الملخص
شکل بروز النظام القانونی الدولی منعرجاً حاداً فی تنظیم العلاقة التی تربط النظم القانونیة، فضلاً عن اتساع نطاقه وتعدد شخوصه و شموله لموضوعات کانت تعد خارج نطاق اهتمامه. لقد افرز هذا الوضع إلى جانب النظام القانونی الداخلی نظاماً قانونیاً دولیاً، مما حتم دراسة العلاقة بینهما بغیة التعرف على خصائص کل منهما وأوجه الالتقاء والاختلاف و النتائج المترتبة على ذلک. وقد رکز البحث ادواته صوب النظریات التی ناقشت هذه العلاقة والاثار القانونیة المترتبة على کل منها إزاء ممارسة القاضی الوطنی لعمله، دون أن یقف عند هذا الحد بل وسع فی أفقه لیدرس ویحلل الممارسات العملیة للدول فی منظوماتها التشریعیة بصورة عامة مع تخصیص حیزاً لمکانة المعاهدات فی المنظومة العراقیة استقصاء وتحلیلاً . وقد تم دراسة الدور الذی یمکن أن یمارسه القاضی الوطنی فی سیاق اصداره للأحکام القضائیة مستنداً على الاحکام الدولیة والتحدیات التی تواجهه سواء ما أرتبط منها بموضوعیة النص المراد تطبیقه أو ما أرتبط بشخصیة القاضی وتکوینه.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
الجديد في البحث
1. تم الاخذ بنظر الاعتبار کافة التعدیلات التی تضمنتها تقاریر التحکیم
2. الدراسة تجمع بین النظریات التقلیدیة التی تعالج العلاقة بین القانون الوطنی والقانون الدولی وربطها بالممارسات الدولیة المعاصرة
3. تناول البحث دراسة عدد من الانظمة القانونیة والدستوریة لدول لم یتم دراستها من قبل الباحثین العرب لاسیما الدول اللاتینیة التی تتخذ من الاسبانیة لغة رسمیة لها
أصل المقالة
حجیة الأحکام الدولیة أمام القضاء العراقی-(*)-
فتحی محمد فتحی الحیانی کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Fathi Muhammad Fathi al-Hayani College of law / University of Mosul Correspondence: Fathi Muhammad Fathi al-Hayani E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 17/11/2019 *** قبل للنشر فی 4/12/2019.
(*) Received on 17/11/2019 *** accepted for publishing on 4/12/2019.
Doi: 10.33899/alaw.2019.165256
© Authors, 2019, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
شکل بروز النظام القانونی الدولی منعرجاً حاداً فی تنظیم العلاقة التی تربط النظم القانونیة، فضلاً عن اتساع نطاقه وتعدد شخوصه و شموله لموضوعات کانت تعد خارج نطاق اهتمامه. لقد افرز هذا الوضع إلى جانب النظام القانونی الداخلی نظاماً قانونیاً دولیاً، مما حتم دراسة العلاقة بینهما بغیة التعرف على خصائص کل منهما وأوجه الالتقاء والاختلاف و النتائج المترتبة على ذلک. وقد رکز البحث ادواته صوب النظریات التی ناقشت هذه العلاقة والاثار القانونیة المترتبة على کل منها إزاء ممارسة القاضی الوطنی لعمله، دون أن یقف عند هذا الحد بل وسع فی أفقه لیدرس ویحلل الممارسات العملیة للدول فی منظوماتها التشریعیة بصورة عامة مع تخصیص حیزاً لمکانة المعاهدات فی المنظومة العراقیة استقصاء وتحلیلاً . وقد تم دراسة الدور الذی یمکن أن یمارسه القاضی الوطنی فی سیاق اصداره للأحکام القضائیة مستنداً على الاحکام الدولیة والتحدیات التی تواجهه سواء ما أرتبط منها بموضوعیة النص المراد تطبیقه أو ما أرتبط بشخصیة القاضی وتکوینه.
الکلمات المفتاحیة: القانون الوطنی، المعاهدات الدولیة، القاضی الوطنی، الأحکام الدولیة
Abstract
The research studied the relationship between national And international legal systems, in order to identify the characteristics of each of them and the convergences and differences and the consequences. The research focused its tools on the theories that discussed this relationship and the legal implications of each of them on the exercise of the work of the national judge, without stopping at this point, but expanded in its horizon to study and analyze the practical practices of States in their legislative systems in general with the allocation of space for the status of treaties in the Iraqi system Investigation and analysis. The role played by the national judge in the issuance of judicial rulings was examined based on international judgments and challenges, whether related to the objectivity of the text to be applied or the personality and composition of the judge.
Keywords: national law, international treaties, national judge, international judgments
المقدمـة
لم تعد فکرة التناغم مع ما تفرضه المعاهدات الدولیة من التزامات على الدول الاطراف قضیة هامشیة تکون الغلبة فیها للقانون الداخلی فی أغلب الأحیان . لقد اصبح العالم فناءً بلا اسوار وتداخلت المصالح وتشعبت الحاجات، وأضحى ما تلتزم به الدول خارج حدودها ینعکس أثره بطریقة أو بأخرى على المنظومة القانونیة الداخلیة للدول. لقد شغلت العلاقة بین القانون الدولی والقانون الداخلی حیزاً مهما ً فی التنظیرات القانونیة والمقاربات الفقهیة، بحیث تضمنت کل مراجع وکتب القانون الدولی العام معالجة مثل هذه العلاقة . ولعلنا لا نجافی الصواب إذا ما أقررنا أن ما کتب فی هذا الجانب کان نمطیاً فی اغلب المراجع، بمعنى أخر أنه التزم نمطاً معیناً اکتفى فی کثیر من الاحیان الوقوف عند ما سیق من نظریات بهذا الجانب ( الوحدة والثنائیة) ما یترتب على کلا منهما من اثار ونتائج.
إلا أن الأمر فی الوقت الراهن قد تجاوز فکرة التنظیر إلى التطبیق، إذ اصبح للقاعدة القانونیة الدولیة حیزاً داخلیاً وأثراً موضوعیاً . وهذه الموضوعیة فی التأثیر جعلت من القاضی الوطنی معنیاً بالدرجة الإساس بما تلتزم به دولته فی الخارج. ولم یعد التزام ای طرف دولی ینحصر بإجراء موائمة تشریعیة او تنفیذیة أو قضائیة وفقاُ لما التزم به باردته مع الاطراف الدولیة الأخرى، بل تشعب لیمتد إلى الجانب الموضوعی المتعلق بنوع القاعدة القانونیة التی یطبقها القاضی الوطنی والذی لم یعد مقیَّداً بالقوانین الداخلیة بل بإمکانه التوسع لیستند فی حکمه على قاعدة صیغت وراء الحدود. وفی هذا السیاق ینبغی ألا نغفل حقیقة أن الأمر فی نهایة المطاف سواء تعلق بتفسیر القاضی الوطنی للمعاهدة الدولیة أو تطبیقها أو الطعن بدستوریتها مرتبط بالموقف القانونی لکل دولة تجاه مکانة المعاهدات فی منظومتها التشریعیة.
من جانب أخر فأن هذا التوسع المحتمل یمثل تحدیاً بحد ذاته لما یحمل من مخاطر وصعوبات سواء تلک التی تتعلق باللغة المستخدمة فی النص الداخلی والدولی او تلک المرتبطة بالجانب التکوینی والثقافی للقاضی الوطنی. بعبارة أخرى أصبح للقاضی الوطنی دوراً اکثر حیویة فیما یتعلق بتطبیق المعاهدة الدولیة، إذ اصبح من الممکن له أن یحلل النص الدولی ویتأکد من صحته فضلاً عن فحص دستوریته.
ولهذا سوف یسبر هذا البحث اغوار هذه العلاقة لا سیما فی ظل الممارسات الدولیة الحدیثة دون أن یغفل المقاربات التقلیدیة التی سیقت فی تفسیرها. وسیکون العراق ممثلاً بدستور 2005 انموذجاً للدراسة مع التوسع أفقیاً فی البحث والتنقیب لتشمل ممارسات ودساتیر دول لم تصل الیها لغة الضاد.
أهمیة الدراسة: تمثل أهمیة هذا البحث فی کونه سیصب اهتمامه على ما آل الیه التعاطی الداخلی للقاضی الوطنی إزاء المعاهدة الدولیة وما تتضمنه من قواعد وأحکام دون التقید بمنهجیة النظریات والدراسات التقلیدیة فی هذا الجانب فضلاً عن تسلیط الضوء على مکانة المعاهدات فی القانون العراقی واثر تلک المکانة على عمل القاضی الوطنی.
نطاق الدراسة: القاعدة القانونیة الدولیة لاسیما المکتوبة ومدى حجیتها أمام القاضی الوطنی على وجه العموم والقاضی العراقی على وجه الخصوص.
مشکلة الدراسة: تمکن فی الاجابة على السؤال المحوری الآتی : ما هی امکانیة القاضی الوطنی بالاحتجاج بالنصوص الدولیة عموماً وفی العراق على وجه الخصوص ؟ وما هی التحدیات التی تصاحب هذا الاحتجاج وأسبابه؟
منهجیة الدراسة: بغیة تغطیة مشکلة الدراسة فسو نعتمدالمنهج الاستقرائی الذی سیستقرئ الانظمة القانونیة والممارسات القضائیة للعدید من الدول دون الوقف عند حدود الاستقراء بل سیتجاوزه إلى المنهج التحلیلی للوقوف عند نقاط وهنها ومکامن قوتها.
خطة الدراسة: وقد توزعت خطة البحث بین ثلاثة مباحث ناقش المبحث الأول: مکانة المعاهدات الدولیة فی التشریعات الوطنیة والذی انشطر إلى ثلاثة مطالب : المطلب الأول : أثر النظریات الفقهیة لعلاقة القانون الوطنی بالقانون الدولی على عمل القاضی الوطنی، المطلب الثانی : : مکانة المعاهدات الدولیة فی التشریعات الوطنیة،: المطلب الثالث : مکانة المعاهدات الدولیة فی التشریعات العراقیة. أما المبحث الثانی فقد سلط ضوء البحث على مدى حجیة الاحکام الدولیة أمام القضاء الوطنی فی مطلبین : المطلب الأول : احتجاج القاضی الوطنی بالأحکام الدولیة، المطلب الثانی: احتجاج القاضی الوطنی العراقی بالأحکام الدولیة . واخیراً رکز المبحث الثالث على التحدیات التی تواجه القاضی الوطنی حیال احتجاجه بالنص الدولی موزعاً تلک التحدیات على مطلبین : المطلب الأول: تحدیات موضوعیة (تتعلق بذات النص) المطلب الثانی: تحدیات ذاتیة (تتعلق بتکوین القاضی).
المبحث الأول
مکانة المعاهدات الدولیة فی التشریعات الوطنیة
لقد شکل بروز النظام القانونی الدولی منعرجاً حاداً فی تنظیم العلاقة التی تربط النظم القانونیة، والذی کان محصوراً قبل ذلک ضمن إطار العلاقات المتبادلة بین النظم القانونیة الداخلیة للدول المتعددة. فضلاً عن بروز النظام الدولی فقد ادى اتساع نطاقه وتعدد شخوصه إلى شموله لموضوعات کانت تعد خارج نطاق اهتمامه. إذا لم یعد منکباً على تنظیم المسائل ذات الصلة بالدول ککیانات کانت تعد المخاطب الوحید بالقواعد الدولیة کتلک القواعد المتعلقة بالحدود او تنظیم العلاقات الدولیة فی حالتی الحرب أو السلم، بل اتسعت دائرة اهتمامه لتشمل الفرد وما یرتبط به من حقوق اقتصادیة واجتماعیة وسیاسیة وتنمویة. لقد افرز هذا الوضع إلى جانب النظام القانونی الداخلی نظاماً قانونیاً دولیاً، مما حتم دراسة العلاقة بینهما بغیة التعرف على خصائص کل منهما وأوجه الالتقاء والاختلاف ومن ثم النتائج المترتبة على ذلک. وعلیه سنقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب، یدرس الأول منها النظریات الاتجاهات الفقهیة التی ناقشت هذه العلاقة والاثار القانونیة المترتبة على کل منها إزاء ممارسة القاضی الوطنی لعمله، فی حین یعتکف الثانی على دراسة وتحلیل الممارسات العملیة لدول فی منظوماتها التشریعیة الداخلیة لهذه العلاقة، أما المطلب الثالث فسیصب اهتمامه بحثاً وتحلیلا لموقف المشرع العراقی المتبنى لمکانة المعاهدات الدولیة.
المطلب الأول
أثر النظریات الفقهیة لعلاقة القانون الوطنی بالقانون الدولی على عمل القاضی الوطنی
لقد تنازع الفقه نظریتان لسبر غور هذه العلاقة، نظریة الثنائیة و نظریة الوحدة. وقد کرست الکثیر من الجهود العلمیة والبحثیة لدراسة تفاصیل هذه النظریات وما لها من ممیزات وما علیها من مثالب وما تنتجه هذه العلاقة من أثار ونتائج على المستوى التشریعی والتنفیذی والقضائی. ولهذا لن نمضی بعیداً فی تفصیل النظریات وحسبنا اختصارها بقدر یرتبط بالبحث وموضوعه. یعد القانون الدولی والقانون الداخلی وفقاً لنظریة الثنائیة (نظریة ازدواج القانونیین) نظامین مستقلین لا یمکن أن یخضع أیاً منهما لقاعدة الزامیة منبثقة عن الآخر ولا یمکن الادعاء بعلویة أیاً منها على الآخر. وتنطلق هذه النظریة من الاختلافات المفترضة بین النظامین من حیث المصادر والاشخاص والموضوعات فضلاً على التباین الواضح فی هیکلیة کل منهما استقلالاً من حیث الشکل والموضوع . وقد أثارت هذه النظریة الکثیر من الآراء الفقهیة بین داعم ومنتقد. وقدر تعلق الأمر بموضوع البحث یبرز السؤال ما هو أثر الأخذ بهذه النظریة على دور القاضی الوطنی وامکانیته فی الرکون المباشر إلى القواعد الدولیة فی تکییف أحکامه القضائیة؟
أن القاضی الوطنی لا یمکنه بموجب هذه النظریة أن یرکن تلقائیاً إلى القاعدة الدولیة المکتوبة، بل أن الأمر یتطلب اجراءً خاصاً تتخذه الدولة کی تصبح المعاهدة جزءً من منظومتها التشریعیة الداخلیة. ویکمن هذا الاجراء فی عملیة التحویل أو الإحالة Transformation والتی ینبغی على الدولة التی انضمت إلى المعاهدة أو ابرمتها اتخاذ اللازم وفقاً لقانونها الداخلی بغیة تحویل المعاهدة الدولیة إلى جزء من القواعد الداخلیة على اعتبار أن المعاهدة لا یمکن اعتبارها مصدراً مباشراً للقانون الداخلی . وبعد هذا الاجراء یمکن للقاضی اعتماد الاحکام التی وردت فی المعاهدة لیست باعتبارها نصاً دولیاً بل کونها أصبحت نصاً قانونیاً داخلیاً.
ومن الجدیر بالذکر أن ثمة اجرائین تحکمان مسألة کیف یصبح القانون الدولی جزءاً من القانون الوطنی، وهما الدمج والإحالة:
transformation and incorporation حیث یختص الأول بدمج قواعد القانون الدولی العرفیة بالقانون الداخلی بصورة تلقائیة على اعتبار ان هذا النوع من القواعد نشأ من خلال ممارسة مطردة للدول عبر فترات زمنیة طویلة وبالتالی فهی لا تمثل التزامات جدیدة ولیدة لحظة معینة. کما أنه من المعروف أن الجهة المختصة بالتفاوض بشأن المعاهدات هی السلطة التنفیذیة ولیس التشریعیة وان القول بعد الاحالة أو التطبیق التلقائی للقواعد الدولیة یؤدی إلى نتیجة مفادها امکانیة السلطة التنفیذیة من فرض التزامات على الدولة بما فیها السلطة التشریعیة دون اذنها وهو ما یشکل تعارضاً لمبدأ الفصل بین السلطات. فی حین یحکم الاجراء الثانی تحویل القواعد الدولیة المکتوبة إلى قواعد داخلیة ویتم من خلال تدخل برلمانی. وقد أستقر تعامل الدول على ممارسة هذا النوع من الاجراء على خیارین : الأول أن یضمن العمل التشریعی نص المعاهدة المعنیة کاملة ومن الامثلة على هذا الخیار قانون المحکمة الجنائیة الدولیة الاسترالی لسنة 2002 والذی تضمن کافة احکام المحکمة الجنائیة الدولیة عن طریق ادراجه میثاق روما کاملاً تعبیراً عن تنفیذ استرالیا للالتزامات الدولیة المفروضة على الأطراف بموجب النظام الاساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة. أما الخیار الثانی فان العمل التشریعی لا یتضمن فی جوهره نص المعاهدة وانما الاشارة فقط إلى أن المعاهدة المعنیة أصبحت جزءاً من القانون الداخلی مع إضافة ملحق یتضمن نص المعاهدة ومن الامثلة على ذلک القانون الاسترالی لاتفاقیات جنیف لسنة 1957 الذی لم یتضمن نصوص الاتفاقیات فی متنه بل ارفقها کملحقات. وهناک بعض الکتاب من یستخدم اصطلاحات عامة دون التمییز بین القواعد العرفیة أو المکتوبة مسترشدین بالنظام القانونی لکل دولة وهذه الاصطلاحات هی الاحالة التشریعیة أو الدمج التلقائی أو بصورة اکثر عمومیة فهم یشیرون إلى الدمج التشریعی او الدمج التلقائی.
أما نظریة وحدة القانونیین فهی تنطلق من تکریس مفهوم الکتلة القانونیة الواحدة والتی تکون بموجبها قواعد القانون الدولی والداخلی منظومة قانونیة واحدة ینظم العلاقة داخلها مبدأ التدرج القانونی الهرمی. وعلى هذا الأساس انشطر انصار هذه النظریة إلى أتجاهین فی تحدید الهرمیة: الأول یرجح السمو لقواعد القانون الدولی والثانی یمنحه لقواعد القانون الداخلی. ولعل ما یتعلق بموضوع البحث هو ذات السؤال المذکور آنفاً والمتعلق بعمل القاضی الوطنی حیال النصوص الدولیة. وعلیه یمکن القول أن القاضی الوطنی یمکنه الاعتماد على نصوص المعاهدة الدولیة بشکل مباشر بمجرد التصدیق علیها دونما حاجة لأی اجراء قانونی اضافی ذلک انها تصبح مصدراً لکل من القواعد الداخلیة و الدولیة على حد سواء. ولعل الاشکالیة التی یمکن تصورها فی حالة وجود تعارض بین القواعد الدولیة والقوانین الداخلیة، وعلى الرغم من أن الاتجاه الراجح والغالب یکمن فی منح القواعد الدولیة السمو والغلبة إلا أن مواقف الدول حیال هذه الاشکالیة قد تباینت، وهو ما سنوضحه فی المطلب اللاحق عند دراسة مواقف الدول وقوانینها إزاء العلاقة التی تربط القانون الداخلی مع القانون الدولی وما یترتب علیها من مکانة للمعاهدات الدولیة ضمن المنظومة التشریعیة الداخلیة.
المطلب الثانی
مکانة المعاهدات الدولیة فی التشریعات الوطنیة
لقد القت الاختلافات الفقهیة المشار الیها اعلاه بظلالها على مواقف الدول تجاه مکانة القواعد الدولیة ضمن منظوماتها القانونیة الداخلیة. من خلال تتبع مواقف الدول ازاء هذه المسألة فیمکننا استکشاف اربعة اتجاهات انتهجتها الدول :
الاتجاه الأول : سمو القواعد الدولیة على الدستور :
یمنح هذا الاتجاه السمو والترجیح للقواعد الدولیة على حساب القواعد الدستوریة، حیث یمنح دستور بعض الدول هذه الغلبة بموجب نصوصه. وقد شاع فی الدراسات العربیة الدستور الهولندی کنموذج لهذا المسار، وهو أمر یصدق على دستور 1815 وتعدیله لعام 1953 اللتان اشارتا إلى امکانیة مخالفة المعاهدات الدولیة لأحکام الدستور، وأنه ینبغی استبعاد ای تشریع ساری فی المملکة إذ وجد متعارضاً مع المعاهدات الدولیة سواء کان سابقاً أم لاحقاُ لسریان المعاهدة. إلا أن التعدیل الاخیر للدستور الهولندی عام 1983 قد حدد هذه المسألة، حیث نصت الفقرة الثالثة من المادة 93 بعد التعدیل غلى ((إن أحکام أیة معاهدة قد تتعارض مع الدستور أو قد تؤدی إلى نشوء منازعات معها لا یجوز المصادقة علیها من مجلسی البرلمان ما لم تحصل على ثلثی الأصوات المدلى بها فی البرلمان لصالح الموافقة والمصادقة علیها)) والمادة 94 التی نصت على ((إن القواعد والأنظمة واللوائح القانونیة الساریة فی داخل المملکة لا یجوز أن تصبح قابلة للتطبیق إذا کان ذلک التطبیق یتعارض مع أحکام المعاهدات الملزمة لجمیع الأشخاص أو مع أحکام القرارات من قبل المؤسسات الدولیة)). ومن الواضح أن التعدیل قلل مستوى الإطلاق فی علویة المعاهدات الدولیة على القواعد الدستوریة دون أن یلغیها تماماً ولکنه قیدها بشروط اکثر صرامة تتعلق بنسبة التصویت داخل المجلسین التشریعیین. ولعل من الناجع بمکان توسیع نطاق البحث ضمن هذا المسار خارج نطاق بحث الدراسات العربیة وهذا یخدم البحث العلمی من حیث تعزیز هذا المسار بنماذج دستوریة مختلفة لم یتم الوصول الیها بحثیاً لأسباب تتعلق باختلاف اللغة. ومن خلال البحث تبین أن دستور کل من کواتیمالا وهندوراس و فنزویلا قد تبنت هذا الاتجاه فی تغلیب النصوص الدولیة على قواعد دساتیرها. ففی دستور غواتیملا اعطى الاتفاقیات الدولیة التی صادقت او انضمت علیها السمو على القانون الوطنی سواء کان قانوناً عادیاً أو دستوراً، ألا انه حصر هذه الاتفاقیات بنوع معین وهی تلک المعنیة بحقوق الإنسان. فی حین تضمن دستور جمهوریة هندوراس لسنة 1982 المعدل ثلاثة أحکام تتعلق بالمعاهدات الدولیة وعلاقتها بقانونها الداخلی : أن المعاهدات التی تکون هندوراس طرفاً فیها تعد جزءاً من قانونها الداخلی، وفی حالة ما تضمنت حکماً یتعارض مع الدستور فقد اشترط أن تتم الموافقة علیها بنفس الآلیة التی تتبع فی إصلاح الدستور وأن یتم تعدیل الدستور بذات الآلیة، وأخیراً عند وجود تعارض بین المعاهدة والقانون العادی فتکون الأولویة لها. وفی ذات السیاق فقد منح دستور جمهوریة فنزویلا البولیفاریة لسنة 1999، المعاهدات والمواثیق والاتفاقیات المتعلقة بحقوق الإنسان، الموقعة والمصادق علیها من قبل فنزویلا، تسلسلاً هرمیاً دستوریاً وفی ذات الوقت منحها الأولویة فی النظام الداخلی والتطبیق المباشر من قبل المحاکم وغیرها من أجهزة السلطة العامة. وهذا السمو الذی أشار الیه الدستور دفع بعض الفقهاء إلى اعتبار احکام المعاهدات الدولیة تتمتع بسمو على أحکام الدستور ذاته على اعتبار أن القواعد الدستوریة تعد جزءاً من القوانین الداخلیة.
الاتجاه الثانی: دستوریة القواعد الدولیة (تمتعها بذات قیمة القواعد الدستوریة)
تحتل القواعد الدولیة ذات درجة القواعد الدستوریة فی سلم الهرمیة القانونیة، حیث تساوی دساتیر بعض الدول بین القواعد الدولیة الواردة فی المعاهدات والاتفاقیات التی تلتزم بها دولها مع دساتیرها من حیث القیمة القانونیة فی الاحتجاج بها والاحتکام إلیها.
فعلى سبیل المثال منح الدستور الارجنتینی القواعد الدولیة مرتبة القواعد الدستوریة، حیث جاء بنص مفصل یکاد أن یکون فریداً من نوعه حیث میّز بین نوعین من الاتفاقیات والمعاهدات الدولیة فی سیاق منح قواعدها المرتبة القانونیة ضمن منظومتها التشریعیة. فقد اورد فی الحکم الأول عدداً من المعاهدات والاتفاقیات الدولیة أوردها على سبیل الحصر ومنحها تراتبیة القواعد الدستوریة، وجعلها قواعد مکملة لما ورد فی الدستور من حقوق وضمانات دون أن تنتقص من مستوى الحمایة التی توفرها. اما الحکم الثانی فقد أشار إلى اتفاقیات حقوق الانسان بصورة عامة من غیر ما ورد ذکره فی الحکم الأول، حیث أشترط المصادقة علیها من قبل مجلسی النواب والشیوخ بأغلبیة الثلثین لکل مجلس منهما کی تتمتع بذات المرتبة للقواعد الدستوریة. أما الدستور البرازیلی لعام 1988 فقد تعامل مع المعاهدات الدولیة لحقوق الإنسان باعتبارها مجموعة من الحقوق المحمیة دستوریًا. حیث تضمنت المادتان 4 و 5 على مجموعة من الاحکام ألتی تؤکد المرتبة القانونیة للقواعد الدولیة المساویة للقواعد الدستوریة. فقد أشارت المادة الرابعة فی فقرتها الثانیة إلى سمو قواعد حقوق الانسان کمبدأ دستوری تخضع جمهوریة البرازیل الاتحادیة فی علاقاتها الدولیة. أما المادة الخامسة منه فقد أشارت إلى أن الحقوق والضمانات الدستوریة لا تلغی أیة حقوق وضمانات نابعة من النظام ومبادئه المعتمدة او ما ورد منها فی المعاهدات الدولیة التی تکون جمهوریة البرازیل الفیدرالیة طرفًا فیها. هذه النصوص دفعت عدد من المؤلفین إلى القول أنه من الواضح أن الدستور البرازیلی قد منح القیمة الدستوریة للمعاهدات الدولیة رغم تمیزه فی طریقة النفاذ بین المعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان وتلک التی لا تتعلق بها.
وفی هذا السیاق فلابد من توضیح الأثر المترتب على تبنی هذا المسار حیث تبرز الإشکالیة الاکبر عند وجود تعارض بین احکام المعاهدة مع جزء من القانون الوطنی، وفی هذه الحالة یعد القانون أو الجزء المخالف باطلاً کونه یتعارض مع قاعدة قانونیة لها قوة الدستور القانون الوطنی الأسمى. أما إن کان التعارض مع احکام الدستور ذاته عندها لا بد من بذل مجهود قضائی للتوفیق بین الاحکام المتعارضة بالاعتماد على المبادئ التفسیریة ذات البعد الوطنی والدولی . بعبارة أخرى یجب التفکیر فی القانون وتفسیره وتطبیقه بما ینسجم و الفلسفة القانونیة للمعاهدة الدولیة ذات الصلة دون أغفال الفلسفة القانونیة الوطنیة
الاتجاه الثالث: سمو القواعد الدولیة على القوانین العادیة
عندما یکون التدرج الهرمی الذی یقره دستور دولة للقواعد الدولیة أدنى من الدستور وأسمى من القوانین العادیة، فإنها لا یمکن أن تعدل الدستور إلا انها تغلب و تسود على القوانین الوطنیة. ومن الأمثلة على الدول التی تبنت دساتیرها هذا المسار کوستاریکا والإکوادور والسلفادور وکولومبیا و باراغوای. فقد نصت المادة السابعة من دستور کوستاریکا لسنة 1949 والمعدل سنة 2001 أن للمعاهدات سلطة علیا على القوانین العادیة. أما دستور الإکوادور فقد کان اکثر وضوحاً، إذ لم یکتف بمنح القواعد الدولیة مرتبة تسمو على القوانین العادیة بل ذهب إلى تأکید أنه للمحاکم الوطنیة أن تمتنع عن تطبیق أی قانون یتعارض مع الدستور والمعاهدات الاتفاقیات الدولیة. وقد سارت على ذات هذا المسار دساتیر کل من السلفادور وکولومبیا و والبارغوای رغم اختلاف العبارات والصیاغات المستخدمة. ویمکن ایجاز الاثار القانونیة المترتبة على اعتماد هذا المسار بما یأتی :
1) تعتبر المعاهدة غیر دستوریة عند معارضتها للدستور الوطنی.
2) أن المعاهدات الدولیة ینبغی أن تفسر بما یتماشى والقواعد الدستوریة.
3) لا یمکن للقانون الوطنی إلغاء أو تعدیل معاهدة مصادق علیها حتى لو کان لاحقاً علیها. ورغم ذلک ذهب بعض الفقهاء إلى امکانیة القضاء الوطنی من تطبیق القانون الداخلی فی هذه الحالة وأن کان فی مرتبة أدنى من المعاهدة الدولیة المعنیة بحمایة حقوق الإنسان إن کان ینشئ أو یکرس حمایة أکثر ملائمة للأفراد من تلک المکرسة فی المعاهدة الدولیة. وهنا لا بد من التوضیح من أن القانون اللاحق لا یلغی المعاهدة الدولیة رسمیاً، ولکنه قد یجعلها غیر قابلة للتطبیق بسبب طبیعتها الحمائیة، بصرف النظر عن تسلسلها الهرمی الأدنى، دونما أغفال ما قد یترتب على ذلک من مسؤولیة للدولة لا سیما إذ ترتب على ذلک إضراراً بمصالح الأطراف الأخرى .
4) یجب تفسیر القانون الوطنی وفقًا لمعاهدات الدولیة المصادق علیها بحیث یکون هناک تنسیق بین القانون والابعاد الإیدیولوجیة والمعیاریة للمعاهدة.
الاتجاه الرابع : القواعد الدولیة بمرتبة القانون العادی
یمنح الدستور فی بعض الدول التی تتبنى هذا الاتجاه المعاهدات الدولیة ذات مرتبة القانون المحلی . ولعل دستور الولایات المتحدة الأمریکیة یعد النموذج الأبرز ضمن هذا الاتجاه، إلا ان ثمة دول أخرى لم یسلط علیها ضوء البحث قد انتهجت ذات النهج ومنها الأوروغوای، وربما المکسیک، على الرغم من أن الأخیرة لدیها حکم تفسیری لمحکمة العدل العلیا فی للأمة مما یجعلها متأرجحة الموقف بین هذا الاتجاه والذی سبقه.
فقد نصت المادة السادسة فی فقرتها الثانیة من الدستور الأمریکی لسنة 1787 على ((یعد هذا الدستور وقوانین الولایات المتحدة التی تصدر تبعاً له، وجمیع المعاهدات المعقودة أو التی تعقد تحت سلطة الولایات المتحدة القانون الأعلى فی البلاد، ویعد القضاة فی جمیع الولایات ملزمین به ولا یعتد بأی نص فی دستور أو قوانین أیة ولایة یکون مخالفه له)). ومن خلال خذا النص یتبن بجلاء أن المشرع الأمریکی قد ساوى بین المعاهدات الدولیة والقوانین الفدرالیة وجعلهما بذات المرتبة ضمن التدرج القانونی، وبذلک فأن القاعدة التی تحکمهما هی أن اللاحق یعدل أو یلغی السابق. بمعنى انه یمکن للقانون الفدرالی أن یعدل أو یلغی معاهدة سابقة لتشریعه والعکس ایضاً. أما دستور الأورغوای لسنة 1966 فلم یشیر صراحة إلى التسلسل الهرمی داخل النظام القانونی المحلی إلا أن الفقه والممارسات العملیة قد عکست بوضوح تلک المرتبة المتساویة بین القانون الداخلی والمعاهدات الدولیة. أما الدستور المکسیکی لسنة 1917 المعدل فقد تضمن نصاً مشابهاً لما ورد فی الدستور الأمریکی المشار إلیه أعلاه، فقد ساوت المادة 133 منه بین القوانین الاتحادیة وجمیع المعاهدات الدولیة واعتبرتهما مع الدستور القانون الأعلى للاتحاد. وعلى الرغم من وضح النص الدستوری، فأن محکمة العدل العلیا للأمة قد فسرت سنة 1999 هذه المادة بشکل یجعل من المعاهدة الدولیة فی المرتبة الثانیة بعد القانون الأساسی وفی مرتبة أعلى من القوانین العادیة والاتحادیة معتبرة أن القانون الأعلى الذی أشارت الیه المادة 133 هو الدستور وهی بهذا التفسیر ترجح المسار السابق. ومن الجدیر بالذکر أن المحکمة بهذا التفسیر الذی یعد الأحدث نسبیاً قد تخلت عن تفسیر سابق لها لذات المادة کانت قد تبنت المساواة بین المعاهدات والقوانین الاتحادیة.
ویترتب على هذا النهج، أن المعاهدات الدولیة تأتی فی مرتبة أدنى من الدستور فلابد أن تکون متناسقة مع احکامه وان یتم تفسیرها فی ضوء قواعده. وأنه من شأن معاهدة لاحقة إلغاء قانون سابق والعکس صحیح ایضًا (دون أغفال نهوض المسؤولیة الدولیة فی الحالة المعاکسة) مع مراعاة مبدأ النص الأکثر ملائمة المشار الیه فی مواطن سابقة من البحث. ومن الجدیر بالذکر أنه فی معظم الأحیان فإن المعاهدات ذاتها هی التی تنص صراحة على هذا المبدأ.
المطلب الثالث
مکانة المعاهدات الدولیة فی التشریعات العراقیة
أن سیاق المنطق القانونی یحتم علینا البدء بالدستور العراقی باعتباره القانون الأسمى على المستوى الوطنی فضلاً عن دوره المرجعی الذی تدور فی منواله شرعیة ما سواه من قوانین وجوداً أو عدماً. ولو أمعنا النظر فی مواد دستور العراق لسنة 2005 قدر تعلق الأمر بموضوع البحث، نجدها قد أوجزت فی الاشارة إلى المعاهدات الدولیة صراحة أو ضمناً . فقد تمت الإشارة ألیها فی ثلاثة مواد بشکل صریح وفی قلة من المواضع بشکل ضمنی لاسیما فی نص المادة الثامنة منه والتی سنفصل بها بعض الشیء لما لها من علاقة بموضوع البحث.
لقد اشارت المادة 61 منه إلى اختصاص مجلس النواب بسن قانون بأغلبیة ثلثی عدد أعضاءه، ینظم عملیة المصادقة على المعاهدات والاتفاقیات الدولیة. فی حین أن المادة 73 منه تضمنت تولی رئیس الجمهوریة المصادقة علیها بعد موافقة مجلس النواب. وقد منحت المادة 80 منه صلاحیة التفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقیات الدولیة والتوقیع علیها لمجلس الوزراء، وقد أعادت المادة 110 ذات المضمون عندما جعلت هذه الاختصاص من اختصاص السلطات الاتحادیة الحصریة.
من خلال التأمل فی هذه النصوص نجد أن الدستور العراقی بخلاف الکثیر من دساتیر الدول الاخرى، کما سلفت الاشارة إلى ذلک، لم یحدد طبیعة مکانة المعاهدات والاتفاقیات التی یعقدها أو ینضم إلیها العراق وطبیعة العلاقة التی تربطها بالمنظومة القانونیة الوطنیة. إن اهمال الدستور معالجة هذا المسألة المهمة یفتح الباب لاستنباط هذه المکانة وهو أمر یصعب التوصل إلیه عبر سبیل واحد. وإذا ما أردنا المضی قدماً فی البحث عن سبب هذا الموقف من قبل المشرع الدستوری، فـإننا لا نجافی الصواب اذا ذهبنا الى القول أن سبب ذلک یکمن فی الاعتقاد الذی کان مهیمناً على لجنة کتابة الدستور عند مناقشة مسودة المادة الثامنة من أن ((مصادقة العراق على ایة معاهدة أو اتفاقیة دولیة یجعلها فی مرتبة أعلى من القانون الداخلی بما فی ذلک الدستور)). إذ کان من المقرر أن تشیر المادة إلى احترام العراق للاتفاقیات والمعاهدات الدولیة، مما دفع ببعض الاعضاء اقتراح الاشارة إلى عبارة اکثر عمومیة (الالتزامات الدولیة). وباعتقادی کان الأجدر بلجنة کتابة الدستور أن تولی هذه القضیة مزیداً من الاهتمام والمشورة لأهل الاختصاص وعدم الاکتفاء بموقف آنی تم التعبیر عنه فی سیاق المناقشات.
وقد سار قانون المعاهدات الذی تم تشریعه تطبیقاً للمادة 61 من الدستور على نهج الدستور ذاته. إذ لم یحدد هذا القانون مکانة المعاهدات فی المنظومة التشریعیة العراقیة. إلا انه قد حدد ألیة التزام جمهوریة العراق بالمعاهدات حسب نوع المعاهدة، حیث جعل تبادل وثائق التصدیق وسیلة الالتزام فی المعاهدات الثنائیة أما المعاهدات متعددة الأطراف فقد میز بین حالتین: الحالة الأولى : خلال المدة المحددة للتوقیع وفی هذه الحالة ینبغی أیداع وثائق التصدیق خلال المدة المحددة، أما الحالة الثانیة فتکون فی حالة انتهاء مدة التوقیع أو بعد دخول المعاهدة متعددة الأطراف حیز النفاذ، وعندها فیعد إیداع وثائق الانضمام کفیلا بترتیب أثر الالتزام من قبل العراق بأحکام المعاهدات من هذا النوع.
وعلى الرغم من عدم نص القانون المذکور بصورة صریحة على التکییف القانونی للمعاهدات التی یلتزم بها العراق وعلاقتها بالتشریعات الداخلیة، کما اسلفنا القول، إلا أنه یمکن استنباط هذه المکانة من خلال تحلیل نصوص أحکامه التی تناولت الآلیة القانونیة التی ینبغی اتباعها داخلیاً. فقد اشترطت المادة 17 منه بشکل عام موافقة مجلس النواب بالأغلبیة المطلقة لعدد أعضاءه على قانون التصدیق أو الانضمام إلى المعاهدات، فی استثنت بعض المعاهدات على سبیل الحصر نظراً لأهمیتها بسبب موضوعها الذی قد یتعلق بالسیادة الوطنیة کمعاهدات ترسیم الحدود، أو لارتباطه بقضیة الحرب والسلام فضلاً عما یترتب على بعض منها التزامات استراتیجیة بعیدة المدى کتلک المتعلقة ببناء التحالفات السیاسیة والامنیة والعسکریة أو التی تؤسس منظمات إقلیمیة أو تنظم الانضمام الیها، حیث اشترط القانون موافقة مجلس النواب بأغلبیة الثلثین ولم یکتف بالأغلبیة المطلقة. من جهة أخرى فقد أشار القانون إلى سلسلة من الأحکام الإجرائیة التی ینبغی مراعاتها کی تصبح المعاهدة نافذة داخلیاً، ویمکن ایجاز هذه الاجراءات بما یأتی:
أولاً: تتولى وزارة الخارجیة بعد موافقة مجلس الوزراء بأعداد کافة الوثائق المتعلقة بالتفویض والتصدیق.
ثانیاً: طلب المشورة القانونیة من مجلس شورى الدولة بشأن مشروع المعاهدة . ویتحتم على المجلس إرسال رأیه القانونی مع النسخة المعتمدة من المعاهدة من قبله إلى الجهات الحکومیة ذات الصلة وإلى الامانة لمجلس الوزراء التی تتکفل بإرسالها إلى مجلس الوزراء لغرض الحصول على موافقته على التخویل بالتفاوض والتوقیع.
ثالثاً: ترسل المعاهدة بعد التوقیع علیها مدعومة بوثیقة التخویل بالتفاوض والتوقیع إلى الامانة العامة لمجلس الوزراء لغرض موافقة المجلس ومن ثم ارسلها إلى مجلس النواب للمصادقة علیها .
رابعاً: تصادق رئاسة الجمهوریة على المعاهدة بعد موافقة مجلس النواب، وتُعد مصادقاً علیها بعد مضی خمسة عشر یوماً من تاریخ تسلمها. ومن ثم تتولى وزارة العدل نشر المعاهدة وقانون تصدیقها أو الانضمام الیها فی الجریدة الرسمیة.
وفی هذا السیاق یمکن القول أنه یترتب على تحلیل الاحکام الموضوعیة والاجرائیة التی تضمنها قانون المعاهدات معززاً بالأحکام الدستوریة نتیجة مفادها أن المشرع العراقی اشترط ذات شروط نفاذ وتشریع القوانین العادیة على المعاهدات لنفاذها داخلیاً. وهذا یدفعنا إلى القول إلى أن المشرع العراقی وأن لم یصرح موقفاً واضحاُ فی تبنیه أیا من المبادئ الفقهیة التی عالجت العلاقة بین القانون الداخلی والدولی إلا انه من الواضح بمکان أنه أقرب فی موقفه إلى نظریة الازدواج منه إلى نظریة الوحدة. حیث أنه لم یعالج، دستوریاً أو وفقاً للقوانین الاعتیادیة، التوحید أو الدمج بین الاحکام الدولیة والقانون الوطنی فضلا عن عدم انشغاله بمبدأ سمو أیاً منهما على الأخر والذی یعد من مرتکزات نظریة احادیة القانونیین. فی حین صب جوهر اهتمامه على الیة المصادقة والالتزام بالمعاهدات مانحاً الیها ذات القیمة القانونیة للقوانین الداخلیة، وعلیه فأنه من الناحیة النظریة على أقل تقدیر متما استوفت ایة معاهدة الجوانب التشریعیة التی تم الاشارة ألیها أعلاه فأنها تعامل معاملة القانون الاعتیادی. وعلى هذا الاساس یمکن القول أن الاتفاقیات والمعاهدات الدولیة التی یصادق علیها العراق أو ینضم إلیها وینشر قانون التصدیق أو الانضمام فی الجریدة الرسمیة تعد جزءا من القانون الداخلی دون أن تکون لها ایة علویة على القانون الداخلی وانما تعامل معاملة التشریعات الداخلیة، أما اذا وجد تعارض بینها وبین القوانین الداخلیة، فأن القاضی الوطنی ملزم بتطبیق قواعد التفسیر العامة، کالخاص یقید العام أو اللاحق یلغی أو یعدل أو یقید السابق ...الخ. وهذا بدوره قد یستتبع المسؤولیة الدولیة إذا ما أخلت بالتزاماتها المفروضة علیها بموجب المعاهدة محل التطبیق. حیث أن المادة 27 من اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات لسنة 1969 لم تجز الاحتجاج بالنصوص الداخلیة کمبرر لعدم تنفیذ المعاهدات.
المبحث الثانی
مدى حجیة الاحکام الدولیة أمام القضاء الوطنی
مما لاشک فیه فأن التباین فی مواقف الدول تجاه مکانة المعاهدات ضمن تشریعاتها الداخلیة تنعکس سلباً أو إیجاباً على الدور الذی یمکن أن یمارسه القاضی الوطنی فی سیاق اصداره للأحکام القضائیة. وبغیة التعرف على موقف القضاء الوطنی تجاه الاحتجاج بالقواعد الدولیة فی احکامه فأننا سنقسم هذا المبحث إلى فرعین یستقصی الأول منهما موقف القضاء بصورة عامة وأما الثانی منهما فسیسلط الضوء على موقف القضاء العراقی حیال هذه المسألة.
المطلب الأول
احتجاج القاضی الوطنی بالأحکام الدولیة
انطلاقاً من موقف دساتیر الدول تجاه مکانة القواعد الدولیة ضمن نظمها التشریعیة، یمکن القول أن للقضاء الوطنی دوران کاشف ومنشئ. فالدور الکاشف فأنه یتجسد فی الدول التی تبنت موقفاً واضحاً فی منح المعاهدة مکانة معینة ضمن تشریعاتها الداخلیة وذلک من خلال تبنی أی من المسارات التی تمت الإشارة إلیها أعلاه. أما الدور المنشئ فهو ما یمکن أن یقوم به القضاء الوطنی فی الدول التی لم تکن مکانة المعاهدات او القواعد الدولیة واضحة فی دساتیرها، فیأتی دور القضاء لیحدد فی سیاق النزاعات المعروضة أمامه إمکانیة الاحتجاج بالقواعد الدولیة من عدمه محدداً مکانتها وعلاقاتها بالنظام التشریعی الوطنی.
وفی سیاق الدور الکاشف للقضاء الوطنی نجد أن القضاء الدستوری الفرنسی یحجم عن التدخل فی الحکم على دستوریة معاهدة من عدمها لاعتبار ذلک من أعمال السیادة. أما القضاء العادی فأنه یمنح المعاهدة منذ نشرها سمواً فی التطبیق على حساب القانون العادی سواء کان لاحقاً لها أو سابق علیها، تطبیقاً لنص المادة 55 من الدستور الفرنسی لسنة 1958. فقد قضت محکمة النقض الفرنسیة عام 2000 أن نص المادة 188 من قانون الانتخابات الفرنسی لسنة 1999 والتی تضمنت أحکاماً بتقسیم الدوائر الانتخابیة باستبعاد هذا القانون من التطبیق کونه یتعارض مع احکام العهد الخاص بالحقوق المدنیة والسیاسیة لعام 1966 وأحکام نصوص الاتفاقیة والأوربیة لحقوق الإنسان لسنة 1950. کما قضت ذات المحکمة فی حکم سابق لها عام 1975 بتطبیق المادة 95 من معاهدة روما للسوق الأوربیة المشترکة للعام 1957 على حساب قانون الکمارک الفرنسی رغم أنه صدر لاحقاً على المعاهدة. وفی السیاق ذاته یأتی موقف القضاء الأمریکی کاشفاً لمکانة المعاهدة التی حددها الدستور الأمریکی کما سبق الاشارة إلیه، حیث أعتبر الدستور الأمریکی المعاهدات القانون الأعلى للبلاد . حیث رجح القضاء الأمریکی تطبیق المعاهدة على التشریع الداخلی للولایات سواء کان سابق أو لاحق، تطبیقاً للمادة السادسة من الدستور الأمریکی. وفی هذا الاتجاه فقد قضت محکمة جنوب نیویورک الفدرالیة سنة 1988 بتطبیق وسمو اتفاقیة المقر الموقعة بین الامم المتحدة والولایات المتحدة عام 1947 على أحکام قانون مکافحة الارهاب لسنة 1987 والذی أعتبر منظمة التحریر الفلسطینیة منظمة ارهابیة وأوجب أغلاق مکاتبها فی الولایات المتحدة بما فیها مکتبها لدى منظمة الأمم المتحدة ورفضت الغلق.
ومن جهة أخرى فأنه من الأمثلة القریبة على الدور المنشئ للقضاء الوطنی هو القضاء الأردنی، حیث لم یشر الدستور الأردنی على وجه الدقة إلى مکانة المعاهدات ضمن النظام التشریعی الاردنی. إذ أشار الدستور إلى طریقة نفاذ المعاهدات داخل التراب الأردنی دون تحدید لمکانتها أو قابلیة الاحتجاج بها أمام القضاء. وهذا ما فسح المجال أمام القضاء الأردنی للاجتهاد فی تطبیق المعاهدات من عدمه. ومن خلال تتبع القرارات التی صدرت من محکمة التمییز الأردنیة نجد أنها اعتبرت أن الاتفاقیات التی تبرمها الدولة تسمو على القوانین العادیة النافذة وانها واجبة التطبیق وفی حالة التعارض فلا یجوز تطبیق أی قانون یتعارض مع احکام معاهدة أو اتفاقیة ولا یمکن الاحتجاج به.
المطلب الثانی
احتجاج القاضی الوطنی العراقی بالأحکام الدولیة
لقد أنعکس عدم وضوح موقف المشرع العراقی تجاه مکانة المعاهدات ضمن المنظومة التشریعیة الداخلیة على عمل القضاء ورکونه لتسبیب احکامه إلى القواعد الدولیة. فعلى الرغم من أن المسح العام للأحکام القضائیة یبن بوضوح ندرة النوع منها الذی یستند على الاحکام الدولیة، إلا ثمة استثناءات فیها تکرس الرأی الذی ذهبنا إلیه اعلاه من أن المشرع العراقی وضع ذات شروط القانون العادی لنفاذ المعاهدات على المستوى الوطنی. وقد أکدت المحکمة الاتحادیة هذا الموقف عندما ردت دعوى المدعی الذی طالب بإلغاء معاهدة مبرمة بین العراق والولایات المتحدة مستندة فی حکمها إلى أن المعاهدة محل النقاش ما تزال قید التشریع ولم یکتمل تشریعها بما یمکن المحکمة النظر فیها إذ ان الدعوى رفعت قبل مصادقة رئیس الجمهوریة على قانون توقیع الاتفاقیة وقبل نشرها فی الجریدة الرسمیة. وقد عکست الممارسات القضائیة فی بعض احکامها هذا الموقف سواء قبل القضاء العادی أم من قبل القضاء الدستوری.
فعلى مستوى القضاء العادی : یمکن سرد بعض الاحکام التی تدل على أنه تعامل مع المعاهدات التی صادق العراق أو انضم الیها باعتبارها جزء من المنظومة التشریعیة الداخلیة بحیث استندت إلى بعض مواد المعاهدات والاتفاقیات فی دعم وتکییف احکامها. منها على سبیل المثال :
أولاً: حکم محکمة جنایات نینوى فی الدعوى (رقم الدعوى 779/ج/ 2009 فی 22/2/2010) والذی قضى ببراءة المتهم عصام صلاح الدین قاسم من التهم المنسوبة الیه استناداً الى مجموعة من نصوص ومواد المواثیق الدولیة التی اشارت الى أن مقاومة الاحتلال بکافة اشکاله بما فی ذلک الاعمال المسلحة تعد مشروعة، مستندة فی حکمها على الاتفاقیة العربیة لمکافحة الارهاب التی صادق علیها العراق و نشرت فی الوقائع العراقیة، عدد 4104 فی 5/1/2009، دون أن یؤسس حکمه على قانون مکافحة الارهاب والذی على أساسه تم إحالة الدعوى من قاضی التحقیق. حیث قام أحد جنود المارینز یدعى براین کیت بتحریک شکوى أمام محکمة الجنایات فی نینوى ضد أحد المواطنین العراقیین کان قد نفذ هجوماً على دوریة أمریکیة فی مدینة الموصل فی یونیو/حزیران 2009 أصیب جراءها الجندی الأمریکی، وأصیب العراقی بدوره برصاص أفراد الدوریة وألقی القبض علیه.
ثانیاً: حکم محکمة المواد الشخصیة فی الکرادة عندما طبق احکام اتفاقیة القضاء على جمیع أشکال التمییز ضد المرأة (سیداو) لعدم وجود نص نافذ فی المنظومة القانونیة العراقیة یعالج موضوع مطاوعة الزوجة المسیحیة إلى زوجها حیث جاء فیه الآتی (لم تجد المحکمة فی القانون المدنی ما یسعف طلب المدعی، ولم تستطع تطبیق قانون الاحوال الشخصیة لکون مصدره احکام الشریعة الاسلامیة لتعارض ذلک مع حکم المادة الثالثة من الدستور الذی یقر بتعدد الادیان، والمادة (37/ثانیا) منه التی الزمت الدولة بکفالة حمایة الفرد من الإکراه الفکری والسیاسی والدینی، إضافة الى حکم المادة (42) من الدستور التی تنص على حریة العقیدة، وأمام هذا الوضع فأن القاضی ملزم بالفصل فی الدعوى، وقد وجد أن اقرب نص قانونی نافذ ینطبق على هذه الحالة هو حکم القانون المرقم 66 لسنة 1986 وهو قانون تصدیق اتفاقیة القضاء على جمیع أشکال التمییز ضد المرأة (سیداو) وحیث انها جزء من النظام القانونی العراقی وفیها تفاصیل عن عقد الزواج أثناء قیام الزوجیة وبعده وأن احکامه تنطبق على الحالة المعروضة على المحکمة، وبعد اجراء المحکمة تحقیقاتها حکمت المحکمة برد دعوى المدعی).
أما على مستوى القضاء الدستوری: والذی یمارس جملة مهام من بینها الرقابة على دستوریة التشریعات العادیة بغیة الـتأکد من عدم مخالفتها للدستور. وقد أُنیطت هذه المهمة للمحکمة الاتحادیة العلیا والتی تم التأسیس لها بقانون إدارة الدولة لسنة 2004 والذی تم تشریعه لیکون دستور العراق ولیحل محل دستور 1970، وقد منح هذا القانون سلطة النظر فی دستوریة القوانین والانظمة وإلغاء ما یعد مخالفاً. وقد أکد دستور 2005 ذات الاختصاص للمحکمة فی المادة 93 والتی نصت على (تختص المحکمة الاتحادیة العلیا بما یأتی:اولاً: الرقابة على دستوریة القوانین والانظمة النافذة. ..). وانطلاقاً من هذا الدور فقد تعاملت المحکمة الاتحادیة العلیا مع المعاهدات والاتفاقیات الدولیة المصادق علیها من قبل العراق باعتبارها قانوناً وطنیاً لا یختلف عما سواه من القوانین الأخرى من خلال اخضاعها لرقابتها الدستوریة والتأکد من مطابقة احکام المعاهدات للقواعد الدستوریة، وصدر عنها فی هذا السیاق قرار (إن طلب تسلیم المحکوم العراقی من قبل محکمة جنح الشارقة وفق المادة 40 من اتفاقیة الریاض لسنة 1983 المصادق علیها بالقانون رقم 110 لسنة 1983 یخالف دستور جمهوریة العراق لسنة 2005 وبذلک تعتبر المادة المذکورة معطلة وتعتبر غیر دستوریة).وقد جاء هذا الحکم لیؤکد بشکل صریح أن أیة اتفاقیة یصادق علیها العراق ویصدر قانون بمصادقتها تعد تشریعاً وطنیاً وتخضع لذات الآلیات التی یخضع إلیها ای تشریع اخر لان المحکمة الاتحادیة العلیا وهی المحکمة الدستوریة فی العراق التی تنظر فی دستوریة القوانین بحکم صلاحیتها بموجب المادة 93 من الدستور المشار الیها أعلاه، ولهذا قرّرت الحکم بعدم دستوریة المادة لمخالفتها نص المادة 21/أولاً من الدستور التی تقضی بحظر تسلیم العراقی إلى السلطات الاجنبیة، فی حین نص المادة 40/ج من الاتفاقیة یقضی بالسماح بتسلیم المحکومین إلى الجهة التی تطلبه فی أی دولة من الدول الأعضاء فی الاتفاقیة. وهذا الموقف یتعارض مع مبدأ تنفیذ الالتزامات الدولیة بحسن نیة والذی قد یکون سبباً لنهوض مسؤولیة الدول التی تعمل بخلافه.
المبحث الثالث
التحدیات التی تواجه القاضی الوطنی حیال احتجاجه بالنص الدولی
من المنطقی القول أن عملیة تطبیق أی نص قانونی أمام القضاء هی نتاج جملة من التفاعلات والمحددات من أول هذه المحددات النص المراد تطبیقه والشخص الذی یمارس وظیفة التطبیق. ومن هنا فأن ثمة تحدیات تعترض طریق هذه العملیة. أن دراسة هذه التحدیات هی ما سیعکف علیه المبحث الأخیر سواء منها ما تعلق بالنص ذاته (مطلب أول) أو ما أرتبط بشخصیة القاضی وتکوینه (مطلب ثانی).
المطلب الأول
تحدیات موضوعیة (تتعلق بذات النص)
أن حسم مکانة القواعد الدولیة التی تمنحها التشریعات الداخلیة باتجاه معین لا یعنی حسم موضوع تطبیقها من قبل القاضی الوطنی، إذ یعترض هذه العملیة جملة من التحدیات المرتبطة بذات النص الدولی المراد تطبیقه قضائیاً. بعبارة أخرى أن استنفاذ الطرق القانونیة کافة التی تجعل من النص الدولی قابل للنفاذ الداخلی یعترضه عوائق وتحدیات عند تطبیقه . ویمکن حصر هذه التحدیات فی مسألتین الأولى تتعلق بطیعة النص الدولی من حیث ذاتیة التطبیق وعدمه والثانیة مرتبطة باختلاف النص الدولی عن النص الداخلی من حیث الصیاغة نظراً لاختلاف الوظیفیة التفصیلیة لکل منهما.
ففیما یتعلق بالمسألة الأولى : فیقصد بذاتیة التطبیق امکانیة الرکون إلى القاعدة الدولیة لغرض الاحتجاج والمقاضاة أمام القاضی الوطنی بشکل تلقائی دونما حاجة إلى أی اجراء تشریعی، متى ما تمت المصادقة علیها واستقبالها ضمن المنظومة التشریعیة الوطنیة، وهو ما یطلق علیه ایضاً بـ(القابلیة للتطبیق المباشر) أو (الطابع التلقائی للتطبیق). ویتم استکشاف هذا الأثر أما بشکل صریح عن طریق النص علیه مباشرة ضمن نصوص المعاهدة کما فی الاتفاقیة الأوربیة لحمایة حقوق الانسان والحریات الاساسیة أو بشکل ضمنی یستنبط من نیة الأطراف المتعاقدة أو من طبیعة الالتزامات التی تتضمنها المعاهدة فی منح نصوصها هذا الاثر من عدمه. أن تقریر هذا الأثر من عدمه مرتبط إلى حد کبیر بالصیاغة القانونیة لنصوص الدولیة فضلاً عن طبیعة الالتزامات التی تنطوی علیها. فلکما کانت الصیاغة دقیقة ومحکمة ومتضمنه لقاعدة واضحة اقتربت من التلقائیة فی التطبیق، وبذلک یمکن القول باستبعاد الاتفاقیات أو المعاهدات التی یکون موضوعها محصور فی تنظیم العلاقات بین الدول أو تلک التی تفرض التزامات على أطرافها باحترام الحقوق المقررة دون أن تنشئ حقوقاً مقررة للأفراد. وعلى هذا الأساس تم الاعتراف من قبل القضاء الوطنی الفرنسی بالأثر المباشر لأحکام العهد الخاص بالحقوق المدنیة بشکل عام والسیاسیة على عکس العهد الخاص بالحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة والتی یتوجب الـتأکد من امکانیة التلقائیة بشکل منفصل حسب کل مادة. وفی هذا السیاق یمکن الاستخلاص إلى شرطین لابد من توافرهما فی النص الدولی لیکون ذاتی التطبیق الأول: أن ینشئ حقوقاَ للأفراد ولا یقتصر على تنظیم العلاقة بین الأطراف، والثانی أن لا یشترط لتطبیقه أی عمل تشریعی وطنی، وهذه الشروط یتم التوصل الیها من خلال تحلیل النصوص والالتزامات التی تتضمنها.
أما المسألة الثانیة التی تتعلق باختلاف النص الدولی عن النص الداخلی من حیث الصیاغة، تعرف الصیاغة القانونیة بانها وسیلة لتحویل المادة الاولیة التی تتکون منها القاعدة القانونیة إلى قواعد عملیة صالحة للتطبیق الفعلی على نحو یحقق الغایة التی یفصح عنها جوهرها ویتم ذلک عن طریق اختیار الوسائل والادوات الکفیلة بالترجمة الصادقة لمضمون القاعد واعطائها الشکل العلمی الذی تصلح به للتطبیق کقواعد سهلة الفهم. وبالتالی فهی عملیة تحویل قیم من صورتها الذهنیة إلى صورة واقع ملموس قابل للتطبیق. ومما لاشک فیه فأن ولادة النص عبر المرور بمراحل الصیاغة یرمى منها إلى تحقیق وظیفة معینة، وإذا کانت هذه الوظیفة تبدو أکثر وضوحاً فی صیاغة القوانین الوطنیة التی تکون محددة فی غایة وهدف قابل للتنبؤ والقیاس، فأنه فی صیاغة القوالب التشریعیة الدولیة قد یبدو أکثر تعقیداً. إذ غالباً ما تکون النصوص الدولیة نتاج لعملیة توفیقة بین إرادات دولیة متعارضة أو ربما متصارعة الأمر الذی ینعکس على طریقة صیاغة النص الدولی والذی یأتی بصیغة أکثر عمومیة وأقل دقة من النص الوطنی. إذ غالباً ما یتجنب واضعو النص الدولی الولوج فی التفاصیل یحجموا عند تقنین المبادئ والقواعد العامة تارکین مهمة التفصیل للتشریعات الداخلیة. وفی هذا السیاق لابد من الاشارة إلى نوعین من الصیاغة القانونیة، الصیاغة الجامدة والتی تعنی حصر مضمون النص القانونی فی معنى محدد ثابت غیر قابل للتأویل، والصیاغة المرنة التی تقتصر على وضع معیار تارکة تحدید حالات انطباق المعیار من عدمه على من توکل إلیه مهمة تطبیق القاعدة القانونیة . مما لاشک فیه أن لکل اسلوب منهما ما یمیزه من مزایا وما یشوبه من عیوب ولعل التفصیل فی ذلک یخرج من دائرة اهتمام البحث. وما یهمنا فی هذا الشأن أن النص الدولی غالباً ما یعتمد النوع الثانی من الصیاغة والتی اختلف الفقهاء فی صفتها الإلزامیة ففی الوقت الذی جردها البعض من هذه الصفة، منحها البعض الاخر صفة الالزام دون امکانیة الاحتجاج بها مباشرة أمام القضاء. ویبدو الأمر اکثر صعوبة عندما یراد الاحتجاج بالنص الدولی أمام القاضی الوطنی الذی اعتاد على التعامل مع نصوص محددة الالفاظ والدلالة تعکسها سیاسیة تشریعیة موحدة تحتکم لذات اللغة والادلالة . إذ من الممکن تصور اختلاف الدلالات بین النص الدولی والنص الداخلی بسبب اللغة المستخدمة والتی قد تقتضی الترجمة فضلاً عن السیاقات المتباینة التی تحکم کل نص. وعلى هذا الأساس نجد أن القضاء الوطنی اختلف من دولة إلى أخرى فی موقفه تجاه الاعتراف بالتطبیق التلقائی للنصوص الدولیة حتى لو اتجهت إرادة الدول أو نصت المعاهدات إلى ذلک لأن الأمر یتجاوز فکرة الإرادة إلى ذاتیة النص وامکانیة تطبیقه من عدمها.
المطلب الثانی
تحدیات ذاتیة (تتعلق بتکوین القاضی)
أن القول بذاتیة تطبیق ای نص دولی أو صدور تشریع داخلی لتذلیل تطبیق ما یفتقر إلى تلک الذاتیة لا یعنی بالضرورة تعبید طریق الاحتجاج به من قبل القاضی الوطنی. فغالباً من یعترض هذا الطریق تحدیات ترتبط بشخصیة القاضی وتکوینه المعرفی وما یتسم به من فروق فردیة تمکنه من الانزواء بعض الشیء من میدانه المعتاد فی ممارسة وظیفته والمتمثل فی التشریعات الوطنیة إلى الفضاء التشریعی الدولی الأوسع. ومن خلال الملاحظة والاستقصاء وجدنا أن أغلب القضاة لا سیما فی البلاد النامیة ومنها العربیة لا یمیل إلى الرکون إلى النص الدولی کأساس یبنی علیه حکمه بل یصب عصارة اجتهاده على ما متوافر من نصوص داخلیة مستعیناً بأدواته التفسیریة المعنیة وما تتضمنه من علاقات ثنائیة بین النصوص المختلفة کتلک المتعلقة بالسابق واللاحق أو العام والخاص أو المطلق والمقید، معتکفاً على المنظومة التشریعیة الوطنیة تفسیرا وتطبیقاً دون أن یتعداها إلى الدولیة منها أو یحاول المزواجة بینمها على أقل تقدیر. وثمة عوامل تحول دون لجوء القاضی الوطنی إلى تکییف احکامه على وفق القواعد الدولیة التی اصبحت جزءً من القوانین الداخلیة بعد استفاءها الشروط الموضوعیة والشکلیة التی تتطلبها الدول فی دساتیرها. منها ما هو نفسی یرتبط بشعور القلق والریبة للقاضی الوطنی حیال النصوص الدولیة لأنه ینظر الیها کقوانین اجنبیة ولیس کجزء من النظام القانونی لدولته. بالإضافة إلى اسباب أخرى تتعلق بالثقافة القانونیة السائدة والتی هی احدى مخرجات السیاسیة التعلیمیة فی هذا الشأن. إذ لاتزال المناهج القانونیة فی کثیر من مفاصلها ترکز على نظریات ومفاهیم صیغت ابان نشوء فکرة الدولة القومیة وما لازم هذا التحول آنذاک دون الاخذ بنظر الاعتبار التطور الحاصل فی المجتمع الدولی والتطورات التکنولوجیا وسرعة التواصل والتی جعلت من العالم قریة صغیرة متصلة ومتواصلة. فلو امعنا النظر فیما یدرس لطلبة کلیات الحقوق فی العراق على سبیل المثال نجده انموذجاً تکریساً لهذا الاتجاه أذ تخصص مساحات واسعة من الکتب المقررة لهذه النظریات سواء تلک المتعلقة بمفهوم السیادة التقلیدی او تلک التی تناقش العلاقة بین القانون الدولی والقانون الوطنی دون ربط علمی ومنطقی بما ال الیه التعامل الدولی إلا ما ندر، ومن دون محاولة لفهم موقف الدولة من هذه النظریات. إذ غالباً من ینهی الطالب دراسته الأکادیمیة معتقداً أن ما درسه فی مادة القانون الدولی العام لا یتجاوز کونه نصوص تاریخیة أو سرد ماضویاً لما حصل، وأن الواقع تحکمه قواعد ومبادئ لا علاقة لها بما درسه. فعلى سبیل المثال لم یخصص جزء من المنهج لمکانة المعاهدات فی التشریع العراقی ولم یتم اقتراح قانون المعاهدات العراقی المشار الیه اعلاه کمفردة ضمن المقرر لیتم دمجها وتوظیفها فی فهم جزئیات هذه العلاقة بین القانونیین. ولعلنا لا نجافی الصواب إذ ذهبنا بالقول أن ذات هذه الاشکالیة تنسحب إلى مقررات المعهد القضائی باعتباره الجهة التی تهتم فی تکوین القضاة وتخریجهم، إذ نظرة عامة إلى ما یتلقاه طلبة المعهد تؤکد صب الاهتمام على التشریعات الداخلیة بمعزل عن اشکالیة علاقتها مع القواعد الدولیة لاسیما تلک التی یصادق او ینظم الیها العراق.
أن کل هذه العوامل فضلاً عن عوامل اخرى ذات صبغة سیاسیة مرتبطة بالسیاسیات التشریعیة الوطنیة وأخرى مرتبطة بالسیاقات المتبعة فی العمل القضائی ساهمت فی رسمت حاجزاً بین القاضی الوطنی وتلک القواعد الدولیة. وهذا ما یفسر لنا أن أغلب الاحکام التی صدرت من بعض المحاکم والتی استندت فیها على قواعد دولیة، والتی تم الإشارة إلى بعضها، تم ردها فی مراحل الاستئناف والتمییز. فقد ردت محکمة التمییز قرار محکمة جنایات الموصل بشأن الجندی الأمریکی براین کما أن محکمة التمیز رفضت حکم محکمة المواد الشخصیة والذی اعتمد على احکام اتفاقیة سیدوا لسنة 1979 ، حیث اعتبرت أن نصوص المعاهدات الدولیة والنصوص الدستوریة لا تتعدى کونها مبادئ عامة یسترشد بها المشرع عند سن القوانین. بل أن بعض الکتاب اعتبر أن من شجاعة القاضی و موضوعیته الرکون إلى القواعد الدولیة کأساس یبنی علیها حکمه ویؤسس له.
الخاتمـة
لقد رکز البحث عبر مباحثه الثلاثة على مدى امکانیة القاضی الوطنی من الاعتماد على القواعد الدولیة تبریراً لأحکام یصدرها بمناسبة النزاع المعروض أمامه، والتی تعد فی نهایة المطاف أحدى نتائج العلاقة بین القانون الدولی والوطنی. وعلى الرغم من قدم وأصالة التنظیر لهذه العلاقة إلا إن تطبیقاتها وما یتمخض عنها من آثار تبقى ممتدة ومتجددة. إذ أن الأمر فی الوقت الراهن قد تجاوز فکرة التنظیر إلى التطبیق، إذ اصبح للقاعدة القانونیة الدولیة حیزاً داخلیاً وأثراً موضوعیاً . ومن خلال دراسة وتحلیل النظریات التی سیقت لتأطیر العلاقة بین القانونین (نظریة الوحدة والثنائیة) وما القته من ظلال على مواقف الدول تجاه مکانة القواعد الدولیة ضمن منظوماتها القانونیة الداخلیة، اتضح لنا ومن خلال الاستقصاء إن الدول عادة ما انتهجت مساراً من بین اربعة اتجاهات لتنظیم مکانة المعاهدات فی دساتیرها، حیث تدرجت هذه الاتجاهات من السمو والترجیح للقواعد الدولیة على حساب القواعد الدستوریة إلى المساواة بینهما أو المساواة بینها وبین القوانین العادیة مروراُ بمنزلة تسمو على الأخیرة وتکون أدنى مرتبة من القواعد الدستوریة. وقد تبین من خلال التحلیل الاثر المترتب على کل تجاه لا سیما فیما یحدد قدرة القاضی على اعتماد القواعد الدولیة کأساس لحکمه والیة التعامل مع ای تعارض محتمل بین التشریعات الوطنیة والدولیة.
وفیما یتعلق بمکانة المعاهدات ضمن النظام التشریعی العراقی وجدنا من خلال الدراسة والتحلیلأن الدستور العراقی بخلاف الکثیر من دساتیر الدول الاخرى، لم یحدد طبیعة مکانة المعاهدات والاتفاقیات التی یعقدها أو ینضم إلیها العراق وطبیعة العلاقة التی تربطها بالمنظومة القانونیة الوطنیة. إلا أنه یمکن استنباط هذه المکانة وفی هذا السیاق یمکن التوصل من خلال تحلیل الاحکام الموضوعیة والاجرائیة التی تضمنها قانون عقد المعاهدات معززاً بالأحکام الدستوریة إلى نتیجة مفادها أن المشرع العراقی اشترط ذات شروط نفاذ وتشریع القوانین العادیة على المعاهدات لنفاذها داخلیاً. وعلى هذا الاساس یمکن القول أن الاتفاقیات والمعاهدات الدولیة التی یصادق علیها العراق أو ینضم إلیها وینشر قانون التصدیق أو الانضمام فی الجریدة الرسمیة تعد جزءا من القانون الداخلی دون أن تکون لها ایة علویة على القانون الداخلی وانما تعامل معاملة التشریعات الداخلیة، أما اذا وجد تعارض بینها وبین القوانین الداخلیة، فأن القاضی الوطنی ملزم بتطبیق قواعد التفسیر العامة، کالخاص یقید العام أو اللاحق یلغی أو یعدل أو یقید السابق ...الخ. ورغم ذلک فقد تبین قلة الممارسات من هذا النوع فی ساحة القضاء العراقی وأنها لم یکتب له المضی فی التأسیس والتأصیل لاتجاه قضائی فی هذا المسار، بل انها قد تم نقضها فی المراحل المتقدمة من الدعاوى.
من ناحیة أخرى فقد اتضح أن للقضاء الوطنی دوران کاشف ومنشئ. فالدور الکاشف فأنه یتجسد فی الدول التی تبنت موقفاً واضحاً فی منح المعاهدة مکانة معینة ضمن تشریعاتها الداخلیة. أما الدور المنشئ فهو ما یمکن أن یقوم به القضاء الوطنی فی الدول التی لم تکن مکانة المعاهدات او القواعد الدولیة واضحة فی دساتیرها، فیأتی دور القضاء لیحدد فی سیاق النزاعات المعروضة أمامه إمکانیة الاحتجاج بالقواعد الدولیة من عدمه محدداً مکانتها وعلاقاتها بالنظام التشریعی الوطنی. وأخیر فقد تبین أن حسم مکانة القواعد الدولیة التی تمنحها التشریعات الداخلیة باتجاه معین لا یعنی حسم موضوع تطبیقها من قبل القاضی الوطنی، إذ أن استنفاذ الطرق القانونیة کافة التی تجعل من النص الدولی قابل للنفاذ الداخلی یعترضه عوائق وتحدیات عند تطبیقه. أول هذه التحدیات مرتبط بطبیعة النص الدولی من حیث ذاتیة التطبیق وعدمه فضلاً عن اختلاف النص الدولی عن النص الداخلی من حیث الصیاغة نظراً لاختلاف الوظیفیة التفصیلیة لکل منهما. ومن جهة أخرى أن القول بذاتیة تطبیق ای نص دولی أو صدور تشریع داخلی لتذلیل تطبیق ما یفتقر إلى تلک الذاتیة لا یعنی بالضرورة تعبید طریق الاحتجاج به من قبل القاضی الوطنی. فغالباً من یعترض هذا الطریق تحدیات ترتبط بشخصیة القاضی وتکوینه المعرفی وما یتسم به من میزات فردیة تمکنه من الانزواء بعض الشیء من میدانه المعتاد فی ممارسة وظیفته والمتمثل فی التشریعات الوطنیة إلى فضاء الفضاء التشریعی الدولی الأوسع، لأسباب نفسیة ترتبط بشعور القلق والریبة للقاضی الوطنی حیال النصوص الدولیة بالإضافة إلى اسباب أخرى تتعلق بالثقافة القانونیة السائدة والتی هی احدى مخرجات السیاسیة التعلیمیة فی هذا الشأن. إذ لاتزال المناهج القانونیة فی کثیر من مفاصلها ترکز على نظریات ومفاهیم صیغت ابان نشوء فکرة الدولة القومیة وما لازم هذا التحول آنذاک دون الاخذ بنظر الاعتبار التطور الحاصل فی المجتمع الدولی والتطورات التکنولوجیا وسرعة التواصل والتی جعلت من العالم قریة صغیرة متصلة ومتواصلة.
التوصیات: من خلال دراسة وتحلیل موضوع الدراسة یمکن الخروج بالتوصیات الآتیة:
1) تطویر وتحدیث المنهاج الأکادیمیة سواء فی کلیات الحقوق أو المعهد القضائی فیما یتعلق بالعلاقة بین القانون الدولی والوطنی بما یتلاءم والتطورات الحاصلة بهذا المیدان وبما یسهم بتوظیف النظریات التی سیقت فی هذا فی هذا المجال وربطها بالواقع العملی التی تنتهجه الدول حیال هذا المسألة.
2) تدریب وتطویر مهارات القضاة للتعامل مع النصوص الدولیة ودمجها بالمنظومة التشریعیة الوطنیة بما یساهم فی انتاج احکام قضائیة منسجمة والممارسات الحدیثة فی هذا الشأن.
3) السعی لتعدیل النصوص الدستوریة لنص صراحة على مکانة المعاهدات ضمن النظام التشریعی الوطنی، أو تعزیز النصوص الساریة بممارسات وتفسیرات قضائیة توضح مکانة النصوص الدولیة التی ترد فی المعاهدات التی یصادق علیها العراق أو ینظم الیها.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English)
First: Arabic Books
1. Ibrahim Anani, General International Law (Al-Qahra Dar al-Nahdha, 1999).
2. Abu al-Khair Ahmed Attia, The Entry of National Treaties into the Internal Legal System (Cairo, First Edition, Arab Renaissance House, 2003).
3. Tawfiq Hassan Faraj, Entrance to Legal Sciences, (Alexandria, University Culture Foundation, 1976).
4. Hamed Sultan, Aisha Rabet and Salaheddine Amer, General International Law (Cairo 3rd Edition, Arab Renaissance House, 1984).
5. Charles Rousseau, General International Law, translated by Shukrallah Khalifa and Abdul Mohsen Saad (Beirut, Eligibility for Distribution and Publication, 1979).
6. Salaheddine Amer, Introduction to the Study of Public International Law (Cairo, Arab Renaissance House, 2007).
7. Abed Al-Aziz Serhan, General International Law Initiative (Cairo: Arab Renaissance House, 1980).
8. Abdul Qadir Al-Sheikhly, The Art of Legal Drafting, Legislation and Justice (Jordan, Library of The Culture Publishing and Distribution House, 1995).
9. Ali Sadiq Abu Heif, General International Law (Alexandria, Knowledge Facility, 1985).
10. Ali Abdullah Aswad, Impact of International Conventions on Human Rights on Domestic Legislation (Beirut, Al-Halabi Human Rights Publications, First Edition, 2014).
11. Mohamed Sami Abdel Hamid, Origins of Public International Law, Part II International Rule(Alexandria, 7th Edition, University Press House, 1995).
Second: Research and articles in Arabic:
1. Ashraf Arafat Abu Hajar, The Status of General International Law within the Framework of Constitutional Internal Rules, Egyptian Journal of International Law, Volume 60, 2004.
2. Khaled Jamal Ahmed Hassan, Principles of Legislative Drafting (Legal Journal, Fourth Issue, June, 2015).
3. Khairaldin Kazem Amin, Application of Internal Justice of International Treaties (Babylon University Journal, Humanities, Volume 15, Issue 2, 2007).
4. Salem Rawdan Al-Musawi, the role of the judiciary in integrating international conventions with national texts, decisions of the Court of Excellence model, research published on the website: https://www.iraqfsc.iq/uploaded/pdf/role.pdf
5. Dhari Khalil Mahmoud, National Judge's Duty in The Application of Human Rights Conventions Judge Jamal Mohand Mustafa Amodel (Journal of the University of Human Development, issue 2).
6. Omar Saleh Ali Al-Akur, Mamdouh Hassan, A.D., And Bessa Beydoun, Rank of International Treaties in National Legislation and the Jordanian Constitution (Studies of Sharia and Law Sciences, Volume 40, Issue 1, 2013).
7. Minutes of the 2005 Meeting of the Iraqi Constitution Writing Committee (Volume 3, First Edition, Modern Printing and Publishing, Baghdad, 2018).
Third: Messages and messages:
1. Jamila Atmani, Human Rights Protecting Between the Inherent Competence of the Internal Judiciary and the Exceptional Competence of the International Judiciary (Master's Letter to the Faculty of Law and Political Science, Akli Mohand Olhaj University, 2013).
2. Zioui Khaireddine, the integration of international treaties into Algeria's internal legal system, in accordance with the 1996 Constitution (Master's Thesis in International Law and International Relations, Faculty of Law, University of Algiers, 2002-2003).
3. Sofian Abdali, National Judge in the Application and Interpretation of National Treaties (Master's Letter to The Faculty of Law and Political Science, Mohammed Khudhair Biskra University, 2016-2017).
Fourth: Foreign sources:
• Barrena, Guadalupe and Carlos Montemayor, Incorporation of International Law in the Mexican Constitution, (Mexico, Human Rights, Memory of the IV National Congress of Constitutional Law, vol. III, Institute of Legal Research, 2001).
• Carlos Corre, Democracy, Freedom of Expression and Electoral Processes, in the Press and Elections. The government's efforts to support the government's efforts to end the war have been a reality.
• De Oliveira Massuoli, Valerio, Human Rights and International Relations: Status of the International Treaty on Internal Legal Status, (National Journal of Directorate and Jurisprudence, vol.21)
• Gideon Boas, Public International Law Contemporary Principles and Perspectives (Northampton, Edward Elgar Publishing, 2012).
• Gideon Boas, An Overview of Implementation by Australia of the Statute of the ICC, (Journal of International Criminal Justice, Vol.2, 2004).
• Henry J. Steiner, Philip Alston, Ryan Goodman, International Human Rights in Context: Law, Politics, Morals: Text and Materials, (New York, third edition, Oxford University Press, 2008).
• Humberto Henderson, International Human Rights Treaties in the Internal Order: The Importance of the Pro Homine Principle, (Inter-American Institute for Human Rights Magazine, Vol 39, January, 2004).
• Malcolm Shaw, International Law, (New York, Cambridge University Press, 6th edn, 2008).
Fifth: Legal texts:
Constitution of the Republic of Iraq 2005, Constitution of the Republic of Guatemala amended on November 17, 1993, Political Constitution of the Republic of Honduras 1982, Constitution of the Bolivarian Republic of Venezuela 1999, Argentine Constitution amended on 22 August 1994, Constitution of the Republic of Brazil 1988, Political Constitution of the Republic of Costa Rica For the year 1949 and amended in 2001, the Political Constitution of the Republic of Ecuador of 1998, the Constitution of the Republic of El Salvador of 1983, the Constitution of the Eastern Republic of Uruguay of 1966, the Political Constitution of the United States of Mexico of 1917 and amended several times, most recently on January 29, 2016, The Amended Jordanian Constitution of 1952, the French Constitution of 1958. Treaty Law No. (35) of 2015, Iraqi Facts No. 4383, Date: 12-10-2015.
المصـادر
أولاً : الکتب العربیة
1. ابراهیم العنانی، القانون الدولی العام، (القـاهرة دار النهضـة العربیـة، 1999 ).
2. أبو الخیر أحمد عطیة، نفاذ المعاهدات الوطنیة فی النظام القانونی الداخلی، (القاهرة، الطبعة الأولى، دار النهضة العربیة، 2003).
3. توفیق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونیة، (الاسکندریة، مؤسسة الثقافة الجامعیة، 1976).
4. حامد سلطان وعائشة راتب و صلاح الدین عامر، القانون الدولی العام، (القاهرة الطبعة الثالثة، دار النهضة العربیة، 1984).
5. شارل روسو، القانون الدولی العام، ترجمة شکر الله خلیفة وعبد المحسن سعد، (بیروت، الأهلیة للتوزیع والنشر، 1979).
6. صلاح الدین عامر، مقدمة لدراسة القانون الدولی العام، (القاهرة، دار النهضة العربیة، 2007).
7. عبـد العزیـز سـرحان، مبـادئ القـانون الدولی العام، (القاهرة: دار النهضة العربیة، 1980).
8. عبد القادر الشیخلی، فن الصیاغة القانونیة تشریعاً وفقهاً و قضاءً، (الأردن، مکتبة دار الثقافة للنشر والتوزیع، 1995).
9. علی صادق أبو هیف، القانون الدولی العام، (الإسکندریة، منشأة المعارف، 1985) .
10. علی عبدالله أسود، تأثیر الاتفاقیات الدولیة الخاصة بحقوق الإنسان فی التشریعات الداخلیة، (بیروت، منشورات الحلبی الحقوقیة، الطبعة الأولى، 2014).
11. محمد سامی عبد الحمید، أصول القانون الدولی العام، الجزء الثانی القاعدة الدولیة، (الاسکندریة، الطبعة السابعة، دار المطبوعات الجامعیة، 1995).
ثانیاً : البحوث والمقالات بالعربی :
1. أشرف عرفات ابو حجارة، مکانة القانون الدولی العام فی اطار القواعد الداخلیة الدستوریة، المجلة المصریة للقانون الدولی، مجلد 60، 2004.
2. خالد جمال أحمد حسن، مبادئ الصیاغة التشریعیة، (مجلة القانونیة، العدد الرابع، یونیو،2015).
3. خیرالدین کاظم امین، تطبیق القضاء الداخلی للمعاهدات الدولیة، (مجلة جامعة بابل، العلوم الانسانیة، مجلد 15، العدد 2، 2007).
4. سالم روضان الموسوی، دور القضاء فی إدماج الاتفاقیات الدولیة مع النصوص الوطنیة، قرارات محکمة التمیز أّنموذجا، بحث منشور على الموقع الالکترونی :
https://www.iraqfsc.iq/uploaded/pdf/role.pdf
5. ضاری خلیل محمود، واجب القاضی الوطنی فی تطبیق اتفاقیات حقوق الانسان القاضی جمال محند مصطفى أنموذجاً، (مجلة جامعة التنمیة البشریة، العدد الثانی).
6. عمر صالح علی العکور و ممدوح حسن مانع العدوان و مبساء بیضون، مرتبة المعاهدات الدولیة فی التشریعات الوطنیة والدستور الأردنی، (دراسات علوم الشریعة والقانون، المجلد 40، العدد 1، 2013).
7. محاضر أجتماعات لجنة کتابة الدستور العراقی 2005، (المجلد الثالث، الطبعة الأولى، العصری للطباعة والنشر، بغداد، 2018).
ثالثاً : الرسائل والأطاریح :
1. جمیلة عتمانی، ﺣﻣﺎﯾﺔ حقوق الإنسان بین الاختصاص الأصیل للقضاء الداخلی والاختصاص الاستثنائی للقضاء الدولی، (رسالة ماجستیر مقدمة إلى کلیة الحقوق والعلوم السیاسیة، جامعة أکلی محند اولحاج، 2013).
2. ﺯﻴﻭﻱ ﺨﻴﺭ ﺍﻟﺩﻴﻥ، ﺇﺩﻤﺎﺝﺍﻟﻤﻌﺎﻫﺩﺍﺕﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔﻓﻲﺍﻟﻨﻅﺎﻡﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻨﻲﺍﻟﺩﺍﺨﻠﻲﺍﻟﺠﺯﺍﺌﺭﻱ، ﻁﺒﻘﺎﻟﺩﺴﺘﻭﺭﺴﻨﺔ 1996، (رسالة ماجستیر ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﺩﻭﻟﻲ ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ، ﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﺤﻘﻭﻕ، ﺠﺎﻤﻌﺔ ﺍﻟﺠﺯﺍﺌﺭ، 2002-2003).
3. سفیان عبدلی، دورالقاضی الوطنی فی تطبیق وتفسیر المعاهدات الوطنیة، (رسالة ماجستیر مقدمة إلى کلیة الحقوق والعلوم السیاسیة، جامعة محمد خضیر بسکرة، 2016-2017).
رابعاً: المصادر الأجنبیة :
خامساً : النصوص القانونیة :
دستور جمهوریة العراق لسنة 2005، دستور جمهوریة غواتیمالا المعدل فی 17 نوفمبر 1993، الدستور السیاسی لجمهوریة هندوراس لسنة 1982، دستور جمهوریة فنزویلا البولیفاریة لسنة 1999، الدستور الارجنتین المعدل فی 22 أب سنة 1994، دستور جمهوریة البرازیل لسنة 1988، الدستور السیاسی لجمهوریة کوستاریکا لسنة 1949 والمعدل فی 2001، الدستور السیاسی لجمهوریة الإکوادور لسنة 1998، دستور جمهوریة السلفادور لسنة1983، دستور جمهوریة أوروغوای الشرقیة لسنة 1966، الدستور السیاسی للولایات المتحدة المکسیکیة لسنة 1917 والمعدل لعدة مرات أخرها فی 29 ینایر 2016، الدستور الأردنی لسنة 1952 المعدل، الدستور الفرنسی لسنة 1958. قانون عقد المعاهدات رقم (35) لسنة 2015، الوقائع العراقیة العدد 4383، تاریخ العدد :12-10-2015 .