الملخص
قد یعجز المقاول عن إتمام تنفیذ المقاولة بعد البدء فی تنفیذها، والقوانین المدنیة فی دول عدة قد أخذت مثل هذه الحالة بنظر الاعتبار ورتبت علیها آثاراً معینة تتمثل عموماً فی إمکان إنهاء عقد المقاولة بتحقق شروط معینة.
ومن استنتاجات هذه الدراسة أن رجوع المقاول على رب العمل بقیمة الأعمال والنفقات أو بقیمة النفع العائد على رب العمل نتیجة هذه الأعمال والنفقات لا یقوم على أساس المسؤولیة العقدیة، إذ أن عقد المقاولة یکون قد انقضى بعجز المقاول عند تحقق شروط هذه الحالة، فلا یصلح العقد، الذی لم یبق له وجود، أن یکون أساساً لرجوع المقاول على رب العمل. وکذلک لا یمکن للمقاول الرجوع بذلک على رب العمل على أساس المسؤولیة التقصیریة، طالما لیس بالإمکان نسبة أی تقصیر لجهة رب العمل. وإنما یکون أساس الرجوع هو الکسب دون السبب. کما أن توصیات هذه الدراسة تتمثل فی اقتراح تعدیل بعض نصوص القوانین محل الدراسة وإضافة نصوص معینة متصلة بموضوعات من هذه الدراسة.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
الجديد في البحث
عجز المقاول هو کل ما یؤدی إلى عدم تمکن المقاول من تنفیذ عقد المقاولة لسبب لا ید له فیه. وبذلک یندرج، من حیث المبدأ، تحت مفهوم عجز المقاول کل من العجز الجسدی للمقاول وعجزه المالی.
یتضمن البحث اقتراح وتعدیل بعض النصوص القانونیة المتعلقة بموضوع هذه الدراسة، کاقتراح نص فی شأن التنازل عن المقاولة بسبب عدم وجود نص فی هذا شأن فی القانون المدنی العراقی، لذلک ینبغی الرجوع فی هذا الصدد إلى الأحکام العامة لحوالة الحق وحوالة الدین. ویستند القضاء فی العراق إلى المادة (882) فی حالة التنازل عن عقد المقاولة، مع أن نص المادة (882) من القانون المدنی العراقی صریح فی کون حکمه مقتصراً على حالة قیام المقاول بالمقاولة من الباطن دون التنازل عن المقاولة.
وکذلک یتضمن البحث اقتراح نص فی شأن تنظیم عجز المقاول فی المادة مستقلة عن حالة موت المقاول واقتراح تعدیل نص المادة (890) من القانون المدنی العراقی تلافیاً للثغرات التی تعتریها، فی شأن إفلاس رب العمل، من حیث تکییف إنهاء العقد، ومن حیث إمکان طلب التعویض.
أصل المقالة
التطبیقات التشریعیة للحادث الطارئ فی عقد المقاولة دراسة مقارنة لحالتی عجز المقاول وإفلاس رب العمل-(*)-
Legislative Examples of Risks in Contractor Agreements:
A Comparative Study of the Contractor's Deficit and Employer’s bankruptcy
علی عادل محمد ثةیام نجم الدین کریم کلیة القانون/ جامعة صلاح الدین - أربیل کلیة القانون/ جامعة صلاح الدین - أربیل Ali Adel Muhammad Thiam Najmuddin Karim College of law / University of Salah al-Din - Erbil College of law / University of Salah al-Din - Erbil Correspondence: Ali Adel Muhammad E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 2/12/2019 *** قبل للنشر فی 4/1/2020.
(*) Received on 2/12/2019 *** accepted for publishing on 4/1/2020.
Doi: 10.33899/alaw.2020.165262
© Authors, 2020, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
قد یعجز المقاول عن إتمام تنفیذ المقاولة بعد البدء فی تنفیذها، والقوانین المدنیة فی دول عدة قد أخذت مثل هذه الحالة بنظر الاعتبار ورتبت علیها آثاراً معینة تتمثل عموماً فی إمکان إنهاء عقد المقاولة بتحقق شروط معینة.
ومن استنتاجات هذه الدراسة أن رجوع المقاول على رب العمل بقیمة الأعمال والنفقات أو بقیمة النفع العائد على رب العمل نتیجة هذه الأعمال والنفقات لا یقوم على أساس المسؤولیة العقدیة، إذ أن عقد المقاولة یکون قد انقضى بعجز المقاول عند تحقق شروط هذه الحالة، فلا یصلح العقد، الذی لم یبق له وجود، أن یکون أساساً لرجوع المقاول على رب العمل. وکذلک لا یمکن للمقاول الرجوع بذلک على رب العمل على أساس المسؤولیة التقصیریة، طالما لیس بالإمکان نسبة أی تقصیر لجهة رب العمل. وإنما یکون أساس الرجوع هو الکسب دون سبب. کما أن توصیات هذه الدراسة تتمثل فی اقتراح تعدیل بعض نصوص القوانین محل الدراسة وإضافة نصوص معینة متصلة بموضوعات من هذه الدراسة.
کلمات مفتاحیة: الحادث الطارىء، عجز المقاول، موت المقاول، إفلاس رب العمل.
Abstract
A contractor may be unable to complete the execution of a contractor agreement after starting to perform the contract. Many civil laws have addressed the issue, and they generally allow the second party to terminating the contract provided certain requirements are met. This study argues that the contractor entitlement to the expenses or the value of the benefit accruing to the employer is illicit enrichment and not based on contract liability. Hence the contractual agreement is brought to an end . The contractor cannot also make a tort liability claim against the employer as long as no negligence can be attributed to the employer. Thus, the study recommends amending Article 890 of the Iraqi Civil Transaction Code under study and adding a new rule in this regard.
Key words :Emergency Incident, Contractor`s Inability, Death of the Contractor, Bankruptcy of the Employer.
المقدمـة
قد تطرأ على العقود عقب إبرامها حالات تجعل الاستمرار فیها مرهقاً بحق أحد أطرافها، وهذا ما یستدعی بالقوانین إلى تقدیر تلک الحالات وتقریر ما یناسبها من معالجات بالاستناد إلى طبیعة الحالة الطارئة وما تقتضیه من حکم. وتلک الحالات الطارئة التی تعتری العقود بعد إبرامها تتعدد فی صورها وفیما تختص به من أنواع العقود وکذلک فیما ترتبه القوانین من أثر على تحققها، فبعضها حالات عامة وبعضها حالات خاصة بطائفة معینة من العقود، فی حین أن هناک حالات لا تتحقق إلا فی نوع معین من العقود دون غیره.
والحوادث الطارئة فی عقد المقاولة تندرج ضمن السیاق الوارد أعلاه وتختص بعقد المقاولة، إذ قد تقع حوادث معینة تؤثر فی مضمون عقد المقاولة على نحو معین، الأمر الذی قد یستدعی تدخل القضاء لمواجهة هذا الواقع الجدید على نحو یختلف تبعاً لموقف القوانین. وفضلاً عن المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة فقد أوردت القوانین بصورة متفاوتة تطبیقات تشریعیة معینة لهذا المبدأ، ومنها عجز المقاول وإفلاس رب العمل.
فإذا عجز المقاول بعد إبرام عقد المقاولة وبعد البدء فی تنفیذ العمل وقبل إتمام تنفیذه، فإن القوانین ترتب على ذلک آثاراً معینة بتحقق شروط معینة تختلف سعة وضیقاً وفق تنظیم الموضوع فی قوانین الدول المختلفة. وإذا أفلس رب العمل بعد إبرام عقد المقاولة، سواء أکان قبل بدء المقاول فی تنفیذ العمل أو بعد البدء فی تنفیذه وقبل إتمامه، فإنه بالإمکان إنهاء العقد بتحقق شروط معینة.
أولاً: أهمیة الدراسة
یجد موضوع الدراسة أهمیته بالنظر إلى أن فیه جانباً تطبیقیاً مستوحى من واقع الحال، وذلک بالنظر إلى أن عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل بعد البدء فیه أو إفلاس رب العمل من الأمور الممکن حدوثها فی الواقع العملی، وأن القوانین المدنیة بصورة عامة لا ترتب إنهاء عقد المقاولة بعجز المقاول ما لم تکن شخصیته محل اعتبار فی التعاقد أو لم تفترض طبیعة العمل الرکون إلى الکفایة الشخصیة للمقاول، وذلک عدا حالة معینة تجیز القوانین فیها إنهاء عقد المقاولة بعجز المقاول بتوافر شروط معینة. کما أن هناک شروطاً معینة لکی یمکن إنهاء عقد المقاولة بإفلاس رب العمل.
ویضاف إلى ما سبق أن هذا الموضوع لم ینل قدر أهمیته من الاهتمام فی الفقه، فکان من المهم أن یولى بالدراسة لاستجلاء مفهومه وتبیان شروطه وأثره ومواطن الخلل فی تنظیمه فی القوانین محل الدراسة. ومن هنا تأتی أهمیة موضوع الدراسة.
ثانیاً: مشکلة الدراسة
تتمثل مشکلة الدراسة فی وجود إشکالات بصورة عامة فی نصوص القانون المدنی العراقی والقوانین المقارنة، سواء فی تنظیمها لحالة إفلاس رب العمل أو حالة عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل بعد البدء فیه من حیث الشروط والأثر المترتب علیها، أو فی نصوص أخرى تتصل بالموضوع بصورة غیر مباشرة. کما أن هناک بعض اللبس فی الفقه بصدد أساس رجوع المقاول على رب العمل، فی حال إنهاء عقد المقاولة بعجز المقاول أو إفلاس رب العمل، بقیمة الأعمال والنفقات أو بقیمة النفع العائد على رب العمل نتیجة هذه الأعمال والنفقات. وبالتالی فإن هذه الدراسة تستهدف البحث فی تلک الجوانب واقتراح الحلول بشأنها.
ثالثاً: نطاق الدراسة
ارتباطاً بالغایة من هذه الدراسة والمتمثلة فی بیان مفهوم وشروط وأثر کل من حالة عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل بعد البدء فیه وحالة إفلاس رب العمل باعتباره تطبیقاً تشریعیاً للحادث الطارىء فی عقد المقاولة، فإن هذه الدراسة لن تتطرق إلى المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة، ولا إلى التطبیقات التشریعیة الأخرى للحادث الطارئ فی عقد المقاولة والتی جاءت بها القوانین، إلا بالقدر الذی یستوجبه بیان حالتی عجز المقاول وإفلاس رب العمل على أتم وجه.
رابعاً: منهجیة الدراسة
ستعتمد دراسة کل من موضوع عجز المقاول وموضوع إفلاس رب العمل باعتباره تطبیقاً تشریعیاً للحادث الطارىء فی عقد المقاولة على المنهجین التحلیلی والمقارن. إذ ستعتمد الدراسة على المنهج التحلیلی من خلال تحلیل النصوص القانونیة التی تنظم هذین الموضوعین من حیث الشروط والأثر. وکذلک ستقوم الدراسة بتحلیل موقف الفقه والقضاء فی هذا الشأن. کما ستعتمد الدراسة على المنهج المقارن، وفی إعمال المنهج المقارن ستعقد الدراسة المقارنة بین کل من القانون المدنی العراقی رقم (40) لسنة (1951) والقانون المدنی المصری رقم (131) لسنة (1948) والقانون المدنی الأردنی رقم (43) لسنة (1976) والقانون المدنی الکویتی رقم (67) لسنة (1980) وقانون المعاملات المدنیة العمانی رقم (29) لسنة (2013).
خامساً: خطة الدراسة
سیتم تقسیم هذه الدراسة إلى مطلب تمهیدی ومبحثین، إذ نبحث فی المطلب التمهیدی التطبیقات التشریعیة للحادث الطارىء فی عقد المقاولة بصورة عامة، وسنتطرق فی المبحث الأول لبیان حالة عجز المقاول باعتبارها حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة، بینما نخصص المبحث الثانی لبیان حالة إفلاس رب العمل باعتبارها حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة. وسنختم الدراسة بخاتمة نذکر فیها أهم الاستنتاجات التی سنتوصل إلیها والتوصیات التی یمکن أن نقدمها بشأن موضوع هذه الدراسة.
المطلب التمهیدی
التطبیقات التشریعیة للحادث الطارىء فی عقد المقاولة
یندرج الحادث الطارىء فی عقد المقاولة فی إطاره العام فی سیاق حالة یتعرض لها أحد طرفی العقد وتجعل من تنفیذه مرهقاً، وتخوله بالتالی طلب إنهاء العقد. وفی هذا السیاق یختلف موقف القوانین المقارنة سعة وضیقاً فی تنظیم موضوع الحادث الطارىء فی عقد المقاولة، وعلى وجه الخصوص فیما یتعلق بتحدید مفهوم الحادث الطارىء فی عقد المقاولة، وشروط تحقق الحادث الطارىء. إذ خصت بعض القوانین الحادث الطارىء فی عقد المقاولة بتنظیم خاص ضمن النصوص المنظمة لعقد المقاولة وبینت شروطه والأثر المترتب على تحققه، فی حین هناک قوانین أخرى اکتفت ببیان حکم تحقق الحادث الطارىء فی عقد المقاولة دون بیان شروطه. فضلاً عن ذلک، هناک قوانین أحالت موضوع الحادث الطارىء فی عقد المقاولة بصورة مباشرة إلى التنظیم الوارد فیها بخصوص المبدأ العام لنظریة الظروف الطارئة.
لم تُعرف القوانین المدنیة بصورة عامة الحادث الطارىء فی عقد المقاولة، ولعل السبب فی ذلک أن مفهوم الحادث الطارىء فی عقد المقاولة القائم على أساس مبدأ العدالة لا یتوضح إلا ببیان شروطه وأثره فی التزامات طرفی العقد. کما أن الشراح و الباحثین فی مجال القانون المدنی لم یعرفوا الحادث الطارىء فی عقد المقاولة، لربما اکتفاءً بما جاء فی نصوص القانون من شروط لتحقق الحادث الطارىء فی عقد المقاولة وأثر مترتب على تحققه.
ویقوم مفهوم الحادث الطارىء فی عقد المقاولة على مسألة اختلال التوازن الاقتصادی فی العقد بین التزامات رب العمل والمقاول فی مرحلة لاحقة على تکوینه بحیث یصبح تنفیذ التزام المدین مرهقاً بحقه ویؤدی إلى إلحاق خسارة جسیمة به، ودون أن یکون تنفیذ الالتزام مستحیلاً، وعندئذٍ یجوز للقاضی، بتحقق شروط معینة، وبعد الموازنة بین مصلحة الطرفین التدخل بتعدیل العقد أو إنهائه.
وفی هذا الصدد، تنص المادة (878) من القانون المدنی العراقی رقم (40) لسنة 1951 على أنه ((لیس للمقاول إذا ارتفعت أسعار المواد الأولیة وأجور الأیدی العاملة أن یستند إلى ذلک لیطلب زیادة فی الأجرة حتى لو بلغ هذا الارتفاع حداً یجعل تنفیذ العقد عسیراً، على أنه إذا انهار التوازن الاقتصادی بین التزامات کل من رب العمل والمقاول انهیاراً تاماً بسبب حوادث لم تکن فی الحسبان وقت التعاقد وانعدم بذلک الأساس الذی قام علیه التقدیر المالی لعقد المقاولة، جاز للمحکمة أن تقضی بزیادة فی الأجرة أو بفسخ العقد)).
وبناءً على ذلک فإن مفهوم الحادث الطارىء فی عقد المقاولة فی المبدأ العام له فی القانون المدنی العراقی هو الحادث الذی یقع بعد إبرام عقد المقاولة وقبل إتمام تنفیذه، والذی لیس فی الوسع توقعه وقت التعاقد، ویؤدی إلى انهیار التوازن الاقتصادی بین التزامات کل من رب العمل والمقاول بحیث ینعدم الأساس الذی قام علیه التقدیر المالی للعقد، ویخول للمحکمة أن تحکم بزیادة أجر المقاول أو بإنهاء العقد.
وفضلاً عن المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة. یورد المشرعون بصورة عامة بعض التطبیقات التشریعیة للحادث الطارىء فی عقد المقاولة، وذلک على سبیل المثال ولیس الحصر، ومثال ذلک موت المقاول أو عجزه أو إفلاس رب العمل. ولعل مرد ذلک هو کثرة وقوع هذه الحالات فی الحیاة العملیة. أما فی غیر هذه الحالات فینبغی الرجوع إلى المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة لإعمال حکمه إذا توافرت شروطه.
وتتفاوت التطبیقات التشریعیة للحادث الطارىء فی عقد المقاولة فی القوانین الخاضعة للمقارنة فی هذه الدراسة. وکذلک یتفاوت موقف الفقه فی هذا الشأن أیضاً. فیذهب رأی إلى اعتبار حالة تحلل رب العمل من عقد المقاولة بسبب مجاوزة المصروفات المقدرة فی المقایسة مجاوزة جسیمة من التطبیقات التشریعیة للحادث الطارىء فی عقد المقاولة.
وفی هذا الصدد، تنص المادة (879) من القانون المدنی العراقی على أنه ((1- إذا أبرم العقد على أساس مقایسة بسعر الوحدة وتبین فی أثناء العمل أنه من الضروری لتنفیذ التصمیم المتفق علیه مجاوزة المصروفات المقدرة فی المقایسة مجاوزة محسوسة، وجب على المقاول أن یخبر فی الحال رب العمل، مبیناً مقدار ما یتوقعه من زیادة المصروفات، فإن لم یفعل سقط حقه فی استرداد ما جاوز به قیمة المقایسة من نفقات. 2- فإذا کانت المجاوزة التی یقتضیها تنفیذ التصمیم جسیمة، جاز لرب العمل أن یتحلل من العقد، فإن أراد التحلل وجب أن یبادر به دون إبطاء مع تعویض المقاول عن جمیع ما أنفقه من المصروفات وما أنجزه من الأعمال دون ما کان یستطیع کسبه لو أنه أتم العمل)).
إذ یشترط النص المذکور أعلاه، لکی یمکن لرب العمل التحلل من عقد المقاولة، أن تکون الأجرة قد حددت فیه على أساس المقایسة بسعر الوحدة، وأن یکون من الضروری لتنفیذ التصمیم المتفق علیه مجاوزة المصروفات المقدرة فی المقایسة مجاوزة جسیمة بحیث لا یمکن تبینها فی الوقت الذی أبرم فیه العقد، وإلا لما کان لرب العمل التحلل من العقد، وأن یبادر إلى التحلل من العقد دون إبطاء. فلو کانت المجاوزة محسوسة ولکن لم تصل لدرجة الجسامة، لتوجب على رب العمل دفع هذه الزیادة المحسوسة للمقاول إذا أخطره الأخیر فور تبینه هذه الزیادة مع مقدار ما یتوقعه من الزیادة، وإذا لم یبادر المقاول بإخطار رب العمل فی الحال، سقط حقه فی استرداد ما جاوز به قیمة المقایسة من نفقات.
ویترتب على تحلل رب العمل لمجاوزة المصروفات المقدرة فی المقایسة عند توافر الشروط المطلوبة فی کل قانون، الحق للمقاول فی الرجوع على رب العمل. ولکن یختلف موقف القوانین فی شأن مقدار الرجوع، فرجوع المقاول فی القانون المدنی العراقی یکون بقیمة ما أنجزه المقاول من الأعمال وما أنفقه من المصروفات دون أن یکون له الحق فی الرجوع بما کان یستطیع أن یکسبه لو أنه أتم العمل. وفی المقابل فإن کلاً من القانون المدنی المصری والقانون المدنی الکویتی یلزم رب العمل بأداء قیمة ما أنجزه المقاول من الأعمال وفق شروط العقد، ودون أن یکون للمقاول الرجوع بما کان یستطیع أن یکسبه لو أنه أتم العمل. فی حین أنه فی کل من القانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی یکون رجوع المقاول على رب العمل بقیمة ما أنجزه من الأعمال المقدرة وفقاً لشروط العقد دون المصروفات التی صرفها. وعلى الرغم من أن هذین القانونین الأخیرین لا یشیران إلى عدم إمکان رجوع المقاول على رب العمل بالکسب الذی فاته لو أنه أتم العمل، إلا أن ذلک مفهوم من سیاق النص الذی یقصر التزام رب العمل فی هذه الحالة على أداء قیمة ما أنجزه المقاول من الأعمال مقدرة وفقاً لشروط العقد.
وهناک من یذهب إلى أن الحادث الطارىء فی عقد المقاولة لا یشترط فیه أن یستجد بعد إبرام العقد، وأنه یعد من الحوادث الطارئة الحادث الذی یقع قبل إبرام العقد ولکن یجهل طرفاه وقوعه، ولا یدخلانه بالتالی فی تقدیرهما عند تحدید الأجر.
ولعل ما ذکرناه أعلاه کان وراء اعتبار حالة تحلل رب العمل من عقد المقاولة بسبب مجاوزة المصروفات المقدرة فی المقایسة مجاوزة جسیمة من ضمن الحوادث الطارئة فی عقد المقاولة عند هذا البعض. ولکن یبدو لنا إن حالة تحلل رب العمل من عقد المقاولة لمجاوزة المصروفات المقدرة فی المقایسة مجاوزة جسیمة تدخل فی مفهوم الغلط فی صفة جوهریة فی المعقود علیه، المتمثل فی غلط فی تقدیر کمیات الأعمال المطلوب من المقاول القیام بها، أو الغلط فی المصروفات المبینة بسبب مجاوزة کمیات الأعمال المقدرة فی المقایسة. وبناءً على ذلک، لا یمکن اعتبار حالة تحلل رب العمل من عقد المقاولة لمجاوزة المصروفات المقدرة فی المقایسة مجاوزة جسیمة تطبیقاً تشریعیاً للحادث الطارىء فی عقد المقاولة، وذلک لعدم توافر شروط الحادث الطارىء فی القوانین الخاضعة للمقارنة فی هذه الدراسة، من وجوب کون الحادث قد وقع بعد إبرام العقد، وإنما تدخل هذه الحالة ضمن نطاق الغلط فی تقدیر کمیة الأعمال المقدرة فی العقد وقت إبرامه، والذی یعد غلطاً فی صفة جوهریة فی المعقود علیه فی عقد المقاولة.
وتتمثل التطبیقات التشریعیة للحادث الطارىء فی عقد المقاولة فی حالات موت المقاول أو عجزه أو إفلاس رب العمل.
وفیما یتعلق بموت المقاول باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة، فالأصل أن شخصیة کل من طرفیه لیست محل اعتبار فی التعاقد. ولا تنتهی المقاولة بموت المقاول، لأن کل ما یهم رب العمل أن یتم العمل وفقاً للمواصفات المتفق علیها، بصرف النظر عمن یقوم بهذا العمل. فإذا توفی المقاول وکانت له ورثة یستطیعون القیام بتنفیذ العمل وفقاً لما هو متفق علیه، فلا یتضرر رب العمل من عدم التنفیذ بواسطة المقاول نفسه. ولکن قد یُعد عقد المقاولة من العقود التی تقوم على الاعتبار الشخصی إذا اتفق طرفا العقد على ذلک أو کانت طبیعة العمل تفترض الرکون إلى الکفایة الشخصیة للمقاول، بحیث یکون لشخص المتعاقد اعتبار خاص، أی تکون لصفة المتعاقد ارتباط بموضوع العقد.
وفی هذا الصدد تنص المادة (888) من القانون المدنی العراقی على أنه ((1- تنتهی المقاولة بموت المقاول إذا کانت مؤهلاته الشخصیة محل اعتبار فی التعاقد، فإن لم تکن محل اعتبار فلا ینتهی العقد من تلقاء ذاته، ولا یجوز لرب العمل فسخه فی غیر حالة تطبیق المادة 885، إلا إذا لم تتوافر فی ورثة المقاول الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل. 2- وتعتبر دائماً شخصیة المقاول محل اعتبار فی التعاقد، إذا أبرم العقد مع فنان أو مهندس معماری أو مع غیرهم ممن یزاولون مهناً حرة أخرى. وتفترض هذه الصفة فی العقود التی تبرم مع العمال أو الصناع، إلا إذا کان هناک دلیل أو عرف یقضی بغیر ذلک، وفی سائر الأحوال الأخرى وبخاصة فی أعمال المقاولات الکبیرة یکون المفروض أن المکانة التی وصل إلیها اسم المقاول فی السوق لا صفات المقاول الشخصیة، هی التی کانت محل الاعتبار الأول فی التعاقد)).
یتضح من النص المذکور أعلاه أنه إذا لم تکن مؤهلات المقاول الشخصیة محل اعتبار فإن عقد المقاولة لا ینفسخ من تلقاء ذاته بحکم القانون بموت المقاول، وکذلک لا یمکن لرب العمل إنهاء العقد إلا فی حالتین، إحداهما حالة إنهاء رب العمل عقد المقاولة بإرادته المنفردة، والتی لا تدخل فی نطاق انتهاء عقد المقاولة بالحادث الطارىء، أی أنها لا تعتبر من التطبیقات التشریعیة للحادث الطارىء فی عقد المقاولة. وثانیتهما حالة إنهاء رب العمل عقد المقاولة بموت المقاول إذا لم تتوافر فی ورثته الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل. وتعتبر هذه الحالة تطبیقاً تشریعیاً للحادث الطارىء فی عقد المقاولة. ویشترط فیها أن لا تکون المؤهلات الشخصیة للمقاول محل اعتبار فی التعاقد وأن لا تتوافر الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل فی ورثة المقاول، وکذلک أن یتمسک رب العمل باعتبار موت المقاول حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة. وعند تحقق شروط حالة موت المقاول باعتباره حادثاً طارئاً فإن سلطة القضاء، عند طلب إنهاء العقد، تنحصر فی التثبت من تحقق الشروط الواردة فی القانون، ومن ثم الحکم بإنهاء العقد وإعمال آثار الحادث الطارىء، ولا یکون له عدم الحکم بإنهاء العقد عند تحقق الشروط، وذلک لأن هذا الأمر لا یعد فسخاً للعقد نتیجة إخلال المتعاقد بالالتزامات التعاقدیة.
وبالنظر إلى أن موت المقاول باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة لا یدخل فی نطاق هذه الدراسة، لذلک سوف نکتفی بهذا القدر ونرکز على دراسة کل من حالة عجز المقاول وحالة إفلاس رب العمل، باعتبار کل منهما حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة.
المبحث الأول
عجز المقاول باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة
الأصل أن عقد المقاولة لا ینقضی بعجز أحد المتعاقدین أو کلیهما، إن لم تکن شخصیة المتعاقد محل اعتبار فی التعاقد، إذ أن ذلک لا أثر له على العقد ذاته والذی یستمر فی حق المتعاقدین. لذلک فإن العقد یبقى بعد عجز أحد المتعاقدین أو کلیهما إلى أن ینقضی بإنجاز العمل أو بأی سبب آخر.
وإذا کانت القاعدة العامة هی عدم انقضاء عقد المقاولة بعجز أحد طرفی العقد أو کلیهما فإن هذه القاعدة لیست آمرة، إذ یجوز الاتفاق فی عقد المقاولة على انقضائه بعجز المقاول أو رب العمل أو عجزهما حتى ولو لم ینجز العمل المتفق علیه. فضلاً عن ذلک، هناک نصوص فی القوانین الخاضعة للمقارنة فی هذه الدراسة خرجت عن القاعدة العامة فی عدم انقضاء المقاولة بعجز المقاول فی حالات معینة أجازت فیها إنهاء عقد المقاولة.
ولبیان ذلک، نبحث أدناه فی کل من مفهوم عجز المقاول باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة وشروط تحققه وأثره من خلال تقسیم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب. نبحث فی أولهما فی مفهوم عجز المقاول باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة، ونخصص المطلب الثانی لدراسة شروط عجز المقاول باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة، بینما نتطرق فی المطلب الثالث لبیان أثر عجز المقاول باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة.
المطلب الأول
مفهوم عجز المقاول باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة
یثور التساؤل عن ما إذا کان یقصد بعجز المقاول العجز الجسدی فقط أو أنه یشمله ویشمل غیره. وفی هذا الشأن یرى أغلب الفقه أن عجز المقاول یشمل کل ما یؤدی إلى عدم إتمام العمل لسبب لا ید له فیه. ویمثل الفقه لحالة عجز المقاول بالعجز الجسدی، کإصابة المقاول بمرض أو عاهة أو حادث جسیم، مما یجعل تنفیذ العمل علیه مستحیلاً.
وفی المقابل، هناک من یرى أن مفهوم عجز المقاول یشمل بصورة عامة کل ما یؤدی إلى عدم تنفیذ عقد المقاولة، سواء بسبب رب العمل أو بسبب المقاول أو بسبب حادث یطرأ على العقد بعد إبرامه ولم یؤخذ بنظر الاعتبار عند إبرامه أو بسبب أی حادث خارج عن إرادة المقاول أو بسبب قلة خبرة المقاول أو عدم توقعه للحادث وعدم أخذه بنظر الاعتبار، بحیث یؤدی ذلک إلى جعل تکلفة تنفیذ المقاولة أعلى من تلک التی أبرم العقد على أساسها.
ویبدو لنا أن عجز المقاول عن تنفیذ عقد المقاولة، إذا کانت نتیجة قلة خبرته أو کفایته الفنیة فإن ذلک لا یعد حادثاً طارئاً، وإنما یعد إخلالاً بالتزاماته العقدیة، وتترتب علیه المسؤولیة العقدیة، بحیث یمکن لرب العمل طلب فسخ العقد نتیجة هذا الإخلال، مع التعویض إن کان له مقتضى.
وفی هذا الشأن، یمکن القول أنه لبیان مفهوم عجز المقاول من حیث السعة والضیق، ینبغی الرجوع إلى نص الفقرة (3) من المادة (889) من القانون المدنی العراقی، والتی تنص على أنه ((وتسری هذه الأحکام أیضاً إذا بدأ المقاول فی تنفیذ العمل ثم أصبح عاجزاً عن إتمامه لسبب لا دخل فیه لإرادته)).
ویلاحظ من النص المذکور أعلاه أن المقصود بعجز المقاول هو کل ما یؤدی إلى عدم تمکن المقاول من تنفیذ عقد المقاولة لسبب لا ید له فیه. وقد ورد النص بصورة مطلقة عن أی تقیید بنوع معین من العجز. وبذلک یندرج، من حیث المبدأ، تحت مفهوم عجز المقاول کل من العجز الجسدی للمقاول وعجزه المالی والعجز عن إتمام المقاولة بسبب رب العمل.
فیمکن فی هذا الصدد أن یکون العجز جسدیاً، کما لو أصیب المقاول بمرض أو بحادث جسیم أقعده عن تنفیذ التزامه أو أصیب بعاهة حالت دون تنفیذه المقاولة.
وقد یکون عجز المقاول عجزاً مالیاً، کما لو تم توقیع الحجز على أموال المقاول بما یعجزه عن تنفیذ التزامه. ولکن یشترط أن لا یکون هذا العجز بسبب المقاول نفسه، إذ لو کان إیقاع الحجز على أموال المقاول قد تم بسبب المقاول بشکل أو بآخر، فإن ذلک العجز عن إتمام تنفیذ المقاولة لا یشکل حادثاً طارئاً، وإنما یعد ذلک إخلالاً من جانب المقاول فی تنفیذ التزاماته بموجب العقد، ویکون لرب العمل فی هذه الحالة طلب فسخ العقد مع التعویض إن کان له مقتضى، وذلک استناداً إلى الفقرة (1) من المادة (177) من القانون المدنی العراقی والتی تنص على أنه ((فی العقود الملزمة للجانبین إذا لم یوف أحد العاقدین بما وجب علیه بالعقد جاز للعاقد اللآخر بعد الإعذار أن یطلب الفسخ مع التعویض إن کان له مقتضى. على أنه یجوز للمحکمة أن تنظر المدین إلى أجل، کما یجوز لها أن ترفض طلب الفسخ إذا کان ما لم یوف به المدین قلیلاً بالنسبة للالتزام فی جملته)).
ویقصد بحجز الأموال، وضعها تحت ید القضاء أو أجهزة التنفیذ لمنع صاحبها من التصرف فیها تصرفاً یضر بحقوق الدائنین الحاجزین، مادیاً کان هذا التصرف أم قانونیاً، وسواء أکان الحجز احتیاطیاً أم تنفیذیاً. فإذا أصبح المقاول عاجزاً مالیاً عن إتمام عمله، فإن هذه الحالة تدخل ضمن مفهوم عجز المقاول الوارد فی المادة (889) من القانون المدنی العراقی والنصوص المقابلة لها فی القوانین محل الدراسة. وفی هذا الصدد، تنص المادة (271) من القانون المدنی العراقی على أنه ((1- یکون الحجز بحکم تصدره محکمة البداءة بناءً على طلب أحد الدائنین. 2-ویجوز لأی دائن بمقتضى هذا الحکم أن یحصل من دائرة التنفیذ على قرار بحجز جمیع أموال المدین المحجور من عقارات ومنقولات ودیون فی ذمة الغیر عدا الأموال التی لا یجوز حجزها، ویبقى الحجز على أموال المدین قائماً لمصلحة جمیع الدائنین حتى ینتهی الحجر ......)). وکذلک تنص المادة (55) من قانون التنفیذ العراقی رقم (45) لسنة 1980 المعدل على أنه ((یکون حجز مال المدین ورفعه وبیعه بطلب من الدائن وقرار من المنفذ العدل)). ویستشف من ذلک، أن عجز المقاول عن إتمام تنفیذ المقاولة یمکن أن یکون بسبب توقیع الحجز على أمواله، بما یؤدی إلى عدم تمکنه من تنفیذ العمل.
وفضلاً عن ذلک، قد یحدث العجز المالی نتیجة إفلاس المقاول أو إعساره. إذ أن عدم الکفایة المالیة للمقاول نتیجة إفلاسه قد یؤدی إلى عجزه عن تنفید عقد المقاولة. ولکن یشترط فی هذا المقام لکی یعد ذلک حادثاً طارئاً أن لا یکون الإفلاس بسبب المقاول نفسه. ومثال ذلک أن یکون إفلاس المقاول نتیجة الحروب أو فرض الحصار الاقتصادی على الدولة.
وقد یکون عجز المقاول عن تنفیذ عقد المقاولة بسبب رب العمل، إذا لم ینفذ الأخیر التزاماته العقدیة. کما لو اتفق المقاول ورب العمل على أن یقوم رب العمل بتوفیر المواد لأداء العمل، وأخل رب العمل بهذا الالتزام، وأدى ذلک إلى عجز المقاول عن تنفیذ عقد المقاولة. إذ یکون رب العمل مسؤولاً فی هذه الحالة مسؤولیة عقدیة تجاه المقاول. وکذلک إذا تأخر رب العمل فی الحصول على الإجازات، لکی یستطیع المقاول البدء بالعمل، بما یؤدی إلى تأخر المقاول فی تنفیذ التزاماته، وترتب علیه عدم تنفیذ العقد خلال المدة المتفق علیها. وهذه الحالة لا تطبق بشأنها أحکام العجز باعتبارها حادثاً طارئاً، وإنما تندرج ضمن إخلال رب العمل بالتزاماته العقدیة، وتطبق بشأنها أحکام المسؤولیة العقدیة، والتی تعطی الحق للمقاول فی طلب فسخ العقد مع المطالبة بالتعویض، إن کان له مقتضى.
هناک من یرى أن عجز المقاول یتحقق إذا کان اعتماد المقاول بشکل رئیسی على سلفة الأعمال المنجزة، وکان تأخر رب العمل فی دفع هذه المستحقات لأی سبب مؤدیاً إلى اضطرار المقاول للاستدانة أو السحب من المصارف بفوائد من أجل الصرف على العمل. واستمر توقف رب العمل أو تأخره فی دفع مستحقات المقاول لفترة طویلة، وتوقفت المصارف عن تقدیم تسهیلات إضافیة أخرى للمقاول، وأدى ذلک فی النهایة إلى عجز المقاول عن الاستمرار فی تنفیذ العمل.
ویبدو لنا أن الاتجاه المذکور أعلاه قد جانب الصواب، إذ أن إخلال رب العمل بالتزاماته العقدیة بموجب عقد المقاولة لا یشکل حادثاً طارئاً، بل أنه إخلال موجب للمسؤولیة العقدیة، یجیز للطرف الآخر بعد الإعذار أن یطلب الفسخ مع التعویض إن کان له مقتضى.
وفیما یتعلق بعجز المقاول عن تنفیذ العمل بسببه، فإنه لا یدخل أیضاً ضمن حالة عجز المقاول باعتبارها حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة، وذلک لوجود عبارة (لسبب لا دخل فیه لإرادته) فی نص الفقرة (3) من المادة (889) والنصوص المقابلة له فی القوانین محل الدراسة. ویمکن القول بأنه حتى لو لم تکن تلک العبارة موجودة فإنه لم یکن بالإمکان تطبیق حکم عجز المقاول باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة على هذه الحالة، لکونها تندرج ضمن إخلال المقاول بالتزاماته العقدیة. وبالتالی فلا یمکن اعتبار عجز المقاول عن تنفیذ العمل بسببه حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة.
ویثور التساؤل فی هذا الشأن عن ما إذا کان یشترط فی عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة أن یکون عجزاً کلیاً من عدمه.
اختلفت الآراء فی هذه المسألة، فهناک من یرى بأنه یشترط فی عجز المقاول باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة أن یکون العجز کلیاً. وفی المقابل، هناک من یرى عدم اشتراط کون العجز کلیاً، وإنما یعتبر کل عجز حادثاً طارئاً، سواء أکان عجزاً کلیاً أم جزئیاً. إذ یکفی أن یمنع المقاول من أداء عمله بصورة صحیحة. ویبدو لنا بأن نص الفقرة (3) من المادة (889) من القانون المدنی العراقی قد جاء بصورة مطلقة دون تقیید العجز بوجوب کونه کلیاً. وبالتالی یکون عجز المقاول حادثاً طارئاً، کلیاً کان أم جزئیاً، طالما کان مؤدیاً إلى عدم إمکان قیام المقاول بإتمام تنفیذ المقاولة.
وبناءً على ما سبق، فإن مفهوم عجز المقاول باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة یشمل کل ما یؤدی إلى عجز المقاول عن تنفیذ العقد، سواء أکان العجز جسدیاً أم مالیاً، من دون أن یکون سبب العجز راجعاً إلى المقاول أو إلى رب العمل.
المطلب الثانی
شروط اعتبار عجز المقاول حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة
أحال کل من المشرع العراقی والمصری والکویتی فی شأن تنظیم أحکام عجز المقاول إلى أحکام موت المقاول، وینطبق هذا الأمر على بعض شروط حالة عجز المقاول، وعلى أثره، وذلک بعکس کل من المشرع الأردنی والعمانی اللذین نظما حالة عجز المقاول بنص خاص، وبأحکام مختلفة من حیث الشروط والأثر. وسیأتی بیان ذلک لاحقاً.
وبناءً على ذلک، یشترط فی اعتبار عجز المقاول حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة، تحقق ما یأتی:
أولاً: أن لا تکون المؤهلات الشخصیة للمقاول محل اعتبار فی التعاقد
یشترط فی اعتبار عجز المقاول حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة أن لا تکون مؤهلاته الشخصیة محل اعتبار فی التعاقد. إذ لو کانت المؤهلات الشخصیة للمقاول محل اعتبار فی التعاقد لانفسخ العقد من تلقاء ذاته وبحکم القانون، دون الحاجة إلى تقدیم طلب لإنهائه من قبل أی من طرفی عقد المقاولة. کما هو الحال فی انفساخ العقد بسبب استحالة تنفیذ العمل. ویستفاد ذلک من الفقرة (3) من المادة (889) من القانون المدنی العراقی، والتی تقابلها الفقرة (3) من المادة (667) من القانون المدنی المصری، والفقرة (3) من المادة (687) من القانون المدنی الکویتی.
والمقصود من استخدام عبارة (وتسری هذه الأحکام أیضاً) فی النصوص المذکورة أعلاه هو سریان أحکام حالة موت المقاول الواردة فی المادتین (888) و (889) من القانون المدنی العراقی فی شأن کیفیة انقضاء عقد المقاولة بموت المقاول، وفی شأن الأثر المترتب على انقضاء عقد المقاولة بموت المقاول.
وهناک من یرى بأن القصد من هذه العبارة ینحصر فی سریان أحکام المادة (889) فی شأن أثر موت المقاول على حالة عجز المقاول. ولکن یبدو لنا أن عبارة (وتسری هذه الأحکام أیضاً) الواردة فی الفقرة (3) من المادة (889) من القانون المدنی العراقی، وإن بدت فی ظاهرها أنها تقتضی سریان أحکام المادة (889) من القانون المدنی العراقی، وما یقابلها فی القانونین المدنیین المصری والکویتی، إلا أن ما ورد فی الفقرة (1) من المادة (889) من القانون المدنی العراقی، وما یقابلها فی القانونین المدنیین المصری والکویتی، من ربط ترتیب أثر إنهاء عقد المقاولة بموت المقاول بما ورد من شروط فی المادة (888) من القانون المدنی العراقی، وما یقابلها فی القانونین المدنیین المصری والکویتی، یقتضی بالضرورة تطبیق شروط إنهاء عقد المقاولة بسبب موت المقاول على حالة عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل، باعتبار ذلک مما یقتضیه تطبیق أثر إنهاء عقد المقاولة بسبب عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل.
ومع ذلک، فإن الصیاغة الواردة فی کل من القانون المدنی العراقی والمصری والکویتی لیست موفقة، وتثیر الإشکالات. وکان یستحسن أن یتم تنظیم حالة عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل فی مادة خاصة، کما هو الحال فی کل من القانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی، وذلک على الرغم من الملاحظات التی یمکن إیرادها على القانونین الأخیرین، والتی نبینها عند البحث فی موقفهما. لذلک نقترح على المشرع العراقی تنظیم أحکام عجز المقاول فی مادة خاصة. وسنقترح هذا النص فی موضع لاحق.
وإذا لم تکن المؤهلات الشخصیة للمقاول محل اعتبار فی التعاقد، فإن العقد لا ینتهی بعجز المقاول، وإنما ینبغی على المقاول الاستمرار فی تنفیذ العقد رغم ذلک، سواء قام بتنفیذه بنفسه أو عن طریق استخدام العاملین لدیه. وکذلک یمکن للمقاول، فی هذه الحالة، إبرام عقد المقاولة من الباطن، أو أن یتنازل عن المقاولة. وتتحقق هاتان الحالتان الأخیرتان إن لم یکن هناک شرط فی العقد یمنع من إبرام عقد المقاولة من الباطن أو التنازل عن المقاولة، أو لم تفترض طبیعة العمل الرکون إلى الکفایة الشخصیة للمقاول.
وفی المقابل، فإن کلاً من القانون المدنی الأردنی فی المادة (802) وقانون المعاملات المدنیة العمانی فی المادة (648) لم یشترطا عدم کون شخصیة المقاول محل اعتبار فی التعاقد، لکی یمکن إنهاء عقد المقاولة فی حالة عجز المقاول باعتبارها حادثاً طارئاً. ولکن بالنظر إلى أن عقد المقاولة الذی تکون فیه شخصیة المقاول محل اعتبار فی التعاقد ینفسخ من تلقاء ذاته وبحکم القانون إذا أصبح تنفیذ العمل مستحیلاً بسبب عجز المقاول، فإن هذه الحالة لا تدخل ضمن مفهوم الحادث الطارىء فی عقد المقاولة. لذلک فإن هذین القانونین وإن لم ینصا صراحةً بصدد حالة عجز المقاول أن لا تکون شخصیة المقاول محل اعتبار فی التعاقد، إلا أن حالة عجز المقاول باعتبارها حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة لا تظهر إلا عندما لا تکون شخصیة المقاول محل اعتبار فی التعاقد. وبالتالی یفترض ضمناً فی هذه الحالة وجوب عدم کون شخصیة المقاول محل اعتبار فی التعاقد.
ثانیاً: وقوع العجز بعد بدء المقاول فی تنفیذ العمل
تؤکد على هذا الشرط الفقرة (3) من المادة (889) من القانون المدنی العراقی، وما یقابلها فی القوانین محل الدراسة. وینبنی على ذلک أن المقاول إذا أصبح عاجزاً عن تنفیذ العمل بسبب لا دخل لإرادته فیه بعد إبرام عقد المقاولة وقبل البدء فی تنفیذ العمل، فإنه ینبغی التفریق بین ما إذا کانت شخصیة المقاول محل اعتبار فی العقد أم لا. فإن کانت شخصیته محل اعتبار فی التعاقد فإن العقد ینقضی باستحالة تنفیذه، وذلک بموجب المادة (886) من القانون المدنی العراقی، وما یقابلها فی القوانین محل الدراسة. أما إذا لم تکن شخصیة المقاول محل اعتبار فی التعاقد، فلا یمکن التمسک بالعجز لإنهاء عقد المقاولة، وإنما ینبغی الرجوع إلى المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة، إن تحققت شروطه. أما إن لم تتحقق شروط المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة، فلا یکون هناک مجال لإنهاء هذا العقد بسبب عجز المقاول. ولا یکون أمام رب العمل سوى طلب فسخ عقد المقاولة نتیجة إخلال المقاول بتنفیذ التزاماته العقدیة.
وهذا التقیید لحالة عجز المقاول عن تنفیذ العمل باشتراط وقوع العجز بعد بدء المقاول فی تنفیذ العمل یعد منتقداً. إذ کان من باب أولى أن یشمل إنهاء عقد المقاولة بعجز المقاول، الحالة التی یعجز فیها المقاول عن تنفیذ العمل بعد إبرام العقد مباشرة وقبل البدء بتنفیذ العمل. وذلک بالنظر إلى أنه فی هذه الحالة تسهل إعادة الحال إلى ما کان علیه قبل إبرام العقد. إذ قد لا یرجع أیهما بشیء على الآخر، إلا إذا کان رب العمل قد استعجل شیئاً من الأجر، فیمکن له استرداده.
ثالثاً: أن لا تتوافر فی المقاول الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل
بالنظر أن کلاً من القانون المدنی العراقی والقانون المدنی المصری والقانون المدنی الکویتی قد أحال فی شأن عجز المقاول إلى أحکام موت المقاول، فإنه یشترط فی هذه القوانین لإنهاء عقد المقاولة بسبب عجز المقاول إذا لم تکن شخصیته محل اعتبار فی التعاقد أن لا تتوافر فی المقاول الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ عقد المقاولة. ویبدو لنا أن المقصود بالضمانات هو کل ما یقدمه المقاول من أجل حسن تنفیذ العمل، کما لو عهد تنفیذ العمل إلى المقاول من الباطن. وینبغی فی هذه الحالة عدم وجود شرط مانع من ذلک فی عقد المقاولة. إذ أن المهم عند رب العمل هو حسن تنفیذ العمل المعهود إلى المقاول، فلا یفرق إن قام المقاول بنفسه بتنفیذ العمل أو عهد به إلى المقاول من الباطن، بالنظر إلى أن شخصیة المقاول لیست محل اعتبار فی العقد. أضف إلى ذلک، أنه لیس هناک ما یمنع من أن یقوم المقاول بالتنازل عن المقاولة أیضاً ما لم یکن هناک شرط فی العقد یمنع من ذلک. وینبغی فی هذا الفرض أن تتحقق فی المقاولة من الباطن أو التنازل عن المقاولة ضمانات کافیة لحسن تنفیذ العمل. وبغض النظر عن ماهیة الضمانات المقدمة من قبل المقاول فإن المحکمة هی التی تقرر ما إذا کانت کافیة أم لا، وذلک فی معرض الرد على طلب رب العمل والحکم بإنهاء عقد المقاولة أو بقائه، فی ضوء کفایة الضمانات المقدمة لحسن تنفیذ العمل أو عدم کفایتها.
فضلاً عن ذلک، فإن الضمانات یمکن أن تشمل أیضاً التأمینات العینیة أو الشخصیة التی یقدمها المقاول لحسن تنفیذ العمل. إذ یمکن للمقاول تقدیم رهن ضماناً لحسن تنفیذ التزامه، سواء کان رهناً تأمینیاً أو رهناً حیازیاً. وکذلک یمکنه تقدیم کفالة شخصیة أو عینیة لحسن تنفیذ العمل. ومرد ذلک أن لفظ الضمانات الذی جاءت به المادة (888) من القانون المدنی العراقی والنصوص المقابلة لها فی القوانین الخاضعة للمقارنة فی هذه الدراسة إنما ورد مطلقاً عن أی تقیید بنوع معین من الضمانات.
ویبدو لنا مما سبق ذکره، أن حق رب العمل فی إنهاء عقد المقاولة فی حالة عدم توافر الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل فی المقاول یتمثل عموماً فی الحالة التی لا یمکن فیها للمقاول إبرام عقد المقاولة من الباطن أو التنازل عن المقاولة لوجود شرط فی عقد المقاولة یمنع من ذلک، أو حالة عدم تقدیمه ضمانات کافیة لحسن تنفیذ العمل رغم عدم وجود شرط مانع من المقاولة من الباطن أو التنازل عن المقاولة.
والجدیر بالذکر أن الشرط المانع، سواء کان صریحاً أو ضمنیاً، لا یمنع المقاول من أن یستعین بأشخاص آخرین من فنیین أو غیر فنیین فی إنجاز العمل، ما دام هؤلاء الأشخاص لیسوا مقاولین من الباطن، بل یکونوا مستخدمین عند المقاول بعقد العمل ولیس بعقد المقاولة، ویعملون تحت مراقبته وإشرافه.
ویجدر بالذکر، أن القضاء فی العراق قد خلط فی الکثیر من أحکامه بین المقاولة من الباطن والتنازل عن المقاولة، ویشیر إلیهما کما لو لم یکن هناک أی فرق بینهما، على الرغم من وجود فروق کثیرة بینهما. فتذهب محکمة التمییز العراقیة فی قرار لها إلى أنه (حیث أن الفقرة -1- من المادة -882- من القانون المدنی أجازت للمقاول الأصلی أن یکل تنفیذ العمل فی جملته أو فی جزء منه إلى مقاول آخر، إذا لم یمنعه من ذلک شرط فی العقد، لذلک رأت محکمة التمییز العراقیة أنه کان على محکمة الاستئناف التحقق مما إذا کانت المقاولة تتضمن شرط عدم التنازل أم لا، فإن کان مثل هذا الشرط موجوداً، فلیس للمقاول الأصلی أن یتنازل عن المقاولة إلى مقاول آخر إلا بموافقة رب العمل، وإذا خلت المقاولة من هذا الشرط، فیجوز التنازل دون أخذ موافقة رب العمل). وجاء فی قرار آخر لنفس المحکمة أنه (یجوز للمقاول أن یکل تنفیذ العمل بجملته أو بجزء منه إلى مقاول آخر، ویکون للمقاول الثانی حق مطالبة رب العمل مباشرة بما له فی ذمة المقاول الأول بشرط أن لا یتجاوز القدر الذی یکون رب العمل مدیناً به للمقاول الأصلی، ما لم یوجد شرط فی عقد المقاولة یمنع المقاول من التنازل لغیره).
وفی المقابل، توجد قرارات أخرى لنفس المحکمة تذکر المقاولة من الباطن دون الإشارة إلى التنازل عن المقاولة، فجاء فی قرار لها أنه (للمقاول الأصلی أن یکل العمل کله أو جزء منه إلى مقاول آخر إذا لم یمنعه نص فی العقد أو لم تکن طبیعة العمل مما یفترض معه الرکون إلى کفایته الشخصیة .....).
ولعل السبب من وراء موقف القضاء العراقی فی التباس الأمر علیه بین المقاولة من الباطن والتنازل عن المقاولة هو عدم وجود نص صریح ینظم التنازل عن المقاولة فی القانون المدنی العراقی، مما أدى بالقضاء وبعض الفقه، کما سبق بیانه، إلى تطبیق أحکام المقاولة من الباطن على التنازل عن المقاولة. ولکن لا یمکن التحجج بهذا السبب، إذ یمکن للقضاء الرجوع إلى الأحکام العامة فی الحوالة والتی تطبق على التنازل عن المقاولة.
بناءً على ما سبق، یبدو لنا أنه کان من الأولى أن یسلک کل من المشرع العراقی والمصری والأردنی والعمانی مسلک المشرع الکویتی فی تنظیم موضوع التنازل عن عقد المقاولة بنص خاص، درءً للإشکالات والتفسیرات المتباینة بصدده.
وفی هذا السیاق نقترح أن یأتی النص على النحو الآتی:
((1- یجوز لکل من المقاول ورب العمل التنازل عن المقاولة، ما لم یوجد شرط فی العقد یقضی بخلافه أو لم تکن شخصیة المقاول محل اعتبار فی التعاقد. وإذا تم التنازل حل المتنازل له محل المتنازل فی حقوقه والتزاماته. 2- ولا یکون التنازل نافذاً فی حق الغیر إلا إذا أعلن للمتعاقد الآخر)).
وفی المقابل، لا یشترط کل من القانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی لإمکان إنهاء عقد المقاولة بسبب عجز المقاول، إذا لم تکن شخصیته محل اعتبار فی التعاقد، أن لا تتوافر فی المقاول الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل. إذ أنه یمکن إنهاء عقد المقاولة سواء توافرت فی المقاول الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل أم لم تتوافر.
ویبدو لنا، أن موقف کل من القانون المدنی العراقی والقانون المدنی المصری والقانون المدنی الکویتی أدق من هذه الجهة من موقف کل من القانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی، إذ لم تجعل هذه القوانین المقاول تحت رحمة رب العمل فی الحالات التی تتوافر فیها الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل، فشخصیته لیست محل اعتبار فی التعاقد، وبالتالی لا یهم رب العمل إن قام المقاول بتنفیذ العمل بنفسه أو من خلال الاستعانة بأشخاص آخرین طالما کان ذلک متاحاً له، أو کانت التأمینات العینیة أو الکفالة کافیة لضمان حسن تنفیذ العمل. وهذا بخلاف موقف القانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی، واللذین وضعا المقاول تحت رحمة رب العمل، حتى وإن توافرت فیه الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل، فیجیزان لرب العمل إنهاء عقد المقاولة.
رابعاً: التمسک باعتبار عجز المقاول حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة
یلاحظ بأن الصیاغة الواردة للنصوص ذات الصلة فی کل من القانون المدنی العراقی والقانون المدنی المصری والقانون المدنی الکویتی تعطی الحق لرب العمل فی إنهاء عقد المقاولة بسبب عجز المقاول فی حالة عدم توافر الضمانات الکافیة فیه لحسن تنفیذ العمل. ومفاد ذلک أن المقاول حتى وإن لم تتوافر فیه الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل فإن العقد لا ینقضی من تلقاء ذاته، إن لم یطلب رب العمل إنهاءه، وإنما یتوقف ذلک على تقدیم طلب من قبل رب العمل لإنهاء العقد.
ویثور التساؤل فی هذا الشأن عن ما إذا کان للمقاول تقدیم الطلب لإنهاء عقد المقاولة فی حالة عدم توافر الضمانات الکافیة فیه لحسن تنفیذ العمل، وذلک إذا لم یطلب رب العمل إنهاء العقد.
من الملاحظ أن کلاً من القانون المدنی العراقی والقانون المدنی المصری والقانون المدنی الکویتی، یخلو من نصوص تجیز للمقاول تقدیم الطلب لإنهاء عقد المقاولة فی حالة عدم توافر الضمانات الکافیة فیه لحسن تنفیذ العمل. لذلک لا یمکن القول بأن للمقاول طلب إنهاء العقد. وکذلک فإنه قد لا یمکنه طلب إنهاء العقد بالاستناد إلى المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة المنظم فی المادة (878) من القانون المدنی العراقی والنصوص المقابلة لها فی القوانین الأخرى، بالنظر إلى کونه یشترط حدوث انهیار تام للتوازن الاقتصادی بین التزامات طرفی العقد بسبب حوادث لم تکن فی الحسبان وقت التعاقد، وانعدام الأساس الذی قام علیه التقدیر المالی للعقد، أو أن یحول الأمر دون تنفیذ العقد أو إتمام تنفیذه، وهذا ما قد لا یتوافر فی حالة عجز المقاول. ثم أنه حتى لو توافرت فی هذه الحالة شروط المبدأ العام للحادث الطارىء، فإن المعول علیه فی إنهاء العقد هو تطبیق النصوص الخاصة بالمبدأ العام فی الحادث الطارىء فی عقد المقاولة، ولیس التطبیق الخاص بحالة عجز المقاول. ولکن یمکن للمقاول الاستناد إلى نظریة الظروف الطارئة الواردة فی الفقرة (2) من المادة (146) والنصوص المقابلة لها فی القوانین الأخرى محل الدراسة، وذلک إن توافرت شروطها. ومع ذلک یقتصر حقه فی هذه الحالة على طلب إعادة التوازن المالی للعقد بالأسلوب الوارد فی النصوص المنظمة لذلک، ودون أن یکون له طلب إنهاء العقد.
ومن الملاحظ بأن القانون المدنی الکویتی لم یقصر فی المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة حق التمسک به بطرف معین. على عکس التطبیقات التشریعیة التی جاء بها، والتی تقصر حق التمسک بها برب العمل فقط، دون المقاول. فضلاً عن ذلک، لم یجز هذا القانون فی المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة إنهاء العقد، إلا أنه فی التطبیقات التشریعیة التی جاء بها أجاز إنهاء العقد.
وفی المقابل، فإنه فی کل من القانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی لیست هناک نصوص صریحة على انتهاء عقد المقاولة فی حالة عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل إذا لم تکن شخصیة المقاول محل اعتبار فی التعاقد. إلا أنهما قد نصا على مستحقات المقاول بما یدل أن عقد المقاولة ینتهی، ولکن من دون بیان کیفیة انتهاء العقد. وعلى الرغم من أنه لا یبدو من النص وجوب تقدیم طلب لإنهاء عقد المقاولة، إلا أنه یفترض وجوب تقدیم طلب، وذلک بالنظر إلى أن شخصیة المقاول لیست محل اعتبار فی التعاقد، وبالتالی لا یتصور انتهاء العقد من تلقاء ذاته وبحکم القانون، طالما أن تنفیذ مضمون العقد لم یصبح مستحیلاً فی ذاته. إذ لا تدخل هذه الحالة ضمن انفساخ العقد، ولذلک یفترض أن إنهاء العقد یکون بناءً على الطلب. وفضلاً عن ذلک، لم یقید هذان القانونان تقدیم الطلب لإنهاء عقد المقاولة بطرف معین. لذلک فإنه یمکن للمقاول أو رب العمل التمسک بإنهاء العقد. وبهذا یتفق موقف هذین القانونین فی حالة عجز المقاول مع موقفهما فی تنظیم المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة.
وأخیراً، تنبغی الإشارة إلى أن النصوص المنظمة لحالة إنهاء عقد المقاولة بسبب عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل، فی القوانین الخاضعة للمقارنة فی هذه الدراسة، لم تفرض على رب العمل أو المقاول إذا طلب إنهاء العقد إعذار الطرف الأخر. ومرد ذلک عدم وجود فائدة مرجوة من الإعذار، إذ لا تتوافر الضمانات الکافیة فی المقاول لحسن تنفیذ العمل، أو قد تتوفر فی المقاول الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل، کما هو الحال فی القانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی، إلا أن رب العمل، على الرغم من ذلک، یطلب إنهاء العقد، لذلک لیست هناک فائدة من الإعذار بوجوب تنفیذ المقاولة.
وکذلک لم تلزم هذه النصوص من یتمسک بإنهاء العقد بوجوب أن یقدم طلبه خلال أجل معین، إن أراد إنهاء عقد المقاولة بسبب تحقق عجز المقاول. لذلک یمکنه تقدیم طلب إنهاء العقد مباشرة بعد عجز المقاول أو بعد مرور فترة من الزمن على ذلک. وإن مجرد تأخره فی تقدیم الطلب لا یمکن أن یحمل على أنه تنازل عن حقه فی طلب الإنهاء إن لم یقترن ذلک بما یدعم هذا التوجه، إلا إذا کان قد تم الاستمرار فی تنفیذ المقاولة مع علم رب العمل بذلک أو إقراره إیاه. إذ لا یمکن حمل موقف رب العمل فی هذا الفرض إلا على نزوله عن اللجوء إلى طلب إنهاء العقد.
ونخلص مما سبق، أن حالة إنهاء عقد المقاولة بسبب عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل وإن عدت من التطبیقات التشریعیة للحادث الطارىء فی عقد المقاولة، إلا أنه یوجد اختلاف بینهما فیما یتعلق بالطرف الذی له حق التمسک بالحادث الطارىء. ففی المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة، یقتصر التمسک بالحادث الطارىء فی کل من القانون المدنی العراقی والقانون المدنی المصری على المقاول فقط، فی حین أنه فی حالة عجز المقاول یجیز هذان القانونان لرب العمل إنهاء العقد، دون المقاول. وفضلاً عن ذلک، یلاحظ أن القوانین محل الدراسة وإن اشترطت فی المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة وجوب أن یؤدی الحادث الطارىء إلى الانهیار التام للتوازن الاقتصادی بین التزامات رب العمل والمقاول بحیث ینعدم الأساس الذی قام علیه التقدیر المالی للعقد أو الحیلولة دون تنفیذ العقد أو إتمام تنفیذه، إلا أنه فی حالة إنهاء عقد المقاولة بعجز المقاول، والتی تعتبر من التطبیقات التشریعیة للحادث الطارىء فی عقد المقاولة، لم تشترط هذه القوانین تحقق ذلک.
خامساً: أن یکون العجز لسبب لا دخل لإرادة المقاول فیه
یشترط فی عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل لکی یعتبر حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة، أن لا یکون العجز ناشئاً بسبب تعمد المقاول إصابة نفسه أو بسبب مسلک خاطىء بصورة جسیمة. إذ لا یسوغ أن یکون العجز قد حل بالمقاول وهو تحت التأثیر الشدید للخمر أو المخدرات أو أثناء اعتدائه على الغیر. فلو کان عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل قد تحقق بسبب المقاول نفسه، فإن ذلک یندرج فی سیاق إخلال المقاول بالتزاماته العقدیة، ولکان من الجائز للطرف المقابل طلب فسخ العقد مع التعویض إن کان له مقتضى. وذلک بالاستناد إلى القواعد العامة فی فسخ العقود الملزمة للجانبین.
المطلب الثالث
الأثر المترتب على اعتبار عجز المقاول حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة
هناک من یرى أن عجز المقاول یکون سبباً لانفساخ عقد المقاولة من تلقاء ذاته، إذا لم تکن للمقاول ید فی إحداثه. وفی المقابل، هناک من یرى أن عقد المقاولة الذی تکون فیه شخصیة المقاول محل اعتبار فی التعاقد ینقضی بحکم القانون، دون بیان کیفیة انقضاء عقد المقاولة الذی لا تکون شخصیة المقاول فیه محل اعتبار. ولکن یبدو لنا وجوب التمییز بین الحالة التی تکون فیها شخصیة المقاول محل اعتبار فی التعاقد والحالة التی لا تکون فیها شخصیة المقاول محل اعتبار فی التعاقد.
فتترتب على عجز المقاول، إن کانت مؤهلاته الشخصیة محل اعتبار فی التعاقد، استحالة تنفیذ الالتزام، وبالتالی ینفسخ عقد المقاولة من تلقاء ذاته وبحکم القانون، دون حاجة إلى تقدیم طلب الفسخ من قبل رب العمل أو المقاول. وینقضی تبعاً لذلک التزام المقاول، وکذلک التزام رب العمل، ولا مجال للتعویض، إذ لا دخل لإرادة أی من طرفی العقد فی الموضوع.
ویترتب على انفساخ عقد المقاولة بحکم القانون، سقوط الالتزامات المترتبة علیه، وبالتالی لا یمکن لرب العمل إجبار المقاول على تنفیذ العمل، وکذلک لا یحق للمقاول تنفیذ المقاولة أو الاستمرار فیها، حتى وإن کان قد قطع شوطاً فی التنفیذ، أو إذا کانت تتوافر فیه الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل. ولکن إذا أراد المقاول بعد انفساخ عقد المقاولة الاستمرار فی تنفیذ العمل، بعد زوال مسببات عجزه، فإنه یلزم إبرام عقد مقاولة جدید بینه وبین رب العمل. وکذلک الحال إذا أراد رب العمل بعد انفساخ عقد المقاولة الاستمرار فی تنفیذ العمل مع المقاول بعد زوال مسببات عجز هذا الأخیر، فإن ذلک لا یتم إلا بإبرام عقد مقاولة جدید بینه وبین المقاول، وذلک بالنظر إلى انقضاء عقد المقاولة الذی کان قد أبرمه مع المقاول.
وفی المقابل، إذا لم تکن المؤهلات الشخصیة للمقاول محل اعتبار فی التعاقد، فإن العقد لا ینتهی من تلقاء نفسه بسبب عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل. وکذلک لا یمکن لرب العمل إنهاؤه، إلا فی حالة تحلل رب العمل من عقد المقاولة بإرادته المنفردة، وذلک بموجب المادة (885) من القانون المدنی العراقی، وکذلک فی حالة تحقق الشروط التی ذکرناها سابقاً بخصوص عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل باعتباره حادثاً طارئاً.
وبالنظر إلى أن إنهاء عقد المقاولة عند تحقق شروط حالة عجز المقاول باعتبارها حادثاً طارئاً لا یعد فسخاً للعقد لإخلال المتعاقد بالتزاماته العقدیة، فإن سلطة القضاء، عند طلب إنهاء العقد، تنحصر فی التثبت من تحقق الشروط الواردة فی القانون، ومن ثم الحکم بإنهاء العقد وإعمال آثار الحادث الطارىء، ولا یکون له عدم الحکم بإنهاء العقد عند تحقق الشروط.
وإذا انقضى عقد المقاولة بعجز المقاول، تترتب نفس الآثار التی تترتب على حالة موت المقاول. وسواء أکانت مؤهلاته الشخصیة محل اعتبار فی التعاقد أم لم تکن. فحین یعجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل، وینقضی العقد، تترتب على ذلک آثار معینة. وینبغی فی هذا الصدد أن نفرق بین ما إذا کان المقاول قد أبرم عقد المقاولة، ولکنه لم یبدأ فی تنفیذ العمل، وما إذا کان المقاول قد بدأ فی تنفیذ العمل.
ففیما یتعلق بحالة عجز المقاول قبل البدء فی تنفیذ العمل، فإن القوانین محل الدراسة لم تنظم هذا الفرض. لذلک لا بد من الرجوع إلى الأحکام العامة فی هذا الشأن، وطالما أن المؤهلات الشخصیة للمقاول لیست محل اعتبار فی التعاقد، فإن العقد لا ینقضی بعجز المقاول، إذ لا ینفسخ العقد من تلقاء ذاته وبحکم القانون، فإن عجز المقاول عن البدء فی تنفیذ المقاولة، فی هذا الفرض، لا یشکل فی ذاته الاستحالة فی تنفیذ مضمون العقد، وحیث أنه لم یرد نص خاص بصدد هذه الحالة یتیح لرب العمل أن یطلب إنهاء العقد، فإن المقاول إن لم ینفذ مضمون العقد، کان لرب العمل أن یطلب فسخ العقد مع التعویض إن کان له مقتضى، بالنظر إلى عدم تنفیذ المقاول لالتزاماته بموجب العقد، وذلک بالاستناد إلى الأحکام العامة فی فسخ العقود الملزمة للجانبین. إذ یتحلل کل من المقاول ورب العمل من العقد، دون أن یلتزم أی منهما تجاه الآخر بأی التزام، ویعودان إلى الحالة التی کانا علیها قبل العقد. وإذا کان المقاول قد حصل على جزء من الأجر، فیمکن لرب العمل أن یسترده منه، وذلک بالاستناد إلى الکسب دون سبب.
ولکن إذا عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل بعد أن بدأ فی تنفیذ المقاولة، فإن موقف القوانین الخاضعة للمقارنة فی هذا الشأن متباین. وفی هذا الصدد، جاء فی المادة (889) من القانون المدنی العراقی أنه ((1- إذا انقضى العقد بموت المقاول وجب على رب العمل أن یدفع للترکة قیمة ما تم من الأعمال وما أنفق لتنفیذ ما لم یتم، وذلک بقدر النفع الذی یعود علیه من هذه الأعمال والنفقات. وتعتبر الأعمال والنفقات نافعة فی جملتها، إذا کان موضوع المقاولة تشیید مبان أو إنشاء أعمال کبیرة أخرى. 2- ویجوز لرب العمل فی نظیر ذلک أن یطالب بتسلیم المواد التی تم إعدادها والرسوم التی بدىء فی تنفیذها، على أن یدفع عنها تعویضاً عادلاً. 3- وتسری هذه الأحکام أیضاً إذا بدأ المقاول فی تنفیذ العمل ثم أصبح عاجزاً عن إتمامه لسبب لا دخل فیه لإرادته)).
ویلاحظ مما سبق ذکره، أن موقف کل من القانون المدنی العراقی والقانون المدنی المصری والقانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی متماثل فی ترتیب الأثر على انتهاء عقد المقاولة بعجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل الذی کان قد بدأ فی تنفیذه. ویتمثل هذا الأثر فی إلزام رب العمل بتعویض المقاول بالأقل من قیمة ما تم من الأعمال وما أنفقه المقاول لإنجاز ما لم یتم، وقیمة النفع العائد على رب العمل من هذه الأعمال والنفقات.
وبناءً على ما سبق، إذا کانت الأعمال والنفقات التی قام بها المقاول لا فائدة منها لرب العمل، کما لو لم یکن باستطاعة أحد إتمام هذه الأعمال بعد عجز المقاول، فإن رب العمل لا یلتزم بدفع قیمتها للمقاول. وإذا کان النفع الذی یعود على رب العمل من هذه النفقات والأعمال أقل من قیمتها، فإن رب العمل لا یلتزم بأن یدفع للمقاول إلا بقدر النفع العائد علیه من هذه الأعمال والنفقات. کما لو کان من الضروری إعادة تنفیذ جزء مما أنجزه المقاول قبل عجزه. ولکن إذا أصبح عمل المقاول غیر مفید بسبب رب العمل، کما لو غیر رسوم أو خرائط العمل محل المقاولة، فإن رب العمل یلزم بأداء قیمة تلک الأعمال والنفقات للمقاول بقدر ما کان یعود علیه من نفع من هذه الأعمال والنفقات، وبغض النظر عن صیرورتها غیر مفیدة بسبب رب العمل. وقد اعتبر المشرع العراقی أن الأعمال والنفقات تکون نافعة فی جملتها إذا کان موضوع المقاولة تشیید مبان أو إنشاء أعمال کبیرة أخرى. فی حین أن کلاً من المشرع المصری والمشرع الأردنی والمشرع العمانی لم یقم مثل تلک القرینة.
وفی هذا الشأن، یثور التساؤل حول أساس رجوع المقاول على رب العمل بقیمة الأعمال والنفقات أو بقیمة النفع العائد على رب العمل نتیجة هذه الأعمال والنفقات.
وهنا یمکن القول أن رجوع المقاول على رب العمل بقیمة الأعمال والنفقات أو بقیمة النفع العائد على رب العمل نتیجة هذه الأعمال والنفقات لا یقوم على أساس المسؤولیة العقدیة، إذ أن عقد المقاولة یکون قد انقضى بعجز المقاول عند تحقق شروط هذه الحالة، فلا یصلح العقد، الذی لم یبق له وجود، أن یکون أساساً لرجوع المقاول على رب العمل. وکذلک لا یمکن للمقاول الرجوع بذلک على رب العمل على أساس المسؤولیة التقصیریة، طالما لیس بالإمکان نسبة أی تقصیر لجهة رب العمل. وإنما یکون أساس الرجوع هو الکسب دون سبب. ولعل هذا الاتجاه یأتی منسجماً مع ما ذهب إلیه کل من المشرع العراقی والمشرع المصری فی المبدأ العام للکسب دون سبب، وذلک بإلزام رب العمل بتعویض المقاول بالأقل من قیمة الأعمال المنجزة والنفقات التی صرفها المقاول لإنجاز الأعمال التی لم تتم، وقیمة النفع العائد على رب العمل نتیجة هذه الأعمال والنفقات. أما فیما یتعلق بموقف کل من القانون المدنی الأردنی فی المادة (802) وقانون المعاملات المدنیة العمانی فی المادة (648)، فإنه لا یقدح فی اعتبار أساس التعویض فی هذه الحالة هو الکسب دون سبب، إذ أن هاتین المادتین قد جاءتا بتعویض مختلف عما هو مقرر فی المبدأ العام للکسب بلا سبب فی هذین القانونین، إذ أن کلاً من المادة (802) من القانون المدنی الأردنی والمادة (648) من قانون المعاملات المدنیة العمانی تعد نصاً خاصاً بالنسبة إلى الفقرة (1) من المادة (294) من القانون المدنی الأردنی والفقرة (1) من المادة (202) من قانون المعاملات المدنیة العمانی، على التوالی، اللتین تعدان نصاً عاماً، والنص خاص یقید النص العام ویقدم علیه.
على ضوء ما سبق وأن أبدیناه من ملاحظات فی شأن تنظیم المشرع العراقی لحالة عجز المقاول نقترح تنظیم هذه الحالة فی مادة خاصة. ونقترح أن یکون نصها کالآتی:
((إذا أصبح المقاول عاجزاً عن تنفیذ عقد المقاولة من مبدأ الأمر أو الاستمرار فی تنفیذه لسبب لا ید له فیه، جاز لرب العمل أن یطلب إنهاء العقد إذا لم تکن شخصیة المقاول محل اعتبار ولم تتوافر فیه الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل. ویستحق المقاول قیمة ما تم من الأعمال وما أنفق فی تنفیذ ما لم یتم، وذلک بقدر ما عاد على رب العمل من نفع من هذه الأعمال والنفقات)).
وفی المقابل، یختلف موقف القانون المدنی الکویتی فی شأن مقدار رجوع المقاول على رب العمل بالتعویض عن موقف کل من القانون المدنی العراقی والقانون المدنی المصری والقانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی. إذ تنص المادة (687) من القانون المدنی الکویتی على أنه ((1- إذا انتهت المقاولة بموت المقاول استحق ورثته من المقابل بنسبة الأعمال التی تم تنفیذها، وذلک دون إخلال بحقهم فی قیمة ما تخلف فی موقع العمل عند موت المقاول من مواد، إذا کانت صالحة لاستعمالها فی إتمام العمل. 2- ولرب العمل أن یطالب بتسلیم المواد الأخرى التی تم إعدادها والرسوم التی بدىء فی تنفیذها، على أن یدفع عنها مقابلاً عادلاً. 3- وتسری هذه الأحکام أیضاً إذا بدأ المقاول فی تنفیذ العمل ثم أصبح عاجزاً عن إتمامه لسبب لا دخل لإرادته فیه)). ویستشف من موقف القانون المدنی الکویتی أن رب العمل یلزم بدفع قیمة الأعمال المنجزة للمقاول، دون النفقات التی صرفها فی الأعمال التی لم تتم، وبغض النظر عما إذا کانت تلک الأعمال نافعة لرب العمل أم لا. وفضلاً عن ذلک، یلزم رب العمل بدفع قیمة المواد التی تخلفت فی موقع العمل عند عجز المقاول، ولکن یشترط فی ذلک أن تکون المواد صالحة لاستخدامها فی إنجاز العمل.
ویقصد بالمواد التی تخلفت فی موقع العمل عند عجز المقاول والتی یلتزم رب العمل بأداء قیمتها للمقاول بشرط أن تکون صالحة لاستخدامها فی اتمام العمل، تلک المواد التی قام المقاول بتجهیزها لإنجاز العمل إلى جانب التزامه بالعمل. أما إذا کانت المواد قد قدمها رب العمل، فلا یمکن للمقاول المطالبة بقیمتها وإن کانت صالحة لاستعمالها فی إتمام العمل، وذلک على اعتبار أنها تعود أساساً لرب العمل.
ومما لا شک فیه، أن أساس التعویض المقرر للمقاول فی المادة (687) من القانون المدنی الکویتی، على غرار القوانین محل الدراسة، هو الکسب دون سبب، ولیس المسؤولیة العقدیة أو المسؤولیة التقصیریة. ولا یقدح فی ذلک أن المادة قد جاءت بتعویض مختلف عما هو مقرر فی المادة (262) من القانون المدنی الکویتی فی سیاق الإثراء دون سبب على حساب الغیر فی مبدئه العام، فلا یثور إشکال فی هذا الشأن، إذ یصدق بشأن ذلک ما ذکرناه أعلاه فی خصوص کل من القانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی.
والجدیر بالذکر، أن المقاول العاجز عن إتمام تنفیذ العمل إذا کان هو من قدم مادة العمل، فإن هذه المادة تظل مملوکة له طوال مدة العمل. والأصل أن المقاول لا یلزم بتسلیم هذه المواد إلى رب العمل قبل الانتهاء من صنعها. ولکن المشرع العراقی قد خرج على هذا الأصل بالنسبة لحالة عجز المقاول، إذ أجاز لرب العمل مطالبة المقاول بالمواد التی تم إعدادها والرسوم والخرائط التی تم البدء فی تنفیذها، على أن یدفع له فی مقابلها تعویضاً عادلاً. والقضاء هو الذی یحدد مقدار هذا التعویض العادل، إن اختلف بشأنه المقاول ورب العمل. وفی هذا الصدد، تنص الفقرة (2) من المادة (889) من القانون المدنی العراقی على أنه ((ویجوز لرب العمل فی نظیر ذلک أن یطالب بتسلیم المواد التی تم إعدادها والرسوم التی بدىء فی تنفیذها على أن یدفع عنها تعویضاً عادلاً)).
أما إذا کان رب العمل هو من قدم مواد العمل، وکان المقاول قد بدأ فعلاً فی العمل بتلک المواد، فإن هذه المواد تظل مملوکة لرب العمل، فإن تم إنهاء المقاولة قبل إتمام تنفیذ العمل، کان لرب العمل استرداد هذه المواد.
وأخیراً، لا بد أن نشیر إلى أننا لم نوفق فی العثور على أی قرار قضائی منشور أو غیر منشور فی شأن اعتبار عجز المقاول حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة وإنهاء العقد على أساس ذلک.
المبحث الثانی
إفلاس رب العمل باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة
إن القوانین محل الدراسة، عدا القانون المدنی العراقی، لم تورد نصوصاً فی جعل إفلاس رب العمل حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة، بحیث یجیز للمقاول أو وکیل التفلیسة طلب إنهاء العقد بسببه، فیلاحظ خلو کل من القانون المدنی المصری والقانون المدنی الأردنی والقانون المدنی الکویتی وقانون المعاملات المدنیة العمانی من نصوص فی هذا الصدد. وبذلک فإنه یتوجب فی ظل هذه القوانین الأخیرة الرجوع بصدد تلک الحالة إلى المبدأ العام فی انقضاء عقد المقاولة بالحادث الطارىء وإعمال أثره، وذلک إذا کانت شروطه تنطبق علیها. أما إن لم تتوافر شروط المبدأ العام، فبالإمکان إنهاء عقد المقاولة عن طریق فسخ العقد نتیجة إخلال رب العمل، وذلک إذا کان قد تسبب بنفسه فی إفلاسه.
وفی المقابل، عد القانون المدنی العراقی بنص خاص حالة إفلاس رب العمل حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة یجیز طلب المقاول أو وکیل التفلیسة إنهاء عقد المقاولة بتحقق شروط معینة. وعلى الرغم من أن هناک من یرى أنه یمکن للمقاول طلب فسخ العقد حتى لو لم تکن المادة (890) من القانون المدنی العراقی موجودة، وذلک بالاستناد إلى القواعد العامة فی الإخلال بالعقود المنظمة فی المادة (177) من نفس القانون، إلا أنه یبدو لنا أنه یشترط فی إعمال المادة (177) من القانون المدنی العراقی أن یکون رب العمل قد تسبب بنفسه فی إفلاسه، ولم یکن بالإمکان الاستمرار فی تنفیذ التزامات رب العمل بموجب عقد المقاولة بسبب هذا الإفلاس. ولا یشمل هذا الأمر إفلاس رب العمل إذا کان بسبب خارج عن إرادته. فضلاً عن أن المشرع العراقی لم یجز، فی حالة إنهاء العقد بسبب إفلاس رب العمل، للمقاول طلب التعویض، وذلک بخلاف ما جاء فی المادة (177) من القانون المدنی والتی أجازت لطالب الفسخ طلب التعویض إن کان له مقتضى.
ویثور التساؤل عن ما إذا کان یمکن اعتبار إفلاس المقاول حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة یمکن من خلاله إنهاء العقد.
وهناک من یرى أن إفلاس المقاول لا یکون سبباً لإنهاء عقد المقاولة، بل یبقى العقد قائماً على الرغم من إفلاسه. إذ یتولى وکیل التفلیسة الاستمرار فی تنفیذ العقد.
ویبدو لنا، أن المادة (890) من القانون المدنی العراقی یتضح منها أن الإفلاس الذی یمکن إنهاء عقد المقاولة بسببه باعتباره حادثاً طارئاً إنما هو إفلاس رب العمل ولیس إفلاس المقاول. وبالتالی فلا یمکن اعتبار إفلاس المقاول حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة. ولکن یمکن إنهاء عقد المقاولة بالاستناد إلى إفلاس المقاول إذا أدى ذلک إلى العجز المالی للمقاول عن إتمام تنفیذ العمل بعد البدء فی تنفیذه. ولکن فی هذه الحالة لا ینقضی عقد المقاولة باعتبار إفلاس المقاول حادثاً طارئاً، وإنما ینقضی على أساس اعتبار عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العقد بعد البدء فی تنفیذه حادثاً طارئاً، وبالشروط التی سبق وأن ذکرناها فی موضع سابق من هذه الدراسة.
وإذا کان إفلاس رب العمل یعد حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة، فإن الحاجة تمس فی هذا المبحث إلى بیان کل من مفهوم إفلاس رب العمل باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة وشروط تحققه والأثر المترتب علیه، وذلک من خلال تقسیم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب، نبحث فی أولها مفهوم إفلاس رب العمل باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة. وفی المطلب الثانی نبین شروط اعتبار إفلاس رب العمل حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة، بینما نتطرق فی المطلب الثالث للأثر المترتب على اعتبار إفلاس رب العمل حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة.
المطلب الأول
مفهوم إفلاس رب العمل باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة
بینّا فیما سبق أن القوانین محل الدراسة، عدا القانون المدنی العراقی، لم تورد نصوصاً خاصة فی اعتبار إفلاس رب العمل حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة. وینبغی فی شأن هذه القوانین الرجوع إلى المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة إذا تحققت الشروط الواردة فی کل منها. فی حین أن القانون المدنی العراقی قد نظم حالة إفلاس رب العمل باعتبارها حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة بنص خاص. لذلک فإننا فی هذا المطلب نبین مفهوم إفلاس رب العمل باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة فی ضوء أحکام القانون المدنی العراقی، دون باقی القوانین محل الدراسة.
وعُرف الإفلاس بأنه طریق للتنفیذ على مال المدین التاجر المتوقف عن دفع دیونه التجاریة. کما عرف بأنه (نظام یطبق على التاجر، ویرمی إلى تنظیم التنفیذ الجماعی على أموال التاجر المدین، الذی یتوقف عن دفع دیونه التجاریة فی مواعید استحقاقها). وقد بینت المادة (566) من قانون التجارة العراقی الملغی الشروط الواجب توافرها للحکم بالإفلاس على التاجر، إذ تنص على أنه ((1- کل تاجر توقف عن دفع دینه التجاری یعتبر فی حالة إفلاس. ویشهر إفلاسه بحکم یصدر بذلک. 2- الحکم الصادر بإشهار الإفلاس ینشىء حالة الإفلاس، وبدون هذا الحکم لا یترتب على الوقوف عن الدفع أی أثر ما لم ینص القانون على غیر ذلک)). وبناءً على ذلک، یشترط أن یکون الشخص تاجراً لکی تطبق علیه أحکام الإفلاس، وأن یتوقف عن دفع دیونه التجاریة.
وفی هذا المقام، یثور بحق التساؤل عن ما إذا کان القصد من استخدام عبارة (إفلاس رب العمل) الواردة فی المادة (890) من القانون المدنی العراقی هو أن یکون رب العمل تاجراً أم أنه یسوغ فی هذا الصدد أن لا یکون کذلک.
فبالنظر إلى أن المادة (890) من القانون المدنی العراقی التی تنص على أنه ((إذا أشهر إفلاس رب العمل، جاز للمقاول أو لوکیل التفلیسة أن یفسخ العقد دون أن یکون لأی منهما حق المطالبة بتعویض عن هذا الفسخ))، فإن ظاهر النص یستشف منه أن رب العمل لکی یعتبر مفلساً لا بد أن یکون تاجراً، وذلک على اعتبار أن الإفلاس نظام خاص بالتجار، وبالتالی فهو یتطلب قبل کل شیء أن تثبت صفة التاجر وأن یتوقف عن دفع دیونه التجاریة. وفی هذا الصدد تنص الفقرة (أولاً) من المادة (7) من قانون التجارة العراقی على أنه ((یعتبر تاجراً کل شخص طبیعی أو معنوی یزاول باسمه ولحسابه على وجه الاحتراف عملاً تجاریاً وفق أحکام هذا القانون)).
وهناک من یرى أن حکم نص المادة (890) من القانون المدنی العراقی یسری کذلک على رب العمل الذی لا یکون تاجراً. ومرد ذلک أن القانون المدنی لا یعنی بالدرجة الأولى بإیراد الأحکام عن التجار بل عن الأشخاص المدنیة. وأن کلمة (المفلس) استعملت فی القانون المدنی للدلالة على المدین العادی. وفی المقابل هناک من یرى أن لفظ الإفلاس الوارد فی هذه المادة یخص التجار وینصرف إلى رب العمل التاجر فقط.
ویبدو لنا فی هذا الشأن أن عبارة (إفلاس رب العمل) الواردة فی المادة (890) من القانون المدنی العراقی تنطبق على کل من رب العمل التاجر وغیر التاجر، وذلک لأن القانون المدنی قد نظم أحکام الحجز على المدین المفلس فی المواد (270-279) من دون أن یقصر مفهوم المدین المفلس على التاجر. یضاف إلى ذلک أن المشرع العراقی أراد من خلال قانون إصلاح النظام القانونی رقم (35) لسنة 1977 استبعاد أحکام الإفلاس التجاری وتوحید الأحکام الخاصة بمتابعة المدین المعسر، سواء کان تاجراً أو غیر تاجر، وصوغها فی قواعد تهدف إلى تصفیة أموال المدین تصفیة جماعیة فی إطار المصلحة العامة، وذلک على الرغم من أن هذا الأمر لم یتحقق على أرض الواقع. فضلاً عن ذلک، فإن رب العمل فی أغلب الأحیان یکون غیر تاجر، وذلک بعکس المقاول الذی قد یقوم بأعمال المقاولة على وجه الاحتراف. وبالتالی قد لا تتوافر الشروط المطلوبة فی رب العمل لکی یکون تاجراً. والقول باقتصار تطبیق نص تلک المادة على رب العمل التاجر قد یؤدی إلى حرمان المقاول من حقه فی التمسک بإفلاس رب العمل المعسر لإنهاء عقد المقاولة. ومع ذلک، إذا أبرم المقاول التاجر عقد المقاولة من الباطن فإنه یکون رب عمل تاجر فی عقد المقاولة الثانی.
المطلب الثانی
شروط اعتبار إفلاس رب العمل حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة
یشترط لاعتبار إفلاس رب العمل حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة فی القانون المدنی العراقی توافر شروط معینة، نذکرها فیما یأتی:
أولاً: أن لا تکون شخصیة رب العمل محل اعتبار فی التعاقد
یشترط لاعتبار إفلاس رب العمل حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة أن لا تکون شخصیة رب العمل محل اعتبار فی التعاقد. وعلى الرغم من أنه فی الأصل لا تکون شخصیة رب العمل محل اعتبار فی التعاقد فی العادة، إلا أنه لیس هناک ما یمنع من أن یتفق طرفا عقد المقاولة على جعلها محل اعتبار فی التعاقد. فیکون من المطلوب فی هذه الحالة تنفیذ التزاماته الناشئة عن العقد بنفسه، فإذا لم یستطع تنفیذها بنفسه بسبب إفلاسه فإنه یترتب على ذلک انفساخ العقد من تلقاء ذاته وبحکم القانون بسبب استحالة التنفیذ. وتنقضی بذلک التزامات طرفی العقد دون أن یکون لأحدهما الحق فی الرجوع بالتعویض على الآخر، ما لم یکن رب العمل قد تسبب فی إفلاسه بنفسه. ولا تندرج هذه الحالة فی سیاق الحادث الطارىء فی عقد المقاولة.
ثانیاً: صدور الحکم بإفلاس رب العمل
یشترط لاعتبار إفلاس رب العمل حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة صدور الحکم بالإفلاس من المحاکم ذات الاختصاص بذلک. فمجرد توقف رب العمل عن دفع دیونه لا یترتب علیه الإفلاس، وإنما لا بد من صدور الحکم بإشهار إفلاس رب العمل. إذ یکون الحکم منشئاً لحالة الإفلاس. ویؤدی إلى غل ید المدین (رب العمل) المفلس فی إدارة أمواله والتصرف فیها. ویعتبر الحکم الصادر بالإفلاس حجة مطلقة ولیست نسبیة من حیث الأشخاص والأموال، فهو حجة مطلقة على کل الأشخاص ولیس فقط الدائنین. ومن حیث الأموال، یشمل الإفلاس جمیع أموال المفلس، ولا ینحصر أثره على موضوع النزاع.
ویثور التساؤل حول مصیر عقد المقاولة الذی یبرمه رب العمل مع المقاول خلال فترة الریبة، وما إذا کان یخضع لعدم النفاذ الوجوبی أو الجوازی أم لا.
ینبغی فی هذا الشأن التمییز بین رب العمل التاجر وغیر التاجر. إذ تخضع تصرفات رب العمل التاجر السابقة على صدور الحکم بإشهار الإفلاس فی الفترة المسماة بفترة الریبة لعدم النفاذ الوجوبی أو الجوازی. فی حین أنه فی الفترة السابقة على صدور الحکم بالإعسار لا وجود لذلک الأثر على تلک التصرفات. فضلاً عن أن نص المادة (890) من القانون المدنی العراقی صریح فی أن حق المطالبة بإنهاء عقد المقاولة بسبب إفلاس رب العمل یکون دائماً بعد صدور حکم إشهار الإفلاس. وبالتالی لا یبطل عقد المقاولة الذی أبرمه رب العمل فی فترة الریبة باعتبار أنها فترة تسبق صدور الحکم بالإفلاس، إلا إذا توافرت شروط المادة (614) من قانون التجارة رقم (149) لسنة 1970 المعدلة بقرار سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم (78) لسنة 2004 بشأن تطویر الإجراءات القضائیة المتعلقة بمنازعات الدین، إذا کان رب العمل قد أبرم عقد المقاولة خلال (90) یوماً قبل تأریخ التوقف عن الدفع، وأن یکون المقاول المتعاقد مع رب العمل سیء النیة، أی یعلم وقت التعاقد بالوضع المالی لرب العمل المفلس، ولکنه مع ذلک قد رضی بإبرام العقد، وکذلک أن یضر عقد المقاولة المبرم بدائنی رب العمل.
وإذا أبرم رب العمل الصلح الواقی من الإفلاس فلا یمکن للمقاول طلب إنهاء عقد المقاولة بسبب عدم صدور حکم بالإفلاس.
ویثور التساؤل عن ما إذا کان یمکن للمقاول طلب إنهاء عقد المقاولة إذا أبرم رب العمل الصلح القضائی مع جماعة الدائنین.
ینبغی فی هذه الحالة التفرقة بین ما إذا کان المقاول قد طلب إنهاء عقد المقاولة قبل إبرام الصلح مع جماعة الدائنین أو بعده. فإذا سبق للمقاول أن قدم طلب إنهاء العقد قبل إبرام رب العمل الصلح، فإن الصلح لا یؤثر على حق المقاول فی إنهاء العقد، بل یثبت عندئذٍ حقه فی إنهاء العقد. أما إذا لم یقدم المقاول طلبه لإنهاء عقد المقاولة بسبب إفلاس رب العمل إلا بعد إبرام رب العمل الصلح مع جماعة الدائنین فإنه لا یبقى للمقاول حق فی طلب إنهاء عقد المقاولة لکون الإفلاس قد انتهى، إذ تنص الفقرة (1) من المادة (691) من قانون التجارة العراقی رقم (149) لسنة 1970 المعدلة بقرار سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم (78) لسنة 2004 بشأن تطویر الإجراءات القضائیة المتعلقة بمنازعات الدین على أنه ((تزول جمیع الآثار المترتبة على الحکم بالإفلاس عند إصدار قاضی التفلیسة قراره بالموافقة على الصلح، وذلک باستثناء الآثار المنصوص علیها فی المادة 602)). وتنص الفقرة (2) من المادة (602) من نفس القانون على أنه ((یجوز أن یکون إشهار الإفلاس أساساً لتبریر إنهاء أی معاملات أو ترتیبات یکون فیها التعامل مع المفلس قد تم على أساس جدارته ونزاهته)).
ثالثاً: التمسک باعتبار إفلاس رب العمل حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة
من الملاحظ أن نص المادة (890) من القانون المدنی العراقی یعطی حق التمسک باعتبار إفلاس رب العمل حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة لکل من المقاول ووکیل التفلیسة. وهذا الأخیر تعینه المحکمة فی حکم الإفلاس باعتباره وکیلاً للدفع لإدارة الإفلاس.
وتنبغی الإشارة إلى أن نص المادة (890) من القانون المدنی العراقی الذی ینظم حالة إنهاء عقد المقاولة بسبب إفلاس رب العمل، لم یفرض على وکیل التفلیسة أو المقاول إذا طلب إنهاء العقد إعذار الطرف الأخر. ومرد ذلک عدم وجود فائدة مرجوة من الإعذار، بالنظر إلى أن رب العمل قد أفلس ولا یمکنه تنفیذ التزاماته.
وکذلک لم یلزم النص المذکور أعلاه من یتمسک بإنهاء العقد بسبب إفلاس رب العمل بوجوب أن یقدم طلبه خلال أجل معین. لذلک فإن بإمکانه تقدیم طلب إنهاء العقد مباشرة بعد صدور حکم إشهار الإفلاس أو بعد مرور فترة من الزمن على ذلک. وإن مجرد تأخره فی تقدیم الطلب لا یمکن أن یحمل على أنه تنازل عن حقه فی طلب الإنهاء، إن لم یقترن ذلک بما یدعم هذا التوجه. ولکن یشترط أن یقدم طلبه قبل إتمام تنفیذ العمل، إذ لا محل لإنهاء عقد المقاولة إن تم تنفیذ العمل. کما قد یفسر استمرار المقاول فی تنفیذ العمل بعد علمه بإشهار إفلاس رب العمل بتنازله عن حقه فی إنهاء العقد بسبب إفلاس رب العمل.
ویثور التساؤل عن ما إذا کان یمکن للمقاول طلب إنهاء عقد المقاولة إذا أظهر وکیل التفلیسة استعداده للاستمرار فی تنفیذ عقد المقاولة، أو إذا قدم الضمانات الکافیة للمقاول لحسن تنفیذ العمل.
یستشف من نص المادة (890) من القانون المدنی العراقی أنه لا یشترط توافر شروط معینة، سوى إفلاس رب العمل، لکی یمکن للمقاول طلب إنهاء عقد المقاولة، حتى وإن أراد وکیل التفلیسة الاستمرار فی تنفیذ العقد، أو قدم وکیل التفلیسة الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل، فإن ذلک لا یسلب حق المقاول فی إنهاء العقد، إذ جاء نص تلک المادة بصورة مطلقة عن تقییده بإرادة وکیل التفلیسة أو بتقدیمه الضمانات الکافیة من عدمه. فضلاً عن ذلک، فإن المقاول حتى لو أراد الاستمرار فی تنفیذ العمل، بعد إفلاس رب العمل، وذلک فی الأحوال التی یکون فیها حقه مضموناً برهن، کما لو کان للمقاول حق رهن على الأرض التی یقیم علیها البناء، أو مضموناً بحق امتیاز، فلا یمکنه ذلک إذا أراد وکیل التفلیسة إنهاء العقد.
وتنبغی الإشارة إلى أن إفلاس رب العمل باعتباره تطبیقاً تشریعیاً للحادث الطارىء فی عقد المقاولة یختلف عن التطبیقین التشریعیین الآخرین اللذین جاء بهما القانون المدنی العراقی، أی موت المقاول وعجزه. ففی التطبیقین التشریعیین الأخیرین یشترط لإنهاء عقد المقاولة عدم تقدیم الضمانات الکافیة من قبل ورثة المقاول فی حالة موت المقاول أو من قبل المقاول نفسه فی حالة عجزه. أما فی حالة إفلاس رب العمل فإنه لا یمکنه تقدیم الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل، إذ تغل یده فی إدارة أمواله والتصرف فیها. وحتى لو قدم وکیل التفلیسة الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل فإن ذلک لا یسلب حق المقاول فی طلب إنهاء العقد، کما بیّنا ذلک فی موضع سابق.
المطلب الثالث
الأثر المترتب على اعتبار إفلاس رب العمل حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة
یترتب على تحقق إفلاس رب العمل انقضاء عقد المقاولة، بناءً على طلب المقاول أو وکیل التفلیسة، سواء کان ذلک بعد إبرام عقد المقاولة وقبل البدء فی تنفیذ العمل أو بعد البدء فی تنفیذ العمل وقبل إتمامه، إذا توافرت الشروط التی سبق ذکرها.
وإذا انقضى عقد المقاولة بإفلاس رب العمل تترتب على ذلک آثار معینة. ولکن یختلف الأثر حسب ما إذا کان المقاول قد بدء فی تنفیذ العمل ولم یتمه، أو لم یکن قد بدأ فی تنفیذه.
ففی حالة إفلاس رب العمل قبل البدء فی تنفیذ العمل، یتحلل کل من المقاول ووکیل التفلیسة من العقد دون أن یلتزم أی منهما تجاه الآخر بأی التزام. ویعودان إلى الحالة التی کانا علیها قبل العقد، إلا إذا کان المقاول قد حصل على جزء من الأجر، إذ یمکن لوکیل التفلیسة استرداده. ولعل التساؤل یثور فی هذا الصدد عن حکم ما إذا کان رب العمل قد تسبب بخطئه فی إفلاسه، وهو ما یعرف بالإفلاس بالتقصیر (الإفلاس التقصیری) أو الإفلاس بالتدلیس (الإفلاس التدلیسی).
ویبدو لنا أنه فی حالة الإفلاس التقصیری أو الإفلاس التدلیسی یفترض أن یکون بإمکان المقاول طلب التعویض عن إنهاء عقد المقاولة، وذلک بالنظر إلى أن رب العمل قد تم إشهار إفلاسه، وبالتالی یتم إنهاء العقد نتیجة تقصیره أو تدلیسه المؤدی إلى إشهار إفلاسه. وسنعود لتفصیل ذلک فی موضع لاحق.
أما إذا تم إشهار إفلاس رب العمل بعد بدء المقاول فی تنفیذ العمل فإن نص المادة (890) من القانون المدنی العراقی قد جاء خالیاً من کیفیة رجوع المقاول على وکیل التفلیسة بقیمة ما أنجزه من الأعمال وما أنفقه من النفقات لتنفیذ الأعمال التی لم یتم إنجازها. لذلک ینبغی الرجوع فی هذا الشأن إلى القواعد العامة. ورجوع المقاول على وکیل التفلیسة لا یکون على أساس المسؤولیة العقدیة، إذ أن عقد المقاولة یکون قد انقضى بإفلاس رب العمل عند تحقق شروطه. وکذلک لا یمکن له الرجوع على أساس المسؤولیة التقصیریة، فی غیر حالتی الإفلاس التقصیری والإفلاس التدلیسی لرب العمل. وإنما یکون الرجوع على أساس الکسب دون سبب. وفی هذا الصدد تنص المادة (243) من القانون المدنی العراقی على أنه ((کل شخص ولو غیر ممیز یحصل على کسب دون سبب مشروع على حساب شخص آخر یلتزم فی حدود ما کسبه بتعویض من لحقه ضرر بسبب هذا الکسب، ویبقى هذا الالتزام قائماً ولو زال کسبه فیما بعد)). وبذلک یلتزم وکیل التفلیسة بتعویض المقاول بالأقل من قیمة الأعمال المنجزة والنفقات التی صرفها المقاول لإنجاز الأعمال التی لم تتم، وقیمة النفع العائد على رب العمل نتیجة هذه الأعمال والنفقات. أما إن کان إشهار إفلاس رب العمل قد حدث نتیجة تقصیره أو تدلیسه فإن أساس الرجوع بالتعویض یکون المسؤولیة التقصیریة، وبالتالی یتغیر تبعاً لذلک نطاق التعویض، فیشمل الضرر المباشر، متوقعاً کان أو غیر متوقع.
ومن الملاحظ أن المقاول له حق الامتیاز فی رجوعه بقیمة ما أنجزه من الأعمال وما أنفقه من النفقات فی سبیل تنفیذ ما لم یتم من العمل. إذ تنص المادة (1379) من القانون المدنی العراقی على أنه ((1- المبالغ المستحقة للمقاولین والمهندسین المعماریین الذین عهد إلیهم تشیید أبنیة أو منشآت أخرى أو إعادة تشییدها أو ترمیمها أو صیانتها، لها حق امتیاز على هذه المنشآت بقدر ما یکون زائداً بسبب هذه الأعمال فی قیمة العقار وقت بیعه. 2- ویجب تحریر سند رسمی بالأعمال التی تمت والمبالغ المستحقة فی مقابلها وتسجیل الامتیاز فی دائرة التسجیل العقاری بناءً على هذا السند. وتکون مرتبة هذا الامتیاز من وقت التسجیل. 3- وفیما یتعلق بهذه المنشآت یتقدم صاحب هذا الامتیاز على حق المرتهن للأرض التی قامت علیها هذه الأعمال إذا شملها الرهن سواء کان هذا الرهن تأمینیاً أو حیازیاً)).
ومع ذلک فإنه فی عقد المقاولة من الباطن، إذا أفلس المقاول الأصلی باعتباره رب العمل فی عقد المقاولة الثانی، فإن المقاول من الباطن لیس له حق الامتیاز على المنشآت التی یقیمها، لأن ترتیب حق الامتیاز مقصور لمصلحة المقاولین الذین یتعاقدون مع صاحب الأرض.
والجدیر بالذکر، أن المادة (890) من القانون المدنی العراقی قد أشارت إلى أنه إذا انقضى عقد المقاولة بإفلاس رب العمل، سواء کان بطلب من المقاول أو وکیل التفلیسة، فإنه لا یمکن لأی منهما الرجوع على الآخر بالتعویض عن هذا الإنهاء. وعلى الرغم من أن هذا النص قد سمى الإنهاء بالفسخ، إلا أن الأمر یندرج فی سیاق إنهاء العقد ولیس الفسخ، إذ أن الفسخ یکون دوماً عند الإخلال بالتزامات العقدیة، وقد لا یتوافر الإخلال من جانب رب العمل. کما أنه لا سلطة للقضاء فی الحکم بإنهاء العقد من عدمه عند تحقق شروط إنهاء عقد المقاولة بسبب إفلاس رب العمل، بل ینحصر دوره فی التثبت من تحقق شروط الحالة قبل الحکم بإنهاء العقد.
وفی هذا السیاق یذهب رأی إلى أن من حق المقاول استعمال حقه فی إنهاء العقد بصورة مباشرة دون اللجوء إلى القضاء، وذلک على اعتبار أن استعمال هذا الحق یتوقف على واقعة معینة ألا وهی إشهار إفلاس رب العمل، وأن استعمال عبارة (أن یفسخ العقد) فی النص استعمال غیر دقیق. ولکن کما ذکرنا أعلاه فإنه عند رفع الدعوى بذلک أمام المحکمة، تنحصر سلطة القضاء فی التثبت من تحقق شروط الحکم بإنهاء العقد.
ویبدو لنا فی هذا الصدد أن ما جاء فی النص المذکور أعلاه من عدم إمکان الرجوع على المقاول بالتعویض إنما هو أمر مفهوم، إذ لا ینسب إلیه أی إخلال بالعقد. ولکن ما لا یمکن تبریره هو ما جاء فی النص من عدم إمکان الرجوع على وکیل التفلیسة بالتعویض عن إنهاء عقد المقاولة، وتحدیداً فی الفرض الذی یکون فیه إفلاس رب العمل تقصیریاً أو تدلیسیاً، إذ یکون رب العمل فی هذه الحالة هو المتسبب فی إفلاسه، ومن ثم إنهاء العقد، ولا یستقیم ذلک مع منع النص المذکور أعلاه رجوع المقاول بالتعویض عن ذلک الإنهاء، ولا ینطبق ما ذکرناه على الحالة التی یکون فیها إفلاس رب العمل بسبب خارج عن إرادته، أی أن الإفلاس لا یکون تقصیریاً أو تدلیسیاً. وبناءً على ذلک نقترح تعدیل نص المادة (890) من القانون المدنی العراقی لیکون على النحو الآتی:
((إذا أشهر إفلاس رب العمل، جاز للمقاول أو أمین التفلیسة أن ینهی العقد دون أن یکون لأمین التفلیسة حق المطالبة بتعویض عن هذا الإنهاء)).
وفی المقابل، نص کل من القانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی صراحةً على حق رجوع الطرف المتضرر من إنهاء عقد المقاولة على الآخر فی الحدود التی یقرها العرف. وعلى الرغم من أن هذین القانونین لم ینصا صراحة على حالة إفلاس رب العمل ضمن التطبیقات التشریعیة للحادث الطارىء فی عقد المقاولة، إلا أن حالة إفلاس رب العمل من الممکن أن تدخل ضمن عموم النص المنظم للمبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة فی هذین القانونین. ولا ینطبق هذا الأمر على موقف القانون المدنی المصری.
ولم تبین المادة (890) من القانون المدنی العراقی حکم المواد التی یقدمها المقاول للعمل بعد إنهاء عقد المقاولة، وما إذا کان المقاول یلتزم بتسلیم هذه المواد إلى وکیل التفلیسة أو أنه یحتفظ بها، وما إذا کان یمکن لوکیل التفلیسة إلزام المقاول بتسلیم هذه المواد مقابل تعویض أم لا. وفی هذا الصدد هناک من یرى أنه إذا کانت المواد الجاهزة للاستعمال أموالاً مثلیة وکان المقاول قد تسلم عنها مبالغ تحت الحساب، فیکون للمقاول أخذ ذلک الجزء الذی لم یدفع عنه. أما إذا کانت المواد أموالاً قیمیة، وکان المقاول قد تسلم عنها مبالغ تحت الحساب تعادل قیمتها، فإنه لا یحق له الاحتفاظ بها. أما إذا کانت المبالغ أقل من قیمتها، فإنه لا یلتزم بتسلیمها لرب العمل.
ویبدو لنا، فی غیاب نص فی هذا الشأن، عدم جواز مطالبة وکیل التفلیسة المقاول بتسلیمه هذه المواد حتى لو کان مستعداً لدفع تعویض عادل للمقاول، إلا إذا رضی المقاول بذلک. وکذلک لیس هناک ما یمنع، فی ضوء عدم وجود نص فی هذا الصدد، أن یتفق المقاول مع وکیل التفلیسة على تسلیم هذا الأخیر المواد والخرائط والرسوم، سواء فی مقابل تعویض أو بدونه.
وأخیراً، لا بد أن نشیر إلى أننا لم نوفق فی العثور على أی قرار قضائی منشور أو غیر منشور فی شأن اعتبار إفلاس رب العمل باعتباره حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة وإنهاء العقد على أساس ذلک.
الخاتمـة
توصلنا من خلال هذه الدراسة إلى عدة استنتاجات، کما وقدمنا بعض التوصیات، وفیما یأتی نورد أهمها:
أولاً: الاستنتاجات:
1. أن المقصود بعجز المقاول هو کل ما یؤدی إلى عدم تمکن المقاول من تنفیذ عقد المقاولة لسبب لا ید له فیه. وبذلک یندرج، من حیث المبدأ، تحت مفهوم عجز المقاول کل من العجز الجسدی للمقاول وعجزه المالی. فیمکن فی هذا الصدد أن یکون العجز جسدیاً، کما لو أصیب المقاول بمرض أو بحادث جسیم أقعده عن تنفیذ التزامه أو أصیب بعاهة حالت دون تنفیذه المقاولة. وقد یکون عجز المقاول عجزاً مالیاً، کما لو تم توقیع الحجز على أموال المقاول بما یعجزه عن تنفیذ التزامه. ولکن یشترط أن لا یکون هذا الحجز بسبب المقاول نفسه، إذ لو کان إیقاع الحجز على أموال المقاول قد تم بسبب المقاول بشکل أو بآخر، فإن ذلک العجز عن إتمام تنفیذ المقاولة لا یشکل حادثاً طارئاً، وإنما یعد ذلک إخلالاً من جانب المقاول فی تنفیذ التزاماته بموجب العقد، ویکون لرب العمل فی هذه الحالة طلب فسخ العقد مع التعویض إن کان له مقتضى، وذلک استناداً إلى الفقرة (1) من المادة (177) من القانون المدنی العراقی والنصوص المقابلة لها فی القوانین محل الدراسة. کما قد یحدث العجز المالی نتیجة إفلاس المقاول أو إعساره. إذ أن عدم الکفایة المالیة للمقاول نتیجة إفلاسه قد یؤدی إلى عجزه عن تنفید عقد المقاولة. ولکن یشترط فی هذا المقام لکی یعد ذلک حادثاً طارئاً أن لا یکون الإفلاس بسبب المقاول نفسه. ومثال ذلک أن یکون إفلاس المقاول نتیجة الحروب أو فرض الحصار الاقتصادی على الدولة.
2. قد یکون عجز المقاول عن تنفیذ عقد المقاولة بسبب رب العمل، إذا لم ینفذ الأخیر التزاماته العقدیة. وهذه الحالة لا تطبق بشأنها أحکام العجز باعتبارها حادثاً طارئاً، وإنما تندرج ضمن إخلال رب العمل بالتزاماته العقدیة، وتطبق بشأنها أحکام المسؤولیة العقدیة، والتی تعطی الحق للمقاول فی طلب فسخ العقد مع المطالبة بالتعویض، إن کان له مقتضى.
3. إن المقصود بالضمانات فی حالة عجز المقاول هو کل ما یقدمه المقاول من أجل حسن تنفیذ العمل کما لو عهد تنفیذ العمل إلى المقاول من الباطن، وینبغی فی هذه الحالة عدم وجود شرط مانع من ذلک فی عقد المقاولة. إذ أن المهم عند رب العمل هو حسن تنفیذ العمل المعهود إلى المقاول، فلا یفرق إن قام المقاول بنفسه بتنفیذ العمل أو عهد به إلى المقاول من الباطن، بالنظر إلى أن شخصیة المقاول لیست محل اعتبار فی العقد. کما أنه لیس هناک ما یمنع من أن یقوم المقاول بالتنازل عن المقاولة أیضاً ما لم یکن هناک شرط فی العقد یمنع من ذلک. وینبغی فی هذا الفرض أن تتحقق فی المقاولة من الباطن أو التنازل عن المقاولة ضمانات کافیة لحسن تنفیذ العمل. وبغض النظر عن ماهیة الضمانات المقدمة من قبل المقاول فإن المحکمة هی التی تقرر ما إذا کانت کافیة أم لا، وذلک فی معرض الرد على طلب رب العمل والحکم بإنهاء عقد المقاولة أو بقائه، فی ضوء کفایة الضمانات المقدمة لحسن تنفیذ العمل أو عدم کفایتها. کما أن الضمانات یمکن أن تشمل أیضاً التأمینات العینیة أو الشخصیة التی یقدمها المقاول لحسن تنفیذ العمل، إذ یمکن للمقاول تقدیم رهن ضماناً لحسن تنفیذ التزامه، سواء کان رهناً تأمینیاً أو رهناً حیازیاً. وکذلک یمکنه تقدیم کفالة شخصیة أو عینیة لحسن تنفیذ العمل، فلفظ الضمانات فی المادة (888) من القانون المدنی العراقی والنصوص المقابلة لها فی القوانین الخاضعة للمقارنة فی هذه الدراسة ورد مطلقاً عن أی تقیید بنوع معین من الضمانات.
4. إن حق رب العمل فی إنهاء عقد المقاولة فی حالة عجز المقاول عند عدم توافر الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل فی المقاول یتمثل عموماً فی الحالة التی لا یمکن فیها للمقاول إبرام عقد المقاولة من الباطن أو التنازل عن المقاولة لوجود شرط فی عقد المقاولة یمنع من ذلک، أو حالة عدم تقدیمه لضمانات کافیة لحسن تنفیذ العمل رغم عدم وجود شرط مانع من المقاولة من الباطن أو التنازل عن المقاولة.
5. إن القضاء فی العراق قد التبس علیه الأمر فی الکثیر من أحکامه بین المقاولة من الباطن والتنازل عن المقاولة، ویشیر إلیهما کما لو لم یکن هناک أی فرق بینهما، على الرغم من وجود فروق کثیرة بینهما. ولعل السبب من وراء موقف القضاء العراقی فی التباس الأمر علیه بین المقاولة من الباطن والتنازل عن المقاولة هو عدم وجود نص صریح ینظم التنازل عن المقاولة فی القانون المدنی العراقی، مما أدى بالقضاء وبعض الفقه، إلى تطبیق أحکام المقاولة من الباطن على التنازل عن المقاولة. ولکن لا یمکن التحجج بهذا السبب، إذ یمکن للقضاء الرجوع إلى الأحکام العامة فی الحوالة والتی تطبق على التنازل عن المقاولة.
6. إن موقف کل من القانون المدنی العراقی والقانون المدنی المصری والقانون المدنی الکویتی أدق من موقف کل من القانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی، فیما یتعلق بإنهاء عقد المقاولة بعجز المقاول، إذ لم تجعل هذه القوانین، المقاول تحت رحمة رب العمل فی الحالات التی تتوافر فیها الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل، فشخصیته لیست محل اعتبار فی التعاقد، وبالتالی لا یهم رب العمل إن قام المقاول بتنفیذ العمل بنفسه أو من خلال الاستعانة بأشخاص آخرین طالما کان ذلک متاحاً له، أو کانت التأمینات العینیة أو الکفالة کافیة لضمان حسن تنفیذ العمل. وهذا بخلاف موقف القانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی، واللذین وضعا المقاول تحت رحمة رب العمل، حتى وإن توافرت فیه الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل، فیجیزان لرب العمل إنهاء عقد المقاولة.
7. یلاحظ بأن الصیاغة الواردة للنصوص ذات الصلة فی کل من القانون المدنی العراقی والقانون المدنی المصری والقانون المدنی الکویتی تعطی الحق لرب العمل فی إنهاء عقد المقاولة بسبب عجز المقاول فی حالة عدم توافر الضمانات الکافیة فیه لحسن تنفیذ العمل. وبالتالی فإن المقاول حتى وإن لم تتوافر فیه الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل فإن العقد لا ینقضی من تلقاء ذاته، إن لم یطلب رب العمل إنهاءه، وإنما یتوقف ذلک على تقدیم طلب من قبل رب العمل لإنهاء العقد.
8. إن إنهاء عقد المقاولة عند تحقق شروط حالة عجز المقاول باعتبارها حادثاً طارئاً لا یعد فسخاً للعقد لإخلال المتعاقد بالتزاماته العقدیة، وبالتالی فإن سلطة القضاء، عند طلب إنهاء العقد، تنحصر فی التثبت من تحقق الشروط الواردة فی القانون، ومن ثم الحکم بإنهاء العقد وإعمال آثار الحادث الطارىء، ولا یکون له عدم الحکم بإنهاء العقد عند تحقق الشروط.
9. إن الإفلاس الذی یمکن إنهاء عقد المقاولة بسببه باعتباره حادثاً طارئاً إنما هو إفلاس رب العمل ولیس إفلاس المقاول. وبالتالی لا یمکن اعتبار إفلاس المقاول حادثاً طارئاً فی عقد المقاولة. ولکن یمکن إنهاء عقد المقاولة بالاستناد إلى إفلاس المقاول إذا أدى ذلک إلى العجز المالی للمقاول عن إتمام تنفیذ العمل بعد البدء فی تنفیذه. ولکن فی هذه الحالة لا ینقضی عقد المقاولة باعتبار إفلاس المقاول حادثاً طارئاً، وإنما ینقضی على أساس اعتبار عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العقد بعد البدء فی تنفیذه حادثاً طارئاً.
10. إن عبارة (إفلاس رب العمل) الواردة فی المادة (890) من القانون المدنی العراقی تنطبق على کل من رب العمل التاجر وغیر التاجر، وذلک لأن القانون المدنی قد نظم أحکام الحجز على المدین المفلس فی المواد (270-279) من دون أن یقصر مفهوم المدین المفلس على التاجر. یضاف إلى ذلک أن المشرع العراقی أراد من خلال قانون إصلاح النظام القانونی رقم (35) لسنة 1977 استبعاد أحکام الإفلاس التجاری وتوحید الأحکام الخاصة بمتابعة المدین المعسر، سواء کان تاجراً أو غیر تاجر، وصوغها فی قواعد تهدف إلى تصفیة أموال المدین تصفیة جماعیة فی إطار المصلحة العامة، وذلک على الرغم من أن هذا الأمر لم یتحقق على أرض الواقع. فضلاً عن ذلک، فإن رب العمل فی أغلب الأحیان یکون غیر تاجر، وذلک بعکس المقاول الذی قد یقوم بأعمال المقاولة على وجه الاحتراف. وبالتالی قد لا تتوافر الشروط المطلوبة فی رب العمل لکی یکون تاجراً. والقول باقتصار تطبیق نص تلک المادة على رب العمل التاجر قد یؤدی إلى حرمان المقاول من حقه فی التمسک بإفلاس رب العمل المعسر لإنهاء عقد المقاولة. ومع ذلک، إذا أبرم المقاول التاجر عقد المقاولة من الباطن فإنه یکون رب عمل تاجر فی عقد المقاولة الثانی.
11. إن نص المادة (890) من القانون المدنی العراقی صریح فی أن حق المطالبة بإنهاء عقد المقاولة بسبب إفلاس رب العمل یکون دائماً بعد صدور حکم إشهار الإفلاس. وبالتالی لا یبطل عقد المقاولة الذی أبرمه رب العمل فی فترة الریبة باعتبار أنها فترة تسبق صدور الحکم بالإفلاس، إلا إذا توافرت شروط المادة (614) من قانون التجارة رقم (149) لسنة 1970 المعدلة بقرار سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم (78) لسنة 2004 بشأن تطویر الإجراءات القضائیة المتعلقة بمنازعات الدین، إذا کان رب العمل قد أبرم عقد المقاولة خلال (90) یوماً قبل تأریخ التوقف عن الدفع، وأن یکون المقاول المتعاقد مع رب العمل سیء النیة، أی یعلم وقت التعاقد بالوضع المالی لرب العمل المفلس، ولکنه مع ذلک قد رضی بإبرام العقد، وکذلک أن یضر عقد المقاولة المبرم بدائنی رب العمل.
12. فی حالة إفلاس رب العمل، إذا قدم المقاول طلب إنهاء العقد قبل إبرام رب العمل الصلح، فإن الصلح لا یؤثر على حق المقاول فی إنهاء العقد، بل یثبت عندئذٍ حقه فی إنهاء العقد. أما إذا لم یقدم المقاول طلبه لإنهاء عقد المقاولة بسبب إفلاس رب العمل إلا بعد إبرام رب العمل الصلح مع جماعة الدائنین فإنه لا یبقى للمقاول حق فی طلب إنهاء عقد المقاولة لکون الإفلاس قد انتهى.
13. فی حالة الإفلاس التقصیری أو الإفلاس التدلیسی یفترض أن یکون بإمکان المقاول طلب التعویض عن إنهاء عقد المقاولة، وذلک بالنظر إلى أن رب العمل قد تم إشهار إفلاسه، وبالتالی یتم إنهاء العقد نتیجة تقصیره أو تدلیسه المؤدی إلى إشهار إفلاسه.
14. إذا تم إشهار إفلاس رب العمل بعد بدء المقاول فی تنفیذ العمل فإن نص المادة (890) من القانون المدنی العراقی قد جاء خالیاً من کیفیة رجوع المقاول على وکیل التفلیسة بقیمة ما أنجزه من الأعمال وما أنفقه من النفقات لتنفیذ الأعمال التی لم یتم إنجازها. لذلک ینبغی الرجوع فی هذا الشأن إلى القواعد العامة. ورجوع المقاول على وکیل التفلیسة لا یکون على أساس المسؤولیة العقدیة، إذ أن عقد المقاولة یکون قد انقضى بإفلاس رب العمل عند تحقق شروطه. وکذلک لا یمکن له الرجوع على أساس المسؤولیة التقصیریة، فی غیر حالتی الإفلاس التقصیری والإفلاس التدلیسی لرب العمل. وإنما یکون الرجوع على أساس الکسب دون سبب.
15. أشارت المادة (890) من القانون المدنی العراقی إلى أنه إذا انقضى عقد المقاولة بإفلاس رب العمل، سواء کان بطلب من المقاول أو وکیل التفلیسة، فإنه لا یمکن لأی منهما الرجوع على الآخر بالتعویض عن هذا الإنهاء. وعلى الرغم من أن هذا النص قد سمى الإنهاء بالفسخ، إلا أن الأمر یندرج فی سیاق إنهاء العقد ولیس الفسخ، إذ أن الفسخ یکون دوماً عند الإخلال بالتزامات العقدیة، وقد لا یتوافر الإخلال من جانب رب العمل. کما أنه لا سلطة للقضاء فی الحکم بإنهاء العقد من عدمه عند تحقق شروط إنهاء عقد المقاولة بسبب إفلاس رب العمل، بل ینحصر دوره فی التثبت من تحقق شروط الحالة قبل الحکم بإنهاء العقد.
ثانیاً: التوصیات:
1. إذا أصبح المقاول عاجزاً عن تنفیذ العمل بسبب لا دخل لإرادته فیه بعد إبرام عقد المقاولة وقبل البدء فی تنفیذ العمل، فإنه ینبغی التفریق بین ما إذا کانت شخصیة المقاول محل اعتبار فی العقد أم لا. فإذا کانت شخصیته محل اعتبار فی التعاقد فإن العقد ینقضی باستحالة تنفیذه، وذلک بموجب المادة (886) من القانون المدنی العراقی، وما یقابلها فی القوانین محل الدراسة. أما إذا لم تکن شخصیة المقاول محل اعتبار فی التعاقد، فلا یمکن التمسک بالعجز لإنهاء عقد المقاولة، وإنما ینبغی الرجوع إلى المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة، إن تحققت شروطه. أما إن لم تتحقق شروط المبدأ العام للحادث الطارىء فی عقد المقاولة، فلا یکون هناک مجال لإنهاء هذا العقد بسبب عجز المقاول. ولا یکون أمام رب العمل سوى طلب فسخ عقد المقاولة نتیجة إخلال المقاول بتنفیذ التزاماته العقدیة. وهذا التقیید لحالة عجز المقاول عن تنفیذ العمل باشتراط وقوع العجز بعد بدء المقاول فی تنفیذ العمل یعد منتقداً، إذ کان من باب أولى أن یشمل إنهاء عقد المقاولة بعجز المقاول، الحالة التی یعجز فیها المقاول عن تنفیذ العمل بعد إبرام العقد مباشرة وقبل البدء فی تنفیذ العمل، وذلک بالنظر إلى أنه فی هذه الحالة تسهل إعادة الحال إلى ما کان علیه قبل إبرام العقد، إذ قد لا یرجع أیهما بشیء على الآخر، إلا إذا کان رب العمل قد استعجل شیئاً من الأجر، فیمکن له استرداده.
2. لا یوجد نص فی شأن تنظیم التنازل عن المقاولة فی کل من القانون المدنی العراقی والقانون المدنی المصری والقانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی. لذلک ینبغی الرجوع فی هذا الصدد إلى الأحکام العامة لحوالة الحق وحوالة الدین. ویستند القضاء فی العراق إلى المادة (882) فی حالة التنازل عن عقد المقاولة، مع أن نص المادة (882) من القانون المدنی العراقی صریح فی کون حکمه مقتصراً على حالة قیام المقاول بالمقاولة من الباطن دون التنازل عن المقاولة، وذلک لأن المقاول یبقى طرفاً فی المقاولة الأصلیة عندما یکل العمل إلى المقاول من الباطن لإنجازه، ولا یخرج من نطاق العقد، وهذا ما تؤکد علیه الفقرة (2) من نفس المادة، فلا تنتهی التزامات المقاول الأصلی تجاه رب العمل، إنما یبقى ملتزماً قبله عن أعمال المقاول من الباطن. وکان من الأولى أن یسلک کل من المشرع العراقی والمصری والأردنی والعمانی مسلک المشرع الکویتی فی تنظیم موضوع التنازل عن عقد المقاولة بنص خاص، درءاً للإشکالات والتفسیرات المتباینة بصدده. وفی هذا السیاق نقترح أن یأتی النص على النحو الآتی:
((1- یجوز لکل من المقاول ورب العمل التنازل عن المقاولة، ما لم یوجد شرط فی العقد یقضی بخلافه أو لم تکن شخصیة المقاول محل اعتبار فی التعاقد. وإذا تم التنازل حل المتنازل له محل المتنازل فی حقوقه والتزاماته. 2- ولا یکون التنازل نافذاً فی حق الغیر إلا إذا أعلن للمتعاقد الآخر)).
3. المقصود من استخدام عبارة (وتسری هذه الأحکام أیضاً) فی الفقرة (3) من المادة (889) من القانون المدنی العراقی والفقرة (3) من المادة (667) من القانون المدنی المصری والفقرة (3) من المادة (687) من القانون المدنی الکویتی هو سریان أحکام حالة موت المقاول الواردة فی المادتین (888) و (889) من القانون المدنی العراقی والمادتین (666) و (667) من القانون المدنی المصری والمادتین (686) و (687) من القانون المدنی الکویتی فی شأن کیفیة انقضاء عقد المقاولة بموت المقاول، وفی شأن الأثر المترتب على انقضاء عقد المقاولة بموت المقاول. وأن ما ورد فی الفقرة (1) من المادة (889) من القانون المدنی العراقی، وما یقابلها فی القانونین المدنیین المصری والکویتی، من ربط ترتیب أثر إنهاء عقد المقاولة بموت المقاول بما ورد من شروط فی المادة (888) من القانون المدنی العراقی، وما یقابلها فی القانونین المدنیین المصری والکویتی، یقتضی بالضرورة تطبیق شروط إنهاء عقد المقاولة بسبب موت المقاول على حالة عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل، باعتبار ذلک مما یقتضیه تطبیق أثر إنهاء عقد المقاولة بسبب عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل، ومع ذلک فإن الصیاغة الواردة فی کل من القانون المدنی العراقی والمصری والکویتی لیست موفقة، وتثیر الإشکالات، وکان یستحسن أن یتم تنظیم حالة عجز المقاول عن إتمام تنفیذ العمل فی مادة خاصة، کما هو الحال فی کل من القانون المدنی الأردنی وقانون المعاملات المدنیة العمانی. ونقترح فی هذا الشأن أن یکون نصها کالآتی:
((إذا أصبح المقاول عاجزاً عن تنفیذ عقد المقاولة من مبدأ الأمر أو الاستمرار فی تنفیذه لسبب لا ید له فیه، جاز لرب العمل أن یطلب إنهاء العقد إذا لم تکن شخصیة المقاول محل اعتبار ولم تتوافر فیه الضمانات الکافیة لحسن تنفیذ العمل. ویستحق المقاول قیمة ما تم من الأعمال وما أنفق فی تنفیذ ما لم یتم، وذلک بقدر ما عاد على رب العمل من نفع من هذه الأعمال والنفقات)).
4. تلافیاً للثغرات التی تعتری نص المادة (890) من القانون المدنی العراقی من حیث تکییف إنهاء العقد، ومن حیث إمکان طلب التعویض فإننا نقترح أن یتم تعدیله لیکون على النحو الآتی:
((إذا أشهر إفلاس رب العمل، جاز للمقاول أو أمین التفلیسة أن ینهی العقد دون أن یکون لأمین التفلیسة حق المطالبة بتعویض عن هذا الإنهاء)).
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)