الملخص
إن تداعیات الصیاغة الجامدة للنصوص الجنائیة، إلى جانب الآثار السلبیة التی أفرزها التطبیق الصارم للمبادئ الأساسیة لنظریة التجریم والعقاب فی إطار مبدأ الشرعیة الجزائیة، وما ولدته من أزمة معروفة، فإن ذلک استدعى من المشرع الجنائی أن یستعین ببعض أدوات الصیاغة التشریعیة لتجاوز هذه الأزمة، وما یترتب علیها من آثار. ومن جملة هذه الأدوات استخدام المشرع للصور المختلفة للصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة التشریعی لإضفاء نوع من المرونة علیها لمواجهة أنماط وصور ووسائل السلوک الإجرامی المستحدثة. وفضلاً عن ذلک فان الصیاغة المرنة تنعکس أثارها على السلطتین التشریعیة والقضائیة، حیث ان الصیاغة المرنة تجنب المشرع لجوئه الى التعدیل المستمر للنصوص القانونیة، کما انها تمنح القاضی الجنائی سلطة تقدیریة واسعة فی فهم وتفسیر النص، بما یمکنه من تجاوز حالات جمود النص أو عدم انطباقه على الواقعة وهذا کله فی أطار مبدأ الشرعیة الجزائیة دون أن یؤدی ذلک الى خلق جرائم او فرض عقوبات لم یتضمنها النص وان جاء بالصیاغة المرنة.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
الجديد في البحث
إن التطورات المتلاحقة والسریعة التی أدت إلى ظهور أنواع جدیدة من الجرائم کالجرائم الاقتصادیة والالکترونیة وتنوع الأسالیب الجرمیة فی ارتکاب الجرائم بشکل عام قد زاد من حدة أزمة الشرعیة الجزائیة، الأمر الذی یستدعی من المشرع أن یستعین بأسالیب تشریعیة ملائمة للتخفیف من حدة هذه الأزمة.
أصل المقالة
دور الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة فی مواجهة أزمة الشرعیة الجزائیة-(*)-
The Role of Flexible Criminal Law Drafting in Addressing Legality Principle Crises
محمد عباس حمودی کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Muhammad Abbas Hammoudi College of law / University of Mosul Correspondence: Muhammad Abbas Hammoudi E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 13/10/2019 *** قبل للنشر فی 4/12/2019.
(*) Received on 13/10/2019 *** accepted for publishing on 4/12/2019.
Doi: 10.33899/alaw.2019.163251
© Authors, 2020, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
إن تداعیات الصیاغة الجامدة للنصوص الجنائیة، إلى جانب الآثار السلبیة التی أفرزها التطبیق الصارم للمبادئ الأساسیة لنظریة التجریم والعقاب فی إطار مبدأ الشرعیة الجزائیة، وما ولدته من أزمة معروفة، فإن ذلک استدعى من المشرع الجنائی أن یستعین ببعض أدوات الصیاغة التشریعیة لتجاوز هذه الأزمة، وما یترتب علیها من آثار. ومن جملة هذه الأدوات استخدام المشرع للصور المختلفة للصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة التشریعی لإضفاء نوع من المرونة علیها لمواجهة أنماط وصور ووسائل السلوک الإجرامی المستحدثة. وفضلاً عن ذلک فان الصیاغة المرنة تنعکس أثارها على السلطتین التشریعیة والقضائیة، حیث ان الصیاغة المرنة تجنب المشرع لجوئه الى التعدیل المستمر للنصوص القانونیة، کما انها تمنح القاضی الجنائی سلطة تقدیریة واسعة فی فهم وتفسیر النص، بما یمکنه من تجاوز حالات جمود النص أو عدم انطباقه على الواقعة وهذا کله فی أطار مبدأ الشرعیة الجزائیة دون أن یؤدی ذلک الى خلق جرائم او فرض عقوبات لم یتضمنها النص وان جاء بالصیاغة المرنة.
الکلمات المفتاحیة: الفراغ التشریعی، أزمة الشرعیة الجزائیة، الصیاغة الجامدة الصیاغة المرنة، تجزئة القاعدة الجنائیة، القاعدة على بیاض.
Abstract
The implications of the rigid drafting of criminal law rules, and the negative effects of the strict application of the basic principles of the theory of criminalization and punishment along with the legality principle have created a serious crisis in applying the penal law. To overcome this crisis, the criminal legislator has to employ some legislative drafting tools. Among these tools is to employ flexible drafting approach to criminal legislation. In addition, flexibility in drafting benefits both the legislative and judicial authorities, as it avoids the legislator resorting to the continuous amendments of the criminal law ules, and it allows judicial discretion in understanding and interpreting the law in a way that enables judges to overcome cases of stagnation of the law, and cases of non-applicability, and all of that is within the framework of the legitimacy principle - criminal offenses and penalties must be prescribed only by law.
Keywords: Legislative drafting, flexibility and criminal law, criminal law stagnation. legitimacy principle, judicial discretion.
المقدمـة
أولاً- التعریف بالموضوع:
لما کان التشریع الجزائی هو من وضع البشر، لذا فانه لا یمکن أن یکون کاملاً ومستوعباً لجمیع صور السلوک والأفعال الاجرامیة المستحدثة، إذ لا بد أن یعتریه جمود أو أن یشوبه نقص أو یکتنفه غموض، لذا فإن المشرع الجنائی مهما کان ملماً بالموضوع المراد تنظیمه بنص، فلا یمکن أن یحیط بکل تفاصیل الأمور وجزئیاتها وقت سنه للقانون، إذ أنه یعمل فی إطار المبادئ الأساسیة التی تستند علیها نظریة التجریم والعقاب المتمثلة بأن (لا عقاب على فعل أو امتناع إلا بناءً على قانون ینص على تجریمه وقت اقترافه ولا یجوز توقیع عقوبات أو تدابیر احترازیة لم ینص علیها القانون) والمستقر تسمیته بمبدأ (الشرعیة الجزائیة) ، مما یعنی أن ای فعل أو سلوک لا یشکل جریمة إلا إذا وجد نص یضفی علیه الصفة الاجرامیة ، غیر أن تطور عجلة الحیاة وظهور أنماط وصیغ وصور ووسائل مبتکرة فی ارتکاب الجرائم قد حدى بجانب من الفقه الجنائی إلى القول بأن هذا المبدأ یولد أزمة فی اطار هذا التشریع وهی جمود النص الجنائی وعدم قدرته على مواجهة التطورات فی المجتمع وصور السلوک المستحدثة التی لم ترد إلى ذهن المشرع الجزائی عند وضعه وصیاغته لنص التجریم. الأمر الذی یقتضی مواجهة هذا الجمود بنصوص تتسم بنوع من المرونة وذات صیاغة تشریعیة تستجیب لتطورات الأوضاع المختلفة وبما یؤمن ویکفل مواجهة الأزمة التی تنتاب مبدأ الشرعیة الجزائیة.
ثانیاً- اهمیة الموضوع :
تتجلى أهمیة موضوع (دور الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة فی مواجهة أزمة الشرعیة الجزائیة) کونها إحدى الادوات التشریعیة التی یستعین بها المشرع فی صیاغة النص العقابی، کما وتبرز أهمیة الموضوع کونه یعد من اهم صور معالجة الجمود الذی یعتری نصوص قانون العقوبات والأزمة التی یسببها مبدأ الشرعیة الجزائیة والتی یعتمدها المشرع الجنائی المعاصر فی مواجهة تداعیات هذه الأزمة، کما أن أهمیته تتجلى فی ضرورة حضور هذه الفکرة فی ذهن المشرع والفقیه والقاضی لتکون الصیاغة المرنة عاملا مشترکا فی صیاغة النص وتحلیله وتطبیقه.
وبسبب هذه الاهمیة فقد استدعت موجبات البحث العلمی ان نطوف بین اسالیب وفنون الصیاغة التشریعیة من جانب والدور الذی ینبغی ان ینهض به القاضی والفقیه فی استیعاب وفهم السیاسة الجنائیة التی یهدف إلیها المشرع باحثا عنها بین الاسباب الموجبة للتشریع ومعنى وروح النص من جانب اخر.
ثالثاً- هدف الدراسة :
تهدف هذه الدراسة الى أثبات اهمیة الصیاغة المرنة فی مواجهة الازمة الناشئة عن الشرعیة الجزائیة ، کما تهدف الى اهمیة الدور الذی ینبغی أن ینهض به القاضی الجنائی فی استیعاب وفهم وتأویل النصوص الجنائیة من خلال توظیف المرونة التشریعیة لتدارک حالة الجمود والغموض والإبهام الذی یعتری النص لمواجهة کل انماط السلوک الاجرامی المستحدثة، ولیتولى القاضی بالتالی مهمة الموائمة والملائمة بین السلوک النموذجی الذی أورده المشرع فی (النموذج القانونی المجرد) وبین السلوک المرتکب والمعروف فقها بالسلوک الواقعی (الفعل المرتکب)، أی المطابقة بین التجرید والواقع، أی بین ما وصفه المشرع وبین ما أتاه الجانی، وتسلیط الضوء على دور وأهمیة وسائل الصیاغة التشریعیة فی تضمین النص الجنائی قدرا مناسبا من المرونة یسهم فی معالجة أزمة الشرعیة الجزائیة، مستندین فی ذلک إلى الحلول الفقهیة والنصوص التشریعیة وفکرة تجزئة القاعدة الجنائیة.
رابعاً- مشکلة الدراسة :
تتمحور مشکلة الدراسة حول مدى اعتناق المشرع والفقیه والقاضی الجنائی لفکرة الاستعانة بأدوات الصیاغة التشریعیة المرنة، وکیفیة ترسیخ الیقین الکافی لدى القاضی والفقیه فی ادراک مدى فاعلیة هذه الأدوات فی معالجة مظاهر ازمة الشرعیة الجزائیة وسد النقص والغموض الذی یعتری النصوص الجزائیة عند تطبیقها وان یدرک القاضی ان نصوص التجریم تنطوی على قدر کبیر من المهارة والفن التشریعی بما یمکنه من التغلب أو تجاوز الکثیر من مظاهر أزمة الشرعیة الجزائیة.
خامساً- منهجیة البحث :
سنعتمد فی دراسة الموضوع على المنهج التحلیلی والاستقرائی والتطبیقی، منتهجین فی ذلک اسلوب التحلیل القانونی للنصوص الجزائیة والافکار ذات الصلة بالموضوع، مع محاولة تأصیل بعض الأفکار والمعالجات بما ینسجم مع روح القانون الجنائی واهم المبادئ التی یقوم علیها مع إیراد للقرارات القضائیة بهذا الشأن.
سادساً- هیکلیة البحث :
سنتناول هذا البحث بحسب الخطة الاتیة :-
المبحث الأول : مفهوم الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة.
المبحث الثانی : مبررات الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة.
المبحث الثالث: تطبیقات الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة لتخفیف أزمة الشرعیة الجزائیة.
المبحث الأول
مفهوم الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة
تتحلل القاعدة القانونیة جنائیة کانت أم غیر جنائیة إلى شقین : تکلیف وجزاء. أما التکلیف فهو أمر یتوجه به المشرع إلى المکلف بالخضوع للقاعدة القانونیة وإطاعة مضمونها، أما شق الجزاء فیتضمن الجزاء الذی یرتبه المشرع بمقتضى القاعدة القانونیة وذلک لمن یخالف التکلیف الذی تضمنته القاعدة القانونیة أمراً أکان أم نهیاً.
ویعد النص التشریعی هو المصدر الوحید للتجریم والعقاب، وهذا یؤکد احترام والتزام المشرع الجنائی بمبدأ (الشرعیة الجزائیة). وبالتالی فإن القاعدة الجنائیة ما هی إلا افصاح وتعبیر عن هذا المبدأ – وهذا یعنی ان القاعدة الجنائیة هی نتاج قیام المشرع بإفراغ محتوى مبدأ (الشرعیة الجزائیة) فی قالب القاعدة الجنائیة.
وعلى هذا الأساس فإن هذا المبدأ یفید بأن أی فعل من أفعال الأفراد وأی ضرب من أضراب سلوکیاتهم لا یشکل جریمة تحت أی ذریعة إلا إذا وجد نص فی قانون راهن یقرر اضفاء الصفة الاجرامیة على ذلک الفعل المعین ویرتب له جزاء.
لذا فإن استناد المشرع لهذا المبدأ فی صیاغة القاعدة الجنائیة قد یولد ازمة فی النظام الجنائی ویصیب القانون بالجمود والعجز، الأمر الذی یکون فیه المشرع الجنائی مدعواً الى اللجوء إلى اعتماد صیاغة تشریعیة تتسم بقدر من المرونة مستندا فی ذلک إلى وسائل أو أدوات تشریعیة مناسبة لتخفیف هذا الجمود، ولیجعلها مستوعبة لوقائع ومستجدات المستقبل قدر الإمکان وما یترتب من آثار على انفراد التشریع کمصدر وحید فی التجریم والعقاب.
وللوقوف على مفهوم الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة کونها من ادوات الصیاغة التشریعیة للقاعدة الجنائیة، فإننا سنتناول هذا المفهوم فی مطلبین وکما یأتی :-
المطلب الأول: تعریف الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة.
المطلب الثانی: أهمیة الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة
المطلب الأول
تعریف الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة
یتناول هذا المطلب فرعین حیث سنتعرض فی الفرع الاول إلى تعریف الصیاغة المرنة لغة وسنتطرق فی الفرع الثانی الى تعریف الصیاغة المرنة اصطلاحا وکما یأتی :
الفرع الأول: تعریف الصیاغة المرنة لغةً
إن مصطلح (الصیاغة المرنة) یتألف من کلمتین (الصیاغة) و(المرنة) والصیاغة فی اللغة العربیة مشتقة من الفعل الثلاثی (صاغ) وصاغ الکلمة: أی بناها من کلمة أخرى على هیئة مخصوصة وصاغ وصیغة وصیاغة وصیوغة الشیء: أی سبکه أو هیأه على مثال مستقیم.
أی أن الصیاغة یراد بها ترتیب الکلام على نحو معین من أجل إیصال الأفکار والغایات المقصودة بالنص من خلال الألفاظ المستعملة.
أما کلمة مرنة، فهی مشتقة من الفعل مرن، ومرَنَ مرونةً ومروناً ومرانةً: أی لان فی صلابةٍ، ومرن مروناً ومرانةً على الشیء: أی اعتاده وداومه، أی ألفه، فدرب فیه ولان له، وتمرن على الشیء: تدرب وتعوّد، والمرن: ذو المرونة.
الفرع الثانی: تعریف الصیاغة المرنة اصطلاحاً
لا یخفى على المهتمین بالشؤون القانونیة وعلى وجه الخصوص منهم القائمین على أمر الصیاغة التشریعیة، المصاعب الجمة والتحدیات الجدیة، التی تواجههم فی صیاغة مبادئ قانونیة عامة لتلبیة ومواجهة مشاکل الحیاة المختلفة فی جوانبها الاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة، وحیث أن هذه القواعد والمبادئ القانونیة تتطلب قدراً کبیرا من الخبرة والمهارة، لوضعها فی المکان المناسب لکی تتسم فضلاً –عن شروط القاعدة القانونیة المعروفة- بالثبات والاستقرار، الأمر الذی ینبغی أن تصاغ على قدر کبیر من الدرایة والمعرفة بأصول وفن الصیاغة التشریعیة، ومن الطبیعی أن حالة الثبات والاستقرار للقاعدة القانونیة واستیعابها لمستجدات الحیاة، تتطلب أن تکون صیاغتها على قدر من المرونة بما یضمن إبعادها عن شبح الجمود والقوالب الضیقة.
فالصیاغة القانونیة بشکل عام یراد بها مجموعة الوسائل والأدوات والقواعد المستخدمة لصیاغة الأفکار القانونیة والأحکام التشریعیة بطریقة تیسر وتسهل تطبیق أحکام القانون من خلال صهر وقائع الحیاة الیومیة فی قوالب تشریعیة لتحقیق الغرض الذی تنشده السیاسة القانونیة للدولة، ویتم ذلک بتوظیف الوسائل والأدوات المشار إلیها فی ترجمة مضمون القاعدة ترجمة صادقة، وإعطائها الشکل العملی الذی تصلح به للتطبیق, مما یعنی أن الصیاغة التشریعیة فن لابد لتمام معرفته من دراسة مستفیضة وتجربة طویلة, وتستلزم ممن یمارسها أن یکون لدیه قدر کبیر من العلم والمعرفة فی علم القانون وأصوله وتاریخه، ومدرکاً لظروف وتطورات الزمان والمکان والبیئة، لکی ینتهی إلى حلول على شکل قاعدة قانونیة تتصف بالعموم والتجرید والالزام، کما ینبغی أن تکون:
1- شاملة لما یراد تنظیمه حالاً من العلاقات القانونیة وإلى ما یمکن حصوله فی المستقبل.
2- سهلة التطور (مرنة)، وتتوافق مع المراکز المادیة المستجدة.
غیر أن الصیاغة التشریعیة تتباین تبعا لطبیعة الانظمة القانونیة السائدة، کما أنها تتراوح من حیث الأسلوب بین الصیاغة الجامدة والمرنة، فالصیاغة تعد جامدة إذا کانت تواجه فرضا معینا أو وقائع محددة، وتم إیراد نصوصها بشکل محدد تحدیدا جامدا ومحکماً یقید مطبقه تقییداً حرفیاً صارماً، أما الصیاغة المرنة، فهی التی لا تحدد الحکم أو ما تُخضِع له من أفراد ووقائع تحدیداً منضبطاً، جامعاً مانعاً، أی أنها تتسم بإمکانیة الاستجابة لحکم الحالات العملیة المستجدة عند التطبیق، وتمنح جهة تطبیقها قدراً من السلطة التقدیریة على نحو معین ووفقاً لمعاییر وأسس قد یحددها القانون أو یترکها لمحض إرادة القاضی کالنصوص التی تمنح القاضی السلطة التقدیریة فی تقدیر مدة العقوبة بین حدیها الأدنى والأعلى أو النزول بالعقوبة إلى ما دون حدها الأدنى المقرر قانوناً عند توافر عذر قانونی، أو ظرف قضائی معین، أو أن تقرر المحکمة إیقاف تنفیذ العقوبة عندما تلتمس من وقائع القضیة وحیثیاتها وظروف المتهم ما یستدعی ذلک.
وکذلک من النصوص الجنائیة التی یمکن من خلالها إعمال السلطة التقدیریة للقاضی، اجازة المشرع بأن (تحکم المحکمة فی الدعوى بناءً على اقتناعها الذی تکون لدیها من الأدلة المقدمة فی أی دور من أدوار التحقیق والمحاکمة). أو تقدیر عدم اهلیة الشاهد. أو تقدیر الشهادةأو تقدیر إقرار المتهم.
وعلى الرغم من أهمیة الصیاغة المرنة للأسباب والمسوغات التی ذکرناها إلا أن هذه المرونة یجب أن تتلاءم مع طبیعة بعض القوانین وخاصة القوانین العقابیة، أی یجب أن لا تسمح مرونتها بالتعسف أو التحکم فی تطبیقها أو بلوغ أهداف أو اغراض غیر تلک التی توخاها المشرع من صیاغة النص. وإن کان الدور الذی تنهض به محکمة التمییز، یؤدی إلى تلافی هذا التحکم لأنها تقوم بمهمة مراقبة الخطأ فی تطبیق القانون أ, تفسیره.
ومع ذلک فقد ثار خلاف فی الفقه الجنائی حول مدى ملائمة اللجوء إلى الصیاغة المرنة، وذلک لکون هذه الصیاغة تتفق مع العدل الفعلی أو الواقعی وتسایر التطور الاجتماعی ومواجهة ما یطرأ من حالات ووقائع مستجدة، على النقیض من الصیاغة الجامدة التی تحقق العدل المجرّد، إلا أنها تقف حجرة عثرة أمام التطور الاجتماعی رغم اتسامها بالثبات والاستقرار.
أی تکون الصیاغة مرنة عندما تمنح القاضی أو مطبق القانون نوعاً من الحریة فی تحدید فرض القاعدة القانونیة أو فی حکمها أو تمنحه نوع من السلطة التقدیریة التی یستطیع باستخدامها التعامل مع کل قضیة جنائیة حسب ظروف تلک القضیة من أجل تحقیق العدالة وإن نجاح هذه الصیاغة یبقى مرهوناً بدقتها ومرونتها وملائمتها للواقع السیاسی والاقتصادی والاجتماعی.
وبمعنى آخر فان النصوص القانونیة لا ینبغی أن تکون صیاغتها جامدة ومحددة وإنما یجب أن تضفی علیها نوع من المرونة والسعة لتستجیب لحکم الحالات العملیة المستجدة ویمنح الجهة المطبقة قدراً واسعاً من المرونة والسلطة التقدیریة فی تطبیق النص الجنائی. ومن ثم فهو مجال استیعابی لکل امر یمکن ان یرد فی إطار القواعد الجنائیة الایجابیة من دون أن یترتب على ذلک توسیع نطاق التجریم لحالات لا تنطبق علیها ذات الاوصاف القانونیة الواردة فی النص الجنائی، ومثل هذه الصیاغة هی التی تتیح للقاضی الجنائی نوع من السلطة التقدیریة لمعالجة جمود النص او عدم استجابته لاحتواء أنماط السلوک المستحدثة والمتطورة والتی لم تدر فی خلد المشرع عند صیاغته للنص الجنائی، او حالت بینه وبین الافصاح عنها محددات وضوابط الصیاغة التشریعیة والتی لا ینطبق علیها ظاهر النص الا انها تخضع لعلّة التجریم، بما یمکنه بالتالی من التغلب او تجاوز الأزمة الناشئة فی مثل هذه الاحوال عن مبدأ الشرعیة الجزائیة وبذلک تعد الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة أحد ادوات الصیاغة التشریعیة لمواجهة الازمة التی ولدها مبدأ الشرعیة الجزائیة.
ومن الطبیعی أن یستعین المشرع عند صیاغته للقاعدة القانونیة الجنائیة بالمصطلحات المتعارف علیها مع عدم ضرورة استعمال مصطلحات متعددة الدلالة على مفهوم محدد. ألا انها یجب ان لا تضمن حکماً ثابتاً لا یتغیر بالنظر لظروف کل حالة بل على المشرع استخدام ألفاظ مرنة وشاملة تعطی للقاضی الجنائی سلطة تقدیریة فی تحدید السلوک الاجرامی والتکییف القانونی له طبقا للنصوص العقابیة.
وعلیه یمکن تعریف الصیاغة المرنة بأنها: (هی تلک الصیاغة التی تتسم بقدر من المرونة فی المبنى والمعنى، بما یضمن انطباقها على صور السلوک الإجرامی المستحدثة فی إطار مبدأ الشرعیة الجزائیة وبما یکفل عدم تعسف القضاء فی التفسیر والتطبیق).
المطلب الثانی
أهمیة الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة
یخضع قانون العقوبات فی شقی التجریم والعقاب لمبدأ الشرعیة الجزائیة، الذی یعد من الدعائم المهمة التی یقوم علیها هذا الفرع من فروع القانون، والذی مؤداه أن یحاط المخاطب بقواعد التجریم علماً بأنماط السلوک المحظورة والعقوبات المترتبة على خرق هذه المحظورات بشکل مسبق، وبسبب تراکمات أزمة الشرعیة الجزائیة وما ولدته من أزمة معروفة، وبسبب تطورات الحیاة الاجتماعیة والاقتصادیة، وظهور صور ووسائل وأسالیب مستحدثة فی ارتکاب الجرائم، لذا فقد کان لزاماً على القاضی الجنائی أن یسعى إلى التعرف على مقصود المشرع من عبارة النص وأن لا یستهدف إلا الکشف عن هذا المقصود والرجوع إلى الأعمال التحضیریة والمناقشات التی مرت بها صیاغة القانون وأن یطبق النص على الواقعة حیثما تتولد لدیه القناعة بأن ما توصل إلیه یمثل حالة التطابق التام للمعنى الذی أراده المشرع، وسواء کان التفسیر ضیقاً أو واسعاً.
ومن هنا کان لا بد للمشرع الجنائی أن یستعین ببعض الوسائل للتخفیف من جمود هذا المبدأ وذلک بتضمین القاعدة الجنائیة قدراً من المرونة بما یمکن القاضی من إعمال سلطته التقدیریة فی فهم وتفسیر وتأویل النص، وتظهر أهمیة الصیاغة المرنة فی إطار القواعد الجنائیة الخاصة بالتجریم. أی تلک القواعد التی تحدد الافعال التی تعد جرائم وبیان ارکانها وهی من اختصاص المشرع ولیس للقاضی الا تطبیق ما یضعه المشرع من نصوص فی مجال التجریم، والتی یصطلح الفقه الجنائی على تسمیتها (بالقواعد الجنائیة الایجابیة).
ومن هنا کان لا بد للمشرع أن یترک للقاضی قدراً من السلطة التقدیریة فی تفسیر النص وتطبیقه على الوقائع لیتسنى له ضمن حدود معروفة سلفاً الوصول بالنصوص إلى الموائمة والملائمة واستیعاب بعض صور السلوک للجرائم المستحدثة.
وفی هذا الصدد یقول الفقیه الفرنسی برجربت ((أننی لا اخشى القانون إذا طبقه قاض عادل، یقولون ان القانون جامد: واقول: لا : لأنه لا یوجد فی القانون نص لا یحمل التأویل، ویقولون ان القانون میت واقول: لا، لان القاضی حی تلک میزة کبیرة للقاضی على القانون)).
کما یعزز هذا المفهوم الاستاذ ضیاء شیت خطاب قائلاً : ((إن القانون روح قبل ان یکون حرفاً، ومعنى قبل ان یکون لفظاً، فالقاضی هو الذی یحول نصوص القانون الجامدة الى حقائق تنبض بالحیاة)).
وفی السیاق ذاته یقول الفقیه الفرنسی لیون دکی ((فانه لمن الواضح ان على القاضی دائما تقریباً، من اجل حل مسألة قانونیة، أن یحل سلفاً مسألة واقعیة، ولأجل ان یقال ما هو القانون یجب ان یقال قبلاً ما هو الحدث ویضیف قائلاً ... ولا یستطیع القاضی المرفوعة امامه مسألة قانونیة ان یرفض لأی سبب کان اعطاء حل لها، واذا رفض ذلک فانه یرتکب ما یسمى بإنکار العدالة.....)).
وبذلک تتضح أهمیة الصیاغة المرنة للمبادئ العامة فی التشریع العقابی ولقواعد التجریم والعقاب التی تخضع لمبدأ (لا عقاب على فعل أو امتناع إلا بناءً على قانون ینص على تجریمه وقت اقترافه ولا یجوز توقیع عقوبات أو تدابیر احترازیة لم ینص علیها القانون).
وعلى ضوء ما تقدم یمکننا القول أن الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة تتطلب رؤیة عمیقة وقدرة عالیة من قبل المشرع فی استحضار المصالح محل الحمایة الجنائیة، ومهارة فائقة عند صیاغته للنص الجنائی، کما أن على القاضی ان یسعى الى التعرف على مقصود الشارع من عبارة النص، وفی هذه الحالة یتعین علیه تفسیر النص الجزائی تفسیراً یتلاءم مع علة التجریم والأسباب الموجبة للتشریع لیحیط بالمضمون المقصود للقاعدة ومداها الصحیح، بغض النظر عما اذا کان التفسیر الذی اعتمده قد جاء ضیقاً او واسعاً وبما یضمن عدم الخروج على مبدأ الشرعیة الجزائیة. الامر الذی یستدعی من القاضی أن یوظف المرونة فی النص الجنائی حیثما یستدعی العمل القضائی ذلک، فی إطار القواعد المشترکة لفهم التشریع.
المبحث الثانی
مبررات الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة
یمکننا أن نتلمس مبررات فکرة الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة من خلال دراسة الآثار الناجمة عن تطبیق مبدأ الشرعیة الجزائیة وما رافق ذلک من دعوات لفلاسفة القانون الجنائی فی التخفیف من غلواء هذا المبدأ, فضلاً عن توخی هذه المبررات فی أسالیب الصیاغة التشریعیة من جانب وما تتضمنه نصوص القانون الجنائی تصریحاً أو تلمیحاً بإیکال مهمة تفسیر النص الجنائی وتأویله من قبل قاضی الموضوع عن تطبیق النص على الواقعة الجنائیة مستعیناً فی تفسیر هذه النصوص بالمسوغات والأسباب الموجبة التی أملت على المشرع حمایة المصالح والقیم التی اتخذها المشرع محلاً للتجریم.
وسنتولى عرض مبررات فکرة الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة فی مطلبین وکما یأتی:
المطلب الأول : المبررات التشریعیة للصیاغة المرنة.
المطلب الثانی: المبررات الفقهیة والقضائیة للصیاغة المرنة.
المطلب الأول
المبررات التشریعیة للصیاغة المرنة
سنتناول أهم المبررات التشریعیة للصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة فی فرعین وکما یأتی:-
الفرع الأول: جمود مبدأ الشرعیة الجزائیة
إن التقید الصارم بمبدأ الشرعیة الجزائیة المتمثل بالصیاغة الجامدة للنصوص الجنائیة، یعد أحد عوامل ظهور ما یسمى بأزمة الشرعیة الجزائیة, الأمر الذی استوجب مراجعة المشرع الجنائی لأسباب هذه الأزمة ومن ضمنها اعتماد الصیاغة القانونیة التی تنطوی على قدر من المرونة بما یؤمن مواجهة واستیعاب مستجدات المستقبل من صور الجرائم المستحدثة.
الفرع الثانی: التفسیر التشریعی وإصدار الأنظمة والتعلیمات
1- لقد أناط المشرع الدستوری العراقی مهمة تفسیر القوانین للمحکمة الاتحادیة العلیا بموجب المادة 93/ ثانیا من الدستور مما یؤکد أن القوانین وبلا استثناء تحتاج من حیث المبدأ إلى التفسیر, على أن الأمر لا یقتصر على النصوص الغامضة وحدها, ذلک أن النص القانونی یکون فی العادة مختصراً وعاماً ومجرداً, فإذا کان النص واضحاً لا لبس فیه کان دور القاضی فی تفسیره سهلاً میسراً, أما إذا کان النص غامضاً فإنه یحتاج إلى مجهود من المفسّر لاستجلاء معناه ومحتواه, من خلال اسلوب وطریقة صیاغة النص، إذ اصطلح الفقهاء على استعمال کلمة الغموض للدلالة على خفاء المعنى، حتى أصبحت کلمة الغموص ملازمة لکلمة التفسیر، فالتفسیر إذن فی کلتا الحالتین أمراً لازماً للقضاء وهو ما عبر عنه بعض الفقهاء بالقول ( لا قضاء بغیر تفسیر).
2- إن المشرع العراقی قد ألزم السلطات التنفیذیة (مجلس الوزراء) بإصدار الأنظمة والتعلیمات والقرارات التی من شأنها تسهیل تنفیذ تلک القوانین وبغض النظر عما إذا کانت تلک القوانین قد تمت صیاغتها بأسلوب جامد أم مرن, حیث یدرک المشرع تماما أهمیة هذه الأنظمة لتوضیح معانی ودلالات وفحوى نصوص تلک القوانین وتفسیرها.
3- لقد أقر المشرع العراقی للقاضی الجنائی أن یذهب إلى الکشف عن فحوى النص ومضمونه, من خلال التأویل کلما کان هذا التأویل یتلاءم مع الواقعة المعروضة, وأن لا یخطئ فی التأویل عملاً بالمفهوم المخالف لنص المادة (249) من قانون أصول المحاکمات الجزائیة.
4- من المعلوم أن ضمانات الحریة الشخصیة تقتضی أن تصاغ أحکام القوانین الجزائیة بما یقطع کل جدل فی شأن حقیقیة محتواها، لیبلغ الیقین بها حداً یعصمها من الجدل. مما یستدعی ضرورة عدم انطواء النص الجنائی على نقص تشریعی – أی إغفال کلمة أو حرف أو أکثر فی النص الجزائی مما یفضی إلى اختلال المعنى الوارد به، الأمر الذی یستدعی من المشرع النهوض بمهمة سد ذلک النقص تلافیاً لوصف القاضی إذا امتنع عن الحکم بسبب عدم وجود نص ینطبق على الواقعة بأنه قد أنکر العدالة.
المطلب الثانی
المبررات الفقهیة والقضائیة للصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة
رغم الأهمیة الکبیرة لمبدأ الشرعیة الجزائیة ورغم سیادته فی التشریعات الجنائیة وما یوفره من حمایة للمجتمع والمصالح والحریات الفردیة وما یؤکده من الأسس الاخلاقیة للمسؤولیة الجنائیة، إلا ان هناک بعض الانتقادات التی وجهها الفقه والقضاء لهذا المبدأ، والتی تعد بمثابة مبررات تجیز اللجوء للصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة والتی یمکن تلخیصها بما یأتی:
الفرع الأول: عجز التشریع الجنائی عن مواجهة التطور
لما کانت المصالح محل الحمایة الجنائیة تتغیر بفعل عامل تطور المجتمع اقتصادیاً واجتماعیاً وسیاسیاً، ولما کان المشرع فیما یجرم من الافعال وصور السلوک الضارة بمصالح المجتمع الجوهریة إنما یضع فی حساباته المصالح القائمة وقت التشریع، ونظراً لکون التدخل التشریعی اللاحق قد یأتی متأخراً؛ فأن ذلک غالباً ما یؤدی إلى عجز القانون وجموده.
ویستند هذا النقد بالأساس الى فکرة النقص الفطری فی التشریع الذی یجعله مصدراً من بین عدة مصادر متعددة للقواعد القانونیة لا یقوى على الاستقلال والکمال التشریعی، وعلیه فإن المشرع عند صیاغته لنصوص التجریم والعقاب لا یستطیع أن یواجه جمیع الحالات والظروف حتى باستخدام المنطق القانونی فی تطویر القواعد القانونیة، لذا فإننا سوف نکون امام نقص فی الأحکام وحاجة ملحة لحلول سریعة تتناسب مع تجدد علاقات المجتمع وتعقدها، کما أن المشرع لا یستطیع أن یحیط مسبقاً بکل جرائم المستقبل وصور السلوک المحظورة التی یجب تجریمها وهو فی مواجهة مبدأ الشرعیة الجزائیة لذلک ستصبح الفرصة سانحة للشواذ والمجرمین لارتکاب افعال خطرة على أمن المجتمع ومصالحه دون أن ینالهم، أی عقاب وذلک لأن المشرع الجزائی لم یتناول تجریم تلک الأفعال والتصرفات بنصوص صریحة، کما أن القضاء بدوره لا یستطیع ان یوقع العقاب لمثل هذه التصرفات وصور السلوک المضرة بالمجتمع لعدم وجود النص الذی یجرمها إذ أن مهمة القضاء تطبیق النصوص ولیس خلقها واستحداثها طبقاً لمبدأ الشرعیة الجزائیة، وهذا من شأنه أن یسبب جمود التشریع الجنائی وعجزه عن مواجهة التطور فی الأفعال الاجرامیة الضارة بالمجتمع ومصالحه.
وفضلاً عما تقدم فان الازمات الاقتصادیة والسیاسیة التی اجتاحت العالم فی القرن العشرین والحادی والعشرین، وما تبعها من تطور تکنلوجی وتقنی وفنی، قد القت بظلالها على دور المشرع (البرلمان) فی مواجهة ومعالجة المشاکل الناجمة عن تلک المتغیرات، الامر الذی ألزمه بترجیح تخفیف المفهوم الشکلی لمبدأ الشرعیة، واقراره بعدم مناسبة هذا النظام (الاختصاص الحصری للقانون فی المجال الجنائی)، فضلاً عن عدم قدرة المشرع فی ممارسة وظیفته التشریعیة فی کل المجالات، وخاصة فی المیادین الاقتصادیة ذات الطبیعة الفنیة والتقنیة التی تتطلب السرعة والسریة، وما تستلزمه من تنظیم معقد ومفصل ومرن وقابل للتعدیل بسهولة قد لا یستطیع البرلمان تأمینه.
الامر الذی نستطیع فیه القول أن الباب لم یعد موصداً امام السلطة التنفیذیة للمساهمة فی عملیة التشریع فی المجال الجنائی ووفقاً للصیغ الدستوریة والقانونیة التی یقرها المشرع فی هذا النظام القانونی او ذلک وفی إطار مبدأ لا جریمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون.
الفرع الثانی: تلکؤ التشریع الجنائی عن مواکبة الأفکار الحدیثة وتفرید العقوبة
تهدف سیاسة التجریم إلى تحدید الجرائم التی تمس المصلحة الاجتماعیة، کما تحدد قواعد قانون العقوبات أنواع المصالح المحمیة من خلال کل نص من نصوص التجریم ویعبر عن المساس بالمصلحة الاجتماعیة بما یسمى بعدم المشروعیة.
وقد أدى تطور علم الاجرام إلى کشف حقیقة مفادها أن وظیفة القانون الجنائی العقابیة فی مکافحة ظاهرة الاجرام الاجتماعی لم تحقق اهدافها، وذلک حینما قیدت سلطة القاضی فی تقدیر العقوبة مستندة فی ذلک إلى قدسیة مبدأ الشرعیة الجزائیة کما أن الأخذ بالتطبیق الحرفی لمبدأ (لا جریمة ولا عقوبة إلا بنص) یحرم القاضی سلطته التقدیریة لتفرید العقاب کما یغلق الباب أمام اسالیب التفرید والتفویض التشریعی فضلاً عن التفرید التنفیذی. کما لا یؤخذ بنظر الاعتبار الباعث على ارتکاب الجریمة والظروف الموضوعیة التی تتعلق بوسائل وطریقة ارتکاب الفعل الاجرامی، وأمام هذه النتیجة الخطیرة التی تترتب على التطبیق الحرفی والدقیق لمبدأ الشرعیة کان لا بد من وسائل أو حلول للتخفیف من هذه الأزمة، وذلک اما بإهدار هذا المبدأ والعودة من جدید الى ترک زمام تحدید العقوبات للقاضی على نحو ما کان معمولاً به قبل الثورة الفرنسیة، او الاتجاه الى نظام اکثر مرونة فی تحدید العقوبة التی لا تخرج فیها عن اطار الشرعیة، وهو ما نعتقده احد صور الصیاغة المرنة الذی استقرت علیه السیاسة الجنائیة الحدیثة الذی یمکن أن یوظفه المشرع لمواجهة هذه الازمة.
الفرع الثالث: حاجة قضاء الحکم للنصوص المرنة
إن مواجهة قضاء الموضوع لحالات النقص والغموض فی التشریع بوصفه أحد عیوب الصیاغة التشریعیة, استدعى تصدی قضاء الطعن والمحاکم الدستوریة لمواجهة بعض صور الغموض التی تحتاج ازالتها إلى نظر وتأمل، ففی الوقت الذی یعد فیه اللفظ خفیاً غامضاً بالنسبة إلى البعض، فإن هناک نص جزائی غامض لا یمکن إزالته إلا من قبل الجهة التی أصدرته، وفی هذا الشأن قضت المحکمة الدستوریة العلیا فی مصر بان: ((غموض النصوص العقابیة، یعنی انفلاتها من ضوابطها وتعدد تأویلاتها، فلا تکون الافعال التی منعها المشرع او طلبها محددة بصورة یقینیة بل شباکاً او شراکاً یلقیها المشرع متصیداً باتساعها أو إخفاءها من یقعون تحتها أو یخطئون مواقعها)). ومن هنا تبرز أهمیة الحاجة الجدیة للقضاء إلى النصوص المرنة، کمبرر یسوغ للمشرع اللجوء إلى هذا النوع من الصیاغة.
المبحث الثالث
تطبیقات الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة لتخفیف
أزمة الشرعیة الجزائیة
من أجل تفادی الآثار الناجمة عن أزمة الشرعیة الجزائیة کان لزاماً على المشرع الجنائی التخفیف من حدة هذا الجمود وذلک من خلال اللجوء إلى نظام أو صیغ أو أسالیب أکثر مرونة فی تحدید الجرائم والعقوبات مما یستوعب صور السلوک المستحدثة ویخرج قانون العقوبات من الضیق والعجز إلى رحابة المرونة والتخفیف فی ظل الأسس الجوهریة للقانون الجنائی. وقد اعتنقت معظم التشریعات الحدیثة الأسلوب المتقدم بشکل مختلف ویتناسب مع مقتضیات کل مجتمع وفی ضوء الفلسفة المتبناة من قبل المشرع ضمن قید الزمان والمکان.
ولقد تناولنا وسائل واسالیب معالجة ازمة الشرعیة الجزائیة للتخفیف من غلو هذا المبدأ، فی ثلاثة مطالب وکما یأتی:
المطلب الأول: دور فکرة تجزئة القاعدة الجنائیة والقاعدة على بیاض فی مواجهة الازمة.
المطلب الثانی: دور القرارات القضائیة والتفویض التشریعی فی مواجهة الأزمة.
المطلب الثالث: دور التفسیر فی مواجهة الأزمة.
المطلب الاول
دور فکرة تجزئة القاعدة الجنائیة والقاعدة على بیاض فی مواجهة الازمة
انتهینا مما تقدم إلى أنه یمکن للمشرع الجنائی التخفیف من حدة جمود قواعد قانون العقوبات فی ظل "مبدأ الشرعیة" عن طریق عدم انفراد السلطة التشریعیة بسلطة خلق الجرائم على أن تفوض الإدارة بذلک فی حدود معینة، بید أن اعطاء هذه السلطة دون محددات وضوابط من الممکن ان یؤدی إلى تعسف الإدارة، الأمر الذی یمثل إخلالاً بمبدأ "الشرعیة الجزائیة"، ومن هنا یبرز دور فکرة تجزئة القاعدة الجنائیة والقاعدة على بیاض کوسیلة من الوسائل الناجعة للخروج من هذه الأزمة حیث یمکن للمشرع تجزئة القواعد الجنائیة ووضع بعض النصوص على بیاض لا سیما فی المجال الجنائی وتجریم المخالفات.
فالقاعدة الجنائیة تتکون من شقین تکلیف وجزاء فالتکلیف یتکون من التکلیف الایجابی والسلبی، أما الجزاء فهو العقاب الذی یناله المکلف لعدم امتثاله للأوامر التی تضمنها شق التکلیف، وتنقسم النصوص الجنائیة بالنظر لاجتماع عناصر القاعدة الجنائیة الى نصوص تامة (مستوعبة) ونصوص غیر تامة (غیر مستوعبة) حیث یقصد بالنصوص التامة أن تأتی القاعدة الجنائیة بشقیها التجریم والجزاء فی نص جنائی واحد وهذا هو الأصل حیث یجمع المشرع بینهم فی أغلب الحالات، أما النصوص غیر التامة (غیر المستوعبة) فهی التی تأتی فیها القاعدة الجنائیة (بشقیها التکلیف والجزاء) موزعة (مجزأة) بین اکثر من نص تشریعی فی قانون واحد أو قوانین مختلفة. ومفاد ذلک أن النص الجنائی الذی لا یستوعب القاعدة الجنائیة، إما یقتصر على تحدید التکلیف أو حکم القاعدة الجنائیة ویترک تحدید الجزاء لنص جنائی آخر والذی یسمى بــ(النص التجریمی المحض)، وإما أن یقتصر على تحدید الجزاء، ویترک لنص جنائی غیره تحدید الحکم أو (التکلیف) الذی یمکن ترتیب الجزاء على مخالفته والذی یسمى بـ(النص الجزائی المحض). ویمکننا أن نعرض أمثلة على النص التجریمی المحض من خلال ما أورده المشرع العراقی بالمادة (6) من قانون مکافحة تهریب النفط ومشتقاته رقم (41) لسنة 2008 اذ تنص على: اولاً: یعاقب بموجب احکام قانون مکافحة الارهاب کل من یقوم بتخریب المنشآت النفطیة التی تشمل الانابیب او الخزانات وغیرها من خلال عملیات التثقیب او ای فعل اخر لأغراض التهریب) وکذلک ما أورده بالمادة (298) من قانون العقوبات التی تنص على (یعاقب بالعقوبة المقررة لجریمة التزویر – بحسب الأحوال- من استعمل المحرر المزور مع علمه بتزویره) وکذلک ما جاءت به المادة (254) من قانون العقوبات والتی تنص على (یعاقب بنفس عقوبة شاهد الزور:- 1- من أکره أو أغرى بأیة وسیلة شاهداً.... 2- من امتنع عن أداء الشهادة.....) وکذلک ما جاءت به المادة (309) من قانون العقوبات بصدد سریان أحکام المادتین السابقتین لها ولو کان الموظف والمکلف بخدمة عامة یقصد عدم القیام بالعمل. ومن أمثلة النص الجزائی المحض ما أورده المشرع العراقی بالمادة (185) من قانون العقوبات العراقی إذ تنص على (یعاقب بالسجن مدة لا تزید على سبع سنوات... کل من شجع بطریقة المساعدة... على الجرائم المبینة فی المواد المتقدمة فی هذا الباب...).
وحیث أن تجزئة القاعدة الجنائیة لا تتعارض مع مبدأ الشرعیة طالما کانت محددة بنطاق معین؛ لذا فان لتجزئة القاعدة الجنائیة دور مهم فی التخفیف من ازمة الشرعیة واضفاء المرونة على قواعد قانون العقوبات التی تمکنه من مواکبة التطور الذی یطرأ على الظاهرة الاجرامیة وعلى صور السلوک المستحدثة التی تهدد أمن المجتمع ومصالحه، وتتجلى تجزئة القاعدة الجنائیة فی أنه من اللحظة التی یحدد فیها المشرع شق الجزاء ویضمنه فی النص الجنائی فإن التکلیف المقابل لهذا الجزاء قد لا یکون قائماً أو مکتملاً فی ذهن المشرع أصلاً، وبالتالی فإن قاعدة التجزئة تکتسب اهمیتها فی أنها نوع من التجریم الافتراضی المرن لما یتصوره المشرع من افعال غیر مشروعة قد تحدث فی المستقبل وقد تعکر صفو المجتمع فیحدد شق الجزاء فی اطار عام تارکاً للسلطة اللائحیة (التنفیذیة) مهمة تحدید التکلیف فی الوقت المناسب دون أن یلجأ المشرع إلى إصدار قواعد جنائیة جدیدة للاستعانة بها فی مواجهة صور السلوک التی تهدد امن المجتمع والتی قد تحتاج وقت طویل حتى یستطیع الاحاطة بهذه الأفعال، فیما یستباح خلال هذا الوقت الاعتداء على المصالح العامة للمجتمع، لابل أن فی الفقه من یذهب الى أبعد من ذلک حیث یرى أن تجزئة القاعدة الجنائیة إلى شقین هو من مقتضیات التحلیل العملی کما ویجب استخدام مبدأ تجزئة القاعدة الجنائیة وفق ضوابط وحدود معینة تحول دون تهدید الحقوق والحریات الفردیة.
اما عن کیفیة تکریس المشرع لفکرة الصیاغة المرنة فی مواجهة أزمة الشرعیة الجزائیة من خلال صیاغته للقاعدة الجنائیة على بیاض، فیمکن تصوره من خلال قیام المشرع بتحدید شق الجزاء فی النص الجنائی، دون أن یحدد شق التکلیف بل یحیل فی الوقت نفسه الى قانون غیر جنائی لیتولى مشرعها تحدید شق التکلیف إذ یمکن أن یکون هذا القانون قائماً فعلاً، أو من المزمع إصداره إذ لم یکن قد وجد لحظة وضع القاعدة على بیاض، الا انه یجب ان یُحدد بالطبع قبل وقوع الفعل المکون للجریمة، وذلک قبل مخاطبة الافراد بتلک القاعدة اعمالاً لمبدأ الشرعیة الجنائیة. ومن أمثلة القاعدة الجنائیة على بیاض التی یحیل فیها المشرع تحدید شق التکلیف إلى قانون آخر غیر جنائی، ما جاءت به المادة (350) من قانون العقوبات العراقی التی تعاقب کل موظف استخدم اشخاصا سخرة فی أعمال غیر متعلقة بالمنفعة العامة المقررة قانوناً أو نظاماً وهو بذلک یحیل إلى أحکام القانون الإداری وقانون العمل لبیان ماهیة أعمال السخرة والمنفعة العامة. ومن امثلة القاعدة على بیاض التی یحیل فیها المشرع تحدید شق التکلیف الى نص تشریعی جنائی لکی تکتمل به القاعدة على بیاض، ما أورده المشرع العراقی فی المادة 326 من قانون العقوبات التی تنص (یعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتین العقوبتین:- کل موظف او مکلف بخدمة عامة دخل اعتماداً على وظیفته منزل احد الاشخاص او احد ملحقاته بغیر رضا صاحب الشأن او حمل غیره الدخول وذلک فی غیر الاحوال التی یجیر فیها القانون ذلک او دون مراعاة الاجراءات المقررة فیه) حیث یحیل فی ذلک الى قانون اصول المحاکمات الجزائیة بشأن اجراءات التفتیش.
ومعنى ذلک ان شق التکلیف فی القاعدة على بیاض لا یکون قد وجد لحظة وضع تلک القاعدة، بل یکتمل تحدیده فی نص لأحق، مما یعنی ان القاعدة على بیاض تختلف عن القواعد الجزائیة البحتة فی ان شق التجریم فی هذه الاخیرة حال ومحدد وان ورد فی نص او تشریع اخر نافذ، کما یستوی ان یکون ذلک النص الاخیر جنائیاً او غیر جنائی، کما یستوی ان یکون قانوناً او لائحة "(الانظمة والتعلیمات) او قرار طالما أنه قد صدر بناء على قانون،وبذلک یکون المشرع قد اضفى نوعاً من المرونة فی الصیاغة التشریعیة من خلال تفویض المشرع فی قانون اخر سواء کان جنائیا ام غیر جنائی فی تحدید ( شق التکلیف او التجریم).
وفی سیاق هذا الفهم یمکننا القول بأن تجزئة القاعدة الجنائیة ووضع قواعد جنائیة على بیاض، وتکملتها بواسطة قواعد اخرى من الافکار التی لا تتعارض ومبدأ الشرعیة الجزائیة، طالما کان ذلک بناءً على قانون، ووفقاً للقواعد الاساسیة لمبدأ شرعیة الجرائم والعقوبات.
المطلب الثانی
دور القرارات القضائیة والتفویض التشریعی فی معالجة الازمة
تظهر أشد ملامح أزمة الشرعیة الجزائیة عندما أی تصاغ النصوص بالأسلوب الکمی المادی وبشکل محدد تحدیداً جامداً ومحکماً، یقید مطبقه تقییداً حرفیاً صارماً، وتعطی حلاً ثابتاً لا یتغیر بتغیر الظروف والملابسات أو تغیر أنماط وصور السلوک بفعل تطور الوسائل الحدیثة لارتکاب الفعل الإجرامی، الامر الذی ألجأ المشرع الجنائی فی کثیر من الدول ومن أجل معالجة الازمة التی ولدها مبدأ الشرعیة إلى وسائل اخرى منها لجوئه إلى صیاغة النصوص بشکل یضفی علیها نوع من المرونة، والتی تمتع القاضی بسلطة تقدیریة تمکنه من تجاوز حالة الجمود فی النص من حیث التکییف القانونی للوقائع أو من حیث تقدیر العقوبة .
فبموجب الصیاغة المرنة تصاغ النصوص صیاغة تشریعیة سلیمة وصالحة للتطبیق الفعلی فی الواقع الذی تطبق فیه، إذ تتطلب بعض النصوص الجنائیة صیاغتها بأن لا تحدد الحکم للمستجدات العملیة تحدیداً منضبطاً جامعاً مانعاً وإنما تواکب التطور الحاصل فی المجتمع وتتلاءم معه، کما تتسم الصیاغة المرنة بقدرتها على التطور المستمر ومسایرة التغیرات الاجتماعیة، ومواجهة الوقائع والحالات الجدیدة المستحدثة التی تکشف عنها الحیاة العملیة، وفی هذا الشأن قضت المحکمة الدستوریة العلیا فی مصر.
(ان انتفاء الغموض فی القوانین الجنائیة یقع فی نطاق مجموعة القیم التی تکفل لحقوق المتهم الحد الادنى من الحمایة التی لا یجوز النزول عنها او الانتقاص منها کما أن القیود التی تفرضها القوانین الجزائیة على الحریة الفردیة، تقتضی أن تصاغ احکامها بما یقطع کل جدل فی شأن حقیقة محتواها، لیبلغ الیقین بها حداً یعصمها من الجدل، وبما یحول بین رجال السلطة العامة وتطبیقها بصورة انتقائیة ووفق معاییر شخصیة تخالطها الاهواء، وتنال من الابریاء لافتقارها الى الأسس الموضوعیة اللازمة لضبطها).
اما بصدد دور التفویض التشریعی بوصفه احد صور الصیاغة المرنة فی مواجهة ازمة الشرعیة الجنائیة فان من المعلوم ان الصیاغة التشریعیة أما أن تکون وفق مبدأ (لا جریمة ولا عقوبة الا بقانون) أو وفق یعتمد مبدأ (لا جریمة لا عقوبة إلا بناءً على قانون) فإذا کانت الصیاغة وفق مبدأ (لا جریمة ولا عقوبة إلا بقانون) فإنها تختلف من حیث الأثر عن الصیاغة التی تعتمد مبدأ (لا جریمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون) ففی الحالة الأولى تکون الصیاغة متشددة وذلک بالاعتماد على القانون فقط فی خلق الجرائم والعقوبات، فی حین تمنح الصیاغة الثانیة للسلطة التنفیذیة تفویضاً تشریعیاً کمصدر مکمل للقاعدة الجنائیة فی مجال تشریع الجرائم والعقوبات أو فی صیاغة النصوص الجزائیة وخاصةً فیما یتعلق بصیاغة النماذج القانونیة للجرائم، فالألفاظ قوالب المعانی، فهی أدوات العمل بید المشرع للتعبیر عن الأفکار إذ یکفی أن تکون نصوص التجریم قد صدرت استناداً إلى قانون ولکن لیس من السلطة التشریعیة حصراً بل یمکن أن تتولى ذلک السلطة التنفیذیة. وعلى الرغم من کون التفویض التشریعی فی إنشاء الجرائم عمل غیر مرغوب فیه، إلا أن الاعتبارات العملیة أو المحلیة تقتضی إقراره، ولإعطاء هذا التفویض الصیغة الدستوریة فقد جاءت أغلب الدساتیر العراقیة بصیغة (لا جریمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون) وآخرها دستور عام 1968 (المادة 22 منه)، ودستور عام 1970 (المادة 21 منه) فی حین جاء دستور عام 2005 بصیغة مختلفة إذ نصت المادة 19/ثانیاً منه بأن (لا جریمة ولا عقوبة إلا بنص...). الأمر الذی یکون فیه المشرع الدستوری فی العراق مدعواً لتعدیل هذا النص ونقترح أن یکون نص المادة (19/ثانیاً) منه کما یأتی: (لا جریمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون...).
والمعنى المقصود من عبارة (الا بناء على قانون) هو أن التجریم یمکن أن یأتی بواسطة القانون أو ما فی حکم القانون ویمکن ان یأتی بتفویض من القانون الى السلطة التنفیذیة والهیئات الإداریة.
وفی ضوء ما تقدم فقد نصت المادة (240) من قانون العقوبات العراقی رقم (111) لسنة 1969 على أنه (یعاقب بالحبس مدة لا تزید على ستة أشهر أو بغرامة لا تزید على مائة دینار کل من خالف الأوامر الصادرة من موظف أو مکلف بخدمة عامة أو من مجالس البلدیة أو هیئة رسمیة أو شبه رسمیة ضمن سلطاتهم القانونیة أو لم یمتثل لأوامر أیة جهة من الجهات المذکورة الصادرة ضمن تلک السلطات وذلک دون الإخلال بأیة عقوبة اشد ینص علیها القانون). کما نصت المادة (9/ أولاً) من قانون حمایة الحیوانات البریة رقم 17 لسنة 2010 على أن (یعاقب المخالف لأحکام هذا القانون والتعلیمات الصادرة بموجبه بالحبس مدة لا تزید على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تزید على ثلاثة ملایین دینار، أو بإحدى هاتین العقوبتین....).
وبموجب القانونین أعلاه فقد حدد المشرع العراقی العقوبة مقدماً للمخالفات والجنح، إذ یتضمن هذا النص تفویضاً تشریعیاً للجهات الإداریة فی إصدار أنظمة أو تعلیمات تحوی نصوصاً یجرم بموجبها أنماط السلوک التی تتناسب وتتلاءم معها العقوبات التی حددها المشرع بموجب النص الذی تضمن الجزاء الجنائی.
ومما تقدم فإننا نرى أن التفویض التشریعی الذی یمنحه المشرع للسلطة التنفیذیة والهیئات الاداریة یجب أن یکون محدد بضوابط وشروط معینة وضمن صلاحیات واضحة الابعاد لکی لا یعد التفویض خطورة على مبدأ الشرعیة او خرقه ومن ثم یقلل من الضمانات والحقوق الفردیة للمواطنین فی الدولة، ومن الصیغ والأسالیب التی تتجسد فیها فکرة الصیاغة المرنة هی لجوء المشرع إلى اعتماد فکرة النموذج القانونی للجریمة ذات القالب الحر، التی یتعذر فیها على المشرع الاحاطة بالوصف الدقیق للفعل النموذجی لسبب یرجع الى طبیعة الفعل نفسه، الامر الذی لا یجد فیه المشرع بداً من الرکون الى تحدید النتیجة وتعیین العلاقة السببیة لیحدد الفعل الذی تنبثق عنه السببیة التی تربط بینه وبین النتیجة.
المطلب الثالث
دور التفسیر فی مواجهة الأزمة
التفسیر هو نشاط فکری ومنطقی یبحث فی معانی القاعدة الجنائیة لتحدید مضمونها ومجال تطبیقها على الحالات الواقعیة، ویعرف أیضاً بأنه توضیح ما غمض من ألفاظ النص وتقویم عیوبه واستکمال ما نقص من احکامه، والتوفیق بین اجزائه المتعارضة، وتکییفه على نحو یجاری متطلبات المجتمع وروح العصر. فالتفسیر عملیة ذهنیة یقوم بها واضعو النص او مطبقوه او شارحوه باستعمال کل الوسائل اللازمة للوصول إلى انطباقه على الواقع عن طریق توضیح ما أبهم فیه وتقویم عیوب الصیاغة التشریعیة وتکییفه ورفع ما فیه من تناقض وتوسیع نطاقه فی ضوء مبدأ الشرعیة الجزائیة، فإذا صدرت القاعدة الجنائیة اصبح لها کیان ووجود ذاتی واحتاج تطبیقها إلى تفسیر نصوصها، فموضوع التفسیر هو الکشف عن مضمون القاعدة القانونیة وحدود أحکامها بهدف اعدادها للتطبیق السلیم على الحالات التی أراد المشرع أن تنظمها القاعدة.
وهناک عدة مصادر لتفسیر النص الجنائی والتی یمکن أن تسهم فی معالجة ازمة الشرعیة الجزائیة وسوف نفرد لکل منها فرعاً خاصاً وکما یأتی :-
الفرع الأول: التفسیر التشریعی
ویقصد بالتفسیر التشریعی ان یقوم المشرع نفسه بتفسیر التشریع الذی أصدره، أی یهدف إلى تفسیر نصوص قانونیة قدر الشارع أنها بحاجة إلى توضیح، ای تفسیر نص یتعذر تطبیقه، والتفسیر التشریعی یلزم القاضی بإجراء حکمه على الوقائع المشمولة به، فتتقید به الهیئة القضائیة وکل من یوکل إلیه تطبیق القانون وتنفیذه، ویعد التفسیر التشریعی نافذاً من تاریخ صدور القانون وذا أثر رجعی یمتد إلى وقت صدور القاعدة القانونیة المراد تفسیرها، فالوقائع التی تنظمها هذه القاعدة الأخیرة تخضع للتفسیر الجدید وإن کانت سابقة علیه طالما أنه لم یصدر فیها حکم نهائی. ویتخذ التفسیر التشریعی أحد الصورتین: الأولى، یتخذ صیغة نص یوضع ابتداءً فی صلب القانون منذ تشریعه وذلک لتوضح معنى قد یلتبس على المحکمة التی تطبق القانون، والصورة الثانیة یکون فی صیغة نص تشریعی لاحق یضعه المشرع لبیان ما یقصده من نصوص تشریعیة سابقة صادرة منه، إذ قدر أن الأمر یتطلب ذلک أو إثارة خلاف یترتب علیه اختلاف فی الأحکام، او أن المحاکم قد فسرت التشریع على وجه یخالف ما أراده المشرع.
ولذلک کان لزاما على المشرع ان یرتکن الى مناهج جدیدة فی الصیاغة لا تنزلق إلى التعبیر الغامض او الذی یحتمل اکثر من معنى، وفی ما ینبغی أن یلتزم به المشرع فی هذا الشأن قررت المحکمة الدستوریة فی مصر : ( ان اهمال المشرع فی ضبط النصوص العقابیة بما یحدد مقاصده منها بصورة یحسم بها کل جدل حول حقیقتها، یفقد هذه النصوص وضوحها ویقینها...).
الفرع الثانی: التفسیر القضائی
وهو التفسیر الذی یباشره القضاة بمناسبة تطبیق القواعد الجنائیة على وقائع الحیاة المعروضة أمامهم، وهذا التفسیر لیس له صفة إلزامیة عامة بل یقتصر أثره على الحالة الخاصة التی فسّر لأجلها، فالتفسیر عملیة یراد بها استظهار المعنى الذی أراده المشرع وهو أمر ضروری بالنسبة للنصوص القانونیة کافة ، ولیس قاصراً على النصوص الغامضة وحدها، ذلک أن النص القانونی یکون فی العادة مختصراً وعاماً ومجرداً، فاذا کان واضحاً لا لبس فیه، کان دور القاضی فی تفسیره سهلاً ومیسراً، اما اذا کان النص غامضا فانه یحتاج الى مجهود من المفسر لاستجلاء معناه ومحتواه، فالتفسیر فی کلا الحالتین امر لازم للقضاء وهو ما عبر عنه بعض الفقهاء بمقولة ( لا قضاء بغیر تفسیر).
على أن على القاضی الجنائی أن یتقید فی تفسیره للقواعد الجنائیة، لتحدید حقیقة محتواها تعبیرا عن إرادة المشرع فی تحقیق فاعلیة العدالة الجنائیة أو ضمان الحقوق الحریات ملتزما بذلک بمبدأ الشرعیة الجزائیة، لأن التفسیر الصحیح یجب ألا یوسع أو یضیق من النطاق السلیم للقانون، فالقانون قد ینطوی على عدم دقة فی الصیاغة وقد تشوبه بعض المتناقضات الظاهریة، ولا یمکن أن نطالب القاضی بأن یردد هذه الأخطاء، فعلیه أن یبحث عن إرادة واضع القانون من خلال العبارات والصیغ المستعملة للتعبیر عن هذه الإرادة.
الفرع الثالث: التفسیر الفقهی
وهو ثمرة بحث ودراسة المختصین من الشراح والفقهاء فی القانون ولا یعد هذا النوع من التفسیر من المصادر القانونیة للتجریم والعقاب بل هو ذو طبیعة علمیة تهدف إلى توضیح مضمون القاعدة القانونیة على أساس من القواعد العلمیة والنظریات الفقهیة وهو غیر ملزم من الناحیة القانونیة، ای انه التفسیر الذی یصدره الفقهاء عند محاولة ایجاد حل معین لمسألة ما، فهو عملیة ذهنیة و دراسة عملیة تستهدف تأصیل وتحلیل القواعد القانونیة.
حیث أن التفسیر الفقهی ینبه المشرع إلى جوانب القصور والخلل فی التشریع العقابی، من اجل ان یسعى لاستکماله، أو معالجة ما یعتریه من خلل بغیة ان تحقق هذه النصوص أغراضها وذلک لمواجهة تطورات الحیاة الاقتصادیة والاجتماعیة وما ینجم عنها من جرائم مستحدثة.
علماً أن التفسیر الفقهی یتسم بالطابع النظری ویخرج بقواعد عامة، غیر أن هذا النوع من التفسیر غیر ملزم للقضاء، إلا أنه یتکئ على تفسیر الفقهاء عند عدم وجود النص أو عدم وضوحه ویسهم التفسیر الفقهی فی الحد من أزمة الشرعیة الجزائیة لکون العلاقة التی تربط القضاء بالفقه هی علاقة وثیقة من خلال التأثیر المتبادل بینهما.
الفرع الرابع: التفسیر الإداری
هو التفسیر الصادر عن جهة الإدارة اثناء قیامها بتطبیق قانون معین ویتمثل القرار التفسیری بتعلیمات تصدر إلى الموظفین التابعین للإدارة تتضمن وجهة نظر الإدارة فی تفسیر القانون الذی تطبقه بقصد تحدید معنى النصوص المراد تطبیقها. ولا یلزم هذا التفسیر القضاء، ویعد رأیا شخصیا ینحصر إلزامه بالجهة الإداریة التی وجه إلیها التفسیر.
فالتفسیر الإداری الذی یصدر عن جهة اداریة، فان هذه الجهة قد تکون فرداً کالوزیر المختص أو رئیس الهیئة الاداریة وقد تکون لجنة فوضها القانون مهمة التفسیر الإداری، لأنه یصدر بهدف تطبیق التشریعات والانظمة والتعلیمات والقرارات على الحالات الواقعیة التی تعرض على المفسر.
وقد أجاز الدستور العراقی الصادر عام 2005 لمجلس الوزراء سلطة إصدار تعلیمات أو أنظمة أو بیانات أو أوامر لتسهیل تنفیذ القوانین.
الخاتمـة
بعد الانتهاء من بحث ودراسة دور الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة فی مواجهة أزمة الشرعیة الجزائیة، فإن من متممات ومستلزمات تحقیق هدف الدراسة أن نستعرض أهم النتائج والتوصیات التی توصلنا إلیها وکما یأتی:-
أولاً- النتائج :
1- إن القانون الجنائی کأی عمل بشری یعدُّ من صنع الإرادة البشریة، وحیث یعتری عمل الإنسان النقص لذا فإن لجوء المشرع الى الصیاغة المرنة هو ضرورة تقتضیها تطورات الحیاة والانماط الجدیدة من الجرائم.
2- لاحظنا أن (الصیاغة المرنة) هی أحد الأدوات التی یضفی بها المشرع الجنائی نوع من المرونة على النصوص الجنائیة لمعالجة الازمة التی تعتری قواعد قانون العقوبات والتی یسببها مبدأ (الشرعیة الجزائیة).
3- إن الصیاغة المرنة لا تشکل عیب من عیوب الصیاغة التشریعیة ، بل تعد من أهم الأسالیب التی یلجأ إلیها المشرع لمعالجة الجمود فی نصوص القانون الجنائی.
4- لقد أخذ المشرع الجنائی العراقی بـ (الصیاغة المرنة) عند صیاغته لنصوص قانون العقوبات العراقی رقم 111 لسنة 1969 وقانون أصول المحاکمات الجزائیة رقم 23 لسنة 1971 وحسبما جاء فی حیثیات البحث.
5- تکمن اهمیة الصیاغة المرنة فی السلطة التقدیریة التی اتاحها المشرع للقاضی فی التفسیر القضائی لاسیما فی نطاق التجریم، الأمر الذی یجعل من النص الجزائی مستوعباً لجمیع صور السلوک المستحدثة ومواجهة التطور وعدم افلات مرتکبی بعض أنماط السلوک المستحدثة من العقاب.
6- إن اعتماد اسلوب تجزئة القاعدة الجنائیة والقاعدة على بیاض والتفویض التشریعی فی الصیاغة التشریعیة یعد أحد صور الصیاغة المرنة التی یوظفها المشرع لمواجهة أزمة الشرعیة الجزائیة، والتی تأتی تطبیقاً لمبدأ (لا جریمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون).
ثانیاً: التوصیات
1- أظهرت الدراسة أن هناک العدید من النصوص الجزائیة یعتریها الجمود الذی سببه مبدأ (لا جریمة ولا عقوبة إلا بنص) مما یقتضی من المشرع العراقی أن یوسع من سلطة القاضی فی التفسیر القضائی، وسلطته التقدیریة فی تکییف الافعال الاجرامیة واضفاء النص الجزائی علیها.
2- ندعو المشرع الجزائی العراقی إلى التوسع فی اعتماد الصیاغة التی تنطوی على شیء من المرونة للنص الجزائی بشکل یسهل مهمة القاضی فی التوفیق والملائمة بین النص الجنائی والوقائع المعروضة، وذلک وفقاً لتطور الحیاة وظهور سلوکیات اجرامیة حدیثة.
3- التوسع فی الضوابط التشریعیة التی تتعلق بالقوانین الجزائیة الخاصة، بحیث تتضمن النصوص الجزائیة التی تجرم أفعالا تنطوی على سلوک جنائی ذو طبیعة فنیة أو تقنیة، صیاغات وألفاظ وجمل تتلاءم مع الطبیعة الفنیة لتلک القوانین لتسهیل مهمة القاضی وکل ذی شأن فی فهم تلک النصوص.
4- ندعو المشرع الجزائی العراقی إلى التوسع فی التفویض التشریعی للسلطات والهیئات التنفیذیة فی ضبط جرائم المخالفات والجنح البسیطة وفرض الجزاءات المناسبة على مرتکبیها بوصف التفویض أحد الصیغ العملیة لتجسید فکرة الصیاغة المرنة للنصوص الجنائیة.
5- ندعو المشرع العراقی إلى تعدیل المادة (19/ثانیاً) من الدستور لعام 2005 وجعلها بصیغة (لا جریمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون...) لکون هذه الصیغة لا تتعاض وصور الصیاغة التشریعیة المرنة فی حین أن المبدأ (لا جریمة ولا عقوبة إلا بنص) یعد أحد العوامل التی تقید عمل القاضی الجنائی وتزید من حدة أزمة الشرعیة الجزائیة.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Dictionaries:
1. Louis Maalouf: Upholstered in Language, T35, Dar al-Mashreq, Beirut, B.T.
2. Mohammed bin Abi Bakr al-Razi: Mokhtar Al-Sahahh, Beirut Library, 1987.
Legal books:
1- Dr. Ahmed Fathi Srour - Origins of Criminal Policy - Arab Renaissance House - 1972.
2. Dr. Tawfiq Hassan Faraj: Entrance to the Study of Legal Sciences, University Culture Foundation, Alexandria, 1976.
3. Dr. Hassan Ali Al-Dhanoun: The Entrance to the Study of Law, C1, Al-Ani Press, Baghdad, 1975.
4. Dr. Hassan Kira, Knowledge Facility, Alexandria, B.T.
5. Dr. Rafid Khalaf Hashim Al-Bhadli and Dr. Osman Salman Ghailan Al-Abboudi - Legislation between Industry and Drafting - First Edition - 2009.
6. Dr. Shamseddine Al-Wakil: Principles of Law, Alexandria, 1978.
7. Dr. Dhari Khalil Mahmoud: Brief in explaining the Penal Code, General Section, Baghdad, 2002.
8- Dr. Adel Youssef Al-Shukri - The Art of Drafting the Penal Text - First Edition - Zain Human Rights Publications - Beirut - 2017.
9. Abdul Baqi al-Bakri, Dr. Zuhair al-Bashir: The Entrance to The Study of Law, Baghdad University, Dar al-Hikma, 1989.
10- Dr. Abdel Fattah Mustafa Al-Saifi- Conforming in the field of criminalization - a doctrinal attempt to develop a general theory of conformity - I2 - Arab Renaissance House - 1991.
11. Dr. Abdel Fattah Mustafa Al-Saifi, Criminal Base, Oriental Publishing and Distribution Company, Beirut, 1967.
12- Dr. Abdul Qadir Al-Sheikhly - The Art of Legal Drafting - Library of The House of Culture and Distribution - Amman - Without a year of publication.
13- Dr. Essam Afi Hussein Abdul Basir - The Fragmentation of the Criminal Base - First Edition - Arab Renaissance House - 2003.
14- Dr. Essam Afi Hussein Abdul Basir - The crisis of criminal legitimacy and the means of its treatment - a comparative study in positive law and Islamic criminal jurisprudence - 2003.
15. Dr. Esmat Abdul Majid Bakr: The Origins of Legislation, A Study in the Preparation and Drafting of Legislation, House of Public Cultural Affairs, Baghdad, 1999.
16. Dr. Alaa Zaki - General Theory of Interpretation of Texts in Law - Knowledge Facility, Alexandria, 2013.
17- Dr. Aliwa Mustafa Fath al-Bab- Mediator in the age, drafting and interpretation of legislation - Book II - Law Books - Egypt - 2012.
18- Judge Awad Yassin al-Obaidi- Interpretation of texts in law - Library of Dar al-Imam- Lebanon - without a year of publication.
19- Dr. Fakhri Abdul Razzaq Salbi al-Hadithi, Explaining the Penal Code, General Section, Baghdad University, 1992.
20. Dr. Malik Dohan Al-Hassan: The Entrance to The Study of Law, C1, University Press, Baghdad, 1972.
21- Dr. Maher Abdul Shoish Al-Durra - General Provisions in the Penal Code - Second Edition - Ibn al-Atheer Printing and Publishing House - Mosul University- 1991.
22- Dr. Mahmoud Taha Jalal - Origins of Criminality and Punishment in Contemporary Criminal Policy - First Edition - Arab Renaissance House - 2005.
23- Dr. Mahmoud Najib Hosni - Explanation of the General Penal Code - Second Edition - University Press House - Cairo, 2018.