الملخص
مدى طاعة الموظف العام للقرارات الإداریة غیر المشروعة من المواضیع المهمة، إذ لم تعد السلطة الرئاسیة فی النظم الحدیثة مطلقة، فطاعة المرؤوس لرئیسه لیست مطلقة، وواجب الطاعة لم یعد یعنی أن یجرد المرؤوس من شخصیته وینفذ کل ما یصدر من قرارات، فالرئیس لا یملک سلطات مطلقة إنما سلطاته مقیدة بما تفرضه القوانین، فقد یخرج الرئیس من مظلة القانون ویصدر قرارات غیر مشروعة، لیخرق بذلک أهم مبدأ من المبادئ التی تقوم علیه الدولة الحدیثة الا وهو مبدأ المشروعیة، ولیضع المرؤوس بین أمرین أحلاهما مُر، عندما یتلقى قرارات إداریة غیر مشروعة فهو إما أن یهدر مبدأ المشروعیة ویلتزم بواجب الطاعة أو أن یهدر واجب الطاعة ویلتزم بمبدأ المشروعیة، فقد اثارت مشکلة طاعة القرارات الاداریة غیر المشروعة خلافاً بین الفقه، لذا فقد قیل بآراء عدیدة فی هذا الموضوع ویمکن لنا نلخص تلک الاتجاهات فی ثلاث نظریات وهى (نظریة الطاعة المطلقة، نظریة المشروعیة، نظریة الوسط) من خلال هذه النظریات ومن خلال ما نص علیه المشرع العراقی والمقارن نتوصل الى أی مدى یمکن طاعة القرارات الإداریة غیر المشروعة .
وفی ضوء ما تقدم نتناول موضوع (مدى طاعة الموظف العام للقرارات الإداریة غیر المشروعة) من خلال تقسیم الدراسة الى ثلاثة مباحث، نتناول فی المبحث الأول مبدأ المشروعیة وخضوع الادارة للقانون وفی الثانی موقف المرؤوس من طاعة القرارات الإداریة غیر المشروعة وفی الثالث موقف المشرع العراقی والمقارن من طاعة الرؤساء فی القرارات الإداریة غیر المشروعة.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
مدى طاعة الموظف العام للقرارات الإداریة غیر المشروعة-(*)-
نوار نجیب توفیق قیدار عبد القادر صالح کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Nawar Najeeb Tawfiq Qaidar Abdul Qadir Saleh College of law / University of Mosul Correspondence: Nawar Najeeb Tawfiq E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 26/3/2018 *** قبل للنشر فی 16/4/2018.
(*) Received on 26/3/2018 *** accepted for publishing on 16/4/2018.
Doi: 10.33899/alaw.2019.160813
© Authors, 2019, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
مدى طاعة الموظف العام للقرارات الإداریة غیر المشروعة من المواضیع المهمة، إذ لم تعد السلطة الرئاسیة فی النظم الحدیثة مطلقة، فطاعة المرؤوس لرئیسه لیست مطلقة، وواجب الطاعة لم یعد یعنی أن یجرد المرؤوس من شخصیته وینفذ کل ما یصدر من قرارات، فالرئیس لا یملک سلطات مطلقة إنما سلطاته مقیدة بما تفرضه القوانین، فقد یخرج الرئیس من مظلة القانون ویصدر قرارات غیر مشروعة، لیخرق بذلک أهم مبدأ من المبادئ التی تقوم علیه الدولة الحدیثة الا وهو مبدأ المشروعیة، ولیضع المرؤوس بین أمرین أحلاهما مُر، عندما یتلقى قرارات إداریة غیر مشروعة فهو إما أن یهدر مبدأ المشروعیة ویلتزم بواجب الطاعة أو أن یهدر واجب الطاعة ویلتزم بمبدأ المشروعیة، فقد اثارت مشکلة طاعة القرارات الاداریة غیر المشروعة خلافاً بین الفقه، لذا فقد قیل بآراء عدیدة فی هذا الموضوع ویمکن لنا نلخص تلک الاتجاهات فی ثلاث نظریات وهى (نظریة الطاعة المطلقة، نظریة المشروعیة، نظریة الوسط) من خلال هذه النظریات ومن خلال ما نص علیه المشرع العراقی والمقارن نتوصل الى أی مدى یمکن طاعة القرارات الإداریة غیر المشروعة .
وفی ضوء ما تقدم نتناول موضوع (مدى طاعة الموظف العام للقرارات الإداریة غیر المشروعة) من خلال تقسیم الدراسة الى ثلاثة مباحث، نتناول فی المبحث الأول مبدأ المشروعیة وخضوع الادارة للقانون وفی الثانی موقف المرؤوس من طاعة القرارات الإداریة غیر المشروعة وفی الثالث موقف المشرع العراقی والمقارن من طاعة الرؤساء فی القرارات الإداریة غیر المشروعة.
Abstract
The extent to which a public official obeys illegal administrate decisions is one of the important topics .presidential authority is no longer absolute in modern systems. A subordinate ،s obedience to a superior is not absolute; and the duty of obedience no longer means stripping the superior off his personality، executing all decisions issued. The superior does not possess absolute powers. They are restricted by what is imposed by laws . the superior may go out of the legal umbrella and issue illegal decisions ، there by violating the mast important principle on which the modern state is based ، that is ، the principle of legality and putting the superior between two matters the sweetest of which is bitter. When receiving illegal administratrative decision، the superior either loses the principle of legality and commits to the obedience duty or loses the obedience duty and commits to the principle of legality . therefore ،the problem of obeying illegal administrative decisions raises a dispute among jurists ، leading to three theories (The theory of absolute obedience ، the theory of legality and the theory of middle) through which and through the Iraqi and the comparative legislators provide ، we arrive at the extent to which one can obey illegal administrative decisions . In the light of what is discussed we shall deal with the topic of (the extent to which illegal administrative decisions obedience) through dividing the study into three sections. The first section tackles the principle of legality and the subjection of administration to law. The second section is devoted to the superior،s attitude towards the illegal administrative decisions ، whereas the third section is concerned with the Iraqi and comparative legislators، attitude towards the obedience of superiors in illegal administrative decisions.
المقدمـة
طاعة الرؤساء تعنی الانقیاد لأوامرهم وتنفیذ توجیهاتهم غیر أن الطاعة تتطلب التنبه إلى أمر غایة فی الأهمیة وهو ما مدى ذلک الالتزام ؟ فإذا کان على المرؤوس احترام قرارات الرئیس الإداری المشروعة ألا انه غیر ملزم بطاعة القرارات غیر المشروعة، لأن کل سلطة یخولها القانون إنما الغایة منها هو تحقیق غرض معین فإذا استهدف الرئیس مصلحة شخصیة کان عمله غیر مشروع، لذلک فأن واجب الطاعة ومبدأ المشروعیة یدخلان فی تعارض عندما یکلف الرئیس الإداری المرؤوس بطاعة قراراته الإداریة غیر المشروعة، لیکون المرؤوس بین امرین احلاهما مر هل یخضع لقرار الرئیس ؟ أم یخضع للقانون ؟ لذا یقتضی علینا أن نبین أولاً مبدأ المشروعیة و خضوع الادارة للقانون وثانیاً موقف المرؤوس من طاعة الرؤساء لهذه القرارات غیر المشروعة و موقف المشرع العراقی والمقارن من طاعة القرارات غیر المشروعة .
أهمیة البحث:
طاعة الرؤساء لما لها من أهمیة أصبحت منصوصاً علیها فی أغلب القوانین باعتبارها من الواجبات المستقلة عن طاعة القانون، کما تکمن أهمیة هذا الموضوع فی الوصول الى تحقیق نوع من التوازن بین واجب الطاعة والسلطة الرئاسیة ومبدأ المشروعیة فی حال صدور قرار غیر مشروع عن الرئیس، وذلک لحمایة المرؤوس من تعسف بعض الرؤساء وتعزیز الضمانات، والتی لا نسعى من خلالها تحقیق المصلحة الخاصة للمرؤوس فحسب، انما حمایة المصلحة العامة لضمان حسن سیر العمل الوظیفی وانتظامه فی المرفق العام .
هدف البحث:
یهدف البحث إلى بیان الکیفیة التی یتم من خلالها تنفیذ القرار الإداری دون أن یضر ذلک بمصلحة المرؤوس والإخلال بمبدأ المشروعیة وبالنتیجة الإضرار بالمصلحة العامة، کما تقوم الدراسة بتسلیط الضوء على أهم ما جاء من نصوص تخص واجب الطاعة فی قانون انضباط موظفی الدولة والقطاع العام رقم 41لسنة 1991 موضحین المقصود بمبدأ المشروعیة والنظریات التی قیلت بطاعة الرئیس فی القرارات غیر المشروعة وموقف المشرع العراقی والمقارن.
فرضیة البحث:
تنطلق فرضیة البحث من طبیعة واجب الطاعة باعتباره موضوعا ذا طابع ملموس وهو على تماس مباشر بالواقع لذا فانه یتطلب قواعد تواکب التطور المستمر الذی یحتاج إلى تنظیم مستمر، فان فرضیة بحثنا تقوم على أساس البحث فی التشریع العراقی والمقارن بین واقع یفرض نفسه سواء قام أصحابه باتباع القانون أم تصرفوا فی سیاق اجتهدوا فی تسویغ شرعیته.
مشکلة البحث:
تدور مشکلة البحث حول العدید من التساؤلات ولحل هذه المشکلة نحاول الإجابة عن التساؤلات التالیة: ما الحکم اذا کان القرار الاداری الصادر عن الرئیس الإداری غیر مشروع؟ هل یلزم المرؤوس فی جمیع الحالات بطاعة الرئیس؟ وهل القانون العراقی والمقارن وفر حمایة قانونیة کافیة للمرؤوس؟
منهجیة البحث:
المنهج المتبع هو المنهج المقارن الذی یقوم على الاستقراء للنصوص القانونیة والآراء الفقهیة والأحکام القضائیة لاستخلاص أفضل الحلول للمشکلات التی تطرحها الدراسة.
نطاق البحث:
سنتناول فی هذا البحث (مدى طاعة الموظف العام للقرارات الإداریة غیر المشروعة) فطاعة الرؤساء لها أصل فی الشریعة الإسلامیة کما لها وجود فی القوانین الوضعیة فلها وجود فی القانون الإداری والجنائی وکذلک الدولی وکما هی موجودة فی الوظیفة المدنیة منها لها حضور واسع فی الوظیفة العسکریة لذلک سوف تقتصر دراستنا على واجب الطاعة المشمول بقانون الخدمة المدنیة.
هیکلیة البحث:
فی ضوء ما تقدم تناولنا فی موضوع دراستنا هذه (مدى طاعة الموظف العام للقرارات الإداریة غیر المشروعة ) من خلال تقسیم الدراسة الى ثلاثة مباحث تضمن المبحث الأول مبدأ المشروعیة وخضوع الإدارة للقانون، والثانی موقف المرؤوس من طاعة القرارات الإداریة غیر المشروعة وفی الثالث موقف المشرع العراقی والمقارن من طاعة الرؤساء فی القرارات الإداریة غیر المشروعة.
المبحث الأول
مبدأ المشروعیة وخضوع الإدارة للقانون
إن من أبرز عناصر الدولة القانونیة هو المشروعیة الذی یراد به سیادة حکم القانون والذی یملی على الإدارة الخضوع لحکم القانون والعمل فی نطاقه والالتزام به فی جمیع أعمالها القانونیة والمادیة. من هنا یبرز الدور المهم لهذا المبدأ إذا ما حاد الرئیس الإداری عن القانون، على أن التقید بمبدأ المشروعیة یختلف فی حدوده فی الظروف العادیة عن الظروف الاستثنائیة، ففی الأخیرة یکون الالتزام على قدر من المرونة . وقد استقر الفقه على اصطلاح الدولة غیر القانونیة على الدول التی لا تراعی مبدأ المشروعیة فی تصرفاتها. علیه سنقسم هذا المبحث الى مطلبین نتناول فی الأول مبدأ المشروعیة وفی الثانی خضوع الادارة للقانون.
المطلب الأول
مبدأ المشروعیة
یقصد بمبدأ المشروعیة خضوع سائر سلطات الدولة لأحکام القانون بحیث تکون جمیع تصرفاتها محددة بسیاج قانونی لا تستطیع أن تتعداه، ولا ینصرف هذا المبدأ إلى تصرفات طائفة أو فئة دون أخرى، وإنما یشمل المحکومین فی علاقاتهم والرؤساء فی مزاولة سلطاتهم، وهذا لا یتحقق إلا فی الدولة القانونیة. علیه سنقسم هذا المطلب الى فرعین نتناول فی الفرع الأول المدلولین الضیق والواسع لمبدأ المشروعیة، وفی الثانی نطاق مبدأ المشروعیة.
الفرع الأول
المدلولان الضیق والواسع لمبدأ المشروعیة
تحاول الدول المعاصرة أن تصل إلی ما یسمى دولة القانون، حیث تتصل هذه التسمیة بالوصف العام لمبدأ المشروعیة. إذ تخضع فیه الدول حکاماً وأفراداً للقواعد القانونیة فی تصرفاتها. فتتقید السلطة التشریعیة والتنفیذیة والقضائیة على السواء فی جمیع أعمالها بالقانون وهذا هو مبدأ المشروعیة. ویکاد ینعقد الإجماع بین الفقهاء على إعطاء المشروعیة مدلولاً أرحب، فلا یقتصر مفهومها على مجرد الخضوع للقانون الصادر عن السلطة التشریعیة فحسب إنما یمتد إلى وجوب احترام کل قواعد القانون الوضعی سواء کانت مکتوبة أم غیر مکتوبة طالما کانت تلک القواعد عامة مجردة ومهما اختلفت قیمتها القانونیة. اختلف الفقهاء فی معنى القانون الذی تخضع له سلطات الدولة، فقد ذهب البعض إلى القول بضرورة الوقوف عند التفسیر الضیق لمعنى القانون، لذلک تقرر علو القانون على جمیع الأعمال التی تصدرها سلطات الدولة الأخرى وأحیطت أعمال البرلمان بنوع من القدسیة والاحترام لتکون بمنأى من إی رقابة تحاول النیل منها. أما الرأی الغالب للفقه ذهب إلى إعطاء مدلول واسع فلم یقصره على الخضوع للقانون الذی تصدره السلطة التشریعیة، إنما ذهب إلى ابعد من ذلک لیشمل جمیع القواعد القانونیة أیاً کان مصدرها وشکلها مکتوبة أو غیر مکتوبة.
ونرى ان الرأی الغالب هو الأفضل کون اعتناق المفهوم الواسع لکلمة القانون یشمل جمیع القواعد القانونیة، وهو الذی یحقق الغرض الأساسی من مبدأ المشروعیة فی ضمان حقوق وحریات الأفراد، وتحقیق العدل والمساواة بین الأفراد، ویکفل بناء دولة القانون.
ومن خلال دراسة مبدأ المشروعیة توصلنا إلى وضع تعریف له وهو "سیادة حکم القانون بمعناه الواسع الذی یشمل جمیع القواعد القانونیة، لیخضع الحکام والمحکومین له".
الفرع الثانی
نطاق مبدأ المشروعیة
مبدأ المشروعیة هو احترام الإدارة للقواعد القانونیة والعمل فی نطاقها، بحیث تکون أعمال الإدارة متفقة مع القانون وإلا یکون القرار الذی تتخذه الإدارة غیر مشروع، ولکن سریان هذا المبدأ بصورة مستمرة فی جمیع الظروف یشکل قیدا على الإدارة مما یؤثر سلباً على العمل، وتخفیفاً من حدة هذا المبدأ منح للإدارة سلطات تخفف من حدة تطبیقه مثل السلطة التقدیریة، والظروف الاستثنائیة، وأعمال السیادة، علیه سنبین هذه الاستثناءات، وذلک على النحو الاتی:
أولاً : الظروف الاستثنائیة
التقید بمبدأ المشروعیة یختلف فی الظروف العادیة عن الظروف الاستثنائیة، ففی الأخیرة یکون الالتزام على قدر من المرونة، فتملک السلطة صلاحیات واسعة حتى تستطع مواجهة الظروف الاستثنائیة. فالإدارة تبقى ملزمة فی تصرفاتها فی ظل الظروف الاستثنائیة بالتشریعات الاستثنائیة المقررة لمواجهة هذه الظروف، فإذا خالفت تلک التشریعات عرضت نفسها للمساءلة وأعمالها للإلغاء فالظروف الاستثنائیة لا تلغی مبدأ المشروعیة، لکنها توسع منه، لتکون القرارات التی یصدرها الرئیس الإداری مشروعة وإن کانت تعد غیر مشروعة فی الظروف العادیة. ویجب على المرؤوس الامتثال لتلک القرارات وان شابها عیب من عیوب المشروعیة . ولا تعنی نظریة الظروف الاستثنائیة أن تخرج القرارات الصادرة عن الرئیس من الخضوع لمبدأ المشروعیة بشکل مطلق، إنما القصد من الاستثناء هو توسیع قواعد المشروعیة، أو استبدالها بقواعد المشروعیة الاستثنائیة. لتتمکن من أداء واجبها على الوجه الأمثل. وان القرارات الإداریة الصادرة بناء على سلطات الإدارة الاستثنائیة تبقى خاضعة لرقابة القضاء الإداری.
ونرى أن من حق الإدارة الخروج عن مبدأ المشروعیة فی الظروف الاستثنائیة لمواجهة الظروف التی عصف بها والتی لا یمکن دفعها بالقواعد العادیة وعلى المرؤوس طاعة الرئیس وان کان قراره غیر مشروع قیاساً بالظرف العادی، ولکن أن تکون الطاعة ضمن شروط یجب أن یتبعها الرئیس من وجود ظرف استثنائی حال دون تطبیق قواعد المشروعیة، وان الهدف الذی یسعى له رجل الإدارة هو تحقیق المصلحة العامة وأن یکون الإجراء المتخذ من قبل الرئیس متناسباً مع الظرف الاستثنائی والعودة الى قواعد المشروعیة حال زوال الظرف الاستثنائی.
وبالرجوع الى دساتیر الدول المقارنة والعراق نرى أنها نصت على الظروف الاستثنائیة فقد نص علیها الدستور الفرنسی لسنة 1958المعدل لسنة 2008. والدستور المصری لسنة 2014. وکذلک الدستور العراقی لسنة 2005.
ثانیاً : السلطة التقدیریة
السلطة التقدیریة فی حقیقة الأمر هی أن یتاح للإدارة الانتقاء بین خیارین أو أکثر فی مسألة من المسائل، وهی کلها متوافقة مع مبدأ المشروعیة، ففی ممارسة الإدارة سلطتها التقدیریة فأنها لا تخرج عن على مبدأ المشروعیة، إنما یترک لها التقدیر وفقاً للظروف المحیطة بالمسألة المطروحة لاتخاذ القرار المناسب. حیث یتعین على الإدارة حتى فی ممارسة سلطتها التقدیریة أن تحترم أوجه المشروعیة فیجب أن تکون قراراتها موافقة للقانون بمعناه الواسع وأیاً کان مصدره. لذا فإن حریة الإدارة غیر مطلقة بل هی مقیدة بأن تستهدف قراراتها المصلحة العامةوقد منح المشرع الإدارة هذه السلطة شعوراً منه بان الإدارة أقدر على اختیار الوسائل المناسبة للتدخل لأنه مهما حاول لا یستطیع أن یتصور جمیع الحالات التی قد تطرأ على العمل الإداری ویرسم الحلول لها، فالسلطة التقدیریة ضروریة لحسن سیر العمل. ففی قرار لمجلس شورى الدولة رقم 254 / انضباط / تمییز16/8/2012 (ان نقل الموظف من وظیفته الى اخرى هو سلطة تقدیریة للإدارة و لا یملک القضاء سلطة التعقیب علیها الا فی حالة اساءة استعمال السلطة او الانحراف بها وهو لم یثبت فی الدعوى اذا لم یلحق الممیز ضرر جراء النقل).
ثالثاً : أعمال السیادة
تختلف أعمال السیادة. عن الظروف الاستثنائیة والسلطة التقدیریة التی لا تعمل إلا على توسیع سلطة الإدارة فأعمال السیادة تعد خروجاً صریحاً على مبدأ المشروعیة، أخذ مجلس الدولة الفرنسی بهذه النظریة لتفادی الاصطدام بالسلطة التنفیذیة، وذلک عن طریق إبعاد بعض أعمالها من مجال رقابتها کلیاً، وعندما ثبت المجلس أقدامه بدأ دور هذه النظریة یتقلص لتصبح محصورة بطائفة من الأعمال، وأخذت بالانحصار حتى کادت تفرغ من محتواها، مما یمکن القول بان أعمال السیادة لم یعد لها وجود فی فرنسا فی الوقت الحالی. وکذلک الحال فی العراق إذ نلحظ ان الدستور العراقی لسنة 2005 قد نص على عدم تحصین ای عمل او قرار اداری من الطعن، حیث نصت المادة 100 منه على "یحضر النص بالقوانین على تحصین أی عمل او قرار ضد الطعن". الا ان المحکمة الاتحادیة العلیا فی حکم لها رقم 11/ اتحادیة /2009/ قضت بأن القرار الإداری لا یعد محصناً اذا رسم طریقاً للطعن أیاً کان هذا الطریق حیث جاء فی حکمها ( وتجد المحکمة الاتحادیة العلیا أن نص المادة 100 من الدستور حضر تحصین القرارات والاعمال الاداریة من الطعن ... وان الطعن یمکن ان یتخذ صور اخرى غیر الطعن امام المحاکم ... ومعنى ذلک ان القرار او العمل الاداری الصادر بصدد معاملة المدعیة لا یعتبر محصناً ویمکن الطعن به امام الوزیر).
نؤید ما ذهب الیه الدکتور ماهر صالح علاوی بأن "هذا القرار یعد انتکاسة للآمال التی انتعشت بعد اقرار الدستور والنص على عدم تحصین أی عمل اداری او قرار ضد الطعن بموجب المادة 100 حیث کنا نعده انتصاراً للمشروعیة.
المطلب الثانی
خضوع الرؤساء الإداریین للقانون
یقود مبدأ المشروعیة الى وجوب خضوع الرؤساء والمرؤوسین للقانون، مثلما یجب على السلطات الاخرى احترام القانون، فالسلطة التشریعیة فی الدولة تخضع لأحکام القانون الدستوری، والسلطة التنفیذیة تخضع للقانون، والسلطة القضائیة تطبق القانون فی المنازعات المعروضة علیها، ومن هذا المنطلق فان الرؤساء الاداریین یخضعون للقانون ولا یجوز لهم اصدار قرارات اداریة خارج اطار القانون لیکون بذلک قرارهم مشوباً بعدم المشروعیة ، لذا فإن دولة القانون تبدأ لتکریس مبدأ المشروعیة فی أرض الواقع على نحو یلزم کل هیئات الدولة بمراعاة حکم القانون فی نشاطها وتصرفاتها وعلاقاتها المختلفة، کون ما الفائدة من أن ینظم القانون علاقات وروابط الإفراد وتتحرر هیئات الدولة من الخضوع له. وقد اختلف الفقهاء فی وضع حل لهذه المشکلة فصدرت عنهم ثلاثة آراء وهی:
الرأی الأول: ذهب الى القول بأنه لا یجوز للرؤساء ان یأتوا تصرفاً قانونیاً أو حتى مادیاً یخالف احکام القانون، لیمثل هذا الاتجاه الحد الادنى فی تفسیر مبدأ المشروعیة، کونه یقضی بخضوع الرؤساء والادارة للقانون والالتزام بأحکامه وعدم مخالفته مما یترک لهم سلطة واسعة یتصرفون فیها ما یشاؤون طالما لم یتطرق الى منعها القانون.
الرأی الثانی: یذهب انصار هذا الرأی الى ضرورة أن تستند الادارة ورجالها فی کل تصرف من تصرفاتها الى سند قانونی، فلا یکفی أن یکون التصرف قانونی انما یلزم اضافة الى ذلک أن یستند الى اساس من القانون والا عد عملها غیر مشروع، وفی ذلک توسیع لمبدأ المشروعیة مع الحد من سلطة الرؤساء، فلا یستطیعون اتخاذ ای قرار مالم یکن له سند قانونی وبخلافة یعد التصرف غیر مشروع.
الرأی الثالث: ذهب الى ابعد مما ذهب الیه الرأی السابق، فوسع من مبدأ المشروعیة على حساب سلطة الرؤساء الاداریین وحریاتهم فی اصدار القرارات فجعل الرؤساء مجرد وسیلة تنفذ القانون، وبناءً على ذلک یکون ای قرار یتخذه الرئیس باطلاً أو غیر مشروع ما لم یکن تنفیذاً لقاعدة قانونیة، ویکون للمرؤوس أن یمتنع عن الخضوع لأمره ویتحلل من واجب الطاعة أذا لم یکن القرار الذی اتخذه الرئیس تطبیقاً لقاعدة قانونیة.
ونرى أن هذا الرأی یمثل قیداً على حریة الرؤساء وقدرتهم على ابتکار مبادئ قانونیة على الرغم من کونه یسهم فی حمایة مبدأ المشروعیة ویمنح المرؤوس حریة کبیرة بعدم الطاعة ولا شک ان المشرع مهما بلغ لا یستطیع الالمام بکل صغیرة وکبیرة، لذلک من الافضل منح الرئیس الاداری صلاحیة اکبر، وأن افضل رأی یمکن الاخذ بها هو الرأی الاول.
المبحث الثانی
موقف المرؤوس من طاعة القرارات الإداریة غیر المشروعة
لا یعد واجب الطاعة فی النظم الحدیثة واجباً مطلقاً، فهو لا یعنی تجرید الموظف من شخصیته وجعله تابعاً للرئیس ینفذ ما یأمر به فقط من دون أن یکون إبداء رأیه وحرمانه من التفکیر واستخلاص النتائج، فالتبعیة الرئاسیة لا تعنی فرض أغلال على الموظف وهو یمارس عمله الوظیفی، فالقرارات الإداریة التی تصدر عن الرئیس لیست دائماً مشروعة، فقد تصدر عن الرئیس قرارات إداریة غیر مشروعة لیجد المرؤوس نفسه بین خیارین أحلاهما مر، إما أن ینفذ القرار الرئاسی غیر المشروع وما یحمله من إهدار للقانون أو یهمل واجب طاعة الرئیس، لذا فلا مشکلة تذکر اذا کان القرار الصادر للمرؤوس مشروعاً، ولا مشکلة إذا کان ینطوی على جریمة ظاهرة، لکن المشکلة تثور عندما یأمر الرئیس مرؤوسه بقرار غیر مشروع وعدم مشروعیته لا تصل الى حد الجریمة الظاهرة لنکون أمام سؤال هو الى ای مدى یستطیع المرؤوس أن یطیع قرار رئیسه غیر المشروع ؟ علیه سنقسم هذا المبحث الى ثلاثة مطالب نتناول فی الأول نظریة المشروعیة وفی الثانی النظریة المطلقة وفی الثالث نظریة الوس
المطلب الأول
نظریة المشروعیة
یتزعم هذه النظریة العمید الفرنسی "دیجی" والفقیه "فالین" وتقوم على مبدأ المشروعیة الذی یفرض خضوع الدولة حکاماً ومحکومین للقانون وتقضی بخضوع جمیع الأعمال سواء کانت من الرئیس أم المرؤوس لهذا المبدأ و بناءً على هذا فإن المرؤوس یکون فی حل من تنفیذ القرار المخالف للقانون فلا سمع و لا طاعة لقرار غیر مشروع. فإذا کانت طاعة قرار الرئیس تبدو واجبة، فالقوة الإلزامیة التی تتمتع بها القرارات الرئاسیة لیست مطلقة بل هی قوة نسبیة فلا تثبت الا إذا کان قرار الرئیس مطابقاً للقانون بمعناه الواسع فإذا ما خالف قرار الرئیس القانون وجب على المرؤوس أهدار قرار الرئیس والالتزام بطاعة القانون، وهذه النظریة تجعل للمرؤوس الحق فی إجراء الرقابة المطلقة على مشروعیة قرارات الرؤساء بحیث اذا رأى المرؤوس أن القرار غیر مشروع جاز له عصیان القرار لا بل وجب علیه ذلک. وذهب انصارها الى أن من حق المرؤوس أن یراقب مشروعیة القرار الصادر الیه قبل التنفیذ والى أن المرؤوس الذی ینفذ قرار الرئیس المخالف للقانون یکون قد ارتکب مخالفة یستحق علیها عقوبة تأدیبیة.
الفرع الأول
مزایا نظریة المشروعیة
تتمیز هذه النظریة بالعدید من المزایا وهی:
أولاً: تحتوی على ضمانات تمنع استبداد السلطات العامة للمحکومین وتوکد على مبدأ المشروعیة الذی هو طابع الدولة الحدیثة.
ثانیاً: تمنح هذه النظریة للمرؤوس حریة اکبر فی مناقشة ومراقبة القرارات الإداریة ومراقبة مدى مشروعیتها لیتمکن المرؤوس من اکتشاف ما یشوب القرار من عیوب من لحظة صدوره وأن هذه المیزة تساعد الإدارة على تغییر مسارها الخاطئ من البدایة لتجنب الوقوع بعدم المشروعیة من البدایة. وأن هذا القدر من المناقشة یعد تدریباً عملیاً له إلمامه بکافة الواجبات التی تشتمل علیها الوظیفیة، وتربی فی المرؤوس روح المناقشة ودراسة الموضوعات التی تعرض علیه خاصةً إذا کان یشغل إحدى الوظائف القیادیة.
الفرع الثانی
عیوب نظریة المشروعیة
بالرغم من احتواء هذه النظریة على ما تم بیانه من المزایا، الا انها لم تخلُ من سهام النقد التی وجهت الیها، حیث وجه الیها العدید من الانتقادات وهی:
أولاً : تؤدی هذه النظریة الى اهدار مبدأ سیر المرافق العامة بانتظام واطراد مما یؤدی الى اعاقة العمل فی الوحدة الاداریة کونها تسمح للمرؤوس بالبحث عن مشروعیة القرار الصادر الیه عن رئیسه الإداری ومجادلته والامتناع عن تنفیذ القرار إن رأى عدم مشروعیته.
ونرى صواب هذا النقد کون المرؤوس غالباً ما یکون أقل خبرة ودرایة بالعمل الإداری من الرئیس فقد یرى من وجهة نظره أن القرار هو غیر مشروع فیکون الجدال والنقاش فی غیر محله لینعکس سلباً على سیر العمل فی المرافق العامة.
ثانیاً: لو ابیح للمرؤوس الحق فی رقابة مشروعیة القرارات الإداریة لتحول العمل الى صراع مستمر بین کل من الرئیس والمرؤوس.
ثالثاً: إنّ تطبیقه فی الواقع ینتج عنه انتشار ظاهرة الفوضى فی المرافق والمؤسسات العامة کما انه یجعل المرؤوس بمثابة قاض للمشروعیة یخول صلاحیة فحص قرارات رئیسه.
ونرى أن هذه النظریة وإن کانت على درجة من الصواب ألا اننا نجد ان المرؤوس فی الواقع العملی یصطدم بما یسمى المسؤولیة التأدیبیة فیما لو اعترض أو ناقش القرار الموجه الیه من رئیسه الاداری بحجة أنه خرج عن حدود واجبات الطاعة ومنها طاعة الرؤساء، والتزام الادب والاحترام واللیاقة فی التعامل مع الرئیس خاصةً إذا کان الرئیس من النوع الذی لا یقبل النقاش مع المرؤوس ویعتبره انتقاصاً منه، بحجة أنه على علم وخبرة بالعمل الاداری بحکم منصبه.
المطلب الثانی
نظریة الطاعة المطلقة
على العکس من النظریة السابقة تماماً، فأن هذه النظریة توجب الطاعة للرئیس الإداری وان کانت القرارات التی یصدرها الرئیس للمرؤوس غیر مشروعة، إذ یذهب أنصار هذه النظریة ومن أشهرهم العمید "هوریو" الى ان الطاعة تجب للرؤساء وان کانت قراراتهم غیر المشروعة قد بلغت مبلغها من عدم المشروعیة، طالما عدم المشروعیة لم یصل الى حد ارتکاب جریمة من الجرائم المنصوص علیها فی القانون. لکن على المرؤوس أن یمضی فی طاعة رئیسه حتى فی حالة تعارض قراره مع حکم القانون لتنتقل المسؤولیة بعد ذلک الى عاتق مصدر القرار، کما هو الحال بالنسبة لکل قرار خاطئ یتحمل مسؤولیته من قام بإصداره، وبهذا فإن قواعد المشروعیة قد انحنت أمام اعتبارات السلطة الرئاسیة، فالطاعة على وفق هذه النظریة هی شریعة الموظف. هذا المضمون العام للنظریة. وقد انقسم الفقه حول تحدید طبیعة العمل الذی اتاه الموظف تنفیذاً لقرار الرئیس غیر المشروع الى رأیین، الرأی الأول ذهب الى اباحة الفعل الذی قام به الموظف تنفیذاً لقرار غیر مشروع بإسقاط وصف التجریم عنه، أما الرأی الثانی فقد ذهب الى إعفاء المرؤوس من المسؤولیة لکن مع الابقاء على وصف التجریم، وهذا ما سنبینه من خلال التطرق الى هذین الرأیین: یذهب الرأی الأول الى أنه یترتب على تنفیذ المرؤوس للقرار غیر المشروع الصادر عن رئیسه الإداری الى اسقاط وصف التجریم تماماً عن الفعل الذی اتاه الموظف تنفیذاً لقرار رئیسه وتقتصر الاباحة هنا على ما صدر من الموظف الذی قام بتنفیذ القرار دون الرئیس الذی قام بإصدار القرار لیتحمل الرئیس وزر عمله وحده، مع ملاحظة هذا الرأی هو محل نظر کون تنفیذ القرار بحد ذاته یشکل جریمة ولیس القرار. أما الرأی الثانی فیذهب انصاره الى القول بأن جریمة الموظف تعد مباحة بالنسبة الیه فقط ولکنها تحتفظ بوصفها الإجرامی أمام الغیر، فیجوز له الدفاع الشرعی ضدها.
ونرى أن هذا الرأی لا یتفق مع الطبیعة الموضوعیة لأسباب الاباحة التی تقضی بإسقاط وصف التجریم بجمیع أثاره عن مرتکب الجریمة وعن غیره.
الفرع الأول
مزایا نظریة الطاعة المطلقة
لهذه النظریة عدد من المزایا وهی:
أولاً: من مزایا هذه النظریة انها تقوم على عدم اعطاء الحق للمرؤوس برقابة مشروعیة القرار الإداری، على العکس من نظریة المشروعیة.
ثانیاً: قرینة المشروعیة تعنی أن قرار الرئیس یحمل شهادة بالمشروعیة، وأن الخبرة المتراکمة التی اکتسبتها على مر السنین تجعل من الرئیس اکثر درایة وادارک من المرؤوس فی العمل ومتطلباته، فتکون القرارات التی یصدرها رشیدة.
ثالثاً :یؤدی الاخذ بهذه النظریة الى اعطاء القرار النهائی الى المرؤوس الذی یقوم بالتنفیذ لا الى قرار المحکمة العلیا والى قرار الوزیر.
الفرع ثانی
عیوب نظریة الطاعة المطلقة
أولاً: اهم عیب یمکن أن نستنتجه من هذه النظریة وبمفهوم المخالفة للنظریة المشروعیة هو اهدار مبدأ المشروعیة الذی یعد الطابع الممیز للدولة الحدیثة.
ثانیاً: عدم تمکین الموظف من مناقشة رئیسه الاداری فیما یصدره من قرارات مشروعة کانت أو غیر مشروعة یؤدی الى سلبهم فکرهم ورأیهم.
ثالثاً: الزام المرؤوس بالطاعة المطلقة دون نقاش وتحفظ بالرغم من المخالفة الصادرة عن الرئیس یؤدی الى تشجیع المرؤوس على انتهاک القانون والاعتداء على المصلحة العامة.
رابعاً: تساعد على روح الانقلاب، لما لها من أثر على نفس المرؤوس لفرضها الطاعة المطلقة التی لا تقبل النقاش، کما تحبذ على الاستبداد والتحکم داخل الخلیة الاداریة.
خامساً: تبدد وقت وجهد الادارة ذلک لان القرارات غیر المشروعة غالباً ما تمس مرکزاً قانونیاً لا حد الافراد والذی غالباً ما یتظلم منه المظلوم أو یطعن فیها قضایاً، مما یؤدی الى ارهاق الطرفین بالدفاع عن وجهة نظرهم، ولا یخفی ما لهذا من ضیاع للجهد والوقت لکلا الطرفین، فلو سمحنا للمرؤوس بالنقاش من لحظة صدور القرار لوفرنا الجهد والوقت.
ونرى ان الموظف لیس الة تقوم بتنفیذ القرار المشروع وغیر المشروع وان الطاعة لیست طاعة مطلقة عمیاء تسلب المرؤوس روح التفکیر، وتضعف لدیهم ملکة البحث عن الصواب وتلغی منهم الشجاعة الادبیة التی تمکنه من مواجهة ومناقشة رئیسه الاداری فی حالة خروجه عن مبدأ المشروعیة وحاد عن قواعد القانون لیقوم بإصدار قرار إداری غیر مشروع ویلزم المرؤوس على تنفیذه، ومما لا شک فیه إن کل ذلک ینعکس سلباً على نفسیة الموظف لیکون ذا اثر نفسی سیء على نوعیة وکمیة العمل الوظیفی الذی یقوم به المرؤوس.
المطلب الثالث
النظریة الوسط
هذه النظریة لا تجعل المرؤوس یمتثل لقرار رئیسه غیر المشروع، ولا تشجعه على رفض قرار رئیسه غیر المشروع دون تمحیص انما تحاول التوفیق بین النظریتین السابقتین فهی رأی وسط بین الرأیین السابقین، مقتضاه محاولة التوفیق بینهما فقال اصحاب هذا الرأی انه یجب علی الموظف تنفیذ القرارات غیر المشروعة فی حدود معینة کأن تکون مکتوبة، وواضحة و صادرة عن سلطة مختصة، وانه فی هذه الحالة علی المرؤوس تنفیذ القرار غیر المشروع و یتحمل الرئیس مصدر القرار المسؤولیة عن ذلک ولیس المرؤوس وهذا الرأی تبناه الفقه الفرنسی. ویرى الفقیه (لاباند) ان المرؤوس یکون ملزم بطاعة القرارات الاداریة فی حال توافرت شروطها الشکلیة، دون البحث عن الشروط الموضوعیة لصعوبة فحصها ومن ثم لا مسؤولیة على المرؤوس اذا کان القرار الاداری غیر مشروع من الناحیة الموضوعیة، فهو یرى ان واجب المرؤوس یکمن فی التثبت من ناحیة المشروعیة الشکلیة. أما اذا کانت القرارات الاداریة ظاهرة فی عدم المشروعیة، أو ان تنفیذها یلحق ضراراً بالمصلحة العامة وان هذا الضرر جسیم فلا مجال لتنصل المرؤوس عن مسؤولیته عند التنفیذ، اذ أن علیه أن یمتنع عن تنفیذ القرار حتى وان أصر الرئیس على تنفیذه. وقد قامت هذه النظریة على التفرقة فی هذا الصدد بین العسکریین وبین المدنیین. وقد أختلف انصار هذه النظریة فی ایجاد الحل الوسط الذی یضمن دوام سیر المرافق العامة بانتظام واطراد ویحترم فی نفس الوقت مبدأ المشروعیة وقد نتج عن هذا الخلاف نظریتین هما نظریة الاعتراضات والنظریة الشکلیة.
الفرع الأول
نظریة الاعتراضات
مقتضى هذه النظریة أنه یجب على المرؤوس أن یفحص القرارات التی تصدر الیه من رئیسه الاداری، فإذا تبین له عدم مشروعیتها، علیه أن یبین لرئیسه وجه المخالفة وأن یقوم بتسجیل اعتراضه على القرار غیر المشروع، ففی حالة اصرار الرئیس على القرار فما على المرؤوس الا الطاعة مع اعفاء الاخیر من المسؤولیة عن هذا التنفیذ. أما إذا کانت المخالفة جسیمة یترتب علیها إهدار للمصلحة العامة، وضیاع للحقوق فلا مجال لتنصل المرؤوس من مسؤولیة التنفیذ أذ یجب علیه الامتناع عن الطاعة وان أصر رئیسه الاداری على ذلک .
ونرى أن هذه نظریة قد تکون مجدیة فی حال توهم الرئیس بمشروعیة القرار، أما اذا کان الرئیس قد تعمد مخالفة القرار ففی هذه الحالة لا یجدی تنبیه المرؤوس له، وما یکون أمام المرؤوس الا تنفیذ القرار المخالف وان کان التنفیذ فی هذه الحالة سیعفی المرؤوس من المسؤولیة الا أن القرار غیر المشروع سیبقى منتج لأثاره.
الفرع الثانی
نظریة الشکلیة
أول من نادى بهذه النظریة الفقیه الالمانی لاباند ومقتضى هذه النظریة هو اعطاء الحق للمرؤوس فی فحص ومراقبة القرار الإداری من الناحیة الشکلیة فقط دون التطرق للموضوعیة، فإذا اسفرت نتیجة البحث عن وجود عیب شکلی بالقرار یمتنع المرؤوس عن تنفیذه حتى وان أصر علیه الرئیس، اما اذا لم یوجد فیه عیب شکلی وجب على المرؤوس تنفیذه وان کان فیه عیب موضوعی، وهنا یعفی المرؤوس من المسؤولیة مع انتقال المسؤولیة الى مصدر القرار.
ونرى ان هذه النظریة هی الاقدر على حل مشکلة القرارات الاداریة غیر المشروعة الصادرة من الرئیس الاداری، کون هذه النظریة تقوم بالتوفیق بین واجب احترام القانون واحترام القرارات الرئاسیة، وما یترتب علیها من حسن سیر العمل فی المرافق العامة بانتظام وتجنب الصراع الذی قد یحصل بین الرئیس والمرؤوس، کون هذه النظریة تلزم المرؤوس بالطاعة فی جمیع الاحوال، مع لفت نظر الرئیس الى القرار غیر المشروع وفی حالة اصرار الرئیس على القرار غیر المشروع تنتفی مسؤولیة المرؤوس عن التنفیذ، ولکن تبرز لدینا مشکلة کبیرة وهی ان القرار غیر المشروع سینفذ وان نجا من المسؤولیة المرؤوس بتنبیه الرئیس بالمخالفة.
المبحث الثالث
موقف المشرع العراقی والمقارن من طاعة الرؤساء فی القرارات الإداریة غیر المشروعة
لواجب الطاعة اهمیة کبیرة باعتباره من الواجبات الوظیفیة المهمة حیث نصت علیه غالبیة التشریعات، ولضمان سیر المرافق العامة بانتظام واطراد، وضمان تنفیذ القوانین لحمایة المرؤوس فی حال خروج الرئیس عن نطاق القانون واصدار قرارات غیر مشروعة، والموظف الذی یقبل الانتماء إلى التنظیم الإداری علیه أن یخضع لقواعد هذا التنظیم بما فیها قبوله لسلطات رؤسائه فی إصدار القرارات وأی خروج على هذا الواجب یضعه فی مرکز المتمرد على القواعد التی ارتضتها الجماعة وتسوغ مسائلته تأدیبیا، لان أی أحساس من جانب المرؤوس بالاستهانة بالقرارات التی یوجهها رؤسائه ومحاولة التملص منها، هو معول هدم النظام الإداری وهناک نصوص قانونیة تلزم الموظف بالطاعة سواء کانت فی التشریعات الأنظمة المقارنة أم فی التشریع العراقی، علیه سنقسم هذا المبحث الى ثلاثة مطالب نتناول فی الاول موقف المشرع الفرنسی وفی الثانی المصری وفی الثالث العراقی وذلک على النحو الاتی :
المطلب الأول
فی فرنسا
أهتمت التشریعات الفرنسیة بموضوع طاعة الرؤساء فقد نصت المادة (28) من قانون التوظیف الفرنسی لسنة 1983على "یعتبر الموظف العام أیاً کان موقعه فی الهرم الإداری مسؤولاً عن تنفیذ المهمات المنوطة به ویتعین علیه احترام التعلیمات الصادرة إلیه من رئیسه الإداری الأعلى، إلا إذا کانت هذه التعلیمات والأوامر غیر مشروعة ومن شأنها أن تلحق ضرارً فادحاً بالمصلحة العامة". وعلى هذا الأساس فإن الموظف یلتزم بطاعة قرار رئیسه حتى إذا کان مخالفا للقانون لضمان سیر المرافق العامة بانتظام واطراد، لکن یجب عدم المبالغة فی ذلک إذ أن على الموظف الامتناع عن طاعة رئیسه إذا کان تنفیذ الأمر یهدد المصلحة العامة تهدیدا جسیما وهذا ما استقر علیه مجلس الدولة الفرنسی فی کثیر من قراراته. کما بین المشرع الفرنسی فی قانون الجنایات الاثر المترتب على تنفیذ قرارات الرؤساء غیر المشروعة فی حالتین: الاولى تتعلق بقیام المرؤوس بتنفیذ قرار رئیس تجب طاعته أو اعتقد لأسباب معقولة ان طاعته واجبه، فنتج عن فعله اعتداء على حقوق وحریات الافراد، فیترتب على ذلک اعفاء المرؤوس من المسؤولیة الجنائیة، على ان یتحمل رئیسه المسؤولیة الناجمة عن فعله الحالة الثانیة: تتعلق هذه الحالة باستخدام السلطة وتنفیذ القرارات الرئاسیة بهدف اعمال القانون وتنفیذ احکامه، وهنا یعفى المرؤوس من المسؤولیة عن افعال القتل والجروح الواقعة تنفیذاً لذلک، هذا ما یتعلق بالوظیفة المدنیة. أکد المشرع الفرنسی على واجب الطاعة فی اغلب تشریعاته فقد نص قانون الموظفین لسنة 1941فی المادة (13) على "ان الموظفین على اختلاف درجاتهم یخضعون للنظام القائم على سلطة الرؤساء وعلى الطاعة والإخلاص لهم". ونصت تلک المادة على أن الطاعة للرؤساء یجب أن تکون تامة، فإذا ما بدا لأحد المرؤوسین أن الأوامر التی تلقاها تنطوی على مخالفة للقانون، أو تنفیذها یجلب أضرارا جسیمة، فعلیه أن یبدی وجهة نظره فی ذلک إلى الرئیس، وإذا أصر على أمره فان الطاعة تکون واجبة على المرؤوس.
المطلب الثانی
فی مصر
نصت المادة (76/8) من قانون العاملین المدنیین بالدولة المصری رقم 47 لسنة 1978 على "الموظف أن ینفذ ما یصدر الیه بدقة وأمانة وذلک فی حدود القوانین واللوائح والنظم المعمول بها ویتحمل کل رئیس مسؤولیة الأوامر التی تصدر عنه کما یکون مسؤولاً عن حسن سیر العمل فی حدود أخصاصه".
ونرى من خلال هذا النص إن المشرع المصری لم یوفر الحمایة المطلوبة للمرؤوس ففی حالة إصرار الرئیس على القرار غیر المشروع یلزم المرؤوس على التنفیذ، هذا طبعاً بعد صدور القرار کتابة وتنبیه المرؤوس للرئیس بعدم مشروعیة القرار المطلوب تنفیذه، وأن الواقع العملی کما لمسناه فی الوظیفة یؤکد بأن هناک العدید من القرارات تصدر بشکل شفوی، بالإضافة لصعوبة مناقشة الرئیس، هذا ولم یوفر المشرع الحمایة لمبدأ المشروعیة عندما ینص المشرع بشکل صریح على تنفیذ القرار غیر المشروع وإعفاء المرؤوس من المسؤولیة.
کما ونص قانون العقوبات المصری على بعض مظاهر الاخلال بواجبات الوظیفة أو الامتناع عن تنفیذه وذلک حرصاً من المشرع على کفالة حسن سیر العمل فی المرفق العام فقد نص فی المادة (123/1) "کل موظف عام استعمل سلطة وظیفیة فی وقف تنفیذ الاوامر الصادرة من الحکومة... أو وقف تنفیذ أمر صادر إلیه من أی جهة مختصة، وینطوی تحت ذلک أی أمر من رئیس صادر إلى موظف یکلفه بعمل من الاعمال". ومن الجدیر بالذکر ما نصت علیه المادة (124/3) من القانون اعلاه ان ترک العمل أو الامتناع عنه ینطوی تحته العمل الذی یکلف به المرؤوس من جانب الرؤساء ثم یترکه أو یمتنع عنه. بالنسبة للمسؤولیة الجنائیة، فأنه إذا کان القرار الرئاسی منطویاً على جریمة جنائیة، فلا یجوز للمرؤوس تنفیذ القرار، حیثُ لا یملک الرئیس الاداری تکلیف أحد المرؤوسین بارتکاب جریمة جنائیة، لأن الحظر الذی یفرضه قانون العقوبات موجه للجمیع، بغض النظر عن أوضاعهم الاجتماعیة أو مراکزهم القانونیة، فإذا نفذ المرؤوس هذا القرار المنطوی على جریمة جنائیة عوقب بعقوبة تلک الجریمة، دون أن یکون قرار الرئیس شافعاً له. فقد نصت المادة (167) من القانون المدنی المصری على أنه "لا یکون الموظف العام مسؤولاً عن عملة الذی اضر بالغیر اذا قام به تنفیذا لأمر صدر الیه من رئیس، متى کان طاعة هذا الامر واجبة علیه أو کان یعتقد أنها واجبة، واثبت انه کان یعتقد مشروعیة العمل الذی وقع منة وکان اعتقاده مبنیا علی اسباب معقولة وأنه راعی فی عملة جانب الحیطة". ولدى شراح القانون المدنی المصری أن الضرر هو إخلال بحق مالی أو مصلحة مالیة للمضرور والاخلال بحق مالی قد یصیب المضرور بشخصه کالاعتداء علیه بالضرب او الجرح أو القتل، ویستوی هذا الحق ان یکون عینیاً او شخصیاً او اخلالاً بمصلحة مالیة للمضرور کالذی اصیب بحادث سیارة واصبح عاجزاً عن الکسب. من خلال هذا النص یتبین ان المرؤوس یکون مسؤولاً مدنیاً عن الضرر الذی الحقه بالغیر من جراء تنفیذه للقرار الاداری غیر المشروع الصادر الیه من رئیسه ولا یعفى من المسؤولیة الا إذا استوفى الشروط المنصوص علیها فی هذه المادة والتی یمکن أن نکتشفها بسهولة وهی صدور القرار من رئیس تجب طاعته أو کان یعتقد وجوب طاعته وکان اعتقاده مبنیاً على اسباب معقولة.
المطلب الثالث
فی العراق
فی العراق نص البند ثالثا من المادة (4) من قانون انضباط موظفی الدولة رقم (14) لسنة 1991 المعدل على قیام الموظف "باحترام رؤسائه والتزام الأدب واللیاقة فی مخاطبتهم وإطاعة أوامرهم المتعلقة بأداء واجباته فی حدود ما تقتضی به القوانین والأنظمة والتعلیمات، فإذا کفی هذه الأوامر مخالفة فعلى الموظف أن یبین لرئیسه کتابةً وجه تلک المخالفة ولا یلتزم بتنفیذ تلک الأوامر إلا إذا أکدها رئیسه کتابة وعندئذ یکون الرئیس هو المسؤول عنها".
ونرى من خلال نص هذه المادة أن المشرع العراقی ألزم الموظف باحترام وطاعة رئیسه والتزام اللیاقة معه وعدم الخروج عن أوامره، وله فقط أن ینبه الرئیس بأنه أمره غیر مشروع لکی یستطیع أن ینجو من المسؤولیة، فالموظف علیه واجب الطاعة حتى وان لم تنص القوانین على ذلک وفق الهرم الإداری الذی یخضع له الموظف الأدنى للموظف الأعلى .
فإذا ما شاب واجب الطاعة أی خلل من عدم احترام للرؤساء أو احتقارهم فإن ذلک یرتب المسؤولیة التأدیبیة، وفی اخر الامر ایقاع الجزاء التأدیبی على المرؤوس المخالف، وتقدیر مدى توافر الخطأ الاداری متروک للإدارة، وللعرف الاداری شأن کبیر فی تحدید هذا الخطأ تبعاً لکل وظیفة . فواجب طاعة الرؤساء هو أهم واجب من الواجبات التی تقع على عاتق الموظفین، فهو المسؤول عن نجاح العمل الإداری، وهو المسؤول فی حالة کان القرار الرئاسی مخالفة للقانون عند بیان الموظف وجه المخالفة صراحة وبدلیل کتابی. فی العراق الموظف یخضع لقانون العقوبات حاله حال أی شخص عادی، إذا توافرت أرکان الجریمة فی الفعل الذی ارتکبه، لذا سوف یستحق عقاباً جنائیاً الى جانب العقاب التأدیبی. فقد نصت المادة (10/3) من قانون انضباط موظفی الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل على "إذا رأت اللجنة أن فعل الموظف المحال علیها یشکل جریمة نشأت عن وظیفته أو أرتکبها بصفته الرسمیة فیجب علیها ان توصی بإحالته الى المحاکم المختصة". لذا فإن التصرف الذی یشکل الاثم الجنائی یختلف عن ذلک الاثم فی المسؤولیة التأدیبیة کون الاخیر یجد اساسه فی إخلال الموظف بواجباته الوظیفیة، أما الاثم فی المجال الجنائی فیتمثل بمخالفة نص صریح فی القانون وهو واجب احترام الافراد للقانون والقواعد المکملة، وهذا التزام عام یشترک فیه الجمیع سواء کانوا موظفین أم غیر موظفین، لکن یکون للموظف نوع من الخشیة بأن یکون عمله محلاً للمسؤولیة الجنائیة . نص المشرع العراقی فی المادة (40) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 بنص مشابه الى نص المادة ( 114) من القانون الجنائی الفرنسی، والمادة (63) من القانون الجنائی المصری، فأورد (لا جریمة اذا وقع الفعل من موظف أو شخص مکلف بخدمة عامة فی الحالات التالیة: اولاً: اذا قام بسلامة نیة بفعل تنفیذاً لما أمرت به القوانین أو اعتقد ان اجراؤه من اختصاصه. ثانیاً: اذا وقع الفعل منه تنفیذ لأمر صادر من رئیس تجب علیه طاعته أو اعتقد ان طاعته واجبه علیه، ویجب فی الحالتین ان یثبت ان اعتقاد الفاعل بمشروعیة الفعل مبنیاً على اسباب معقولة وانه لم یرتکبه إلا بعد اتخاذ الحیطة المناسبة ومع ذلک فلا عقاب فی الحالة الثانیة اذا کان القانون لا یسمح للموظف بمناقشة الامر الصادر الیه). یتضح من هذا النص انه تضمن حالتین یکون عمل الموظف فیها مباحاً هما، تنفیذ امر القانون والرئیس.
ونرى ان کان قرار الرئیس واضحاً فی عدم مشروعیته، بمعنى اذا کان متضمناً ارتکاب جریمة، فلا یجوز للمرؤوس ان ینفذ هذا القرار، لان طاعة الرؤساء لا ینبغی ان تکون جریمة وعلى عاتق المرؤوس یقع عبء اثبات ما یدعیه من ان القرار کان صادراً عن رئیس مختص واجب الطاعة أو انه اعتقد بناءً على اسباب معقولة ان طاعته کانت واجبه.
یؤدی الاخلال بواجب الطاعة من جانب المرؤوس الى قیام المسؤولیة المدنیة، وذلک عن تنفیذ قرار إداری غیر مشروع صادر الیه من رئیسه ینتج عنه ضرر للغیر، لذا فإن المشرع العراقی فی القانون المدنی العراق رقم 40 لسنة 1951 فی المادة (186) نص على "إذا أتلف أحد مال غیره أو أنقص قیمته مباشرةً أو تسبباً، یکون ضامناً إذا کان فی احداثه هذا الضرر قد تعمد أو تعدى" وکذلک ما نصت علیه (204). کما نصت المادة 215 على "کل تعدی یصیب الغیر بأی ضرر أخر غیر ما ذکر بالمواد السابقة یستوجب التعویض". 1 – یضاف الفعل الى الفاعل لا الامر ما لم یکن مجبراً على ان الاجبار المعتبر فی التصرفات الفعلیة هو الاکراه الملجئ وحده. 2 – ومع ذلک لا یکون الموظف العام مسؤولاً عن عمله الذی اضر بالغیر اذا قام به تنفیذاً لأمر صدر الیه من رئیسه متى کانت اطاعة هذا الامر واجبة علیها و یعتقد انها واجبة وعلى من احدث الضرر ان یثبت انه کان یعتقد مشروعیة العمل الذی اتاه بان یقیم الدلیل على انه راعی فی ذلک جانب الحیطة وان اعتقاده کان مبنیاً على اسباب معقولة.
الخاتمـة
بعد ان انتهینا من دراسة مدى طاعة القرارات الاداریة غیر المشروعة مبتدئین مبدأ المشروعیة ومنتهین بموقف المشرع العراقی والمقارن متوسمین بمنهج یعتمد على المقارنة بین کل من فرنسا ومصر والعراق، فقد توصلنا الى جملة من النتائج والتوصیات وکما یأتی:
أولاً: النتائج
1- تعد طاعة الرئیس من الواجبات التی تحتل مکان الصدارة بین واجبات الموظفین وواجب الطاعة هو الدعامة الاساسیة فی کل تنظیم إداری وان ای إخلال به یؤثر بشکل سلبی على سیر وانتظام العمل داخل المؤسسة الإداریة ویعد الاساس لبقیة الواجبات الاخرى.
2- عدم قدرة القوانین على تزوید المرؤوسین بکل بتفصیلات ممارسة الوظیفة ومنها واجب الطاعة لذا فإن الرؤساء الإداریین هم الذین یسدون الفراغ التشریعی فی بعض القوانین .
3- یختلف القرار غیر المشروع باختلاف الظروف، لأن الإدارة قد تواجه ظروف استثنائیة لا یمکن أن تواجهها بقواعد العادیة، ومن اجل مواجهة الاخطار والمحافظة على مرافقها لها أن تخرج عن مبدأ المشروعة، لا بل علیها أن تخرج لمواجهة الظروف الاستثنائیة.
4- دخول واجب الطاعة فی عراک شدید مع مبدأ المشروعیة عندما یجد المرؤوس نفسه أمام بعض القرارات التی تتعارض مع مبدأ المشروعیة ،لذا فأن هناک ثلاث نظریات تبین لنا موقف المرؤوس من طاعة القرارات الإداریة غیر المشروعة وهی ( نظریة المشروعیة، ونظریة الطاعة المطلقة، ونظریة الوسط) تباین موقف الدول المقارنة للأخذ بها.
ثانیاً: التوصیات:
1- ندعو المشرع بإضافة ما یأتی على نص المادة (الرابعة / ثالثاً ) من قانون انضباط موظفی الدولة والقطاع الاشتراکی رقم 14 لسنة 1991
أ- فی حال أصرار الرئیس على تنفیذ القرار الإداری غیر المشروع بالرغم من اعتراض المرؤوس على ذلک، على المرؤوس أن یرفع الاعتراض مشفوعاً بالأسباب الداعیة ووقوع المخالفة التی یتضمنها القرار الاداری غیر المشروع الى السلطات العلیا لتقرر بشأنه ما تراه.
ب- الغاء شرط الکتابة (... ولا یلتزم بتنفیذ الاوامر الا اذا اکدها رئیسه کتابةً ) لیکون متضمناً حمایة اکبر للمرؤوس خصوصاً فی الظروف الاستثنائیة التی تستوجب صدور القرار فوراً ولا یوجد وقت للمناقشة والغاء الشرط الذی یقضی بأن یکون اعتراض المرؤوس مکتوباً.
ج- ندعو المشرع العراقی الى اصدار قاعدة قانونیة تنص صراحة على واجب رفض الطاعة للقرارات الاداریة غیر المشروعة، اسوةً بالمشرع الفرنسی .
2- نؤید ما ذهب الیه المشرع العراقی فی دستور 2005وندعو المشرع العراقی الى عدم تحصین الى عمل مستقبلاً من الرقابة، کون التحصین یشکل خرق لمبدأ الفصل ما بین السلطات ویستغله الرؤساء الإداریین بإصدار قرارات غیر مشروعة ویلزمون المرؤوسین بطاعتها .
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: legal books
1- Dr. Ahmed Fathi Sorour, Foundations of the Penal Code, General Section, General Theory of Crime, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 1972.
2- Dr. Tharwat Badawi, Administrative Decisions and the Principle of Legitimacy, Arab Renaissance House, Cairo, 1968-1969.
3- Dr. Fawzi Hobeish, Public Service and Personnel Management, Police Press, Lebanon, 1986.
4- Dr. Shaaban Abdel Hakim Salama, Presidential Order in Administrative Law and Islamic Jurisprudence, Dar Al-Fikr Al-Arabi, Alexandria, 2011.
5- Dr. Sabri Chalabi Ahmed Abdel Aal, Controls of the Employee's Exercise of Political Rights and Freedoms, Legal Books House, Dar Shatat Publishing and Software, Cairo, 2010.
6- Dr. Sidqi Mohammed Amin Issa, Compensation for Damage and the Extent of its Transformation of the Paper, National Center for Legal Publications, Cairo, 2014.
7- Dr. The Jurisdiction of the Shelf, The Principle of Legitimacy and the Controls of the Subjugation of the State to Law, Cairo Modern Library, 1963.
8- Dr. Asim Ahmed Ajila, Obeying the Presidents in the Public Service, World of Books, Cairo, 2009.
9- Dr. Abdul Rahman Rahim Abdullah, Lectures on the Principle of Legitimacy and its Scope, Shehab Press, Erbil, 2011.
10- Dr. Abdul Latif Kutish, General Administration from Theory to Practice, Halabi Publications, Lebanon, 2013.
11- Dr. Othman Salman Ghailan Aboudi, Explanation of the provisions of the Law of Discipline of State Employees and Public Sector No. 14 of 1991, I, National Library, Baghdad, 2010.
12- Dr. Ali Abdel Fattah Mohamed, Al - Wajeez in the Administrative Judiciary The Principle of Legality of the Abolition Case, New University House, Alexandria, 2009.
13- Dr. Majed Ragheb Al-Helw, Administrative Judiciary, Knowledge Establishment, Alexandria, 2004.
14- Dr. Mazen Lilo Radi, Administrative Judiciary, Modern Institution, Lebanon, 2013.
15- Dr. Maher Saleh Allawi Jubouri, the mediator in administrative law, I 2, Dar Abn Atheer for printing and publishing, University of Mosul, 2012.
16- Dr. Mohamed Abdel Hamid Abu Zeid, Obedience to Presidents and the Principle of Legitimacy Comparative Study, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1988.
17. d. Mohammed Yacoub Saidi, Principles of Administrative Law, C1, Al-Zahraa Press, Baghdad, b.
18- Dr. Mohiuddin Al-Qaisi, Administrative Law, I, Halabi, Lebanon, 2007.
Second: Letters and university degrees
Khalid Mohammed Khalid, Responsibility of Presidents or Leaders before the International Criminal Court, Master Thesis, Faculty of Law, Arab Open Academy, Denmark, 2008.
2 - Ali Kadouri Jaafar, The Role of Administrative Control in Ensuring the Principle of Legitimacy, Master Thesis, Faculty of Law, Nahrain University, 2012.
3. Kedar Abdul Qader Saleh Al-Sau, The Legal System of the Actual Employee Comparative Study, PhD Thesis, Faculty of Law, University of Mosul, 2005.
4- Mazen Lailo Radhi, subordinate obedience to his superiors in the field of public office, Faculty of Law, University of Baghdad, b.
5- Mohammed Jawdat Al-Malat, Disciplinary Responsibility of the Public Employee, PhD thesis, Faculty of Law, Cairo University, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 1967.
Third: Research and Articles
1 - Amir Hassan Jassim, Theory of exceptional circumstances and some contemporary applications, research published in the Journal of Tikrit University, Volume (14), No. (8), 2007.
2- Dr. Saleh Al Zaidani, Legal Protection of the Employee in Respect of Obeying Illegal Orders, Comparative Study, Research published in Jurisprudence and Law Journal, Third Issue, Year 2013.
3. Journal of Legislation and Judiciary, fifth year, third issue, 2013.
Fourth: Laws
1. The French Employees Act of 1941.
2. The Civil Servants Act of the State of Egypt No. 47 of 1978.
3 - the law of discipline of state employees and the socialist sector No. (14) for the year 1991 amended.
Fifth: Constitutions
1- The Constitution of Iraq for the year 2005.
2. The Egyptian Constitution of 2014.
Sixth: The Internet (Internet)
1. General principles of administrative organization, research published on the website:
http://www.startimes.com.
2. The extent of the responsibility of the public official to carry out illegal presidential orders. Research published on the website: https://idara-dz.blogspot.com.
3 - Nidal Jihad Al-Hayek, the employee's execution of illegal orders, research published on the website: https://pulpit.alwatanvoice.com.
4- The Theory of Sovereign Business Research published on the website:
https://www.dorar-aliraq.net/threads.