الملخص
یعد الاحتکار الحکومی ظاهرة قدیمة تتمثل بسیطرة الدولة على المرافق العامة وإدارتها، دون إمکانیة تعریف الدولة کمحتکر رغم سیطرتها على السوق لسنوات طوال بداعی المصلحة العامة، یحاول البحث تسلیط الضوء على إمکانیة عدّ الدولة شأنها شأن التجار محتکرة لقطاعات معینة، لذا یستعرض البحث الأسباب التی تدعو لافتراض هذا الاحتکار وإمکانیة وجوده، من خلال استعراض دور الدولة فی إدارة القطاع الخدمی، وتقارب صورتها مع صور التاجر المحتکر فی قوانین أمثال قانون شیرمان الأمریکی.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
الاحتکار الحکومی-(*)-
شیماء غالب العزاوی کلیة القانون/ جامعة الموصل Shaima Ghaleb Al-Azzawi College of law / University of Mosul Correspondence: Shaima Ghaleb Al-Azzawi E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 8/4/2019 *** قبل للنشر فی 7/5/2019.
(*) Received on 8/4/2019 *** accepted for publishing on 7/5/2019.
Doi: 10.33899/alaw.2019.161253
© Authors, 2019, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
یعد الاحتکار الحکومی ظاهرة قدیمة تتمثل بسیطرة الدولة على المرافق العامة وإدارتها، دون إمکانیة تعریف الدولة کمحتکر رغم سیطرتها على السوق لسنوات طوال بداعی المصلحة العامة، یحاول البحث تسلیط الضوء على إمکانیة عدّ الدولة شأنها شأن التجار محتکرة لقطاعات معینة، لذا یستعرض البحث الأسباب التی تدعو لافتراض هذا الاحتکار وإمکانیة وجوده، من خلال استعراض دور الدولة فی إدارة القطاع الخدمی، وتقارب صورتها مع صور التاجر المحتکر فی قوانین أمثال قانون شیرمان الأمریکی.
الکلمات المفتاحیة: الاحتکار الحکومی، التاجر، القطاع الخدمی
Abstract
The government monopolies is an old phenomenon that shows by the control of the state over public utilities and its administration, without looking at the possibility of defining the state as a monopolist, despite its control over the market for many years for the sake of public interest. The research attempts to shed light on the possibility of counting the state The possibility of counting the state, like the Commercial entities monopoly of certain sectors.
Therefore, the research examines the reasons for the assumption of this monopoly and the possibility of its existence, by reviewing the role of the state in the management of the service sector, and the convergence of its image with the monopolist in Legislation such as the Sherman act. Keywords: government monopoly, merchant, service sector
المقدمـة
احتکرت الدول- ذات الاقتصاد الموجه السوق لسنوات، إذ أخذت تتعاطى النشاط التجاری کلیاً بحیث ینعدم تماماً دور القطاع الخاص فسیطرت سیطرة تامة على مجریات الحیاة التجاریة والاقتصادیة بالکامل، أو تدخلت جزئیا اشتراکاً مع أشخاص القانون الخاص وأیاً کان دور الدولة، فان بعض الدراسات افترضت إجماعا للفقه القانونی على عدم اعتبار الدولة تاجراً وان حکم قانون التجارة العراقی جاء موافقاً لفکرة عدم اعتبار الدولة تاجراً إلا فی بعض الجزئیات.
إذ تم تبریر تدخل الدولة هذا لتحقیق المصلحة العامة بالنظر إلى الدور الذی تلعبه الدولة فعلیا فی هذه العملیة وخصوصا فی القرن الماضی ولاتزال أثارها قائمة إلى الآن فی ذات الدول رغم تحول اقتصادها فرضیا من کونه اقتصاد موجه إلى اقتصاد السوق، لکن فعلاً هذه الحکومات باقتصاداتها المتحولة لا تمارس إلا وسیلة من وسائل استغلال الدولة للمواطن، سواء فی رفع أسعار السلعة أو الخدمة محل الاحتکار أو فی حالة خروج هؤلاء المواطنین عن طاعة تلک الحکومة، فأصبحت الدولة لا تدیر عقد إذعان بمفهوم الإذعان وما فیه من احتکار خدمة للصالح العام، إنما تدیر نوع من أنواع الاحتکار الظالم تجاه مواطنیها.
تجلت هذه الحالة فی بلدان معینة منها العراق مثلا منذ العام 1991 وإلى الآن وهو احتکار الحکومة للکهرباء والماء احتکار تعسفی لا خدمی، بالإضافة إلى تردی الخدمة وتوقفها فی أحیان کثیرة، دون معالجات حقیقیة لهذین القطاعین المهمین، ورغم ما خصص لهما من میزانیات وأرقام لم یتجلى فی الواقع اثر یذکر، بل بالعکس زاد تردی هذه الخدمات وتدهورها، والحقیقة أن هذه التصرفات تخرج الدولة من دورها کراعی إلى دورها کمتعسف فی استعمال الحق وأن صح التعبیر هو خیانة للائتمان العام الذی یفرضه القانون على الدولة أو الحکومة بجمیع مظاهرها، وبهذه التصرفات تنزع الدولة عنها عباءة السیادة وترتدی عباءة التاجر الفرد أو الشرکة حینما یمارس التاجر تجارته أو الشرکة أعمالها، بقصد الإضرار بالأخرین وتحقیق مصالح الشرکة بغض النظر عما تُلحقه من أضرار بالمستهلک، مما برر إیجاد فکرة الاحتکار الحکومی لتصنیف الوضع الذی علیه الدولة فی علاقتها مع المواطن (المستهلک).
أهمیة البحث: لا یخفى أن العراق تحول من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق، غیر أبهة الحکومات العراقیة المتتالیة ما یقع على عاتقها من ضرورة تغیر التشریعات العراقیة جمیعها بما یتلاءم وتوجه الدولة الحدیث فاصبح الاقتصاد العراقی بین مطرقة وسندان، إذ أن قانون الدولة قائم على فکرة الاقتصاد الموجه، فی حین النظام السیاسی الفعلی بعد 2003 یتبنى اقتصاد السوق فأصبحت الحکومة بمظهر تاجر محتکر فهی تؤمن باقتصاد السوق وتدیر مشروعاتها فعلیاً کتاجر محتکر، نهدف من خلال هذا البحث وضع مفهوم للاحتکار الحکومی الذی بات متبنیاً فی اغلب الاقتصادات التی کانت موجهة سابقاً ثم انتقلت إلى اقتصاد السوق.
إشکالیة البحث: قدمنا فی الأهمیة إلى التغیر التشریعی الذی أصاب القانون العراقی واعجز الحکومات العراقیة المتتالیة عن تبنی احد الاتجاهین مخالفة بذلک الکثیر من الدول، منها الکویت التی بدأت فعلاً توجهاً نحو تغییر تشریعاتها بما یتلاءم واقتصاد السوق، تکمن مشکلة البحث فی عدم تحدید مفهوم الاحتکار الحکومی من قبل المشرع العراقی، إذ حصر الاحتکار على التاجر دون أن یشیر إلى الأفعال التی تمارسها الدولة بصفتها تاجرا والتی تدخل ضمن خانة الأعمال ذات الوصف الاحتکاری ذاته.
منهجیة البحث: یعتمد البحث المنهجیة التحلیلیة، واکتفینا بالمشرع العراقی فی قانونی التجارة العراقی رقم 30 لسنة1984 المعدل والقانون المدنی العراقی رقم 40 لسنة 1951 وقانون المنافسة ومنع الاحتکار رقم 14 لسنة 2010 وقانون الاستثمار الأجنبی رقم 13 لسنة 2006 والمعدل بالقانون رقم 2 لسنة 2010 والقانون رقم 50 لسنة 2015، من باب أن العراق لازال یعیش تبعات التحول الاقتصادی من دون وجود لأی غطاء تشریعی یضمن هذا الانتقال أو التحول أو حتى ینظمه فی حده الأدنى.
خطة البحث: أما خطة البحث فهی کالاتی
المبحث الأول: مفهوم الاحتکار الحکومی
المطلب الأول: مفهوم الاحتکار
المطلب الثانی: أسباب ظهور الاحتکار الحکومی
المبحث الثانی: ارتباط المرکز الاحتکاری بفکرة الاستغلال
المطلب الأول: الأساس النظری لاستغلال المرکز الاحتکاری
المطلب الثانی: مظاهر استغلال المرکز الاحتکاری واثره
الخاتمة
المبحث الأول
مفهوم الاحتکار الحکومی
یرجع مفهوم الاحتکار ومکافحته إلى أساس شرعی فهو من ضمن الصور المحرمة فی مجال البیع، واصبح من المنطقی بناءً على هذا الأساس الشرعی أن یتبعه تحریم قانونی فی التشریعات النافذة، وخصوصاً العربیة منها، لذا نجد کثیراَ من الباحثین عند الکتابة عن مفهوم الاحتکار یعودون إلى الأسس الشرعیة للموضوع، وبما أن هذه الفکرة قد طُرحت نجد انه من العدل الترکیز على أن الشریعة أن کانت تمنع الاحتکار لما فیه من إثراء للبائع على حساب المستهلکین، أو لما فیه من اکل أموال الناس بالباطل الذی حرمته، فالأولى أن یحرم کذلک على من یتولى الشأن العام إدارةً وتصریفاً مثل هذه الأفعال، ومنها دفع الناس لأجور خدمات کالماء والکهرباء دون وجود هذه الخدمة أصلاً فی بعض المناطق، أو تردیها أو ضعفها أو حتى عدم انسجامها مع المبالغ التی تکبدها المواطنین، وهو لا یخرج بکل حال من الأحوال عن مفهوم اکل أموال الناس بالباطل، ولا یشرعن هذا الفعل أحاطته أو تغلیفه بمصطلح المصلحة العامة، فأن لم تتحقق المصلحة العامة فلا مجال للقول بتبریر احتکار الدولة لمرافق معینة (کالماء والکهرباء والنفط والموارد الطبیعیة والمحاصیل الزراعیة التی تمثل عصب الاقتصاد. الخ).
لذا ترسیخا لهذه الفکرة التی ینطلق منها البحث، سنتطرق فی هذا المبحث إلى مفهوم الاحتکار الحکومی من خلال تقسیمه إلى مطلبین وکما یأتی:
المطلب الأول: مفهوم الاحتکار
الفرع الأول: التعریف بفکرة الاحتکار الحکومی.
الفرع الثانی: المرکز الاحتکاری.
المطلب الثانی: أسباب ظهور الاحتکار الحکومی.
الفرع الأول: أزمة نقل الخدمات والأنشطة التجاریة والاقتصادیة من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
الفرع الثانی: أزمة تطبیق الدیمقراطیة.
المطلب الأول
مفهوم الاحتکار
یرتبط مفهوم المنافسة بمفهوم الاحتکار، إذ تضمن السوق المعنیة المنافسة بین التجار وهی أساس قانون العرض والطلب، على أن یقید الحق فی المنافسة بحیث لا یؤدی إلى منع حریة المنافسة أو تقییدها أو الأضرار بها فی السوق المعنیة، ویعرض الفقه صورا لهذه الممارسات الضارة إذ یحظر کل سلوک من شأنه أن یؤدی إلى عدم التصنیع أو الإنتاج أو التوزیع لمنتج معین وذلک لمدة زمنیة معینة، أو التمییز بین البائعین أو المشترین الذین تتشابه مراکزهم التجاریة فی أسعار البیع أو الشراء الذی یؤدی إلى أضعاف القدرة التنافسیة، أو إخراج بعض المنافسین من السوق، إلى نحو ذلک من الممارسات الضارة. وعلیه لإیضاح هذه الفکرة لابد التعریف بفکرة الاحتکار الحکومی، ومن ثم المرکز الاحتکاری الذی یحوزه المحتکر من خلال التقسیم الاتی:
الفرع الأول : التعریف بفکرة الاحتکار الحکومی
الفرع الثانی: المرکز الاحتکاری
الفرع الأول
التعریف بفکرة الاحتکار الحکومی
بدءً قبل التعریف بالاحتکار الحکومی لابد أولاً من تعریف فکرة الاحتکار ذاتها ثم تعریف الاحتکار الحکومی لاحقاً وذلک بسبب عدم وجود أساس تشریعی لفکرة الاحتکار الحکومی، صحیح توجد تشریعات وکتابات فی مفهوم الاحتکار، إلا انه لا توجد تشریعات تجرم احتکار الدولة أو حتى طروحات فکریة أکادیمیة فی صمیم هذه الفکرة مما یصعب امر تعریف الفکرة ذاتها، لذا لابد لهذا السبب من تعریف الاحتکار بصورة عامة أولاً ومن ثم بیان مفهوم الاحتکار الحکومی، وکما یأتی:
أولاً: تعریف الاحتکار:
عرفت الفقرة ثانیاً من المادة (1) من قانون المنافسة و منع الاحتکار العراقی الاحتکار بأنه "کل فعل أو اتفاق أو تفاهم صدر من شخص أو اکثر طبیعی أو معنوی أو ممن توسط بینهم للتحکم بالسعر أو نوعیة السلع والخدمات بما یؤدی إلى الحاق الضرر بالمجتمع"، ویلاحظ أن مصطلح الحاق الضرر بالمجتمع فی القانون العراقی جاء موفقاً فهو لم یشر إلى المستهلکین فقط، أنما لإدراک المشرع أن هذا الفعل یؤثر على المجتمع ککل، فی حین أن قانون شیرمان الأمریکی المتعلق بالاحتکار احجم عن تعریف الاحتکار، واکتفى بتقریر عدم جواز الاحتکار، أو محاولة الاحتکار، أو التجمع أو التواطؤ مع أی شخص أو أشخاص أخرین بغیة احتکار أی عمل من الأعمال التجاریة. إذ یحظـر (قانون شیرمان) کـل تجمـع أو تکتـل أو تواطــؤ بغیــة تقییــد حریــة المنافســة، ورغم أن قانون شیرمان الأمریکی لم یعرف الاحتکار صراحة إلا أن المادة الأولى منه قد حظرت وبشکل واضح أیة تعاقدات أو تکتلات أو تواطؤ تقید التجارة الداخلیة أو الدولیة.
فی حین عرفه جانب أخر من الفقه "انه فعل یؤدی إلى السیطرة والنفوذ بهدف إحداث اختناقات فی معدلات وفرة السلع وجودتها وأسعارها بغرض إلغاء المنافسة أو إجبار المنافسین على إخلاء السوق" أو "هیمنة منشأة على حصة ضخمة من أنتاج أی سوق تمکنها من فرض سیطرتها بشکل فعال على مجمل أنتاج ذلک السوق، وبالتالی إمکان زیادة أرباحها بتخفیض ذلک الإنتاج".
وهناک من ربط مفهوم الاحتکار بالمنافسة من خلال إیضاح معناه بهذه الصورة، اذ اکتفى بتعریفه "بان الاحتکار یعنی اختفاء المنافسة" وهو یعنی عند انعدام المنافسة فان الاحتکار یصبح نتیجة طبیعیة ومنطقیة لسیطرة الأقوى، وعرفه آخرون بأنه "انفراد شخص أو عدة أشخاص بالقیام بنشاط اقتصادی معین، سواء فی البیع أو السیطرة على أنتاج سلعة ما، أو عرضها وتوزیعها دون منافسة، وکذلک الانفراد بإداء خدمة معینة مطلوبة، على نحو یؤدی إلى الإضرار بالاقتصاد والمنتفعین بالخدمة ومن ثم المستهلکین"
"یقصد بالاحتکار الحالات التی تکتسب فیها شرکة أو مجموعة من الشرکات القدرة على السیطرة على السوق المحلی بصورة تمکنها من بیع منتجاتها بأسعار تتیح لها تعظیم هامش ربحها وذلک بغض النظر عن أیة اعتبارات تتعلق بترک تحدید أسعار هذه المنتجات وفقا لقانون العرض و الطلب فی السوق المحلی"، وعرفه آخرون "انفراد شخص أو عدة أشخاص بالقیام بنشاط اقتصادی معین سواء فی البیع أو السیطرة على إنتاج سلعة ما أو عرضها أو توزیعها دون منافسة وکذلک الانفراد بأداء خدمة معینة مطلوبة على نحو یؤدی إلى الإضرار بالاقتصاد".
کما وعُرّف الاحتکار بانه "قدرة شخص أو عدة أشخـاص طبیعیین کانوا أو معنویین على الانفراد بإنتاج سلع مـمیزة أو عرضها أو توزیعها أو بیعها أو الانفراد بأداء خدمة ما ، على مستوى سوق معین دون منافسة فعلیة مما یؤدی إلى عرقلة حریة المنافسة و الإضرار بالاقتصاد و المستهلک".
فی حین ذهب د. جاسم محمد الراشد إلى القول بصعوبة وضع مفهوم محدد للاحتکار مسبباً ذلک بتطور الممارسات الاحتکاریة وهذا التطور متابعاً للنشاط التجاری الأخذ بالتسارع، إلاّ انه عاد وعرفه بأنه "سیطرة شرکة أو مجموعة شرکات على حصة ضخمة من أنتاج سوق معین تمکنها من فرض سیطرتها على إجمالی أنتاج هذه السوق، ومن ثم تزید أرباحها من خلال تخفیض الإنتاج وزیادة الأسعار".
ویلاحظ أن اغلب التعریفات ترکز على أن القائم بالاحتکار هو شرکة، باستثناء تعریف واحد رد الفعل الاحتکاری إلى أشخاص طبیعیة أو معنویة، کما اتجه هذا الرأی إلى أضافة الدولة إلى الأفعال الاحتکاریة من خلال ممارستها التجارة کشخص عام، ونمیل إلى تأیید هذه الفکرة أن الاحتکار قد یمارس من أشخاص طبیعیة أو معنویة من ضمنها الدولة، إلا أن جانب أخر من الفقه یشترط لوجود الاحتکار أن لا یمارس من قبل فرد واحد (ونعتقد انه یعنی طبیعی أو معنوی) بل ینشأ عن طریق مجموعة من المحتکرین.
کما یلاحظ امر أخر على التعریفات الفقهیة أنها رکزت فیما یخص الاحتکار بجانب الضرر الاقتصادی، والإضرار بالمستهلکین، فی حین نمیل إلى تبنی فکرة المشرع العراقی من خلال توسیع دائرة الضرر فالأمر لیس قاصراً على الاقتصاد أو على طبقة المستهلکین وإنما إضرار کامل بالبنیة الاجتماعیة والاقتصادیة وحتى التنمویة والاستثماریة فی حالة احتکار المرافق العامة المهمة والضروریة.
أما فیما یخص القضاء الأمریکی فقد وضع مفهوماً للاحتکار بالقول: "أن الاحتکار یکون فی الملکیة والسیطرة على قسم کبیر من واردات، أو تجهیزات السوق، أو منتجاتها من سلعة معینة، وهو ما یؤدی إلى خنق المنافسة، ویقید حریة التجارة، بحیث یتحکم أو یسیطر المحتکر على الأسعار".
فالتعریفات المنصرمة تضع شروطا للاحتکار منها:
1- أن یمارس من قبل شرکة (أو شخص طبیعی أو معنوی) کما أثار جانباً من الفقه اشرنا إلیه سابقاً.
2- أن یمارس هذا الفعل الاحتکاری على سلعة أو خدمة من خلال الانفراد بها عرضا وتوزیعا، ودون وجود منافسة.
3- ومنهم من أضاف الضرر فی التعریف وحقیقة إضافة الضرر بالاقتصاد أو بحق المستهلک مسألة نسبیة لان الاحتکار غیر محظور لذاته، والمنافسة الحرة قد تؤدی إلیه، وذلک فی حال تفوق التاجر أو الشرکة على منافسیه وانصراف العملاء إلیه، بل قد یکون الاحتکار أمراً لا مفر منه کما فی الاحتکار الطبیعی، أو عندما لا یستوعب السوق إلا تاجراً واحدا، ولکن المحظور حسب رأی بعض الفقه هو الوصول إلى المرکز الاحتکاری من خلال القیام بأعمال المنافسة غیر المشروعة.
ووضع الاقتصادیین شروطاً کالمتقدمة إلا انهم افردوا المحتکر بانه شرکة واحدة تقوم بالإنتاج، وان السلعة المنتجة فریدة لا یوجد لها بدائل، وینطبق على الدولة حقیقة کلا الشرطین فی مجال الماء والکهرباء إذ أن المنتج للخدمتین واحد هو الدولة، وان السلعة فریدة غیر متوفرة ولا مجال لوجود شرکة أخرى تولد الکهرباء، أو شرکات أو شرکة تنقی المیاه وتضخها للمنازل عبر أنابیب.
ثانیاً: الاحتکار الحکومی:
جاءت فکرة الاحتکار الحکومی کمصطلح فی أدبیات مرکز المشروعات الدولیة الخاصة وأشارت إلیها بوضوح أنّا ناغرودکیوفیتس فی مقالها "تحدیات الإصلاح الاقتصادی فی الشرق الأوسط وشمال أفریقیا" ولم تضع الکاتبة تعریفاً مباشراً للفکرة وإنما عبرت عنها بالطریقة الآتیة "الإصلاحات المجدیة تستدعی الابتعاد عن الحکومات الاحتکاریة التی تطوق القوى السیاسیة والاقتصادیة"، وفی هذه الفکرة إشارة صریحة للحکومة الاحتکاریة أو لممارسة الحکومات للاحتکار وربطها بإصلاحات اقتصادیة مجدیة.
ویسمى الاحتکار الحکومی من وجهة نظر القانون بالاحتکار القانونی، أی الذی یستند إلى تشریع لائحی أو قانونی أو مرسوم أو قرار یبیحهُ، والذی یجد تبریره فی استغلال المرافق العامة أو مصلحة عامة، کقیام الدولة باحتکار النشاط فی مجال الکهرباء والتلفونات والمواصلات الخ..، ویبرر الفقه أن الحکمة من هذا الاحتکار هو حمایة المستهلکین فی السوق وتوحید الأسعار.
ویسمیه البعض الأخر بالاحتکار التام أو الخالص ویعنی انفراد منتج أو مشروع واحد بعرض سلعة لیس لها بدیل قریب، بمعنى انه لا یوجد منافسة له فی السوق طالما ینتج سلعة لا بدیل مقارب لها، ولا من مشروع ینتج ذات السلعة أو مقاربة لها، وضرب الفقه مثالاً على ذلک احتکار الحکومة الفرنسیة بیع الکبریت فی فرنسا، ومثله احتکار العراق للماء والکهرباء وکذلک النفط، وهو احتکار قیاس مع الفارق، وما یهمنا فعلا لیس احتکار النفط أنما احتکار خدمات أساسیة لابدیل مؤقت أو مستقبلی عنها ومساسها بحیاة المواطن الیومیة، لا کالنفط الذی له مساس بالأمن الاقتصادی الحالی والمستقبلی للبلد والذی یحتاج إلى دراسة تفصیلیة مستقلة لا ننوی التطرق إلیها فی بحثنا هذا.
ویمکن أن یندرج الاحتکار الحکومی تحت نوع ثالث من أنواع الاحتکارات یسمى احتکار القلة (Oligopoly)، وهو مصطلح ظهر عند الکتاب الأمریکان یشیر فیه هؤلاء إلى "ذلک الهیکل من هیاکل التحالف فی السوق ذی الترکیز العالی أی الذی تضطلع فیه حفنة محدودة من المنشآت التجاریة أو الصناعیة بإنتاج سلعة معینة ومن خلال تفاهم غیر معلن یمکنهم الوصول لإجماع بشأن السعر وحجم الإنتاج"، وعادة ما یکون احتکار القلة بین منشأة کبیرة ومنشآت اصغر منها على عکس الکارتل الذی یکون بین منشآت کبیرة تتفق فیما بینها اتفاقا سریا مکتوباً، فی حین أن احتکار القلة یکون اتفاق ضمنی على موقف موحد، والحقیقة أننا نلمس هذه العلاقة منشأة کبیرة مع منشآت صغیرة فی السوق العراقی من خلال علاقة الدولة بوصفها منتجة للکهرباء مع أصحاب المولدات الأهلیة وهی مشاریع صغیرة ومتعثرة ولا تقدم الخدمة إلا فی جزء یسیر ووفق أسعار محددة حکومیة ویتم تبلیغها علناً، کما تظهر أیضاً فی علاقة الدولة بکونها محتکرة لقطاع خدمات المیاه والصرف الصحی من خلال علاقتها مع أصحاب محطات تحلیة المیاه المحلیة وهی أیضاً کالکهرباء مشاریع صغیرة غیر قادرة على تحمل تجهیز الخدمة وتعانی من التعثر وسوء الخدمة وتردیها واحیانا انقطاعها أو توقفها دون سابق إنذار.
ویقع على عاتق القضاء الأمریکی الذی ابتکر هذا النوع من الاحتکار معضلة یصعب حلها إلا وهی إثبات حالة التواطؤ الخفی بین المشروع الأکبر والمشاریع الصغیرة وهی عادة مهمة تحتاج إلى تحری وترتبط بکل واقعة على حدى.
ویرتبط مفهوم الاحتکار القانونی (الحکومی) بکونه خصیصة من اهم خصائص عقود الإذعان فی کون احد الطرفین فی حالة مرکز اقتصادی قوی تمکنه من فرض شروطه على الطرف الأخر الأضعف، وتحدید التزاماته دون تحفظ بسبب عدم وجود قابلیة للمناقشة والتفاوض، وأیضا بسبب عدم وجود بدیل أخر للمستهلک (المواطن) یلجأ إلیه للحصول على تلک الخدمة أو السلعة.
وقد وضع الفقه شروطاً لعقود الإذعان الحکومی منها بأن یکون التفوق الاقتصادی للمحتکر واضحا بدرجة کافیة، ویجب أن یتسم بالاستمرار ، بمعنى أن التفوق الاقتصادی للمحتکر یستمر بشکل محسوس وظاهر، فالقوة الاقتصادیة فی عقود الإذعان هی انعکاس للطابع الاحتکاری، فالاحتکار فی سلعة أو خدمة معینة یترتب علیه اعتبار العقد من عقود الإذعان.
یضاف إلیها صفات أخرى منها أن سعر السلعة أو الخدمة المرتبطة عادة بعقد إذعان لا تسعر وفقاً للطلب والعرض، وإنما تسعر من قبل المحتکر(الدولة) أو من ینوب عنه، فعملیة الارتباط بین الخدمة أو السلعة وسعرها لا یحکمها قواعد السوق أنما یحکمها المحتکر فهو یحدد سعر الخدمة أو السلعة ارتفاعاً وانخفاضاً، کما أن الدولة هی المنتج الوحید لهذه السلعة أو الخدمة مما یترتب علیه تحکمها بجودتها وحتى باستمراریتها وکمیة ما یعرض منها، ویطرح على سبیل المثال احتکار الدولة لا للماء والکهرباء فحسب أنما احتکار التلفزة والقنوات الفضائیة والإعلام لفترات طویلة.
ویرى الدکتور مصطفى العوجی أن عقد الإذعان عند تحلیله فانه یتصف بمواصفات العقد العادی، فلا فرق فعلیاً بین العقد الذی تفرضه شرکة الکهرباء وبین العقد الذی یفرضه بائع بسیط ولا یقبل أن یناقشه الشاری فیه، فالعقود التی تحصل یومیا بین المواطنین لا تفترض حتماً المفاوضة والمساومة، بل غالبا یحدد کل طرف شروطه وینعقد العقد بینهما وان فرض احدهما أو کلاهما شروطه على الأخر، إلا أن المعیار لدیه أن التعسف أو التسلط من احد المتعاقدین على الأخر یحده رقابة القضاء، والحقیقة أن الأستاذ العوجی فی رأیه وضع یده على طبیعة المشکلة، فالفصل بین السلطات، وتقویة سلطة القضاء یمنح القضاء لاحقاً رقابة على السلطة التنفیذیة فی کافة أعمالها منها تقدیمها للخدمات التی تحتکرها للمصلحة العامة، وان لا تحتکرها دون تحقیق شرط الاحتکار الأساسی ألاّ وهو تحقیق المصلحة. فیعد الفصل بین السلطات احد اهم الرکائز التی تنهی حالة الاحتکار التعسفی وإفراغ مفهوم المصلحة العامة من مضمونه.
لذا یمیل جانب من الفقه إلى تعریف "احتکار الدولة" "انه شکل من أشکال الاحتکار مفاده أن الدولة هی المنتج الوحید لسلعة أو خدمة معینة، بل ویمکن أن یُحظر منافستها من خلال قانون، ویمکن بدورها أن تمنحه لفرد أو شرکة أو مجموعة من الشرکات"
فی حین نمیل لتعریف الاحتکار الحکومی بانه "سلطة تمتلکها الدولة على مشروع لا تقوم بإدارته کما یتطلب حسن النیة" فالدولة سیئة النیة فی إدارة هذه المرافق، وسوء النیة معیار دقیق واضح فلو کانت الدولة حسنة النیة لأتمت مشاریع تعهدت بها منذ عشر سنوات وربما بعض الصفقات لتأهیل الماء والکهرباء تعود إلى مدد اکثر. وعند الإشارة إلى سوء نیة الدولة فهو لا یمس بموضوع السیادة بقدر تعلقه بسوء نیة العاملین والقائمین على المرفق العام کالدوائر والمدیریات والوزارات من جانب ومن جانب أخر ما یتعلق منه بواجب السلطة التنفیذیة بصورة عامة دون تحدید جهة دون أخرى.
الفرع الثانی
المرکز الاحتکاری
ذهب جانب من الفقه إلى تعریف المرکز المسیطر أو المرکز الاحتکاری بأنه "سلطة أو مقدرة اقتصادیة تمکن من یحوزها التحکم فی الأسعار ویعیق ویمنع المنافسة، وان یتصرف بطریقة مستقلة تجاه منافسیه وتجاه العملاء ودون النظر فی ردود أفعالهم، وذلک لعدم وجود أی منافس لدیه قدرة الدخول إلى السوق وتقدیم سلعة أو خدمة فعالة وبدیلة للعملاء أو الموردین".
بناءً على هذا التعریف فهل تمتلک الدولة فی الاحتکار الحکومی مرکزاً مسیطراً أو منفرداً یمنحها مُکنة الاحتکار؟ إجمالا مما لا ریب فیه انه لابد لنشوء الاحتکار من أن یتمتع التاجر بمرکز مؤثر فی السوق، ویضع قانون شیرمان الأمریکی المرکز الاحتکاری باعتباره الرکن الأول لقیام حالة الاحتکار المحظور، باعتبار أن المرکز الاحتکاری حصل علیه التاجر أما بفعل مشروع أو بفعل غیر مشروع، وفی حالة احتکار الدولة المراد تکییفه حصل بفعل مشروع بل بنص القانون صراحة، حتى انهُ یسمى الاحتکار القانونی کما قدمنا.
ویلاحظ أن حالة المرکز الاحتکاری الذی یحوزه المحتکر لا تتطلب من اجل قیامها الإقصاء الفعلی للمنافسین، والحقیقة أن هذا المفهوم یمکن أن ینسحب على التجار فی السوق، لکن لا یمکن أن ینسحب على الدولة، فالدولة فی حالة إقصاء فعلی لأی منافس، إذ ینطبق علیها التوصیف بحذافیره، وجاء فی وصف بعض الکتاب أن الدولة من خلال ممارساتها الاحتکاریة واعتمادها على الخزانة العامة فی تمویل مشاریعها وعدم خضوعها للإفلاس أو لذات القیم التجاریة التی یخضع لها الأفراد من التجار تعنی أن الدولة قادرة على "ترهیب" المنافسین لا إقصائهم فی افضل الحالات، کما أنها الخصم والحکم بالنسبة للمنافس لان قضائها یرکز لمنهجها الاحتکاری.
فی حین جاء قرار المحکمة العلیا فی الولایات المتحدة فی احد القضایا بأن المعمول به لقیام المرکز الاحتکاری هو "المقدرة على رفع الأسعار أو تفادی المنافسة عند الرغبة فی ذلک، ولیس الإقصاء الفعلی للمنافسین، ویرى الدکتور الملحم انه من الأفضل عدم التقید الحرفی بمصطلح رفع الأسعار، بل الأفضل استعمال مصطلح التحکم بالأسعار أو تفادی المنافسة، ولا تتحقق هذه المکنة إلاّ من خلال حصة سوقیة کبیرة زادت عن منافسیه أهلته للحصول على مرکز احتکاری. وفی ظل احتکار الدولة فهی المنتج الوحید للسلعة أو الخدمة، وهی التی تحدد الجودة، وهی التی تحدد الأسعار.
وهذا المرکز الاحتکاری أو المسیطر یمکنها بحریة تحدید الشروط دون أی اعتبار لمنافسیها أو المستهلکین ودون الرجوع الیهم، ویتم تحدید قدرتها فی ضوء بحث مدى إمکانیتها أبعاد أو إقصاء أو إزالة المنافسین الحالیین أو منع المنافسین المحتملین فی الوصول إلى السوق.
المطلب الثانی
أسباب ظهور الاحتکار الحکومی
ظهر الاحتکار الحکومی فی الأنظمة المتحولة، أی التی کانت تؤمن بفکر اقتصادی معین اثر على تشریعاتها، وعندما یتغیر النظام السیاسی الذی یعتنق فکرا مغایراً إلى نظام أخر مختلف تماماً تحدث المشکلة، کالتحول من الاقتصاد الموجه والمؤمن بفکرة سیطرة الدولة إلى اقتصاد حر یؤمن بالوظیفة الحمائیة للدولة أو الدولة الحارسة (الأمن والدفاع) دون تدخلها فی النشاط الاقتصادی، وسنستعرض هذه الفکرة من خلال التقسیم المبسط الاتی:
الفرع الأول: أزمة نقل الخدمات والأنشطة التجاریة والاقتصادیة من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
الفرع الثانی: أزمة تطبیق الدیمقراطیة.
الفرع الأول
أزمة نقل الخدمات والأنشطة التجاریة والاقتصادیة من القطاع العام إلى القطاع الخاص
قبل 2003 کان النظام السیاسی الذی یخضع له العراق یمتاز بالمرکزیة السیاسیة وما یتبعها من مرکزیة اقتصادیة، أذ فرضت الدولة هیمنتها على کافة مظاهر النشاط التجاری والاقتصادی، فکانت القوانین ومنها قانون تنظیم التجارة العراقی رقم 20 لسنة 1970 وما تبعه من تعدیلات متلاحقة تقوم فی مجملها على فکرة احتکار الدولة للنشاط التجاری وسیطرتها على السوق ومن ثم فرض ضوابط أسعار وفق رؤیتها الأیدیولوجیة ولیس وفق ضوابط اقتصادیات السوق، مما أدى إلى تراجع القطاع الخاص مقابل تزاید هیمنة الاقتصاد المرکزی.
بعد عام 2003 انتقل العراق سیاسیاً واقتصادیاً من الاقتصاد الموجه والنظام الاشتراکی، إلى اقتصاد السوق، وتشجیع القطاع الخاص، وهو ما أقره الدستور العراقی لسنة 2005 فی نص المادة (25 (والتی نصت على أن (تکفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقی وفق أسس اقتصادیة حدیثة وبما یضمن استثمار کامل موارده، وتنویع مصادره، وتشجیع القطاع الخاص وتنمیته)، ثم تبعه بإقرار قانون الاستثمار رقم (13) لسنة 2006 وما لحق ذلک من تشکیل الهیئة الوطنیة للاستثمار وفروعها فی المحافظات، وقوانین أخرى مثل قانون حمایة المستهلک رقم (1) لسنة 2010، وقانون حمایة المنتجات العراقیة رقم (11) لسنة 2010، وقانون المنافسة ومنع الاحتکار رقم (14) لسنة 2010.
أمام هذا الانقلاب کان یتوجب أن یبدأ المشرع العراقی مراجعة التشریعات بما ینسجم مع هذا التغییر، إلا أن البحوث الأکادیمیة والدراسات المختصة تؤکد على أن ما من مراجعة فعلیة وشاملة لحقت التشریعات القدیمة، مما یعنی عدم قدرة التشریعات النافذة والتی لم تعدل، على مواکبة عملیة التغییر الحاصلة، بل ومثلت عائقاً حقیقیاً أمام القطاع الخاص العراقی وأمام الاستثمار الأجنبی، لان تلک التشریعات تتماشى مع الاقتصاد الموجه، وتتقاطع کلیاً مع اقتصاد السوق، أدى بالنتیجة إلى إضعاف بیئة الأعمال فی العراق وتصنیف العراق من قبل البنک الدولی کأحد أسوء البیئات الاقتصادیة للعام 2012 إذ حصل على التسلسل 164 بین 183 دولة.
یضاف إلیها واقع الشرکات العامة الصناعیة فی العراق، التی أُنشئت فی ثمانینیات القرن العشرین، والتی تعانی فی أحسن الأحوال من التقادم والاندثار، والقدم التکنولوجی، وانخفاض طاقاتها الإنتاجیة، وارتفاع تکلفة الإنتاج، مع ضعف واضح فی القدرات التسویقیة والنهج الإداری الحدیث.
لذا ظهرت دعاوی تطالب بخصخصة القطاع العام من خلال تفکیکه وبیعه للقطاع الخاص کوسیلة من وسائل الانتقال من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق. إلا أن هناک العدید من الدراسات التی تنهج منهجا مضاداً للخصخصة لما لها من آثار وخشیة من أن تدار العملیة خارج خطة شاملة للإصلاح الاقتصادی مما یؤدی إلى تفکک الاقتصاد العراقی بشکل کامل، بالإضافة لعدم وجود اطار قانونی للخصخصة، تعزز من خلاله دور القطاع العام، وهناک من اعتبر أن الخصخصة مجرد نقل للاحتکار من الدولة إلى القطاع الخاص، وانه باب من أبواب الفساد الإداری والاقتصادی، ولیس بالضرورة أن یرفع من کفاءة الاقتصاد، لان الکفاءة لا علاقة لها بمن یملک المشروع إنما بمن یدیره.
وعلیه فان الخصخصة کمحور لعملیة إعادة الهیکلة، لم تحقق فی أی مکان من العالم (مصر، تونس، الأردن، المغرب) الأهداف المعلنة لها، فالمدیونیة الخارجیة قد ازدادت فی معظم هذه الدول وتراجعت معدلات النمو فی کثیر من الحالات وازداد التفاوت الاجتماعی فی توزیع الثروة والدخل.
وطرحت أفکار أخرى من خلال قانون الاستثمار الأجنبی رقم 13 لسنة 2006 وتعدیلاته منها أن یغطی الاستثمار الأجنبی أعمال تأهیل المعامل القائمة والمشاریع الاستثماریة الجدیدة وفیه حوافز وضمانات جیدة وجاذبة للمستثمرین، وهذا ما نصت علیه صراحة نص المادة 33 فی الفقرة (أ و ب) منها والمعدل بالقانون رقم 2 لسنة 2010 والقانون رقم 50 لسنة 2015 بالقول:
"أ- تسری إحکام هذا القانون على مشاریع القطاع المختلط والقطاع الخاص القائمة أو العاملة وبطلب من إدارتها وموافقة الهیئة دون اثر رجعی. ب - تشمل مشاریع الشراکة بین القطاعین العام والخاصبمافیذلکمشاریع القطاعالعامالمتعاقدعلىتأهیلهاأوتشغیلهاأوإنشائهامعالقطاعالخاص والمختلطبإحکامهذاالقانون قبل وبعد نفاذ هذا القانون على إن لا یترتب على ذلک الإعفاء من أیة ضرائب ورسوم مستحقة علیها قبل نفاذه" ویشمل ضمنا قطاعیّ الماء والکهرباء، إلا أن النص الصریح بضماناته وحوافزه لا یعنی أن الحکومة بإمکاناتها الإداریة المتواضعة قادرة على إدارة عقد استثماری اجنبی لتأهیل مرافق عامة مترهلة، وخصوصا أن المشرع فی ذات القانون قد أشار بوضوح إلى ولایة القضاء العراقی لحل أی نزاع متحصل، وحقیقة الأمر أن اهم میزة للمستثمر فی کل العالم هو عدم الخضوع للقضاء المحلی، وإنما الذهاب للتحکیم وان عطفت المادة خیار التحکیم إلا أنها قدمت القضاء ثم التحکیم المحلی وأخیراً الدولی، وهذا ما جاء بوضوح فی نص المادة 27 من قانون الاستثمار الأجنبی العراقی المعدلة وفقا لنص المادة 50 للعام 2015، "أولاً ـــ تخضع المنازعات الناشئة عن تطبیق هذا القانون إلى القانون العراقی وولایة القضاء العراقی، ویجوز الاتفاق مع المستثمر على اللجوء إلى التحکیم التجاری ( الوطنی أو الدولی) وفق اتفاق یبرم بین الطرفین یحدد بموجبه إجراءات التحکیم وجهته والقانون الواجب التطبیق.".
والتمسک بهذا النص یحرم العراق من الاستثمار الأجنبی، ویؤدی قطعاً إلى هروب المستثمرین من البلد، وذلک لعدم رغبة المستثمر الأجنبی الخضوع للقضاء العراقی، أو المغامرة فی بلد غیر مستقر امنیا، وقد لا یوفر کما یدعی قانون الاستثمار فی خلاصته، الحد الأدنى من المیز للمستثمر الأجنبی، بل على العکس فان تقاریر المنظمات الدولیة، ومنها منظمة العفو الدولیة، تحرم العراق صراحة من أی مستثمر فعلی ولا تجذب إلا مستثمرین ذوی خلفیات مشبوهة وجرمیة على صعید عالمی.
ولدت کل هذه العناصر مجتمعة أزمة حقیقیة فی نقل الاقتصاد العراقی مسبوقاً بالتشریعات من القطاع العام (الحکومی) إلى القطاع الخاص، فادى إلى ظهور نوع من الاحتکار فی دولة لیبرالیة حسب الدستور لا هی قادرة على نقل ملکیة مشاریعها للقطاع الخاص ولا هی قادرة على تقدیم الحد الأدنى من الإدارة السلیمة لهذه المشاریع، مما یعنی فعلاً أن الدولة التی من مهامها الأساسیة فی أنظمة اقتصاد السوق (الأمن والدفاع) توسعت إلى کونها تمارس التجارة (الماء، الکهرباء، الخدمات الصحیة، تصدیر النفط، الموارد الطبیعیة، الخ..) وهذا مخالف لوظیفة الدولة فی الأنظمة اللیبرالیة التی تؤمن باقتصاد السوق.
لذا ما من حل سوى أن تتعامل الدولة فی هذه القطاعات التجاریة من کونها دولة صاحبة سیادة إلى کونها تخضع لما یخضع له التجار من احتکار، بمعنى أنها تنزل من کونها دولة وتنزع عنها عباءة السیادة وتتعامل کتاجر حالها حال سائر التجار وبذا تخضع لما یخضع له التجار من أحکام، وهذا محور فکرة الاحتکار الحکومی، البحث عن وسیلة قانونیة لمحاسبة الدولة کتاجر محتکر لا کدولة تؤدی خدمة عامة.
الفرع الثانی
أزمة تطبیق الدیمقراطیة
أن عملیة الإصلاح الاقتصادی المفترضة أثناء التحول من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق تتطلب أعادة النظر بالمنظومة القانونیة والاقتصادیة کما قدمنا، إلا أن الباحثین اکدوا أن أی عملیة مشابهة لن تتکلل بالنجاح، والحقیقة أن السبب یعود لوجود أزمتین الأولى عملیة النقلة ذاتها وما یتبعها من تشریعات والتی قدمنا لها فی الفرع الأول، والثانیة تتعلق بغیاب اعتماد الروابط بین الدیمقراطیة واقتصاد السوق.
والحقیقة أن البعض یرى أن غیاب الإصلاحات السیاسیة أمرا لا صلة له بالموضوع وحجتهم استمرار ارتفاع الإیرادات المتحققة عن الصادرات النفطیة فی العراق ینعکس نظریًّا على ارتفاع دخل الفرد، ولکن یکمن خلف هذا المنطق افتراضات خاطئة عن جوهر إصلاحات السوق ومعنى الدیمقراطیة، فلا یمکن أن توجد اقتصادیات حرة فی السوق بدون أنظمة دیمقراطیة تحمى حقوق الملکیة، وتمکن من المشارکة المفتوحة فی الاقتصاد للجمیع على قدم المساواة.
ولا یمکن للدیمقراطیة بدورها أن تتحّقق فی غیاب الأسواق الحرة، لأن النظام المرتکز على اقتصادیات السوق، والحوکمة الدیمقراطیة، یکمل کل منهما الآخر ویتشارکان القیم الجوهریة ذاتها. لذلک، فالإصلاحات التی تساعد على بناء اقتصادیات السوق تعزز أیضا المؤسسات الدیمقراطیة، وتحتم سیرهما معا دون الفصل بینهما، کونهما یمثلان بشکل أساسی وجهى نفس العملة.
هذا من جانب أما من جانب أخر فان هذا الارتفاع فی أحجام المیزانیات جراء بیع النفط یتزامن مع استمرار التضخم، وتردی الخدمات، وعدم وجود تنمیة حقیقیة تُحسن من الواقع الاقتصادی، لذا فإن هذا الارتفاع لا یعنی أنها الحالة النموذجیة المطلوب تحقیقها ما لم یتم وضع الخطط الجادة لاستغلال إیرادات النفط فی تنفیذ مشاریع إنتاجیة تجلب إیرادات إضافیة عن تصنیع النفط والغاز، وإنتاج أقصى ما یمکن من المنتجات التی تجلب قیمة مضافة بعدة أضعاف عن قیمة صادرات الخامات المذکورة، وتحسن الواقع الاقتصادی والاجتماعی، بدلاً عن استهلاکها کمحروقات، واستیراد السلع الاستهلاکیة کاملة الصنع.
والحقیقة أن هذه الأزمة قد تبدو للبعض غیر ذات أهمیة أو مبالغ فی تکییفها إلا أن آنا ناغرودکیوفیتس وهی احد الباحثین فی CIPE، قد أشارت موجهة الکلام للدول العربیة فی محاولة لتوجیهها إلى تبنی إصلاحات فوریة إذ وصفت الوضع فی المنطقة عام 2008 - قبل أی صدام عسکری مسلح فی المنطقة- بأنه "یوم الدینونة" وفیه إشارة واضحة إلى أن الاستمرار فی إهمال تزاید عدد الخریجین من الجامعات والذین لا یملکون المهارات اللازمة، وتزاید النمو البشری یقابله نقص أعداد الوفیات وعدم وجود فرص عمل حقیقیة وتوظیف فی القطاع الخاص، مما یدفع نحو التوظیف الحکومی متدنی الدخل، أو جید الدخل مقابل انتشار المحسوبیة والفساد فی الحصول على الوظائف، هذا الواقع دفع الباحثة إلى افتراض انه "أذ لم یتم التصدی للبطالة بشکل فوری، فقد ینتج عن ذلک سیناریوهات معتمة من النزاعات الاجتماعیة المکثفة أو عنفاً داخلیاً" وحقیقة هذه التقاریر کانت بمثابة استقراء سابق على الأحداث التی عصفت بالمنطقة العربیة وغیرت أنظمة داخلیة وتحولت عملیة التغییر تلک إلى صراع داخلی متفاقم استمر لسنوات.
ویظهر ارتباط عناصر ثلاث مما تقدم الأول (الضغط الدیموغرافی= الزیادة المتسارعة فی السکان)، وعجز القطاع الخاص، وتقیید القطاع العام بمثابة أضلاع مشکلة واضحة تتعلق بهیکلیات إداریة ورقابیة غیر ملائمة (سواء فی إدارة مرافق الدولة، أو إدارة الخدمات، أو فی الفصل الحقیقی للسلطات) تمثل هذه المجموعة بمثابة الأرضیة الصلدة لا للهزات الاقتصادیة القانونیة إنما أرضیة صلدة لتعطل الأمن والاستقرار الاجتماعی وهی احد ابرز غایات القانون، أی بمثابة تعطیل دور القانون یقابله هذه الانهیارات المتوقعة.
مما یعنی أن هناک قصوراً و تأخرا فی وجود فعلی وحقیقی لهذه الروابط، فاقتصاد السوق لا یمکن أن ینتعش إلا وفق دیموقراطیات فعلیة لا شکلیة، فالوصف الدقیق للحالة الاقتصادیة والقانونیة فی العراق هی قطاع حکومی عاجز، یقابله قطاع خاص مقید لا یسمح له بالتحرک.
هذا الغیاب بالمقابل یؤدی إلى هروب المستثمرین فی أی مجال تحتکر فیه الدولة الخدمة أو السلعة، وذلک لعدم قدرة أی مستثمر مهما بلغ حجمه على منافسة الدولة، کون الدولة تعتمد على مصدر تمویلی بالغ الضخامة وهو الخزینة العامة مما یتیح لها القیام بای شکل من الممارسات الاحتکاریة، بالإضافة إلى مکنة الدولة على تشریع القوانین فلها أن تشرع ما یصب فی مصلحتها وتقنن بذلک احتکارها للسوق، فتصبح عملیة دخول المستثمر السوق أمراً صعباً بل مستحیلاً.
المبحث الثانی
ارتباط المرکز الاحتکاری بفکرة الاستغلال
یتحقق الاستغلال بحیازة المرکز الاحتکاری أی بالوصول إلى هذا المرکز المحتکر، والمرکز الاحتکاری أو المرکز المسیطر یعنی "قوة اقتصادیة یحوزها مشروع معین، تمنحه القدرة على وضع العوائق أمام المنافسة الفعلیة فی السوق المعنی، وتمکنه من اتخاذ القرارات من جانب واحد فی مواجهة منافسیه وعملائه وکذلک المستهلکین" وهذا تعریف محکمة العدل الأوربیة للموضوع، إلا أن جانباً أخر من الفقه یقول بارتباط المرکز المسیطر أو الاحتکاری بالاحتکار القانونی الذی یحوز فیه المحتکر مرکزه المسیطر بناءً على التشریعات واللوائح، وتعطیه حقا خاصاً لممارسة بعض الأنشطة، وهذا ابلغ توصیف للمرکز المسیطر إذ أن احتکار الدولة هو احتکار قانونی وبالتالی فهی فی مرکز مسیطر أو مرکز احتکاری.
لذا یستخدم اغلب الباحثین فی عملیات الاحتکار التی تمارسها شرکات لها ثقلها بالسوق، وکذا الدولة مثلها، لفظ الاستغلال وعادة ما یرتبط تحقق المرکز الاحتکاری للمحتکر، وفکرة استغلاله لهذا المرکز، وتتراوح فکرة الاستغلال لا حول المصطلح ذاته أی الاصطلاح القانونی إنما فی التصرف بهذا المرکز بطریقة تؤدی إلى الاستغلال وإساءة الاستعمال أو الضرر.
المطلب الأول
الأساس النظری لاستغلال المرکز الاحتکاری
اعتمد اغلب الکتاب فی نظریات الاحتکار إلى اکثر من معیار لتحدید ما اذا کان صاحب المرکز الاحتکاری یسعى إلى استغلال هذا المرکز المتمیز فی السوق من عدمه، والحقیقة أن الاهتمام بالمعیار الذی یستند إلیه المحتکر لیس لان فعل الاحتکار غیر محظور بذاته إنما المحظور هو الوصول إلى هذا المرکز الاحتکاری بواسطة أعمال المنافسة غیر المشروعة، لذا فقد حدد بعض الفقه معاییر استناداً إلى طروحات معینة سنستعرضها تباعاً، لکن وجدنا هذه المعاییر تتلخص فی مجموعة أفکار منها الاستغلال وما یؤدی إلیه من التعسف فی استعمال القوة الاقتصادیة والضرر، مع الإشارة إلى أن معیار إساءة استعمال المرکز الاحتکاری هو معیار أوربی استناداً إلى نص المادة 86 من اتفاقیة السوق الأوربیة المشترکة، فی حین أن معیار الضرر هو معیار معتمد من القضاء الأمریکی، وسنحاول طرح المفهومین لکن من وجهة نظر القانون العراقی، لان ما یهمنا لیس التطبیقات فی السوق الأوربیة أو فی قانون شیرمان الأمریکی، بقدر ما یهمنا إعادة صیاغة الفکرة بما یتلاءم مع محاولة تحجیم دور ما تفعله الدولة فی نظام اقتصادی حر وبأسلوب اشتراکی لیتکیف الفعل احتکارا فتحاسب على أفعالها کأی تاجر فرد.
وبالعودة إلى مصطلح الاستغلال الذی استخدمه الکُتاب، فهو لا یخرج عن مفهوم القانون المدنی بشکل أو بأخر إذ تعنی أن یکون العقد وسیلة أو أداة بید احد العاقدین تجاه الأخر، وبالحقیقة هو هذا ما یحدث فی عملیة الاحتکار برمتها، یصبح عقد التزوید بمثابة أداة بید الدولة ضد عموم المستهلکین من الأفراد، إلاّ أن الاستغلال المشار إلیه هو استغلال رضا المتعاقد، أی أن ساعة التعاقد یکون احد الأطراف فی موقع اضعف من الأخر، أی انه عیب یشوب الإرادة.
ویحدد اغلب الفقه عنصرین اثنین الأول مادی والثانی معنوی نفسی، فالمادی هو عدم التوازن أو التعادل بین ما یعطیه المتعاقد وبین ما یأخذه وفقاً لمعیار معین، أما العنصر المعنوی فقد حدد القانون المدنی العراقی فی المادة (125) اربع حالات منها استغلال الحاجة التی تقترب من حالة الضرورة وهو بالفعل الحال فی التعاقد مع على خدمات الماء والکهرباء، وقدد حددت المادة (125) من القانون المدنی العراقی أن جزاء الاستغلال فی عقود المعاوضات هو رفع الغبن الفاحش إلى حد المعقول من خلال زیادة التزامات احد الأطراف وانقاص التزامات الطرف الأخر، وتقدیر وجود غبن فاحش أو عدم وجوده متروک لقاضی الموضوع، کما أن المدة التی یحق له أن یرفع عنه الغبن الفاحش إلى الحد المعقول هو سنة تبدأ من وقت إبرام العقد، إلاّ انه ووفقاً للقانون العراقی فأنه لا یستطیع طلب نقض العقد، وصراحة لا نعرف کیف یتم رفع الغبن عن عدم تجهیز خدمة إلاّ لساعتین خلال 24 ساعة ثم المطالبة بدفع الأجور؟! إلاّ من خلال فکرة مفادها أسقاط الأجور عن المواطنین، أما بالنسبة لا مکانیة نقض العقد فهی واقعیاً غیر ممکنة فی عقود احتکار الدولة لهذه المرافق لان نقض العقد أو إیقاف الخدمة لا یحقق أی فائدة للمواطن مع عدم وجود البدیل، أذن حسب التسلسل المنطقی نجد أن لا یوجد ما یمنع أن یرفع المواطن دعوى استغلال ضد الحکومة المزودة للخدمات لسوء التزوید أولاً ولرفع الغبن الواقع علیه المتمثل فی أجور اشتراک عالیة مقابل شبه توقف للخدمة.
لذا نرى أن توجه اغلب الفقه لاستخدام مصطلح الاستغلال هو لیس الاستعمال الدقیق للکلمة، بل استخدمت محاکاةً للمشرع الأمریکی مما یولد صعوبة فی تطبیقها فی أنظمة القانون المدنی (Civil system law)، لذا نجد أن استغلال المرکز الاحتکاری لا یخرج عن فکرتین أحداهما مکملة للأخرى أو تحتوی الأخرى، وهما التعسف فی استعمال المرکز الاحتکاری، ومن ثم إساءة استعمال المرکز الاحتکاری، وکلاهما من تطبیقات المواد 6 و7 على التوالی من القانون المدنی العراقی رقم 40 لسنة 1951، وحسب التقسیم الاتی:
الفرع الأول : التعسف فی استعمال القوة الاقتصادیة
الفرع الثانی: إساءة استعمال المرکز الاحتکاری
الفرع الأول
التعسف فی استعمال القوة الاقتصادیة
التعسف فی استعمال القوة الاقتصادیة لا یخرج حقیقة عن وجود مکنة لصاحب هذه القوة الاقتصادیة تمکنه من التعسف ویرى بعض الفقه انه تعسف "موقف" الذی یُمکن طرف فرض شروطه على الطرف الأخر ویقربه البعض من فکرة التغریر إذ تعد تصرفات الطرف الأقوى تجاه الأضعف تصرفات غیر أمینة واستغلاله الواضح لضعف وقصور الطرف الضعیف ولا یرتبط هذا التعسف بضخامة المشروع الاقتصادی، فضخامة المشروع لا تعنی نفوذه فی السوق لان اغلب المشروعات الکبرى تحاول الابتعاد عن أی تصرفات احتکاریة خوفاً على سمعتها التجاریة، فی حین قد تمارسه مشروعات صغیرة لها نفوذ فی أنتاج نوع معین من السلع.
والفکرة المطروحة مقبولة من حیث أن حجم وضخامة المشروع لا تعنی حکماً ارتباطه بالاحتکار لان الفکرة التی تعتبره "تعسف موقف" لا نؤیدها لأنه تعسف سلوک ناتج عن إدارة المرفق ویبتعد عن التغریر الذی یحمل فی طیاته معنى الغش وهذا المفهوم فیه ابتعاد عن فکرة الاحتکار.
أما التعسف فی استعمال الحق، فاللفظ بالأساس کان الخطأ فی استعمال الحق، ولما کانت کلمة الخطأ تعنی انحراف الشخص عن السلوک المألوف، فهذا یعنی أن صاحب الحق اخطأ فی استعماله لحقه، فأضر بالأخرین مما یوجب القانون التعویض، وهذا الأمر فیه تطبیقات عدیدة فی الأنظمة الأنجلو-سکسونیة وکذلک فی الشریعة الإسلامیة، ویفهم إمکانیة سحب هذا المفهوم على التاجر أو الشرکة المُحتکرة لکن السؤال هل یمکن سحبه على الدولة المحتکرة وهل الحق الذی تمتلکه الدولة حقاً یمکنها من أن تتعسف فیه أم انه واجب تخرقه؟
وقبل التفصیل فی وجهة النظر هذه لا بد أولاً من سحب هذه الفکرة على المحتکر ثم تکییفها على الدولة، إذ تعد فکرة التعسف فی استعمال الحق من اهم تطبیقات فکرة الخطأ فی استعمال الحق، إذ نصت المادة (6) من القانون المدنی العراقی رقم 40 لسنة 1951 "الجواز الشرعی ینافی الضمان فمن استعمل حقه استعمالاً جائزاً لم یضمن ما ینشأ عن ذلک من الضرر"، وأضافت المادة 7 من القانون المدنی العراقی صوراً لهذا التعسف منها "أن لم یقصد بهذا الاستعمال سوى الأضرار بالغیر".
وقد حدد الدکتور منذر الفضل معاییراً تکشف عن أن صاحب الحق متعسفاً فی حقه منها عدم التوازن بین مصلحة المالک والأضرار التی تصیب الغیر، ویورد تطبیقاً من الفقه الإسلامی منها احتکار سلعة أو بضائع استهلاکیة فی السوق وصولاً إلى تحقیق الربح، فالمحتکر یعد متعسفاً فی استعمال حقه، وتعد هذه الصور مخالفة للغایة الاجتماعیة للحق، وهی استعمال الحق بطریقة تسبب ضرراً لا للأشخاص فحسب، إنما ضرراً بمصلحة المجتمع، کما یدرج الدکتور الفضل حالات أخرى للخروج عن الحق کالمنافسة غیر المشروعة. والحقیقة أن هذه الفکرة تتماشى مع تعریف قانون المنافسة ومنع الاحتکار العراقی رقم 14 لسنة 2010 إذ اکد فی تعریفه للاحتکار على نتیجة مهمة إلاّ وهی "الحاق الضرر بالمجتمع".
کما یورد الدکتور الفضل حالات یکون للقانون سلطة نزع ملکیة الأفراد أن ما تضاربت مع مصلحة المجموع، وان کان نزع الملکیة تحقیقا للنفع العام، باعتبار أن النفع العام أولى بالرعایة، وهنا من حقنا طرح التساؤل الاتی إلاّ یفترض النفع العام وتحقیقه نزع ید الدولة عن أدارتها لمرافق خدمیة هی غیر قادرة على أدارتها، ما دامت تضر بالنفع العام، وأثبات أنها تضر بالنفع العام لا تعدو اکثر من کونها وقائع مادیة یسهل أثباتها، فانقطاع التیار الکهربائی لعشرین ساعة مقابل تجهیز لأربع ساعات هو بالتأکید أوضح صور الإضرار بالمصلحة العامة.
وان کان بعض الفقه یبرر لتدخل الدولة فی النشاط الاقتصادی هو ضمانة للمنفعة أو المصلحة العامة، نجد انه لا ینکر فی ذات الوقت أن مصطلح المصلحة العامة فکرة واسعة یختلف تحدیدها تبعا للمعیار الموضوعی أو التنظیمی الذی ترتکز علیه هذه المصلحة مما یضفی نوعاً من الغموض فی تحدید أبعاد نطاق ممارسة الدولة لنشاطها التجاری والاقتصادی، وان کانت تخضع للقانون التجاری استثناءً فالأولى أن تخضع لما یخضع له التجار من أفعال الاحتکار، وتُحترم سیادتها بان لا تخضع للإفلاس، وحتى فکرة الإفلاس رغم حرجها إلا أن إفلاس مشروع تدیره الدولة لا یعنی حتماً إفلاسها ذاتها، وان کانت تخشى على سیادتها إلى هذا الحد کان الأولى بها عدم الخوض فی أمور التجارة والاقتصاد إلاّ بحد التنظیم والإشراف کما تفعل الدول ذات الاقتصاد الحر، والتی یدعی الاقتصاد العراقی انه یسیر على منهجها.
وبالعودة إلى الفکرة الأولى المطروحة حول التعسف فی استعمال الحق الذی یسبب ضرراً للأخرین نجد اثرها فی فکرتی الاحتکار التی طرحهما الفقه فی بحثه فی موضوع الاحتکار بصورة عامة الأولى الإساءة أو التعسف فی استخدام المرکز المسیطر أو المرکز الاحتکاری، إذ تعنی قصر المنافسة أو تقییدها أو الإضرار بها، وبالترکیز على إیضاح معنى تعریف إساءة استعمال المرکز الاحتکاری أو التعسف فی استعماله والتی أوردتها محکمة العدل الأوربیة فهو "سلوک" مما یعنی أن طابع الإساءة أو التعسف هو طابعاً موضوعیاً ولیس شخصیاً، أی یأخذ بالحسبان سلوک وتصرفات المشروع مستبعدا ما یرتبط بالتاجر کشخص، وحقیقة هذا ما نسعى للوصول إلیه فالسعی إلى تحلیل سلوک الدولة على انه فعل احتکاری ضار یمس السلوک ذاته لا یمس شخص الدولة الخاص الاعتباری، فکما تمارس الدولة التجارة کسلوک ویخضع لأحکام قانون التجارة دون إخضاعها للإفلاس یشبه إلى حد کبیر التعامل بمعیار موضوعی مع سلوک الدولة التجاری، دون محاکمتها عن شخصها بإعلان الإفلاس، مع تحفظنا أن الإفلاس سیمس مشروع تدیره الدولة وبالتأکید هو لن یمس سیادتها. فی حین یتجه القضاء الأمریکی کما أورد الدکتور الملحم إلى اعتماد معیار الضرر أو اثر الفعل کدلالة على إساءة استعمال المرکز الاحتکاری.
فی حین یرى جانب أخر من الکتاب أن الاعتراف بسلطة الاحتکار المتحققة عن المرکز الاحتکاری بطبیعتها غیر مرغوب فیها، بغض النظر عن أی سوء استخدام لهذه السلطة، وان مجرد امتلاک القوة الاحتکاریة هو امر غیر قانونی، سواء أن تم الاستحواذ على هذا المرکز أو السلطة بقصد أو بدون قصد، ویذکر أمثلة فی مواقف القضاء الأمریکی فی بعض القرارات منها:
(United States v. Aluminum Co. of America) (American Tobacco Co. v. United States) (and United States v. Griffith).
أما أن کانت الدولة تخرق حقاً بالتصرف بهذا الحق فی غیر أوجهه المقررة، فأننا نرى بأنه من الأحرى القول أن الدولة علیها واجب إدارة هذا المرفق دون تملکه، فأن لم تتمکن من أدارته فعلیها أن تحیله إلى القطاع الخاص والاکتفاء بمهام الأمن والدفاع.
الفرع الثانی
إساءة استعمال المرکز الاحتکاری
ینطلق اغلب الفقه عند الحدیث عن إساءة المرکز الاحتکار إلى الممارسات التی یسلکها المحتکر والتی تعد إساءة فی استعمال المرکز الاحتکاری، وان مفهوم الاستغلال والإساءة یکاد یتوحد وان القصد منه التعسف أو الاستغلال کمفاهیم قانونیة فی القانون المدنی للتعبیر عن صور أو أشکال لإساءة الاستعمال وهی فی بعض الأحیان بعیدة عما جاء فی القانون المدنی کمعنى حرفی.
کما ونجد أن القفز إلى التطبیقات هو تحصیل حاصل سنتولاه فی المطلب القادم إلا أن مصطلح الإساءة أو التعسف هو تطبیق من تطبیقات الخطأ فی القوانین المدنیة أی رکن من أرکان المسؤولیة التقصیریة، فی حین أن الاستغلال هو عیب من عیوب الإرادة.
أما فی القانون المدنی العراقی فأن مفهوم الإساءة مرتبط بفکرة التعسف حتى أن اغلب الباحثین یعتبرها بدیلاً عنه إذ یشیر إلى التعسف أو الإساءة، والحقیقة لو أن کلا المفهومین متشابهین لما تم الإشارة إلیهما بنصین مختلفین، إذ أن نص المادة 6 یتحدث عن استعمال الحق استعمالاً جائزاً، أما المادة 7 فتتحدث عن استعمال الحق استعمالاً غیر جائز، أی خارج عن اطار الاستعمال الطبیعی للحق، وهذا ما نصت علیه المادة 7 من القانون المدنی العراقی 40 لسنة 1951 إذ حددت بالقول: "1 – من استعمل حقه استعمالا غیر جائز وجب علیه الضمان. 2- ویصبح استعمال الحق غیر جائز فی الأحوال الأتیة:- أ: اذا لم یقصد بهذا الاستعمال سوى الإضرار بالغیر. ب: اذا کانت المصالح التی یرمی هذا الاستعمال إلى تحقیقها قلیلة الأهمیة بحیث لا تتناسب مطلقا مع ما یصیب مع ما یصیب الغیر من ضرر بسببها. ج : اذا کانت المصالح التی یرمی هذا الاستعمال إلى تحقیقها غیر مشروعة".
ونرى رغم ما قدمه کتاب الاحتکار من صور ومظاهر للاستغلال إلا انهم ذکروا صوراً منها تقسیم أسواق المنتجات أو الاتفاقات الخاصة بالمناقصات والمزایدات، أو اتفاقات رفع وخفض الأسعار، الاستبعاد للمنافسین أو منع دخولهم للسوق، فهذه المظاهر لیس إلا مظهرا من مظاهر التعسف فی استعمال الحق، وهی من تطبیقات الخطأ کما قدمنا، أی أن الدولة أو الحکومة فی موقع احتکار قانونی حازته بناءً على امتیازات ممنوحة منها لنفسها أو من تخوله الاحتکار بدلا عنها، فتعسفت فیه، أی أنها فی علاقة تقصیریة أحدثت أضراراً من دون وجود علاقة عقدیة، فاستخدمت سیطرتها على المرکز الاحتکاری بطریقة مباشرة حقها المنوط بالمصلحة العامة فخرجت عنه لیصبح تعسفاً، ویؤید الدکتور احمد الملحم هذه الفکرة فیعتبر استغلال المرکز الاحتکاری هو تعسف فی استعمال الحق وان الحق الذی تعسف فیه هو "الحق فی العمل" واعتبره صورة خاصة من صور التعسف وتنطبق على المحتکر دون غیره لان لدیه موقعاً یتمتع به ویسیء استغلاله، ویبرر لفکرته انه ینطبق أی إساءة المرکز الاحتکاری على التعسف فی انهما ینطبقان على الخطأ العقدی والتقصیری.
إلا أننا لا نؤید هذه الفکرة أجمالاً فالدولة فی حالة عقد وهو عقد إذعان ونرجح أن ما فعلته الحکومة فی هذا العقد هو استغلال ضعف المتعاقد وحاجته، فالاستغلال اکثر ملائمة لطبیعة علاقتها بالمستهلکین من المواطنین، وان کان الدکتور منذر الفضل قد أورد تصرفات الاستغلال ضمن العلاقة التقصیریة فعده تعسفاً فی استخدام الحق، إلا أننا نرى انه لیس حقاً طالما انه منوط بالمصلحة العامة فالدولة لها حق إدارة واستغلال المرفق العام ولکنها ضمناً لا تملکه فهی تنظم أدارته لا ملکیته لان ملکیته ضمناً تعود للشعب أی للمجموع ولیس لها إلا حق إدارة.
وقد ذهب إلى هذا الاتجاه جانب من الفقه إذ انکر التعسف فی استعمال الحق، ولاعتبار التصرف تعسفا من عدمه افترض معیارین جدیدین الأول النفوذ الاقتصادی والثانی المیزة الفاحشة، فالأول یرکز على انه یلجأ صاحب الموقع الأقوى إلى وسائل غیر أمینة تؤدی إلى استغلال الضعف الاقتصادی للمذعن المستهلک، مع هذا یعتبره معیار غامض لعدم اقتران النفوذ بالقوة وعظم الشأن فهو لیس مرادفاً لها، ولا تقاس نفوذه بالحجم، أما المعیار الثانی فهو المیزة الفاحشة وهذا المعیار قائم کنتیجة ومحصلة للنفوذ الاقتصادی ویرى انه لا یمکن لاحد المعیارین أن ینجو دون التشبث بالأخر.
وهذا الکلام منطقی فالدولة الآن مثلا فی العراق لیست فی وضع قوة اقتصادیة إلا أنها تمتلک حصریة فی استغلال وتشغیل المرفق العام رغم ضعف إنتاجها وتراخی مؤسساتها واندثار اغلب مرافقها إلا أن مصدر النفوذ هو احتکار قانونی منحها هذا النفوذ الذی عُزِّزَ بمیزة فاحشة بان تفرض ما تشاء من الشروط دون قدرة حقیقیة على الحصول منها على أی خدمة حقیقیة.
المطلب الثانی
مظاهر استغلال المرکز الاحتکاری واثره
قدمنا أن الکتاب فی موضوع الاحتکار قد افترضوا عدة مظاهر لاستغلال المرکز الاحتکاری، وحدد البعض الجزاء بالفسخ أو الإعفاء من الشروط التعسفیة أو تعدیلها، وسنبحث الفکرتین على التوالی:
الفرع الأول
مظاهر استغلال المرکز الاحتکاری
ذکر الفقه العدید من الممارسات التی توصف بانها مظاهر استغلال المرکز الاحتکاری أو حتى أنها صور له کالمقاطعة التجاریة والتی هی احد الصور التی أوردها القانون الأمریکی، وخصوصاً من المحتکر الطبیعی (أو القانونی) ویلاحظ أن فی الحالة الثانیة تصدی المحکمة للمحتکر الطبیعی من خلال أنهاء حالة الاحتکار والسماح للمنافسین التعامل معه وعدم حجب المنتج وهذا ینطبق تماماً على الدولة بالسماح للقطاع الخاص بالمشارکة فی إدارة المرافق العامة وان لا تحد هذه المشارکة بعدد قلیل أو محدود والا ستخلق احتکاراً ثانیاً، وإنما من خلال منح هذه المرافق لإدارتها من قبل حد ادنى من الشرکات کأن یکون (8) شرکات متوسطة الحجم والإمکانیة، أو تنویع المنتج کاستخدام مصادر متعددة لإنتاج الکهرباء مثلا کالطاقة الخضراء أو الطاقة المتأتیة من الریاح أو من تدفقات المیاه إلى أخره.
أما الصور الاحتکاریة التی أوردها القانون الأوربی کما هو حال قوانین أخرى فهی البیع أو الشراء بأسعار تعاقدیة غیر عادلة، وخفض کمیة الإنتاج أو الحد من الأسواق أو الحد من التطور الفنی إضرارا بالعملاء، کما التمییز فی التعامل بین المتساویین، وتتعلق الصور التی وضعها القانون الأوربی اکثر بالمستهلک لذا نبتعد عنها وان کانت الدولة حسب فکرتنا تضر بالمستهلک للخدمة أو إدارة المرفق العام، إلاّ أن اصل المشکلة فی احتکار الدولة لهذا المرفق وعدم السماح لأشخاص فاعلین فی القطاع الخاص من أدارته.
أما بعض التشریعات العربیة فقد أوردت صوراً أخرى مثل الاتفاقیات المحظورة بین مجموعة محتکرین، کالاتفاقیات الرأسیة والأفقیة، والاستبعاد وتقسیم أسواق المنتجات وتخفیض الأسعار أو تحدید سعر متدنی عند زیادة الأسعار أو تثبیت وفرض الأسعار دون ربطها بالطلب والعرض، وإبرام اتفاقیات لاستبعاد منافسین جدد أو منع دخولهم وصورا أخرى عدة.
ونجد أنه عند الإقرار بسلوک الدولة کمحتکر عند تصرفها بوجه من الأوجه بأحد هذه الصور من دون قصد تحقیق المصلحة العامة، بل تمت الإدارة بسوء نیة فیمکن حینها أن تتهم إدارات الدولة بممارسات احتکاریة، وخروجها عن الهدف الذی احتکرت فیه المرفق العام، والحقیقة لا نجد حرجاً فی أن یطالب القضاء برفع ید السلطة التنفیذیة عن إدارة معینة اذا کانت هذه السلطة لا تدیر هذا المرفق بحسن نیة منذ عشرین أو ثلاثین سنة والأمر فی غیر حاجة مطلقاً للبینة أو للإثبات بل انه من میزات الدیمقراطیة هو فصل السلطات وانه لا یمکن القضاء على الاحتکار إلا من خلال العمل بالأسس الصحیحة للدیمقراطیة التی جاءت مع التغیر الاقتصادی.
الفرع الثانی
اثر استغلال المرکز الاحتکاری
هل یقع جزاء على الدولة أن ما قامت بالأفعال الاحتکاریة؟ قد یشق هذا السؤال على دول کانت ذات اقتصاد مقید وترى من تدخل الدولة أمراً لا مناص منه وان أخطأت فی الإدارة فهی الدولة وتدخل بسیادتها إلى التجارة، وان تم اتخاذ أجراء فهی لا تعدو أن تکون إجراءات محاسبة إداریة وهی غیر کافیة، ویعزز هذا الرأی بعض الکتاب بالقول أن الإدارة فی حالة العقود الإداریة على سبیل المثال والتی اغلبها ابرم لإدارة مرفق عام فالإدارة تملک بنفسها سلطة إیقاع الجزاءات على المتعاقد معها أن کان من القطاع الخاص، فهی الخصم وهی الحکم وهذا خرق واضح لمبدأ أساسی ألا وهو العقد شریعة المتعاقدین، کما أن الضرر الذی تفترضه الإدارة هو ضرر مفترض لا تحتاج لإثباته، کما لا تحتاج لفرض جزاءات على هذا الضرر المفترض اللجوء للقضاء!
وان کان والحال هکذا فهی تنأى بنفسها أن ما أخطأت فی إدارة المرفق العام أو أضرت من الخضوع لسلطة القضاء، فلابد من أن تتعامل الدولة أن ما دخلت النشاط الاقتصادی والتجاری على قدم المساواة مع المشاریع الخاصة والمستثمر الأجنبی فإذا احتکرت احتکاراً سلبیاً حالها حال القطاع الخاص أو المستثمر الأجنبی فلها أن تتخذ بحقها الإجراءات ذاتها التی تتخذ بحق أشخاص القانون الخاص ولا شیء یمنع هذا بالمنطق البسیط للأمور لأنها خرجت عن وضیفتها الحارسة وتدخلت فی الاقتصاد وشؤون التجارة.
ویفترض دکتور احمد الملحم صوراً وان کان مصدرها التشریع الکویتی إلا أنها لاتزال بالنسبة لنا صوراً مفترضة لما یتعرض له المحتکر من جزاءات أن ما سلک السلوک الاحتکاری، وخصوصا أمام واقع عدم امتلاکنا لأی قرار یخص احتکار الدولة أو احد شرکائها من القطاع الخاص الذین أعطتهم احتکاراً باسمها وتحت حمایتها وبکل ما تملکه من نفوذ، وهذه الجزاءات هی التعویض أو تعدیل الشروط التعسفیة أو الإعفاء من هذه الشروط، ونجد أنها تتعلق بالمستهلک البسیط الذی یجد نفسه فی عقد احتکاری کعقود الإذعان، وبالعودة إلى قانون التجارة العراقی فان دکتور باسم صالح یستخدم اللفظ الاتی لیصف دور الدولة فی التجارة والنشاط التجاری والاقتصادی فی العراق والذی لا زال ساری المفعول بسبب عدم تغییر التشریعات الداخلیة بما یتماشى مع الدستور بالقول "یهیمن القطاع التجاری الاشتراکی على اهم المفاصل الرئیسیة والحیویة للنشاط التجاری فی القطر".
وربما هناک قائل یقول أنها أی الدولة عندما وسعت من نشاطها إلى هذا الحد کانت قادرة على تحمل أعباء هذا التوسع، وان کان الکلام مقبولاً على نحو معین إلا أن مؤسسات الدولة وهیئاتها تحولت إلى هیاکل قابلة للاندثار وضعفت کل إمکانیاتها التجاریة والاقتصادیة وحتى المهنیة منذ العام 1991 وکان الأولى بها منذ ذلک التاریخ السماح لیتولى عنها القطاع الخاص بعض الأعباء إلا أنها بقیت متمسکة بهذه الأعباء رافضة التنازل عنها أمام خدمات وصلت إلى حد الانعدام، وبمراجعة القانون التجاری وغیره من القوانین فان شراح القانون التجاری العراقی لا ینکرون اکتساب الدولة لصفة التاجر، لکنهم یعطفون بالقول "بالقدر الذی لا یتعارض مع طبیعة الخدمات التی تؤدیها" أی ارتباطها بالمصلحة العامة، فهی تاجر ولا تخضع للإفلاس وهذا إلى حد ما مقبول أن لا تخضع للإفلاس وإلى إنهاء حیاتها لوجود توجه عالمی إلى التأسیس لفکرة دیمومة الشرکات، المسألة التی تدق هنا عدم وجود نظام محاسبة فالذی أشار إلیه دکتور باسم صالح هو مجرد رقابة إداریة من السلطة التنفیذیة أی أن الدولة تنشأ مشروعاً تجاریاً وتراقب نفسها بنفسها، من دون أن نجد أثراً لعقوبات أو تسجیل مخالفات ارتکبت أو تم المحاسبة علیها فی غیر نطاق العقوبات التأدیبیة والإداریة المعروفة، وان تمت الملاحقة الجزائیة فهی لموظفی هذه الشرکات نتیجة لخرقهم تعلیمات إداریة بحتة وضعتها أیضاً الدولة، وببساطة فان الدولة هی الخصم والحکم فی مشاریعها، تلکؤ وخسارة المشاریع هی أمور رقابیة إداریة لا علاقة لها بقانون المنافسة أو حمایة المستهلک، تردی الخدمة أو السلعة وعدم جودتها هی أیضاً أمور إداریة تخضع لرقابة الدولة بصفتها التنفیذیة ولا تخضع للقضاء ولا یحق للقضاء نظرها إلا فیما تکلفه الدولة النظر فیه من عدمه.
لذا لا نقترح جزاءً على احتکار الدولة، فی حال بقائها تمارس النشاط التجاری فعلیها أن تتخلى عن سیادتها وتتعامل کتاجر فهی فعلیاً تاجر فی القانون العراقی إلا انه تاجر محمی من المسائلة ومن الخضوع لسلطة القضاء، وقد حمت نفسها بنفسها ونأت عن الخضوع لسلطة القضاء بواسطة تشریعاتها.
الخاتمـة
بعد کل هذه الطروحات التی تبدو غریبة نوعاً ما وخصوصاً على دول مشبعة بثقافة تدخل الدولة فی النشاط التجاری منعدم المحاسبة، وهذا التدخل لا زال مستمرا رغم التحول الفعلی لاقتصادیات هذه الدول من اقتصاد موجه إلى اقتصاد حر وأمام محاولتنا لإبقاء الدولة تاجراً کما تدعی فی تشریعاتها وإخضاعها لما یخضع له التجار فی تعاملاتهم دون تعریضها للإفلاس، وإنما سعیاً لرفع نوع الخدمات التی تقدمها، وحمایة لحقوق المواطنین-المستهلکین فی خدمة ملائمة وعدت الدولة من خلال إدارتها لهذا المرفق أو ذاک بتوفیرها. نجد أننا نصل للاستنتاج التالی
- الزام الدولة بفکرة إقرارها بما یخص المشاریع التی تدیرها بصفة التاجر، على أن لا یمنع هذا من خضوعها للقضاء کما یخضع باقی التجار له، والقول بإفلاس المشروع من دون إفلاس الدولة، کما أن عدم استثنائها من المحاسبة على سوء إدارة تلک المشاریع، وسحب یدها من إدارتها ودفعها بحکم قضائی إلى جهات أخرى تقوم بإدارتها على أن یشرف القضاء على العملیة وخصوصا بعد فشل الدولة فی أدارة هذه المرافق رغم مرور سنوات عدیدة لم تستطع أن تثبت إمکانیتها على إدارتها بالحد الأدنى المطلوب.
اقتراحات وحلول:
1: تعدیل نص المادة 3 من قانون المنافسة ومنع الاحتکار رقم 14 لسنة 2010، والمنشور بالوقائع العراقیة، العدد 4147 فی 9/3/2010، والتی تنص على "أولا : تسری أحکام هذا القانون على أنشطة الإنتاج والتجارة والخدمات التی یقوم بها الأشخاص الطبیعیة والمعنویة داخل العراق کما تسری أحکامه على أیة أنشطة اقتصادیة تتم خارج العراق وتترتب علیها أثار داخله .ثانیا : تستثنى من حکم البند ( أولا ) من هذه المادة القرارات التی تصدرها وزارة الصناعة والمعادن ووزارة التجارة بناء على تخویل من مجلس الوزراء فی تحدید أسعار السلع والخدمات الأساسیة بناء على قیام ظرف استثنائی طارئ وللمدة التی یتطلبها الظرف المذکور" وذلک من خلال إضافة الدولة حین ممارستها للنشاط التجاری بوصفها شخص معنوی إلى قائمة الأشخاص الطبیعیة والمعنویة التی تسری علیهم أحکام هذا القانون فی حال ممارستها لأی فعل احتکاری، وذلک لعدم وجود أی مبرر قانونی یمنع من محاسبة الدولة فی حال ممارستها لذات الأفعال التی یمنع من ممارستها القطاع الخاص، والتی جاءت بنص صریح فی القانون ذاته عند تعریفه للاحتکار فی المادة الأولى منه وفی فقرته الثانیة بکونه "کل فعل أو اتفاق أو تفاهم صدر من شخص أو أکثر طبیعی أو معنوی أو ممن توسط بینهم للتحکم بالسعر أو نوعیة السلع والخدمات بما یؤدی إلى إلحاق الضرر بالمجتمع"، فاذا ما دخلت أی من تصرفات الدولة تحت خانة الحاق الضرر بالمجتمع خضعت لذات القانون وأحکامه، دون تمییز بصفتها تاجرا.
2: نقترح إصدار تشریع یمنع الدولة فی وضعها الحالی من اللجوء إلى خیار الخصخصة دون رؤیا استراتیجیة واضحة خصوصا بعد فشل هذه الوسیلة فی اغلب الدول ذات الاقتصاد المتحول من اقتصاد مقید إلى اقتصاد حر، إذ کل ما ستفعله الخصخصة هو نقل الاحتکار من الحکومة إلى القطاع الخاص، أما الإجراءات التی تتبعها الحکومة حالیا فی قطاع الکهرباء والماء هو إعادة منهجه عملیة الجبایة الحکومیة بان تعهد إلى شرکات قطاع خاص تولی هذه العملیة، من خلال وضع أجهزة دقیقة فی قیاس الاستهلاک وتحدید سعر حکومی موحد تقوم الشرکة الخاصة بجبایته نیابة عن الحکومة التی فشلت فی عملیات الجبایة والملاحقة، إذ تکفل عملیة الجبایة من خلال مقاییس دقیقة على توفیر نسبة من هدر الطاقة الذی یعانیه العراق منذ سنوات، إذ تؤکد جهات حکومیة أن کمیة الإنتاج ذاتها وما تفعله شرکات الجبایة الخاصة هو ضبط نسبة الهدر، وهو أجراء یمثل حلا وسطا لتقلیل منسوب الهدر لکنه لا یحل الأزمة التی یعانیها قطاع الکهرباء والماء من قدم الشبکات واعتماد منظومات قدیمة تعمل على أنواع من الطاقة عالیة الکلفة.
3: تفرض المنظمات الدولیة التی تناقش ثقافة الانتقال من نظام اقتصادی إلى أخر، فکرة جدیدة حول مفهوم العدالة الاجتماعیة التی کانت تسعى وترسخ له الثقافة الاشتراکیة بالقول وببساطة أن العدالة الاجتماعیة لا تتحقق إلا من خلال الحق فی الاستثمار، وحتى أنها تصف الفکرة بأنهما وجهات لعملة واحدة
"العدالة الاجتماعیة والحق فی الاستثمار یشکلان وجهین لعملة واحدة تتمثل فی البنى المؤسسیة التی تجعل من آلیات اقتصاد السوق آلیات مثمرة تنعکس نتائجها الإیجابیة على معظم المواطنین"، فاذا منحت الدول مواطنیها حق المشارکة فی الحیاة الاقتصادیة والتجاریة فهی بذلک تکون حققت وبطریقة عملیة العدالة الاجتماعیة من خلال منح الفرص لا من خلال تقدیم خدمات بأسعار زهیدة مع انعدام فعلی وواقعی للخدمة.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English)
List of references: In Arabic
A: Books
1. Ahmed Ibrahim Hassan, Law Intensive Study in the Philosophy of Law, University Press House, 2000, Alexandria.
2. Ahmed Talal Abdul Hamid Al-Badri, the base of the contract of the law of the contracting in the field of administrative contracts, 1, Adnan Publishing House and Library, 2013, Baghdad.
3. Ahmed Abdulrahman Al-Mulhim, Monopolies and Monopolies, Kuwait University Press, 1997, Kuwait.
4. Osama El Sayed Abdel-Samie, The Economic Effects of Monopolistic Practices, 1, Nass Press, 2015, Cairo.
5. Basem Mohammed Saleh, Commercial Law Section I, Dar al-Hikma Publications, 1987, Baghdad.
6. Jassem Mohammed Al-Rashed, The Manifestations of Monopolistic Behavior and its Control Mechanisms in the Kuwaiti and Egyptian Laws, 1, The Committee of Authorization, Arabization and Publishing, 2016, Kuwait.
7. Hussein Mohamed Fathy, Monopolistic and Analytical Business Practices, Study of the Arab Renaissance, Publication Year, Cairo.
8. Hamdi Abdel Rahman, The Mediator in the General Theory of Obligations, The First Book, The Voluntary Sources of Obligation, The Contract and the Individual Will, 1, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, 1999, Cairo.
9. Khalil Victor Tadros, the dominant center of the project in the light of the laws of protection of competition in monopolies - comparative study, Dar al-Nahda al-Arabiya, 2007, Cairo.
10. Said Saad Abdel Salam, The Aggregate Balance in the Scope of Contracts of Compliance, Dar al-Nahda al-Arabiya, 1998, Cairo.
11. Sulaiman M. Al-Tamawi, The Theory of Abuse of Power (Deviation of Power), I 2, Dar Al-Fikr Al-Arabi, 1966, Cairo.
12. Samir Abdel-Sayed Tannago, Sources of Commitment, 1, Al-Wafa Library, 2009, Alexandria.
13. Abdul Hai Hijazi, The Theory of Truth, II, Dar al-Kitab al-Arabi, 1952, Cairo.
14. Abdel Moneim Mousa Ibrahim, Consumer Protection, I, Halabi, 2007, Beirut.
15. Ghani Hassoun Taha, Brief in the General Theory of Commitment, Sources of Commitment, Al-Ma'arif Press, 1971, Baghdad.
16. Lina Hassan Zaki, Law on the Protection of Monopolistic Competition, International Library for Publishing and Distribution, 2015, Cairo.
17. Mohamed Hussein Mansour, The Theory of Truth, New University House, 2009, Alexandria.
18. Mahmoud Jamal Al-Din Zaki, Al-Wajiz in the General Theory of Obligations in Egyptian Law, vol. 3, Cairo University Press, 1978, Cairo.
19. Mustafa Al-Auji, Civil Law (Contract), Part One, Fifth Edition, Halabi Publications, Beirut.
20. Munther Al-Fadl, The General Theory of Obligations A Comparative Study between Islamic Jurisprudence and the Civil Status Laws, 1, 3, Dar Al-Thaqafa Publishing House, 1995, Amman.
21. Nabil Ibrahim Saad, The General Theory of Commitment, Sources of Commitment, C1, Dar El Maaref Establishment, 2001, Alexandria.
22. Al-Haytham Omar Salim, Consumer Protection from Monopolistic Practices between Conventional Safeguards and Specialized Guarantees, 1, Dar Al-Nahda Al Arabiya, 2013, Cairo.
B: Research and Studies:
1. Ahmed Abdel Wahab, Economic Effects at the State Level, published by the Egyptian Center for Policy Studies, Cairo, without publication year.
http://ecpps.org/attachments/article/273/pdf
2. Anna Nagrudkoevitz, The Challenges of Reform in the Middle East and North Africa, International Center for Enterprise Edition, Economic Reform Bulletin, February 2008.
3. The 2002 Human Development Report of the United Nations Program, the Arab Fund for Economic Development, and the Regional Office for Arab States, Amman, 2002.
http://www.un.org/en/esa/ahdr/pdf/ahdr02/AHDR_2002_Complete.pdf
4. Human Development Report 2009, United Nations Development Program, Regional Office for Arab States, Beirut, 2009.
http://www.un.org/en/esa/ahdr/pdf/ahdr09/AHDR_2009_Complete.pdf
5. Hussein Ajlan Hassan, Public Sector in Iraq between the necessities of development and liberalization of privatization, Journal of Baghdad College of Economic Sciences, No. 11, 2006.
6. Guide to Corporate Governance for Family Businesses in Palestine, issued by the Palestinian Governance Institute, Nablus, 2014.
https://www.cipe-arabia.org/files/pdf/Corporate_Governance/Corporate_Governance_Manual_for_Palestine_Family_Firms.pdf
7. Shehab Hamad Sulaiman, The Problem of Privatization and its Implications in Improving Performance Efficiency (An Analytical and Applied Study), Anbar University Journal of Economic and Administrative Sciences, No. 2, 2006.
8. Amer Issa Al-Jawahiri, Prospects for Investment and Industrial Development in Iraq, issued by the Center for International Private Enterprise, Washington, without a publication year.
http://cipe-arabia.org/component/abook/?view=author&id=286&Itemid=102
9. Social Justice and the Market Economy, a study published by the Center for International Private Enterprise, Cairo, 2017.
http://cipe-arabia.org/publications/2011-12-08-12-54-48/1305-cipe-in-20-years-social-justice-and-free-market
10. Ali Khudair Karim, privatization and the necessities of transformation of the Iraqi economy, Qadisiyah Journal of Administrative Sciences, Volume XII, No. II, 2010.
11. Trade Regulation Law No. (20) of 1970, Study prepared by the Center for International Private Enterprise, 2020, issued by the Center for International Private Enterprise cipe, Washington, without a publication year.
http://www.cipe-arabia.org/files/pdf/Democratic_Governance/Iraq_2020_Policy_Paper_Iraq_Trade_Regulation_Law.pdf
12. Amnesty International Annual Report on Iraq, published on the organization's website in Arabic, available on 18/7/2018. And on the link:
https://www.amnesty.org/en/countries/middle-east-and-north-africa/iraq/report-iraq/
13. The Commercial Names and Commercial Register System No. 6 of 1985, A Study of the Numbers of the Center for International Private Enterprise in Cooperation with the Iraq 2020 Caucus, published by CIP, Washington, DC, without publication year.
https://cipe-arabia.org/search_gcse/?q
14. Al-Haytham Omar Salim, Consumer Protection from Monopolistic Practices Leading to Compliance, Research published in the Journal of Law, University of Bahrain, vol. 10, no. 2, 2013.
A: Messages and Notes:
1. Ben Tito Amal, Consumer Protection from Monopoly in Islamic Law and Positive Law, Master Thesis submitted to the Faculty of Law, Ben Ancon University, Algeria, 2010.
2: References in English:
1. Alexander, Gregory S. "Cognitive Theory of Fiduciary Relationships." Cornell L. Rev. 85 (1999): 767.
2. Brodley, Joseph F. "Oligopoly Power Under the Sherman and Clayton Acts - From Economic Theory to Legal Policy." Stan. L. Rev. 19 (1966): 285.3:
3. Gold, Andrew S. "On the Elimination of Fiduciary Duties: A Theory of Good Faith for Unincorporated Firms." Wake Forest L. Rev. 41 (2006): 123.
4. Rostow, Eugene V. "The New Sherman Act: A Positive Instrument of Progress." The University of Chicago Law Review 14, no. 4 (1947): 567-600.
5. Sale, Hillary A. "Monitoring Caremark's Good Faith." Del. j. corp. l. 32 (2007): 719.
6. Stigler, George J. "The origin of the Sherman Act." The Journal of Legal Studies 14, no. 1 (1985): 1-12.
3: Laws:
1: British Corporate Law, published on the official British Government link
www.imolin.org / doc / amlid / UK_Companies_Act_2006.pdf
2: Competition Law and Prevention of Monopoly No. 14 of 2010, published in Iraqi facts, number 4147 on 9/3/2010
3: Iraqi Investment Law No. 13 of 2006 and its amendments is published on the basis of Iraqi legislation, available on 18/6/2018 on the link:
http://www.iraqld.iq/LoadLawBook.aspx?SC=040120082853520
4: The Sherman Act, published on the FEDERAL TRADE COMMISSION website at:
https://www.ftc.gov/tips-advice/competition-guidance/guide-antitrust-laws/antitrust-laws
1: باللغة العربیة
أ: الکتب
ب: البحوث والدراسات:
http://ecpps.org/attachments/article/273/pdf
http://www.un.org/ar/esa/ahdr/pdf/ahdr02/AHDR_2002_Complete.pdf
http://www.un.org/ar/esa/ahdr/pdf/ahdr09/AHDR_2009_Complete.pdf
http://cipearabia.org/component/abook/?view=author&id=286&Itemid=102
https://www.amnesty.org/ar/countries/middle-east-and-north-africa/iraq/report-iraq/
https://cipe-arabia.org/search_gcse/?q
ج: الرسائل والاطاریح:
2: المراجع باللغة الإنکلیزیة:
1- Alexander, Gregory S. "Cognitive Theory of Fiduciary Relationships." Cornell L. Rev. 85 (1999): 767.
2- Brodley, Joseph F. "Oligopoly Power Under the Sherman and Clayton Acts--From Economic Theory to Legal Policy." Stan. L. Rev. 19 (1966): 285.3:
3- Gold, Andrew S. "On the Elimination of Fiduciary Duties: A Theory of Good Faith for Unincorporated Firms." Wake Forest L. Rev. 41 (2006): 123.
4- Rostow, Eugene V. "The New Sherman Act: A Positive Instrument of Progress." The University of Chicago Law Review 14, no. 4 (1947): 567-600.
5- Sale, Hillary A. "Monitoring Caremark's Good Faith." Del. j. corp. l. 32 (2007): 719.
6- Stigler, George J. "The origin of the Sherman Act." The Journal of Legal Studies 14, no. 1 (1985): 1-12.
3: القوانین:
1: قانون الشرکات البریطانی، منشور على رابط الحکومة البریطانیة الرسمی
.www.imolin.org/doc/amlid/UK_Companies_Act_2006.pdf
2: قانون المنافسة ومنع الاحتکار رقم 14 لسنة 2010، منشور بالوقائع العراقیة، العدد 4147 فی 9/3/2010
3: قانون الاستثمار العراقی رقم 13 لسنة 2006 وتعدیلاته منشور على قاعدة التشریعات العراقیة، متاح بتاریخ 18/6/2018 على الرابط:
http://www.iraqld.iq/LoadLawBook.aspx?SC=040120082853520
4: قانون شیرمان، منشور على موقع لجنة التجارة الفدرالیة الأمریکی
(FEDERAL TRADE COMMISSION) على الرابط:
https://www.ftc.gov/tips-advice/competition-guidance/guide-antitrust-laws/antitrust-laws