الملخص
یهدف البحث إلى بیان الأحکام التی تأخذ فیها الخلوة الصحیحة أحکام الدخول، والتی لا تأخذ فیها، وذلک بدراسة الآثار المادیة والمعنویة المترتبة على الخلوة الصحیحة؛ کالمهر، ونفقة العدة، والإرث، والنسب وغیرها دراسة فقهیة للوصول إلى الرأی الفقهی الراجح ثم مقارنته بما ذهب إلیه قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی لسنة 2005م.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
الخلوة الصحیحة وأثرها فی أحکام الزواج والطلاق دراسة فقهیة مقارنة بقانون الأحوال الشخصیة الإماراتی لسنة 2005م-(*)-
أسماء سالمین محمد العریانی کلیة القانون/ جامعة عجمان Asma Salmeen Mohammed Al-Ariani College of law / University of Ajman Correspondence: Asma Salmeen Mohammed Al-Ariani E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 12/12/2018 *** قبل للنشر فی 30/1/2019.
(*) Received on 12/12/2018 *** accepted for publishing on 30/1/2019.
Doi: 10.33899/alaw.2019.161250
© Authors, 2019, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
یهدف البحث إلى بیان الأحکام التی تأخذ فیها الخلوة الصحیحة أحکام الدخول، والتی لا تأخذ فیها، وذلک بدراسة الآثار المادیة والمعنویة المترتبة على الخلوة الصحیحة؛ کالمهر، ونفقة العدة، والإرث، والنسب وغیرها دراسة فقهیة للوصول إلى الرأی الفقهی الراجح ثم مقارنته بما ذهب إلیه قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی لسنة 2005م.
الکلمات المفتاحیة: الخلوة الصحیحة، الزواج، الإرث
Abstract
The study aims at clarifying the provisions in which valid privacy takes the provisions of coition and does not take them, by studying the physical and moral effects of the valid privacy such as the dower, indemnity payable, inheritance, and other religious studies, in order to reach the correct jurisprudential opinion and compare it with the personal status law For the year 2005.
Keywords: proper privacy, marriage, inheritance
المقدمـة
الحمد لله رب العالمین، شرع لنا دین الإسلام القویم، وأنزل علینا کتابه الکریم، وهدانا إلى الصراط المستقیم، وأتم علینا نعمته ببعثة خاتم النبیین وإمام المرسلین، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له، وأشهد أن سیدنا ونبینا محمدًا عبده ورسوله صلى الله علیه وعلى آله وصحبه وسلم تسلیمًا کثیرًا إلى یوم الدین، أما بعد:
فقد أولت الشریعة عنایة واضحة بموضوع الحقوق فی کثیر من ثنایا أبواب الفقه الإسلامی، والحدیث حول موضوع الخلوة الزوجیة یرتبط بهذا الشأن؛ وذلک بأنها تتعلق بحقوق مادیة ومعنویة منها ما هو حق لله تعالى، ومنها ما هو حق للمطلق، ومنها ما هو حق للمطلقة، ومنها ما هو حق للمولود ، وفی هذا البحث أسلط الضوء على الآثار المادیة والمعنویة الناشئة من الخلوة الزوجیة تبعًا لاختلافات الفقهاء، ثم أقارن بین ما توصلت إلیه بنصوص قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی لسنة 2005م.
أولاً: أهمیة البحث
یکتسب هذا الموضوع أهمیته لأسباب، منها:
1. تعلقه بحق الله تعالى، وحق العبد.
2. ارتباط الموضوع بکثیر من المسائل الفقهیة التی یحتاج فیها إلى بیان حکم الشرع.
4. الحاجة إلى الکثیر من مسائل الموضوع فی الإفتاء والقضاء.
ثانیًا: أهداف البحث
یهدف البحث فی هذا الموضوع إلى ما یأتی:
1. بیان الأحکام الفقهیة المتعلقة بالخلوة الصحیحة، ودراستها دراسة فقهیة.
2. تمییز المسائل الفقهیة التی تأخذ فیها الخلوة الصحیحة أحکام الدخول الحقیقی، وما لا تأخذ فیه .
ثالثًا: أسئلة البحث
یجیب البحث عن الأسئلة الآتیة – مع بیان موقف المشرع الإماراتی فی کل مسألة -:
رابعًا: خطة البحث
اشتمل البحث على مقدمة، وتمهید، ومبحثین، وخاتمة، على الوجه الآتی:
مقدمة
تمهید : مفهوم الخلوة
المطلب الأول: معنى الخلوة
المطلب الثانی: الخلوة الزوجیة المؤثرة على الأحکام
المبحث الأول: الآثار المادیة للخلوة الصحیحة فی أحکام الزواج والطلاق
المطلب الأول: أثر الخلوة الصحیحة على استحقاق المهر
المطلب الثانی: أثر الخلوة الصحیحة على التوارث بین الزوجین
المطلب الثالث: أثر الخلوة الصحیحة على استحقاق نفقة العدة
المبحث الثانی: الآثار المعنویة للخلوة الصحیحة فی أحکام الزواج والطلاق
المطلب الأول: أثر الخلوة الصحیحة على نسب الجنین
المطلب الثانی: أثر الخلوة الصحیحة على انتشار الحرمة
المطلب الثالث: أثر الخلوة الصحیحة بالمطلقة ثلاثًا على حلها لزوجها الأول
المطلب الرابع: أثر الخلوة الصحیحة على صفة الزوجین من حیث الإحصان وعدمه
خاتمة
تمهید
قبل الحدیث عن آثار الخلوة الزوجیة، أشیر فی المطلب الأول إلى معنى الخلوة فی اللغة وفی الاصطلاح، مع بیان مفهومها عند المشرع الإماراتی ، ولأن المقصود من هذا البحث هو الخلوة الصحیحة، فسأفصل القول فی المطلب الثانی عن الخلوة المؤثرة فی الأحکام عند المذاهب الأربعة موضحة موانعها.
المطلب الأول
معنى الخلوة
أولًا: معنى الخلوة فی اللغة
للخلوة فی اللغة معانٍ عدة ، من أشهرها:
المعنى الأول: الخلاء؛ کقولهم: ألفیت فلاناً بخلاء من الأرض، أی: بأرض خالیة.
المعنى الثانی: الستر؛ کقولهم: خل وجهک، أی: استتر بإنسان أو شیء.
المعنى الثالث: الإنفراد؛ کقولهم: خلوت به ومعه وإلیه وأخلیت به إذا انفردت به.
المعنى الرابع: الفراغ، کقولهم: خلا المکان خلاء إذا فرغ ولم یکن فیه أحد.
المعنى الخامس: الاقتصار، کقولهم: خلا على بعض الطعام؛ إذا اقتصر علیه.
مما سبق یظهر أن معنى الخلوة فی اللغة لا یخرج عن المعانی السابقة؛ فالرجل المنفرد بامرأة، والمتنحی بها عن أعین الناس یکون مستوراً، ومختفیاً، ویکون کلٌ منهما متفرغاً للآخر ومقتصراً علیه.
ثانیًا: معنى الخلوة فی الاصطلاح
للخلوة فی اصطلاح الفقهاء تعریفات عدة، منها:
والذی یبدو لی من التعریفات السابقة أن المذاهب الثلاثة – المالکیة والشافعیة والحنابلة – قد اتفقت فی نقطة واحدة وهی انفراد الزوجین ، ولم تذکر الموانع التی إن وجدت لم تتحقق الخلوة الصحیحة والتی نص علیها الحنفیة؛ وعلیه فالذی یبدو لی أن تعریف الحنفیة هو التعریف الراجح.
ولم یتطرق قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی لتعریف الخلوة، وقد اکتفى بذکر أحکامها فی ثلاث مواد، وأخذ بالراجح مما اعتمده من المذاهب الفقهیة - کما سیأتی، وهذه المواد هی:
المطلب الثانی
الخلوة الزوجیة المؤثرة على الأحکام
ذکرت فی المطلب السابق ترجیح تعریف الحنفیة الاصطلاحی للخلوة الزوجیة، وفی هذا المطلب أفصل القول فی الخلوة التی یترتب علیها أثر فی الأحکام فی المذاهب الأربعة، وقد اتفقت کلمتهم على أن الخلوة هی التی ینفرد فیها الزوج بزوجته، واختلفوا فی موانعها على الوجه الآتی:
أولًا: الخلوة عند الحنفیة
وتسمى عندهم (بالخلوة الصحیحة)، وهی التی لا یکون معها مانع من الوطء، لا مانع حسی ولا شرعی ولا طبعی.
أما المانع الحسی: فهو أن یکون أحدهما مریضًا مرضًا یمنع الجماع، أو صغیرًا لا یجامع مثله، أو صغیرة لا یجامع مثلها، أو کانت المرأة رتقاء أو قرناء؛ لأن الرتق والقرن یمنعان من الوطء.
وتصح خلوة الزوج العنین أو الخصی؛ لأن العنة والخصاء لا یمنعان من الوطء، فکانت خلوتهما کخلوة غیرهما.
وتصح خلوة المجبوب فی قول أبی حنیفة؛ لأنه یتصور منه السحق والإیلاد بهذا الطریق، وقال أبو یوسف ومحمد: لا تصح خلوة المجبوب؛ لأن الجب یمنع من الوطء فیمنع صحة الخلوة کالقرن والرتق.
وأما المانع الشرعی: فهو أن یکون أحدهما صائمًا صوم رمضان، أو محرمًا بحج أو بعمرة، أو تکون المرأة حائضًا أو نفساء؛ لأن کل ذلک محرم للوطء، فکان مانعًا من الوطء شرعًا، والحیض والنفاس یمنعان منه طبعًا أیضا لأنهما أذى، والطبع السلیم ینفر من استعمال الأذى.
وأما المانع الطبعی: فهو أن یکون معهما ثالث؛ لأن الإنسان یکره أن یجامع امرأته بحضرة ثالث، ویستحی فینقبض عن الوطء بمشهد منه، وسواء أکان الثالث بصیرًا أم أعمى، یقظانًا أم نائمًا، بالغًا أم صبیًا إن کان عاقلًا، رجلًا أو امرأة، أجنبیة أو منکوحته؛ لأن الأعمى إن کان لا یبصر فهو یحس، والنائم یحتمل أن یستیقظ ساعة فساعة، فینقبض الإنسان عن الوطء، مع حضوره، والصبی العاقل بمنزلة الرجل یحتشم الإنسان منه کما یحتشم من الرجل، وإذا لم یکن عاقلًا فهو ملحق بالبهائم، لا یمتنع الإنسان عن الوطء لمکانه ولا یلتفت إلیه، والإنسان یحتشم من المرأة الأجنبیة، ویستحیی، وکذا لا یحل لها النظر إلیهما فینقبضان لمکانها، وإذا کان هناک منکوحة له أخرى أو تزوج امرأتین فخلا بهما فلا یحل لها النظر إلیهما فینقبض عنها.
ثانیًا: الخلوة عند المالکیة
وتسمى عندهم (خلوة الاهتداء)، مأخوذة من الهدوء والسکون؛ لأن کل واحد من الزوجین سکن للآخر واطمأن إلیه، وهی المعروفة عندهم بإرخاء الستور، سواء کان هناک إرخاء ستور، أو غلق باب، أو غیره، و(خلوة الزیارة) تکون بزیارة أحد الزوجین للآخر.
والخلوة عند المالکیة - سواء کانت خلوة اهتداء أو خلوة زیارة - تکون باختلاء البالغ غیر المجبوب بمطیقة، خلوة یمکن فیها الوطء عادة، فلا تکون لحظة تقصر عن زمن الوطء وإن تصادقا على نفیه، ولا یمنع من الخلوة عندهم وجود مانع شرعی، کحیض، وصوم، وإحرام؛ لأن العادة أن الرجل إذا خلا بزوجته أول خلوة لا یفارقها قبل وصوله إلیها.
ثالثًا: الخلوة عند الشافعیة
یرى الشافعیة فی الجدید أن الأثر المترتب على الخلوة الشرعیة واحد، دون تفریق بین وجود موانع الوطء أو انتفائها؛ لقوله تعالى: )وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ( وأن المراد بالمس هو الجماع.
رابعًا: الخلوة عند الحنابلة
الخلوة التی یترتب علیها أثر هی الخلوة التی تکون بعیدًا عن ممیز، وبالغ مطلقًا، مسلمًا أو کافرًا، ذکرًا أو أنثى، أعمى أو بصیرًا، عاقلاً أو مجنونًا، مع علمه بأنها عنده، ولم تمنعه من الوطء إن کان الزوج یطأ مثله کابن عشر فأکثر، وکانت الزوجة یوطأ مثلها کبنت تسع فأکثر، فإن کان أحدهما دون ذلک لم یتقرر بالخلوة شیء، ولم یرتب علیها أثر. ولا یمنع أثر الخلوة نوم الزوج، ولا کونه أعمى، ولا وجود مانع حسی بأحد الزوجین کجب ورتق، ولا وجود مانع شرعی بهما، أو بأحدهما کحیض وإحرام وصوم واجب.
مما سبق، یتبین لی أن الخلوة هی اجتماع الرجل بزوجه فی مکان یأمنان فیه من إطلاع الناس علیهما، ولأن قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی اکتفى ببیان أحکام الخلوة فی نصوصه الآنفة الذکر – مادة (52) و(123) و(139) -، فإنه لم یتطرق إلى بیان موانع الخلوة، وحیث وصف الخلوة فی مواده الثلاث بأنها (خلوة صحیحة)، وهو ذات اللفظ الذی استخدمه فقهاء الحنفیة، فإن هذا یدل على أن تعریف الخلوة وموانعها فی قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی مأخوذ من المذهب الحنفی عملًا بالفقرة (2) من المادة (2) وهی: " تطبق نصوص هذا القانون على جمیع المسائل التی تناولتها فی لفظها أو فحواها، ویرجع فی تفسیرها واستکمال أحکامها إلى المذهب الفقهی الذی أخذت منه".
وعلیه فإن ضوابط الخلوة الزوجیة الصحیحة – کما هی عند الحنفیة - هی:
وفی حالة اختلال أحد هذه الضوابط فإن الخلوة تکون (خلوة فاسدة)، لا یترتب علیها أحکام الخلوة الصحیحة التی سیأتی بیانها فی المباحث الآتیة.
المبحث الأول
الآثار المادیة للخلوة الصحیحة فی أحکام الزواج والطلاق
سیکون الحدیث فی هذا المطلب حول الآثار المادیة للخلوة الصحیحة، وذلک ببیان أثرها فی کلٍ من: استحقاق المهر، التوارث بین الزوجین، نفقة العدة.
المطلب الأول
أثر الخلوة الصحیحة على استحقاق المهر
الفرع الأول: أثر الخلوة الصحیحة على استحقاق المهر المسمى
تحریر محل النزاع:
اتفق الفقهاء على ثبوت المهر کاملًا للمدخول بها، واختلفوا فی استحقاق المختلى بها قبل الدخول من المهر، وسبب الخلاف راجع إلى اختلافهم فی معنى الإفضاء فی قوله تعالى: )وکَیْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُکُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْکُمْ مِیثَاقًا غَلِیظًا( .
فمن قال: إن الإفضاء هو (الخلوة) قال: بثبوت المهر کله للزوجة بمجرد تحقق الخلوة الصحیحة.
ومن قال: إن المراد بالإفضاء هو (الجماع) قال بعدم ثبوت المهر للزوجة بمجرد الخلوة الصحیحة.
ومن الفقهاء من جمع بین القولین فقال: إن کانت الخلوة طویلة کسنة؛ فیجب المهر کاملاً، وإن کانت قصیرة ولم یتخللها تلذذ؛ فیجب نصف المهر جمعاً بین الأدلة، وعلیه فالأقوال فی هذه المسألة على الوجه الآتی:
الأقوال:
القول الأول: الخلوة الصحیحة تثبت المهر کله للزوجة، سواء أکان المهر مسمى أم غیر مسمى، وهو قول الحنفیة والحنابلة.
القول الثانی: الخلوة الصحیحة سواء أکانت قصیرة أم طویلة تثبت نصف المهر؛ ما لم یحدث وطء، فإن حدث معها وطء؛ وجب المهر کاملاً، وهو قول المالکیة والشافعی فی مذهبه الجدید وروایة عن الإمام أحمد. واستثنى المالکیة إقامة الزوجة عند زوجها سنة بعد الخلوة بغیر وطء، إذا کان بالغًا وهی مطیقة فیجب لها المهر کاملاً، وإن لم یتخللها جماع؛ لأن الإقامة المذکورة نزلت منزلة الوطء.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
ووجه الدلالة من الآیة: أن الله تعالى نهى الزوج عن أخذ شیء مما أعطى زوجه من المهر عند الطلاق، وأبان عن معنى النهی لوجود الخلوة، کما قال الفراء: إن الإفضاء هو الخلوة دخل بها أو لم یدخل.
ووجه الدلالة من الحدیث: أن الرسول r بعدما فرق بین الزوجین باللعان، قال الزوج "مالی" أی: الصداق الذی دفعته إلیها، فأجیب بأنک استوفیته بدخولک علیها وتمکینها لک من نفسها، ثم أوضح له ذلک قائلًا: إن کنت صادقًا فیما ادعیته علیها فقد استوفیت حقک منها قبل ذلک، وإن کنت کذبت علیها فذلک أبعد لک من مطالبتها لئلا تجمع علیها الظلم فی عرضها ومطالبتها بمال قبضته منک قبضًا صحیحًا تستحقه.
ووجه الدلالة من الحدیث: أنه دال صراحة على وجوب المهر للمرأة بعد الخلوة، وهو محمول على بعد العقد.
أدلة القول الثانی:
ووجه الدلالة من الآیة: أنها دالة على أن المطلقة یجب لها نصف المهر؛ إذا لم یحدث جماع، ویفهم من ذلک أن المهر لا یجب إلا بالجماع، وأن المختلى بها خلوة صحیحة إذا لم یحدث جماع؛ فلیس لها إلا نصف المهر.
قال ابن عباس ومجاهد والسدی وغیرهم: الإفضاء فی هذه الآیة الجماع. قال ابن عباس: ولکن الله کریم یکنی.
ونوقش الدلیلان: بأن المراد بـ(المسیس) فی الآیة الأولى، و(الإفضاء) فی الآیة الثانیة هو الخلوة، وأنه کنى بالمسبب عن السبب الذی هو الخلوة، لما سبق ذکره من الأدلة الدالة على أن المهر یتقرر بالخلوة.
ووجه الدلالة من الأثر: أنه دال على أن الخلوة الصحیحة؛ إذا لم یصاحبها جماع لا توجب إلا نصف المهر.
ونوقش: بأن الحدیث فی إسناده ضعف.
ویناقش: لا نسلم بأن الخلوة لا تلحق بالوطء فی سائر الأحکام، بل أنها تلحق بالوطء فی بعض الأحکام منها وجوب العدة، والنفقة، وثبوت النسب وغیرها.
الراجح:
بعد استعراض أقوال الفقهاء وأدلتهم فی أثر الخلوة الصحیحة بالزوجة على استحقاق المهر المسمى، یظهر لی رجحان القول الأول وهو ثبوت المهر کاملاً للزوجة بعد الخلوة الصحیحة، فالخلوة الصحیحة عند أصحاب هذا القول تأخذ أحکام الدخول الحقیقی، وسبب الترجیح ما یأتی:
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی بالقول الأول وهو قول الحنفیة والحنابلة بثبوت المهر المسمى کاملًا للزوجة بالخلوة الصحیحة؛ فجاء فی الفقرة (2) من المادة (52): "یجب المهر بالعقد الصحیح، ویتأکد کله بالدخول، أو الخلوة الصحیحة، أو الوفاة، ویحل المؤجل منه بالوفاة أو البینونة".
وعلى ذلک فإن المطلقة بعد الخلوة الفاسدة وقبل الدخول لا تأخذ حکم الدخول الحقیقی، فتستحق نصف المهر المسمى، فجاء فی الفقرة (3) من المادة (52): "تستحق المطلقة قبل الدخول نصف المهر إن کان مسمى".
الفرع الثانی: أثر الخلوة الصحیحة على استحقاق مهر المثل
تحریر محل النزاع:
اتفق الفقهاء على أن المطلقة بعد الدخول والتی لم یسم لها مهرًا تستحق مهر المثل، لکنهم اختلفوا فیما تستحقه المطلقة قبل الدخول بعد الخلوة الصحیحة وقبل تسمیة المهر على قولین:
القول الأول: تستحق مهر المثل؛ لأن الخلوة الصحیحة تأخذ حکم الدخول عندهم، وهو قول الحنفیة والحنابلة.
القول الثانی: لا تستحق المهر، بل لها المتعة فقط، وهو قول المالکیة والشافعیة.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
بنى أصحاب هذا القول قولهم على ما تم ترجیحه فی الفرع السابق وهو أن الخلوة الصحیحة تأخذ أحکام الدخول للأدلة المذکورة آنفًا؛ وعلیه فالمطلقة بعد الدخول والتی لم یفرض لها مهرًا تستحق مهر المثل وهو باتفاق الفقهاء کما ذکرت، والمختلى بها تأخذ حکم المدخول بها فتستحق مهر المثل .
أدلة القول الثانی:
ووجه الدلالة من الآیة: أنها دالة على أن المطلقة قبل الدخول ، وبعد تسمیة المهر لها نصف المهر المسمى، فدل على أنها إذا لم یسمَّ لها مهرًا لم یجب النصف، ولم تفرق الآیة بین المدخول بها وغیر المدخول بها فتکونان فی الحکم سواء.
ووجه الدلالة من الآیة: أنها دالة على أن المطلقة غیر المدخول بها لها المتعة، ولم تفرق بین المختلى بها والتی لم یختلَ بها، فتأخذان نفس الحکم.
الراجح:
وکما سبق ترجیحی لمذهب الحنفیة والحنابلة فی اعتبار الخلوة الصحیحة لها أحکام الدخول الحقیقی فی استحقاق المطلقة التی سمی لها مهرًا بعد خلوة صحیحة المهر کاملًا، فإن الخلوة الصحیحة تأخذ أحکام الدخول الحقیقی فی استحقاق المطلقة التی لم یسمَّ لها مهرًا مهر المثل کاملًا ترجیحًا لمذهبی الحنفیة والحنابلة.
ولما کان قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی قد أخذ باعتبار الخلوة الصحیحة لها أحکام الدخول الحقیقی فی ثبوت المهر، فإن المطلقة المختلى بها والتی لم یسمَّ لها مهرًا تستحق مهر المثل؛ فقد جاء فی الفقرة (2) من المادة (51): "إذا لم یسم لها فی العقد مهر، أو سمی تسمیة غیر صحیحة، أو نفی أصلًا، وجب لها مهر المثل".
أما إن کانت الخلوة فاسدة، فلا تأخذ أحکام الدخول الحقیقی، وتستحق المختلى بها خلوة فاسدة والتی لم یسمَّ لها مهرًا، ما تستحقه المطلقة قبل الدخول وقبل تسمیة المهر وهی المتعة، وهذا ما دلت علیه الفقرة (3) من المادة (52): "تستحق المطلقة قبل الدخول نصف المهر إن کان مسمى، وإلا حکم لها القاضی بمتعة لا تجاوز نصف مهر المثل".
وعلیه، فالمطلقة بعد الخلوة الصحیحة والتی لم یسمَّ لها مهرًا تستحق مهر المثل.
أما المطلقة بعد الخلوة الفاسدة والتی لم یسم لها مهرً فتستحق متعة لا تجاوز نصف مهر المثل.
المطلب الثانی
أثر الخلوة الصحیحة على التوارث بین الزوجین
الحدیث عن التوارث بین المطلقة بعد الخلوة وقبل الدخول وبین زوجها ، یندرج تحت ثلاثة فروع، أولها: فی نوع الطلاق، وثانیها فی أثر الخلوة الصحیحة على التوارث بین الزوجین فی حال صحة المطلق، وثالثها فی أثر الخلوة الصحیحة على التوارث بین الزوجین فی حال مرض موت المطلق؛ لذا سیکون الکلام عنها على الوجه الآتی:
الفرع الأول: نوع طلاق المرأة بعد الخلوة وقبل الدخول
تحریر محل النزاع:
لا خلاف بین الفقهاء فی أن المطلقة قبل الدخول أو الخلوة یعد طلاقها بائنًا، ولکن الخلاف فی المطلقة بعد الخلوة وقبل الدخول، هل یعد طلاقها رجعیًا أم بائنًا؟
الأقوال:
القول الأول: طلاقها بائن، وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفیة والمالکیة والشافعیة.
القول الثانی: طلاقها رجعی، وهو قول الحنابلة.
الأدلة:
دلیل القول الأول:
ووجه الدلالة من الآیة: أن المطلقات – فی الآیة الأولى - لفظ عام، والمراد به الخصوص فی المدخول بهن، وخرجت المطلقة قبل الدخول بالآیة الثانیة ، وهذا یعنی أنه لا بد من الدخول لصحة الرجعة، والمخلو بها لا تعد مدخولًا بها .
أدلة القول الثانی:
ووجه الدلالة من الآیة: أنها دالة على أن لزوج المطلقة المدخول بها حق إرجاعها، والمخلو بها تعد مدخولًا بها، فیکون طلاقها رجعیًا .
ویناقش:
لا نسلم بأن المخلو بها تعد مدخولًا بها، لأن الخلوة لیست دخولًا حقیقیًا حتى یکون لزوجها حق الرجعة، .
ویناقش:
بأن الخلوة لیست بدخول حقیقة فکان هذا طلاقًا قبل الدخول فکان بائنًا، أما المطلقة ثلاثًا والمفارقة بعوض فلا یملک المطلق الرجعة؛ لأن المطلقة ثلاثًا لا رجعة لها بنص القرآن، والفراق بعوض فیه معاوضة المال بالنفس، وقد ملک الزوج أحد العوضین بنفس القبول وهو مالها فتملک هی العوض الآخر وهو نفسها تحقیقًا للمعاوضة المطلقة، ولا تملک إلا بالبائن فکان الواقع بائنًا.
الراجح:
أن طلاق المرأة بعد الخلوة وقبل الدخول یعد طلاقًا بائنًا ، لقوة أدلة القول الأول، وسلامتها من الاعتراض.
الفرع الثانی: أثر الخلوة الصحیحة على التوارث بین الزوجین فی حال صحة المطلق
تحریر محل النزاع:
اتفق الفقهاء على أن الزوج إذا طلق زوجته طلاقًا رجعیًا فی صحته - أو مرضه - فإن التوارث بینهما یظل قائمًا أثناء العدة؛ وذلک لأن الرجعیة زوجة یلحقها طلاقه وظهاره وإیلاؤه، ویملک إمساکها بالرجعة بغیر رضاها.
کما اتفقوا على أن الزوج إذا طلق زوجته طلاقًا بائنًا فی حال صحته ثم مات عنها فإنها لا ترث منه؛ وذلک لأن سبب الإرث انتهاء النکاح بالموت، ولم یوجد؛ لارتفاعه بالتطلیقات، والحکم لا یثبت بدون السبب کما لو کان طلقها قبل الدخول؛ ولأن المیراث یستحق بالنسب تارة وبالزوجیة أخرى، ولو انقطع النسب لا یبقى استحقاق المیراث به فکذلک إذا انقطعت الزوجیة.
واختلفوا فی أثر الخلوة الصحیحة على التوارث بین الزوجین فی حال الصحة، بناءً على خلافهم فی نوع طلاق المرأة بعد الخلوة وقبل الدخول، ولما سبق ترجیحه من کون الطلاق بائنًا، فإنه لا توارث بینها وبین مطلقها حال طلاقها فی صحته.
ویبدو لی أن قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی اعتبر الطلاق بعد الخلوة الصحیحة طلاقًا بائنًا، فقد نصت المادة (105) على التفریق بین ما یکون طلاقًا رجعیًا وما یکون طلاقًا بائنًا فجاء ما نصه: " کل طلاق یقع رجعیًا إلا الطلاق المکمل للثلاث، والطلاق قبل الدخول، وما ورد النص على بینونته".
فالمادة جعلت الطلاق قبل الدخول بائنًا ولم تفرق بین ما کان بعد خلوة أو قبلها؛ و علیه فإن الطلاق بعد الخلوة یکون بائنًا.
ولم ینص قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی فی مواده على أثر الطلاق فی المیراث، ولکن أشارت الفقرة (3) من المادة (2) إلى ما یمکن العمل به فی حال عدم وجود نص، فجاء فیها: "وإذا لم یوجد نص فی هذا القانون یحکم بمقتضى المشهور من مذهب مالک ثم مذهب أحمد ثم مذهب الشافعی ثم مذهب أبی حنیفة".
وعلیه، یرجع إلى مذهب الإمام مالک – وهو ما اتفق علیه الفقهاء أیضًا - من عدم التوارث بین المطلقة بعد الخلوة الصحیحة وقبل الدخول وبین مطلقها.
الفرع الثالث: أثر الخلوة الصحیحة على التوارث بین الزوجین فی حال مرض موت المطلق
تحریر محل النزاع:
اتفق الفقهاء على أن الزوج إذا طلق زوجته طلاقًا رجعیًا فی مرض موته فإن التوارث بینهما یظل قائمًا أثناء العدة؛ وذلک لأن الرجعیة زوجة یلحقها طلاقه وظهاره وإیلاؤه، ویملک إمساکها بالرجعة بغیر رضاها.
أما التوارث فی الطلاق البائن فی حال مرض موت المطلق، فقد اختلف الفقهاء فی إرث مطلقته منه على قولین:
الأقوال:
القول الأول: ترث المطلقة طلاقًا بائنًا فی حال مرض موت المطلق منه، وهو قول الحنفیة والمالکیة والحنابلة، على خلاف فی وقت إرثها منه، وفی بعض الشروط على الوجه الآتی:
عند الحنفیة: ترث منه إذا توفی فی أثناء عدتها، وکان الطلاق بغیر رضاها.
عند المالکیة: ترث منه مطلقًا سواء توفی أثناء العدة أو بعدها، وحتى لو تزوجت من آخر، وسواء أکان الطلاق برضاها أم لا.
عند الحنابلة: ترث منه مطلقًا سواء توفی أثناء العدة أو بعدها ما لم تتزوج من آخر، بشرط أن یکون مطلقها متهمًا بقصد حرمانها من المیراث ولیس الطلاق بطلب منها.
القول الثانی: لا ترث المطلقة طلاقًا بائنًا مطلقًا، وهو قول الشافعیة.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
أ. عن ابن جریج قال: أخبرنی ابن أبی ملیکة، أنه سأل ابن الزبیر عن الرجل الذی یطلق المرأة فیبتها ثم یموت وهی فی عدتها، فقال عبد الله بن الزبیر: طلق عبد الرحمن بن عوف t تماضر بنت الأصبغ الکلبیة فبتها ثم مات وهی فی عدتها فورثها عثمانt.
ونوقش:
بأن هذا معارض بقول ابن الزبیر: "وأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة"، فلا ینعقد الإجماع بمخالفته.
وأجیب عنه من عدة وجوه:
الأول: یحتمل أن یکون معنى قوله: "لو کنت أنا لما ورثتها" أی: عندی أنها لا ترث.
الثانی: یحتمل أن یکون معناه أی ظهر له من الاجتهاد والصواب ما لو کنت مکانه لکان لا یظهر لی فکان تصویبًا له فی اجتهاده وأن الحق فی اجتهاده فلا یثبت الاختلاف مع الاحتمال بل حمله على الوجه الذی فیه تحقیق الموافقة أولى.
الثالث: یحتمل أنها کانت سألت الطلاق فرأى عثمان t توریثها مع سؤالها الطلاق فیرجع قوله: لو کنت أنا لما ورثتها إلى سؤالها الطلاق فلما ورثها عثمان t مع مسألتها الطلاق فعند عدم السؤال أولى.
الرابع: روی أن ابن الزبیر t إنما قال ذلک فی ولایته وقد کان انعقد الإجماع قبله منهم على التوریث فخلافه بعد وقوع الاتفاق منهم لا یقدح فی الإجماع؛ لأن انقراض العصر لیس بشرط لصحة الإجماع على ما عرف فی أصول الفقه.
ب. عن أبی بن کعب t أنه قال فی الذی یطلق وهو مریض: لا نزال نورثها حتى یبرأ أو تتزوج وإن مکث سنة.
ج. عن إبراهیم، أن عمر بن الخطاب t قال فی الذی طلق امرأته وهو مریض قال:
" ترثه فی العدة ولا یرثها".
أدلة القول الثانی:
ونوقش:
بأنه لما کان المریض متهمًا فی طلاقه فی مرض موته لقطع حظ الزوجة من المیراث، وجب العمل بسد الذرائع وتوریثها.
ونوقش:
بأن هناک فرقًا بین إرثها منه، وإرثه منها، فهی ترث منه لأنه متهم بقصد حرمانها من الإرث فیعامل بنقیض قصده فترث منه، وهذا المعنى موجود فی إرثها منه، ولیس موجودًا فی إرثه منها.
ونوقش:
بوجوب التفریق بین الطلاق فی حال المرض وفی حال الصحة؛ ، کما یجب التفریق بین أن یکون الطلاق باختیارها، وبین أن یکون بغیر اختیارها؛ فالطلاق فی حال المرض، وبغیر اختیار الزوجة یغلب علیه قصد المطلق السیء وهو حرمانها من المیراث ولا یوجد هذا المعنى فی الطلاق فی حال الصحة وباختیارها.
الراجح:
والذی یبدو لی – والله تعالى أعلم – رجحان القول الأول القائل بتوریث المطلقة طلاقًا بائنًا فی مرض الموت إذا کان المطلق متهمًا بقصد حرمانها من المیراث.
وعلى هذا؛ فإن المطلقة بعد الخلوة وقبل الدخول والتی عدَّ طلاقها بائنًا – کما سبق - إذا طلقها زوجها فی مرض موته بقصد حرمانها من المیراث فإنها ترث منه معاملة له بنقیض قصده.
ومما یؤکد ذلک ما جاء من نصوص خاصة بالمطلقة بعد الخلوة وقبل الدخول فی حال مرض الموت تثبت لها المیراث، وذلک فی مذهبی الحنفیة والحنابلة، منها:
ما جاء فی البحر الرائق: "رأیت فی جامع الفصولین نقلاً عن أدب القاضی للخصاف أنها قائمة مقام الوطء فی حق تکمیل المهر ووجوب العدة ولم تقم مقامه فی بقیة الأحکام وهذا هو التحقیق ولم یقیموها مقامه فی حق الإحصان إن تصادقا على عدم الدخول وإن أقرا به لزمهما حکم الإحصان وإن أقر به أحدهما صدق فی حق نفسه دون صاحبه کما فی المبسوط وفی حرمة البنات وحلها للأول والمیراث حتى لو أبانها ثم مات فی عدتها لم ترثه".
وجاء فی المغنی: "ولو خلا بها، وقال: لما أطأها. وصدقته، فلها المیراث، وعلیها العدة للوفاة، ویکمل لها الصداق؛ لأن الخلوة تکفی فی ثبوت هذه الأحکام".
أما قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی فلم ینص فی مواده إلى أثر الطلاق فی المیراث، وبالنظر إلى مذهب المالکیة نجد أنهم یقولون بتوریث المطلقة طلاقًا بائنًا فی حال مرض موت المطلق بل أن میراثها منه یستوی فیه وفاة المطلق أثناء عدتها أو بعدها، وحتى لو تزوجت المطلقة من آخر، وسواء أکان الطلاق برضاها أم لا.
ومن خلال ما توصلت إلیه من موقف قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی فی هذه المسألة وهو توریث المطلقة بائنًا فی حال مرض موت المطلق مطلقًا أجد أنه موافق لما قمت بترجیحه فقهیًا وهو توریثها، إلا أننی أمیل إلى النظر إلى قصد المطلق، وسبب – طالب – الطلاق وهو ما ذهب إلیه الحنابلة حیث أنه أدعى لإبعاد التهمة عن المطلق فی حال لو وافق طلاقها بسبب منها، أو من غیر قصد حرمانها من المیراث.
المطلب الثالث
أثر الخلوة الصحیحة على استحقاق نفقة العدة
الحدیث عن استحقاق المختلى بها خلوة صحیحة لنفقة العدة تندرج تحت فرعین، أولها: فی حکم العدة، وثانیها فی حکم استحقاق المعتدة للنفقة والسکنى؛ لذا سیکون الکلام عنها على الوجه الآتی:
الفرع الأول: حکم العدة للمطلقة بعد الخلوة الصحیحة وقبل الدخول
تحریر محل النزاع:
اتفق الفقهاء على وجوب العدة على المطلقة بعد الدخول، کما اتفقوا على عدم وجوبها على المطلقة قبل الخلوة وقبل الدخول، واختلفوا فی وجوبها على المطلقة بعد الخلوة وقبل الدخول على قولین:
الأقوال:
القول الأول: علیها العدة، وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفیة والمالکیة والحنابلة.
القول الثانی: لا عدة علیها، وهو قول الشافعیة.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
أدلة القول الثانی:
ووجه الدلالة من الآیة: أنها دالة على أن المطلقة قبل المسیس لا عدة علیها، والمسیس هو الوطء کما ذکر ذلک المفسرون، کما أن المسیس کنایة لما یستقبح صریحه، ولیست الخلوة مستقبحة التصریح فیکنی عنها، والوطء مستقبح فکنی بالمسیس عنه.
ونوقش:
بما نُقل من تضعیف الإمام أحمد لما روی من عدم وجوب العدة علیها.
ووجه الدلالة من الأثر: أنه دال بمفهومه على أن الخلوة إذا لم یصاحبها جماع، لا توجب إلا نصف المهر، وإذا لم توجب مهراً کاملاً فلا توجب عدة، کما لو طلقها زوجها قبل الدخول.
ونوقش:
جاء فی المغنی تعلیقًا على استدلالهم بالحدیث "وما رووه عن ابن عباس، لا یصح، قال أحمد: یرویه لیث، ولیس بالقوی، وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه لیث، وحنظلة أقوى من لیث".
ونوقش:
أما الإحصان فلأنه یعتبر لإیجاب الحد، والحدود تدرأ بالشبهات، وأما الغسل فلأن موجباته خمسة ولیست الخلوة منها، کما لا تثبت بها الإباحة للزوج المطلق ثلاثًا؛ لقول النبی r لامرأة رفاعة القرظی: «أتریدین أن ترجعی إلى رفاعة؟، لا حتى تذوقی عسیلته ویذوق عسیلتک.»
ولا یخرج به من العنة؛ لأن العنة العجز عن الوطء فلا یزول إلا بحقیقة الوطء، ولا تحصل به الفیئة، لأنها الرجوع عما حلف علیه، وإنما حلف على ترک الوطء، ولأن حق المرأة لا یحصل إلا بنفس الوطء، ولا تفسد به العبادات، ولا تجب به الکفارة.
الراجح:
والذی یبدو لی رجحان القول الأول القائل بوجوب العدة على المطلقة بعد الخلوة الصحیحة وقبل الدخول؛ لقوة أدلتهم وسلامتها من الاعتراض، ومما یقوی ترجیح القول الأول أمران:
والملاحظ من قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی أنه لم یذکر حکم العدة بالنسبة للمطلقة بعد الخلوة وقبل الدخول، إنما اکتفى ببیان أن لا عدة لها قبل الدخول وقبل الخلوة کما جاء فی المادة (139) فی الفقرة (1) فجاء ما نصه: "1- لا عدة على المطلقة قبل الدخول وقبل الخلوة الصحیحة".
وعلیه؛ وفی مثل هذه الحالة – عدم وجود نص – یرجع إلى الفقرة (3) من المادة (2): "وإذا لم یوجد نص فی هذا القانون یحکم بمقتضى المشهور من مذهب مالک، ثم مذهب أحمد، ثم مذهب الشافعی، ثم مذهب أبی حنیفة". وسبق أن بینت أن مذهب المالکیة یوجب العدة على المطلقة بعد الخلوة وقبل الدخول، وهو ما یحکم به القانون الإماراتی حسبما ورد فی الفقرة السابقة.
الفرع الثانی: حق معتدة الطلاق فی النفقة والسکنى
تحریر محل النزاع:
اتفق الفقهاء على وجوب النفقة بأنواعها المختلفة للمعتدة من طلاق رجعی باتفاق الفقهاء؛ وذلک لبقاء العلاقة الزوجیة، کما اتفقوا على أن المعتدة من طلاق بائن إن کانت حاملاً وجب لها النفقة بأنواعها المختلفة؛ لقوله تعالى: ) وَإِنْ کُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَیْهِنَّ حَتَّى یَضَعْنَ حَمْلَهُنّ( ، وإن کانت غیر حامل فللفقهاء خلاف فی نفقتها وسکناها.
الأقوال:
القول الأول: وجوب السکنى والنفقة، وهو قول الحنفیة، وروایة عن الإمام أحمد.
القول الثانی: وجوب السکنى فقط، ولا نفقة لها، وهو قول المالکیة والشافعیة وروایة عن أحمد.
القول الثالث: لا نفقة لها ولا سکنى، وهو المذهب عند الحنابلة.
الأدلة:
دلیل القول الأول:
أما وجوب السکنى فلما مر من قوله تعالى: )أسْکِنُوهُنَّ مِنْ حَیْثُ سَکَنْتُمْ مِنْ وُجْدِکُم( .
وأما وجوب النفقة والسکنى أیضًا فلما رواه أبو إسحاق، قال: کنت مع الأسود بن یزید جالسًا فی المسجد الأعظم، ومعنا الشعبی، فحدث الشعبی بحدیث فاطمة بنت قیس، "أن رسول الله r، لم یجعل لها سکنى ولا نفقة"، ثم أخذ الأسود کفًا من حصى، فحصبه به، فقال: ویلک تحدث بمثل هذا، قال عمر: لا نترک کتاب الله وسنة نبینا r لقول امرأة، لا ندری لعلها حفظت، أو نسیت، لها السکنى والنفقة، قال الله عز وجل: )لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُیُوتِهِنَّ وَلَا یَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ یَأْتِینَ بِفَاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ( .
دلیل القول الثانی:
أما وجوب السکنى فلقوله تعالى: ) أسْکِنُوهُنَّ مِنْ حَیْثُ سَکَنْتُمْ مِنْ وُجْدِکُم(.
وأما عدم وجوب النفقة فلمفهوم قوله تعالى: ) وَإِنْ کُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَیْهِنَّ حَتَّى یَضَعْنَ حَمْلَهُنّ( ، فمفهومه دال على عدم وجوب النفقة لغیر الحامل.
ویناقش:
لا نسلم بأن مفهوم الآیة دال على عدم وجوب النفقة للمعتدة غیر الحامل؛ إذ أن شمولها للنفقة من طریق آخر وهو قول عمر t عندما بلغه حدیث فاطمة بنت قیس رضی الله عنها.
دلیل القول الثالث:
للدلیل السابق ذکره عند أدلة القول الأول وهو حدیث فاطمة بنت قیس أن زوجها طلقها ثلاثًا فلم یجعل لها رسول الله r نفقة ولا سکنى.
ویناقش:
بأنه مردود بفعل الأسود عندما حدث الشعبی بحدیث فاطمة وأن رسول الله r لم یفرض لها نفقة ولا سکنى، وبقول عمر t : "لا نترک کتاب الله وسنة نبینا r لقول امرأة، لا ندری لعلها حفظت، أو نسیت، لها السکنى والنفقة".
الراجح:
هو القول الأول القائل بوجوب السکنى والنفقة للمعتدة غیر الحامل؛ لقوة أدلتهم وسلامتها من الاعتراض.
وعلیه؛ فإن المطلقة بعد الخلوة الصحیحة وقبل الدخول وهی فی عدتها تستحق النفقة والسکنى.
وأما قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی فلم یرد فیه نص خاص یشیر إلى نفقة المعتدة المطلقة طلاقًا بائنًا بعد الدخول وقبل الخلوة، إنما أشار إلى ما تستحقه المعتدة غیر الحامل من طلاق بائن فی المادة (69) فجاء ما نصه: "تجب النفقة والسکنى للمعتدة من طلاق رجعی، والمعتدة من طلاق بائن وهی حامل، کما یجب للمعتدة من طلاق بائن وهی غیر حامل السکنى فقط"، وسبق أن بینا فی المطلب السابق أن نوع الطلاق بعد الخلوة الصحیحة هو طلاق بائن؛ وعلى هذا یظهر لی أن القانون أوجب للمطلقة بعد الخلوة وقبل الدخول وهی فی عدتها السکنى فقط عملًا بقول المالکیة والشافعیة وروایة عن أحمد – القول الثانی – وهو خلاف ما ارتأیت ترجیحه.
المبحث الثانی
الآثار المعنویة للخلوة الصحیحة فی أحکام الزواج والطلاق
سیکون الحدیث فی هذا المطلب حول الآثار المعنویة للخلوة الصحیحة، وذلک ببیان أثرها فی کلٍ من:نسب الجنین، انتشار الحرمة، حل المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول، صفة الزوجین من حیث الإحصان وعدمه.
المطلب الأول
أثر الخلوة الصحیحة على نسب الجنین
تحریر محل النزاع:
اختلف الفقهاء فی أثر الخلوة الصحیحة على نسب الجنین، وسبب خلافهم راجع إلى خلافهم فی معنى الفراش فیما رواه أبو هریرة t عن النبی r قال: "الولد للفراش" فمن اعتبر أن الفراش هو الدخول الحقیقی قال بعدم ثبوت نسب الولد بمجرد الخلوة الصحیحة دون دخول، ومن اعتبر أن الفراش هو فراش الزوجیة بعد عقد زواج شرعی صحیح وخلوة شرعیة صحیحة بصرف النظر عن الدخول وعدمه، قال بثبوت نسب الولد من المختلى بها وإن لم یحصل دخول، فکانت الأقوال على النحو الآتی:
الأقوال:
القول الأول: الخلوة الصحیحة بالزوجة تثبت نسب المولود، بشرط إمکانیة التلاقی – عند الجمهور عدا الحنفیة -، والإتیان بالمولود بعد ستة أشهر من العقد، وصحة عقد الزواج وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفیة والمالکیة، والشافعیة، وروایة للإمام أحمد.
القول الثانی: الخلوة الصحیحة بالزوجة لا تثبت نسب المولود، وإنما یثبته العقد الصحیح مع الدخول المحقق، لا إمکانه المشکوک فیه، وهو روایة للإمام أحمد، ونقل عن شیخ الإسلام ابن تیمیة .
الأدلة:
أدلة القول الأول:
ووجه الدلالة من الحدیث: أنه دال على أن نسب المولود یثبت بالفراش، وتصیر الزوجة فراشًا بالعقد مع إمکانیة الوطء وهو ما تتضمنه الخلوة الصحیحة.
أدلة القول الثانی:
الراجح:
مما سبق یبدو لی رجحان أدلة القول الأول القائل بثبوت نسب المولود بالخلوة الصحیحة بالزوجة بشرط إمکانیة الوطء، والإتیان بالمولود بعد ستة أشهر من العقد، وذلک لما یأتی:
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی برأی الجمهور فی ثبوت نسب المولود بتحقق الشروط المذکورة وهی: إمکانیة التلاقی، والإتیان بالمولود بعد ستة أشهر من العقد، مع صحة عقد الزواج مخالفًا بذلک مذهب الحنفیة الذین لم یشترطوا إمکان التلاقی تساهلًا لإثبات النسب؛ فجاء فی الفقرة(1) من المادة (90): "الولد للفراش إذا مضى على عقد الزواج الصحیح أقل مدة الحمل، ولم یثبت عدم إمکان التلاقی بین الزوجین".
وقد بیَّنت المادة (91) أقل مدة الحمل فجاء ما نصه: " أقل مدة الحمل، مائة وثمانون یومًا....".
وعلیه، فإن المختلى بها خلوة صحیحة تدخل ضمن المادة (90)، حیث لم یفرق القانون بین المختلى بها وغیرها، إنما أثبت النسب بمضی أقل مدة الحمل وهی مائة وثمانون یومًا – أی ستة أشهر - على عقد الزواج الصحیح، وبإمکان التلاقی بین الزوجین فإذا تحققت هذه الشروط ثبت نسب المولود من الزوجة بعد الخلوة بها.
المطلب الثانی
أثر الخلوة الصحیحة على انتشار الحرمة
الفرع الأول: أثر الخلوة الصحیحة على نکاح فروع الزوجة
ویقصد بفروع الزوجة بناتها، وبنات بناتها، وبنات أبنائها وإن نزلن؛ لأنهنَّ من بناتها.
ودلیل تحریمها ما جاء فی آیة المحرمات فی قوله تعالى: ) وَرَبَائِبُکُمُ اللَّاتِی فِی حُجُورِکُمْ مِنْ نِسَائِکُمُ اللَّاتِی دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَکُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیْکُمْ ( .
فالآیة حرمت نکاح الربائب، والربائب جمع ربیبة، والربیبة هی بنت امرأة الرجل من غیره. والتحریم یشمل بنات الربیبة من بناتها وأبنائها وإن نزلن، وشرط التحریم الوارد فی الآیة هو الدخول بالزوجة (الأم)، وإذا لم یدخل فلا تحرم علیه فروعها بمجرد العقد.
تحریر محل النزاع:
لا خلاف فی أن معنى الدخول الذی تحرم به فروع الزوجة هو الوطء، والدخول کنایة عنه، أما ما دون الوطء کالخلوة ، فحصل فیه خلاف بین الفقهاء على قولین:
الأقوال:
القول الأول: الخلوة لا تقوم مقام الوطء فی تحریم الربیبة وفروعها، وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفیة والمالکیة والشافعیة وروایة عن الإمام أحمد.
القول الثانی: الخلوة تقوم مقام الوطء فی تحریم الربیبة وفروعها، وهو روایة عن الإمام أحمد.
أدلة القول الأول:
ووجه الدلالة من الآیة: أنها دالة صراحة على حرمة نکاح بنت الزوجة إن دخل بأمها، والدخول بها هو وطؤها، وقد کنی عنه بالدخول، فإن خلا بها ولم یطأها، لم تحرم ابنتها؛ لأنها غیر مدخول بها.
ووجه الدلالة من الحدیث: أنه صریح فی حرمة نکاح بنت الزوجة إذا دخل بأمها، والدخول هو الوطء، وقد کنی عنه بالدخول، والخلوة لا تعد وطئًا فلا تحرم البنت.
دلیل القول الثانی:
ووجه الدلالة من الحدیث: أنه دال صراحة على أن حل بنت المرأة المطلقة قبل الدخول سواء اختلى بها أم لا.
ویناقش:
بأنه قد روی رجوع ابن مسعود t عن الفتوى، حیث روی أنه أفتى بذلک فی الکوفة فلما أتى المدینة ولقی أصحاب رسول الله r فذاکرهم رجع إلى القول بالحرمة حتى روی أنه لما أتى الکوفة نهى من کان أفتاه بذلک ، کما ثبت أنه عندما قدم على عمر t فسأله، فقال: "فرق بینهما" قال: إنها قد ولدت قال: "وإن ولدت عشرًا" ففرق بینهما.
الراجح:
مما سبق یظهر لی – والله تعالى أعلم – رجحان القول الأول القائل بأن الخلوة لا تقوم مقام الوطء فی تحریم الربیبة وفروعها، وذلک لقوة أدلتهم وسلامتها من الاعتراض، کما أن الحدیث الذی استدل به أصحاب القول الثانی مردود برجوع ابن مسعود عن فتواه.
وبالنظر لنصوص قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی نجد أنه قد أشار فی المادة (43) الفقرة (3) إلى المحرمات من المصاهرة؛ فجاء ما نصه: "یحرم على الشخص بسبب المصاهرة التزوج ب:....3- فروع زوجته التی دخل بها وإن نزلن"، فاستخدم القانون لفظ (دخل بها) وهو کنایة عن الوطء، ولم یتعرض القانون للخلوة، فیرجع إلى المشهور من مذهب مالک، وقد ذهب المالکیة إلى أن الخلوة لا تقوم مقام الوطء فی تحریم الربیبة وفروعها وهو القول الأول الذی أخذ به القانون الإماراتی.
وما یؤید ذلک ما جاء فی المذکرة الإیضاحیة لقانون الأحوال الشخصیة تعلیقًا على المادة السابقة: "فروع زوجته التی دخل بها دخولًا حقیقیًا...."، مما یعنی أن الخلوة لا تقوم مقام الدخول الحقیقی.
الفرع الثانی: أثر الخلوة الصحیحة على نکاح أخت الزوجة ومن فی حکمها
تحریر محل النزاع:
اتفق الفقهاء على حرمة الجمع فی النکاح بین امرأتین بینهما قرابة محرمة، بحیث لو فرض أیتهما ذکرًا حرمت علیه الأخرى، وذلک کالأختین؛ لقوله تعالى فی آیة المحرمات من النساء: )وَأَنْ تَجْمَعُوا بَیْنَ الْأُخْتَیْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ( ، وکذلک یحرم الجمع بین المرأة وعمتها، أو بین المرأة وخالتها؛ لحدیث أبی هریرة: أن رسول الله r قال: "لا یجمع بین المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها".
کما اتفقوا على عدم جواز الجمع بین المرأة ومحارمها فی عدة الطلاق الرجعی؛ لأنها باقیة فی حکم الزواج السابق.
واختلفوا فی الجمع بین المحارم إذا کانت إحداهن معتدة من طلاق بائن على قولین:
الأقوال:
القول الأول: یحرم الجمع بین الأختین ومن فی حکمهما إذا کانت واحدة منهما فی أثناء العدة من طلاق بائن بینونة صغرى أو کبرى، وهو قول الحنفیة والحنابلة.
القول الثانی: یصح الجمع بین الأختین ومن فی حکمهما إذا کانت واحدة منهما فی أثناء العدة من طلاق بائن بینونة صغرى أو کبرى، وهو قول المالکیة والشافعیة.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
أدلة القول الثانی:
المحرم هو الجمع بین الأختین فی النکاح، والنکاح قد زال من کل وجه؛ لوجود المزیل له - وهو الطلاق الثلاث أو البائن – بدلیل أن لا رجعة له علیها ولا میراث بینهما.
یناقش:
لا نسلم بأن النکاح قد زال من کل وجه؛ بل هو قائم من وجه ببقاء بعض أحکامه؛ وذلک لأن الزوج یملک منعها من الخروج، کما یحرم زواجها من آخر وهی فی العدة، والفراش قائم، فلو جاز النکاح لکان النکاح جمعًا بین الأختین فی هذه الأحکام.
الراجح:
والذی یبدو لی والله تعالى أعلم رجحان القول الأول القائل بتحریم الجمع بین الأختین ومن فی حکمهما إذا کانت واحدة منهما فی أثناء العدة من طلاق بائن بینونة صغرى أو کبرى؛ لقوة ما استدل به أصحاب القول الأول، وسلامة أدلتهم من الاعتراض.
أما الخلوة بالمرأة ثم طلاقها طلاقًا بائنًا ثم الزواج من أختها ومن فی حکمها ومطلقته ما زالت فی العدة فلا یصح حتى تنقضی عدة المطلقة؛ فالخلوة عندهم تأخذ أحکام الدخول الحقیقی، وهذا ما أشار إلیه أصحاب القول الأول وهم الحنفیة والحنابلة، ومن نصوصهم:
ما جاء فی بدائع الصنائع: "ولو خلا بامرأته ثم طلقها لم یتزوج أختها حتى تنقضی عدتها؛ لأنه وجبت علیها العدة بالخلوة فیمنع نکاح الأخت کما لو وجبت بالدخول حقیقة".
وما جاء فی المغنی: "فقد حکی عن الفراء، أنه قال: الإفضاء الخلوة، دخل بها أو لم یدخل .. حکمها حکم الدخول فی جمیع أمورهما. یعنی فی حکم ما لو وطئها، من تکمیل المهر، ووجوب العدة، وتحریم أختها وأربع سواها إذا طلقها حتى تنقضی عدتها".
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی بحرمة الزواج من أخت مطلقته ومن فی حکمها فی عدة الطلاق الرجعی والبائن فجاء فی المادة (47) فی الفقرة (1) ما نصه: "المحرمات بصورة مؤقتة 1- الجمع – ولو فی العدة – بین امرأتین لو فرضت أی منهما ذکرًا لامتنع علیه التزوج بالأخرى"؛ فعبارة (ولو فی العدة) تشمل عدة الطلاق الرجعی والبائن.
ولم یتطرق القانون إلى أثر الخلوة بالمطلقة فی نکاح أختها ومن فی حکمها، ومما یدل على أثر الخلوة ما سبق ترجیحه من وجوب العدة على المختلى بها فتدخل فی عموم عبارة (ولو فی العدة) فالجمع بین امرأتین - ممن یحرم الجمع بینهما - فی عدة الأولى کعدة المطلقة المختلى بها محرم ، ویؤکد ذلک أیضًا عبارة (بین امرأتین) فتشمل المرأة المختلى بها أو المدخول بها.
المطلب الثالث
أثر الخلوة الصحیحة بالمطلقة ثلاثًا على حلها لزوجها الأول
لا خلاف بین الفقهاء فی أن المطلقة ثلاثًا بعد الدخول لا تحل لمطلقها حتى تنکح زوجًا غیره؛ لقوله تعالى: ) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْکِحَ زَوْجًا غَیْرَهُ ( ، والنکاح الوارد فی الآیة هو الوطء باتفاق الفقهاء، للأدلة الآتیة:
وجاء فی فتح الباری معلقًا على الحدیث: "وقال جمهور العلماء ذوق العسیلة کنایة عن المجامعة وهو تغییب حشفة الرجل فی فرج المرأة".
وقد صرح بعض الفقهاء فی کتبهم على عدم اعتبار الخلوة فی حل المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول، ومن نصوصهم فی ذلک:
ما جاء فی بدائع الصنائع: "لأن ثبوت النسب لیس بوطء حقیقة بل یقام مقام الوطء حکمًا، والتحلیل یتعلق حقیقة لا حکمًا کالخلوة فإنها لا تفید الحل".
وجاء فی المغنی: "إن خلا بها وقال لم أطأها وصدقته لم یلتفت إلى قولهما وکان حکمها حکم المدخول فی جمیع أمورها، إلا فی الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثًا".
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی بحرمة زواج المطلق من مطلقته التی طلقها طلاقًا بائنًا بینونة کبرى، حتى تنکح زوجًا غیره بأن یدخل بها دخولًا حقیقیًا ثم یفارقها وتنتهی عدتها منه، فجاء فی المادة (47) فی الفقرة (5) ما نصه: "المحرمات بصورة مؤقتة: 5- البائنة بینونة کبرى، فلا یصح لمطلقها أن یتزوجها إلا بعد انقضاء عدتها من زوج آخر دخل بها فعلًا فی زواج صحیح".
وإن لم یصرح القانون بلفظ (الخلوة)، إلا أن استعماله للفظ (فعلًا) فی قوله "دخل بها فعلًا" دال على إرادة الدخول الحقیقی فهو موافق لقول الجمهور فی المسألة.
وقد أکدت المذکرة الإیضاحیة لقانون الأحوال الشخصیة الإماراتی هذا المفهوم، فجاء ما نصه: "ولا یکفی مجرد النکاح، ثم الطلاق أو الوفاة، کی تحل للأول الذی طلقها ثلاث مرات، بل لا بد من الدخول حقیقة".
المطلب الرابع
أثر الخلوة الصحیحة على صفة الزوجین من حیث الإحصان وعدمه
اتفق الفقهاء على أن من شروط الإحصان - إلى جانب البلوغ والعقل والحریة - الوطء فی نکاح صحیح، وأن یکون فی القبل، على وجه یوجب الغسل، سواء أنزل أو لم ینزل. ولا خلاف فی أن عقد النکاح الخالی من الوطء لا یحصل به إحصان ولو حصلت فیه خلوة صحیحة فلا تعتبر المرأة ثیبًا دون وطء .
فلو زنى رجل بامرأة بعد الخلوة بزوجته لا یرجم؛ لفقد شرط الإحصان وهو الوطء، بخلاف ما إذا دخل بزوجته دخولًا حقیقیًا، ثم زنى بامرأة فإنه یرجم، والمرأة مثل الرجل فیما ذُکر؛ لما رواه عبادة بن الصامت t قال: قال رسول الله r: "خذوا عنی، خذوا عنی، قد جعل الله لهن سبیلًا، البکر بالبکر جلد مائة ونفی سنة، والثیب بالثیب جلد مائة، والرجم".
وقد جاءت نصوص الفقهاء للدلالة على أثر الخلوة الصحیحة على الإحصان، وأنها لا تجعل کلا الزوجین محصنًا بها، ومن نصوصهم فی ذلک:
جاء فی البنایة: "أقیم الخلوة مقام الوطء فی بعض الأحکام ... دون البعض کالإحصان".
وجاء فی فتح القدیر: "واعلم أن أصحابنا أقاموا الخلوة الصحیحة مقام الوطء فی حق بعض الأحکام ... ولم یقیموها مقامه فی الإحصان".
وجاء فی رد المحتار: "فلو زنى بعد الخلوة الصحیحة لا یلزمه الرجم؛ لفقد شرط الإحصان وهو الوطء".
وجاء فی المغنی: " إن خلا بها وقال لم أطأها وصدقته لم یلتفت إلى قولهما وکان حکمها حکم المدخول فی جمیع أمورها، إلا فی الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثا، وفی الزنا، فإنهما یجلدان ولا یرجمان".
وجاء فیه أیضًا: "ولا خلاف فی أن عقد النکاح الخالی عن الوطء، لا یحصل به إحصان؛ سواء حصلت فیه خلوة، أو وطء دون الفرج، أو فی الدبر، أو لم یحصل شیء من ذلک؛ لأن هذا لا تصیر به المرأة ثیبًا، ولا تخرج به عن حد الأبکار، الذین حدهم جلد مائة وتغریب عام، بمقتضى الخبر".
ولم یتطرق قانون الأحوال الشخصیة الإماراتی لأثر الخلوة الصحیحة على الإحصان، فیرد الحکم فی هذه الحالة إلى المشهور من مذهب الإمام مالک – وهو ما اتفقت علیه المذاهب الفقهیة - وهو أن الخلوة الصحیحة لا تقوم مقام الوطء فی الإحصان، فهی لا تجعل کلا الزوجین محصنین.
الخاتمـة
الحمد لله الذی بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خیر الخلق، وسید ولد آدم نبینا محمد r، وبعد:
فبعد أن منَّ الله تعالى علیَّ بالانتهاء من هذا البحث؛ فإنه یجدر بی أن أذکر أهم النتائج والتوصیات وهی:
أولاً: النتائج
ثانیًا: التوصیات
أقترح على المشرع الإماراتی، عند تعدیل القانون مراعاة ما یأتی:
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)