الملخص
الطب مهنة إنسانیة بطبیعتها وقانونیة تحتم على الأطباء کافة والأطباء النفسیین خاصة الاهتمام بالمریض. وعلیه تقع على عاتق الطبیب النفسی التزامات منشئة لأحکام قانونیة خاصة حرصت علیها وأکدت أهمیتها الاتفاقیات الدولیة والتشریعات الوطنیة إلا أن المشرع العراقی لم یعط الموضوع ما یستحقه من اهتمام تشریعی.
تمت دراسة الأحکام القانونیة الناشئة عن التزام الطبیب بالعلاج النفسی لتوفیر الحمایة المدنیة للمریض النفسی فی خمسة مطالب بحثنا فیها الآراء الفقهیة والقانونیة حول التزامات الطبیب النفسی کالالتزام بالسریة والعنایة الصحیة النفسیة والتبصیـر والمتابعة والمراقبة. لتحدید نطاق الحمایة التی وفرتها قوانین الصحة النفسیة منها قانون الصحة النفسیة العراقی وبشکل مقارن مع بعض القوانین العربیة والأجنبیة.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
الأحکام القانونیة الناشئة عن التزام الطبیب بالعلاج النفسی -دراسة مقارنة-(*)-
منى حمید فارس ضحى محمد سعید کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Mona Hamid Fares Duha Mohammed Saeed College of law / University of Mosul Correspondence: Mona Hamid Fares E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 13/8/2013 *** قبل للنشر فی 21/10/2013.
(*) Received on 13/8/2013 *** accepted for publishing on 21/10/2013.
Doi: 10.33899/alaw.2019.163139
© Authors, 2019, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
الطب مهنة إنسانیة بطبیعتها وقانونیة تحتم على الأطباء کافة والأطباء النفسیین خاصة الاهتمام بالمریض. وعلیه تقع على عاتق الطبیب النفسی التزامات منشئة لأحکام قانونیة خاصة حرصت علیها وأکدت أهمیتها الاتفاقیات الدولیة والتشریعات الوطنیة إلا أن المشرع العراقی لم یعط الموضوع ما یستحقه من اهتمام تشریعی.
تمت دراسة الأحکام القانونیة الناشئة عن التزام الطبیب بالعلاج النفسی لتوفیر الحمایة المدنیة للمریض النفسی فی خمسة مطالب بحثنا فیها الآراء الفقهیة والقانونیة حول التزامات الطبیب النفسی کالالتزام بالسریة والعنایة الصحیة النفسیة والتبصیـر والمتابعة والمراقبة. لتحدید نطاق الحمایة التی وفرتها قوانین الصحة النفسیة منها قانون الصحة النفسیة العراقی وبشکل مقارن مع بعض القوانین العربیة والأجنبیة.
Abstract
Medical profession humanitarian in nature and legal imperative for all doctors and psychiatrists in particular attention to the patient. And it is the responsibility of the psychiatrist creating obligations to special legal provisions keen and stressed the importance of international conventions and national legislation, but the Iraqi legislature did not give the topic the attention it deserves legislative action.
Has been studied legal provisions arising from the doctor's commitment to psychological therapy for the provision of civil protection for the patient in five psychological demands of our jurisprudential views about legal obligations such as that of confidentiality psychiatrist and mental health care, glances and follow-up and monitoring. To determine the scope of protection provided by the laws of mental health including mental health law and the Iraqi compared with some Arab and foreign laws.
المقدمـة
الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الأنبیاء سیدنا محمد وعلى اله وصحبه ومن تبع هداه وبعد .....
فان الأمراض النفسیة حالها حال الأمراض العضویة الأخرى تصیب الإنسان ویختص بعلاجها طبیب نفسی متخصص بالصحة النفسیة، تقع على عاتقه مسؤولیات کبیرة فالأطباء النفسیون، مثل غیرهم من ذوی المهن الطبیة، مدینون لمرضاهم بمجموعة متنوعة من الالتزامات، تتمثل بالالتزام بالسریة خلال فترة العلاج وما بعدها کما یلتزم برعایة المریض وتزویده بالعنایة الصحیة النفسیة ویلتزم وقبل بدء العلاج النفسی بتقدیم المعلومات اللازمة المتمثلة بشرح مناسب عن الغرض والطریقة والمدة المحتملة والفائدة المتوخاة من العلاج المقترح مع بیان البدائل الممکنة وبعد بدء العلاج لا بد من إعلام المریض بحالته ومدى تقدمها أو تردیها مع تبصیره بآثار استخدام الدواء واحتمالیة إحداثه للإدمان والألم المحتمل أو الأعراض الجانبیة والخطورة من العلاج کما ویلتزم الطبیب أیضا بمتابعة المریض والالتزام بالمتابعة یعنی التزام الطبیب بعد قیامه بالعلاج بمتابعة حالة المریض النفسی للتأکد من مدى نجاح المعالجة الطبیة، واتخاذ ما یراه مناسباً لمواجهة الحالة. کما ویلتزم الطبیب أخیرا بمراقبة المریض وهذا الالتزام لا ینهض إلا إذا تطلب العلاج إدخال المریض إلى المصحة لیکون عندئذ من أهم الالتزامات الملقاة على عاتق المصحة حیث یقع علیها الالتزام بمراقبة المریض ورصد حرکاته تحوطاً من الأضرار بنفسه أو بغیره ویقدر العلاج والمراقبة حسب ما یشیر به الطبیب المعالج إن الالتزامات السابقة والتی تعد من حقوق المریض النفسی قبل طبیبه المعالج هی إحدى أهم أوجه الحمایة المدنیة التی حرصت الاتفاقیات الدولیة والتشریعات الوطنیة على النص علیها والتأکید على أهمیتها إلا أن البحث فی هذا الموضوع لم ینل ما یستحقه من اهتمام الفقه لهذا آثرنا تسلیط الضوء علیه لتحدید نطاق الحمایة التی توفرها قوانین الصحة النفسیة والتی اخترنا منها قانون الصحة النفسیة العراقی المرقم (1) لسنة 2005، وقانون رعایة المریض النفسی المصری المرقم(71) لسنة 2009 وقانون الصحة العامة الأردنی المرقم (54) لسنة 2002 والذی خصص الفصل الرابع منه لموضوع الصحة النفسیة وقانون الصحة العامة الفرنسی رقم (1577) لسنة 2002 فضلا عن الوقوف عند مبادئ الأمم المتحدة لحمایة المصابین بعلل نفسیة وتحسین الرعایة الصحیة النفسیة التی اعتمدت ونشرت بموجب قرار الجمعیة العامة للأمم المتحدة (119/46) المؤرخ فی 17 کانون الأول/ دیسمبر 1991.
علیه سنخصص لکل التزام من الالتزامات التی تقع على عاتق الطبیب النفسی مطلبا خاصا لبحث مضمونه وکالآتی:
المطلب الأول
الالتزام بالسریة
إن العلاقة بین الطبیب النفسی والمریض نوع متمیز من العلاقات فهی أقوى وأعمق من علاقة الأطباء غیر النفسیین مع مرضاهم ومن هنا جاءت أهمیة حفظ أسرار المریض حیث یلزم الطبیب النفسی بالسریة والمحافظة على سر المریض.
وعلى الرغم من أهمیة هذا الالتزام فقد خلا قانون الصحة النفسیة العراقی وقانون الصحة العامة الأردنی من حکم الالتزام بالسریة فی حین جاء تنظیم المشرع المصری للالتزام بالسریة بشکل واضح وذلک فی المادة الرابعة من الباب الأول حیث نصت على انه "یجب أن یکون لدى کل منشأة من منشآت الصحة النفسیة سجل خاص للمرضى النفسیین – أیاً کان سبب دخولهم المنشأة – على أن یکون من نسختین تتضمنان البیانات الخاصة بکل مریض وتحدد اللائحة التنفیذیة لهذا القانون البیانات والمدة التی یجب الاحتفاظ بها بالسجل لدی المنشأة . ویکون للمجلس القومی للصحة النفسیة والمجالس الإقلیمیة للصحة النفسیة الاطلاع على السجلات المشار إلیها للعمل بها وفقاً لأحکام هذا القانون مع الاحتفاظ بسریة المعلومات" و جاء فی المادة (36) من الباب الخامس لنفس القانون الآنف الذکر حول حقوق المرضى النفسیین ما نصه: "یتمتع المریض النفسی الذی یعالج بإحدى المنشآت المنصوص علیها فی المادة (2) من هذا القانون بالحقوق الآتیة (.....10 - حمایة خصوصیاته ومتعلقاته الشخصیة ومکان إقامته بالمنشأة).
أما المادة (39) فقد ورد فیها (لا یجوز لغیر أفراد الفریق العلاجی أو القائمین على السجلات الطبیة الاطلاع على المستندات الخاصة بالمریض إلا بإذن کتابی منه. کما لا یجوز استخراج صورة منها إلا بإذن من المجلس الإقلیمی للصحة النفسیة). ولقد ورد فی المادة (49) من الباب السادس عقوبة إفشاء السر حیث نصت على (یعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنیه ولا تزید على عشرین ألف جنیه کل من أفشى سرا من أسرار المریض النفسی بالمخالفة لأحکام هذا القانون، أو أعطاه عمدا أو بإهمال شدید دواء بدون تعلیمات الطبیب المختص أو بالمخالفة لتعلیماته). کما أکدت مبادئ الأمم المتحدة على هذا الالتزام وذلک فی المبدأ (6) منها والذی جاء فیه: (یحترم الحق فی سریة المعلومات فیما یتعلق بجمیع الأشخاص الذین تنطبق علیهم هذه المبادئ(.
ومما تقدم یتضح أن التشریعات أکدت على عدم جواز الإفضاء بالمعلومات المتعلقة بالمریض النفسی وانه إذا ما تم إفشاء سر المریض فان الطبیب النفسی یکون مسؤولاً قبل المریض الذی یستطیع أن یرجع علیه بالتعویض عن الضرر الذی أصابه والذی غالباً ما یکون ضرراً أدبیاً فی حالة المریض النفسی) (وقد یصاب المریض بضرر مادی کما إذا تدهورت حالته الصحیة نتیجة علمه بانکشاف سره خصوصاً إذا کان یشغل منصباً مهماً أو أنه شخصیة هامة فی المجتمع فانه یجوز له ان یطالب بالتعویض نتیجة ما تکبده من نفقات العلاج وثمن الأدویة.) (
إن الوقوف عند التزام الطبیب النفسی بالسریة یقتضی منا بیان مفهوم الالتزام بالسریة ومن ثم معرفة الاستثناءات الواردة على هذا الالتزام وهذا ما سنوضحه من خلال الفرعین الآتیتین:
الفرع الأول
مفهوم الالتزام بالسریة
یرجع السر الطبی إلى أقدم العصور، وقد أقره الطبیب الیونانی هیبو قراط فی القسم الذی صاغه وحدد فیه واجبات الأطباء نحو مرضاهم ومنها حفظهم أسرارهم وکان هذا القسم بما تضمنه، عهدا یؤخذ على الأطباء قبل ممارستهم لمهنتهم وما زال.)(
وجاءت المادة (4) من قانون الأخلاقیات الطبیة الفرنسی لعام 1995م مؤکدة علیه بنصها على انه ))1– یکون السر المهنی، الذی تم إنشاؤه لمصلحة المریض، واجباً على کل طبیب من الشروط المقررة بالقانون. 2– یشمل السر کل ما وصل الى علم الطبیب أثناء ممارسة مهنته، أی لیس فقط ما تم إخباره به، وإنما أیضاً ما رآه أو سمعه أو فهمه)).
کما أکدت المادة (11) من القانون نفسه فی فقرتها الأولى على هذا المبدأ أیضا حیث جاء فیها: ( السر المهنی الذی تم سنه لمصلحة المریض، یفرض نفسه على کل طبیب بالشروط المثبتة بالقانون...) وحددت الفقرة الثانیة من المادة (11) تعریف ما یجب فهمه من کلمة ((السر)) فجاء فیها: (یشمل السر کل ما وصل إلى علم الطبیب فی مزاولة مهنته، أی لیس فقط ما تم البوح به الیه، وإنما أیضاً ما رأى وما سمع أو فهم).
ومما تقدم یتضح أن السر الطبی التزام له أهمیته بالنسبة للمریض والطبیب فالمریض یجب أن یثق بطبیبه ولا یخفی عنه شیئاً عندما ینبغی أن یفضی الیه، والطبیب یجب أن یلقی فی نفس مریضه الثقة به والطمأنینة بأنه سیکتم ما یسره الیه، والحکمة من کتمان السر هو ستر عیوب المریض التی قد تکون ناشئة عن خطیئة ارتکبها أو عن أمر یُعار منه فالمریض إنما یلجئه المرض للطبیب، فلا یجوز للطبیب أن یستبیح حِمى هذه الضرورة بل علیه أن یرعاها وأن یغمر مریضه من إنسانیته لیخفف عنه آلامه وعذابه.
الفرع الثانی
الاستثناءات الواردة على الالتزام بالسریة
إن الأصل هو حفظ الأسرار وعدم إفشائها وإن إفشاءها ٍما هو إلا استثناء من هذا الأصل . والقواعد القانونیة العامة تقضی بأن "الاستثناء لا یقاس علیه ولا یتوسع فی تفسیره" فما دام إفشاء السر الطبی استثناءً من الأصل، فإن تفسیره یجب أن لا یتوسع فٍیه، بل فقط على قدر الحاجة وبحدود الغایة المرجوة منه، سواء بالنسبة للوقائع أو الجهة أو الأشخاص وان یتقید بالغرض الذی أبیح الإفشاء لأجله، والسؤال الذی یثار من جهة أخرى ... هل یکون إفشاء السر واجباً على الطبیب؟.
والإجابة عن هذا التساؤل نجدها فی الأحوال التی یکون فیها إفشاء السر واجباً وذلک فی کل حالة تتعارض فیها مصلحة المریض فی حفظ أسراره مع مصلحة أخرى أجدر بالعنایة وتستوجب إفشاء السر ولا یجوز للطبیب رفض هذا الإفشاء بحجة التزامه بأمانته المهنیة وإلا کان مسؤولاً عما یترتب على هذا الرفض من أضرار ویندرج تحت هذا المفهوم حالات إفشاء السر الطبی لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة للمجتمع، وهناک حالات أخرى یکون أمر الإفشاء فیها جوازیاً للطبیب وذلک التزاما بأخلاقیات المهنة وأمانته دون معقب، ودون خوف من أن تترتب مسؤولیته عن رفض الإفشاء، وذلک فی حالات الإفشاء المتعلقة بمصلحة الطبیب نفسه.
وبالتالی فان مسوغات إفشاء السر الطبی المهنی یمکن أن تتمثل بالحالات الآتیة:-
أ. المحافظة على مصلحة المجتمع: من الاستثناءات على الالتزام بالسریة حالتان یقتضیهما حسن سیر العدالة تتمثل الحالة الأولى بالتزام الطبیب بأداء الشهادة أمام القضاء وتتمثل الثانیة بالتبلیغ عن الجرائم.
ففی الحالة الأولى نص المشرع على التزام کل شخص بأداء الشهادة لدى القضاء متى کلف بذلک وقرر عقاباً على تخلفه عن الحضور أو حضوره وامتناعه دون مبرر قانونی عن الإدلاء بشهادته، وهذا الالتزام عام بمعنى انه مفروض على الکافة دون استثناء ومن ثم یخضع له الأطباء النفسیون کسائر أرباب المهن الأخرى، ولکن ومن جهة أخرى کما سبق وبینا فان إفشاء السر یعد جریمة یفرض علیها العقاب والمستفاد من هذه النصوص أن ثمة تعارض بین واجب الشهادة وواجب الکتمان، إلا أن المشرع حسم هذا التعارض وغلب واجب الکتمان على واجب الشهادة، فحظر على الطبیب الشهادة فی الوقائع التی تتصف بالسر المهنی ولکنه لم یجعل هذا الحظر مطلقاً وإنما أورد علیه قیداً یتمثل برضاء صاحب السر بالإفشاء أما الحالة الثانیة فتتمثل بالتبلیغ عن الجرائم ذلک انه اذا کان للمریض مصلحة فی الکتمان إلا أن هذه المصلحة تعد غیر مشروعة فلا یلتزم الطبیب قبلها بالکتمان ذلک ان مصلحة المجتمع فی تحقیق العدالة ترجح على مصلحة المریض فی الکتمان فمن واجب الطبیب تبلیغ السلطات العامة عندما یعلم من فحصه للمریض ارتکابه لجریمة أو استعداده لذلک.
وهذه الأمور کانت محل نظر المشرع المصری فی قانون رعایة المریض النفسی والذی بعد أن اعتبر السریة من حقوق المریض النفسی أورد استثناءات على حاجز السریة وذلک فی الفقرة التاسعة من المادة (36) من قانون رعایة المریض النفسی والتی جاء فیها: (حمایة سریة المعلومات التی تتعلق به وبملفه الطبی وعدم إفشاء تلک المعلومات لغیر الأغراض العلاجیة إلا فی الحالات الآتیة:
هذا ویدق الأمر فی حالة ما إذا کان کتمان السر یترتب علیه ضرر لشخص آخر مثال ذلک أن یعلم الطبیب المعالج بحکم مهنته بان حالة المریض النفسیة شدیدة ولا أمل فی شفائه ویتقدم لخطبة فتاة ویخفی هذا السر فیعلم والد الفتاة أو احد من أهلها انه کان یتردد على الطبیب فیحاول أن یعلم منه حقیقة الأمر فهنا یرى جانب من الفقهوبحق انه لا یجوز للطبیب فی هذه الحالة إفشاء سر المریض متذرعاً بمحاولته منع ضرر متحقق عن الفتاة لأنها مصلحة شخصیة لا یجوز تغلیبها على الواجب القانونی الملقى على عاتق الطبیب المعالج .
ب .مصلحة المریض نفسه أو مصلحة أحد الأفراد
قد تقتضی مصلحة المریض أن یشرح الطبیب لذویه حالته حتى یقدموا له العنایة الکافیة، وقد اختلف الفقه فی أحقیة الطبیب فی إفشاء السر فی هذه الحالة من عدمه، ولکن المتفق علیه أنه لو طلب المریض منه عدم إفشاء هذا السر فلیس له أن یعارض ذلک ویتوجب علیه عدم الإفشاء ولکن یحق للطبیب النفسی أن یفشی سر المریض لأهل المریض أو السلطات المسؤولة إذا عزم مریض مختل عقلیا أو مضطرب نفسیا على الانتحار عزما صادقا.
لذلک فإن إبلاغ الطبیب النفسی عن هذا المریض لحجزه فی مؤسسة صحیة لا یعد إفشاء لسره، لأن ضرورة المحافظة على سلامته وسلامة الآخرین هی التی تقتضی هذا الإفشاء کما قد یطلب المریض من الطبیب ان یکتب له تقریراً عن حالته إلى طبیب آخر أو وجهة عمله. کأن یجعل المریض حالته النفسیة سبباً للتقاعد المبکر أو لإعفائه من عمل معین فیکون رضاء المریض سبباً لإباحة إفشاء الطبیب للسر وهذا ما نصت علیه الفقرة (11) من المادة (36) من قانون رعایة المریض النفسی المصری والتی تضمنت حقوق المریض فجاء فیها ما نصه ( الحصول على تقریر طبی کامل عن حالته النفسیة وعن کافة الفحوصات والإجراءات العلاجیة التی تمت له أثناء علاجه بالمستشفى، وفی حالة رغبته فی الحصول على صورة ضوئیة من الملف کاملا أن یلجأ إلى المجلس المختص للصحة النفسیة ویجوز للمجلس حجب هذا الحق مؤقتا لأسباب علاجیة ویحق للمریض التظلم من هذا الإجراء طبقا لأحکام هذا القانون ولائحته التنفیذیة). ولقد أکدت مبادئ الأمم المتحدة على هذا الاستثناء أیضا فجاء فی المبدأ18 رابعاً وتحت عنوان الضمانات الإجرائیة ما نصه: ((تعطى للمریض ومحامیه نسخ من سجلات المریض ومن أی تقاریر ووثائق ینبغی تقدیمها، إلا فی حالات خاصة یتقرر فیها أن کشف أمر بعینه للمریض من شأنه أن یسبب لصحته ضررا خطیرا أو أن یعرض سلامة الآخرین للخطر)).
أما الفقرة الأولى من المبدأ(19) فقد جاء فیها: (( یکون للمریض الحق فی الحصول على المعلومات المتعلقة به والواردة فی سجلاته الصحیة والشخصیة التی یحتفظ بها مرفق الصحة النفسیة. ویمکن أن یخضع هذا الحق لقیود بغیة منع حدوث ضرر خطیر لصحة المریض وتجنب تعریض سلامة الآخرین للخطر. ووفقا لما قد ینص علیه القانون المحلی، فإن أی معلومات من هذا القبیل لا تعطى للمریض، ینبغی إعطاؤها لممثل المریض الشخصی ومحامیه عندما یمکن القیام بذلک فی إطار الثقة والسریة. وعند الامتناع عن إعطاء المریض أیا من هذه المعلومات، یتعین إخطار المریض أو محامیه، إن وجد، بهذا الامتناع وبأسبابه مع خضوع هذا الامتناع لإعادة النظر فیه قضائیا)).
ج. إفشاء السر الطبی لمصلحة الطبیب )للدفاع عن النفس)
من المتفق علیه أن للطبیب فی سبیل الدفاع عن نفسه أن یکشف عن العناصر التی من شأنها تبرئته، إذ إن حق الدفاع من الحقوق الأساسیة المقررة للمتهم التی لا یلغیها أو یحجبها الالتزام بالمحافظة على السر، وعلى هذا قضت محکمة النقض الفرنسیةبأن للطبیب الحق فی کشف السر دفاعا للمسؤولیة فی نطاق حقه فی الدفاع عن نفسه. حیث یحل الطبیب من التزامه بالمحافظة على السر ویکون له الحق فی أن یقدم الإیضاحات دفعا للتهمة الموجهة الیه.
ویلاحظ أن حق الطبیب فی الإفشاء مقید بحقه فی الدفاع وبالتالی فانه وفی خارج هذه الحالة لا یجوز له الإفشاء، کما لا یکون الکشف عن السر إلا أمام القضاء کی یبرئ نفسه مما نسب الیه من اتهام ، ومن ثم لا یجوز له الکشف عن السر فی الصحف.
المطلب الثانی
التزام الطبیب بتزوید المریض بالعنایة الصحیة النفسیة
إن العلاقة بین الطبیب والمریض هی علاقة إنسانیة وطبیة تُبنى على أساس من الثقة والفهم المتبادل بین المریض والطبیب وتعاونهما فی تحقیق الهدف من المعاینة السریریة، وفی وضع خطة المعالجة المتکاملة. فعلى الطبیب أن یعنى بالمریض العنایة الکافیة وأن یصف له من وسائل العلاج ما یرجى به شفاؤه، ویتحدد مدى التزام الطبیب بالقواعد المهنیة التی تفرضها علیه مهنته وما جرت علیه عادة الأطباء فی الظروف نفسها، وکذلک مستواه المهنی، فالطبیب العمومی لا یتحمل نفس الالتزامات التی یتحملها الطبیب المتخصص إذ یطلب منه قدر من العنایة یتفق مع هذا المستوى، وقد قررت هذا المبدأ محکمة استئناف مصر: بالنسبة للأطباء الأخصائیین یجب استعمال منتهى الشدة فی تقریر أخطائهم لان واجبهم الدقة فی التشخیص والاعتناء وعدم الإهمال فی المعالجة.)(
ویؤخذ فی الحسبان کذلک عند تحدید مدى التزام الطبیب هذا، الظروف الخارجیة التی یوجد فیها ویعالج فی ضوئها المریض، کمکان العلاج والإمکانیات المتاحة، کأن یکون ذلک فی مستشفى مزود بأحدث الآلات والمخترعات أو فی جهة نائیة منعزلة لا وجود فیها لشیء من هذه الإمکانیات أو أن تکون حالة المریض فی درجة من الخطورة تقضی إجراء جراحة له فوراً فی مکان وجوده ودون نقله إلى مستشفى أو عیادة وأن تکون الجهود المبذولة متفقة مع الأصول العلمیة الثابتة والواضحة. إذ لا یعقل استعماله لوسائل طبیة بدائیة تخالف التطور العلمی الحدیث، فهو وإن کان لا یلتزم بإتباع تلک الوسائل إلا أنه ینبغی علیه الالتجاء إلى تلک التی استقر علیها الطب الحدیث، وله الاجتهاد فی اختیار أنسب الوسائل حسب حالة المریض والإمکانیات المتاحة وتطویعها بحیث تتفق وظروفه الخاصة. فقد أدان القضاء المصری فی أکثر من مناسبة الأطباء الذین یلجؤون إلى طرق علاجیة مهجورة فالالتجاء إلى طریقة أصبحت مهجورة وتمثل خطورة یشکل خطأ من جانب الطبیب.
ولعل إجماع الفقهعلى أن التزام الطبیب أمام المریض بتقدیم العنایة الصحیة ینحصر فی الالتزام ببذل عنایة لا بتحقیق نتیجة لأن هذه النتیجة وهی شفاء المریض أمر احتمالی غیر مؤکد; فما على الطبیب سوى أن یبذل جهده وعنایته، أما الشفاء فهو من عند الله فالالتزام ببذل عنایة هو الذی یقرب النتائج المترتبة على الاختلاف فی تکییف المسؤولیة الطبیة فیسأل الطبیب عن کل تقصیر فی مسلکه الطبی لا یقع من طبیب یقظ فی مستواه المهنی وجد فی نفس الظروف الخارجیة التی أحاطت بالطبیب المسؤول کما یسأل عن خطئه العادی أیا کانت جسامته.
وقد جاء فی المادة الأولى من الدستور الطبی الأردنی الذی ورد ضمن قانون نقابة الأطباء الأردنیة رقم13 لسنة 1972 النص صراحة على أن التزام الطبیب نحو المریض هو التزام ببذل عنایة، حیث نصت هذه المادة على أن: "مهنة الطب مهنة إنسانیة وأخلاقیة قدیمة قدم الإنسان... وتقوم المسؤولیة الطبیة بین الطبیب والمریض على بذل العنایة وعدم الإهمال ولیس الشفاء". کما أکد القضاء الأردنی المنحى السابق من خلال قرار لمحکمة التمییز الأردنیة أشارت فیه إلى أن التزام أصحاب المهن بمن فیهم الأطباء هو التزام ببذل عنایة. وعلى هذا فلا حرج على الطبیب إذا اخطأ فی التقدیر بعد أن یستنفذ جمیع السبل الممکنة فی التقصی والفحوص المختبریة والشعاعیة وبذل ما فی جهده وطاقته للتوصل إلى التشخیص الدقیق وبعد أن راعى أصول فن المهنة والتزم بضمیر متیقظ وشرف الطب فی تشخیصه وإذا کان على الطبیب أن تکون عنایته بالمریض یقظة وحذرة، فإنه یتعین على القاضی أن یدخل فی اعتباره، هو بصدد مقارنة سلوک الطبیب محل المساءلة بسلوک الطبیب الوسط من نفس تخصصه، ما یقتضیه سلوک هذا الأخیر من مراعاة للمعطیات العلمیة، ولما کان القاضی لا یستطیع الخوض فی النظریات العلمیة، خاصة إذا کانت محل خلاف، فلا مفر، إذن، أمامه من الالتجاء إلى أهل الخبرة.
ویترتب على ذلک، عدم التزام الطبیب بأیة نتیجة مهما کانت فی علاج المریض فهو لا یلتزم بمنع المرض من التطور إلى ما هو أسوأ، لأنه لا یلتزم بألا تسوء حالة المریض وإلا تتخلف لدیه عاهة بالغة ما بلغت من الشدة، وأخیراً فهو لا یلتزم بأن لا یموت المریض فحدوث کل هذه التدهورات الصحیة للمریض، بل وأشد منها، إن أمکن تصورها، لا یعنى فی ذاته، أن الطبیب قد أخل بالتزاماته. إذا فإن طبیعة ومضمون الالتزام تتحدد- وبحسب الأصل- فی کونه التزاماً یبذل فیه الطبیب – نحو مریضه- عنایة مشروطة بأن تکون صادقة، یقظة، تتفق والأصول العلمیة الثابتة.
ویعتبر من قبیل التزام الطبیب النفسی بتقدیم العنایة الصحیة لمرضاه النفسیین عدم إخضاعهم للتجارب الطبیة فلا یجوز بأی حال من الأحوال أن یکون المریض النفسی محلاً لمشاریع التجارب الطبیة وهذا ما نصت علیه الفقرة الثامنة من المادة (36) من قانون رعایة المریض النفسی المصری والتی تضمنت حقوق المریض فجاء فیها ما نصه: (أن یحظى فی حالة الموافقة على الخضوع لإجراء التجارب والبحوث العلمیة بشرح کامل لهدف التجربة، على أن یحظر إجراء التجارب على المرضى الخاضعین لقرارات الدخول والعلاج الإلزامی).
کما أن تعلیمات السلوک المهنی لسنة 1985 الصادرة عن مجلس نقابة الأطباء ببغداد نصت على شروط ممارسة التجارب الطبیة (تعد التجارب على المریض عملاً جنائیاً إلا إذا أجریت لأغراض علمیة بحتة وفی مراکز بحث علمی أو معاهد علمیة تعلیمیة) ویلاحظ على هذه تعلیمات أنها لم تنص على حظر التجربة الطبیة على صحیح البدن.
وبالعودة لالتزام الطبیب بالعنایة نجد أن کل من المشرعین العراقی والأردنی لم ینصا علیه فی قوانین الصحة النفسیة بینما نظمه المشرع المصری ونصت علیه مبادئ الأمم المتحدة.
فالمشرع المصری أورد فی الفقرة الثامنة من المادة (36) من الباب الخامس حقوق المرضى من ناحیة واجب العنایة الصحیة والتی جاء فیها:
(یتمتع المریض النفسی الذی یعالج بإحدى المنشآت المنصوص علیها فی المادة (2) من هذا القانون بالحقوق الآتیة :-
1- تلقى العنایة الواجبة فی بیئة آمنة ونظیفة .....6- أن یکون العلاج المقدم له طبقاً للمعاییر الطبیة المرعیة والمعترف بها فی الأوساط العلمیة .....7- ضرورة أخذ موافقة لجنة أخلاقیات البحث العلمی قبل تعرضه لأی بحث إکلینیکی .......8- أن یحظى فی حالة الموافقة على الخضوع لإجراء التجارب والبحوث العلمیة بشرح کامل لهدف التجربة، على أن یحظر إجراء التجارب على المرضى الخاضعین لقرارات الدخول والعلاج الإلزامی..... 13. مقابلة زائریه أو رفض مقابلتهم ما لم تتعارض المقابلة مع الخطة العلاجیة .....16. طلب الخروج من المنشأة دون مصاحبة أحد من ذویه متى انتهت فترة دخوله إلزامیا بعد الحصول على خطه لرعایته نفسیا بعد الخروج، وذلک مع مراعاة رعایته اجتماعیا .....17- الحمایة من الاستغلال الاقتصادی والجنسی ومن الإیذاء الجسدی والنفسی والمعاملة المهینة).
أما مبادئ الأمم المتحدة لحمایة المصابین بعلل نفسیة وتحسین الرعایة الصحیة النفسیة فقد أوردت العنایة الصحیة فی المبدأ (8) والفقرة (13) من المبدأ التاسع .فالمبدأ8 نظم معاییر الرعایة الصحیة للمرضى النفسیین وکما یلی :
1. لکل مریض الحق فی أن یحصل على الرعایة الصحیة والاجتماعیة التی تناسب احتیاجاته الصحیة، کما یحق له الحصول على الرعایة والعلاج وفقا لنفس المعاییر المنطبقة على المرضى الآخرین.
2. توفر لکل مریض الحمایة من الأذى، بما فی ذلک العلاج بالأدویة التی لا یکون هناک مبرر لها، ومن الإیذاء على أیدی المرضى الآخرین أو الموظفین أو غیرهم، ومن الأعمال الأخرى التی تسبب ألما نفسیًا أو ضیقًا بدنیاً.
المطلب الثالث
الالتزام بالتبصیـر
إن الوقوف عند التزام الطبیب النفسی بالتبصیر یقتضی منا بیان ماهیة هذا الالتزام ومن ثم مراحله وهذا ما سنوضحه من خلال الفرعین التالیین:
الفرع الأول
ماهیة الالتزام بالتبصیر
إن التزام الطبیب بالتبصیر یقتضی منه أن یفهم المریض طبیعة العلاج المقترح فوائده وأخطاره حتى یستطیع أن یختار ویقرر یقبل أو یرفض العلاج، فالمریض هو صاحب حق اختیار طریقة العلاج من بین الطرق العلاجیة الممکنة فی غیر حالات الضرورة والتی یجوز فیها إجراء المعالجة بدون تبصیر المریض.
والحقیقة أن حصول الرضا فی عقد العلاج الطبی یمثل جانبا قانونیا تعاقدیا وهنا یجب التفرقة بین الرضا الذی ینعقد به العقد الطبی بین الطرفین وبین ضرورة الحصول على الرضا المستنیر من المریض بمباشرة الأعمال الطبیة والذی یکون نتیجة طبیعة الالتزام الذی یقع على الطبیب بالإفصاح والتبصیر والإعلام بمباشرة العمل الطبی فی کل مراحله، فالالتزام بالإعلام هو من الالتزامات المتفرعة عن الالتزام بالتفاوض بحسن نیة وبموجبه یتعین على کل طرف متفاوض فی العقد الطبی بالإفضاء للطرف الآخر بکل ما لدیه من بیانات ومعلومات بالعقد المتفاوض علیه حتى یتسنى للطرف الآخر أن یقدم على التعاقد بإرادة مبصرة.
ولّما کان الطبیب یتمیز بحیازته لقدر هائل من المعلومات الطبیة أمام مریض ضعیف القدرة العلمیة فی هذا المجال وبخاصة أمام الاکتشافات العلمیة الحدیثة فی هذا المجال نتج عن ذلک عدم تعادل بین المعلومات الطبیة لدى الطبیب والمریض، الأمر الذی أثار التزاما على عاتق الطبیب بتبصیره.
ویعد الالتزام بالتبصیر من أهم الالتزامات الملقاة على کاهل الطبیب فلابد من أن یکون الإعلام الصادر منه بسیطاً ومفهوماً لأن الإعلام الصادر من الطبیب بلغة فنیة وعلمیة معقدة لا یحقق الغایة المرجوة منهوهی العمل على المحافظة على صحة مرضاه ومصالحهم کهدف رئیسی بل یکون ضرره أکثر من نفعه، لأنه بإمکانه أن یبعث القلق والخوف والرهبة فی نفس المریض من جهة، ومن جهة أخرى یخل بقدرة المریض على الاستیعاب الجید للمعلومات المقدمة الیه. کما ویلتزم الطبیب بمراعاة الظروف الشخصیة للمریض النفسی عند إعلامه مثل عمره، مستوى ثقافته، شخصیته، جنسه. ویعد التبصیر من الأمور الضروریة فی تنفیذ عقد العلاج الطبی فی مراحله المختلفة فضلاً عن أنه یختلف فی کل مرحلة عن سابقتها.
الفرع الثانی
مراحل الالتزام بالتبصیر
من واجب الطبیب النفسی تبصیر مریضه فی کل مرحلة من مراحل العلاج النفسی المختلفة فالعمل الطبی یمر بثلاث مراحل، أولها الفحص والتشخیص والمرحلة الثانیة هی مرحلة العلاج التی تعد بمثابة البناء الذی یوضع على القواعد، باعتبار أن المرحلة السابقة بمثابة القواعد والأسس التی یقوم علیها العلاج أما المرحلة الأخیرة فهی المرحلة اللاحقة على العلاج، وسنأتی إلى بیان أهمیة التبصیر فی کل مرحلة من الفقرات الآتیة:-
أولاً: التبصیر فی مرحلة التشخیص: إن الالتزام الذی یقع على عاتق الطبیب ینصرف أولا إلى تبصیر مریضه بالوسائل الفنیة التی ستستخدم للوصول إلى تشخیص مرضه ألا وهی الفحوص والتحالیل والأشعة فهذه الأعمال تعد أعمال طبیة بالرغم من کونها فی ذاتها لیست أعمالا علاجیة لکنها تمثل مساسا بسلامة جسم المریض وحریته الشخصیة. لذا لا یجوز إخضاع المریض لها إلا بعد الحصول على رضاه المستنیر بها ومن الجدیر بالذکر بأن قواعد السلوک المهنی الطبی العراقی قد أوردت فیما یتعلق بضرورة تبصیر المریض فی مرحلة التشخیص المادة الخامسة منها تحت عنوان ((المسؤولیة فی التشخیص)) والتی جاء فیها: ((یجب تنبیه المریض أو من ینوب عنه رسمیاً من قبل طبیبه أو الأطباء المسؤولین عن الوسائل التشخیصیة المساعدة عن الأضرار والأخطار والتفاعلات الجانبیة التی قد تحدث من استعمالها مثل الفحوص الشعاعیة أو من استعمال المواد المشعة وما شابه)).
فی حین لم یشر کل من المشرعین المصری والأردنی إلى الالتزام بالتبصیر فی مرحلة التشخیص.
ثانیاً: التبصیر فی مرحلة العلاج
یعد العلاج المرحلة الثانیة للعمل الطبی فبعد أن یعرف الطبیب نوع المرض وخطورته یقوم بتحدید العلاج المناسب له، فهذه المرحلة تفرض على الطبیب التزاماً بتبصیر مریضه بکل المعلومات التی تتطلبها هذه المرحلة، فإذا اضطر إلى وصف أدویة فیها خطورة على جسم الإنسان علیه أن یخبر مریضه بذلک ویبصره بطریقة استعماله والمقدار المسموح بتناوله ویعلمه منبهاً إلى خطورة مجاوزة المقدار المحدد والطریقة الموسومة فی استعمالها فلا یعفى الطبیب من التزامه هذا وجود النشرة المرفقة بالأدویة)(.
هذا و یتحدد مضمون التزام الطبیب بالتبصیر فی مرحلة العلاج بأمرین هامین لا یغنى أحدهما عن الآخر هما :
1. بیان طریقة استخدام العلاج
2. التحذیر من المخاطر
ثالثاً: التبصیر اللاحق على العلاج
إن التزام الطبیب بتبصیر مریضه لا یقتصر على مرحلتی التشخیص والعلاج وإنما یمتد إلى ما بعد العلاج، وهدف التبصیر الرئیس فی هذه المرحلة هو المحافظة على حالة المریض بإعلامه بنتیجة العلاج والاحتیاطات اللازمة فی المستقبل لتلافی أضراره التی قد تقع فی حین أن هدف التبصیر فی المرحلتین السابقتین هو الحصول على رضاء المریض المستنیر بالعمل الطبی. وقد قضت محکمة تمییز العراق بقرار لها جاء فیه (عدم قیام الطبیب إخبار المریض بعد العملیة عن الاحتیاطات التی یجب إتباعها من أجل تجنب الآثار الجانبیة التی تقع یُعد سبباً لقیام مسؤولیته).
هذا وقد خلا قانون الصحة النفسیة العراقی وقانون الصحة العامة الأردنی من حکم الالتزام بالتبصیر فی حین جاء تنظیم المشرع المصری للالتزام بالتبصیر بشکل واضحً وذلک فی المواد من 27 إلى 30 من قانون رعایة المریض النفسی فنص فی المادة (27) على انه: "فی حالة تمتع المریض بالقدرة العقلیة على فهم وإدراک الإجراءات والمعلومات المقدمة إلیه واتخاذ قرار مبنى على هذا الإدراک والتعبیر عنه تعبیرا صحیحا یلتزم الطبیب النفسی المسئول بعدم إعطاء أی علاج لمریض الدخول الإرادی دون الحصول على موافقته المسبقة المبنیة على إرادة حرة مستنیرة ....، وتقع مسئولیة تقریر قدرة المریض العقلیة على إعطاء موافقة صریحة ومستنیرة من عدمه على الطبیب النفسی المسئول).
کما ونصت المــادة (28) على: (لا یجوز إعطاء المریض النفسی أی علاج لحالته سواء کان هذا العلاج دوائیا أو نفسیا أو سلوکیا أو کهربائیا أو أی من العلاجات المستخدمة فی الطب النفسی دون إحاطته علما بذلک، ویتعین إحاطته علما بطبیعة هذا العلاج والغرض منه والآثار التی قد تنجم عنه والبدائل العلاجیة له، فإذا امتنع مریض الدخول الإلزامی عن تناول العلاج المقرر یحق للطبیب النفسی المسئول إلزامه بالعلاج، على أن یستوفى الطبیب إجراءات العلاج الإلزامی قبل الشروع فی ذلک، ویجب علیه مراجعة إجراءات العلاج الإلزامی کل أربعة أسابیع على الأکثر ..).
ونصت المــادة (29) على انه: (یجوز فی حالة الضرورة العاجلة إعطاء المریض النفسی العلاج دون الحصول علی موافقته متى کان ذلک لازما لمنع حدوث تدهور وشیک للحالة النفسیة أو الجسدیة للمریض من شانها أن تعرض حیاته أو صحته أو حیاة وصحة الآخرین لخطر جسیم وشیک علی ألا تتجاوز مدته اثنین وسبعین ساعة وذلک طبقا لما تحدده اللائحة التنفیذیة لهذا القانون).
أما المادة (30) فقد نصت على: (لا یجوز إجراء العلاج الکهربائی اللازم لحالة المریض النفسی إلا تحت تأثیر مخدر عام وباسط للعضلات، ویتعین الحصول على موافقته على ذلک کتابة بناء على إرادة حرة مستنیرة وبعد إحاطته علما بطبیعة هذا العلاج والغرض منه، والآثار الجانبیة التی قد تنجم عنه، والبدائل العلاجیة له، فإذا رفض المریض الخاضع لإجراءات الدخول والعلاج الإلزامی هذا النوع من العلاج وکان لازما لحالته فرض علیه بعد إجراء تقییم طبی مستقل).
أما مبادئ الأمم المتحدة للمصابین بعلل نفسیة وتحسین الرعایة الصحیة النفسیة فقد أوردت فی الباب الخامس منها تحت عنوان حقوق المرضى فی المبدأ(11) على ما یأتی:
1. لا یجوز إعطاء أی علاج لمریض دون موافقته المستنیرة باستثناء ما یرد النص علیه.
2. الموافقة المستنیرة (عن علم) هی الموافقة التی یتم الحصول علیها بحریة بدون تهدیدات أو إغراءات غیر لائقة، بعد أن یکشف للمریض بطریقة مناسبة عن معلومات کافیة ومفهومة بشکل ولغة یفهمهما المریض، عن:
أ. التقییم التشخیصی.
ب. الغرض من العلاج المقترح، وطریقته، ومدته المحتملة والفوائد المتوقعة منه.
ج. أسالیب العلاج البدیلة، بما فیها تلک الأقل تجاوزا.
د. الألم أو الضیق المحتمل، وأخطار العلاج المقترح وآثاره الجانبیة.
3. یجوز للمریض أن یطلب حضور شخص أو أشخاص من اختیاره أثناء إجراء إعطاء الموافقة.
4. للمریض الحق فی رفض أو إیقاف العلاج، باستثناء الحالات المنصوص علیها فی الفقرة (5) من هذا المبدأ.
5. لا یمکن إعطاء العلاج دون الموافقة المستنیرة من المریض باستثناء لحالات الآتیة:
آ. إذا کان المریض، فی وقت اقتراح العلاج، محتجزا کمریض رغم إرادته.
ب. إذا اقتنعت سلطة مستقلة فی حوزتها کل المعلومات المتعلقة بالموضوع، بأنه لم تکن للمریض، وقت اقتراح العلاج، الأهلیة لإعطاء أو رفض الموافقة المستنیرة على خطة العلاج المقترحة، أو إذا اقتنعت السلطة المذکورة بأن امتناع المریض عن إعطاء الموافقة المذکورة هو، حسبما تنص علیه القوانین المحلیة، امتناع مخالف للمنطق المعقول وفقا لما تقتضیه سلامة المریض نفسه أو سلامة الأشخاص الآخرین.
ج. إذا اقتنعت السلطة المستقلة بأن خطة العلاج المقترحة تفی باحتیاجات المریض الصحیة على أفضل وجه.
وجاء فی المبدأ (12) حول الإشعار بالحقوق ما یأتی:
1. یحاط المریض المودع فی مرفق للصحة النفسیة علما، فی أقرب وقت ممکن بعد إدخاله المرفق، بشکل ولغة یمکن للمریض أن یفهمهما، بجمیع حقوقه وفقا لهذه المبادئ وبموجب القانون المحلی، ویجب أن تتضمن المعلومات توضیحا لهذه الحقوق ولکیفیة ممارستها.
2. إذا عجز المریض عن فهم هذه المعلومات، وجب عندئذ إبلاغ حقوقه إلى الممثل الشخصی، وإلى الشخص أو الأشخاص القادرین على تمثیل مصالح المریض على أفضل وجه والراغبین فی ذلک.
3. یحق للمریض الذی یتمتع بالأهلیة اللازمة أن یعین شخصا تبلغ إلیه المعلومات نیابة عنه، وکذلک شخصا لتمثیل مصالحه لدى سلطات المرفق.
المطلب الرابع
الالتزام بالمتابعة
المتابعة هی أی اتصال مخطط له بعد تقدیم الخدمة الصحیة والطبیة بین الطبیب والمریض. و یعتبر التزام الطبیب بمتابعة علاج المریض من أقل المواضیع التی اهتم بها الفقه رغم الأهمیة القصوى لهذا الالتزام، حتى الأشخاص العادیون ربما لا یعلمون بوجود مثل هذا الالتزام على عاتق الطبیب، ویعتقدون أن باستطاعة الأخیر أن یترک مریضه فی أی مرحلة من مراحل العلاج، وأنه لیس أمام المریض إلا اللجوء إلى طبیب آخر، کما أن الأطباء کانوا یعتقدون لفترة من الزمن أنهم فوق المساءلة ولا یسألون إلا بصفتهم أشخاصاً عادیین، إلا أنه وبمرور الزمن ظهر الالتزام بمتابعة علاج المریض.
إن الالتزام بالمتابعة یعنی التزام الطبیب بعد قیامه بالعلاج بمتابعة حالة المریض النفسی للتأکد من مدى نجاح المعالجة الطبیة، واتخاذ ما یراه مناسباً لمواجهة الحالة، ولا یقتصر الأمر عند هذا الحد، بل یتعین علیه أیضا أن یعطی المریض کافة البیانات والنصائح الواجب إتباعها لتفادی النتائج السیئة، وخاصة ما کان منها متوقعا، أو على الأقل التخفیف من حدة هذه النتائج.
فالطبیب یعد وبحق قد ارتکب خطأ، عندما ینقطع عن معالجة مریضه بشکل غیر مبرر، وفی ظروف غیر مناسبة ، فمن المعروف بأن عقد العلاج الطبی من العقود المستمرة; لأن الفحوصات الطبیة والعلاج ومتابعة المریض، تمتد فترة من الزمن قد تطول أو تقصر حسب الأحوال ، ولضمان استمراریة العنایة والعلاج، فإنه یتوجب على الطبیب أن یراعی ما یأتی :
أ. أن یترک الطبیب للمریض الوسائل التی تمکنه من الاتصال به، واستدعائه فیما بین المدد لزیارته وذلک فی الحالات التی یکون وجوده ضروریاً، وقد قضت محکمة "مارسیلیا" "بأن الذی یشرع فی معالجة مریض ثم یترکه، یرتکب إهمالا یعرضه لفقد أتعابه إذا ترک مسکنه دون أن یترک عنوانا، أو یترک طبیبا آخر بدلا منه ;لأنه طالما شرع فی علاج المریض، فهو قد تعهد بذلک ضمنیا على أن یستمر فی هذا العلاج طالما ان المریض فی حاجة الیه، ولا یصح له أن ینقطع عن هذا العلاج فجأة" وقد حکم "بأن الطبیب الذی شرع فی علاج المریض ثم ترکه دون أن یکفل له استمرار العنایة الطبیة من زمیل آخر، یکون مسؤولاً عن الضرر الذی وقع بسبب ذلک، إلا إذا اثبت أن حالات القوة القاهرة هی التی منعته عن ذلک.
ب. وجوب التأکد من الحالة الصحیة للمریض : إلا انه ینبغی القول إن من حق الطبیب فک العلاقة العقدیة بحریة، بشرط أن یکون ذلک بعلم مسبق، حیث أن من حق الطبیب الانسحاب إذا اکتشف أن حالة المریض تعتبر خارج نطاق تخصصه أو قدرته أو خبرته، ولکن لیس من حقه الانسحاب لأسباب عرقیة أو دینیة، ولها علاقة بأصل المریض أو توجهاته المختلفة، کما لا ینبغی له عدم متابعة مریضه غیر المرجو شفاؤه.
ومما تجدر الإشارة الیه أن قانون الصحة العامة الفرنسی أشار لالتزام الطبیب بالمتابعة فی المادة (2) منه والتی جاء فیها: (أن مهمة الطبیب هی تقدیم المساعدة للمریض وعلیه مهمة مضاعفة جهوده لخدمة الفرد والصحة العامة وان مصلحة المریض یجب أن تکون من أولویات الطبیب نسبة لمصلحته الشخصیة وان یلبی کافة متطلبات النظام العام وهذا یعد من أهم الالتزامات المهمة نسبة للطبیب النفسی. وللمریض حریة الاختیار والتعاقد مع الطبیب وله الحریة فی إبطال العقد بدون إعلام مسبق للطبیب ومن دون أیة توضیحات. وعلى العکس من ذلک فان تملص الطبیب من معالجة المریض یتطلب الشروط المسبقة التالیة :
فی حین خلت أن قوانین الصحة النفسیة المقارنة الأخرى من النص على الالتزام بالمتابعة فقد خلا قانون الصحة النفسیة العراقی وقانون الصحة العامة الأردنی وقانون رعایة المریض النفسی المصری وکذلک مبادئ الأمم المتحدة لحمایة المصابین بعلل نفسیة من أی نص ینظم الالتزام بالمتابعة وهو أمر نراه قصورا تشریعیا یستوجب تدخل المشرع لتنظیمه.
المطلب الخامس
الالتزام بالمراقبة
یمتاز هذا الالتزام ببعض الخصوصیة ذلک انه لا یظهر إلا إذا تطلب العلاج إدخال المریض إلى المصحة لیکون عندئذ من أهم الالتزامات الملقاة على عاتق مساعدی الطبیب ذلک أن من الالتزامات الملقاة على عاتق هؤلاء الالتزام بمراقبة المریض ورصد حرکاته تحوطاً من الإضرار بنفسه أو بغیره ویقدر العلاج والمراقبة حسب ما یشیر به الطبیب المعالج.
إن تطور الطب فی مجال الأمراض العقلیة والنفسیة اخذ یولی أهمیة خاصة للوسائل العصریة فی هذا المجال فبدلاً من حجز المریض فی حُجر انفرادیة ومراقبته مراقبة شدیدة ودقیقة وعزله فی أماکن خاصة، توصی الوسائل العصریة بالتخلی تدریجیاً عن هذه الأسالیب خصوصاً فی فترة النقاهة وتلح على الأهمیة العلاجیة للثقة التی تعطی للمریض، ولا ینکر أن هذا التسامح الذی تبدیه الوسائل العلاجیة الحدیثة قد تقترن به أو ترافقه بعض الأخطار کلجوء المریض إلى الانتحار إلا أن الأخصائیین یعتبرون أن المنافع المنتظرة من العلاج الجدید تبدو أعظم من هذا الخطر الذی یسیر نحو التناقص بشکل واسع.
لکن هل یعتبر لالتزام الخاص بمراقبة المریض التزاماً بنتیجة أم بوسیلة؟. اختلف الفقه بصدد إجابتهم عن هذا التساؤل فذهب البعض إلى إنه التزام بنتیجة یتمثل بحراسة المریض لأنه ملزم بالعقد بضمان سلامة المریض ویذهب جانب آخر من الفقه إلى أن هذا الالتزام بوسیلة وهذا الرأی هو الراجح بنظرنا ذلک أن الخطأ لا یمکن أن یکون مفترضاً لان تصرف المریض النفسی یمکن أن یکون غیر متوقع، کما إن القول بان الالتزام بالرقابة هو التزام بنتیجة سیدفع فی سبیل التخلص من المسؤولیة إلى تشدید الرقابة على المریض وبالتالی سیحرم الأخیر من مزایا الوسائل الحدیثة فی العلاج کما ان القول بخلاف ذلک یعنی ان المسؤولیة التی تقع على عاتق الطبیب الذی یعمل فی مصحة خاصة اشد من تلک التی یتحملها من یعمل فی مصحة عامة حیث أن الخطأ فی الحالة الأخیرة یکون واجب الإثبات دائما ولیس مفترضا.
وبخصوص الالتزام بالمراقبة یقرر القضاء الفرنسی أن المرضى الذین یمکن أن تدفعهم الحالة العقلیة أو الجسمیة إلى الإضرار بأنفسهم یکون لهم الحق، قبل الطبیب المعالج فی رقابة خاصة، ولذلک یکون الطبیب مخطئاً، متى ترتب على عدم رقابته للمریض أن أضر هذا الأخیر بنفسه.
وحیث أن تنفیذ الطبیب لالتزامه بالمراقبة یکون من قبل تابعیه فیثار التساؤل عن مدى مسؤولیة الطبیب النفسی عن أخطاء هؤلاء؟.
وللإجابة عن هذا التساؤل نجد أن مسؤولیة الطبیب النفسی لا تقتصر على الأضرار التی یسببها هو بنفسه للمریض فقط، وإنما تمتد کذلک لتشمل الأضرار التی یتسبب بها أحد تابعیه ضمن الفریق الطبی المعالج ممن ینتج عن أدائهم الفنی من أخطاء تسبب أضرارا للمرضى، ولبیان مسؤولیة الطبیب النفسی عن أعمال تابعیه یجب التمییز بین حالتین، أولهما مسؤولیة الطبیب عن أفعال غیره سواء إذا کان الطبیب یمارس مهنته فی مصح عام أو خاص. وحالة ما إذا کان یعمل فی عیادته الخاصة.
ففی الحالة الأولى إذا کان المصح عام فهذا یعنی انه مملوک للدولة، ومن ثم فان الذین یعملون بها یعتبرون موظفین عمومیین ویصعب القول بوجود علاقة تعاقدیة بین جمهور المستفیدین منها والأطباء العاملین فیها.
فالمشرع العراقی أخضع ذوی المهن الطبیة فی عملهم الرسمی کغیرهم من الموظفین إلى القوانین العامة والخاصة التی تنظم الوظیفة وفی علاقتهم بالإدارة وفی تحدید مسؤولیتهم ولهذا یعد الأطباء وغیرهم فی مرکز تابع للإدارة وتکون الإدارة متبوعاً وهی بهذه الصفة تکون مسؤولة عن کل خطأ یصدر عنهم أثناء وظائفهم ویلحق ضررا بالآخرین.
أما إذا کان المصح خاص وصدر الخطأ من مساعدی الطبیب فیمکن للمضرور الرجوع على المصح أیضا لکونه متبوعاً عن أعمال هؤلاء وهو الأکثر ملاءة مالیة من الطبیب.
ومجمل القول فان الطبیب العامل فی مصح عاما کان المصح أم خاصا لا یکون مسؤولاً عن خطأ مساعدیه بالمراقبة بل یکون المصح نفسه مسؤولاً عن هذا الخطأ بموجب أحکام مسؤولیة المتبوع عن أخطاء تابعیه.
أما فی الحالة الثانیة والتی یعمل فیها الطبیب فی عیادته الخاصة فانه یکون مسؤولاً عن فعل مساعدیه بموجب أحکام المسؤولیة العقدیة عن فعل الغیر، فإذا کان الأصل فی مساءلة المرء عن فعله الضار أو خطأه الشخصی الذی الحق بالغیر ضرراً إلا أن الوضع تغیر بتطور المجتمع فلم یعد الشخص مسؤولاً عما یحدثه شخصیاً من أضرار للغیر بأخطائه أو بأفعاله الضارة فقط بل أصبح مسؤولاً أیضاً عن أخطاء غیره ممن یستعین بهم فی تنفیذ التزامه کلاً أو جزءاً استجابة لدواعی النشاط المشترک.
إن فعل الغیر قد ینفی مسؤولیة المدین إذا توفرت فیه صفات السبب الأجنبی على ان هناک طائفة من الأشخاص لا یستطیع المدین أن یحتج بفعلهم لدرء مسؤولیته وهم الأشخاص الذین یستعین بهم لتنفیذ التزامه أو یحلهم محله فیه، وهذه هی المسؤولیة العقدیة عن فعل الغیر والتی یقصد بها مسؤولیة المدین فی التزام عقدی عن أفعال أشخاص آخرین غیره ممن یقومون مقامه فی تنفیذ هذا الالتزام على أن یکون المدین نفسه خالیاً من أی سبب یمکن ان یؤدی إلى قیام مسؤولیته الشخصیة بأن لا یکون هو نفسه قد ارتکب خطأ یمکن ان ینسب إلیه وإلا أصبح مسؤولاً مسؤولیة عقدیة عن فعل شخصی، بمعنى أن المتضرر یستطیع الرجوع على المدین بإثباته الخطأ فی جانب الغیر فقط ولا حاجة إلى إثبات الخطأ فی جانب المدین، لهذا لا یفید هذا الأخیر شیئاً أن یثبت انه لم یخطئ لان المسؤولیة العقدیة عن فعل الغیر لا تتطلب سوى الخطأ فی فعل الغیر فقط.
ویلاحظ أن هذه المسألة عندما عرضت على القضاء الفرنسی، لم یقبل ما ادعاه أحد الأطباء لنفی وصف الخطأ عن سلوکه، من أنه إنما ترک المریض تحت رعایة شخص آخر، حیث ثبت للمحکمة أن هذا الأخیر کان مجرد مساعد طبیب غیر متخصص.
وفی قرار آخر للقضاء الفرنسیاعتبر فیه مستشفى الأمراض النفسیة مسؤولة عن الضرر الذی أصاب احد نزلائها، حیث أنها لم تقم بواجب مراقبته بالشکل اللازم، بسبب عدم وجود أی ممرض فی الطابق حیث توجد غرفة المریض، وأن نداء مریض آخر متواجد معه هو الذی أثار الانتباه إلى أن المریض أضرم النار فی سریره بقصد الانتحار. فقضت بمسؤولیة المستشفى عن الإهمال فی مراقبة المریض.
کما قضیفی قرار آخر بمسؤولیة مستشفى الأمراض النفسیة عن وقوع المریض عن سریره غیر المزود بحاجز أمان عند نزوله من على السریر، فالمریض لم یکن فی حالة تسمح له بالسهر على حمایة نفسه، ما یلقی على عاتق المستشفى موجب السهر على سلامته.
أما من ناحیة مسؤولیة مستشفى الأمراض النفسیة عن الضرر الذی یسببه المریض النفسی للغیر فی حالة هروبه أو السماح له بالخروج لفترة من الزمن من قبل المصح وبعد تقریر من الطبیب النفسی المعالج یفرق الفقه فی هذا الصدد بین فرضین : أولها أن یکون المریض قد غادر المصح من تلقاء نفسه دون إذن وبین أن یکون هذا المریض قد غادر المصح بعلم الإدارة وبإذن منها إذ قد یؤذن لبعض المرضى بمغادرة المصح فترة معینة على سبیل التجربة والاختبار عندما یصلون لمرحلة معینة من الشفاء. ففی الحالة الأولى یذهب هذا الفقه إلى أن مسؤولیة المستشفى أو المصحة تثبت عن الضرر الذی یلحقه هذا المریض الهارب بالغیر فهروبه دلیل قاطع على إهمال أو تقصیر فی الرقابة. أما فی الحالة الثانیة فإذا ما احدث المریض خلال فترة وجوده خارج المصح ضررا بالغیر فان إدارة المصحة لا تسأل عن هذا الضرر ولا یمکن للمضرور أن یرجع علیها بدعوى المسؤولیة ذلک أن العادات الطبیة فی میدان العلاج النفسی تبیح لها هذا التصرف.
أما عن موقف التشریعات القانونیة من الالتزام بالمراقبة فقد نصت المادة (47) من قانون الصحة العامة الفرنسی على التزام المراقبة لضمان استمراریة علاج المریض وفیما عدا هذا النص فقد خلت قوانین الصحة النفسیة العراقی والمصری والأردنی من نصوص تنظم هذا الالتزام کما لم تنص علیه مبادئ الأمم المتحدة لحمایة المصابین بعلل نفسیة وهو أمر نراه قصورا تشریعیا یستوجب تدخل المشرع لتنظیمه.
الخاتمـة
بعد الانتهاء من البحث فی الأحکام القانونیة الناشئة عن التزام الطبیب بالعلاج النفسی– دراسة مقارنة نورد فی أدناه أهم ما توصلنا له من نتائج وتوصیات
أولاً: النتائج
ثانیاً: المقترحات
1. من جهة وقائیة نقترح ان یکون لدى الأطباء عموما إلمام بالجوانب القانونیة التی تحکم عملهم وذلک من خلال إجراء دورات متواصلة یکونون یطلعون من خلالها على الجدید المطروح على الساحتین الطبیة والقانونیة معًا لتفادی الوقوع فی أی خطأ قد یقودهم للمسؤولیة المدنیة والاهتمام بالحوار المتواصل بین الأطباء ورجال القانون والقضاة حول المشاکل التی یتلقاها الطبیب فی مهنته وربما یکون من الأفضل تدریس مادة الأخطاء الطبیة فی کلیات الطب بحیث یکون الطلبة على إلمام بالمسؤولیة الطبیة عموما ومنها واجبات الطبیب الأخلاقیة والقانونیة لغرض تفادی الأخطاء الطبیة وبقصد حثهم على الانتباه.
2. أن ینص المشرع العراقی فی قانون الصحة النفسیة على التزام الطبیب بسریة المعلومات المتعلقة بالمریض النفسی وعلى وجوب حمایة المعلومات المتعلقة بملفه الطبی وان ینص على الأحوال التی یکون من حق الطبیب فیها الإفشاء وذلک متى ما اقتضت المصلحة العامة ذلک أو اقتضى حق الدفاع عن النفس أمام القضاء فقط.
3. أن یضع المشرع فی قانون الصحة النفسیة فصلا خاصا بحقوق المریض النفسی داخل المصحة النفسیة وان یضمنه کل ما یکفل توفیر العنایة الواجبة للمریض من حیث البیئة العلاجیة النظیفة وبأن یکون العلاج المقدم له طبقاً للمعاییر الطبیة المرعیة والمعترف بها فی الأوساط العلمیة وان ینص على حق المریض فی مقابلة زائریه وحقه فی طلب الخروج من المصحة دون مصاحبة أحد من ذویه متى انتهت فترة دخوله إلزامیا بعد الحصول على خطه لرعایته نفسیا بعد الخروج وعلى وجوب حمایته من الاستغلال ومن الإیذاء الجسدی والنفسی والمعاملة المهینة.
4. النص فی قانون الصحة النفسیة على تجریم إخضاع المریض النفسی للتجارب الطبیة وأیا کان الغرض .
5. ان ینظم المشرع فی قانون الصحة النفسیة التزام الطبیب بالتبصیر وان ینص على عدم جواز إعطاء أی علاج لمریض دون موافقته الحرة المستنیرة التی یتم الحصول علیها بحریة و بدون إکراه وان یتضمن التبصیر، الغرض من العلاج المقترح، وطریقته، ومدته المحتملة والفوائد المتوقعة منه وأسالیب العلاج البدیلة و أخطار العلاج المقترح وآثاره الجانبیة.
6. أن ینص المشرع على التزام المصحة النفسیة بمراقبة المریض النفسی بما یرتب مسؤولیتها فی حالة إخلالها بهذا الالتزام بالشکل الذی یترتب علیه إضرار المریض بنفسه أو بغیره من الموجودین داخل المصحة.
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English)