ النص من محتواه القانونی وهدفه الانسانی وتوظیفه توظیفا سیاسیا", وکان الاجدر بالمشرع عدم تقیید النص بفترة محددة وجعله نصا قانونیا خاصا بهذه الجریمة خصوصا اذا ما علمنا ان جرائم الاخفاء القسری وجمیع الجرائم ضد الانسانیة لا تسقط بالتقادم وبالإمکان ملاحقة مرتکبی هذه الجرائم سابقا وحالیا.
3- لقد عرف قانون المحکمة الجنائیة العلیا لسنة2005 الاخفاء القسری کما بینا سابقا بانه "القاء القبض على اشخاص او احتجازهم او اختطافهم من قبل الدولة او منظمة سیاسیة او بأذن او علم منها لهذا الفعل او بسکوتها عنه ، ثم رفضها الاقرار بحرمان هؤلاء الاشخاص من حریتهم او عدم اعطاء معلومات عن مصیرهم او عن اماکن وجودهم بهدف حرمانهم من حمایة القانون مدة زمنیة طویلة". وبمقارنة هــذا التعریف مع التَعرِیفِ الَّذِی اورده النِظَامُ الاَساسِی للمَحکَمَةِ الجِنائِیةِ الدَوَّلِیَةِ فی الفَقَرةِ (2) مِنَ المــادة (7) الفقرة (ط)، نجد أَنَّ المُشَرِعَ العراقی قد اِقتَبَسَ التَعریفَ من ِالمَادةِ اعلاه ,وکَانَ الاجدر بالمشرع العراقی ان یعدل التعریف بما ینسجم مع "اتفاقیة حمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری لسنة2006", باعتبار ان العراق قد انظم للاتفاقیة وصادق علیها , لان جریمة الاخفاء القسری لِکَی تَدخُلَ فی اختِصَاصِ المَحْکَمَةِ الجِنائِیَةِ الَدُوَلِیَةِ یشترط ان ترتکب على نطاق "واسع ومنهجی ضد السکان المدنیین" والتعریف الذی اورده قانون المحکمة الجنائیة العلیا العراقی لا یتحقق فیه هذا الشرط.
4- لقد اعطى الدستور العراقی ضمانة للمحتجز بان تعرض اوراق التحقیق الابتدائی على القاضی خلال "اربعة وعشرین ساعة غیر قابلة للتمدید الا لمرة واحدة", ولکن ما یمکن تسجیله على المحققین العراقیین انهم قد تجاوزوا عَلَى هَذِهِ الضَمَانَةِ ,فقلة عدد المُحَقِقین وزیَادَةِ اعداد الموقوفین قد ادى الى التجاوز علیها عند التطبیق العملی.
5- ان احْکَامَ المَسْؤولِیةِ الجِنائِیَةِ عن جریمةِ الاخفاء القَسْرِی والمشار اِلیِها فی المادة (6) من الاتفاقیة لا یمکن تطبیقها على العراق کون فعل الاخفاء القسری غیر مجرم فی العراق, بل فقط ما یمکن تَجْریمُهُ وتحمل المَسْؤولیَة علیه هو الخَطِفُ والاحتجاز ,وبالتالی فان نص المادة (7) من الاتفاقیة والمتعلق بِتَرتیبِ المَسؤولیَةِ الجِنائِیةِ على مُرتَکِبِ جریمة الاخفاء القسری لا یمکن ترتیبه على مرتکب فعل الاخفاء القَسرِیِ اِستِناَداً اِلَى اَلمَبدأ الدستوریِّ "لا جریمة ولا عقوبة الا بنص".
6- ان النظام القانونــی العراقی لا یَعتَرِفَ بالْتَقادمِ اَلمُسقِطِ للحق فی اقامة الدعوى وبالتالی فانه یوّفِرُ الضمانةُ المَنصوصِ عَلَیها فی المادة (8) من الاتفاقیة.
ونود الاشارة هنا ان التزام ای دولة فی البحث عن الاشخاص المخفین یتطلب بذل الجهود فی معرفة مصیر الاشخاص المفقودین واتباع الوسائل العلمیة الحدیثة فی معرفة مصیرهم, غیر ان قانون حمایة المقابر الجماعیة رقم (5) لسنة 2006 قد سن لهذا الغرض لکن ما یعاب على هذا القانون ان نطاق تطبیقه قد حُصِرَ فِی الجَرائِمِ اَلتْی اِرتُکِبَتْ فِی عهد النظام السابق وهو یستلزم تعدیله وجعله بدون تحدید مدة.
المطلب الثالث
المَسؤولِیَّةُ الجِنائِیَة الفَردِیَةِ عن جَریمَةِ الاخفاء القَسْرِیِ
تنحصر اَلمَسؤولیَةُ الجِنائِیَةُ الدَولِیَةُ فِی الافراد الطَبیعیین اَلذْینَ یَرتَکِبونَ جَرائِمَ دَولیَةً عامة, وجریمةُ الاخفاءُ القَسْرِیُ خاصة, باسم الدولة او لحسابها لذلک استبعدت فِکرَةُ المَسؤولیَةِ الجِنائِیَةِ عن الدولة. ورُغْمَ ان مبدا المَسؤولِیةِ الجِنائِیةِ الفَردِیَةِ اقرته الکثیر مِنَ المواثیق الدولیة الجنائیة, الا ان التطور الذی شمله هذا المبدأ فی المَحَاکِمِ الدَوَلیَةِ المُؤَقَتَةِ الخاصة بمحاکمة مقترفی الجَرائِمَ الَدولِیِةَ تحدیدا مَحکَمتی یوغِسْلافِیا ورواندا, ساهم فی ترسیخه على صعید المَحکَمَةِ الجِنائِیِة الدُوَلیةِ الدائِمَةِ التی غطى نِظَامُها الاساسی مَوضوعَ "المسؤولیة الجنائیة الفردیة" صراحة فی نص (م/25) التی انفردت بهذه التسمیة, فَضْلاً عن ان نُصُوصَ المَوَادِ(26- 27- 28) نظمت القَواعِدُ القَانونیَةُ الخاصة بهذه المسؤولیــة. وعلیه سنرکز على مسؤولیة الرئیس عن جریمة الاخفاء القسری ,ثم نعرض مسؤولیة المرؤوس, فی الفرعین الآتیین:
الفرع الاول:- مسؤولیة الرئیس عن ارتکاب جریمة الاخفاء القسری
من اهم مظاهر سیادة الدولة هو عدم خضوع قادتها لأی اختصاص اجنبی، لکون ذلک یتعارض مع سیادة الدولة، الا انه متى تعلق الامر بارتکابهم جرائم دولیة فان سیادة الدولة تتقلص, وبالتالی یمکن مساءلة الرئیس او القادة العسکریین عن جَرائِمَ ضِدَ الاِنْسانیةِ ومنها جَریمَةُ الاخفاء القسری. وتتخذ مسؤولیة الرؤساء اکثر من صورة , وهی کالتالی:
اولا: مسؤولیة الرئیس عن دوره الایجابی فی جریمة الاخفاء القسری
ان الدور الایجابی للرئیس فی اِرتِکابِهِ لِجَرِیمَةِ الاخفاء القسری نضمه القَانــون الدَولِیُ الجِنائِیُ واِتفاقِیةُ 2006, ویتمثَلُ فی کونه اما فاعلاً اصلیاً للجریمة وذلک فی حالــة ارتکابِهِ للجَریمَةِ او امر بارتکابها, ویحاسب على الجریمة او کان شریکاً فیها عن طریق "المُساهَمةِ بأیةِ طَریقةٍ فی قیامِ جَماعَةٍ مِنَ الاشْخاصِ یَعَمَلونَ بِقصدٍ مُشتَرک بارتِکابِ هًذِهِ الجَریمَةِ" وهو ما نصَ عَلیهِ نِظامُ المَحکَمَةِ الجِنائِیةِ الَدولِیةِ الَتِی جاء فیها بِأنَ الشَخْصَ یَکون مسـؤولا جنائیا "اذا کان قد ارتکب الجریمة بمفرده او بالاشتراک مع اخر او امر بها او حث او قدم العون او التحریض او قدم المساعدة لغرض ارتکاب الجریمة .او الشروع فی ارتکابها والمساهمة مع جماعة اخرى بقصد الاشتراک بارتکاب الجریمة". ونشیر هنا الى ان "الاتفاقیة الدولیة لحمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری" نصت على ان "تتخذ کل دولة طرف التدابیر اللازمة لتحمیل المسؤولیة الجنائیة على اقل تقدیر لکل من یرتکب جریمة الاختفاء القسری او یأمر او یوصی او یحاول ارتکابها او یکون متواطئاً او یشترک فی ارتکابه".
ثانیاً: مسؤولیة الرئیس عن دوره السلبی فی جریمة الاخفاء القسری
ان الرَئِیسَ یسال جِنائِیاً عما یرتکبه المرؤوسین الَخاضعین "لسُلطَتِهِ وسیطرته الفعلیتین" من "جَرائِمَ تَدخُلُ فی اختصاص المحکمة" بضمنها جرائم الاخفاء القسری وذلک بمجرد اتخاذه موقفاً سلبیاً, وان المسؤولیة تلاحقه حتى لو لم یصدر ایه اوامر باِرتِکابِ هَذِهِ الجَرائِمَ ذلک اِنَّ تغاضی الرئیس عن هذه الجرائم یرسل اشارة الى مرؤوسیه بالاستمرار فی جرائمهم دون الخوف من العقاب. هذا وقد نص النظام الاساسی للمحکمــة الجنائیــة على تَحْمیلِ الرئیس المَسؤولیَةَ الجِنائِیةَ "عن افعال مرؤوسین یخضعون لسلطته وسیطرته الفعلیتین او نتیجة عدم ممارسة سیطرته على المرؤوسین ممارسة سلیمة: اذا کان الرئیس قد علم او تجاهل عن وعی ایة معلومات تبین بوضوح ان مرؤوسیه یرتکبون او على وشک ان یرتکبوا هذه الجرائم . واذا لم یتخذ التدابیر اللازمة فی حدود سلطته لمنع ارتکابها او لم یعرض مرتکبی الجرائم على السلطات المختصة للتحقیق والمقاضاة".
لقد انفرد النظام الاساسی بهذا النص الذی اقرَ المَسؤولِیَةَ الجِنائِیةَ الفَردِیةَ عن طریق الامتناع کعُنصِرٍ فی الرُکنِ المَادیِ فی جریمة الاخفاء القسری, والمقصود بالامتناع هنا عدم الادلاء بای معلومة تفید او تکشف عن مصیر الشخص المخفی, فتنهض "مسؤولیة الرئیس جنائیا عن افعال مرؤوسیهم" حتى لو انهم لم یأمروا مباشرة بارتکاب جریمة الاخفاء القسری فالذی یملک سلطة منع اِرتِکابِ هَذِهِ الجَریَمةِ ولم یفعل یعد مَسؤولًا عَنْ ارتِکابِها.
وعلى ذلک, تقوم المسؤولیــة الجنائیــة للأفراد فی القَانونِ الدَوْلِی تجاه الرؤساء او القادة الذین یترتب على اوامرهم انتِهاکَاتٍ لِحُقوقِ الاِنْسانِ ترقى الى مستوى جَرائِمَ ضِدَ الِانسانِیةِ بِمَا فِیها الاخفاء القَسْرِیُ ضد فِئَةٍ مُعَینَةٍ مِنَ المَدَنیینَ, لذا فان اَلنِظامَ الاَسَاسَ للمَحکَمَةِ عند تبنیه مبدا المَسؤولیَةَ الجِنائِیةَ الفَرِدیةَ وسّعَ مِن نطاقِ اَلمَبدأ لیشمل طبقا لِنَصِ المَادَةِ (27) جمیع الاشخاص مُرتَکبِی هَذِهِ الجَریمَةِ دون الاعتداد "بالصفة الرسمیة للشخص سواء کان رئیسا لدولة او حکومة او عضوا فی البرلمان او ممثلا منتخبا", ولا تشکل صفته الرسمیة سَبَباً للتَخْفیفِ مِنَ العُقوبَةِ, ولا تَحولُ الحَصَاناتِ الممنوحة لهم بسبب هذه الصفة وطنیا او دولیا دون محاکمتهم.
وطبقا "لاتفاقیة حمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری" یسال الرئیس جِنائِیاً عن نشاطهِ السلبی فی الحالات الاتیة:
أ- اذا کان على علم بان احد مرؤوسیه ممن یعملون تحت امرته ورقابته الفعلیتین قد ارتکب او کان على وشک ارتکاب جریمة الاخفاء القسری، او تعمد اغفال معلومات کانت تدل على ذلک بوضوح .
ب- کان یمارس مسؤولیته ورقابته الفعلیتین على الانشطة التی ترتبط بها جریمة الاخفاء القسری و بمعنى ان الجریمة ارتکبت تحت اشرافه وبتوجیه من الرئیس.
ج- "اذا لم یتخذ التدابیر اللازمة والمعقولة التی کان بوسعه اتخاذها للحیلولة دون ارتکاب جریمة الاخفاء القسری او قمع ارتکابها" .
د- "اذا لم یتخذ التدابیر اللازمة" لعرض المسألة المتعلقة بجریمة الاخفاء القسری "على السلطات المختصة لأغراض التحقیق والملاحقة".
الفرع الثانی: مسؤولیة المرؤوس عن جریمة الاخفاء القسری
ان الصکوک الدولیة التی تناولت جریمة الاخفاء القسری بالتنظیم "کالاتفاقیة الدولیة المتعلقة بحمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری لسنة 2006" و "الاعلان العالمی المتعلق بحمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری لسنة 1992"، لم تعتبر الامر الصادر من الرئیس الى المرؤوس مانعاً ولا معفیاً له من العقاب اذ نصت "لا یجوز التذرع بای اوامر او تعلیمات صادرة من سلطة عامة مدنیة کانت ام عسکریة لتبریر جریمة الاخفاء القسری ویکون من حق کل شخص تلقی مثل هذه الاوامر، او تلک التعلیمات من واجبه عدم طاعتها" .
والقانون الدولی الجنائی ینص بشکل عام على اَنَّ اِرتِکابَ الشَخْصِ ای سلوک اجرامی یدخل "ضمن الجرائم ضد الانسانیة" بما فیها جریمة الاخفاء القسری تنفیذا لأوامر صادرة الیه من رئیس الدولة او قائده الاعلى لا یعفیه من المَسؤولِیَةِ الجِنائِیةِ, الا انه یمکن ان یکون "سببا لتخفیف العقوبة" عنه, وقد نَصَتْ المَادَةٌ (33) مِن نِظَامِ رُومَا الاساسی عَلَى ان الشخص "لا یعفى من الخضوع" لاختصاص المحکمة اذا کان ارتِکابُهُ للجَریمَةِ قَدْ جَاء تَنفِیذاً لأوامر علیا باستثناء من, "اذا کان تنفیذه الاوامر بناءً على التزام قانونی, او کان لا یعلم انها غیر مشروعة, او لم یبدو له ان الامر غیر مشروع بصورة واضحة". غیر انه من غیر المنطقیانالاوامر التی تصدر للمرؤوسین فی جریمة الاخفاء القسری لا تکون مشروعة بطریقة واضحة.
واذا ما حاولنا تطبیق نص هذه المادة عَلَى قانــون العُقوبَاتِ العُراقِیِ النَافِذُ رَقْمُ 111 لسنة 1969 لوجدنا ان المشرع العراقی ینص على انه "لا جریمة اذا وقع الفعل من موظف او شخص مکلف بخدمة عامة فی الحالات التالیة:
اولاً: اذا قام بسلامة نیة بفعل تنفیذاً لما امرت به القوانین او اعتقد ان اجراءه من اختصاصه.
ثانیاً: اذا وقع الفعل منه تنفیذاً لأمر صادر الیه من رئیس تجب علیه طاعته او اعتقد ان طاعته واجبه علیه".
ویَجبْ فی الحالتین ان یُثبِتْ انَّ اعتِقادَ الفاعل "بمشروعیة الفعل کان مبنیاً على اسباب معقولة" واَنَّهُ لم یَرتَکِبُهُ الا بعد اتِخاذِ الحِیطَةَ المُناسِبةَ, ومنـع ذلک فلا عِقابٌ فِی الحَالَةِ الثَانِیةِ اذا کانَ القاَنونَ لا یَسَمحُ لِلمُوظَفِ بِمناقَشةِ الاَمرِ الصَادِرِ الیهِ.
یلاحظ ان هذا النص یخالف مبادئوقواعد کل من القاَنونِ الدَولِیِ الجِنائِیِ وقَانونِ حُقوقِ الاِنْسانِ، اذ لا یمکن قبول عذر الطاعة العمیاء للرؤساء والمسؤولین اذا کان ذلک یؤدی الى انِتهاکاتٍ خَطیرَةٍ لِحِقوقِ الاِنسانِ وبالتالی لا یُمکِنْ ان تکون سلامة النیة تبریرا لارتکاب جریمة الاخفاء القسری.
الخاتِمَـةُ
بَعدَ اَنْ اِنتَهَینا من کتابه بحثنا هذا نستطیع ایجاز ابرز ما تَوَصَلنا الیه مِنْ نَتائِجٍ وتَوصیاتٍ.
اولا: النتائج:
1- على الرغم من ان "اتفاقیة حمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری لسنة2006" جاءت لمکافحة جریمة الاخفاء القسری ورغم ادراجها فی النظام الاساسی للمَحکَمةِ الجِنائِیةِ الدُولیَّة بوصفها جَریمَةَ ضَدَ الاِنسانیَةِ , الا ان هذه الجریمة لازالت ترتکب بصورة منتظمة وکبیرة فی کثیر من الدول التی تشهد توترات واضطرابات سیاسیة .
2- لابد لاعتبار جریمة الاخفاء القسری جریمــة دولیــة ان تقع بِنَاءً على امر مِن الدولة او بتشجیع منها او رضاها بِذلکَ السُلوکِ الِاجْرامی او السَماحُ بارتکابه او على اقل تقدیر اهمالها لواجباتها الدولیة وتخضع للقانون الدولی الجنائی ,اما اذا کانت بحالات فردیة وتم ارتکابها من قبل البعض دون علم الدولة فلا تدخل فی نطاق التجریم الدولی وتخضع لقانون العقوبات الوطنی.
3- ان انضمام العراق الى "اتفاقیة حمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری لسنة 2006" یتیح له تعدیل نص المادة الثانیة عشر (فقرة ثانیا /ز) المنصوص علیه فی قانون المحکمة العراقیة العلیا رقم (10) لسنة2005 الخاص "بتعریف الاخفاء القسری" بما ینسجم واغراض الاتفاقیة.
4- ان الاخفاء القسری لا یعد جریمة وفق "قانون العقوبات العراقی النافذ رقم 111لسنة 1969" النَافِذُ، عَلى الرغم من انضمام العراق الى "اتفاقیة حمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری لسنة 2006" ذلک ان الدستور العراقی لم یعترف بعلویة الِاتفاقیاتِ الدَولِیَّةِ عَلى التَشریعاتِ الدَاخِلیةِ.
التوصیات:
1- على الدول ان تکثف جهودها فی التعاون مع "الفریق العامل المعنی بجریمة الاخفاء القسری" بشأن ای اجراء یتخذ عملاً بالتَوصِیاتِ اَلتِی یوجهها الفریق العامل اِلَیها, لأنه الجهة الرقابیة الاکثر فاعلیة فی مراقبة جرائم الاخفاء القسری.
2- على الدول العمل على تضمین نظمها القَانونِیَةِ الیات یُمکنْ مِنْ خلالها اتاحة الفُرصَةِ لضحایا الاخفاء القسری او اسرهم للحصول على تعویض منصف وفوری.
3- على الحکومة العراقیة ان تعمل على مُوائَمةِ تَشریعاتِها الوَطَنیةِ والعقابیةِ مِنها بشکل خاص, مع "اتفاقیة حمایة جمیع الاشخاص من الاختفاء القسری لسنة2006" لاسیما وان العراق قد انضم الى الاتفاقیة وصادق علیها.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: Books
1. Dr. Hanan Muhammad Al-Qaisi, The Right to a Remedy for Enforced Disappearance, 1st Edition, Arab Center for Publishing and Distribution, 2018.
2. Dr. Omar Mahmoud Al-Makhzoumi, International Humanitarian Law in the Light of the International Criminal Court, Dar Al-Thaqafa for Publishing and Distribution Amman 2008.
3. Dr. Mohammadi Muhammad Al-Amin, International Criminal Responsibility of Military Commanders and Commanders during Armed Conflicts A Comparative Study, Dar Al-Fikr and Law, Mansoura 2017.
4. Dr. Musleh Hassan Ahmad Abdel Aziz, Principles of International Humanitarian Law, 1st floor, Dar Al-Hamid for Publishing and Distribution, Amman, Jordan, 2013.
5. Dr. Montaser Saeed Hamouda, Human Rights during Armed Conflicts, a Jurisprudence Study in the Light of the Provisions of International Humanitarian Law, New University House, Egypt, 2008.
6. Dr. Montaser Saeed Hamouda, International Criminal Court General Theory of International Crime Rules International Criminal Law Analytical Study, Arab Thought House, Alexandria 2009.
Second: Periodicals
1. Abdel-Qader Al-Bugairat, International Mutual Assistance for Extradition, Algerian Journal of Legal, Economic and Political Sciences, No. 1, University of Algiers, 2009.
Third: Messages and thesis
1. Shaalal Tewizi Wajdi Sabrina, the crime of enforced disappearance as a crime against humanity in international law, MA, Master of Law and Political Science, Abdel Rahman Mira University, Bejaia, Algeria, 2014.
2. Janadi Nisreen, International Protection of Persons from Enforced Disappearance, PhD thesis, Faculty of Law, University of Algiers, 2017-2018.
3. Abdullah Jalil Ali Al-Nadawi, International Protection of Children from Enforced Disappearance and its Impact on Iraqi Legislations, Master Thesis, Faculty of Law and Political Science, Diyala University, Iraq, 2019.
Fourth: International instruments
1. The International Convention for the Protection of All Persons from Enforced Disappearance, adopted by Resolution 2006 of the United Nations General Assembly.
2. The statute of the International Criminal Court for the year 1998.
3. The 1994 International Criminal Tribunal for Yugoslavia.
4. The General Assembly Declaration on the Protection of All Persons from Enforced Disappearance, 1992.
5. The International Covenant on Civil and Political Rights of 1966.
6. The Universal Declaration of Human Rights issued in 1948.
7. The statute of the Nomberg Court for the year 1945.
Fifth: International Reports:
1. United Nations, Economic and Social Council, Commission on Human Rights (49th session) Report of the Working Group on Enforced or Involuntary Disappearances, 1993, translated p. 81-82.
2. The Human Rights Office of the United Nations Assistance Mission for Iraq (UNAMI), Human Rights Office of the United Nations High Commissioner for Human Rights, "Report on the Protection of Civilians in Armed Conflict in Iraq" (November 2015 - September 2016) Baghdad and Geneva, translated. .
3. The report of the High Commissioner for Human Rights in Iraq on the implementation of the International Convention for the Protection of Persons from Enforced Disappearance, December 2014.
Sixth: national constitutions and legislations
1. Iraqi Penal Code No. 111 of 1969.
2. The Iraqi Constitution of 2005.
3. The Iraqi High Criminal Court Law No. 10 of 2005.