الملخص
تمثل التنمیة المستدامة احدى الاهداف الرئیسة التی تسعى الدول لتحقیقها لکونها تمثل منطلقا نحو الرفاهیة المجتمعیة على وفق الاهداف التی اقرتها الدول فی الشرعة الدولیة و وهی اهداف تسعى للنمو الاقتصادی والاجتماعی بشکل ینعکس ایجابا على حیاة الافراد.
والنظام الضریبی یمثل احد الاطر التی تعمل من خلاله منظومة اهداف التنمیة المستدامة فهو حقل تطبیقی ینتج اثاره ایجابا او سلبا على حسب ما خطط وعلى حسب ما یتم تنفیذه، والیات هذا التنفیذ ومنها التشریع الضریبی والادارة المنفذة لهذا التشریع تشکل اجابة وافیة للسؤال حول مدى تحقیق التنمیة المستدامة فی العراق من خلال الضرائب باعتبارها ایرادا ضعفت اهمیته الى حدِ کبیر مع تزاید الاعتماد الاحادی على الریع النفطی و وجود معوقات عدیدة تمثل تحدیاَ لتحقیق التنمیة المستدامة.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
أدوات تحقیق التنمیة المستدامة فی النظام الضریبی دراسة قانونیة مقارنة-(*)-
قبس حسن عواد البدرانی کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Qabas Hassan Awad Al Badrani College of law / University of Mosul Correspondence: Qabas Hassan Awad Al Badrani E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 30/4/2019 *** قبل للنشر فی 26/5/2019.
(*) Received on 30/4/2019 *** accepted for publishing on 26/5/2019.
Doi: 10.33899/alaw.2020.165253
© Authors, 2019, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
تمثل التنمیة المستدامة احدى الاهداف الرئیسة التی تسعى الدول لتحقیقها لکونها تمثل منطلقا نحو الرفاهیة المجتمعیة على وفق الاهداف التی اقرتها الدول فی الشرعة الدولیة و وهی اهداف تسعى للنمو الاقتصادی والاجتماعی بشکل ینعکس ایجابا على حیاة الافراد.
والنظام الضریبی یمثل احد الاطر التی تعمل من خلاله منظومة اهداف التنمیة المستدامة فهو حقل تطبیقی ینتج اثاره ایجابا او سلبا على حسب ما خطط وعلى حسب ما یتم تنفیذه، والیات هذا التنفیذ ومنها التشریع الضریبی والادارة المنفذة لهذا التشریع تشکل اجابة وافیة للسؤال حول مدى تحقیق التنمیة المستدامة فی العراق من خلال الضرائب باعتبارها ایرادا ضعفت اهمیته الى حدِ کبیر مع تزاید الاعتماد الاحادی على الریع النفطی و وجود معوقات عدیدة تمثل تحدیاَ لتحقیق التنمیة المستدامة.
الکلمات المفتاحیة: التنمیة المستدامة، القانون الضریبی، الادارة الضریبیة، المکلف، التهرب الضریبی
Abstract
Sustainable development is one of the main objectives that countries seek to achieve. It is the entrance to social welfare according to the goals adopted by countries in the International Charter, which aims to achieve economic and social growth in a manner that positively reflects on the lives of their people.
tax system one of the main frameworks through which the system of sustainable development objectives works. It is an applied field that produces its effects positively or negatively according to the plans and according to what is being implemented. The mechanisms of this implementation, including tax legislation and the administration that implemented this legislation, And the study focusing on both Bahraini and Iraqi tax system .
Sustainable development, tax law, tax administration, taxpayer, tax evasion
المقدمـة
تمثل التنمیة المستدامة هدفا منشودا لأغلب الدول فی وقتنا الحاضر لأسباب توصلت الیها معظم الدول ان وجود خطة متناغمة مع الواقع والمنشود یجب وضعها وتذلیل المعوقات امامها لإنجازها وقطعا ذلک یظهر اثره فی المجتمع المحلی وعلى معظم الصعد الاقتصادیة والاجتماعیة بالدرجة الاساس.
اولا: اهمیة الموضوع
تمثل التنمیة المستدامة احدى الاهداف الرئیسة التی تسعى الدول لتحقیقها لکونها تمثل منطلقا نحو الرفاهیة المجتمعیة على وفق الاهداف التی اقرتها الدول فی الشرعة الدولیة و وهی اهداف تسعى للنمو الاقتصادی والاجتماعی بشکل ینعکس ایجابا على حیاة الافراد .
والنظام الضریبی یمثل احد الاطر التی تعمل من خلاله منظومة اهداف التنمیة المستدامة فهو حقل تطبیقی ینتج اثاره ایجابا او سلبا على حسب ما خطط وعلى حسب ما یتم تنفیذه، والیات هذا التنفیذ ومنها التشریع الضریبی والادارة المنفذة لهذا التشریع تشکل اجابة وافیة للسؤال حول مدى تحقیق التنمیة المستدامة فی العراق من خلال الضرائب باعتبارها ایرادا ضعفت اهمیته الى حدِ کبیر مع تزاید الاعتماد الاحادی على الریع النفطی و وجود معوقات عدیدة تمثل تحدیاَ لتحقیق التنمیة المستدامة، فی المقابل نجد النظام الضریبی البحرینی والمنظومة التشریعیة فیه ومدى تأثیر هذا النظام فی تحقیق اهداف التنمیة المستدامة على اعتبار ان کلا النظامین یتبعان دولتین تعتمد على الریع النفطی بشکل اساسی، لکن تبقى الضرائب احدى الادوات المهمة لتوفیر التمویل اللازم لخطط التنمیة المستدامة سواء من حیث الحصیلة او من خلال التشریعات الضریبیة الحامیة للبیئة وللتنوع البیئی فضلا عن الصور التقلیدیة للضرائب.
ثانیا: اسباب اختیار الموضوع
یرجع تناول هذا الموضوع لوجود رکائز حقیقیة للقول بوجود امکانیة لتحقیق التنمیة المستدامة فی القوانین محل المقارنة، من خلال الاستفادة القصوى من امکانیات النظام الضریبی العراقی سواء من حیث کثرة وقدم وتنوع التشریعات الضریبیة العراقیة، فضلا عن القاعدة الاقتصادیة الواسعة سواء من خلال سعة شریحة المکلفین بدفع الضرائب او من خلال حجم النشاط الاقتصادی الخاص والعام وینطبق ذات الامر على النظام الضریبی البحرینی رغم الفارق الزمنی نسبیا من حیث تشریع القانون الضریبی، فی المقابل فان المعوقات عدیدة ومتنوعة تجعل الامر لیس سهلا خاصة فی العراق وهی ذات محتوى تشریعی وتنفیذی تقف فی طریق تحقیق التنمیة المستدامة کما نراها فی عدة دول اخرى ضمن النطاق الاقلیمی للعراق ومنها البحرین.
و یتناول هذا البحث الامکانیات المتاحة لتحقیق التنمیة المستدامة فضلا عما یعیق تحقیقها وصولا لإیجاد نوع من التجانس او الحلول لهذه الاشکالیات تتفق وعنوان البحث المطروح.
ثالثا: فرضیة البحث
1. ان معوقات تحقیق التنمیة المستدامة فی النظام الضریبی العراقی ترجع الى امور لها علاقة بالمنظومة القانونیة للضرائب سواء من ناحیة التشریع الضریبی او من ناحیة الادارة المطبقة للتشریع تعیق تحقیق التنمیة المستدامة.
2. یمکن اعتبار تحفیز الوعی الضریبی لدى المکلف بدفع الضریبة وعلى وجه الخصوص العراقی، فضلا عن الادارة الضریبیة الرشیدة تجعل من امکانیة الاستفادة من الضرائب سواء من خلال الهدف التمویلی ای زیادة الحصیلة الضریبیة او الهدف الاجتماعی بمعنى مظاهر الحوافز الضریبیة، کل ذلک یصب فی کونه احد الحلول الحقیقیة لعدم تحقق التنمیة المستدامة من خلال النظام الضریبی العراقی.
3. ان مواکبة التشریعات الضریبیة للمتغیرات القانونیة والاقتصادیة وتطبیق ذلک من شانه ان یظهر مدى تحقق اهداف التنمیة المستدامة کما هو حاصل فی التشریع الضریبی البحرینی.
رابعاً: هیکلیة البحث
المقدمة
المبحث الاول: مقومات ومعوقات تحقیق التنمیة المستدامة بواسطة التشریع الضریبی
المطلب الاول الاسس القانونیة ومدى الانسجام بین اهداف التشریع الضریبی واهداف التنمیة المستدامة.
المطلب الثانی: الحوافز الضریبیة
المطلب الثالث: معوقات تحقیق التنمیة المستدامة من خلال التشریع الضریبی
اولا: مشکلة التدوین القانونی
ثانیا: تحدیات مبدأ المساواة امام القانون
المبحث الثانی: دور الادارة والمکلف فی تحقیق التنمیة المستدامة
المطلب الاول : مشاکل الادارة الضریبیة ومقومات تحقیق التنمیة المستدامة
اولا : اشکالیة الفساد المالی والاداری
ثانیا: نظم عمل الادارة الضریبیة ودورها فی تحقیق التنمیة المستدامة
المطلب الثانی : اشکالیة الوعی الضریبی لدى المکلف
اولا: الوعی بأهمیة الضرائب لدى المکلف بالضریبة
ثانیا : العدالة الضریبیة وتأثیرها فی تحقیق التنمیة المستدامة
الخاتمة (النتائج والتوصیات)
المبحث الاول
مقومات تحقیق التنمیة المستدامة فی القانون الضریبی
هل للقانون الضریبی دوره فی تحقیق التنمیة المستدامة؟ ان طرح هذا السؤال یجعلنا نبحث فی العلاقة بین القانون الضریبی والتنمیة المستدامة هل هی علاقة الغایة بالوسیلة ام علاقة غیر مباشرة او انعدام لوجود الرابط المباشر بینهما. مع الاخذ بالاعتبار ان ابعاد التنمیة المستدامة المنقسمة لأبعاد بیئیة واقتصادیة واجتماعیة –بهذا الترتیب حصرا طبقا للمعاییر العالمیة تلزمنا بتحدید الموقع الذی یحتله القانون الضریبی فی هذه العلاقات خاصة وان البعد الاقتصادی وفقا للمعاییر الدولیة ومفهوم التنمیة المستدامة یجب ان یعمل لخدمة البعد البیئی والحفاظ على الموارد الطبیعیة وتنمیتها من خلال محاربة الفقر وتأمین الاحتیاجات الانسانیة بطریقة تحقق الرفاهیة المجتمعیة وهی هدف رئیس من اهداف التنمیة المستدامة بمعنى اعادة صیاغة الوسائل ومنها القانونیة لتحقیق اهداف التنمیة المستدامة ذات البعد الاقتصادی عبر:
إعادة تنظیم الحیاة الیومیّة فی انماطها السلوکیة - إعادة هیکلة الاقتصاد الوطنی فی کل صوره وفی کل القطاعات لیحقق الهدف الاقتصادی الاتی "لاشی ینتهی ولا شیء یُفقد، وکل شیء هو مصدر للثروة".
ان هذه الاهداف ذات البعد الاقتصادی تتطلب القیام بستراتیجیات عمل شاملة من قبل الدولة وهیئاتها العامة، فلیس سهلا تغییر انماط السلوک المجتمعی خاصة ذات المحتوى الاقتصادی، اتجاهات الاستهلاک القومی، توزیع الدخل القومی، وغیرها من السیاسات الاقتصادیة العامة. الا انه بالمحصلة ونتیجة للتوجه العالمی لحمایة الموارد الطبیعیة وحفظها بل وتعظیمها للأجیال المستقبلیة، فان هذه الاهداف لن تتحقق على ارض الواقع دون تدخل مباشر من السلطة العامة فهی الموّجه للحرکة الاقتصادیة بالدرجة الاساس، فالموارد تحت سیطرتها وتوزیعها طبقا لقوانین الموازنة العامة السنویة لا ینازعها فیه احد، وعندما نقول السلطة العامة فإننا نقصد على وجه الخصوص السلطتین التشریعیة والتنفیذیة فی الدولة.
ان ما سبق عرضه فی مقدمة هذا المبحث من افکار اولیة تجعلنا نقرر انه مع کل المعطیات لفکرة التنمیة المستدامة وابعادها البیئیة والاقتصادیة والاجتماعیة فانه لا یمکن تحقیق هذه الاهداف ووضع الخطط موضع التطبیق دون استخدام وسائل الدولة القائمة على فکرة المشروعیة وبمعنى ما لدى الدولة من ادوات الالزام والاجبار القائم على فکرة السلطة العامة وامتیازاتها، واهم وسیلة تتقدم فی هذا المجال تعتمدها الدولة الا وهی القانون، فهو من یمنح الدولة الاساس المشروع لممارسة صلاحیاتها بمعنى تنفیذ ما تشاء من اهداف وخطط ضمن منظومة قوانین رأسیة تدعم تحقیق هذه الاهداف، ومن یضع القانون-کما یطلق علیه بالمشرع- ما هو الا مجموعة من العارفین بالقانون واصوله واحکامه والمجازین قانونا لیضعوا الاهداف والخطط فی قوالب نصیة لها اثرها الحاکم والملزم للمجتمع، وان القانون الضریبی احد الرکائز الاساسیة لتحقیق اهداف التنمیة المستدامة من خلال تعظیم الایرادات الضریبیة وحصر الوعاء الضریبی فضلا عن محاولة تقلیل تأثیر التجنب الضریبی رغم مشروعیته الا ان له جوانبه المؤثرة على حصیلة الایرادات الضریبیة اسوة بالأثار الناجمة عن ازدیاد حالات التهرب الضریبی ویمکن تناول هذه المقومات من خلال اظهار مدى التکامل بین اهداف القانون الضریبی واهداف التنمیة المستدامة ودور فاعلیة وقوة القانون الضریبی فی تحقیق التنمیة المستدامة.
المطلب الاول
الانسجام بین اهداف القانون الضریبی ومتطلبات التنمیة المستدامة
ان تنظیم الضرائب بواسطة القانون سیؤدی لتحقیق الاهداف المرجوة للسلطة العامة، وسواء کانت الاهداف تقلیدیة بمعنى الهدف التمویلی البحت لمواجهة تزاید النفقات العامة وتناقص الثروات العامة، او الاهداف المستحدثة فی صورتها المعاصرة (اهداف التنمیة المستدامة) التی تتجاوز تحقیق الاهداف الاقتصادیة والاجتماعیة المرجوة من فرض الضرائب فی المالیة العامة المعاصرة، ولکی تتحقق هذه الاهداف الاخذة بالاتساع والتعدد فإننا بحاجة لوسائل لها تأثیرها المباشر على الاقتصاد الوطنی وعلى المجتمع، ولذا نجد اغلب النظم القانونیة تؤسس لرکائز قویة تجعل فرض الضریبة له مقبولیة لدى المجتمع من خلال وسیلتین:
اولا. دستور الدولة، وهی الوثیقة الاعلى التی تضع الاسس والمبادئ واهداف الدولة موضع الکتابة ذات السمو والحصانة –سواء کان الدستور قابلا للتعدیل ام لا- وعادة هناک نصین او فی الاقل نص واحد تحرص الدول على وضعه فی الدستور وهو قانونیة الضریبة ای عدم جواز فرض او تعدیل او الغاء الضریبة الا بقانون، حمایة لحقوق الافراد المالیة وتنظیما لممارسة النشاط الاقتصادی داخل الدولة وتحصینا لأی فعل تقوه فیه الدولة بفرض عبء مالی جدید او تعدیل عبء مالی قائم او الغائه، فالدستور العراقی لعام 2005 نص فی المادة 28 اولا على "لا تفرض الضرائب والرسوم ولا تعدل ولا تجبى ولا یعفى منها الا بقانون"((، وهنا فصّل المشرع العراقی فی احوال التشریع للضریبة ووضع القیود على حریة السلطة التنفیذیة عند تقدیم مشروعات القوانین الخاصة بالضرائب، ویعتبر احد الثوابت المتفق علیها عالمیا، وبذات الاتجاه نصّ دستور مملکة البحرین على "الضرائب والتکالیف العامة اساسها العدالة الاجتماعیة واداؤها واجب وفقا للقانون" مع الاخذ بالاعتبار نص الدستور البحرینی فی المادة31 منه على عدم تنظیم ای حق او حریة عامة منصوص علیها فی دستور البحرین الا بقانون او بناءً على قانون.
ومع الاخذ بمبدأ القانونیة فان هناک عدة نصوص تتعلق بتنظیم الضرائب تمثل ضوابط وکما یأتی:
1. نص دستور مملکة البحرین فی المادة 15-ب على ضرورة الحفاظ على الحد الادنى للمعیشة ومنع الضرائب من المساس فیه وبذات الاتجاه الدستور العراقی فی المادة 28-2 عندما اوجب اعفاء اصحاب الدخول المنخفضة من الضرائب بما یکفل عدم المساس بالحد الادنى للمعیشة وزاد على هذا الضابط ان اوجب تنظیم هذا الامر بقانون.
2. نصّ الدستور العراقی على معیار او ضابط عدم الرجعیة للقوانین واوجب فی حالة الاستثناء على هذا المبدأ الا تکون قوانین الضرائب مشمولة بهذا الاستثناء وهذا تحصین قوی جدا من المشرع الدستوری یمنع سریان القانون الضریبی على ای وقائع تحققت قبل نفاذ هذا القانون بای حال من الاحوال بالنص على "لیس للقوانین اثر رجعی مالم ینص على خلاف ذلک، ولا یشمل هذا الاستثناء قوانین الضرائب والرسوم".
ثانیا: القانون الضریبی، ان القانون الضریبی ذو طبیعة خاصة فلا تنطبق علیه الاصول المتعلقة بتدرج القاعدة القانونیة، فالقانون الضریبی ذاته مصدر مباشر لتطبیق وتفسیر القانون الضریبی وقوته تأتی فی کونه لا یحیل تنفیذ نصوصه لقوانین اخرى وهذا ما یسمى بذاتیة القانون الضریبی وهو لیس مجرد قانون تنظیمی لتالیة فرض وتحصیل الضرائب بل هو وسیلة حقیقیة لتوجیه النشاط الاقتصادی وتنظیمه بل ومحاربة الاقتصاد غیر النظامی من خلال وسائل حصر المکلفین فضلا عن تنظیم الحوافز الضریبیة فی شکل نصوص قانونیة مباشرة.
وعند تناول القانون الضریبی فی العراق نجد انه ذو سمة تراکمیة لقدم التشریعات الضریبیة حیث یرجع اول قانون بالضرائب فی العراق الحدیث لعام 1923 وهو الضریبة على العقارات صدر اول قانون لضریبة الدخل عام 1927 ومع کافة التحولات السیاسیة والاقتصادیة للدولة العراقیة التی کانت تشهد الغاءً واصدارا للعدید من قوانین الضرائب وخاصة الدخل باعتباره القانون العام او الاساس للضرائب وذلک استنادا للقانون النافذ حالیا رقم 113 لسنة 1982 المعدل، فضلا عن وجود هیکل للقوانین الضریبیة الاخرى سواء المباشرة منها او غیر المباشرة کما فی قانون فرض ضریبة دخل على شرکات النفط الاجنبیة المتعاقدة فی العراق رقم 19 لسنة 2010 الضریبة على دخل شرکات النفط الاجنبیة العاملة فی العراق، وقانون ضریبة العقار رقم 162 لسنة 1959 وتعدیلاته النافذ، والضرائب على راس المال المباشرة کمما فی ضریبة العرصات وضریبة الترکات، اما الضرائب غیر المباشرة فتأتی فی مقدمتها الضریبة الجمرکیة والتی ینظمها قانونین الاول قانون الکمارک رقم 23 لسنة 1984 وقانون التعریفة الجمرکیة النافذ رقم 22 لسنة 2010، فضلا عن قوانین الضرائب على الانتاج والتداول مثل الضریبة على الطابع وعلى المبیعات التی فرضت بموجب قرار مجلس قیادة الثورة رقم36 لسنة 1997 على الخدمات المقدمة فی المطاعم والفنادق کافة.
اما المنظومة القانونیة للضرائب فی البحرین فنجد انها انقسمت الى عدة قوانین منها:
1. قانون ضریبة الدخل رقم 22 لسنة1979 النافذ وهو القانون الاساس للضرائب فی البحرین مع ملاحظة ان الوعاء الضریبی فیه یتحدد بالأنشطة الاقتصادیة التی تکون فی مجال استغلال وانتاج وتکریر النفط او الهیدروکاربونات الطبیعیة المستخرجة من البحرین ارضا او المنتجات المصنعة کاملة او بصورة جزئیة فی البحرین من النفط او الهیدروکاربونات الطبیعیة، وهذا الوعاء یتفق مع اسس الاقتصاد البحرینی الذ تمثل الثروة المعدنیة وخاصة النفط الاساس والرکیزة قیاسا للاقتصاد العراقی الذی تتعدد فیه صور الانتاج الزراعی والصناعی فضلا عن النفط والثروات المعدنیة الاخرى بغض النظر عما اَلت الیه حال الاقتصاد العراقی فی الوقت الراهن.
2. قانون الضریبة على القیمة المضافة رقم 48 لسنة 2018 والتی تفرض على التوریدات فی کل مرحلة من مراحل الانتاج وصولا للمستهلک وهی من الضرائب غیر المباشرة، حیث فرضت على کافة الانشطة الاقتصادیة التی تمارس بصورة مستمرة ومنتظمة بهدف تحقیق الدخل سواء کان النشاط تجاری، صناعی، زراعی، مهنی و خدمی او ای استعمال لممتلکات مادیة او غیر مادیة، والممتلکات المادیة وهی تورید المیاه وجمیع انواع الطاقة بما فیها الکهرباء والغاز والاضاءة والحرارة والتبرید وتکییف الهواء، وقد فرضت على کل تاجر یخضع للضریبة فی البحرین او فی الدول المطبقة للاتفاقیة الموحدة لضریبة القیمة المضافة لدول مجلس التعاون الموحد لدول الخلیج العربی رقم 47 لسنة 2018 ویکون نشاطه الرئیسی توزیع المیاه او الکهرباء او الغاز او النفط.
3. قانون الضریبة الانتقائیة وفق قائمة واسعار محددة على سلع منتقاة وبهدف الحد من استهلاک هذه السلع وتنویع الایرادات العامة من غیر الایرادات النفطیة وشملت السلع التبغ والمشروبات الغازیة ومشروبات الطاقة وذلک استنادا للقانون رقم40 لسنة 2017، استنادا لأحکام الاتفاقیة الموحدة للضریبة الانتقائیة لدول مجلس التعاون لدول الخلیج العربی والمصادق علیها بالقانون رقم39 لسنة 2017، حیث تطبق احکام هذه الاتفاقیة فی کل مالم یرد فیه نص فی قانون الضریبة الانتقائیة البحرینی.
إن ما ورد ذکره من نصوص لقوانین الضرائب سواء فی القانون العراقی ام القانون البحرینی تظهر وجود الاسس القانونیة اللازمة لتحقیق اهداف المشرع من فرض الضرائب وهنا لابد من البحث فی اهداف القانون الضریبی لبیان مدى التلاقی او التکامل مع اهداف التنمیة المستدامة والتی سنستعرض الامرین على التوالی فالقانون الضریبی له هدفین رئیسین عندما یتم تشریعه:
اولا قصد المشرع: ای ما یسعى واضعوا القانون لتحقیقه من خلال وضع الاهداف فی صیغة نصوص قانونیة مباشرة او غیر مباشرة، وقد یفسر المشرع قصده فی الاسباب الموجبة التی یلحقها فی متن القانون کما هو الحال فی قانون ضریبة الدخل العراقی النافذ بتعدیله بالقانون رقم 17 لسنة 1994 والذی قرر الآتی "بهدف تخفیف العبء الضریبی على المواطنین لغرض ترک حصة عادلة من دخل المکلف لتشجیعه على توسیع نشاطه الاقتصادی والدخول فی استثمارات جدیدة ومنح محفّزات ضریبیة للشرکات المساهمة الخاصة او المختلطة فی تحقیق نمو اقتصادی عال .. فقد شُرّع هذا القانون"، وبنفس الابراز للأهداف نصّ القانون البحرینی على الاسباب الموجبة لفرض الضریبة الانتقائیة على التبغ والمشروبات الغازیة ومشروبات الطاقة والذی هو قانون مستقل بذاته ولیس نصوص قانونیة وردت فی قانون عام کان یکون قانون الجمارک على سبیل المثال، غرض المشرع من اصداره اجتماعی ثم اقتصادی وتمویلی، فالعامل الاجتماعی من خلال الحفاظ على الصحة العامة للمجتمع وتقلیل الاتجاه نحو استهلاک بعض السلع المضرة بالصحة العامة ولو على المدى البعید وان تشریع الضریبة على هذه السلع توجیه غیر مباشر بالتقلیل منها ولا یصل لحد المنع.
واهداف المشرع ثلاث رئیسة وقد تتفرع لأهداف ثانویة الا انها تظهر فی :
1. الهدف التمویلی، وهو الهدف التقلیدی لأی قانون بفرض الضرائب، فهی تکلیف مالی یوجب الدفع لمن یخاطبه القانون بالتحاسب الضریبی وینظم جبایة الحصیلة الضریبیة، وهو هدف رئیس لأغنى عنه فی اموال الضرائب تمول الموازنات العامة فی اغلب دول العالم وان وجدت الثروات الاخرى.
2. اقتصادی، استخدام الضرائب وسائل مباشرة لعلاج الازمات التی یواجهها اقتصاد الدولة سواء فی حالة التضخم برفع الاسعار او فرض ضرائب جدیدة او فی حالة الانکماش حیث تستخدم الضرائب کوسائل تحفیزیة من خلال الاعفاء او التخفیض الضریبی.
3. اجتماعی، وان لیس بدرجة تعادل الغرض الاول والثانی الا ان الضرائب فی النظم المالیة المعاصرة اصبحت الاهداف ذات الطابع الاجتماعی ینظر لها کأسس او مبررات لتشریع الضرائب او الاعفاء او التخفیض منها وکوسیلة غیر مباشرة لتحقیق التوازن الاجتماعی بین ابناء المجتمع، وابرز مثال على ذلک اعفاء الحد الادنى للمعیشة او السماحات ای الاعفاءات ذات الطابع الشخصی لمواجهة الاعباء الشخصیة او العائلیة للمکلف "دافع الضریبة"، کما هو الحال فی قانون ضریبة الدخل العراقی رقم 113 لسنة 1982 النافذ فی المادة (12) منه، او ما نصّ علیه المشرع العراقی فی قانون ضریبة العقار فی اعفاء دار السکن التی یسکنها مالکها او اصوله او احدهما او فروعه المتزوجون او احدهم، وهذا النص یوضح البعد الاجتماعی لهذا الاعفاء فی توفیر الامن الشخصی والعائلی لمالک العقار وفی ذلک تحقیق مباشر لهدف التوازن الاجتماعی وتخفیف الاعباء الضریبیة عن المکلفین بدفعها، فضلا عن زیادة اواصر الروابط العائلیة والهدف الاسمى تحقیق العدالة الضریبیة.
ثانیاً: الموازنة بین حقوق الخزانة وحقوق المکلف، لعل القول بتحقیق المصلحة العامة امر معتاد البحث فیه فالأولویة فی النظام الضریبی تحقیق المصلحة العامة، وهو هدف اساس لأی قانون یراد تشریعه فهو امر مفترض على اعتبار ان القاعدة القانونیة تتصف بالصفات العامة المجردة والاّ تخالف النظام العام والآداب العامة، وبمعنى هی تحقق المصلحة لمجموع الافراد المکونین لشعب الدولة، ولهذا الهدف ضرورته الواقعیة فی نطاق القوانین الضریبیة والتی تمثل مظهر مباشرا لاستخدام السلطة العامة فکرة السیادة وسلطة القانون فی اجبار الاشخاص الطبیعیة والمعنویة على اقتطاع جزء من اموالها سنویاً لتلک السلطة استنادا لحکم القانون مبدأ الجبریة.
فی المقابل لابد من عدم اغفال حقوق المکلفین فی المعاملة الضریبیة العادلة فضلا عن حقه الاساس فی ان یعرض اعتراضه ان وجد امام قاضیه الطبیعی کی تتحقق العدالة والتوازن بین ما للخزانة من حقوق وما للمکلف من حقوق ولیس فقط الترکیز على فکرة الواجب والالتزام فحسب، وبالتالی فان اصدار القانون الضریبی یجب ان یقدم تبریرا لهؤلاء الاشخاص ان ما یقتطعه من اموالهم او ما یعفیه من اموال من الخضوع للضرائب یکون طبقا للمصلحة العامة، والتی هی مفهوم متغیر لا یتسم بالثبات وفی ذات الوقت یکون قیاسه نسبیا طبقا للعوامل الاقتصادیة والاجتماعیة وحتى السیاسیة احیاناً.
ولو حاولنا الاجابة على التساؤل لمدى وجود التکامل بین اهداف القانون الضریبی فی کل من العراق والبحرین واهداف التنمیة المستدامة التی حددتها الشرعة الدولیة ضمن ما اطلق علیه بأهداف التنمیة المستدامة 2030 وهی سبعة عشر هدفا لو فصلناها لوجدنا فیها سعة وتنوعا ما بین
اولا : الاهداف البیئیة "6- المیاه النظیفة/ 13- العمل المناخی/ 14- الحیاة تحت الماء/ 15- الحیاة فی البر".
ثانیا: الاهداف الاقتصادیة "1- القضاء على الفقر / 2- القضاء التام على الجوع/7- طاقة نظیفة وبأسعار معقولة/8- العمل اللائق ونمو الاقتصاد/9- الصناعة والابتکار والهیاکل الاساسیة/12- الاستهلاک والانتاج المسؤولان/17- عقد الشراکات لتحقیق الاهداف"، وهنا یمکن ملاحظة استغراق العامل البیئی للأهداف الاقتصادیة وکأنما الاقتصاد هو فی خدمة البیئة.
ثالثا: الاهداف الاجتماعیة "3- الصحة الجیدة والرفاه/ 4- التعلیم الجید/ 5- المساواة بین الجنسین/ 11- مدن ومجتمعات محلیة مستدامة/ 16-السلام والعدل والمؤسسات القویة"، ان هذه الاهداف هی التی تم اعتمادها دولیا لتحقیقه ضمن خطة دولیة تستغرق 15 عاما لغایة العام 2030، والتی اعتبرت ان الهدف الاول فی هذه الخطة والذی اخذ الرقم (1) فی تسلسل الاهداف السبعة عشر وهو القضاء على الفقر وبالتالی ان کان الهدف الاول له دلالات اجتماعیة واقتصادیة فان تأثیر العامل المالی على تحقیقه سیکون کبیراً، فضلا عن کون الهدف ذو بعد عالمی لا یمکن تحقیقه بجهود احادیة لذا نجد ان اهداف الالفیة الثانیة سمیت بالأهداف الانمائیة وکانت الدول النامیة هی المستهدفة بهذه الخطة الاممیة فی حین ان اهداف التنمیة المستدامة توجهت للدول الغنیة والفقیرة والمتوسطة الدخل.
مع ملاحظة ان تحقیق القضاء على الفقر یوجب الاخذ فیه عند وضع الدولة للسیاسات الاقتصادیة والاجتماعیة استنادا للحاجات العامة، وهنا یجدر الاشارة الى توجه الدولة العراقی فی وضع ستراتیجیات لمواجهة الفقر فی العراق خاصة مع تزاید هذا المؤشر الخطیر الذی یتناقض مع امکانیات الدولة العراقیة المالیة الهائلة واقتصادها الریعی (النفطی)، وعلى ذلک فان القانون الضریبی هو احد الادوات سواء المباشرة ام غیر المباشرة التی سیکون لها دور فی القضاء على الفقر والتی هی مشکلة تمویلیة بالدرجة الاساس کما باقی اهداف التنمیة المستدامة الاخرى فلا شیء یمکن تحقیقه دون وجود الاموال اللازمة للأنفاق علیه ووضع البنى التحتیة بل وخلقها ان لم تکن توجد او تحسینها، مع ملاحظة ان تمویل الخطط التنمویة فی ای دولة هو واجب اخلاقی وقانونی على السلطات العامة وان کل ما یقدم من اعانات ومساعدات وقروض دولیة مشروطة ام غیر مشروطة لن یکون بدیلا عن التمویل الوطنی لبرامج التطویر والتحسین فی الدولة خاصة تمویل برامج مواجهة الفقر او المشاکل البیئیة وتعزیز تحقیق اهداف التنمیة المستدامة الاخرى.
المطلب الثانی
الحوافز الضریبیة
وهی احد الادوات التنظیمیة التی یستخدمها المشرع استنادا لهدف او برنامج معد مسبقاً ضمن توجهات السیاسة المالیة العامة للدولة لغرض تحقیق اهداف فی مقدمتها اقتصادیة لأنها تمثّل تحفیزاً لأصحاب رؤوس الاموال على الاستثمار ووضع اموالهم فی اماکن وانشطة توفر الامان الاقتصادی لهم والثقة بان ما وضعوا اموالهم فیه سیحقق نتائج ایجابیة.
وتتنوع الحوافز الضریبیة الى مباشرة من خلال القوانین الضریبیة او غیر مباشرة من خلال القوانین المنظمة للنشطة الاقتصادیة بشکل عام کما فی قوانین الاستثمار، على سبیل المثال نجد قانون ضریبة الدخل العراقی رقم 113 لسنة 1982 عمد الى النص على الحوافز الضریبیة ذات الاساس الاقتصادی وفقا لأغراض تشجیعیة وتوجیهیة، وذلک فی المادة (7- الفقرة 21) عندما اعفت الارباح الناجمة للمکلف من حقول الدواجن والمفاقس التی یمتلکها ویدیرها، وهذا نصّ تشجیعی صریح یوجه فی ذات الوقت من خلال تشجیع الاستثمار فی الانتاج الغذائی وتربیة الطیور والدواجن وبالتالی تحقیق عدة اغراض من هذا النص:
1. اقتصادی، من خلال توجیه رؤوس الاموال الوطنیة والاجنبیة نحو هذا النشاط وبالتالی اقامة المشاریع الاستثماریة وتشغیل الایدی العاملة.
2. بیئی، تساهم هذه الاعفاءات فی تحقیق اهداف التنمیة المستدامة من خلال تشجیع التنوع البیولوجی وبیئة امنة صحیا من خلال اعتماد الشروط المطلوبة قانونا لعمل هذه المشروعات.
3. مالی من خلال تحقیق هدف حمائی، عبر دعم وحمایة المنتوج الوطنی بالإعفاء الضریبی للأرباح المتحققة منه سواء بالإعفاء المطلق او الاعفاء الجزئی.
والمادة 7 المشار الیها اعلاه تناولت اعفاءات اخرى ذات محتوى اجتماعی من خلال اعفاء دور حضانة الاطفال ودخل المخابز والافران وفق اوزان معینة، وقد یأتی الحافز الضریبی فی قوانین غیر ضریبیة کما هو الحال فی قانون الاستثمار الخاص بتصفیة النفط الخام العراقی رقم 13 لسنة 2008 عندما منح الاعفاء الضریبی للشرکات المستثمرة فی قطاع النفط مدة 10 سنوات بشرط التزام الشرکة بقواعد حمایة البیئة وضمان الحفاظ على التنوع البیولوجی والالتزام بنظم السیطرة النوعیة المعمول فیها فی العراق، وبنفس الاتجاه اعتمد المشرّع البحرینی على مفهوم الحوافز الضریبیة لأسباب تشجیعیة کما فی قانون الضریبة على القیمة المضافة الذی اعفى السلع المستوردة للبحرین سواء کان لأسباب سیاسیة او اقتصادیة او عسکریة او اجتماعیة باتجاه تشجیعی للأفراد "الامتعة الشخصیة والهدایا التی ترد بصحبة المسافرین، مستلزمات ذوی الاحتیاجات الخاصة" وغیر ذلک مما یدخل ضمن مفهوم التشجیع لبعض التصرفات ورغم کونها ضریبة عینیة لا تهتم بطروف المکلف الشخصیة واعبائه العائلیة، مع الاخذ بالاعتبار ان الحافز الضریبی لا یأتی فقط فی صورة اعفاءات وانما یأتی بصورة تخفیضات او خصومات ضریبیة وتسمى فی التشریع العراقی بالتنزیلات ای ما ینزّل من دخل المکلف السنوی الاجمالی مقابل کل نفقة یصرفها المکلف للحصول على الدخل ومصروفة فی نفس السنة التی تخصم من حسابها الضریبی وذلک فی المادة 8 منه وکذلک قانون ضریبة الدخل البحرینی الذی اخذ بالخصم الضریبی عنما نصّ على خصم النفقات من اجمالی دخل دافع الضریبة لأغراض تطبیق العدالة الضریبیة والمساواة فی المعاملة الضریبیة مع جمیع من یخضع للضریبة فی البحرین فلدافع الضریبة ان یطلب خصم النفقات التی صرفها فی السنة التی یتحاسب عن مدخولاتها ضریبیاً بشرط ان تکون النفقات معقولة کما فی "نفقات التأسیس والفوائد والعوائد والایجارات والمساهمات والاجور والمکافئات عن الخدمات التی یؤدیها للغیر.."، وبذات الاتجاه نصّ المشرع العراقی على خصم النفقات المصروفة فی سنتها من اجمالی دخل المکلف الخاضع للضریبة بشرط ان تکون موّثقة ومقبولة وان تصرف فی نفس السنة التی یطالب المکلف بخصمها من دخله طبقاً لقاعدة استقلال السنوات المالیة، ومع ما سبق فان للحوافز الضریبیة تأثیرها غیر المباشر فی تحقیق اهداف السلطة العامة من فرض الضریبیة من خلال تطبیق فکرة المساواة والعدالة الضریبیة فضلا عن تحقیق البیئة الضریبیة المتعاونة مع الادارة الضریبیة عندما تجد المشرع والموظف المطبق لهذا القانون یأخذان بالاعتبار ما یتکبده من نفقات واعباء شخصیة وعائلیة او لها علاقة بممارسة نشاطه الاقتصادی فضلا عن ان هذه الحوافز یبرز تأثیرها القوی من خلال ما تمتاز فیه من خصائص:
1. تتقرر الحوافز الضریبیة وفقا لسیاسة تعتمدها الدولة وتضعها فی صیغة قانونیة سواء کان مصدر هذه السیاسة الارادة المنفردة للدولة ام الاتفاقیات الدولیة، وبالمحصلة فان الحوافز الضریبیة اتجاه او سیاسة تتبناها الدولة تطبیقا لخطط واهداف تسعى لتحقیقها من خلال الضرائب سواء بإضافة ضرائب جدیدة او رفع الاسعار الضریبیة او اتخاذ سیاسة مغایرة بتخفیض الضرائب او الغاء بعضها، وفی النتیجة فان التحلیل المادی لفکرة الحافز الضریبی یجعلنا نقول انها حالة تخلّی الدولة عن حصتها من اموال الضریبة جزئیا وبالتالی فوات هذا المقدار من اموال الضریبة من ان یؤول الى الخزینة العامة تحقیقا لأهداف اوسع من فکرة التمویل المالی فحسب.
2. اداة منظمة وفق الیة تشریعیة، فالحافز الضریبی لیس منحة او هبة غیر منظمة قانونا بل طبقاً لنموذج تشریعی تحکمه القاعدة القانونیة فی العمومیة والتجرید.
3. لا یکون الحافز الضریبی مطلقاً من ایّ قید إذ لابدّ من مسوّغ یبرر منح هذا الحافز اقتصادی ام مالی الذی یظهر فی صورة الاعفاءات الضریبیة بدرجة اعلى من الخصومات والتخفیض العائلی والشخصی ویرجع ذلک لکون الحافز تعبیر صریح عن الارادة المنفردة للدولة ولیس حقا ینظمه القانون بمطالبة کما فی النفقات المخصومة او بدون مطالبة کما فی الاعفاءات لأعباء شخصیة وعائلیة.
المطلب الثالث
معوقات تحقیق التنمیة المستدامة من خلال التشریع الضریبی
ان القانون الضریبی کما سبق التأکید علیه هو الوسیلة الابرز لتحقیق اهداف التنمیة المستدامة فی شقّها المالی فإن تنویع الایرادات المالیة وتعظیمها هاجس یواجه جمیع الدول ولکی تتحقق هذه الغایة فان القانون هو الوسیلة المباشرة والاساسیة التی یبنى علیها هذا الهدف، الا ان ما یواجه هذه الوسیلة من تحدیات ترجع لعوامل عدیدة قد تعیق تحقیق اهداف التنمیة المستدامة وهی عوامل متنوعة بعضها یعود للقانون ذاته والاخر للأسباب اجتماعیة وسیاسیة لا علاقة لها بالقانون الضریبی، ویمکن ان نطرح مشکلتین تقف عقبة امام تفعیل دور القانون الضریبی فی تحقیق اهداف التنمیة المستدامة لهما علاقة مباشرة بالجانب القانونی البحت على وجه الخصوص والجانب التطبیقی للقانون الضریبی:
اولا: یمکن اعتبار مشکلة التقنین الضریبی والمقصود فیها لیس الاصدار القانونی للضرائب ونشرها فی الجرائد الرسمیة واصدار التعلیمات او القوانین التفسیریة واللوائح اللاحقة للتوضیح فهذا هو صلب مهمة المشرع التقلیدیة عند اصدار ای قانون وان لم یکن یختص بالضرائب، وانما تتأثر القوانین والنصوص الضریبیة بشکل یؤدی لتحقیق التداخل ولیس التکامل المطلوب بل قد یؤدی الى عدم وضوح الامر لدى الموظف المطبق للقانون الضریبی مع عدم وجود مدونة قانونیة موحدة لکافة قوانین الضرائب مع قوانینها التفسیریة والتعلیمات الموضحة لها فی وثیقة موحدة تجعل من السهولة الرجوع الیها ورفع ای شک او تناقض عند مواجهة ای واقعة او تصرّف له علاقة بالضریبة.
وهذه المشکلة تظهر فی النظام القانونی العراقی والذی رغم قدم القانون الضریبی فیه الا انه یفتقد لوجود مدونة ضریبة کاملة لکافة القوانین والتعلیمات والقرارات الخاصة بشؤون الضرائب اذ تُرک الامر لجهد الادارات الضریبیة المتعاقبة لتنسیق ورفع التشابک والتداخل الذی قد یحدث وهذا یرجع لإشکالیة مهمة تعرضت لها المنظومة القانونیة الضریبیة فی العراق اذ انه مع کل تغییر سیاسی کان یحدث فی العراق من الحکم الملکی مروراً بالحکم الجمهوری ثم الاحتلال الامریکی للعراق والنظام السیاسی الحالی بعد 2005، فان ذلک التغییر کان یظهر بصورة مباشرة من خلال قوانین الضرائب التی تعرضت للإلغاء والتعدیل بشکل تجاوز الحد المطلوب هذا من جهة، من جهة اخرى فان النصوص الخاصة بالضرائب او تنظیمها لم تکن فقط فی قوانین الضرائب بل قد نجد نصّاً فی الاعفاء الضریبی یرد ضمن قانون الاستثمار العراقی رقم (13) لسنة 2006، وقانون حمایة وتحسین البیئة رقم (27) لسنة 2009، ولعل الامر اتخذ منعطفا مختلفا عندما بدأ المشرع العراقی یدخل نصوص ضریبیة ضمن قوانین الموازنة الاتحادیة العراقیة قد تؤدی الى انشاء مراکز قانونیة او تعدیلها والغائها، وابرز مثال على ذلک ما ورد فی قانون الموازنة الاتحادیة فی العراق لعام 2018 الذی جعل سعر الضریبة على المبیعات 5% على کافة السلع المباعة فی المولات ومراکز التسوّق عدا مفردات البطاقة التموینیة رغم وجود قانون خاص بالضریبة على المبیعات فی العراق وهو قانون نافذ وغیر ملغی وما یعنی ذلک من اشکالیات عدیدة فی مقدمتها التعارض بین فکرة الثبات القانونی نتیجة استمراریة التطبیق فی حالة القانون غیر محدد المدة خلافا لقانون الموازنة العامة والذی هو قانون محدد نفاذه بمدة لا تتجاوز السنة عادةً، فضلا عن تبعات ذلک على الموظف الذی یجهل او المواطن الذی لا یعرف بما نصّ علیه قانون الموازنة السنوی.
ان هذا یجعلنا ندعو الى اعتماد مدونة موحدة لقوانین الضرائب والتعلیمات والقرارات الصادرة فی شؤون الضرائب بشکل یحقق مبدأ العلانیة والوضوح ای نشر المعرفة القانونیة.
المبحث الثانی
دور الادارة والمکلف فی تحقیق التنمیة المستدامة
کما ان القانون الضریبی هو الاداة الاولى لتحقیق اهداف السلطة العامة عند تعلق الامر بالضرائب وتحقیق الحصیلة الضریبیة الوفیرة، فان الامر لن یستقیم ان لم یتکامل هذا القانون مع وجود وفاعلیة طرفی العلاقة الضریبیة ای الاشخاص التی یخاطبها القانون سواء ادارة حکومیة تنفذ القانون او شخص طبیعی ومعنوی یطالبه القانون بأداء واجبه الضریبی مع وجود الضمانات والحمایة القانونیة له.
المطلب الاول: تحدیات ومقومات تحقیق التنمیة المستدامة من خلال عمل الادارة الضریبیة
تعد الادارة الضریبیة احد الرکائز الرئیسة لوجود نظام ضریبی ناجح وفعّال ونجاح القانون لا یتحقق الا عند تطبیقه من قبل ادارة قویة، والقوة هنا لیست القوة الاستبدادیة او التی لا یوجد سقف لحدود سلطاتها وصلاحیاتها، اذ ان القوة مصدرها القانون هو من یمنح ومن یمنع طبقا لإرادة المشرّع وهذه الصلاحیات للإدارة الضریبیة قد تکون مقیدة بنص القانون او تقدیریة تعطى لها ضمن ضوابط تراعی حدود هذه الصلاحیات رغم المرونة فی مضمونها والتی تسعى اساساً لتحقیق هدف السلطة فی شؤون الضرائب "الحصیلة الامنة لأموال الضرائب" ومفهوم الامان هنا ینصرف الى تأمین تمویل احتیاجات الدولة.
والتمویل هنا باعتباره هدفا وغرضا یرتبط الى حدٍ کبیر بمفهوم تحقیق المصلحة العامة وهو الهدف ذو الالفاظ الجلیة والمضمون الزئبقی الذی یتغیر بین مجتمع واخر ودولة واخرى، الا انه وفقا للفکرة النظریة فی نطاق الضرائب فالمصلحة العامة من تأمین اموال الضرائب هی تمکین السلطة العامة من اداء واجبها بإشباع الحاجات العامة وتمویل الانشطة الاقتصادیة بصورة مباشرة ام غیر مباشرة، وهذا قطعا سیحقق الضمان المطلوب لسیر المرافق العامة دون خطر التوقف لانخفاض او ضعف التمویل الحکومی لهذه المرافق وبالنتیجة یتحقق التعثّر فی مسار النشاط الاقتصادی فی جانب مهم منه "القطاع العام – بصورة الانفاق المباشر الرواتب واثمان مستلزمات ممارسة العمل العام، او القطاع الخاص من خلال الانفاق غیر المباشر عبر تقدیم المنح والقروض وتمویل السیاسات التشجیعیة ومنها الاعفاء الضریبی"، إن هذه الادارة الضریبیة تعد جزءا رئیسا من السلطة التنفیذیة یسری علیها قوانین ونظم ممارسة الوظیفة العامة من حیث کونها ادارة حکومیة عامة فی الاصل مع وجود بعض الخصوصیة التی تأتی من وظیفتها المباشرة فی تطبیق قانون بعینه –القانون الضریبی-، فالإدارة الضریبیة فی العراق تتمثل بشکل اساس فی الهیئة العامة للضرائب باعتبارها المسؤولة عن تطبیق قوانین الضرائب المباشرة على وجه الخصوص وهی الضرائب الاکثر شمولا للشرائح المکلفة بسداد الضرائب فی العراق –الدخل، العقار على وجه الخصوص- فضلا عن الهیئة العامة للجمارک والتی تطبق قانون الجمارک فی العراق رقم 23 لسنة 1984 والمسئولة عن جبایة الضریبة الجمرکیة فی الاماکن المقررة لذلک طبقا للقانون ووفقا لجداول خاصة بالسلع والاسعار مقررة وفقا لقانون التعریفة الجمرکیة العراقی رقم 22 لسنة 2010 النافذ.
ولو تناولنا الهیئة العامة للضرائب فی العراق فهی قد انشئت طبقا لقانون وزارة المالیة العراقی رقم 92 لسنة 1981 وهی الجهة المخولة قانونا بتطبیق قانون ضریبة الدخل رقم 113 لسنة 1982 وهذا القانون اطلق علیها وصف "السلطة المالیة" فی المادة الاولى منه/ الفقرة 13 "السلطة المالیة: موظف او مجموعة موظفین یخولهم الوزیر الصلاحیات المنصوص علیها فی هذا القانون" وهی صلاحیات متنوعة بین المقیدة والتقدیریة تناثرت عبر نصوص القانون وفوق کل ذلک هی صاحبة الولایة الحصریة فی تطبیق القانون ضمن شؤون الضرائب اذ ان قانون ضریبة الدخل العراقی هو القانون العام او الاساس الذی یحکم کافة المصادر وای دخل یتحقق فی العراق ان لم ینظمه نص قانون خاص فیه فهو یخضع بالنتیجة لحکم قانون ضریبة الدخل رقم 113 لسنة 1982، تتلخص مهمتها فی سلسلة اجرائیة مرتبة من حیث السریان الزمانی للقانون والسریان المکانی ومن حیث الاموال التی تخضع لحکمه والاشخاص المکلفة بأداء الضریبة عن اموالها او اموال غیرها طبقا لعلاقة قانونیة توجب هذا الوصف. ویمکن ان نلخص جملة تحدیات تواجه عمل الهیئة العامة للضرائب فی العراق والادارة الضریبیة بالمجمل فیما یأتی:
ان افضل إصلاح لأی نظام ضریبی یحتاج لرکائز واضحة ومباشرة ای ادارة ضریبیة قویة، فضلا عن قانون ضریبی واضح ومباشر الى جانب مکلف متعاون ویختم ذلک سیاسة ضریبیة تضع الاهداف والخطط موضع التطبیق، والادارة الضریبیة فی العراق حددت اهدافها فیما یأتی:
"تحقیق الایرادات التی تساهم فی تمویل الموازنة العامة، وهذا تصریح مباشر من الادارة ان هدفها الرئیس هو توفیر التمویل المطلوب".
الالتزام بالتطبیق الافضل للقوانین الضریبیة فی جبایة المبالغ المتحققة وایجاد مصادر دخل جدیدة وهذا یعنی عمل اداری ضخم یرتکز على تطویر الیات الحصر الضریبی وتنویعها.
توسیع قاعدة الوعاء الضریبی للحد من التهرب الضریبی، ورغم وجاهة هذا الهدف الا ان الامر لن ینجح مع الاسلوب الافقی وتوسیع واضافة صور جدیدة للوعاء الضریبی مع استمرار التسریب فی الاوعیة الضریبیة القائمة.
تحقیق التوازن الاقتصادی من خلال تحقیق العدالة الضریبیة لکل المکلفین.
تحقیق المساواة فی التکلیف الضریبی.
تعمیق ثقافة الالتزام الطوعی للمکلفین.
وضع کافة الامکانیات واسالیب العمل المتطورة لخدمة المواطنین"
ان هذا الاعلان لأهداف الهیئة العامة للضرائب یوجب مواجهة التحدیات القائمة سواء فی تصاعد حالات التهرب الضریبی بصورة مباشرة وکونها جریمة ضریبیة، او من خلال انتشار الاقتصاد غیر النظامی ای وجود مدخولات لا تخضع للتحاسب الضریبی اما بسبب انتشار العشوائیات نتیجة لضعف تطبیق القانون الضریبی او لسلوکیات اجتماعیة او نفسیة کامنة لدى المکلف بالضریبة فی العراق.
الفساد المالی والاداری، وهو تحدٍ مهم تواجهه الادارة الضریبیة فی العراق اذ یعد سببا مباشرا ومانعا لتحقیق اهداف التنمیة المستدامة، فوجود بیئة سلیمة اجتماعیا فضلا عن تحقیق السلم والعدالة مع المؤسسات القویة لن یتحقق بوجود هذه الآﹶفة، وان کل ما یتم توریده للخزانة العامة لیس الا جزءا یسیرا مما یفترض ان یتم تحصیله، نتیجة لعوامل تضافرت لتحقیق ذلک سواء من خلال بعض السلوکیات غیر السلیمة فی تأدیة الواجبات المنوطة بالموظف طبقا للقانون وذلک لتحقیق مکاسب شخصیة وبنفس الوقت یعد ذلک انتهاکا لقواعد السلوک المهنی الذی یجب الالتزام فیها احتراما للوظیفة العامة، وتتعدد مظاهر الفساد المالی والاداری الى استخدام الرشوة کوسیلة لتحقیق المکاسب المالیة فضلا عن استغلال المنصب والصلاحیات الممنوحة طبقا له للتکسب على المال العام، وقد یرجع السبب لعوامل تقلیدیة اداریة تتمثل بالروتین الاداری وعدم تجاوب الموظف مع اداء مهامه کما ینبغی وجعل المواطن فی حالة معاناة دائمة تدفعه لتقدیم الرشوة تخلیصا لهذا البطء والتأخیر فی انجاز المعاملات الخاصة فیه، ولعل هذه الامثلة توجب على الدولة وضع سیاسة شاملة لمکافحة هذا المرض ومنع انتشاره والقضاء علیه من خلال.
استخدام نظام الادارة الالکترونیة ای حوکمة الادارة الضریبیة وباقی الادارات العامة الاخرى، وهو حل واقعی لمواجهة مظاهر استغلال المناصب العامة من خلال جعل العلاقة رقمیة بین المکلف والادارة الضریبیة نسبیا، فاعتماد منظومة تنظیمیة مرنة ای تقدیم الخدمة العامة بصورة الکترونیة للمکلف بأداء الضریبة یقفل الباب امام الکثیر من مظاهر الفساد.
تطویر وتدریب مهارات العاملین فی الدوائر الضریبیة اذ سینعکس ایجابا على تعاطی الموظف فی الحالات التی تعرض امامهم وتکون لهم القدرة بصورة اوسع واشمل لاتخاذ القرار المناسب قانونا، یقابله جهد کبیر یقع على عاتق الجهات العامة المسئولة عن ادارة الضرائب فی توجیه جمهور المکلفین ای دافعی الضرائب وعموم المجتمع لتکوین ما یسمى بالثقافة القانونیة العامة لغیر المتخصصین ای خلق مجتمع مؤسسات قوی یدعمه مجتمع مدنی متعاون. وهذا تطبیق مباشر لقاعدة الیقین المعلومة لدى المهتمین بالقانون الضریبی والتی تعنی وصول الفکرة کاملة من النص القانونی لمنفذ القانون وللشخص الذی یقع على مصالحه هذا النص بذات المحتوى والفهم دون غموض ولا تناقض فلا نزال نذکر
مقولة الفقیه أدم سمیث "القلیل من عدم الیقین یعادل الکثیر من عدم العدالة الضریبیة".
اعتماد طرق عمل ونظم مستحدثة فی تحقیق الحصر الدقیق للفئات والاموال المستحق علیها التحاسب الضریبی وخاصة الانشطة التی تقع تحت مسمى الاقتصاد غیر النظامی، من خلال محاولة حصرها وادخالها ضمن المنظومة المسجلة للاقتصاد العام، مما یعنی اعتماد نماذج للبطاقات الضریبیة تتمیز بالمرونة وعدم الجمود ومواکبة التغیّر الحاصل فی حرکة العمل والاسواق، خاصة مع ما اعتمدته العدید من الدول من نظم البطاقة الضریبیة الذکیة.
فی المقابل نجد الادارة الضریبیة فی مملکة البحرین ورغم قدم القانون الضریبی نسبیا الا انه لا یوجد تشکیل اداری مستقل ویختص بإدارة شؤون الضرائب وانما مجموعة موظفین عمومیین تابعین لوزارة المالیة یمارسون مهام تطبیق القوانین الضریبیة من خلال عمل الوزارة ولیس من خلال ادارة مختصة، فقانون ضریبة الدخل البحرینی النافذ لا یشیر الى ادارة ضریبیة تعنى بتطبیقه دون سواها وانما کافة الاجراءات توجه للوزیر، وعند الرجوع للهیکل الاداری لوزارة المالیة والاقتصاد الوطنی البحرینیة فإننا سنجد ان مهام تطبیق القوانین الضریبیة یقع على عاتق ادارات تابعة لوزارة المالیة کباقی الادارات المالیة الاخرى ولیس لها الخصوصیة او القانون الخاص الذی یحکم عملها خاصة وان الادارة الضریبیة هی اشبه بالإدارة القاضیة التی تمنح صلاحیات تطبیق القانون وتقدیر الامور طبقا للوقائع التی تعرض امامها ولیس کما هو متبع فی هیکلیة الادارات المختصة بشؤون الضرائب فی البحرین مثل الادارة الخاصة بضرائب القیمة المضافة والادارة الخاصة بضرائب المؤسسات فضلا عن الادارة الخاصة بسیاسة الایرادات العامة.
المطلب الثانی
اشکالیة الوعی الضریبی لدى دافع الضریبة
ان المکلف او دافع الضریبة هو الرکیزة الثالثة فی مثلث العلاقة الضریبیة فبدون وجود المکلف لن یقوم النظام الضریبی على اسس حقیقیة ولیس من جدوى لوجود القانون والادارة ان لم یکن هناک من یحقق الهدف الاهم "دفع الضریبة"، وهذا یستدعی ان تتأسس العلاقة بین المکلف والادارة على اسس واضحة ومحددة کی نخرج فی النهایة الى مجتمع ضریبی یعی اهمیة الضریبة کونها الاداة الاکثر ثباتا لتمویل المجتمع واحتیاجاته بعیدا عن العوامل التی قد تجعل قدرة الدولة التمویلیة متخللة کونها تتأثر بهذه العوامل الخارجیة "ایرادات النفط والثروات الطبیعیة على وجه الخصوص" ورغم النسبة المهمة التی تقوم هذه الایرادات بتمویلها ضمن حجم الایرادات العامة سنویا الا انها لن تبنی اقتصاد یتسم بالثبات النسبی والبعد عن التأثر بالمتغیرات الخارجیة على وجه الخصوص رغم ان باقی الایرادات تبقى عرضة للتأثر الا انها تتأثر بدرجة اقل وضوحا من مبیعات النفط وسواها فضلا عن طبیعتها الناضبة وغیر المتجددة قیاسا للنشاط الاقتصادی القائم على الجهد البشری الذ یتسم بالثبات النسبی والاستمراریة فی ممارسة الانشطة الاقتصادیة.
ان علاقة المکلف بالإدارة الضریبیة وعلى مستوى اعلى بالسلطة العامة التی تفرض الاعباء الضریبیة یمکن ان تفسر وبشکل مرتب تاریخیا على اتجاهین إما علاقة تعاقدیة وهی التفسیر الاقدم لطبیعة القبول بادئ الضریبة ای علاقة تبادل منافع ومزایا یحصل علیها دافع الضریبة مقابل سداد الدین الضریبی او الثمن المدفوع مقابل الخدمات التی یحصل علیها من الدولة، وقد ترسخ هذا المفهوم مدیات زمنیة لیست بالقلیلة، الا ان دخول الافکار الاجتماعیة واخراج دفع الضریبة من الفکرة المادیة البحتة لمفهوم ذو طبیعة معنویة تنطوی على التبادل المتساوی للحقوق والواجبات ضمن منظومة سیاسیة وقانونیة یدعمها رغبة مشترکة بالتکامل والتضامن الاجتماعی لتحقیق الرفاهیة المنشودة ولذا ترسخ لدى الوعی الشعبی ان دفع الضریبة هو واجب قانونی تلزمه مجموعة وثائق واوصاف تجعل لدافع الضریبة علاقة قانونیة "الجنسیة" او اجتماعیة" "الموطن و الاقامة" مع السلطة التی تفرض الضریبة، وهذا التفسیر الاجتماعی اعطى الاجابة عن اسباب دفع الضریبة والتزام الافراد بدفعها وان دوام وتقدم ورفاهیة ای مجتمع تعتمد على اداء الاطراف لواجباتها کما تعاطیها مع حقوقها ای تحقیق فکرة المساواة امام القانون.
اولا اهمیة الضرائب لدى المکلف
ان بیان مدى اهمیة الضرائب للمکلف یعتمد على عدة عوامل:
1. النتائج العملیة لواقع المجتمع المحلی الذی یکون تمویل احتیاجاته العامة من اموال الضرائب، ان عملیة المطابقة الذهنیة لدى المکلف بین فکرة الضریبة الاجباریة الاستبدادیة بما للدولة من قوة تنفیذیة مباشرة على امواله الاقتصادیة تجعله فی حالة من المقارنة المستمرة بین ما یدفعه من ضریبة وبین ما یتلقاه من خدمات عامة او اشباع لحاجاته العامة فی حدها الادنى الحاجة الى تأمین المأکل والملبس والمشرب والحصول على فرص عمل تحقق له اشباع هذه الاحتیاجات.
2. استخدام السلطة العامة للإیرادات العامة ومنها الضریبة فی تمویل الحاجات العامة وتمویل الموازنة العامة للدولة، فالسلطة لیست ذات تأثیر ان لم تظهر بموقف المنفق والمؤمن لحاجات الافراد والمجتمع سواء الاساسیة او التحسینیة والکمالیة وهذا واجبها القانونی والاخلاقی، فان تحقق ذلک فان الوعی بأهمیة الضرائب فی تحقیق الامان الاجتماعی للمجتمع المحلی سیتحقق بصورة تدریجیة وتراکمیة تؤدی الى ثبات هذا المفهوم فی وعی المواطن عموما والاشخاص المکلفین بأداء الضریبة على وجه الخصوص، وان کان السلوک المتبع للموظف المختص بتطبیق القانون الضریبی یتطابق مع هذا الاتجاه ویدعمه قانون واضح ومباشر لا یعطی المجال لتدخل النوازع البشریة غیر السویة فان الوعی الضریبی لدى المجتمع سیتحقق بصورة تدریجیة تجعل دفع الضریبة من الثوابت المسلم فیها کما هو الحال فی المجتمعات المتقدمة اقتصادیا کالولایات المتحدة ودول الاتحاد الاوربی التی تعبّر منظومتها القانونیة افضل تعبیر عن التعاون بین الهرم الثلاثی للعلاقة الضریبیة وان بنسبة عالیة.
3. ان ما یجعل هذه العوامل تحقق الغرض فی شعور المکلف بأهمیة الضرائب یرجع الى المعاییر التی ستعتمدها الادارة الضریبیة عند قیامها بالتحاسب الضریبی فهی تقتطع الضریبة من المواطن لیس لکونه مواطنا فحسب وانما ان یترافق ذلک مع نشاط اقتصادی یحقق له دخلا یخض للضریبة غیر ان فکرة المواطنة تجعل دفع الضریبة مبررا من وجهة اجتماعیة وتجعل الادارة الضریبیة تتعامل معه بسیاق مختلف عن غیر المواطنین سواء بداعی الاقامة او ممارسة النشاط الاقتصادی سواء من حیث الاسعار الضریبیة المطبقة او الشمول بالحوافز الضریبیة.
ثانیا: العدالة الضریبیة وتأثیرها فی تحقیق التنمیة المستدامة
ان اشکالیة الوعی الضریبی بأهمیة الضرائب هی نتیجة لسیاسة عامة تعتمد نماذج قانونیة تطبق على الاشخاص الخاضعین للضریبة، بالتالی فان ما یواجه المجتمعات العربیة والعراق على وجه الخصوص عدم المرونة فی التعامل الاداری مع المتغیرات الاجتماعیة المتسارعة وبالتالی تطبیق نماذج جاهزة صممت ووضعت لحالة زمنیة سابقة لم یعد الوضع الحالی یتفق على استمراریة الاخذ فیها، ومثال ذلک ما تعرضت له المدن التی خرجت من الصراع العسکری خاصة الفترة اللاحقة لعام 2014 ولغایة 2017 وما یعنی ذلک من توقف تام للنشطة الاقتصادیة فی تلک المناطق "محافظات نینوى وصلاح الدین والانبار" الذی یوجب على الادارة الضریبیة التعامل معها بأسلوب یتفق وکونها تعرضت لأسباب قاهرة منعت الاشخاص من التواصل مع الدوائر الضریبیة وتسدید الدیون الضریبیة کونها خرجت عن سیادة الدولة مؤقتا، ولا یمکن القبول بفکرة استمرار سریان القانون مع انقطاع الدخل وتوقفه فهذا ینافی المبادئ الضریبیة وفکرة العدالة الضریبیة على وجه الخصوص اذ ان هذا الاتجاه سیؤدی الى تولید شعور لدى المکلف بالإجحاف وعدم المساواة امام القانون والتی هی احدى نتائج العدالة الضریبیة والتی توجب التمییز فئات المکلفین استنادا لمعیار المقدرة التکلیفیة التی تتحدد بعوامل عدیدة منها طبیعة النشاط الاقتصادی، النفقات المصروفة للحصول على الدخل فضلا عن العوامل المؤثرة على استمراریة ممارسة النشاط الاقتصادی او انقطاعه مما یعنی تحقیق مساواة قانونیة قانونیة حقیقیة دون ضیاع لحق الدولة فی تحصیل الضریبة ودون هدر لحق المکلف فی التعامل الضریبی معه بصورة واقعیة طبقا لمعاییر قانونیة محددة.
الخاتمـة
ان تحقیق التنمیة المستدامة اصبح اساسا تنطلق منه السیاسات العامة لأی دولة ترید اعتماد ستراتیجیة حقیقیة للتطویر والبناء فی کافة الاتجاهات ویمکن ابراز اهم النتائج التی خرجت فیها هذه الدراسة:
الاستنتاجات
ان المنظومة القانونیة فی مملکة البحرین قد واکبت اهداف التنمیة المستدامة المعتمدة اممیا من خلال سیاسة العمل الجماعی المنتجة فی دول مجلس التعاون الموحد لدول الخلیج العربی التی تسهّل کثیرا ادخال التطویر فی المنظومات القانونیة فی الجانبین النظری والتطبیقی.
یفتقر العراق الى وضع سیاسة شاملة تأخذ بالاعتبار الواقع القائم فی الاقتصاد الوطنی والتحدیات التی تواجهه "السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة" لإنجاح ای سیاسة تنمویة تعالج المشاکل والمعوقات على مستوى معالجة مشاکل الفقر والبطالة او مشکلة العجز الدائمی فی الموازنة الاتحادیة سنویاً.
التوصیات
لتحقیق اهداف التنمیة المستدامة من خلال النظام الضریبی وادواته الرئیسة فان ذلک یستدعی حدوث جملة من الامور اهمها :
1. مسایرة التطور المتسارع لاستخدام تقنیات العالم الرقمی ضمن منظومة العمل الاداری، فهو الحل الانجح والاکثر تأثیرا والاقصر فی تحقیق الاحاطة الکاملة بالمجتمع الضریبی دون افراط ولا تفریط وفیه تحقیق لفکرة العدالة الضریبیة من خلال تحدید الاشخاص الخاضعین فعلا والحد من مشاکل التهرب الضریبی او تحویل العبء الضریبی من المکلف قانونا الى اشخاص اخرین وهذا یعنی سیاسة شاملة تبدأ من توفیر البنى التحتیة الى تدریب العاملین فی الادارة الضریبیة یقابلها معرفة ووعی بالقانون الضریبی من المکلفین.
2. تثبیت فکرة وضع مدونة لقانون الضرائب فی العراق ام البحرین، فالوضوح هو الاسلوب الامثل لتحقیق اهداف التنمیة المستدامة فکل ذلک یصب فی مصلحة تطبیق القانون الضریبی بشکل یتفق والاهداف التی شُرع من اجلها، والمدونة تعمد الى توحید الوثائق القانونیة الخاصة بشؤون الضرائب فی مدونة واحدة ترفق فیها الانظمة والتعلیمات او اللوائح التفسیریة للتسهیل على الموظف المطبق للقانون اداء عمله بصورة افضل ویلغی حالة الفجوة الاحتمالیة بین نصوص القوانین وما یطبق نتیجة لکثرة القوانین وتعددها دون وحدة تربطها، فضلا عن معرفة المکلف فی ما له وما علیه.
3. تنمیة القدرات الاداریة والعملیة لدى موظفی الادارات الضریبیة من خلال الدورات التطویریة التی ترکز على جوانب الفحص الدقیق للأنشطة الاقتصادیة وتناول الثغرات التی یستطیع کبار المکلفین التهرب ضریبیا باستخدامها.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English)
Books in Arabic language
1. Raymond Haddad, "The Theory of Sustainable Development", Research Support Program at the Lebanese University, Beirut, 2006.
2. Saad Ghalib Yassin, Electronic Administration, Al Yazuri publisher, Amman - Jordan, 2010.
3. Essam Al-Barzanji, Judicial Power and Judicial Control, 1971.
4. Abdullah Al-Saidi, Tax Legislation in the United Arab Emirates, First Edition, Dubai Police College, 1997.
5. Qabas Hasan Awad Al-Badrani, The brief in Public Finance Law, Zain Legal Publications, Beirut, 2018.
6. Mohammed Abdullah Al-Arabi, Principles of Public Finance and Financial Legislation, Part I, Ramses Press, Alexandria 1953 .
RESEARCHS AND ARTICLS
1.Fatima Abdul Jawad, Administrative and Financial Corruption and its Negative Effects on Iraqi State Institutions and Ways of Addressing it, Research published on the website of the General Authority for Taxation in Iraq www.tax.mof.gov.iq.
2. Qabas Hasan Awad Al-Badrani, Legal Regulation of Financial Incentives in Energy Laws, Al-Rafidain Journal of Law, Faculty of Law, University of Mosul, Issue 60, Volume 17, Year 19, March 2014.
Codes and official documents
1. The Constitution of the Kingdom of Bahrain, 2002.
2. The Iraqi Constitution 2005.
3. The Iraqi Real Estate Tax Law No. 162 of 1959.
4. Bahraini Income Tax Law No. (22) for the year 1979.
5. Law No. 17 of 1994 amending the Iraqi Income Tax Law No. 113 of 1982.
6. Investment law for the liquidation of Iraqi crude oil No. 13 of 2008.
7. Bahraini Value Added Tax Law No. 48 of 2018.
8.Iraqi Federal Budget Law No. 9 of 2018.
9. Administrative structure of the Ministry of Finance and National Economy.
10. Objectives of the General Authority for Taxation in Iraq tax.mof.gov.iq.
11. Sustainable Development Plan, 2030, posted on the United Nations Development / AR / sustainable development / www.un.org website.
12. Report of the World Summit on Sustainable Development, Johannesburg, South Africa, 26 August-4 September 2002, New York, 2002.
13. The Strategy for Poverty Alleviation in Iraq 2018-2022 prepared by the High Committee for Poverty Reduction Strategy in Iraq in cooperation with the Iraqi Ministry of Planning and the World Bank ,https://mop.gov.iq/static
Books in French language
1. M .La ferrier ,cours de legislation financiere,Paris,1948.