الملخص
یعتبر الدفع بعدم الاختصاص المکانی وسیلة دفاعیة تتقرر للمدعى علیه ومن فی حکمه أو من ینص القانون على حقه فی استعمال هذه الوسیلة الاجرائیة، بقصد المحافظة على قواعد الاختصاص القضائی.
وهی صورة من صور الدفع الاجرائی و یعتبر هذا الدفع من أهم المسائل التی تدور فی الوسط القضائی التی یجب على الخصوم ، وکافة أطراف العملیة القضائیة فهمها على الوجه المطلوب.
وفی هذا البحث دراسة تأصیلیة فقهیة لهذه المسألة فی القانون العراقی وفی القوانین المقارنة محل الدراسة، وضحت فیه المراد بالدفع بعدم الاختصاص المکانی و قواعد الاختصاص المکانی.
وکذلک تناولت فیها أحکام هذا الدفع فی الدعوى الاعتیادیة و تطرقت إلى أحکامه أیضاً فی الدعوى الاعتراضیة.
واشتمل هذا البحث المتواضع على مبحثین ، تناولت فی المبحث الأول ماهیة الدفع بعدم الاختصاص المکانی ضمن مطلبین الأول هو التعریف بالدفع بعدم الاختصاص المکانی، والثانی فی قواعد الاختصاص المکانی.
أما فی المبحث الثانی فقد انتقلت إلى دراسة أحکام الدفع بعدم الاختصاص المکانی حیث اشتمل هذا المبحث على مطلبین الأول فی أحکام الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى الاعتیادیة ، والثانی فی أحکام الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى الاعتراضیة.
بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة التی تضمنت أهم النتائج و التوصیات.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى المدنیة –دراسة مقارنة-(*)-
ندى خیر الدین سعید فارس علی عمر الجرجری کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Nada Khair El-Din Saeed Fares Ali Omar Al-Jarjari College of law / University of Mosul Correspondence: Nada Khair El-Din Saeed E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 1/12/2013 *** قبل للنشر فی 16/2/2014.
(*) Received on 1/12/2013 *** accepted for publishing on16/2/2014.
Doi: 10.33899/alaw.2014.161488
© Authors, 2019, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
یعتبر الدفع بعدم الاختصاص المکانی وسیلة دفاعیة تتقرر للمدعى علیه ومن فی حکمه أو من ینص القانون على حقه فی استعمال هذه الوسیلة الاجرائیة، بقصد المحافظة على قواعد الاختصاص القضائی.
وهی صورة من صور الدفع الاجرائی و یعتبر هذا الدفع من أهم المسائل التی تدور فی الوسط القضائی التی یجب على الخصوم ، وکافة أطراف العملیة القضائیة فهمها على الوجه المطلوب.
وفی هذا البحث دراسة تأصیلیة فقهیة لهذه المسألة فی القانون العراقی وفی القوانین المقارنة محل الدراسة، وضحت فیه المراد بالدفع بعدم الاختصاص المکانی و قواعد الاختصاص المکانی.
وکذلک تناولت فیها أحکام هذا الدفع فی الدعوى الاعتیادیة و تطرقت إلى أحکامه أیضاً فی الدعوى الاعتراضیة.
واشتمل هذا البحث المتواضع على مبحثین ، تناولت فی المبحث الأول ماهیة الدفع بعدم الاختصاص المکانی ضمن مطلبین الأول هو التعریف بالدفع بعدم الاختصاص المکانی، والثانی فی قواعد الاختصاص المکانی.
أما فی المبحث الثانی فقد انتقلت إلى دراسة أحکام الدفع بعدم الاختصاص المکانی حیث اشتمل هذا المبحث على مطلبین الأول فی أحکام الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى الاعتیادیة ، والثانی فی أحکام الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى الاعتراضیة.
بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة التی تضمنت أهم النتائج و التوصیات.
الکلمات المفتاحیة: الاختصاص المکانی، وسائل إجرائیة، قواعد الاختصاص
Abstract
Plea to venue jurisdiction is defensive means determined for the defendant and for who that has the same status (legal position)، or for that who is being stipulated by law in order for having the right to use this procedural means .
Procedural plea is considered one of the most important issues circulating at the judicial field that must be appropriately understood by litigants and by all the parties of judicial procedure .
The study also has dealt with the provisions of relative procedural plea and arrived at one of its forms، namely plea to venue jurisdiction through which the study has illustrated the jurisprudent and judicial inconsistencies in the plea to venue jurisdiction in the objective action.
Furthermore, the study has highlightened the provisions of absolute plea habitual action and the study also to inconsistencies in the plea to venue jurisdiction in the objective action.
This humble work has also included two chapter the firsty of one is dealt with quiddity of procedural plea include in two section , the first section has corfined to defining plea to venue jurisdiction , the second section the rules of venue jurisdiction.
The second chapte: when the court has not depleted its jurisdiction through sentencing the procedural plea this chapte include in two sections, first section dealt with the provisions of plea to venue jurisdiction habitual action two secion dealt with the provisions to venue jurisdiction plea of recusal.
Keywords: spatial jurisdiction, procedural means، rules of jurisdiction
المقدمـة
أحق ما أبتدئ به الکلام: الحمد لله، شکرا لما تفضل به الله علینا من نعمه الدائمة، وصلى الله على البشیر النذیر السراج المنیر، سید ولد ادم، الخاتم لجمیع الأنبیاء، سیدنا محمد "صلى الله علیه وسلم" وآله و صحبه اجمعین.
أولاً: مدخل تعریفی بالموضوع:
یحتل الدفع بعدم الاختصاص المکانی حیزا مهما فی میدان قانون المرافعات المدنیة لأنها ترتبط بالنظام القضائی فهو من الدفوع الاجرائیة النسبیة التی یجب ابداؤها قبل الدخول فی اساس الدعوى و الا سقط الحق فیها.
فالاختصاص هو السلطة التی خولها القانون لمحکمة ما فی الفصل فی نزاع معین وتهدف قواعد الاختصاص إلى تحدید نصیب کل جهة من جهات القضاء من الدعاوى ، وکذلک نصیب کل طبقة من طبقات المحاکم داخل الجهة القضائیة الواحدة.
ویجب على المدعی عند رفع دعواه أن یراعی قواعد الاختصاص القضائی، فإذا رفع دعواه إلى جهة قضائیة غیر مختصة نشأ الحق للمدعی علیه فی الدفع بعدم الاختصاص.
والدفع بعدم الاختصاص على انواع عدة و هی الدفع بعدم الاختصاص النوعی أو الوظیفی والولائی والدولی والذی یهمنا هو "الدفع بعدم الاختصاص المکانی" والذی نبین أحکامه وقواعده وکل ما یتعلق به فی هذا البحث.
ثانیاً: أسباب اختیار الموضوع:
قد یبدو للبعض وللوهلة الاولى ان موضوع البحث من المواضیع التقلیدیة التی لا جدوى من البحث فیها و أن المشرع العراقی عالجه بشکل جید ألا ان الواقع خلاف ذلک فهناک الکثیر من المسائل التی لم تعالجها المؤلفات و نحن بدورنا نحاول الوقوف عند هذه المسائل.
وکذلک أن الذی دفعنا إلى اختیار هذا الموضوع هو کثرة حصوله فی الواقع العملی وعدم تناوله من قبل الفقهاء العراقیین بشکل کافی و شامل لجمیع جوانبه .
ثالثاً: منهجیة البحث :
اتبعنا فی هذا البحث المنهج المقارن والتحلیلی، حیث قارنا موضوع البحث مع قانون المرافعات المدنیة والتجاریة المصری و قانون أصول المحاکمات المدنیة اللبنانی وقانون الاجراءات المدنیة الفرنسی.
رابعاً: خطة البحث:
المبحث الأول:- ماهیة الدفع بعدم الاختصاص المکانی
المطلب الأول:- التعریف بالدفع بعدم الاختصاص المکانی
المطلب الثانی:- قواعد الاختصاص المکانی
المبحث الثانی:- أحکام الدفع بعدم الاختصاص المکانی
المطلب الأول:- الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى الاعتیادیة
المطلب الثانی:- الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى الاعتراضیة
المبحث الأول
ماهیة الدفع بعدم الاختصاص المکانی
نتیجة لأتساع رقعة الدولة وانتشار المدن وولوج الناس إلیها وتکاثرها فیها فقد اقتضت الضرورة سعیا لتیسیر القضاء للناس وتسهیلا لهم أن تأمر بتعدد المحاکم ذات الصنف الواحد والدرجة الواحدة إلى حیث تعددت المدن وأن تتوسع فیها حیث تتسع أرجاء الدولة ونواحیها لکی یصبح القاضی قریبا قدر الإمکان من المتقاضیین أو من محل نزاعاتهم ولهذا جاءت قواعد الاختصاص المکانی.
وإن هذا الدفع یعتبر من الدفوع الاجرائیة النسبیة التی یجب الإدلاء بها قبل الکلام فی الموضوع.
لذا سنتناول فی هذا المبحث عن کل ما یتعلق بماهیة الدفع بعدم الاختصاص المکانی مبتدئین بتعریفه ثم قواعده ، ویکون تقسیم المبحث على النحو الآتی :-
المطلب الأول :- التعریف بالدفع بعدم الاختصاص المکانی.
المطلب الثانی:- قواعد الاختصاص المکانی.
المطلب الأول
التعریف بالدفع بعدم الاختصاص المکانی
الدفع لغةً :-الإزالة بقوة . دَفَعَهٌ یَدْفَعٌه دَفْعآً ودَفاعآ ودافَعَه ودَفَّعَه فاندفع وتَدَفع وتدافَع. والدفع هو ادعاء المدعى علیه امرا لا یرید به إلا درء الحکم علیه فی الدعوى.
اما الدفع اصطلاحا فقد عرف بتعاریف عدیدة منها "هو ما یجیب الخصم به على طلب خصمه بقصد تفادی الحکم له به".
وقد عرف المشرع العراقی الدفع فی قانون المرافعات المدنیة فی المادة (8) منها بأنه: "هو الإتیان بدعوى من جانب المدعى علیه تدفع دعوى المدعی و تستلزم ردها کلا او بعضا".
فالدفع إذن هو وسیلة یستعین بها الخصم لرد دعوى خصمه کلا او جزءاً وهو أن تقول والدفوع على انواع ثلاثة اجرائیة و موضوعیة وعدم قبول.
أما الاختصاص لغة هو من خص خصه بشی خصوصا وخصوصیة بضم الخاء وفتحها والفتح أفصح واختصه بکذا وخصه بهِ والخاصة ضدْ العامة والخص البیت من القصب والخصاصة والخصاص الفقر.
فالاختصاص هو ما قدر لجهة قضائیة أو لمحکمة من ولایة نظر نزاع ما وعدم الاختصاص هو فقدان الولایة فی نظر نزاع معین.
وکذلک الاختصاص "هو السلطة التی خولها القانون لمحکمة ما فی فصل نزاع ما أی هو سلطة الحکم بمقتضى القانون".
وقد کان قانون أصول المرافعات المدنیة والتجاریة العراقی الملغی لسنة1956یعرف الاختصاص بأنه "أهلیة المحکمة لرؤیة الدعوى بمقتضى القانون".
والاختصاص المکانی هو الذی یتعین بمقتضاه المحکمة التی لها سلطة النظر بالدعوى فی حدود مکانیة معینة.
أما الدفع بعدم الاختصاص المکانی فقد عرفت بتعاریف متعددة ومن هذه التعاریف "هو دفع اجرائی مبناه تخلف شرط تقدیم الدعوى إلى محکمة مختصة وهو شرط لازم فی الإجراء".
أو هو دفع شکلی أو فرعی یراد به دفع الدعوى بإبداء عدم اختصاصها لکون الدعوى من اختصاص محکمة أخرى تقع فی حدود مکانیة غیر الحد المکانی للمحکمة المرفوع أمامها النزاع.
اذن فالدفع بعدم الاختصاص المکانی هو دفع اجرائی نسبی غیر متعلق بالنظام العام مبناه الطعن فی اختصاص المحکمة المکانی التی تنظر الدعوى، ویجب ابداؤه قبل التعرض لموضوع الدعوى و الا یسقط الحق فیه.
ویوزع الاختصاص بین المحاکم بالاستناد إلى معیارین اثنین :الأول یستند إلى موضوع الدعوى والثانی إلى مکان وجود المحکمة، فالمعیار الأول موضوعی یحدد اختصاص المحاکم التابعة لجهات قضائیة مختلفة أعطاها القانون حق النظر فی القضاء المدنی والجزائی، کما یحدد اختصاص کل من محاکم الجهة القضائیة الواحدة بحسب الدرجة التی تحتلها فی ترتیب هذه المحاکم(درجة أولى، درجة استئناف)، إما المعیار الثانی فهو مکانی یعین المحکمة المختصة للنظر فی الدعوى بین محاکم الجهة القضائیة الواحدة التی هی فی ذات الصنف والدرجة.
أما الغایة أو الهدف من الاختصاص المکانی فهی على النحو الاتی :
1_ توزیع الدعوى بین المحاکم المتماثلة فی الصنف و الدرجة کی لا تترکز الدعوى فی محکمة معینة دون الأخرى بحیث لو ترک أمر اختیار مکان المحکمة لمشیئة الأفراد لاختل ضمان سیر القضاء ولحال ذلک دون تحقیق الغایة من تعدد المحاکم.
2_ تبسیط اجراءات التقاضی وحسن سیر العدالة واختصار الوقت والجهد والنفقات إذ لا یتصور أن تقوم فی الدولة محکمة واحدة تفصل فی جمیع المنازعات.
3_ وکذلک تحقیق موازنة عادلة بین الخصوم فی الدعوى ، ففی الوقت الذی یکفل للمدعی اختیار الوقت الذی یرفع فیه دعواه وفی سقف زمنی مفتوح ومتاح بالنسبة إلیه من حیث اختیار الوقت الملائم یضمن للمدعى علیه عدم تحمل المشاق فی الدفاع مما یستلزم أن ترفع الدعوى امام المحکمة القریبة منه، کما أن الأصل هو براءة الذمة.
4_ وأخیرا توخی نظر الدعوى من قبل القاضی الذی یکون بإمکانه أکثر من غیره الإحاطة بتفاصیل موضوع الدعوى لقربه منه.
ولعل اهتمام مجلس القضاء الأعلى فی العراق بالحصول شهریا وسنویا على إحصائیة تمثل عدد الدعاوى المنظورة والمحسومة أمام کل محکمة من محاکم ذات النوع والدرجة الواحدة فی عموم العراق یعنی الوقوف على أماکن تکدس الدعاوى ضمن دوائر الصلاحیة المکانیة للمحاکم لغرض تضییق مجالها الجغرافی بشکل یخفف عنها عبء العمل المتواصل مما یضمن حسن سیر العمل القضائی فیها على وجه دقیق وسلیم من جهة وتیسیر التقاضی على الناس من جهة أخرى.
أما قواعد تحدید الاختصاص المکانی فالأصل أن یضع القانون قواعد تنظم الاختصاص المکانی یعتمد أساسا على قاعدة عامة تکون هی الأصل فی کل أنواع الدعاوى ثم یضع قواعد تفصیلیة أخرى کقانون المرافعات المدنیة والتجاریة المصری وقانون أصول المحاکمات المدنیة اللبنانی الذی یجعل من محکمة موطن المدعى علیه هی المحکمة المختصة بنظر الدعوى کقاعدة عامة. بل حدد لکل نوع من الدعاوى محکمة مختصة لذلک ففی حالة وجود دعوى لیس من أنواع الدعاوى التی ذکرتها نصوص قانون المرافعات فیتعذر تحدید المحکمة المختصة بنظرها.
ولا یکفی فی الواقع تحدید المجال الاقلیمی للمحکمة أو دائرة اختصاصها لمعرفة الحدود الدقیقة لهذا الاختصاص ذلک ان الاختصاص أنما یکون بالدعوى وللدعوى أشخاص وموضوع وسبب فمتى تعتبر الدعوى واقعة فی المجال الاقلیمی للمحکمة وبالتالی تدخل فی اختصاصها؟ وکیف ینسب الشخص إلى الإقلیم ؟هل بموضوعها؟ فما الحکم أذا کان الموضوع واقعا فی أکثر من إقلیم؟ وهل یعتد بسبب الدعوى لتحدید الاختصاص المکانی؟ وکیف یتحدد به الاختصاص؟.
کل هذه الأسئلة نحاول الاجابة علیها من خلال المطلب الثانی.
المطلب الثانی
قواعد الاختصاص المکانی
هناک قواعد عدیدة تحکم الاختصاص المکانی سنبینها فی هذا المطلب مبتدئین بالقواعد التی نصت علیها القوانین المقارنة ومن ثم القواعد التی نص علیها المشرع العراقی فی قانون المرافعات المدنیة.
القاعدة الأولى: القاعدة العامة فی الاختصاص المکانی هی انعقاد الاختصاص لمحکمة موطن المدعى علیه.
هذه القاعدة مستقاة من القانون الرومانی وقد اخذ بها القانون الکنسی ومنها انتقلت إلى معظم القوانین الحدیثة وترجع ذلک إلى أن الأصل هو براءة الذمة فمن یطالب خصمه بشیء علیه أن یسعى إلى الانتقال إلى اقرب محکمة إلیه.
وان فکرة رفع الدعوى أمام المحکمة التی یقع فی دائرتها موطن المدعى علیه هی فکرة تقوم على أساس من المنطق والعدالة.
فالتقریب المکانی واجب تفرضه العدالة لاتصاله بتحقیق المساواة فی ممارسة حق التقاضی.
وهذه القاعدة أخذت بها معظم القوانین کقانون المرافعات المدنیة و التجاریة المصری وقانون اصول المحاکمات المدنیة اللبنانی وقانون الاجراءات المدنیة الفرنسی لسنة 1975المعدل.
القاعدة الثانیة: إن الدعوى المتعلقة بعقار ترفع إلى المحکمة التی یقع العقار فی دائرتها.
لأن العقار ثابت لا یمکن نقله فقد یقتضی الأمر أن ینتقل القاضی إلى موقع العقار لمعاینته أو أن یستمع إلى شهود یقیمون بجوار العقار فلو طبقنا القاعدة الأولى فان ذلک قد یؤدی إلى تکبد القاضی مشقة الانتقال إلى موقع العقار.
فضلا عن صعوبة إحضار الشهود المقیمین فی منطقة العقار بالإضافة إلى النفقات التی قد تنفق لإحضار هؤلاء الشهود.
القاعدة الثالثة: تعدد المدعى علیهم.
قد یتعدد المدعى علیهم وتقع مواطنهم فی دوائر محاکم مختلفة فإذا اتبعنا القاعدة العامة فی وجوب اختصام کل منهم أمام المحکمة الکائن بدائرتها موطنه لأدى ذلک إلى ضرورة تجزئة الدعوى وتقطیع أوصالها ومضاعفة النفقات.
وبعد الانتهاء من القواعد التی نصت علیها القوانین محل المقارنة نأتی إلى بیان القواعد التی نص علیها المشرع العراقی.
ولابد من الاشارة قبل تعیین قواعد تحدید الاختصاص المکانی إلى أن هذه القواعد تعرف بالعراق فی ظل قانون المرافعات المدنیة باسم الصلاحیة وهذا المصطلح انحدر إلى فقه قواعد المرافعات فی العراق مع قانون أصول المحاکمات الحقوقیة العثمانی وکان أولى بالمشرع عند تشریعه قانون المرافعات أن یکتفی بمصطلح (الاختصاص المکانی) لأنه واضح ولیس فیه غموض مصطلح (الصلاحیة).
أولا: المحکمة ذات الاختصاص المکانی فی دعاوى الحقوق العینیة المتعلقة بالعقار.
أعطى المشرع العراقی الاختصاص هنا لمحکمة موقع العقار لکون قاضی هذه المحکمة قریب من العقار ویسهل علیه الکشف والاطلاع على الأمور محل النزاع.
فضلا عن أن قانون التنفیذ قد ألزم بإجراء مزایدة العقار فی مدیریة التنفیذ التی یقع العقار فی منطقتها ومحکمة البداءة التی نظرت دعوى طلب إزالة الشیوع تعدّ مدیریة تنفیذ لأغراض تنفیذ الحکم الصادر فیها بإزالة الشیوع بیعا فلا جدوى من إقامة دعوى إزالة الشیوع فی غیر محکمة العقار.
والحقوق العینیة العقاریة الأصلیة هی حق الملکیة وحق التصرف وحق العقر وحق المنفعة والاستعمال والسکنى والمساطحة والإجارة الطویلة أما حقوق العینیة التبعیة فهی حق الرهن التأمینی والحیازی وحقوق الامتیاز.
أما إذا تعددت العقارات فتقام الدعوى فی محکمة محل إحدى هذه العقارات ،والتعدد هنا منحصر بالعقارات و لا یجوز أن یتعدد الحق العینی المطالب به بشأنها لعدم جواز تعدد الحقوق العینیة فی عریضة واحدة ولو اتحد السبب و الخصوم طبقا لنص المادة (44) مرافعات مدنیة عراقی، والخیار هنا للمدعی و لا حق للمدعى علیه فی الاعتراض علیه لأی سبب مادامت المحکمة التی أقیمت أمامها الدعوى محکمة محل احد العقارات بغض النظر عن أی أوصاف أخرى.
ثانیا:- المحکمة ذات الاختصاص المکانی فی دعاوى الدین والمنقول.
نص قانون المرافعات المدنیة العراقی على انه "1-تقام دعوى الدین أو المنقول فی محکمة موطن المدعى علیه أو مرکز معاملاته أو المحل الذی نشا فیه الالتزام ، أو محل التنفیذ، أو المحل الذی اختاره الطرفان لإقامة الدعوى".
أعطت هذه المادة الخیار للمدعی فی دعوى الدین والمنقول أی الدعوى التی تکون موضوعها حقوقا شخصیة لا عینیة أن یختار احدى المحلات المذکورة فیها التی قد یکون الموطن أو مرکز معاملاته أو المحل الذی نشا فیه الالتزام أو محل التنفیذ أو المحل الذی اختاره الطرفان.
ولا خیار هنا للمدعى علیه ولا یقبل دفعه بعدم الاختصاص المکانی فی الحالات الأربعة الأولى المنصوص علیها فی المادة المذکورة آنفا إلا فی حالة واحدة فقط هی وجود اتفاق بین الطرفین على تعیین المحکمة المختصة مکانیا بنظر النزاع وإقامة الدعوى أمام غیرها ولو کانت محکمة مختصة مکانیا من جهة أی من الخیارات الأربعة الأخرى اذ ان قبول المدعی الاتفاق على أن تکون محکمة ما هی المختصة مکانیا إسقاط لخیاراته الأخرى.
ویلاحظ انه لا یعتد بالاتفاق إلا إذا کانت المحکمة المتفق علیها مکانیا مختصة نوعیا بنظر الدعوى و إلا یهمل، وتطبق القواعد العامة فی الاختصاص المکانی.
والخیارات التی أعطتها المادة الآنفة الذکر للمدعی فی دعوى الدین والمنقول هی:-
الخیار الأول هی محکمة موطن المدعى علیه والموطن کما عرفه القانون المدنی العراقی هو "المکان الذی یقیم فیه الشخص عادة بصفة دائمة أو مؤقتة ویجوز أن یکون للشخص أکثر من موطن واحد".
ویؤدی لفظ الموطن فی القانون المدنی نفس المعنى الذی تودیه لفظة محل الإقامة المنصوص علیها فی قانون المرافعات المدنیة العراقی.
حیث اقترن لفظ الموطن بمحل الإقامة فی نص قانون المرافعات المدنیة.
والمشرع العراقی فی تعریفه الموطن اخذ بفکرة التصویر الواقعی للموطن أو التی بمقتضاها یمکن أن یکون للشخص أکثر من موطن و ذلک بتحدید محال إقامته العادیة کما یمکن أن یکون الشخص بلا موطن ذلک أن هذه الفکرة مبنیة على الإقامة العادیة المستقرة.
ویتبادر سؤال هنا انه إذا کان للشخص أکثر من موطن فأمام أی محکمة یمکن أن تقام الدعوى علیه؟
اخذ القانون الفرنسی بالمقام الظاهر فعدّ أن المدعى علیه الذی یکون عنده مراکز عدة یمکن مقاضاته أمام المحکمة المحل الذی یکون له فیه محل إقامة ظاهر طالما أن المدعی حسن النیة وبالتالی محل إقامة المدعى علیه الحقیقی هو فی غیر هذا المکان.
ولم ینص القانون العراقی على هذه الحالة و نرى انه یمکن أن یکون الاختصاص للمکان الذی تدل الأوضاع على أن المدعى علیه متواجد فیه أکثر من غیره، أی مرکز إقامة رئیسی له.
وکذلک الحال بالنسبة للقانونین المصری واللبنانی فلم ینصا على علاج مثل هذه الحالة على الرغم من أن کلا القانونین أجازا أن یکون للشخص أکثر من موطن.
والموطن الواجب أخذه بعین الاعتبار لتحدید المحکمة المختصة هو المحل المحدد بتاریخ إقامة الدعوى لان الاختصاص یتعین عند إقامة الدعوى ولیس عند ترتیب الحق بالذمة لأنه لا یکتسب حکما إلا فی حال مباشرة الدعوى فالقاعدة انه لا یکون للأعراض الحادثة تأثیر على الحقوق المکتبسة التی تولت قبل حدوث هذه الأعراض.
أما إذا تعدد المدعى علیهم وکان الادعاء موحدا و مترابطا کالدعوى التی تقام على الأصیل التی محل إقامته بغداد والکفیل الذی محل إقامته فی السلیمانیة فیجوز رفع الدعوى فی محکمة بغداد أو السلیمانیة فهذه القواعد اختیاریة لان المدعی یختار منها ما یتفق و سهولة التقاضی.
ثالثا:- المحکمة ذات الاختصاص المکانی فی دعاوى الأشخاص المعنویة.
نص المشرع العراقی فی قانون المرافعات المدنیة على انه: "1- تقام الدعوى فی المسائل المتعلقة بالأشخاص المعنویة القائمة أو التی فی دور التصفیة بالمحکمة التی یقع فی دائرتها مرکز إدارتها الرئیسی.
2ـ إذا کانت الدعوى ناشئة عن معاملة مع فرع الشخص المعنوی جاز إقامتها بمحکمة مرکز الإدارة أو المحکمة التی تقع بدائرتها ذلک الفرع".
والأشخاص المعنویة کما حددها القانون المدنی هی "أ- الدولة ب- الإدارات والمنشآت العامة التی یمنحها القانون شخصیة معنویة مستقلة عن شخصیة الدولة بالشرط التی یحددها ج- الألویة والبلدیات والقرى.................الخ".
ویشترط أن تکون الدعوى المتعلقة بالأشخاص المعنویة شخصیة أو عینیة منقولة فإذا کانت عینیة عقاریة مرفوعة على شرکة کانت محکمة موقع العقار هی المختصة.
ولا تنطبق هذه القاعدة فی دعاوى الافلاس المتعلقة بالأشخاص المعنویة لوجود نصوص خاصة تحکمها وإذا أرُید إقامة الدعوى ضد شخص معنوی و ضد شخص طبیعی معا فیجوز اقامتها فی موطن احدهما.
رابعا: المحکمة ذات الاختصاص فی دعاوى الافلاس والدعاوى الناشئة عنه.
"1- تقام دعوى الافلاس والدعاوى الناشئة عنه فی محکمة متجر المفلس و إذا تعددت متاجره فتقام الدعوى فی محکمة المحل الذی اتخذه مرکزا رئیسیا لإعماله التجاریة.
2- إذا اعتزل التاجر التجارة أو توفى فتقام الدعوى بالمحکمة التابع لها موطن المدعى علیه".
عالجت أحکام الافلاس والصلح الواقی منه المواد من (66_791) من قانون التجارة رقم (149) لسنة 1970 التی لازالت نافذة استنادا إلى أحکام المادة (331) من قانون التجارة العراقی رقم (30)
وقد نص أمر سلطة الائتلاف المنحلة رقم (78) لسنة 2004 فی القسم الثانی منه (1-یتم فی کل محافظة تخصیص قاضی بداءة واحد أو أکثر للنظر فی الدعاوى الناشئة عن طلبات شهر الافلاس والصلح الواقی .
2- یتعین على القاضی الموصوف فی المادة (1) من هذا القسم النظر فی الطلب المقدم من قبل الشرکات الأجنبیة التی یقع ضمن دائرتها مرکز أعمال المدین الرئیسی بإشهار الافلاس وفی الأحوال التی یکون فیها المدین شرکة ذات مسؤولیة محددة ، شرکة مساهمة أو فرع لشرکة أجنبیة یتم نظر الدعوى من قبل قاضی البداءة المحدد للنظر فی دعاوى الافلاس وفق أحکام التشریعات ذات العلاقة..........".
خامسا:- المحکمة ذات الاختصاص فی دعاوى مصاریف الدعوى وأجور المحاماة.
نص قانون المرافعات المدنیة العراقی على انه: "تقام الدعوى بمصاریف الدعوى وأجور المحاماة أمام المحکمة التی قضت بأساس الدعوى ولو لم تدخل أصلا فی اختصاصها أو صلاحیتها وذلک باستثناء محاکم الجزاء والاستئناف والتمییز".
وهذا استثناء من قواعد الاختصاص النوعی والمکانی ویجد هذا الاستثناء مبرره فی أن المحکمة التی نظرت أصل الدعوى هی الأقرب من غیرها فی تقریر أتعاب المحاماة و المصاریف المطالب بها.
وحیث أن محاکم الجزاء لا تنظر فی دعاوى الدین والاستئناف والتمییز لا یمکن أن تقام الدعوى فیهما الدعوى ابتداءً لذا فالمشرع أخرجهما من الاستثناء المذکور فتقام الدعوى عن المصاریف وأجور المحاماة المترتبة فی هذه المحاکم فی المحکمة المختصة حسب قواعد الاختصاص النوعی والمکانی.
واختلف الفقهاء حول سکوت المشرع العراقی عن عدم إیراد وذکر محاکم الأحوال الشخصیة فذهب جانب فی الفقه إلى أن عدم إیرادها یجعلها مختصة من الناحیتین النوعیة والمکانیة لنظر دعوى المصاریف وأجور المحاماة على الرغم من اختلاف طبیعة الدعاوى التی تنظرها هذه المحاکم.
بینما یرى القاضی صادق حیدر ترجیح رأی یقول أن محکمة الأحوال الشخصیة لا تختص بنظر دعوى مصاریف الدعوى وأتعاب المحاماة المترتبة عن دعاوى شرعیة ویلزم إقامتها فی محکمة البداءة لان محکمة الأحوال الشخصیة لا تختص بنظر دعاوى الدین.
ونرى ترجیح الرأی الأول وذلک لوضوح النص القانونی ووضوح الحکمة التی من اجلها شرع هذا النص.
وهناک تعارض بین المادة (40) مرافعات عراقی والمادة(62) من قانون المحاماة رقم(173) لسنة 1965 التی نصت على "یرفع کل نزاع یتعلق بأتعاب المحاماة إلى المحکمة المختصة التی یقع مکتب المحامی فی دائرتها".
ورغم هذا التعارض فان العمل استقر على تطبیق المادة(62) من قانون المحاماة عندما تکون الدعوى المطالب بأتعاب المحاماة والمصاریف عنها مقامة أمام إحدى محاکم الجزاء أو محکمة الاستئناف بصفتها الأصلیة عن عریضة تمییزیة أو طعن أمام محکمة الاستئناف بصفتها التمییزیة أو امام محکمة التمییز حیث تعتبر محکمة عمل المحامی المدعی مختصة مکانیاً بنظر دعاوى أتعاب المحاماة والمصاریف.
سادسا:- المحکمة ذات الاختصاص المکانی فی حالة عدم وجود الموطن.
نص قانون المرافعات المدنیة العراقی على: "اذا لم یکن للمدعى علیه موطن ولا سکن فی العراق فتقام الدعوى فی المحکمة التی یقع فی دائرتها موطن المدعی او سکنه فأن لم یکن للمدعی موطن و لا سکن فی العراق فتقام الدعوى فی محاکم مدینة بغداد".
وهذا الاستثناء ینسجم مع قواعد الاختصاص الدولی للمحاکم العراقیة التی تجیز مقاضاة الاجنبی امام المحاکم العراقیة فی حالة وجوده فی العراق او تعلق الدعوى بعقار موجود فی العراق او عقد او التزام نشأ فی العراق او کان واجب التنفیذ فیه.
وهی قاعدة احتیاطیة لا تطبق إلا أذا لم ینعقد الاختصاص المکانی وفقا للقواعد المذکورة للاختصاص المکانی التی قررها القانون.
إن المشرع أضاف لفظ (سکن) على مصطلح الموطن وهذا بطبیعته یسهل إقامة الدعوى بالنسبة للأجنبی الذی لم یجعل من العراق سکنا له اما الشخص الذی سکنه فی العراق الا ان موطنه الدائمی أو المؤقت خارج العراق فعندئذ یجب إتباع القاعدة العامة و إقامة الدعوى فی محل سکنى المدعى علیه اما إذا لم یجعل من العراق محل سکن فعندئذ یصار إلى تطبیق هذا الاستثناء.
سابعا:- الاختصاص المکانی فی دعاوى الأحوال الشخصیة.
فی دعاوى الأحوال الشخصیة یعطی المشرع خیارات متعددة فی إقامة الدعوى و ذلک لاعتبارات متعددة و لخصوصیة هذه الدعاوى ،ونص قانون المرافعات المدنیة العراقی على أن تقام هذه الدعاوى فی محکمة محل إقامة المدعى علیه و مع ذلک یجوز أن تقام دعاوى الزواج بمحکمة محل العقد کما یجوز أن تقام دعوى الفرقة و الطلاق فی إحدى هاتین المحکمتین أو فی محکمة المحل الذی حدث فیه سبب الدعوى و تقام دعوى نفقة الأصول و الفروع و الزوجات فی محکمة إقامة المدعى علیه أو المدعی أما النفقات الأخرى فتقام الدعوى فیها فی محکمة إقامة المدعى علیه و تختص محکمة محل إقامة المتوفى الدائمی بإصدار القسام الشرعی و لا یعتد بالقسامات الشرعیة الصادرة من محکمة أخرى و تختص مکانیا محل إقامة المتوفى الدائم و محکمة محل الترکة بتحریر الترکات.
یتبین لنا مما تقدم من القواعد أن المشرع العراقی حدد لکل نوع من أنواع الدعاوى قاعدة خاصة بها وهذا الأمر حسب اعتقادنا غیر سلیم فما هو الحل فی حالة وجود دعوى لم یضع لها المشرع قاعدة اختصاص مکانی.
وبعد أن انتهینا من قواعد تحدید الاختصاص المکانی یثار تساؤل حول مدى علاقة هذه القواعد بالنظام العام؟ أو ما هی طبیعیة هذه القواعد؟
ذکرنا أن القاعدة العامة فی الاختصاص المکانی هی جعل الاختصاص لمحکمة موطن المدعى علیه وان هذه القاعدة لیست مطلقة فهناک بعض الاستثناءات علیها فیجعل الاختصاص المکانی أحیانا لمحکمة أو محاکم أخرى غیر موطن المدعى علیه وفی الحقیقة أن قواعد الاختصاص ترمی جمیعا إلى تنظیم مرفق القضاء و حسن سیر العدالة فقد یبدو منطقیا أن تعد من القواعد الامرة فقواعد الاختصاص المکانی تبین کیفیة توزیع الدعاوى على أساس مکان معین ووفقا للتقسیمات الاداریة.
وإذا کانت قواعد الاختصاص المکانی هی قواعد آمرة لأنها تتعلق بتنظیم سلطة القضاء فان المشرع لم یجعلها من النظام العام لأنه رجح اتصالها بمصالح الأشخاص الخاصة غیر أن هذه القاعدة لیست مطلقة ففی بعض الحالات تکون القواعد الاختصاص المکانی من النظام العام.
ویذهب غالبیة الفقه إلى أن قواعد الاختصاص المکانی لا تعدّ من دائرة النظام العام لان هذه القواعد إنما وضعت أصلا لرعایة مصلحة الخصوم الخاصة لتصبح بقدر الامکان قریبة من موطن المدعى علیهم أو مکان وجود الحق المتنازع علیه.
هذا ما یمکن أن نفهمه من المادة (74) مرافعات مدنیة عراقی والمادة (801) مرافعات مصری. ویترتب على عدم اعتبار قواعد الاختصاص المکانی من النظام العام مجموعة من النتائج :-
1- جواز الاتفاق على مخالفة قواعد الاختصاص المکانی مقدما أو عند رفع الدعوى أو أثنائها.
لا یوجد نص فی قانون المرافعات المدنیة العراقی یجیز للأفراد أو یمنعهم من الاتفاق على قواعد الاختصاص المکانی ولکن بصورة بدیهیة یمکن أن نستنتج جواز الاتفاق على مخالفة قواعد الاختصاص المکانی التی لا یتعلق فیها الاختصاص بالنظام العام.
بینما نص قانون المرافعات المدنیة و التجاریة المصری على جواز اتفاق الخصوم على مخالفة قواعد الاختصاص المکانی فإذا اتفق الأشخاص على الاختصاص المحلی لمحکمة معینة فیثبت الاختصاص للمحکمة المتفق علیها أو لمحکمة موطن المدعى علیه إذا لم تکن هی محکمة الاتفاق مثل اتفاق الخصوم على اختصاص محکمة ورفع المدعی الدعوى أمام محکمة موطن المدعى علیه فتکون هذه المحکمة مختصة مکانیا و لا یجوز الدفع أمامها بعدم الاختصاص أی التمسک بالاتفاق و یعتبر رفع الدعوى فی هذه الحالة إلى غیر المحکمة المتفق علیها عدولا عن الاتفاق بالإرادة المنفردة یعتد به المشرع و لو لم تقابله إرادة الطرف الآخر.
2- یجب إبداء هذا الدفع قبل التکلم فی الموضوع و إلا عد متنازلاً عنه.
3- لا یجوز للادعاء العام (النیابة العامة ) إذا تدخلت فی الدعوى أن تدفع بعدم الاختصاص لان الهدف من تدخلها فی الدعوى المدنیة هو حمایة مصالح المجتمع لا مصالح الخصومة.
أما فی قانون اصول المحاکمات المدنیة اللبنانی فلم یرد فیه نص یجیز الاتفاق أو عدمه.
أما فی قانون الاجراءات المدنیة الفرنسی فالقاعدة العامة فیه بطلان الاتفاق وصحته على سبیل الاستثناء "کل شرط یخالف بطریقة مباشرة أو غیر مباشرة قواعد الاختصاص المکانی یعدّ باطلا ما لم یکن قد تم الاتفاق علیه بین أشخاص تعاقدوا بصفتهم تجار، وان یرد بطریقة واضحة ضمن التزامات الطرف الذی یحتج به".
وإن طبیعة هذه القاعدة فی قانون الاجراءات المدنیة الفرنسی هی وبدون شک من قواعد النظام العام فبالإضافة إلى أنها تهدف إلى حمایة المصلحة العامة التی تمثل فی التخفیف من العبء الملقى على عاتق بعض المحاکم وتحسین أداء القضاء لوظیفتها فإنها مخصصة أیضا لتؤمن حمایة المستهلکین المفترض فیهم الضعف فی مواجهة التجار.
ویتبین لنا مما تقدم أن الفقهاء الذین قالوا بعدم تعلق قواعد الاختصاص المکانی بالنظام العام ذهبوا إلى أن لیست جمیع هذه القواعد متعلقة بالنظام العام بل ذهبوا إلى حالات یکون فیها الاختصاص المکانی من النظام العام وقد اخذ بعض التشریعات بذلک.
ففی الأحوال التی یکون فیها الاختصاص المکانی من النظام العام یکون السبب فی ذلک هو إما احتراما لمبدأ تبعیة المحاکم بعضها للبعض الآخر أو لان القضاء لا یسلط على قضاء آخر إلا إذا کان الأول اعلى درجة من الثانی أو لان ولایة المحکمة التبعیة أو التکمیلیة تقتضى حتما أن تختص هی إلى جانب اختصاصها الأصلی بهذه المسائل کالحکم فی النفاذ المعجل أو فی المصروفات أو الحکم بتفسیر الحکم أو تصحیحه أو غیرها من الحالات.
أو لأجل تفادی تراکم الدعاوى أمام محکمة معینة فجعل الاختصاص المکانی فی بعض أنواع الدعاوى إلزامیا أی من النظام العام.
وقد اخذ المشرع العراقی بذلک کما فی حالة الاعتراض على الحکم الغیابی إذ یلزم أن ترفع إلى المحکمة ذاتها التی أصدرت الحکم الغیابی وکذلک فی إعادة المحاکمة وتحدید المحکمة الاستئنافیة المختصة بنظر الطعن ألاستئنافی کذلک دعاوى الافلاس والدعاوى الناشئة عنها.
وتبریر الاختصاص المکانی المتعلق بدعاوى الافلاس انه یبنى على أسس نظامیة ترجع إلى الطبیعة غیر العادیة لدعوى الافلاس والنتائج الاستثنائیة المترتبة علیها و الاجراءات الجماعیة التی تتخذ بعد إشهار الافلاس و هی أمور تستلزم عرض القضیة أمام المحکمة الکائن بدائرتها موطن المدین.
ولکل هذه الأسباب نعتقد أن لیس جمیع قواعد الاختصاص فی القانون العراقی لا تتعلق بالنظام العام وإنما هناک منها ما یتعلق بالنظام العام.
و لا تملک المحکمة وفقا لنص المادة (77) مرافعات مدنیة عراقی أن تبحث فی اختصاصها المکانی ما لم یتمسک به المدعى علیه.
کما أن القضاء العراقی ذهب إلى أن الدفع بعدم الاختصاص المکانی هو من حق الخصوم و لیس للمحکمة التمسک به من تلقاء نفسها. وبهذا قضت محکمة التمییز العراقیة حیث جاء فی قرار لها "لیس للمحکمة إحالة الدعوى إلى محکمة أخرى بحجة خروجها عن اختصاصها المکانی مادام الخصم لم یدفع بذلک".
ونرى أن من حق المحکمة أن تقضی من تلقاء نفسها بعدم اختصاصها المکانی فی الحالات التی تتعلق فیها الاختصاص المکانی بالنظام العام فمن جهة یخفف عن کاهل المحکمة ومن جهة أخرى تستطیع المحکمة التفرغ للنظر فی الدعاوى الأخرى التی تدخل فی نطاق إقلیمها المکانی فقط مما یؤدی إلى سرعة انجازها والقضاء على بطء اجراءات التقاضی.
المبحث الثانی
أحکام الدفع بعدم الاختصاص المکانی
بعد أن بینا فی المبحث الأول ماهیة الاختصاص المکانی والقواعد المتعلقة به نأتی إلى بیان ما یتعلق بالدفع بالاختصاص المکانی من قواعد وأحکام ونصوص قانونیة حیث یعدّ هذا الدفع من أکثر الدفوع الاجرائیة وقوعا والذی یجب الإدلاء به قبل الدخول فی الموضوع وإلا سقط الحق فیه.
لذا قسمنا هذا المبحث إلى مطلبین الأولى فی الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى العادیة والثانی قواعد هذا الدفع فی الدعوى الاعتراضیة کالآتی:-
المطلب الأول :- الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى العادیة.
المطلب الثانی:- الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى الاعتراضیة.
المطلب الأول
الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى العادیة
إن أساس عدم اعتبار هذا الدفع من النظام العام لان قواعده التی نص علیها المشرع موجودة لتیسیر اجراءات التقاضی و لتصبح المحکمة قریبة قدر الإمکان من موطن الخصوم أو مکان النزاع وبالتالی فان مخالفة الخصوم لهذه القواعد لا یخل بالنظام القضائی الذی یعتبر وجه من أوجه النظام العام.
وتطبیقا لذلک قضت محکمة التمییز العراقیة بما یأتی "...... أن الموضوع یتعلق بالاختصاص المکانی وان الطعن بقرار رفض الإحالة هو من حق الخصوم فقط لکون موضوعه لیس من النظام العام.......".
وإن الذی یدلی بالدفع بعدم الاختصاص المکانی هو المدعى علیه وحده فمن تدخل اختصامیاً لا یجوز له الإدلاء بالدفع بعدم الاختصاص المکانی لأنه یعتبر فی حکم المدعی.
فالمدعی لا یجوز منه التمسک بهذا الدفع لأنه برفع الدعوى محل النزاع یکون قد رضى مسبقا باختصاص المحکمة مکانیا بنظر الدعوى لان من سعى فی نقص ما تم من جهته فسعیه مردود علیه التناقض مانع سماع أی دفع ، فقد نص قانون الاثبات العراقی على: "إذا ناقض المقر ما کان قد اقر به سابقا کان هذا التناقض مانعا من سماع دعواه أو دفعه".
وکذلک لا یجوز لمن یدخل شخصا ثالثا بجانب المدعی أن یتمسک بهذا الدفع و ذلک لان تدخله یعد قبولا منه لاختصاص المحکمة المکانی وان حکمه حکم المدعی و کذلک لا یجوز للادعاء العام إذا حضر ممثلا فی الدعوى أن یتمسک به و لکن له أن یبدی رأیه فی هذا الدفع اذا تمسک به المدعى علیه.
ویذهب رای الى انه یحق لکلیهما ابداء هذا الدفع اذ یجوز للمدعی ایضا ان یدفع بعدم الاختصاص المکانی فمثلا المادة (1077-1) من القانون المدنی العراقی ینص على وجوب اقامة دعوى الغبن خلال ستة أشهر من إجراء القسمة الرضائیة ( مثل اتفاق طرفان على القسمة الرضائیة للعقار فاصبح غبن لاحد الأطراف فیحق له ان لم یعلم بالغبن الا فی الیوم الاخیر وکان من سکنة محافظة نینوى وکان عندما علم بالغبن فی الیوم الاخیر فی البصرة ان یرفع الدعوى فی البصرة ثم یدفع بعدم الاختصاص المکانی على الرغم من انه هو المدعی وهو رافع الدعوى لأنه اذا اخذنا بحرفیة النص القانونی یودی الى التضییق فی تفسیر النص فالنص مطلق والمطلق یجری على اطلاقه مالم یقیده نص.
و یجب ابداء الدفع بعدم الاختصاص المکانی بألفاظ صریحة تدل على انه یدفع بعدم الاختصاص المکانی وأنه ینازع فیه وان مجرد التشکیک فی صلاحیة المحکمة المکانیة لا یکفی قیامه بإثباث ان ثمة محکمة اخرى المختصة مکانیا بنظر النزاع.
و کذلک یجب ابداء هذا الدفع قبل التعرض لموضوع الدعوى وهذا ما نص علیه قانون المرافعات المدنیة العراقی: "الدفع بعدم الاختصاص المکانی یجب ابداؤه کذلک قبل التعرض لموضوع الدعوى و الا سقط الحق فیه".
وتطبیقا لذلک قضت محکمة استئناف بغداد بصفتها التمییزیة بما یأتی "إن الدفع بعدم الاختصاص المکانی یجب ابداؤه قبل النظر فی موضوع الدعوى وحیث ان محکمة بداءة الکرادة التی اقیمت امامها الدعوى قد تعرضت لموضوع الدعوى فی الجلسة السابقة على تاریخ احالة الدعوى الى محکمة بغداد الجدیدة فیکون قرارها بالإحالة مخالفا لأحکام المادة (74) مرافعات".
ویلاحظ على هذا النص انه مختلف عن النص القدیم فی قانون المرافعات المدنیة والتجاریة العراقی الملغی الذی کان ینص على وجوب الابتداء به اولا وقبل أی من الدفوع الاجرائیة الاخرى و منها الدفع بعدم صحة التبلیغات او الطعن ببطلان ورقة التبلیغ ، لکن وفق قانون المرافعات المدنیة العراقی الحالی فقد ورد بعد الدفع ببطلان ورقة تبلیغ عریضة الدعوى أی انه متأخر عن الدفع الاخیر وان النص یحتمل ان یکون هذا الدفع متأخرا عن کل دفع اجرائی اخر مادام الدفع لا یتعرض لموضوع الدعوى.
وکذلک نص قانون المرافعات المدنیة المصری: "الدفع بعدم الاختصاص المحلی والدفع بإحالة الدعوى الى محکمة اخرى لقیام ذات النزاع امامها او للارتباط.............. یجب ابداؤهما معا قبل ابداء أی طلب................". اما قانون اصول المحاکمات المدنیة اللبنانی فقد نص: "یحب الادلاء بالدفوع الاجرائیة فی بدء المحاکمة وکذلک قبل المناقشة فی الموضوع او الادلاء بدفع عدم القبول..........".
والنص واضح فی ابداء الدفع بعدم الاختصاص المکانی قبل التعرض لموضوع الدعوى ولم یبین النص اذا کان فی الجلسة الاولى ام غیر ذلک فالنص مطلق. فلا یشترط ان یقدم هذا الدفع فی الجلسة الاولى المحددة لنظر الدعوى وانما یجب ان یقدم قبل أی دفع موضوعی فی الدعوى.
وتطبیقا لذلک قضت محکمة التمییز بما یأتی: "..... قررت محکمة بداءة الرصافة احالة الدعوى الى محکمة بداءة الاعظمیة للنظر فیها حسب الاختصاص المکانی لکن المحکمة الاخیرة رفضت الاحالة واعادت الدعوى إلى محکمة بداءة الرصافة ولعدم قناعة المدعى علیه بالقرار طلب نقضه".
القرار:- وجد ان المادة (74) من قانون المرافعات المدنیة تقضی "الدفع بعدم الاختصاص المکانی................." وحیث ان الخصم لم یتعرض لموضوع الدعوى خلال الجلسات التی عقدتها المحکمة ولم یبد فیها أی دفع موضوعی لذا فان اعادة الدعوى الى محکمة بداءة الرصافة امر لا سند له من القانون قرر نقض القرار الممیز واعادة الدعوى الى محکمة بداءة الاعظمیة للنظر فیها حسب الاختصاص المکانی".
وإن تقدیر ما اذا کان المدعى علیه تکلم فی موضوع الدعوى قبل ابداء الدفع بعدم الاختصاص المکانی ام لا مسالة قانونیة وتخضع المحکمة فی تقدیرها لذلک لرقابة محکمة التمییز.
وتطبیقا لذلک قضت محکمة النقض المصریة بما یأتی: "لقاضی الموضوع تکییف الطلبات التی یبدیها الخصم قبل الدفوع الشکلیة للوقوف على ما اذا کانت تعد تعرضا لموضوع الدعوى من شانه ان یسقط حقه فی التمسک بهذه الدفوع وهو فی هذا التکییف یخضع لرقابة محکمة النقض".
وحکم بانه اذا تعرض المدعى علیه للموضوع ثم شطبت القضیة فلا یجوز له بعد تجدیدها التمسک بعدم اختصاص المحکمة اختصاصا محلیا ،وقضت محکمة النقض الفرنسیة بجواز ابداء الدفع بعدم الاختصاص المحلی بعد طلب اتخاذ اجراءات وقتیة و تحفظیة کما ان المدعى علیه قد ابدى تحفظا بالنسبة لمسالة الاختصاص.
وإن سکوت المدعى علیه عن ابداء الدفع بعدم الاختصاص المکانی قبل الکلام فی الموضوع یعدّ مسقطا لحقه فیه فلا یجوز ان یتمسک به بعد ذلک.
وتفصل المحکمة بهذا الدفع اما بقرار على حدة او ان تقرر ضمه الى الموضوع لتفصل فیهما معا.
المطلب الثانی
الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى الاعتراضیة
إن طریق الاعتراض على الحکم الغیابی هو اول الطرق الاعتیادیة التی یجوز للمحکوم علیه مراجعتها اذا کان الحکم قدر صدر علیه غیابیا، والاعتراض على الحکم الغیابی یقبل ضد کل حکم غیابی سواء أصدر بالدرجة الاولى ام بالدرجة الاخیرة.
أما الدعوى الاعتراضیة "هی الوسیلة التی یلتجىء الیها المحکوم علیه غیابیا الى القضاء لطلب ابطال الحکم الغیابی او تعدیله".
وکذلک یعرف بانه "احد الطرق العادیة المتضمن الاعتراض على الحکم الذی یصدر بحق احد الخصوم فی حالة غیابه عند نظر الدعوى من الجلسة الاولى حتى صدور الحکم فیها رغم تبلغه وفق القانون".
إن للاعتراض على الحکم الغیابی خصوصیة فی الدفع بعدم الاختصاص المکانی اذ قد تصدر المحکمة حکما غیابیا ویعترض المدعى علیه على هذا الحکم بعدم اختصاصها مکانیا فما الحل فی هذه الحالة؟
لا یوجد نص فی القانون العراقی یعالج مثل هذه الحالة ولکن سارت محکمة التمییز فی العدید من قرارتها بان على المحکمة اذا قضت بعدم اختصاصها المکانی عند نظر الدعوى الاعتراضیة ان تقرر ابطال الحکم الغیابی المطعون فیه و رد الدعوى ولیس لها ان تحیل الدعوى الى محکمة اخرى.
وهذا الرای یجد سنده فی الاسباب الموجبة لقانون المرافعات المدنیة للمادة(78) اذ جاء فیها: "و ظاهر ان حکمة النص على الاحالة الى الجهة القضائیة المختصة لا تتوفر و لا یکون للعمل بها محل اذ قضت المحکمة فی اساس الدعوى وطعن فی حکمها بطریق الاعتراض او الاستئناف ففی هذه الحالة لا یکون للمحکمة المرفوع الیها الطعن الا ان تقضی بفسخ الحکم المطعون فیه و رد الدعوى لعدم اختصاص المحکمة التی اصدرته".
وتطبیقا لذلک قضت محکمة التمییز العراقیة بما یأتی "إذا اعترض الخصم الغائب على الاختصاص المکانی بعریضة وارسلها الى المحکمة وکرر ذلک عند اعتراضه على الحکم الغیابی فلا یجوز احالة الدعوى الى المحکمة المختصة فی المرحلة الاعتراضیة بل یجب جرح وابطال الحکم الغیابی و رد الدعوى من جهة الاختصاص".
فی حین ذهب رأی واتجاه من قضاء محکمة تمییز العراق انه یتعین على المحکمة التی اصدرت الحکم المعترض علیه عندما تجد نفسها فی مرحلة الاعتراض ان تقرر ابطال الحکم الغیابی وتحیل الدعوى الى المحکمة المختصة.
وهذا الاتجاه یتأتى من صراحة المادة (78)مرافعات مدنیة عراقی اذ تنص: "اذا قضت المحکمة بعدم اختصاصها القیمی او الوظیفی او النوعی او المکانی وجب علیها ان تحیل الدعوى الى المحکمة المختصة ..........."
ومما جاء فی الاسباب الموجبة لقانون المرافعات المدنیة العراقی "حرصا على تیسیر اجراءات التقاضی وتلافی مساوى الدفع بعدم الاختصاص و حتى لا تنقضی الخصومة بالحکم برد الدعوى لعدم الاختصاص وحتى لا یتحمل رافعها عبء تجدیدها بدعوى مبتدئة ورسوم قضائیة جدیدة مع احتمال ان یکون رفع الدعوى امام محکمة غیر مختصة نتیجة خطا غیر مغتفر فی تطبیق قواعد الاختصاص التی قد یخطىء فیها الکثیر".
وهذا ما ذهبت الیه محکمة التمییز العراقیة حیث جاء فی قرار لها "ان المحکمة اذا وجدت بعد الاعتراض على الحکم الغیابی بانها غیر مختصة من حیث المکان لنظر الدعوى وان المعترض محق فی اعتراضه من هذه الجهة فان علیها ان تقرر ابطال الحکم الغیابی المعترض علیه وتحیل الدعوى الى محکمة الاحوال الشخصیة فی بغداد الجدیدة للنظر فیها وحیث ان محکمة الموضوع قضت بتأیید الحکم الغیابی المعترض علیه دون ملاحظة ما تقدم مما اخل بصحة حکمهما".
فی حین ذهب رأی ثالث الى عدم جواز ایراد هذا الدفع فی الدعوى الاعتراضیة واستندت فی ذلک الى المادة (74) مرافعات عراقی.
وفی هذا الاتجاه قرار لمحکمة استئناف نینوى بصفتها التمییزیة حیث جاء فیها"...... ولدى عطف النظر الى الحکم الممیز وجد انه غیر صحیح ومخالف لأحکام المادة (74) مرافعات لان الدفع بعدم الاختصاص المکانی قد سقط الحق فیه لان المحکمة تعرضت لموضوع الدعوى لذا تقرر نقض الحکم الممیز واعادة الاضبارة الى محکمتها لملاحظة ما تقدم والنظر فی اسباب الاعتراض الاخرى واصدار الحکم على ضوء ذلک.........".
والواقع ان هذا الاتجاه یتلاءم مع دعاوى الحل والحرمة التی یکون من الحرج اعادة الخوض فی تفاصیلها امام المحکمة المحال علیها او فی قیام المحکمة المحیلة ابطال حکمها بعد ان خاضت فی تفاصیل الدعوى.
وفی الواقع ان هذا الرایجدیربالتأیید ولا سیّما فی المسائل التی تتعلق بالطلاق او تصدیق الطلاق و غیرها من امور الحل و الحرمة فمثلا فی حالة ایقاع الزوج الطلاق امام المحکمة بغیاب الزوجة واعتراض المطلقة (الزوجة) على الحکم الغیابی بحجة عدم الاختصاص المکانی فمن غیر المعقول فی هذه الحالة وغیرها من الحالات المشابهة القول بإلغاء الحکم الغیابی لأنها تدخل فی مسائل الحلال والحرام.
وفی غیر هذه الفرضیة نرى ترجیح الرای الثانی الذی یقول بإبطال الحکم الغیابی واحالة الدعوى الى المحکمة المختصة وذلک لتجنب مساوئ رد الدعوى واقامتها مجددا وایضا استنادا الى المادة (78)مرافعات عراقی. فعندما یتعارض نص مع الاسباب الموجبة فیجب الاخذ بالنص القانونی وکذلک فان نص المادة (78) مطلق والمطلق یجری على اطلاقه مالم یقیده دلیل او نص ولا یوجد ما یقید هذا النص.
وندعو محکمة التمییز إلى الاستقرار على هذا الرای فی قراراتها المتعارضة، ونقترح النص الآتی: "أذا ابدی الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى الاعتراضیة فعلى المحکمة إبطال الحکم الغیابی و إحالة الدعوى الى المحکمة المختصة".
ومما تجدر الاشارة الیه ان هناک قرارین متعارضین صادرین عن محکمة التمییز الاتحادیة بشان جواز او عدم جواز ایراد الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الطعن التمییزی حیث جاء فی قرار لها ما یأتی: ".........أصدرت محکمة بداءة الموصل حکما غیابیا بحق المدعى علیه و لعدم قناعة الممیز(المدعى علیه) بالحکم فقد میزه وکیله وقد اورد فی لائحته التمییزیة دفعه بعدم الاختصاص المکانی وحیث ان المرافعة جرت بحقه غیابیا (الممیز) وان الدفع بعدم الاختصاص المکانی یجوز امام محکمة استنادا للمادة (209\3) مرافعات لذا قرر نقض الحکم الممیز واعادة الدعوى لمحکمتها لغرض احالة الدعوى الى المحکمة المختصة مکانیا".
أما القرار الثانی المناقض للقرار السابق حیث اصدرت محکمة بداءة البصرة حکما غیابیا بحق المدعى علیه ولعدم قناعته بالحکم طلب نقضه للأسباب الواردة بلائحته.
القرار:- .........ان الحکم الغیابی صدر غیابیاً بحق الممیز المدعى علیه ولم یعترض علیه امام محکمة الموضوع وقدم الطعن التمییزی یطعن بصلاحیة المحکمة المکانیة وحیث ان الدفع بالاختصاص المکانی من الدفوع الخاصة التی یجب اثارتها امام محکمة الموضوع قبل الدخول فی اساس الدعوى وان الممیز لم یطعن بالاعتراض على الصلاحیة المکانیة وحیث لا یجوز ایراد دفوع امام محکمة التمییز لم یسبق ایرادها امام محکمة الموضوع باستثناء الدفع بالخصومة وسبق الفصل والاختصاص، المادة(209\3) مرافعات لذا قرر رد الطعن التمییزی.........
نلاحظ انه على الرغم من الفترة الزمنیة القصیرة بین القرارین حیث تناقض موقف محکمة التمییز الموقرة فی هذا الشأن ونأمل من أعضاء محکمة التمییز الموقرة الاستقرار على رأی بهذا الشأن لکونها أعلى جهة قضائیة فی العراق.
ونحن نرى من وجهة نظرنا رجاحة الرای الثانی فی عدم الاخذ بهذا الدفع فی المرحلة التمییزیة باعتبار ان الدعوى قد قطعت اشواطا طویلا ووصلت الى المراحل النهائیة فکیف نهدم جمیع المراحل التی مرت بها الدعوى ونعیدها الى محکمتها المختصة حسب الاختصاص المکانی وکان بإمکان صاحب هذا الدفع الذی تبلغ تبلیغا قانونیا الحضور وعلى الاقل فی المرحلة الاعتراضیة من الدعوى.
وایضا إذا قلنا بجواز ایراد هذا الدفع فی المرحلة التمییزیة فان هذا یودی الى عرقلة سیر وبطء اجراءات دعاوى اخرى منظورة امام المحکمة المختصة مکانیا فبدل من ان ینشغل القاضی بإعادة نظر الدعوى التی سبق وان تم نظرها من قبل قاضی ومحکمة اخرى فمن الافضل ان یستمر فی نظر القضایا المطروحة امامه.
فضلا عن أن الدفع بعدم الاختصاص المکانی لیس من النظام العام ولا یؤثر ذلک على صاحب الحق بهذا الدفع اذا تم نظر الدعوى من قبل محکمة اخرى مادامت فی نفس الدولة وتطبق نفس القانون على جمیع المواطنین.
وأن یکون من الأفضل وحسما للجدل سواء أکان فی مرحلة الاعتراض أم التمییز إن تعدل الفقرة (3) من المادة (209) مرافعات وذلک بجعلها تنص على ما یأتی: "لا یجوز إحداث دفع جدید ولا إیراد أدلة جدیدة أمام المحکمة المختصة بنظر الطعن تمییزا باستثناء الدفع بالاختصاص بنوعیه (الوظیفی والنوعی) والخصومة وسبق الفصل فی الدعوى".
الخاتمـة
بعد أن انتهینا من هذا البحث توصلنا إلى مجموعة من النتائج والتوصیات ونأمل أن تؤخذ بعین الاعتبار نعرضها على الشکل الآتی :
أولا- النتائج :
1- الدفع بعدم الاختصاص المکانی هو دفع اجرائی نسبی یوجه إلى اختصاص المحکمة المکانی نتیجة رفع الدعوى فی غیر الاقلیم المکانی المختص به.
2- الهدف من الاختصاص المکانی توزیع الدعاوى بین المحاکم و تبسیط اجراءات التقاضی وتحقیق موازنة عادلة بین الخصوم وکذلک توخی نظر الدعوى من قبل القاضی الذی بإمکانه أکثر من غیره الإحاطة بتفاصیل الدعوى.
3- وجود قواعد لتحدید الاختصاص المکانی نصت علیه التشریعات المقارنة محل الدراسة والتی اتخذت من موطن المدعى علیه القاعدة الأساسیة والرئیسیة عدا القانون العراقی الذی حدد لکل نوع من أنواع الدعاوى قاعدة خاصة بها.
4- وجوب إبداء هذا الدفع قبل الدخول فی الموضوع وإلا سقط الحق فیه والساقط لا یعود.
5- الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى الاعتراضیة هو الدفع الذی یتوجه به المحکوم علیه غیابیا معترضا على اختصاص المحکمة المکانی الذی قضت بالحکم الغیابی.
6- اختلاف الفقه وکذلک محکمة التمییز فی قراراتها فیما إذا قضت المحکمة بعدم اختصاصها المکانی عند نظر الدعوى الاعتراضیة بین ذاهب إلى إبطال الحکم الغیابی المطعون فیه ورد الدعوى وبین إبطال الحکم الغیابی وإحالة الدعوى إلى المحکمة المختصة، وذهب رأی ثالث إلى عدم جواز إیراد الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى الاعتراضیة.
ثانیا: المقترحات:
1- إن المشرع العراقی لم یضع قاعدة عامة یحکم قواعد الاختصاص المکانی وإنما جعل لکل نوع من أنواع الدعاوى قاعدة خاصة بها لذا نقترح على المشرع العراقی أن یضع قاعدة عامة تحکم جمیع أنواع الدعاوى لان ذلک قد یؤدی إلى استحالة معرفة المحکمة المختصة مکانیا فی حالة وجود نوع من الدعاوى لم ینص علیها المشرع .
2- بسبب الخلاف الحاصل وتباین موقف محکمة التمییز حول الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی الدعوى الاعتراضیة نقترح النص الآتی: "اذا ابدى الدفع بعدم الاختصاص المکانی فی المرحلة الاعتراضیة على المحکمة إبطال الحکم الغیابی وإحالة الدعوى إلى المحکمة المختصة مع مراعاة الخصوصیة فی دعاوى الحل و الحرمة".
3- یکون من الأفضل وحسما للجدل سواء کان فی مرحلة الاعتراض أو التمییز إن تعدل الفقرة (3) من المادة (209) مرافعات وذلک بجعلها تنص على ما یلی: "لا یجوز إحداث دفع جدید ولا إیراد أدلة جدیدة أمام المحکمة المختصة بنظر الطعن تمییزا باستثناء الدفع بالاختصاص بنوعیه (الوظیفی والنوعی) والخصومة وسبق الفصل فی الدعوى".
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: Language Books:
1- Ibn Masur Abi al-Fadl Jamal al-Din Muhammad ibn Makram, Lessanu al-Arab, Part 5, 4th edition, Dar Sader, Beirut, 2007.
2 - Abdullah Al-Alayli, AL Sahah in Language and Science, Volume I, First Edition, Dar al-Hadraut, Beirut, 1974.
Second: Legal books:
1- Dr. Ijead Thamer Al-Dolaimi, Objection to the Illegal Ruling, Legal Books House, Egypt, 2011.
2- Dr. Ahmed Abu Alofa, The Origins of Civil Trials, New University House, Beirut, 1983.
3- Dr. Ahmed Abu Al-Wafa, Theory of Defenses, 8th Edition, Knowledge Establishment, Alexandria, 1988.
4- Dr. Ahmed Abdel Wahab Abu Wardeh, The Right of Man to Succeed, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 2005.
5- Dr. Ahmed Muslim, Origins of Pleadings, Arab Thought House, Cairo, 1971.
6- Dr. Adam Wahib al-Nadawi, Explanation of the Iraqi Civil Procedure Law, Ibn al-Athir House, Mosul University, 2011.
7- Yas Abu Eid, The Jurisdiction of Jurisdiction in the Assets of Civil and Criminal Trials, Al-Halabi Publications, Lebanon, 2004.
8- Dr. Ameen Al-Nimr, The Origins of Civil Trials, University House, No Place of Publication, 1988.
9- Dr. Tiger Faith, Laws of Pleadings, University Cultural Foundation, No Place of Publication, 1982.
10- Rahim Hassan Al-Akaily, Studies in Civil Procedure Law, Part 1, Sabah Library, Baghdad, 2006.
11- Dr. Saadoun Naji Al-Qashtini, Explanation of the Judgment of the Procedure Law, Part One, Al-Ma'aref Press, Baghdad, 1972.
12- Dr. Sid Ahmed, Origins of Litigation according to the Law of Pleadings, Without a Press, Without Place of Publication, 2005.
13- Shayet Khattab, Research and Studies in the Iraqi Civil Procedure Law, Al-Jilawi Press, Baghdad, 1970.
14- Dr. Abbas Aboudi, Explanation of Civil Procedure Law, Printing House, Mosul, 2000.
15- Dr. Abdel Basset Allamy, Explanation of the Code of Civil Procedure, Arab Thought House, Cairo, 1965-1969.
16. Abdul Rahman Al-Alam, Explanation of Civil Procedure Law, Part II, Al-Ani Press, Baghdad, 1970.
17. Afif Shams El Din, Civil Trials between Text and Ijtihad, without Publishing House, Beirut, 2006.
18- Faris Al-Khoury, The Origins of Human Rights Trials, Second Edition, Dar Al-Arabiya, Jordan, 1987.
19- Fawzou Kadhim Al-Mayahi, Paying for Field Jurisdiction, Sabah Library, Baghdad, 2010.
20. Medhat Al-Mahmoud, Explanation of Iraqi Civil Procedure Law, Part One, National Library, Baghdad, 1994.
21 - Mohammed Ashmawi, d. Abdel Wahab Lashmawy, Rules of Procedure in the Egyptian and Comparative Legislation, The Model Printing Press, Cairo, 1958.
22- Dr. Muhammad Mahmoud Ibrahim, Al-Wajiz in the Proceedings of the Court of Cassation, Dar al-Fikr al-Arabi, without a place of publication, 1983.
23- Dr. Mustafa Metwally Kundil, The Regulatory Requirements of the Litigation, New University House, Alexandria, 2005.
24- Mustapha Majdi Harga, Defenses and Applications, Dar Mahmoud, Egypt, 2003-2004.
25- Dr. Yaser Bassem Thunoun, d. Dr. Thamer Al-Dalimi, Research and Studies in Private Law, Part V, Part III, Arab Generation Library, Mosul, 2009.
Third: Thesis
1 - Jalil Hassan Al-Saadi, Ensuring the Right of Defense during the Civil Procedure, Master's Message to the Law Faculty, University of Baghdad, 1993.
Fourth: Legal Research
1- Dr. Ijead Thamer Al-Dolaimi, the claim of non-jurisdiction in the case of objection, research published in the journal of Al-Rafidain, issued by the Faculty of Law, University of Mosul, No. (30), 2006.
2 - Abbas Hassan Abdullah, Dispute of lack of jurisdiction in the case of objection, a research submitted to the Supreme Judicial Council, 2006.
3-Qasem Rida Alo, Formal Objections, Research submitted to the Ministry of Justice, Judicial Institute, 1987.
4- Majid Nayef Hassan Al-Ani, Dispute of the Local Jurisdiction in the Discriminatory Appeal, Research presented to the Supreme Judicial Council, 2010.
5- Yasin Taha Salman Al-Khorsan, Formal Payment in the Civil Case, Research presented to the Ministry of Justice, Judicial Institute, 2006-2007.
Fifth: Unpublished judicial decisions
1- The Court of Unification, No. 346, the Civil Commission, transferred in 2009, at 271, in 2222009.
2- The Court of Cassation, No. 798, The Civil Commission, Movable, 2008, at 746, 2992008.
3- The decision of the Court of Appeal of Baghdad in its capacity as discriminatory, No. 222 urgent 1993.
Sixth: Laws
1 - Iraqi Civil Code No. (40) for the year 1951 amended.
2- The Civil and Commercial Procedures Law No. (88) for the year 1956.
3- The Iraqi Law No. (173) for the year 1965 amended.
4- Civil and Commercial Procedures Law No. (13) of 1968.
5-Iraqi Civil Procedure Law No. (83) of 1969 Amended.
6-The amended French Act of 1975.
7 - Iraqi Implementation Law No. (45) for the year 1980 amending.
8- Lebanese Assets Law No. (90) of 1983.