الملخص
تعد حکومة تصریف الاعمال حکومة انتقالیة فرضها الواقع السیاسی الجدید تحتم وجود حکومة مؤقتة تضمن استمرار المرافق العامة والمؤسسات. وان أساس وجود حکومة تصریف الأعمال قائم على التوفیق بین مبدأین هما مبدأ استمراریة الدولة بهدف استمرار الحیاة العامة، وهذا المبدأ یوجب بقاء الحکومة عند استقالتها أو اعتبارها مستقیلة لتصریف الاعمال الیومیة ولو فقدت کیانها الحکومی المشروع، ومبدأ المساءلة البرلمانیة للحکومة عن سیاستها العامة.
فصلاحیات هذه الحکومة محصورة فی تصریف الاعمال العادیة والعاجلة والتی تقتصر على ممارسة الاختصاصات الضروریة لاستمرار أداء المرافق العامة بانتظام واضطراد ولا تنطوی على خیار سیاسی بحیث تضمن عدم خروجها عن النطاق المحدد لها حفاظاً على سیادة مبدأ المشروعیة ولکن هذه الصلاحیات المحدودة ممکن ان تتوسع فی ظروف استثنائیة تستوجب حمایة مصالح الدولة وأمنها الداخلی والخارجی والتزاماتها الدولیة .
وتکمن مشکلة البحث فی عدم وجود نظام قانونی متکامل لعمل هذه الحکومة فی ظل وجود نصوص دستوریة تشیر الى قیام حکومة تصریف الاعمال دون بیان نطاق عملها وبالتالی صعوبة حصر ما یدخل من اعمال فی نطاق صلاحیات حکومة تصریف الاعمال والاعمال التی تخرج منها وفیما اذا کانت اختصاصات الحکومة فی ظل تصریف الاعمال تنصرف الى کافة الاختصاصات ام هناک استثناءات على ممارسة البعض منها مما یعد فجوة دستوریة یتطلب الامر معالجتها.
ویهدف البحث الوقوف على ماهیة حکومة تصریف الاعمال من خلال تحدید مفهومها وطبیعتها القانونیة والتعرف على اهم حالات حکومة تصریف الاعمال وایضا الاختصاصات العادیة والاستثنائیة التی تمارسها الحکومة خلال فترة تصریف الاعمال موضحاً موقف القضاء الاداری من قرارات حکومة تصریف الاعمال.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
حکومة تصریف الأعمال وحدود ممارستها لصلاحیاتها-(*)-
سیفان بأکراد میسروب کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Sivan Bakrad Mesrob College of law / University of Mosul Correspondence: Sivan Bakrad Mesrob E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 1/10/2018 *** قبل للنشر فی 21/11/2018.
(*) Received on 10/10/2018 *** accepted for publishing on 21/11/2018.
Doi: 10.33899/alaw.2019.160804
© Authors, 2019, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
تعد حکومة تصریف الاعمال حکومة انتقالیة فرضها الواقع السیاسی الجدید تحتم وجود حکومة مؤقتة تضمن استمرار المرافق العامة والمؤسسات. وان أساس وجود حکومة تصریف الأعمال قائم على التوفیق بین مبدأین هما مبدأ استمراریة الدولة بهدف استمرار الحیاة العامة، وهذا المبدأ یوجب بقاء الحکومة عند استقالتها أو اعتبارها مستقیلة لتصریف الاعمال الیومیة ولو فقدت کیانها الحکومی المشروع، ومبدأ المساءلة البرلمانیة للحکومة عن سیاستها العامة.
فصلاحیات هذه الحکومة محصورة فی تصریف الاعمال العادیة والعاجلة والتی تقتصر على ممارسة الاختصاصات الضروریة لاستمرار أداء المرافق العامة بانتظام واضطراد ولا تنطوی على خیار سیاسی بحیث تضمن عدم خروجها عن النطاق المحدد لها حفاظاً على سیادة مبدأ المشروعیة ولکن هذه الصلاحیات المحدودة ممکن ان تتوسع فی ظروف استثنائیة تستوجب حمایة مصالح الدولة وأمنها الداخلی والخارجی والتزاماتها الدولیة .
وتکمن مشکلة البحث فی عدم وجود نظام قانونی متکامل لعمل هذه الحکومة فی ظل وجود نصوص دستوریة تشیر الى قیام حکومة تصریف الاعمال دون بیان نطاق عملها وبالتالی صعوبة حصر ما یدخل من اعمال فی نطاق صلاحیات حکومة تصریف الاعمال والاعمال التی تخرج منها وفیما اذا کانت اختصاصات الحکومة فی ظل تصریف الاعمال تنصرف الى کافة الاختصاصات ام هناک استثناءات على ممارسة البعض منها مما یعد فجوة دستوریة یتطلب الامر معالجتها.
ویهدف البحث الوقوف على ماهیة حکومة تصریف الاعمال من خلال تحدید مفهومها وطبیعتها القانونیة والتعرف على اهم حالات حکومة تصریف الاعمال وایضا الاختصاصات العادیة والاستثنائیة التی تمارسها الحکومة خلال فترة تصریف الاعمال موضحاً موقف القضاء الاداری من قرارات حکومة تصریف الاعمال.
Abstract
The caretaker government is a transitional government imposed by the new political reality that necessitates an interim government that guarantees the continuity of public facilities and institutions.
The principle of the existence of a caretaker government is based on concordance between two principles: the principle of continuity of the state for the purpose of the continuation of public life، and this principle requires the survival of the government when it resigns or is considered resigned to the conduct of daily business even if it lost its legitimate governmental entity and the principle of parliamentary accountability of the government for its general policy.
The powers of this government are limited to the conduct of normal and urgent work، which is limited to the exercise of the necessary competencies to continue the performance of public facilities regularly and steadily and does not involve a political option so as to ensure that they do not depart from the specified scope in order to preserve the rule of legality، but these limited powers can expand in exceptional circumstances Protect the interests، internal and external security of the State and its international obligations.
The problem of research is research is the lack of an integrated legal system for the work of this of government in the presence of constitutional provisions referring to the caretaker government without specifying the scope of its work and thus the difficulty of limiting the work that comes within the powers of the caretaker government and the work that comes out of it The administration of the business has been left to all jurisdictions or there are exceptions to the practice of some of them، which is a constitutional gap that needs to be addressed.
The aim of the research is to identify the nature of the caretaker government by defining its concept and legal nature، and to identify the most important cases of the caretaker government، as well as the ordinary and special functions exercised by the government during the period of the business explaining the position of the administrative judiciary of the decisions of the caretaker government.
المقدمـة
یُعد مصطلح حکومة تصریف الاعمال من المصطلحات الدستوریة ذات الطابع السیاسی إذ لم تحدد الدساتیر بدقة مفهوم وصلاحیات حکومة تصریف الاعمال وإنما هناک مجموعة من الاحکام القضائیة والآراء الفقهیة القانونیة المبنیة على وقائع سیاسیة ومتأثرة بشکل کبیر بالانتماء أو بتبنی اتجاهات سیاسیة معینة ، ولقد وجدت هذه الحکومة لغرض استمراریة سیر المرافق العامة الذی یعد ضروریاً لاستمراریة الدولة وبالتالی بقاء الحکومة، اذ یؤدی توقف سیر المرفق العام، أو عدم سیره سیراً منتظماً إلى توقفه عن تقدیم الخدمات الضروریة أو قصوره عن إشباع حاجات الأفراد وبالتالی تقع الأضرار ویختل نظام المجتمع ، لذا فان حکومة تصریف الاعمال تستمر بممارسة اختصاصاتها بالشکل الذی یکفل الحد الادنى لاستمرار مرافق الدولة بأداء وظائفها الضروریة.
1 .أهمیة البحث
یُعد هذا الموضوع من المواضیع المهمة والحساسة بل یعد موضوع الساعة مما یتطلب الأمر المزید من البحث والاهتمام فی ظل قلة البحوث القانونیة والرسائل العلمیة التی تناولت هذا الموضوع مع غیاب التشریعات القانونیة التی تنظم هذا الموضوع فی الدول التی تلجأ کثیراً الى حکومة تصریف الاعمال مستنداً الى بعض الآراء الفقهیة والاجتهادات القضائیة المتعلقة بموضوع البحث.
2. الهدف من البحث
یهدف البحث الوقوف على ماهیة حکومة تصریف الاعمال من خلال تحدید مفهومها وطبیعتها القانونیة والتعرف على اهم حالات حکومة تصریف الاعمال وایضا الاختصاصات العادیة والاستثنائیة التی تمارسها الحکومة خلال فترة تصریف الاعمال موضحاً موقف القضاء الاداری من قرارات حکومة تصریف الاعمال.
3. إشکالیة البحث:
تکمن مشکلة البحث فی عدم وجود نظام قانونی متکامل لعمل هذه الحکومة فی ظل وجود نصوص دستوریة تشیر الى قیام حکومة تصریف الاعمال دون بیان اختصاصاتها وحدود عملها فی ظل ظروف معینة ای لا یوجد نص دستوری أو تشریعی یحدد مفهوم ونطاق عمل حکومة تصریف الاعمال بالمعنى الضیق لتصریف الاعمال ، وإنما اغلبها بنیت على اجتهادات فقهیة وقضائیة وبالتالی عدم وجود معیار دقیق یمکن من خلاله حصر ما یدخل من اعمال فی نطاق صلاحیات حکومة تصریف الاعمال والاعمال التی تخرج منها مما یعد فجوة دستوریة یتطلب الامر معالجتها.
4. فرضیة البحث :
یشکل مصطلح حکومة تصریف الاعمال مصطلحاً دستوریاً قانونیاً ذا طابع سیاسی ینطوی على ممارسات سیاسیة مختلفة بحسب طبیعة وظروف کل دولة دون تحدید وجود نصوص تشریعیة تحدد مضامین وحدود عمل حکومة تصریف الاعمال.
5. نطاق البحث :
یتحدد نطاق البحث من خلال استعراض ودراسة وتحلیل النصوص الدستوریة التی تنظم حکومة تصریف الاعمال بحسب طبیعة وظروف کل دولة ممثلة فی العراق وفرنسا ولبنان والمغرب مبیناً الاجتهادات الفقهیة والقضائیة المتعلقة بشأن حکومة تصریف الاعمال فی کل من فرنسا ومصر ولبنان.
6. منهجیة البحث :
تقوم منهجیة البحث على المنهج التحلیلی القانونی الوصفی من خلال الاعتماد على نماذج من القواعد الدستوریة والتشریعیة والاتجاهات الفقهیة والاجتهادات القضائیة لبعض الدول منها الفرنسی والمصری واللبنانی موضحا موقف الدستور العراقی من حکومة تصریف الاعمال ومدى نطاق عملها .
7. هیکلیة البحث :
تتضمن هیکلیة البحث من خلال تقسیمه إلى مقدمة وثلاث مباحث وخاتمة سنوضح فی المبحث الأول ماهیة حکومة تصریف الاعمال مبیناً مفهومها واساسها القانونی وذلک ضمن مطلبین، وفی المبحث الثانی سنبین حالات حکومة تصریف الاعمال وذلک ضمن مطلبین، وفی المبحث الثالث سنوضح حدود صلاحیات حکومة تصریف الاعمال فی الظروف العادیة والاستثنائیة وذلک ضمن مطلبین . وفی خاتمة البحث سنوضح أهم النتائج التی تم التوصل إلیها وتقدیم أهم المقترحات التی تتعلق بالموضوع.
المبحث الاول
ماهیة حکومة تصریف الاعمال
تتعدد التعریفات المتعلقة بحکومة تصریف الاعمال وصلاحیاتها بل وحتى مدتها بتعدد الممارسات فی بعض الدول فلا یوجد قانون یحدد مضمون ونطاق عملها فی ظل وجود نصوص دستوریة تشیر الى قیام حکومة تصریف الاعمال دون وضع معالم واضحة لها بل هی عبارة عن اجتهادات فقهیة واحکام قضائیة واعراف متداولة. وفیما یلی سنتناول فی هذا المبحث مفهوم حکومة تصریف الاعمال واساسها القانونی وذلک ضمن مطلبین:
المطلب الاول
مفهوم حکومة تصریف الاعمال
تُعرف حکومة تصریف الاعمال بانها "حکومة متحولة من حکومة عادیة بکامل الصلاحیة إلى حکومة محدودة الصلاحیات فی حدود تأمین استمراریة العمل الحکومی فی حدوده الإداریة، وذلک بسبب ممارسة دستوریة طبیعیة ناجمة عن واقع سیاسی جدید، وهذه الممارسة تتمثل إما باستقالة الحکومة أو باعتبارها بحکم المستقیلة نتیجة واقع دستوری جدید "انتخاب برلمان جدید، انتخاب رئیس دولة جدید ، استقالة نسبة من أعضائها".
وبموجب هذا التعریف فان حکومة تصریف الأعمال هی حکومة عادیة بکامل الصلاحیات تحولت إلى حکومة ذات صلاحیات محدودة لمدة "مؤقتة" و"انتقالیة" مؤقتة بمعنى أنها قائمة إلى حین تشکیل حکومة جدیدة وفق القواعد الدستوریة القائمة، وانتقالیة بمعنى تؤمن انتقال السلطة منها إلى حکومة جدیدة وفق القواعد الدستوریة القائمة.
وهناک من یعرفها بانها " الحکومة التی تقوم بالأعمال الاداریة العادیة إذ لا تنشئ هذه الأعمال أی التزام على الحکومة التی تأتی من بعدها". کما یذهب البعض الاخر الى تعریف حکومة تصریف الاعمال "بانها حکومة مقیدة الصلاحیات فنطاق عملها یقتصر على الاعمال الاداریة العادیة والیومیة التی تسهل استمرار العمل فی مؤسسات الدولة والمرافق العامة".
وعرفت ایضاً بانها "تلک الأعمال العادیة الیومیة والاستثنائیة التی تمارسها الحکومة لتسییر مرافقها العامة ، ویقصد بالأمور العادیة أو العاجلة کما تطلق علیها بعض الدساتیر هی الأمور التی تقتصر على ممارسة الاختصاصات الضروریة لاستمرار أداء المرافق العامة بانتظام واضطراد ولا تنطوی على خیار سیاسی".
وقد حدد الفقیة اودان (odent) مفهوم الاعمال العادیة بانها تشمل جمیع الاعمال التی تنطوی طابع العجلة وسائر الاعمال التی تنطوی على صعوبات خاصة أو خیار سیاسی أو قانونی حساس ویؤید الفقیة فالین (valine) هذا الرأی فیذهب الى القول: "ان الحکومة المستقیلة تستطیع اتخاذ التدابیر عدا تلک التی تثیر المسؤولیة امام السلطة المعبرة عن رای الشعب".
وهناک من یذهب الى القول: "ان وزارة تصریف الأعمال هی وزارة مؤقتة ناقصة الصلاحیة لأغراض تصریف الأمور لمدة محددة من الوقت، لفترة ما بعد سحب الثقة من الوزارة أو بعد انتهاء الوجود القانونی للبرلمان والقیام بالانتخابات أو ظرف طارئ حال دون تشکیل الوزارة الجدیدة أو تأخرها، ولا یحق لهذه الوزارة البت فی الأمور ذات الطبیعة المستقبلیة والمصیریة، ویقتصر عملها فی العاجل من شؤون الوزارة، واختصاصاتها محدودة، فلا یحق لها القیام بمبادرات وأعمال ذات نتائج سیاسیة، وأبرز مهامها تصریف امور الوزارات المختلفة بالحد الأدنى من الاستمراریة الإداریة ولتسییر مصالح المواطنین".
نلاحظ من خلال التعاریف الواردة اعلاه ان حکومة تصریف الاعمال تمارس صلاحیاتها فی نطاق ضیق ومحدود ولیس بشکل واسع ، فالاختصاص المقید للحکومة اثناء فترة تصریف الاعمال وممارستها لصلاحیات محدودة یأتی استناداً لمبدا دوام سیر المرافق العامة.
وبدورنا یمکننا تعریف حکومة تصریف الأعمال بانها تغییر المرکز القانونی للحکومة القائمة من حکومة کاملة الصلاحیات الدستوریة الى حکومة مقیدة الصلاحیات نتیجة ممارسات دستوریة نابعة من واقع سیاسی مهمتها الاساسیة استمراریة سیر المرافق العامة التی تعد ضروریة لاستمراریة الدولة وبالتالی بقاء الحکومة فی إطار الأنظمة والقواعد القانونیة الموجودة مسبقاً ولیس ابتداع أو تعدیل تلک الأنظمة.
المطلب الثانی
الاساس القانونی لحکومة تصریف الاعمال
یعود أساس وجود حکومة تصریف الأعمال إلى سببین قانونیین أساسین؛ الأول ذو طبیعة إداریة - تنظیمیة تتعلق بضرورة استمرار عمل المرافق العامة ؛ والثانی ذو طبیعة دستوریة - سیاسیة تتعلق بانعدام المسؤولیة السیاسیة للحکومة، أی فقدانها ثقة البرلمان. وفیما یلی سنوضح هاذین الأساسین ضمن فرعین وکما یأتی:
الفرع الاول
الاساس الاداری (استمراریة المرفق العام)
ان اساس وجود حکومة تصریف الاعمال قائم على مبدأ استمراریة المرفق العام الذی یعد مبدأ دستوریاً "عرفیاً وفقهیاً، حیث تؤدی المرافق العامة الاقتصادیة خدمات أساسیة للأفراد یبنون علیها حیاتهم، ومن ثم یؤدی توقف سیر المرفق العام، أو عدم سیره سیراً منتظماً إلى توقفه عن تقدیم الخدمات الضروریة أو قصوره عن إشباع حاجات الأفراد وبالتالی تقع الأضرار ویختل نظام المجتمع، فمثلا إذا توقف مرفق الکهرباء أو الغاز عن تقدیم الخدمات إلى المنتفعین لأدى ذلک إلى الإضرار بالاقتصاد القومی ووقوع الکوارث والفوضى الاجتماعیة، لذا فقد اجمع الفقهاء على ان أهم القواعد الحاکمة لسیر المرفق العام انتظامها واستمرارها بلا توقف أو انقطاع، وانها لا تحتاج إلى أن ینص علیها فی دستور أو تشریع أو لائحة، وإذا وردت هذه المبادئ فی نص فان هذا النص لا یعتبر منشئاً لمبدأ جدید وانما مجرد تأکید لمبدأ ثابت وقائم.
ویعد مبدأ دوام سیر المرفق العام من أهم المبادئ التی تحکم سیر المرافق العامة ففی هذا الصدد یرى الفقیه هوریو: "بأن الاستمرار هو جوهر المرفق العام ویتمیز عن واجب الحکومة فی تنفیذ القوانین إذ یعد واجباً دستوریاً".
ولقد منح مجلس الدولة الفرنسی مبدأ استمراریة المرفق العام قیمة المبادئ القانونیة فی 7 juillet) (1950 Dehaen، المتعلق بالسلطة التنظیمیة لحق الإضراب فالحکومة من خلال سلطتها التنظیمیة تملک سلطة تنظیم ممارسة حق الإضراب الذی هو حق ذو قیمة دستوریة"، ولکن بالمقابل لا یعنی ذلک بأی حال من الأحوال أن للحکومة من خلال ممارستها لسلطتها التنظیمیة فی هذا المجال أن تصل إلى حد إلغاء حق الاضراب أو منعه.
ولقد أسبغ المجلس الدستوری الفرنسی بدوره على مبدأ استمراریة المرفق العام القیمة الدستوریة من خلال قراره (CC décision n°79-105 DC du 25 juillet 1979) حول دستوریة القانون رقم ۹۹۹-۷۹ تاریخ ۷ آغسطس ۱۹۷۹ المتعلق باستمراریة مرفق الرادیو والتلفزیون ، فقد ذهب فی معرض منحه لمبدأ استمراریة المرفق العام قیمة دستوریة عند النظر فی دستوریة القوانین المنظمة لحق الإضراب الى القول: "إن هذا الحق یجب أن لا یستخدم بتعسف یؤدی إلى الإضرار أو إعاقة متطلبات وضرورات النظام العام التی یؤمنها المرفق العام . أی لا بد من المواءمة أو التوفیق بین: حق الإضراب ذی القیمة الدستوریة، ومبدأ استمراریة المرفق العام ذی القیمة الدستوریة أیضاً".
وبذلک فإن مبدأ استمراریة المرفق العام – ک مبدأ من مبادئ القانون العام ذی قیمة دستوریة – لا یعنی بأی حال من الأحوال دائمیة المرفق فالإقرار بهذا المبدأ یتضمن ضرورة التوفیق بین مصالح المنتفعین من المرفق العام ومصالح العاملین فی المرفق العام.
وفی قرار آخر ایضاً اشار المجلس الدستوری الفرنسی بتاریخ 16/8/2007 واعتماداً على متطلبات سیر المرفق العام بان القیود التی رسمها القانون لممارسة الاضراب فی مرفق للنقل العام للمسافرین من حیث مواعید ووسائل ممارسته هی قیود مسوغة ، تبررها متطلبات سیر المرفق العام.
ومن الاحکام والاجتهادات القضائیة التی تؤکد على مبدأ استمراریة المرفق العام بوصفه اساساً لقیام حکومة تصریف الاعمال ما ذهب الیه القضاء الإداری المصری فی حکم له جاء فیه "إن المرافق العامة هی مؤسسات تنشئها الدولة أو تشرف على إدارتها وتعمل بانتظام واستمرار لتزوید الجمهور بالحاجات ذات النفع العام التی یتطلبها"، وفی حکم آخر للقضاء الاداری المصری "ان من المتفق علیه أن المرفق العام انما یقوم بإبداء الخدمات للجمهور تحقیقا للمصلحة العامة ومن ثم یجب أحاطته بکافة الضمانات تطبیقاً لمبدأ عدم تعطیل سیر المرافق العامة".
وتأکیداً لاستمراریة المرفق العام جاء فی فتوى للجمعیة العمومیة لمجلس الدولة المصری ان "من أهم خصائص إدارة المرفق العام، الانتظام والاستمرار لأنه بذلک وحده تتحقق المصلحة العامة فی خدمة الجمهور، ومن ثم فیجب على الإدارة وهی ترخص فی إدارة المرافق العامة أن تضع فی الترخیص ما یکفل انتظام أداء الملتزم للخدمة التی أنیطت به واستمرار سیر المرفق العام على الدوام". وذهب البعض إلى ربط مبدأ استمراریة المرفق العام بوجود أو استمراریة الدولةفبحسب مفوض الحکومة F. Gazier إن استمراریة المرفق العام یهدف إلى تجنب اضمحلال (أو کسوف) الدولة.
فی الواقع ان غیاب الحکومة لا ینعکس شللاً على الحیاة السیاسیة والدستوریة فی الدولة فحسب، وانما ینعکس أیضاً على الحیاة الاقتصادیة والاجتماعیة، أی على تأمین الاحتیاجات العامة والأساسیة للمجتمع ، لذلک فإن مبدأ استمراریة المرفق العام، من أهم المبادئ التی بنیت علیها نظریة المرفق العام، والتی تستند إلى ضرورة الاستجابة المستمرة إلى تأمین الاحتیاجات العامة، باعتبار أن المرفق العام من حیث الهدف له أهمیة عالیة فی حیاة الجماعة فهذه الأخیرة منحت الحکام مسؤولیة استخدام السلطة من أجل تأمین هذه الاحتیاجات بشکل مستمر وفعال .
فمبدأ استمراریة المرفق العام یتضمن بعدین استمراریة نشاط المرفق العام، واستمراریة إمکانیة ولوج المنتفعین منه إلیه ای ما یؤمن حسن سیر المجتمع والدولة.
الفرع الثانی
الاساس الدستوری (انعدام المسؤولیة السیاسیة للحکومة)
من المعروف ان الحکومة المستقیلة لا تتمتع بثقة البرلمان ولا تقرر علیها المسؤولیة السیاسیة، لذا کان لابد من ایجاد اساس قانونی لهذه الحکومة ولتسویغ بقائِها واستمرارها فی إدارة الدولة . فالأصل فی الانظمة البرلمانیة والمختلطة أن الحکومة لا تکون مختصة بمباشرة صلاحیاتها إلا عندما تتمتع بثقة البرلمان وتکون مسؤولة أمامه وتخضع لرقابته وتأتی الثقة فی الاغلبیة البرلمانیة التی تساند الوزارة وتتشکل منها فی الوقت نفسه.
ویعد طلب الحصول على الثقة اجراء تنص علیه الانظمة البرلمانیة أو المختلطة الذی یستوجب على الوزارة ان تتقدم فور تشکیلها او خلال فترة معینة من تشکیلها ببرنامجها الوزاری وتشکیلتها الوزاریة للحصول على ثقة المجلس النیابی او تأییده کشرط لتنصیبها وبقائها واستمرارها فی الحکم. حیث تتجه معظم الدساتیر فی هذه الانظمة الى قیام رئیس الدولة باختیار رئیس مجلس الوزراء وتکلیفه بتشکیل الحکومة سواء منفرداً أو بالاتفاق مع رئیس الدولة، وبعد انتهاء رئیس مجلس الوزراء من اختیار اعضاء وزارته یتقدم بطلب الى البرلمان للموافقة على اختیاره وتأیید حکومته ومنحها الثقة للقیام بأعمالها الدستوریة.
وفی حالة عدم منحها الثقة من قبل البرلمان تصبح الحکومة مستقیلة أو بحکم المستقیلة وبالتالی تنعدم مساءلتها سیاسیاً اذ یذهب الفقیة فالین بصدد ذلک الى القول "الحکومة المستقیلة تصبح حکومة میتة لأنها فقدت ثقة البرلمان، والحکومات فی النظام التمثیلی لا تعیش الا بثقة البرلمان، حیث لا یمکنها ان تمثل وان تساءل امامه".
ولقد ترسخت قاعدة الثقة بالعرف واصبحت قاعدة ملزمة بعد قانون الاصلاح الانتخابی فی انکلترا لسنة ١٨٣٢ تستلزم هذه القاعدة الاستقالة فی حالة فقدان الوزارة لثقة البرلمان. وبالتالی یصبح من المتعذر على الحکومة بکاملها مباشرة وظائفها قبل الحصول على ثقة البرلمان على البرنامج الوزاری وفی حالة رفض البرلمان منح الثقة لرئیس مجلس الوزراء ووزرائه یقوم رئیس الدولة باختیار شخص اخر یتولى تشکیل حکومة جدیدة.
وهناک جانب من الفقه یرى ان العرف الدستوری هو الاساس القانونی لقیام الحکومة المستقیلة أو حکومة تصریف الاعمال على اساس ان رئیس الدولة فی کل مرة تستقیل فیها الحکومة یکلفها بتصریف اعمالها مما شکل عرفاً دستوریاً یقوم على الرکنیین الرکن المادی أی رکن الاعتیاد على اعمال أو تصرفات صادرة من البرلمان أو رئیس الدولة أو الوزارة بصورة متکررة ومنتظمة دون ان یتخللها فترات انقطاع أو توقف، ورکن معنوی ای رکن الالزام یتولد فی ضمیر الجماعة أو الهیئات الحاکمة شعور بان ذلک السلوک ملزم وهو قاعدة قانونیة واجبة الاحترام، الا ان من الصعوبة توافر هاذین الرکنیین فی حکومة تصریف الاعمال وذلک لان تصرفات الحکومة المستقیلة خلال فترة الازمة الوزاریة خصوصاً فی فترة الضرورة تکون متعارضة ببعضها البعض ولا تتسم بالوضوح ، کما ان الرکن المعنوی غیر ممکن وجودها أو توافرها لدى حکومة تصریف الاعمال کونها کانت منذ فترة طویلة قاعدة أدبیة سیاسیة غیر ملزمة وبالتالی عدم الطعن فی القرارات الاداریة الصادرة من حکومة تصریف الاعمال لغیاب عنصر الالزام فیها.
وکان لهذه الحکومة اساسها الدستوری فی القرار الصادر عن مجلس الدولة الفرنسی فی ١٩٥٠/٤/ ٤ الذی بین وجود هذه الحکومة التی تعمل على تأمین استمراریة حیاة الدولة ودیمومتها بین تاریخ استقالة الحکومة وتألیف حکومة جدیدة ، وجعل هذا القرار مفوض الحکومة لدى مجلس الدولة الفرنسی بیار دلفولفی (Piere Delvolve) ان لحکومة تصریف الأعمال القیام بنوعین من الأعمال منها العادیة والطارئة وتشتمل الأعمال العادیة على الأعمال کلها التی یوقعها الوزیر یومیاً لتسییر امور الوزارة ، اما الأعمال الطارئة فهی أعمال لا یمکن لهذه الحکومة القیام بها وللأهمیة التی تتسم بها هذه الأعمال فیمکن للحکومة القیام بها.
ویمکن ان نستنتج من خلال ما عرضناه حول الاساس القانونی لحکومة تصریف الاعمال إن التوفیق بین هذین المبدأین المتعارضین خلق نظریة تصریف الأعمال حیث ان أساس وجود حکومة تصریف الأعمال قائم على التوفیق بین مبدأین هما مبدأ استمراریة الدولة بهدف استمرار الحیاة العامة، وهو ما یعرف وفقاً للفقه والاجتهاد الإداری بمبدأ استمراریة المرافق العامة، ومنها المرافق الدستوریة، ومبدأ المساءلة البرلمانیة للحکومة عن سیاستها العامة . لذلک إن هذا التحول لیس مجرد تحول فی التسمیة وإنما هو تحول أو تغییر فی نطاق الصلاحیات أیضاً؛ حیث تصبح صلاحیات حکومة تصریف الأعمال محددة بتصریف الأعمال العادیة أو الجاریة.
فی الواقع یمکن القول ان حکومة تصریف الاعمال تستمر بممارسة اختصاصاتها بالشکل الذی یکفل الحد الادنى لاستمرار مرافق الدولة بأداء وظائفها الضروریة . ویفترض ان ما تمر به الدول من احداث فی فترة حل البرلمان وقیام الوزارة بتصریف الاعمال کفیل بان یجعل حکومات تصریف الأعمال المتعاقبة لدیها منهاج عمل لتخطی هذه الفترة الذی یحافظ بدوره على استمراریة اداء المرافق العامة ودیمومتها ومن شأنه ان یحافظ على دوام الدولة واستمرارها بسلطاتها کافة .
المبحث الثانی
حالات حکومة تصریف الاعمال
توجد عدة حالات تجعل من الوزارة حکومة لتصریف الأعمال من ضمن هذه الحالات انتهاء الدورة الانتخابیة لمجلس النواب فمجرد انتهاء مدة البرلمان تعد الوزارة مستقیلة أو بحکم المستقیلة لحین اجراء انتخابات جدیدة وتشکیل برلمان جدید. ومن الحالات الاخرى لحکومة تصریف الاعمال التی سنوافیها بالشرح استقالة الوزارة وتتضمن الاستقالة من تلقاء نفسها أو حجب أو سحب الثقة منها وقد تعد الحکومة بحکم المستقیلة أو فی حالة حل البرلمان وسنوضح ذلک ضمن مطلبین:
المطلب الاول
استقالة الوزارة
تُعد الوزارة مستقیلة من تاریخ قبول رئیس الدولة للاستقالة ومن ثم قد یرفض هذه الاستقالة وتستمر الوزارة فی أداء مهامها واختصاصاتها الدستوریة بشکل کامل . وفیما یلی سنوضح مسألة استقالة الحکومة من تلقاء نفسها أو بناءً على حجب أو سحب الثقة من البرلمان وقد تصبح الحکومة بحکم المستقیلة فی عدة حالات وسنوضح ذلک ضمن ثلاث فروع.
الفرع الاول
استقالة الحکومة من تلقاء ذاتها
تقدم الوزارة استقالتها إلى رئیس الدولة بعد انتهاء الفصل التشریعی ولذا تکون قد ادت دورها فی ممارسة اختصاصاتها بشکل کامل، ویمکن ان تقدم الحکومة استقالتها فی حالات معینة منها دعم الاغلبیة البرلمانیة لها وبالتالی تقویة مرکزها فی البرلمان أو لتجنب وقوع ای نزاع محتمل بینها وبین البرلمان، أو یتعلق باستشعارها إمکانیة فقدانها للأغلبیة البرلمانیة خاصة فی الحکومات الائتلافیة وفی هذه الحالة یُمکن لائتلاف جدید فی البرلمان تشکیل حکومة جدیدة .
وتجدر الاشارة ان الحکومة لا تعتبر مستقیلة بمجرد إعلان رئیسها لذلک، وانما تُعد کذلک دستوریاً إذا صدر قرار من رئیس الدولة بقبول استقالتها بشکل صریح وتکلیفها بتصریف الأعمال، أو قبول استقالتها ضمناً عندما یطلب مثلاً البدء باستشارات ملزمة لتکلیف رئیس حکومة آخر، والقرار الذی یصدر عن رئیس الدولة عند تشکیل حکومة جدیدة هو قرار تأکیدی لقرار ضمنی صدر عنه عندما قبل ضمناً استقالة الحکومة.
ولا تمارس الحکومة صلاحیاتها الدستوریة قبل نیلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقیلة الا بالمعنى الضیق لتصریف الاعمال. وبعد قبول رئیس الدولة لاستقالة الحکومة بشکل صریح أو ضمنی لا یمکنه التراجع عن قبول الاستقالة لأنه بمجّرد قبولها یکون رئیس الجمهوریة قد أعاد الثقة بالحکومة إلى البرلمان، وبالتالی أصبحت ملکاً للبرلمان، ولا یمکن ان یسترّدها من تلقاء نفسه . ومن الدساتیر التی اشارت الى استقالة الحکومة من تلقاء ذاتها الدستور الکویتی لسنة 1962 إذ جاء فیه "إذ تخلى رئیس مجلس الوزراء أو الوزیر عن منصبه لأی سبب من الاسباب یستمر فی تصریف العاجل من شؤون منصبه لحین تعیین خلفه".
یفهم من هذا النص بأن الدستور الکویتی قد نص صراحةً على تبنی فکرة حکومة تصریف الأعمال الا انه حصره على الأعمال العاجلة ،فی حین أن فکرة تصریف الأعمال تنطوی على مفهوم تصریف الأعمال الیومیة والعاجلة کما جاء فی الدستور المغربی النافذ لسنة 2014 "...... لرئیس الحکومة أن یطلب من الملک إعفاء عضو أو أکثر، من أعضاء الحکومة، بناءً على استقالتهم الفردیة أو الجماعیة. یترتب عن استقالة رئیس الحکومة إعفاء الحکومة بکاملها من لدن الملک تواصل الحکومة المنتهیة مهامها تصریف الأمور الجاریة إلى غایة تشکیل الحکومة الجدیدة".
ونجد ان المشرع العراقی فی قانون تحدید مدة ولایة رئیس الجمهوریة ورئیس مجلس النواب ورئیس مجلس الوزارء العراقی رقم 8 لسنة 2013 قد حدد الحالات التی تصبح فیها الحکومة فی حالة تصریف الاعمال من ضمنها استقالة مجلس الوزراء أو رئیسه دون الاشارة الى اسباب الاستقالة وبالتالی یمکن ان نستشف من ذلک ان المشرع العراقی قد اشار الى الاستقالة الحکومة من تلقاء نفسها ضمنیا ً کونه لم یحدد اسباب الاستقالة.
الفرع الثانی
استقالة الحکومة نتیجة حجب الثقة أو سحبها
اولاً : حجب الثقة عن الحکومة
ان حجب الثقة ما هو الا رقابة سابقة على اعمال الوزارة إذ لأعضاء البرلمان الحق فی التصویت على تشکیلة الوزارة وبرنامجها من عدمه الذی ستنتهجه فی تحقیق استمراریة مرافق الدولة، على الرغم من ان تشکیلة الوزارة قد تکون مفترضة بموجب الدستور بناءً على الثقة الممنوحة لها من رئیس الدولة. الا انه لا یمکن مصادرة هذا الحق بحجة الثقة الضمنیة بأعضاء الوزارة أو برنامجها التی تحصل علیها من رئیس الدولة کونه رئیساً لمجلس الوزراء، کما ان السکوت عن مصیر الوزارة عند حجب الثقة عنها یعد نقصاً تشریعیاً یجب تدارکه.
ویقتصر حجب الثقة على حالتین الاولى حجب الثقة عن تشکیلة الحکومة اذ لا تعد الحکومة قائمة الا بالحصول على ثقة مجلس النواب وبالتالی لیس هناک حکومة تصریف اعمال، والثانیة التصویت على البرنامج الوزاری من دون التشکیلة الوزاریة اذ تعد الحکومة قائمة لکن بوصفها حکومة تصریف اعمال کما هو الوضع فی لبنان وهو ما سنبینه لاحقاً.
وبذلک فان حجب الثقة ینصب على عرض رئیس مجلس الوزراء لأسماء أعضاء الوزارة والمنهاج الوزاری على مجلس النواب، فاذا ما وافق البرلمان یتم اصدار قانون بمنحها الثقة لذا تبدأ حیاة الوزارة من تاریخ الموافقة على منحها الثقة، وتعتبر الحکومة المستقیلة عند حجب الثقة بها بمثابة حکومة تصریف الأعمال فی الفترة الفاصلة بین تشکیلها ومباشرتها لمهامها وبین حصولها على الثقة من البرلمان على أساس برنامجها الوزاری، وفی حالة عدم حصولها على الثقة خلال مدة محددة فی الدستور تستمر کـ "حکومة تصریف الأعمال" ریثما یتم تشکیل حکومة جدیدة .
وتجدر الاشارة ان من اثر حجب الثقة هو استقالة الوزارة بمرسوم صادر من رئیس الدولة والایعاز بتشکیل وزارة جدیدة عند عدم نیل الوزارة للثقة، وفی حالة فشل الوزارة الجدیدة فی الحصول على الثقة فهنا الخیار امام رئیس الدولة اما ان یقبل استقالة الوزارة والدعوة الى انتخابات جدیدة ، او اللجوء الى حل البرلمان الذی اخفق فی منح ثقته للبرنامج الوزاری.
وتختلف الانظمة الدستوریة المختلفة فی حالات تحول الحکومة الى حکومة تصریف الاعمال عند حجب الثقة عنها نتیجة عدم منحها الثقة لبرنامجها الوزاری.
ففی انکلترا زعیم الحزب الفائز الذی یتم تعیینه وزیراً اول من قبل التاج هو صاحب الحق فی تشکیل الوزارة، لکن التشکیلة الوزاریة لا توجد من الناحیة القانونیة الا بعد موافقة الملک على تشکیلها، فحق تشکیل الوزارة هو اسماً للتاج وفعلا للوزیر الاول، وطبقاً للتقالید والأعراف الدستوریة ینبغی للحکومة التی تفقد ثقة مجلس العموم تقدیم استقالتها فوراً للملک الا اذا قررت اللجوء الى حل مجلس العموم وعرض الخلاف بینهما على هیئة الناخبین.
اما فی فرنسا فالوزارة غیر ملزمة بموجب الدستور بطلب الثقة من الجمعیة الوطنیة فالثقة فیها مفترضة وتمارس اعمالها من تاریخ صدور مرسوم تنصیبها، فقد نص الدستور الفرنسی لسنة 1958 المعدل على مسؤولیة الوزیر الأول أمام الجمعیة الوطنیة فی تقدیم برنامجها الوزاری أو عند الاقتضاء عن بیان السیاسة العامة بعد مداولة مجلس الوزراء فإذا اقرت الجمعیة الوطنیة اقتراح الثقة او رفضت الموافقة على برنامج الحکومة أو على بیان سیاستها العامة وجب على الوزیر الاول تقدیم استقالة الحکومة الى رئیس الجمهوریة، الا انه لم ینص على تحدید حکومة تصریف الأعمال بشکل صریح أو ضمنی الا انه تواتر العمل بحکومة تصریف الاعمال فی فرنسا من اجل استمراریة سیر المرافق العامة وإدامتها کواحدة من أهم المبادئ التی تحکم سیر المرافق العامة.
وفی بلجیکا أشار دستور سنة 1831 الى حجب الثقة عن الحکومة حیث تقدم الحکومة الفدرالیة استقالتها إلى الملک إذا تبنى مجلس النواب مذکرة بحجب الثقة عنها بالأغلبیة المطلقة، ومقترحاً على الملک تسمیة بدیل لرئیس الوزراء.
بینما عدَ الدستور اللبنانی لسنة 1926 المعدل فی حالة عدم حصول الوزارة على ثقة البرلمان لبرنامجها الوزاری دون التشکیلة الوزاریة فان ذلک یعد بمثابة حجب الثقة عنها وتصبح حکومة تصریف الاعمال بالمعنى الضیق ای الاعمال الاداریة التی ترتبط بالتصرف الیومی والتی یستلزمها دوام سیر المرافق العامة اذ جاء فیه "تجری الاستشارات النیابیة لتشکیل الحکومة ویوقع مع رئیس الجمهوریة مرسوم تشکیلها وعلى الحکومة أن تتقدم الى مجلس النواب ببیانها الوزاری لنیل الثقة فی مهلة ثلاثین یوماً من تاریخ صدور مرسوم تشکیلها، ولا تمارس الحکومة صلاحیاتها قبل نیلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقیلة إلا بالمعنى الضیق لتصریف الاعمال".
یلاحظ على هذه المادة بأن الحکومة یمکن أن تمارس صلاحیاتها بمجرد صدور مرسوم تشکیلها من قبل رئیس الجمهوریة وقبل نیلها ثقة البرلمان.
فی حین الزم الدستور الکویتی لسنة 1962 الوزارة فور تشکیلها وتعیینها من رئیس الدولة بتقدیم برنامجها الوزاری إلى مجلس الامة الذی یبدی بدوره الملاحظات علیه، ولم تشترط المذکرة التفسیریة للدستور الکویتی منح الثقة للوزارة بناءً على دراسة مجلس الامة لهذا البرنامج وإنما إبداء الملاحظات المکتوبة والمبلغة رسمیاً للحکومة التی تقع علیها المسؤولیة کاملة، لذا لم یعترف الدستور لمجلس الامة بحسب رأی الفقه برقابة سابقة على الحکومة بمنح الثقة بناءً على برنامجها الوزاری لذا فإن تشکیل الوزارة یسبق البیان الوزاری بمرسوم موقع من رئیس الدولة المحدد له مدة زمنیة تستجمع فیه الوزارة طاقاتها لتقدیمه ونیل الثقة بناء على ذلک .
وفی العراق فان حصول رئیس مجلس الوزارء المکلف على ثقة البرلمان هو شرط لتشکیل الوزارة فلقد أشار الدستور العراقی لسنة 2005 الى عرض رئیس مجلس الوزارء المکلف اسماء الوزراء الذین وقع اختیاره علیهم لتشکیل الوزارة مع عرض المنهاج الوزاری على مجلس النواب ویتم منحهم الثقة على أی منهما على انفراد بالأغلبیة المطلقة. ویتولى رئیس الجمهوریة بتکلیف مرشح آخر لتشکیل الوزارة خلال خمسة عشر یوماً فی حال عدم نیل الوزارة الثقة.
ویتضح من ذلک انه فی حالة حصول الحکومة على ثقة البرلمان فسوف تؤدی الیمین الدستوریة وتباشر صلاحیاتها الدستوریة، بینما اذا فشلت فی حصولها على ثقة البرلمان فسوف یتم حجب الثقة عنها وبالتالی وجوب قیام رئیس الجمهوریة بتکلیف مرشح اخر لتشکیل الوزارة خلال خمسة عشر یوماً فی حال عدم نیلها الثقة على ان یقوم رئیس مجلس الوزراء بتسمیة اعضاء وزارته خلال مدة اقصاها ثلاثون یوماً من تاریخ التکلیف وفقاً لأحکام المادة 76/ثانیاً من الدستور.
هذا ونجد ان المشرع الدستوری العراقی لم ینص على مدة معینة لتقدیم البرنامج الوزاری والاهم من ذلک فی حالة عدم موافقة مجلس النواب على منح الثقة للبرنامج الوزاری ما هو مصیر الوزارة، هل تعتبر الوزارة مستقیلة ثم تتحول الى حکومة تصریف الاعمال من عدمه؟. فالدستور سکت عن هذا الامر فکل ما اشار الیه انه فی حالة اخفاق الوزارة بنیل ثقة البرلمان یکلف رئیس الجمهوریة بتکلیف مرشح أخر لتشکیل الوزارة خلال خمسة عشر یوماً ممایعد نقصاً دستوریاً یتطلب الامر معالجته.
ثانیاً: سحب الثقة من الحکومة
یتم سحب الثقة بالحکومة اما بعد الانتهاء من الاستجواب الذی یعد تمهیداً لإمکان سحب الثقة من الوزیر أو الوزارة بأکملها، أو بعد الانتهاء من اعمال لجنة التحقیق یتم عرض التقریر على البرلمان لاتخاذ الاجراء اللازم إذ قد ینتهی الأمر بعدم وجود تقصیر فی عمل الوزیر أو الوزارة، أو یتطور الامر الى سحب الثقة وهی وسیلة تتم بموجبها رقابة البرلمان على أعمال الوزارة جمیعها من دون استثناء حتى فی حالة عدم الرضا عن سیاسة الوزیر أو لإحراج الوزارة امام البرلمان.
ویعد سحب الثقة رقابة معاصرة على اعمال الوزارة دستوریاً فعندما تفقد الوزارة ثقة البرلمان یتوجب علیها الاستقالة وبذلک یستخدم البرلمان أهم وسائل المساءلة السیاسیة تجاه الحکومة ، ویترتب على ذلک ان تعد الوزارة مستقیلة من تاریخ التصویت على سحب الثقة داخل البرلمان فتتحول من حکومة کاملة الصلاحیات إلى "حکومة تصریف الأعمال" بإرادة البرلمان وهذا الأمر غالباً ما یحدث فی ظل الحکومات الائتلافیة وفی هذه الحالة إما أن یتشکل ائتلاف جدید فی البرلمان یتمکن من تشکیل حکومة جدیدة، أو یتم الدعوة لانتخابات برلمانیة مبکرة یُمکن بنتیجتها تشکیل حکومة جدیدة .
ففی انکلترا تستمر الحکومة فی تصریف اعمالها فی حالة سحب الثقة منها من قبل مجلس العموم اذ لا یعتبر کل تصرف یصدره الوزیر الاول (وبالتالی الوزراء) من یوم موافقة المجلس على ذلک القرار باطلا ولا قیمة له – کما هو الحال بالنسبة للوزیر الذی صدر قرار من المجلس بسحب الثقة منه - وإنما یستمر کل من الوزیر الاول والوزراء فی تسیر الشؤون العادیة لمناصبهم.
واشار الدستور الفرنسی الى سحب الثقة من الوزارة وطرح الوزارة الثقة بنفسها بعد المشاورة فی مجلس الوزراء وتفویض الوزیر الأول بطرح الثقة بالوزارة امام الجمعیة الوطنیة. وقرار سحب الثقة لا یکون مقبولاً إلا اذا کان موقعاً من عشر اعضاء الجمعیة الوطنیة، ولقد اشترط مرور 48 ساعة بعد اقتراح سحب الثقة.
ولقد نص الدستور اللبنانی لسنة 1926 المعدل على استقالة الحکومة عند نزع الثقة منها من قبل المجلس النیابی بمبادرة منه او بناءً على طرحها الثقة، وعند استقالة الحکومة أو اعتبارها مستقیلة یصبح مجلس النواب حکماً فی دورة انعقاد استثنائیة حتى تألیف حکومة جدیدة ونیلها الثقة.
ان الانعقاد الحکمی لمجلس النواب فی فترة حکومة تصریف الاعمال فی لبنان یشکل عرف دستوری ملزم وهو متوافق مع النص الدستوری ومرتبط بمبدأ استمراریة المرافق العامة ولتلافی تعطیل الأعمال الإداریة الضروریة والأعمال التشریعیة المنجزة من قبل البرلمان.
ولقد اکد الدستور الکویتی لسنة 1962 على جواز أن یؤدی الاستجواب إلى طرح موضوع الثقة بالوزارة، وإذا قرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلاً من تاریخ قرار عدم الثقة، ویقدم استقالته فوراً، أما طرح موضوع الثقة فلا یکون إلا بناءً على رغبة الوزیر أو طلب موقع من عشرة أعضاء أثر مناقشة استجواب موجه إلیه، ولمجلس الأمة طرح الثقة برئیس مجلس الوزراء فی حالة عدم إمکان التعاون بین رئیس مجلس الوزراء ومجلس الأمة عندها یرفع الأمر إلى رئیس الدولة وللأخیر فی هذه الحالة أن یعفی رئیس مجلس الوزراء أو أن یحل مجلس الأمة.
فی حین أشار المشرع الدستوری المغربی فی دستور 2011 الى مسألة طرح الحکومة الثقة بنفسها لدى مجلس النواب فی تحمل مسؤولیتها بتصویت یمنح الثقة بشأن تصریح یدلی به فی موضوع السیاسة العامة أو بشأن نص یطلب الموافقة علیه، وان سحب الثقة من الحکومة أو رفض النص لا یکون الا بالأغلبیة المطلقة لأعضاء مجلس النواب، وهذا لا یتم الا بعد مرور ثلاثة ایام على تاریخ طرح الثقة بالحکومة، وبالنتیجة یؤدی سحب الثقة بالحکومة الى استقالة الحکومة استقالة جماعیة.
وتجدر الاشارة ان المشرع الدستوری المغربی لم یُشر الى استمرار الحکومة بتصریف اعمال الوزارة من عدمه فی حالة استقالتها بعد سحب الثقة منها، بینما اعتبر الدستور التونسی فی دستور 2014 النافذ استقالة رئیس الحکومة استقالة للحکومة بکاملها، ویمکن لرئیس الحکومة ان یطرح على مجلس نواب الشعب التصویت على الثقة لمواصلة الحکومة لنشاطها، ویتم التصویت بالأغلبیة المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب، وإذا لم یجدد المجلس الثقة فی الحکومة اعتبرت مستقیلة، وعند الشغور النهائی لمنصب رئیس الحکومة لأی سبب عدا حالتی الاستقالة وسحب الثقة تواصل الحکومة المنتهیة مهامها تصریف الاعمال تحت اشراف عضو منها یختاره مجلس الوزراء ویسمیه رئیس الجمهوریة الى حین مباشرة الحکومة الجدیدة لمهامها.
ولقد تطرق المشرع الدستوری العراقی فی دستور 2005 الى سحب الثقة من الوزیر أو رئیس مجلس الوزراء اذ نص فیه ان "لمجلس النواب سحب الثقة من احد الوزراء بالأغلبیة المطلقة، ویعد مستقیلاَ من تاریخ قرار سحب الثقة ، ولا یجوز طرح موضوع الثقة بالوزیر الا بناءً على رغبته ، أو طلب موقع من خمسین عضواً اثر مناقشة استجواب موجهٍ الیه ، ولا یصدر المجلس قراره فی الطلب الا بعد سبعة أیام فی الاقل من تاریخ تقدیمه".
وبذلک فی حالة صدور القرار بسحب الثقة من الوزیر فیعتبر کل تصرف یصدره من یوم موافقة المجلس على ذلک القرار باطلا ولا قیمة لها، ولا یجوز له اتخاذ أی قرار یتعلق بشؤون وزارته بحجة تصریف العاجل من شؤون وزارته لحین تعیین وزیر جدید . ومقتضى ذلک أن أی تصرف یصدر من الوزیر المذکور بعد صدور قرار عدم الثقة یعتبر بقوة الدستور باطلا وکأن لم یکن دون أن یطبق فی هذه الحالة الاحکام الواردة بالمواد(61ثامناً/د و/64ثانیاً) من الدستور القاضیة باستمرار الحکومة – سواء فی حالة سحب الثقة منها أو فی حالة حل البرلمان - فی تصریف الامور الیومیة لحین تألیف الحکومة الجدیدة ، وبذلک یعین فوراً وزیر بدلا منه، أو یعهد بوزارته مؤقتاً الى وزیر آخر لحین تعیین الوزیر الجدید، بخلاف تقریر مسؤولیة رئیس مجلس الوزراء إذ یترتب على اعفائه من منصبه (وبالتالی الوزراء)، بقاءهم فی مناصبهم لتصریف الامور الیومیة لحین تشکیل حکومة جدیدة حتى لا یحدث هناک فراغ حکومی.
ومما یؤخذ على المشرع الدستوری العراقی حصر اختصاص حکومة تصریف الأعمال بـ (الأعمال الیومیة) وکان من المفترض أن تضاف إلیها (والضروریة)، کون فکرة تصریف الأعمال تنصب على الأعمال الیومیة الروتینیة وعلى الأعمال الضروریة التی یفرضها الواقع لاستمرار عمل أجهزة الدولة ومرافقها بانتظام واطراد.
ولقد منح الدستور لرئیس الجمهوریة حق تقدیم طلب الى مجلس النواب بسحب الثقة من رئیس مجلس الوزراء، ولمجلس النواب بناءً على طلب خمس اعضائه سحب الثقة من رئیس مجلس الوزراء، ولا یجوز ان یقدم هذا الطلب الا بعد استجواب موجهٍ الى رئیس مجلس الوزراء، وبعد سبعة ایام فی الاقل من تقدیم الطلب، ویقرر مجلس النواب سحب الثقة من رئیس مجلس الوزراء، بالأغلبیة المطلقة لعدد اعضائه. وتُعد الوزارة مستقیلة فی حالة سحب الثقة من رئیس مجلس الوزراء.
فی الواقع لم یوضح الدستور العراقی والنظام الداخلی لمجلس النواب النافذ لسنة 2007 آلیة سد الفراغ الحکومی عندما تصبح الوزارة مستقیلة بعد قرار سحب الثقة من رئیس مجلس الوزراء بالأغلبیة المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب، بینما نجد ان المشرع العراقی فی قانون تحدید الرئاسات الثلاث رقم 8 لسنة 2013 مما سبق ذکره قد اشار انه عند سحب الثقة من رئیس مجلس الوزراء تصبح فیها الحکومة فی حالة تصریف الاعمال، وتقتصر مهمة حکومة تصریف الاعمال على تصریف الامور الیومیة الاعتیادیة فقط . هذا ولا یکلف رئیس مجلس الوزراء الذی تسحب الثقة منه على اثر استجواب بمنصب رئیس مجلس الوزراء مرة اخرى ولو کانت ولایته التی سحبت منه فیها الثقة هی الولایة الاولى.
وبذلک کان المشرع العراقی موفقاً فی ادراج الحالات التی تصبح فیها الحکومة فی حالة تصریف الاعمال من ضمنها سحب الثقة من رئیس مجلس الوزراء بینما اغفل المشرع الدستوری الاشارة الى هذه الفقرة مما یعد نقصاً دستوریاً کان یجب تدارکه.
وإذ کان من الافضل تطبیق نص الفقرة د من البند ثامناً من المادة 61 من الدستور العراقی الذی اشار الى انه فی حالة التصویت بسحب الثقة من مجلس الوزراء بأکمله یستمر رئیس مجلس الوزراء والوزراء فی مناصبهم لتصریف الامور الیومیة لمدة لا تزید على ثلاثین یوماً الى حین تألیف مجلس الوزراء الجدید وفقاً لأحکام المادة 76 من الدستور".
وبذلک بموجب الدستور فانه عند سحب الثقة من مجلس الوزراء ککل یطبق الحکم القاضی باستمرار الحکومة المستقیلة فی تصریف الشؤون الیومیة لحین تألیف الحکومة الجدیدة دون ان یبین المشرع الدستوری آلیة سحب الثقة من مجلس الوزراء بأکمله ولا الاغلبیة المطلوبة لسحب الثقة مما یلاحظ وجود ارباک فی صیاغة الفقرتین ج ود من المادة 61 من الدستور العراقی ففی الحالة الاولى کما اشرنا فإن الوزارة تعتبر مستقیلة بسحب الثقة من رئیس مجلس الوزراء ، اما فی الحالة الثانیة فتعتبر حکومة تصریف أعمال عند سحب الثقة من مجلس الوزراء ای المجلس بأکمله. کما ان سحب الثقة من مجلس الوزراء اکثر خطورة من سحب الثقة من رئیس مجلس الوزراء لأنه فی الحالة الاولى من الصعوبة تکلیف احد اعضاء مجلس الوزراء الذین سحبت عنهم الثقة بالوزارة الجدیدة، فی حین فی الحالة الثانیة من الممکن تکلیف احد اعضاء مجلس الوزراء فی بتسییر امور الوزارة وان عُدت الوزارة مستقیلة.
الفرع الثالث
الحکومة بحکم المستقیلة
قد تعد الحکومة بحکم المستقیلة دون حاجة لقرار او اجراء یُتخذ من قبل أی سلطة دستوریة إذ ثمة عرف دستوری یتم تقنینه فی العدید من دساتیر الدول یقضی باعتبار الحکومة مستقیلة حکماً (بحکم الدستور). ویمکن اجمال هذه الحالات بحسب طبیعة النظام السیاسی بالآتی :
اولاً : انتخاب برلمان أو رئیس جمهوریة جدید
من المتفق علیه دستوریاً أنه عند الانتهاء من ولایة البرلمان (بانتهاء مدة ولایته، أو حله) وانتخاب برلمان جدید تعتبر الحکومة بحکم المستقیلة نظراً لفقدانها ثقة البرلمان السابق بسبب انعدام وجوده، وقیام برلمان جدید، حیث أن ثقة البرلمان السابق لا تمتد ولا تتحول للبرلمان اللاحق، حتى ولو جاء هذه الأخیر بنفس الأغلبیة التی منحت الحکومة فی ظل ولایة البرلمان السابق ، لذلک بمجرد انتخاب برلمان جدید تعتبر الحکومة القائمة بحکم المستقیلة وتتحول إلى "حکومة تصریف الأعمال"، ریثما یتم تشکیل حکومة جدیدة تبعاً للواقع السیاسی الجدید (الأغلبیة الجدیدة أو المستمرة) کنتیجة للانتخابات.
اذ اشار الدستور اللبنانی لسنة 1926 المعدل على سبیل المثال الى اعتبار الحکومة مستقیلة عند بدء ولایة مجلس النواب.
وان انتخاب رئیس جدید للدولة فی الأنظمة الشبه الرئاسیة قد یستتبع حکماً (إما عرفیاً أو بنص دستوری) اعتبار الحکومة القائمة بحکم المستقیلة وتتحول إلى حکومة تصریف الأعمال ریثما یتم تشکیل حکومة ، حیث لا یوجد نص دستوری صریح یعتبر الحکومة مستقیلة حکماً بمجرد انتخاب رئیس جدید للجمهوریة، ولکن جرى العرف على قیام الحکومة بتقدیم استقالتها ، وهذا ما أشار الیه الدستور الفرنسی لسنة 1958 الذی ینص على أن "یعین رئیس الجمهوریة الوزیر الأول وینهی مهامه بناءً على تقدیم هذا الأخیر استقالة الحکومة، ویعین رئیس الجمهوریة أعضاء الحکومة وینهی مهامهم بناءً على اقتراح من الوزیر الأول".
وکون رئیس الجمهوریة یتولى مهام رئاسة مجلس الوزراء، فتحوز الوزارة الثقة ضمنیاً من الجمعیة الوطنیة ولا تقدم الثقة بها الا بناءً على طلب الوزیر الأول. أو جرى العرف أیضاً أن یقوم رئیس الجمهوریة بحل البرلمان (الجمعیة الوطنیة) والدعوة لانتخابات مبکرة، وخاصة عندما لا یکون الرئیس الجدید یملک الأغلبیة فی الجمعیة الوطنیة القائمة.
ثانیاً : استقالة رئیس الوزراء أو وفاته أو استقالة نصف اعضائها
من المتعارف علیه دستوریاً فی النظام النیابی البرلمانی ان رئیس الدولة نظریاً صاحب السلطة الشخصیة فی اختیار رئیس الوزراء ، وقد تکون هذه الصلاحیة واسعة وهامة فی بعض الدساتیر، وقد تکون ضئیلة فتتحول الى صلاحیة شکلیة وذلک عندما تناط بالبرلمان أو بهیئة الناخبین سلطة الاختیار الفعلی لرئیس الوزراء بحیث یقتصر دور رئیس الدولة على اصدار مرسوم التسمیة ، وعلیه فان رئیس الحکومة وفقاً لنص الدستور وتبعاً للواقع السیاسی هو صاحب الصلاحیة فی اختیار (تسمیة، تعیین، اقتراح.....) الوزارء وبالتالی فإن استقالة رئیس الحکومة، أو وفاته، یستتبع حکماً اعتبار الوزراء الذین کان السبب فی مجیئهم بحکم المستقیلین، أی اعتبار الحکومة بأکملها بحکم المستقیلة، یضاف إلى ذلک إن الثقة الممنوحة للحکومة من قبل البرلمان، تمنح على أساس التضامن بین الوزراء ورئیس الحکومة باعتباره یقود العمل الحکومی وهذا التضامن بین رئیس الحکومة والوزراء یتجسد خاصة فی حالة استقالة، وکذلک فی حالة مساءلة رئیس الحکومة وهذا جوهر ما یسمى بمبدأ المسؤولیة التضامنیةوالتی تعنی مسؤولیة الحکومة کلها امام المجلس، وذلک فی حالة ما اذا کان التصرف الموجب لها هو تصرف متعلق بالسیاسة العامة للحکومة، بحیث أن قرار سحب الثقة هنا یؤدی الى استقالة الحکومة بأکملها. لذلک بمجرد استقالة رئیس الحکومة أو وفاته تعتبر الحکومة القائمة بحکم المستقیلة وتتحول إلى حکومة تصریف الأعمال، ریثما یتم تشکیل حکومة جدیدة، کذلک قد تعتبر الحکومة بحکم المستقیلة وتتحول إلى حکومة تصریف الأعمال فی حالة استقالة عدد أو نسبة من أعضائها (الثلث فی لبنان مثلاً) أو فقدانها مکون من مکوناتها (استقالة مکون طائفی یخل بالعیش المشترک) کما جاء فی مقدمة الدستور اللبنانی "لا شرعیة لأی سلطة تناقض میثاق العیش المشترک" ولقد حدد الدستور اللبنانی لسنة 1926 المعدل اعتبار الحکومة مستقیلة فی عدة حالات منها. أ .اذا استقال رئیسها. ب. اذا فقدت اکثر من ثلث عدد اعضائها المحدد فی مرسوم تشکیلها .ج. بوفاة رئیسها.
ولقد اصدر رئیس الوزراء سعد الحریری بعد اعلان استقالته بشکل مفاجئ فی4 تشرین الثانی 2017 تعمیماً یوضح التعمیم رقم 21/ 2018 بتاریخ 7/6/2018 والمتعلق بوجوب التقید بأحکام المادة 64 الفقرة 2 من الدستور فی معرض تصریف الاعمال بعد اعتبار الحکومة مستقیلة.
ولا تمارس الحکومة صلاحیاتها الدستوریة قبل نیلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقیلة الا بالمعنى الضیق لتصریف الاعمال، ای بمعنى الاعمال الاداریة العادیة التی لا تتصف بالأعمال التصرفیة ای الاعمال التی تستوجب أخذ قرارات تکون ملزمة للحکومة التی ستأتی من بعدها ، اما بخصوص جلسات مجلس الوزراء فانه فی ظل تصریف الاعمال لا یمکن ان ینعقد مجلس الوزراء وهو ما یجمع علیه اکثر الفقه الدستوریین الا فی حال طرأ أمر غیر مرتقب واستثنائی.
المطلب الثانی
حل البرلمان
یعد حل السلطة التنفیذیة للبرلمان الوسیلة التی تستطیع من خلالها الدساتیر فی الانظمة النیابیة البرلمانیة ایجاد نوع من التوازن والتعاون بین السلطتین التشریعیة والتنفیذیة . ویعتبر حل المجلس التشریعی عن طریق إنهاء نیابتـه قبـل النهایـة الطبیعـة للفصل التشریعی أهم حق یقرره الدستور فی مواجهة السلطة التشریعیة، فهو السلاح المقابل أو الحـق الموازن للمسؤولیة الوزاریة المقررة أمام المجلس التشریعی.
وثمة تساؤل یُثار فاذا تم حل البرلمان هل تبقى الحکومة تمارس اختصاصاتها بالکامل وکأن الحل لم یکن، ام تتحول الى حکومة تصریف اعمال حیث ثمة مسائل یحضر على الحکومة التعرض لها ای التضیق من نطاق عملها؟. فی الواقع ان تحدید اختصاصات الحکومة أثناء حل البرلمان من المسائل التی طرحت للبحث والنقاش بین الفقهاء وقد انقسموا الى اتجاهین :
الاتجاه الاول
الاختصاص الکامل للحکومة
تحتفظ السلطة التنفیذیة بکامل اختصاصاتها أثناء الحل دون ای رقابة من السلطة التشریعیة وذلک طبقاً لنظریة الموت المدنی ویستند انصاره فی تحدید الوضع القانونی للبرلمان المنحل على أساس هذه النظریة والتی تشبهه بفقد الشخصیة القانونیة للإنسان بالموت والتی من نتائجه اختفاء المجلس المنحل وفقده لصفته النیابیة وما یرتبط بذلک التوقف عن عقد الاجتماعات ومباشرة الوظیفة التشریعیة والرقابیة ، یفقد أعضاء المجلس المنحل حصاناتهم وامتیازاتهم، التی کانوا یتمتعون بها وقت حل المجلس، والتی ترتبط بمباشرة وکالتهم، وعلیه یصبحون أفراداً عادیین.
ومن اهم الحجج المؤیدة للاختصاص الکامل للحکومة اثناء حل البرلمان المتعلقة بحکومة تصریف الاعمال هی ان التطبیق العملی للنظام الدستوری یدل بوضوح على ان الاصل هو احتفاظ الحکومة التی تقوم بحل البرلمان بسلطاتها واختصاصاتها کاملة فقد حاولت بعض الانظمة الدستوریة التی تتبنى مبدأ الاختصاص الکامل اثناء الحل التخفیف من حدة تطبیق هذا المبدأ وذلک حرصاً على عدم الابتعاد من منطق النظام البرلمانی الذی یقضی بإخضاع اعمال الحکومة لرقابة البرلمان.
کما یجب التفرقة بین الحکومة المستقیلة والحکومة التی قامت بحل البرلمان، فالحکومة التی قامت بحل البرلمان دون تقدیم استقالتها لا تزال تتمتع بالقدرة على إدارة شؤون البلاد بمساندة ضمنیة من البرلمان، مادام لم یسحب منها الثقة، بخلاف الحکومة المستقیلة التی فقدت ثقة البرلمان، لأنها لم تعد تستطیع تحمل أعباء شؤون الحکم.
ولقد تبنت العدید من الدساتیر أسالیب مختلفة لسد الفراغ الرقابی الذی قد ینشأ نتیجة حل البرلمان، ثم انه مع وجود البرلمان من الناحیة الدستوریة فان الرقابة البرلمانیة لا تباشر فی حالات تأجیل اجتماعات البرلمان وانتهاء الفصل التشریعی، ومن جهة أخرى لیس هنالک ما یمنع البرلمان المنتخب الجدید من بسط رقابته على جمیع الاعمال التی قامت بها الحکومة اثناء فترة الحل.
على سبیل المثال نص الدستور الفرنسی فی ظل الجمهوریة الثالثة صراحة على بعض الامور یحظر على الحکومة التطرق الیها ، حیث یمنع القانون الصادر فی13/4/ 1878 رئیس الجمهوریة الفرنسیة اعلان حالة الطوارئ اثناء الحل ، وکذلک حظر القانون الصادر فی 14/12/1879 على الحکومة فتح اعتمادات اضافیة اثناء الحل على اعتبار ان البرلمان هو المسیطر کقاعدة على الایرادات والنفقات العامة التی لا یمکن ان تتم الا بقانون.
وان من الدول التی اخذت بالاختصاص الکامل للحکومة اثناء حل البرلمان هی انکلترا إذ تشیر التقالید الدستوریة البرلمانیة وما جرى علیه الواقع العملی فی انکلترا على منح الحکومة اختصاصات کاملة فی فترة الحل ولیس هنالک ما یحد هذه الاختصاصات سوى الناحیة الاخلاقیة والادبیة. وبذلک تتمتع الحکومة بکامل اختصاصاتها فی الحالة الثانیة الى حین تشکیل حکومة جدیدة.
الاتجاه الثانی
اختصاص الحکومة بتصریف الاعمال (الاختصاص المقید)
هنالک اتجاه فی الفکر الدستوری الحدیث بحصر اختصاصات الحکومة اثناء حل البرلمان فی أضیق الحدود اللازمة لاستمراریة الدولة فی هذه الفترة وتوصف الحکومة خلال فترة حل البرلمان "بحکومة تصریف الاعمال أو حکومة تصریف الشؤون الجاریة" ای الاعمال الاداریة فی الحدود الدنیا دون المساس بالأمور السیاسیة وبالتالی ضمان تسییر المرافق العامة وتقدیم الخدمات العامة بانتظام الى حین عودة المؤسسات الدستوریة الى عملها والمقصود منها البرلمان.
ومن اهم الحجج المؤیدة للاختصاص المقید للحکومة وهو ما اشار الیه الفقیة مورانج "بأنه لیس من المنطقی ان تمنح الحکومة وخاصة التی اصبحت لا تحظى بثقة البرلمان فأقدمت على حله وضعاً قانونیاً افضل من الذی کان لها فی الظروف العادیة فی ظل وجود البرلمان الذی یبسط رقابته على جمیع أعمالها".
کما ان الاخذ بالاختصاص الکامل اثناء حل البرلمان یؤدی الى فقدان الرقابة البرلمانیة على اعمال الحکومة وبالتالی لیس من المعقول منح الحکومة الاختصاص الکامل خلال هذه الفترة الزمنیة.
ویؤکد فقهاء هذا الاتجاه ان اعطاء الاختصاصات الکاملة للحکومة اثناء حل البرلمان یتناقض مع منطق النظام البرلمانی القائم على دعامتی التوازن بین السلطة التشریعیة والتنفیذیة، فالحکومة قد تنتهز ضعف البرلمان وتبادر بحله ساعیة وراء تلک الاختصاصات التی تنطوی على قرارات سیاسیة هامة تؤثر على حیاة الدولة فی الحاضر والمستقبل.
ومن تطبیقات الاخذ بالاختصاص المقید لحکومة تصریف الاعمال الدستور الفرنسی لسنة 1946 إذ یحدد هذا الدستور اختصاصات الحکومة اثناء حل الجمعیة الوطنیة فی تصریف الامور الجاریة ویشترط تکوین حکومة وحدة وطنیة محایدة لمواجهة مرحلیة انتقالیة والاشراف على الانتخابات الجدیدة، کما تستثنى کل من رئیس مجلس الوزراء ووزیر الداخلیة فی الحکومة الانتقالیة، ویعین رئیس الجمعیة الوطنیة رئیساً لمجلس الوزراء الذی یقوم بدوره بتعیین وزیر الداخلیة بالاتفاق مع مکتب الجمعیة الوطنیة، کما یقوم بتعیین وزراء الدولة من بین اعضاء المجموعات البرلمانیة .
ولقد حدد الدستور الدنمارکی لسنة 1953 اختصاصات الحکومة اثناء فترة حل البرلمان بتصریف الامور الضروریة اللازمة لغرض تسییر العمل الرسمی دون انقطاع. بینما اشار الدستور اللبنانی لسنة 1926 المعدل انه عند حل البرلمان یستمر مکتب مجلس النواب بتصریف أعماله حتى انتخاب المجلس الجدید.
اما فیما یتعلق بموقف الدستور العراقی لسنة 2005 من وضع الحکومة أثناء حل البرلمان ومدى استمراریتها فی ممارسة صلاحیاتها الدستوریة فقد أشار الى مسألة حل البرلمان اذ جاء فیه. "ثانیاً- یدعو رئیس الجمهوریة، عند حل مجلس النواب، الى انتخابات عامة فی البلاد خلال مدة اقصاها ستون یوماً من تأریخ الحل، ویعد مجلس الوزراء فی هذه الحالة مستقیلاً ویواصل تصریف الامور الیومیة" .
نجد من خلال النص الدستوری اعلاه ان المشرع العراقی کان واضحاً بخصوص الوضع القانونی للحکومة اثناء حل البرلمان أیاً کان نوع الحل "ذاتی ام وزاری" حیث یجعل مجلس الوزراء مستقیلا ویبقى فی وظیفته لممارسة تصریف الاعمال الیومیة لحین تعیین الحکومة الجدیدة. وان اختصاصات الحکومة المستقیلة تقتصر على تصریف الامور الجاریة والروتینیة المألوفة للجهاز الاداری بالدولة ولا تتضمن ای بعد سیاسی یمکن ان یکون محلاً لآثار سیاسیة فی المستقبل، ومن البدیهی أن تستمر هذه الحکومة فی مباشرة وظائفها الیومیة الى ان یتم تشکیل حکومة جدیدة.
فی الحقیقة نأمل من المشرع الدستوری العراقی تبنی رقابة فعالة تمارس على حکومة تصریف الأعمال اثناء حل البرلمان بما یضمن عدم صدور أی قرار خارج اختصاص هذه الحکومة، من خلال إخضاعها لرقابة قضائیة علیا فی هذا الشأن کرقابة المحکمة الاتحادیة العلیا .
من خلال ما عرضناه حول الاختصاصات الکاملة والمقیدة لحکومة تصریف الاعمال واهم الحجج المؤیدة لکل منهما نؤید بدورنا الاتجاه الثانی الذی یحصر اختصاصات الحکومة فی اضیق الحدود اللازمة لضمان عدم اتخاذ قرارات سیاسیة تستدعی مساءلتها وبالتالی الحفاظ على مبدأ دیمومة واستمراریة المرافق العامة بانتظام واطراد، وهو اکثر منطقیه وانسجاماً مع اسس النظام البرلمانی والقول بغیر ذلک یعد اعتداءً صارخاً على مبدأ سیادة الأمة ویؤدی بالتالی الى اختلال التوازن بین السلطات . وفی کلا الحالتین - أی حالة سحب الثقة من الحکومة وحل البرلمان - یتم تقلیص اختصاصات الحکومة المستقیلة واقتصارها على تسییر الأمور الیومیة فقط استناداً لمبدأ استمراریة الإدارة. اذ لا یجوز أن یؤدی ذلک الى تجرید الحکومة المستقیلة من ممارسة ایة سلطات بحجة أن لا حکم دون مسؤولیة، لذا دعا البعض الى ضرورة الجمع بین هذین الامرین المتعارضین عن طریق تبنی قاعدة "الاختصاص الجزئی للحکومة المستقیلة" استثناءً من قاعدة "عدم الاختصاص الکلی للحکومة المستقیلة" لحین تشکیل الحکومة الجدیدة التی تتمتع بثقة البرلمان.
ولقد أشار قانون تحدید مدة ولایة رئیس الجمهوریة ورئیس مجلس النواب ورئیس مجلس الوزراء رقم 8 لسنة 2013 العراقی الى حل البرلمان کواحدة من الحالات التی تصبح فیها الحکومة فی حالة تصریف الاعمال إذ جاء فیه.
اولا:- "یعد مجلس الوزراء حکومة تصریف اعمال فی الحالات التالیة ب- حل مجلس النواب نفسه قبل انتهاء دورته الانتخابیة.
ثانیا:- تقتصر مهمة حکومة تصریف الاعمال على تصریف الامور الیومیة الاعتیادیة فقط.
ویُثار التساؤل حول التکییف القانونی لوضع الحکومة العراقیة للفترة (2014- 2018) بعد انتهاء عمر الدورة البرلمانیة هل تُعد حکومة تصریف الاعمال کاملة الصلاحیات بموجب الدستور العراقی ای هل یحق للحکومة وفقاً للمعطیات القانونیة والدستوریة ان تمارس صلاحیاتها الدستوریة بشکل کامل ام تعد حکومة تصریف اعمال وبالتالی تقیید من تلک الصلاحیات؟.
لقد ذهبت المحکمة الاتحادیة العلیا الى بیان رأیها بشان طلب تفسیر الوضع القانونی للحکومة فی عام 2010 هل هی حکومة تصریف اعمال وبالتالی ماهی المهام التی تقوم بها خلال هذه الفترة وتاریخ اعتبار ذلک نافذاً على وفق الدستور، ام حکومة بکامل صلاحیاتها الى القول: "... وتجد المحکمة الاتحادیة العلیا من تدقیق الطلب له انه لم ینصب على طلب تفسیر مادة معینة من مواد الدستور لتکون موضوع دراسة وتدقیق المحکمة الاتحادیة العلیا وتقدیم التفسیر المطلوب على وفق اختصاصاتها المنصوص علیه فی المادة (93/ ثانیاً) من الدستور".
فی الحقیقة لم یحدد المشرع الدستوری العراقی الوضع القانونی للحکومة عند انتهاء المدة الدستوریة لدورة مجلس النواب والمحددة بأربع سنوات، کما لم یتم ادراج حکومة تصریف الاعمال ضمن النظام الداخلی لمجلس الوزراء رقم 103 لسنة 2014 التی لم تتعرض الى حالة تحویل مجلس الوزراء الى مجلس لتصریف الامور الیومیة. ولا یوجد ای نص دستوری صریح ممکن ان تعد بموجبه هذه الحکومة حکومة تصریف الاعمال ، فلم تسحب الثقة من مجلس الوزراء وفق المادة 61 ثامنا/ د، وکذلک لم یحل مجلس النواب وفق المادة 64 اولا من الدستور، وحیث لا اجتهاد فی مورد النص، فلا یجوز على حسب تعبیر البعض إطلاق تعبیر (حکومة تصریف أعمال) أو (حکومة طوارئ) أو (حکومة إنقاذ وطنی).
وبذلک اهمل المشرع الدستوری النص على الکثیر من الحالات التی تنتهی بالحکومة بتصریف الأعمال منها انتهاء ولایة دورة مجلس النواب، فقد نظم الدستور موقف رئیس الجمهوریة عند انتهاء دورة مجلس النواب التی تقضی بانتهاء ولایة رئیس الجمهوریة ویستمر بممارسة مهامه إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجدید واجتماعه.
وکان الأجدر بالمشرع الدستوری أن یأتی بنص مشابه ینظم موقف رئیس الوزراء عند انتهاء ولایة مجلس النواب، وینص على استمراره بتصریف الأعمال لحین اختیار رئیس وزراء جدید من قبل مجلس النواب الذی سینتخب أسوة بما فعله بالنسبة لرئیس الجمهوریة.
وبدورنا یمکن القول ان الحکومة العراقیة فی الفترة 2014-2018 کواقع حال یفترض ان تعد حکومة تصریف اعمال لانتهاء ولایة البرلمان ومن ثم عدم وجود رقیب علیها فتصبح حکومة مقیدة الصلاحیات، فاذا عدنا الى قانون تحدید مدة ولایة الرئاسات الثلاث رقم 8 لسنة 2013 نجد انه قد حدد الحالات التی تصبح فیها الحکومة فی حالة تصریف الاعمال من ضمنها انتهاء مدة الدورة الانتخابیة لمجلس النواب واستقالة مجلس الوزراء أو رئیسه مما یظهر مدى التناقض بین ما جاء فی القانون والدستور.
کما ان المشرع الدستوری قد منح مدة زمنیة قدرها 45 یوماً لإجراء انتخاب مجلس النواب قبل انتهاء مدة دورته لکی لا یکون هناک ای فراغ للسلطة وهذه المدة وفقاً للمعاییر الدستوریة تعد کافیة لإجراء الانتخابات واعلان النتائج وعودة مجلس النواب ومن ثم التصویت على منح الثقة للوزارة الجدیدة، وفی حالة اذا ما طالت الفترة الزمنیة ما بعد الانتهاء القانونی لمدة مجلس النواب فتصبح الوزارة دون رقابة فیکون الوضع الدستوری للحکومة هو ذات الوضع فی حالة حل مجلس النواب المنصوص علیه فی المادة 64/ثانیا من الدستور وبالتالی یکون الوصف القانونی للحکومة هی حکومة تصریف الاعمال الیومیة لغیاب الرقابة البرلمانیة وفقدانها ثقة البرلمان.
فی الواقع المشکلة التی تعتری الوضع السیاسی فی العراق التناقضات والمثالب الواردة فی الدستور العراقی لسنة 2005 مما خلق فراغاً دستوریاً ادى الى فتح الباب على مصراعیه من خلال لجوء اغلب الکتل السیاسیة الى الاجتهادات الشخصیة، فالأمم لا تنضج ولا تُحکم بوثیقة الدستور فقط، فالتفسیرات والسوابق المعتمدة فی الهیئات التشریعیة والأعراف الدستوریة وأحکام القضاء جزء مکمل واساسی من البناء الدستوری العام وعلى سبیل المثال بلجیکا وفرنسا لم یتطرق دستورهما الى حکومة تصریف الاعمال ومع ذلک تواتر العرف على العمل بها.
المبحث الثالث
حدود صلاحیات حکومة تصریف الاعمال
ان الحکومة المستقیلة أو فی حکم المستقیلة تتولى بتکلیف من رئیس الدولة تصریف الاعمال العادیة أو الجاریة لحین تشکیل حکومة جدیدة. وان تحدید مضمون المسائل الجاریة التی تتولى حکومة تصریف الاعمال القیام بها یعتبر من العوامل الاساسیة التی تحدد مدى شرعیة التصرفات التی تقوم بها هذه الحکومة ، وما اذا کانت قد تصرفت فی نطاق اختصاصها ام خرجت عنه.
ولحکومة تصریف الأعمال نوعان من الاختصاصات منها الیومیة الاعتیادیة التی یقوم بها الوزیر یومیاً تأمیناً لاستمرار دوام مرافق الدولة، والاختصاصات الاستثنائیة وتکون فی حالة الضرورة التی تقتضی التدخل على اساس سلامة الدولة وفق القانون.
فی الواقع إن تحدید صلاحیات حکومة تصریف الاعمال بفکرة الأعمال الجاریة غیر واضحة اذ ما تزال هذه الفکرة غامضة وغیر واضحة المعالم والحدود فما هی التصرفات التی تکون ضمن نطاق تصریف الأعمال الجاریة أو الیومیة؟ وما هی تلک التی تعتبر خارجة عن هذا المفهوم؟ وهل إن هذا المعیار ثابتُ فی الظروف العادیة والاستثنائیة أم متغَیرُ بتغیر الظروف، وما هو دور القضاء الاداری اذا تجاوزت حکومة تصریف الاعمال صلاحیاتها؟ فیما یلی سنوضح صلاحیات حکومة تصریف الاعمال فی الظروف العادیة والاستثنائیة موضحاً أهم الاعمال التی تخرج عن نطاق صلاحیات حکومة تصریف الاعمال سواء فی المجال الدستوری ام الاداری وذلک ضمن مطلبین.
المطلب الاول
صلاحیات حکومة تصریف الاعمال فی الظروف العادیة
بالرغم من ان معظم الدساتیر تعطی لحکومة تصریف الاعمال الحق بممارسة صلاحیاتها بالمعنى الضیق لتصریف الاعمال الا انه من الصعوبة تحدید ماهیة الاعمال التی تدخل ضمن صلاحیات حکومة تصریف الاعمال وذلک لعدم وجود نص دستوری أو تشریعی یحدد تلک الاعمال بالمعنى الضیق.
وان صلاحیات حکومة تصریف الأعمال بالمعنى الضیق فی الظروف العادیة تنحصر بالأعمال الإداریة العادیة التی تتمحور حول تسییر الأمور الیومیة والاعمال الروتینیة، وهی تلک الاعمال التی لا یجوز تأجیلها او إیقافها لان ذلک تعطیل للمرافق العامة ومثال ذلک ان یوقع وزیر الکهرباء عقداً مع وزیر النفط لتجهیز المحطات الکهربائیة بالوقود.
ویقصد بالأمور الجاریة او العادیة التی تتولى الحکومة المستقیلة تصریفها هی تلک الأمور التی لا ترتب فی مقابل مباشرتها مسؤولیة الحکومة السیاسیة أو مسؤولیة احد الوزراء وبذلک اصبح مبدأ استمراریة المرافق العامة هو من یوجب بقاء الحکومة لتصریف الامور العادیة دون سواها.
ولقد عّرف الفقیه الفرنسی (Waline ) تصریف الأمور الجاریة بالأمور التی تتسم بصفة الاستعجال والتی لا یکون لها صفة سیاسیة.
ویحکم قاعدة تصریف الاعمال بالمعنى الضیق مبدأ هام وهو مبدأ استمراریة المرفق العام وهذا المبدأ یوجب بقاء الحکومة عند استقالتها أو اعتبارها مستقیلة لتصرف الاعمال الیومیة ولو فقدت کیانها الحکومی المشروع. فالسلطة العامة ملزمة بممارسة الصلاحیات اللازمة لتأمین سیر المرفق العام سیراً منتظماً ومستمراً، ولا یحجب المعنى الضیق لتصریف الأعمال حق حکومة تصریف الأعمال عن توقیع القانون تأمیناً لسیر العمل التشریعی وعدم تعطیله عملاً بمبدأ عدم حدوث أی فراغ دستوری فی السلطة التشریعیة، ومن منطلق العمل على عدم انقضاء مهلة الطعن والتی تسوغ حق هذه الحکومة من اتخاذ التدابیر الکفیلة إلى تفادی سقوط هذه الحقوق.
فمعیار تحدید اختصاصات الحکومة المستقیلة یقوم على اساس اتخاذ قرارات اداریة صرفة لا تثیر مسؤولیتها السیاسیة تجاه البرلمان والتی لا تحمل بعدا سیاسیاً الى جانب القرارات ذات الطبیعة العاجلة.
وفیما یلی سنوضح فی هذا المطلب اهم الاعمال التی تخرج عن نطاق وصلاحیة حکومة تصریف الاعمال منها ما یتعلق بالجانب الدستوری ومنها ما یتعلق بالجانب الاداری، وکذلک التطرق الى دور القضاء الاداری الذی یتولى مهمة فحص القرارات الصادرة من حکومة تصریف الاعمال للتأکد من عدم تجاوزها لنطاق اختصاصاتها فی تصریف الأعمال الجاریة وذلک ضمن ثلاث فروع:
الفرع الاول : الاعمال التی تخرج عن نطاق حکومة تصریف الاعمال فی المجال الدستوری
ان جمیع أعمال الحکومة ذات الطابع الدستوری تخرج غالباً من نطاق الاعمال الجاریة أو العادیة ولا تتطلبها حالات الاستعجال والظروف الاستثنائیة التی تمر بها الدولة فهی الاعمال التی تأخذ طابعاً سیاسیاً یخرج عن صلاحیة حکومة تصریف الأعمال، والسبب فی حجب هذه المسائل عن الحکومة لکونها تتطلب رقابة برلمانیة واقتصارها فی بعض الدول على ممارسة التوقیع المجاور لجانب رئیس الدولة. ومن هذه الاعمال هی:
1. الاقتراح بتعدیل الدستور :
ان اقتراح تعدیل الدستور من الاختصاصات المهمة والخطیرة التی یجب أن تمارس من قبل حکومة کاملة الاختصاصات، لذا لا یجوز للحکومة المستقیلة تقدیم مقترحات لتعدیل النصوص الدستوریة أو الغاء نصوص دستوریة خلال فترة تصریف الاعمال، لأن أمراً کهذا یرتبط بسیاسات الدولة العلیا وکونه من القرارات المصیریة، التی لا تندرج تحت مفهوم تصریف الأعمال.
2. اقتراح مشروعات القوانین :
یقع هذا الاختصاص خارج إطار اختصاص حکومة تصریف الأعمال لأن اقتراح المشاریع یندرج تحت مفهوم (سیاسات الدولة) التی تخرج عن صلاحیة تلک الحکومة أو إمکانیة ترک هذه المهمة لحکومة کاملة الاختصاص هذا أولاً. أما ثانیاً فان تلک المشاریع قد تحمل الدولة أعباء مالیة وهی أیضاً خارج اختصاصها. أما ثالثاً فإن مشاریع القوانین بحاجة إلى سلطة تشریعیة لتشریعها وحسبما تتطلبه النصوص الدستوریة، ولانتهاء الدورة التشریعیة فإن تلک المشاریع تبقى حبراً على ورق.
الا انه یدخل ضمن اختصاص حکومة تصریف الاعمال فی تصریف المسائل العاجلة التوقیع على مراسیم رئیس الدولة والمصادقة على مشروعات القوانین التی یقرها البرلمان فاذا کانت المدة المحددة فی الدستور لاعتراض رئیس الدولة على مشروع القانون قد انتهت عند بدایة الازمة الوزاریة فیصبح من اختصاص الحکومة المستقیلة اعمال قاعدة التوقیع المجاور على اصدار القانون، وان کان البعض یرى ان الحکومة المستقیلة لا تملک سلطة التوقیع على قرارات رئیس الدولة کون التوقیع المجاور یستعمل کأداة لتحویل المسؤولیة السیاسیة من رئیس الدولة الى الوزارة المسؤولة سیاسیاً فهو بمثابة اعلان من قبل الوزیر عن مسؤولیته عن توقیعه امام البرلمان وهذا یعنی انه یتحمل مسؤولیة الاثار الناتجة عن اتخاذ القرار، الا ان هذا الرأی لا یمکن الاخذ به لان ذلک یؤدی الى شلل فی مؤسسات الدولة، فاذا کان رئیس الدولة فی النظام البرلمانی غیر مسؤول وإنما تتحمل المسؤولیة الحکومة واذا کانت هذه المسؤولیة معدومة ولا یمکن اثارتها فی وجه الحکومة المستقیلة فان بإمکانها الامتناع عن التوقیع على قرارات التی قد تثیر مسؤولیتها أو ان ترفض اتخاذ قرار فی موضوع ما بحجة انه یخرج عن نطاق اختصاصها المحدد فی تصریف الامور الجاریة عندما یکون هذا القرار غیر ملائم للحکومة من الناحیة السیاسیة على سبیل المثال رفض الوزیر الفرنسیFelix Gouin” " بعد استقالته استقبال الزعیم الفیتنامی هوشی کون ذلک یتجاوز نطاق تصریف الامور الجاریة التی یتحدد بها اختصاص حکومته المستقیلة.
3. إصدار المراسیم والقرارات التی تتضمن تعدیلا للنصوص التشریعیة.
تخرج هذه الطائفة عن تصریف الأعمال الجاریة لأهمیتها من جهة ولعدم انسجامها مع مضمون تصریف الأعمال من جهة أخرى، فالتفویض لا یمنح إلا لحکومة حائزة على ثقة البرلمان وکاملة الاختصاص، اما عندما تکون قد فقدت هذه الثقة فانه لا یعد هناک مجال لاستمرار هذا التفویض، أما لوائح الضرورة التی تصدرها الحکومة أثناء الظروف الاستثنائیة فهی ضمن اختصاص تصریف الأعمال لذات السبب الذی دفع المشرع لمنحها هذا الاختصاص وهو مواجهة الظرف الاستثنائی بما یؤمن بقاء الدولة واستمرار الحیاة فیها بشکل منتظم .
4.حل البرلمان.
یعتبر طلب حل البرلمان من قبل الحکومة من الاختصاصات بالغة الخطورة وذات الطبیعة السیاسیة، ومن الطبیعی أن یخرج هذا الأمر عن نطاق تصریف الأعمال الجاریة.
الفرع الثانی: الاعمال التی تخرج عن نطاق حکومة تصریف الاعمال فی المجال الاداری
إن من أهم وسائل الإدارة فی تحقیق أهدافها إصدار القرارات الإداریة بنوعیها الفردیة والتنظیمیة وتعد القرارات الفردیة ضمن المسائل الجاریة والعاجلة کونها لا تعتبر من حیث موضوعها ذات اهمیة مؤثرة . کقرار التصدیق على منح الامتیاز، أما قرار منح الامتیاز فهو خارج عن إطار تصریف الأعمال الجاریة لخطورته ، اما فی مجال القرارات الاداریة ذات الطبیعة اللائحیة فهی تقرر قواعد عامة مجردة وتعبر بشکل صریح عن ارادة السلطة العامة فی تنظیم أمر معین وتعالج موضوعات محددة وتدخل ضمن مفهوم شؤون الادارة العامة حتى لو اخذت شکل قرار وزاری او مرسوم فقد قرر مجلس الدولة الفرنسی ان اصدار الحکومة جدول ترقیات لموظفی الادارة المدنیة یدخل ضمن فکرة تصریف المسائل الجاریة التی تختص بها الحکومة المستقیلة. ان من التصرفات والقرارات التی تخرج بطبیعتها عن نطاق تصرف الأعمال الجاریة فهی تتضمن أبعاداً سیاسیة واضحة وهی کالاتی:
الفرع الثالث: موقف القضاء الاداری من قرارات حکومة تصریف الاعمال
فی ظل عدم وجود معیار ثابت أو دقیق یمکن من خلاله حصر ما یدخل من اعمال فی نطاق صلاحیات حکومة تصریف الاعمال والاعمال التی تخرج منها وذلک لعدم وجود نص دستوری أو تشریعی یحدد تلک الاعمال بالمعنى الضیق یتولى القضاء الإداری نفسه سلطة سد هذا النقص التشریعی، وبما ان الاعمال الصادرة من حکومة تصریف الاعمال من الاعمال الاداریة القابلة الطعن بها لدى محکمة القضاء الاداری فهی الفیصل النهائی للحکم وتقدر بسلطتها المطلقة اذا کانت تلک الاعمال تعد ضمن صلاحیات حکومة تصریف الاعمال من عدمه.
ولقد عرف مجلس الدولة الفرنسی الاعمال العادیة أو الجاریة فی قرار له عام 1966 بأنها: "تلک الأعمال التی لا تعرض مسؤولیة الوزارة مجتمعة أو الوزیر المعنی إلى نتائج سیاسیة لأن الحکومة أو الوزارة تحکم بثقة الشعب الممثل بالبرلمان والحکومة المستقیلة تکون فاقدة لثقة البرلمان مما یجعلها غیر قادرة وغیر ذات صلاحیة دستوریة لتتخذ قرارات سیاسیة".
واستقر مجلس شورى الدولة اللبنانی فی قرار له رقم 522 بتاریخ 5/5/1999واستناداً الى الفقة والاجتهاد الفرنسی على التمییز بین نوعین من الاعمال ، الاعمال الاداریة التصرفیة التی لا یجوز للحکومة المستقیلة القیام بها وهی الاعمال التی ترتبط بسیاسة الدولة العلیا والخیارات الاساسیة والمواضیع المصیریة الحساسة کعقد الاتفاقیات والمعاهدات الدولیة أو صرف اعتمادات هامة ،أو اقرار الخطط الانمائیة الشاملة والطویلة الامد التی تفرض على الحکومة العتیدة، وبین الاعمال الاداریة العادیة التی یمکن للحکومة المستقیلة القیام بها وهی التی تتمحور حول تسییر الامور الیومیة والاعمال الروتینیة التی لا یمکن تجمیدها طیلة مدة استقالة الحکومة والتی لا تقید مبدئیاً الحکومات اللاحقة فی انتهاج السیاسة العلیا التی ترتئیها ولا ترهق مالیتها وکذلک الأعمال الإداریة التی لا بد من إجرائها لارتباطها بمهل حددها القانون تحت طائلة السقوط والإبطال.
وتخرج الاعمال التصرفیة فی المبدأ وبطبیعتها من نطاق الاعمال العادیة ولا یحق فی المطلق لحکومة مستقیلة ان تقوم بها لان هذه الاعمال تلزم مسؤولیة الحکومة امام مجلس النواب ما یجعل السماح لهذه الحکومة غیر المسؤولة المستقیلة بإجرائها یؤدی الى ضیاع المسؤولیة وبالتالی المحاسبة.
کما استند مجلس شورى الدولة اللبنانی فی قرار حدیث له إلى الفقه الفرنسی فی تحدید الأعمال الجاریة، حیث أشار یعرف الأعمال الجاریة "بأنها الأعمال الملحة الضاغطة التی لا تحتمل التأجیل أو الإرجاء لحین تألیف الوزراة الجدیدة والتی بسبب سرعتها تستوجب اتخاذ قرارات فوریة أو تلک التی تکون مقتصرة على تنفیذ مهمة الإدارة الیومیة من دون أن تنطوی على أیة صعوبة خاصة أو على أی خیار دقیق".
والقضاء الإداری بما یملکه من قدرة على إلغاء القرارات الإداریة غیر المشروعة فهو أکثر فاعلیة کجهة رقابیة مما یقوم به البرلمان إذ یتحقق دائماً من مدى التزام الحکومة لنطاق اختصاصاتها الذی تمارسه فی ظل ظروف واقعیة أو مادیة معینة بمعنى أن القضاء یتحقق بدوره مما إذا کانت شروط ممارسة هذه الاختصاصات متوافرة بالکامل، فهو لا یقتصر إذاً على التحقق من الوجود المادی للوقائع وإنما لیتأکد أیضاً مما إذا کانت هذه الوقائع من طبیعة تبرر القرار المتخذ.
فالقاضی الإداری یبحث فی رکن الاختصاص ویتأکد من أن القرار الصادر هو ضمن اختصاصات حکومة تصریف الأعمال، ویکون هذا القرار ضمن تلک الاختصاصات فی فرضین، الأول إذا کان ضروریاً لاستمرار المرافق العامة أو مما یتطلبه ذلک الاستمرار، والفرض الثانی ما إذا کان هذا القرار له صفة الضرورة وفقاً للظروف التی صدر فیها.
فعندما تتجاوز حکومة تصریف الاعمال اختصاصاتها وتتخذ بعض القرارات التی یمکن ان تلزم الحکومة التی ستحل محلها یمکن اللجوء الى القضاء الاداری. وهذا ما اکده مجلس الدولة البلجیکی عندما قرر عام 1975 ان اختصاصات الوزراء المستقیلین لا یمکن ممارستها الا فی حدود ضیقة وضروریة للأهداف التی تبرر وجودها.
وعلى الرغم من ان الدستور البلجیکی لم ینص على حکومة تصریف الأعمال ولم یحدد اختصاصاتها، حیث لا توجد ای إشارة بسیطة لأحد الأسباب التی تؤدی إلى تحول الحکومة کاملة الاختصاص إلى حکومة تصریف الأعمال الا ان الواقع العملی یؤکد بصورةٍ قاطعة بأنها موجودة من خلال قرارات القضاء ، ففی حکم اخر لمجلس الدولة البلجیکی فی قضیة (Berckx) قرر (أنه خلال المدة التی تکون الحکومة قد فقدت أساسها البرلمانی وبانتظار أن یعاد تحدید السیاسة العامة، فأن الوزیر لا یمارس إلا تصریف المسائل الجاریة).
ولقد شهدت بلجیکا حکومة تصریف اعمال لمدة 194یوماً بین اعوام ( 2007-2008) واطول حکومة تصریف اعمال استمرت لمدة 541 یوماً بین اعوام (2010-2011) تم من خلالها اتخاذ جملة من القرارات التی تتضمن تجاوز حکومة تصریف الاعمال لحدود اختصاصاتها.
وعلى اثر ذلک قرر مجلس الدولة البلجیکی بان حکومة تصریف الأعمال أو حکومة الشؤون الجاریة تتعامل مع المسائل غیر السیاسیة للأمور الیومیة واستمرار المسائل الهامة التی بدأت قبل الفترة الانتقالیة والتی تتضمن جمیع المسائل السیاسیة التی قررت قبل تلک الفترة، والامور العاجلة والتی لا یمکن تأجیلها بشکل معقول وهذه تمیل الى تضمین المیزانیة وادارة الوکالات شبه المستقلة والالتزامات الدولیة.
کما جاء فی قرار حدیث لمجلس الدولة البلجیکی المؤرخ فی 21 ابریل 2016 والمتعلق بإلغاء قرار خاص بالقواعد المتصلة بالسکن المعدَ للتسویغ من قبل الباعثیین العقاریین العمومیین والوکالات العقاریة.
المطلب الثانی
صلاحیات حکومة تصریف الاعمال فی الظروف الاستثنائیة
هناک اعمال تخرج عن نطاق الاعمال الجاریة بطبیعتها ولکن نظراً للظروف الاستثنائیة أو العاجلة التی تواجها الدولة تجعلها تندرج ضمن هذا الوصف على سبیل الاستثناء فقد تتعرض الدولة إلى ظروف استثنائیة غیر عادیة تهدد وجودها واستمرارها کأن یهددها خطر حرب خارجیة أو اضطرابات داخلیة مثل العصیان المدنی أو لعملیات ارهابیة منظمة، أو قد تنتج هذه الظروف عن أزمة اقتصادیة أو کوارث طبیعیة أو عامة بحیث لا تُعد القواعد الدستوریة والقانونیة کافیة أو ملائمة لمواجهة تلک الظروف مما یتوجب معه اتخاذ تدابیر وإجراءات سریعة وصارمة لمواجهة هذه الظروف الطارئة بواسطة تشریعات توضع خصیصاً لهذا الغرض، والتی تختلف فی طبیعتها ومداها عن تلک التشریعات التی تطبق فی الظروف العادیة، لأنها تجد أساسها فی حالة الضرورة التی تقضی بأن سلامة الدولة فوق القانون، وباعتبار القانون وسیلة للحفاظ على أمن الدولة وحسن سیر مرافقها العامة. وتجدر الاشارة ان الظروف الاستثنائیة تمنح الحکومة سلطات واختصاصات اوسع بکثیر مما تملکه فی الظروف العادیة لان امتناع الحکومة المستقیلة عن التصرف فی مثل هذه الظروف یعرض مبدأ استمراریة الدولة للخطر بل یعرض شرعیة ووجود الجماعة السیاسیة.
أما عن طائفة الأعمال التی یمکن للحکومة أن تمارسها فی مواجهة الظروف الاستثنائیة فهی کل ما یستلزمه الظرف الاستثنائی وتتطلبه حالة الضرورة بحیث یمکن لها ان تخرج عن اطار التصرف الیومی للأعمال وتتخذ قرارات هامة دون المساءلة البرلمانیة. ففی المجال الدستوری یمکن تنظیم الاستفتاءات واقتراح مشاریع القوانین وحتى طلب حل البرلمان، أما فی المجال الإداری فللإدارة أن تصدر القرارات اللائحیة التنظیمیة وقرارات التعیین ذات البعد السیاسی والقرارات الاقتصادیة المهمة وغیرها من القرارات التی تستلزمها ضرورة مواجهة الظرف الاستثنائی أو حالة الضرورة.
وفی قرار للمجلس الدستوری اللبنانی رقم 2014/7 بتاریخ 28/11/2014 حدد فیه الظروف الاستثنائیة "بانها الظروف الشاذة الخارقة والتی تهدد السلامة العامة والأمن العام فی البلاد ومن شأنهما ربما تعریض کیان الامة للزوال ، وهذه الظروف الاستثنائیة تعطی شرعیة استثنائیة غیر منصوص علیها لا فی احکام الدستور او القواعد ذات القیمة الدستوریة ... کما ان العرف والفقه حددا" تصریف الاعمال "وما قد یدخل فی نطاقه تلک القرارات التی من شأن عدم اتخاذها ان ینتج عنه فراغ کامل لاحد السلطات الدستوریة ولا تتصف بالأعمال التصرفیة التی تستوجب قرارات تکون ملزمة للحکومة التی ستأتی بعدها، وذلک عملا بمبدأ استمراریة العمل فی مرافق الدولة ......".
فعلى سبیل المثال ففی سابقة دستوریة فی التاریخ الدستوری اللبنانی اضطرت الحکومة المستقیلة فی عهد حکومة رشید کرامی عام 1969 والتی کانت الاطول فی تاریخ لبنان الى ممارسة کافة اختصاصات حکومة دستوریة عادیة طوال فترة ازمة حکومیة حیث استمرت الازمة الدستوریة التی تلت استقالة الحکومة سبعة اشهر متتالیة اضطرت معها حکومة الرئیس کرامی الى ممارسة کافة اعمالها فی السیاسة الداخلیة والخارجیة وفی اصدار المراسیم وفی عقد اجتماعات مجلس وزراء لاتخاذ قرارات عاجلة.
کما جاء فی قرار مجلس شورى الدولة اللبنانی رقم 614 بتاریخ 17/12/1969 الذی وضع رکائز ومفهوم تصریف الاعمال بناءً على اجتهاد واستثنى بعض التدابیر والاجراءات من نطاق تصریف الاعمال العادیة واعطاها بعداً دستوریاً ومشروعاً لحکومة تصریف الاعمال اذ جاء فیه "...... وحیث انه یستثنى منها التدابیر الضروریة تفرضها ظروف استثنائیة تتعلق بالنظام العام وأمن الدولة الداخلی والخارجی – وکذلک الاعمال الاداریة التی یجب اجراؤها فی مهل محددة بالقوانین… ان ما یبرر مداخلة الوزارة المستقیلة فی هذه الظروف الاستثنائیة لیس نطاق الاعمال العادیة الموکول الیها تصریفها اذ ان تدابیرها تخرج عن هذا النطاق – وانما الحرص على سلامة الدولة وأمن المجتمع وعلى سلامة التشریع وفی هذه الحالات تخضع تدابیر الوزارة المستقیلة وتقدیر ظروف اتخاذها ایاها الى رقابة القضاء الاداری بسبب فقدان الرقابة البرلمانیة وانتفاء المسؤولیة الوزاریة. وحیث ان هذه الحدود والضوابط ترمی فی غایتها الى الحرص على مصالح البلاد الحیویة من ان تهدر فی فترة زوال المسؤولیة الوزاریة وهی حدود وضوابط یوفرها النظام البرلمانی تأمیناً لقیام الحکم الصالح السلیم"….
وجاء فی استشارة هیئة التشریع والاستشارات فی وزارة العدل رقم 478 تاریخ 7/7/2005 ما حرفیته: "وحیث ان المبدأ المتعارف علیه، الذی یحکم تصریف الاعمال من قبل الحکومة المستقیلة هو ذاک الذی یجد مصدره فی القرار المبدئی الشهیر الصادر عن مجلس شورى الدولة الفرنسی بتاریخ 4/4/1952، وبمقتضاه لا مفر من وجود سلطة مناط بها تأمین استمراریة ودیمومة الحیاة الوطنیة بین تاریخ استقالة الحکومة وتاریخ تألیف الحکومة الجدیدة، فتمسی الصلاحیة الاستثنائیة للحکومة المستقیلة او المعتبرة کذلک مسندة فقط على مرتکز تأمین مقتضیات الدولة الضروریة". علماً أن هذا المبدأ العام الاجتهادی الفرنسی قد جرى تکریسه فی المادة 69 من دستور لبنان لسنة 1926 المعدل .
وفی احدث اضافة لحکومة تصریف الاعمال وصلاحیاتها جاء فی القانون التنظیمی المغربی رقم 065،13 والصادر بتاریخ 19/5/2015 المتعلق بتنظیم تسییر اشغال الحکومة والوضع القانونی لأعضائها وهو بمثابة النظام الداخلی لمجلس الوزراء استنادا للمادة 87 من الدستور المغربی، ففی الباب الرابع من هذا القانون بعنوان القواعد الخاصة بتصریف الحکومة المنتهیة مهامها للأمور الجاریة ومهام الحکومة الجدیدة قبل تنصیبها من قبل مجلس النواب یراد بعبارة "تصریف الامور الجاریة" اتخاذ المراسیم والقرارات والمقررات الاداریة الضروریة والتدابیر المستعجلة اللازمة لضمان استمراریة عمل مصالح الدولة ومؤسساتها، وضمان انتظام سیر المرافق العامة، ولا تندرج ضمن "تصریف الامور الجاریة "التدابیر التی من شأنها ان تلزم الحکومة المقبلة بصفة دائمة ومستمرة وخاصة المصادقة على مشاریع القوانین والمراسیم التنظیمیة، وکذلک التعیین فی المناصب العلیا.
بذلک فان تصریف الاعمال لیس فقط محصوراً بالأعمال الیومیة والعادیة بل بات یحتمل التوسیع أو التضییق فی التطبیق عندما تتوافر ظروف استثنائیة طارئة تتطلب من الحکومة المستقیلة اتخاذ قرارات وتدابیر توجب حمایة مصالح الدولة وحفظ نظامها العام والتزاماتها الدولیة. فبإمکان حکومة تصریف الاعمال ان تمارس صلاحیات حکومة دستوریة لکن بمواضیع محدودة ولفترة زمنیة محددة واحتراماً لمهل قانونیة أو دستوریة مسقطة.
نستنتج مما تقدم ذکره انه کلما کانت الظروف عادیة لتشکیل حکومة جدیدة لتحل مکان حکومة تصریف الأعمال، وذلک خلال مدة معقولة کلما یضیق نطاق صلاحیات حکومة تصریف الأعمال، فی حین عندما تکون الظروف استثنائیة أو طارئة کلما تأخر أو طال تشکیل الحکومة الجدیدة وبالتالی اتسعت صلاحیات حکومة تصریف الأعمال لمواجهة ملفات وطنیة ضاغطة أو أعمال طارئة أو عاجلة أو لا تحتمل التأجیل والانتظار.
وفی جمیع الأحوال یمکن القول ان نطاق عمل حکومة تصریف الأعمال سواء فی الظروف العادیة أو الاستثنائیة یبقى عرضة للتجاذبات والممارسة السیاسیة فی الأنظمة السیاسیة المختلفة ، ویضیق ویتسع مجال تطبیقه تبعاً لعمر الأزمة السیاسیة، ویبقى للقضاء الإداری الدور البارز فی النظر للطعون المقدمة أمامه بقرارات حکومة تصریف الأعمال.
الخاتمـة
بعد أن انتهینا من بحثنا الموسوم "حکومة تصریف الاعمال وحدود ممارستها لصلاحیاتها". استخلصنا بعض النتائج ووضعنا بعض المقترحات التی نأمل ان تکون جدیرة بالاهتمام.
أولا : النتائج
ثانیاً: المقترحات
1. ندعو المشرع الدستوری العراقی الى وضع معالم واضحة وصریحة لحکومة تصریف الاعمال وتبنی موقف المشرع الدستوری اللبنانی فی النص فی الدستور على الحالات التی تصبح فیها الحکومة حکومة تصریف الاعمال منها انتهاء الدورة الانتخابیة لمجلس النواب واستقالة مجلس الوزراء او رئیسه واسوة ایضاً بما اشار الیه قانون تحدید ولایة رئیس الجمهوریة ورئیس مجلس النواب ورئیس مجلس الوزراء رقم 8 لسنة 2013 تفادیاً لأی تخبطات دستوریة .
2. ندعو المشرع الدستوری العراقی الى ادراج حکومة تصریف الاعمال وحالات تطبیقها ونطاق عملها ضمن النظام الداخلی لمجلس الوزراء رقم 103 لسنة 2014 التی لم یتعرض الى حالة تحویل مجلس الوزراء الى حکومة تصریف الامور الیومیة لحین تشکیل مجلس وزراء جدید .
3. نقترح على المشرع الدستوری العراقی تعدیل نص المادة 61 ثامناً/ ج بعدم جعل الوزارة مستقیلة بعد قرار سحب الثقة من رئیس مجلس الوزارء بالأغلبیة المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب وإنما یستمر رئیس مجلس الوزارء فی منصبه لتصریف الامور الیومیة لمدة لا تزید على ثلاثین یوماً الى حین اختیار رئیس مجلس الوزراء الجدید وفقاً لأحکام المادة 76 من الدستور اسوة بما جاء فی نص الفقرة د من البند ثامناً من المادة 61 من الدستور الخاص بسحب الثقة من مجلس الوزراء وقانون تحدید الرئاسات الثلاث رقم 8 لسنة 2013.
4. ندعو المشرع الدستوری العراقی إلى تبنی رقابة فعالة تمارس على حکومة تصریف الأعمال اثناء حل البرلمان بما یضمن عدم صدور قرار خارج اختصاص هذه الحکومة من خلال إخضاعها لرقابة قضائیة علیا فی هذا الشأن کرقابة المحکمة الاتحادیة العلیا.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English)
First: Arabic books.
1- Dr. Ahmed Abu Shady, Group of Legal Principles decided by the General Assembly of the Fatwa and Legislation sections of the State Council in fifteen years, Dar Al-Fikr Al-Arabi, Cairo, B-T.
2- Dr. Jabir Gad Nassar, Interrogation as a Means of Parliamentary Oversight of Government Work in Egypt and Kuwait, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1999.
3- Dr. Raed Naji, The Right to Dissolution of the Parliament in Comparative Systems, i 1, Dar Al Kitab Al Arabi, Algeria, 2012.
4- Dr. Rabie Mufid al-Ghusaini, Minister in the Political System, "Its Position, Role and Powers", Halabi Publications, Beirut, 2003.
5- Dr. Mr. Sabri, Government of the Ministry, Analytical Research on the Development and Development of the Parliamentary System in England, World Press, Cairo, 1953.
6- Dr. Sulaiman Al-Tamawi, Principles of Administrative Law, Dar Al-Fikr Al-Arabi, Cairo, 1973.
7- Dr. Adel Al-Tabtabae, The Competencies of the Independent Government "Comparative Study", Taima Al-Jarf, I, Kuwait Foundation for the Advancement of Sciences, Kuwait, 1986.
8- Dr. Alaa Abdel Muttal, Dissolution of Parliament in Comparative Constitutional Systems, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 2004.
9- Dr. Abdullah Ibrahim Nasif, The Balance of Political Power with Responsibility in the Modern State, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1981.
10- Dr. Ali Al-Baz, Public Authorities in the Kuwaiti Constitutional System, Scientific Publishing Council, Kuwait University, 2006.
11- Dr. Ali Hamid Kadhim, The Caretaker Government, House of Representatives, Research Department, Baghdad, 2013.
12- Amr Hashim Rabie, Parliamentary Oversight in Political Systems, A Study in the Experience of the Egyptian People's Assembly, Al-Ahram Center for Political and Strategic Studies, Cairo, 2002.
13- Dr. Mohamed Ahmed Mohamed Gober, Minister in Contemporary Political Systems, Comparative Study, B, 2010.
14- Dr. Mohammed Samer Al Turkawi, The Role of the Prime Minister in the Parliamentary Parliamentary System "Comparative Study", Halabi Publications, Beirut, 2017.
15- Dr. Mahmoud Atef El Banna, Administrative Judiciary, Arab Thought House, Cairo, 1978.
Second: - Letters and university papers
1. Ahmed Abdel Latif Ibrahim El Sayed, Role of Head of State in the Parliamentary System, PhD Thesis, Faculty of Law, Ain Shams University, 1996.
2. Ehab Zaki Salam, Political Control of the Actions of the Executive in the Parliamentary System, PhD Thesis, Faculty of Law, Cairo University, 1983.
3. Hassan Mohammed Ali Hassan Al-Banan, The Principle of the Availability of Public Utilities Rules for Change and Development "A Comparative Study on the Development of Economic Public Utilities Activity", PhD thesis submitted to the Council of the Faculty of Law, Mosul University, 2005.
4. Dana Abdul Karim, Dissolution of the Parliament and the Legal Argument on the Principle of State Business Continuity, Comparative Analytical Study, Master Thesis submitted to the Faculty of Law Council, University of Sulaymaniyah, 2007.
5. State of Ahmed Abdullah Al-Brifanki, Political Responsibility of the Ministry "Comparative Study", PhD thesis submitted to the Council of the Faculty of Law, Mosul University, 2017.
6. Sarah Ali Saleh Al-Bayati, The Neighboring Sign and its Applications in the Iraqi Parliamentary System "Comparative Study", Master Thesis submitted to the Council of the Faculty of Law and Political Science, University of Kirkuk, 2018.
7. Majid Anonymous Darwish Hussein Al-Zarigawi, Guarantees of the Principle of Operation of the General Attachment "Comparative Study" Master Thesis submitted to the Council of the Faculty of Law, University of Babylon, 2004.
8. Merzouki Abdel Halim, The Right to Resolve Under the Parliamentary Parliamentary System between Theory and Practice, PhD thesis submitted to the Faculty of Law and Political Science, Department of Law, Al-Haj Lakhdar University, Batna, 2014.
Third: Research and articles
1. Dr. Zahra Abdel Hafez Mohsen, The Caretaker Government between Legislation and Practice, Research published in the Journal of Law and Judiciary, Baghdad, No. 7, 2011.
2. Dr. Sam Dallah, The Caretaker Government "From Political Concept to Legal Briefing" Journal of Shari'a and Law, United Arab Emirates University, Issue, 2016, 68.
3. Dr. Sam Dallah, The Constitutional Protection of Public Utilities, Journal of Sharia and Law, Faculty of Law, United Arab Emirates University, Issue 65, Year 30, 2016.
4. Dr. Adel Tabtabae, The Concept of the Ministerial Program in the Kuwaiti Constitution, Research published in the Journal of Law, Kuwait, No. 1, 1997.
5. Dr. Essam Saeed Abdul Obeidi and Dr. State of the Republic of Kirkuk, Vol. I, Vol. 7, No. 24, 2018.
6. Ghassan Abu Tabikh, The Caretaker Government, article published in the Journal of Law and Judiciary No. 3, Baghdad, 2010.
7. Dr. Mazen Lilo Radi and d. Ali Younis Ismail, Modern Evolution in the Principles Governing the Public Facility in France and its Legal Value, Journal of the Faculty of Law, Nahrain University, vol. 19, no. 5, 2017.
Fourth: Constitutions
1. The Dutch Constitution of 1815.
2. The Belgian Constitution of 1831 amended.
3. The Lebanese Constitution of 1926 amended.
4. The French Constitution of 1946 abolished.
5. The Danish Constitution of 1953.
6. The amended French Constitution of 1958.
7. The Kuwaiti Constitution of 1962.
8. Constitution of the Republic of Iraq for 2005.
9. The Moroccan Constitution of 2011 in force.
10. The Tunisian Constitution of 2014 in force.
11. The Egyptian Constitution of 2014 in force.
Fifth: Iraqi laws, regulations and facts
1. Law defining the mandate of the President of the Republic and the President of the Council of Representatives and the Prime Minister No. 8 of 2013.
2. Moroccan Regulatory Law No. 13-065 concerning the organization of the running of the government's affairs and the legal status of its members issued on 19/5/2015. Published in the Official Gazette No. 6348 dated 12 Jumada al-Akhirah 1436 on 2 April 2015. Available on the website
adala.justice.gov.ma
3. The internal regulations of the Lebanese Parliament for the year 1994 amended.
4. Rules of Procedure of the Iraqi Council of Representatives effective for the year 2007.
5. Iraqi Chronicle No. 4273 dated 8/4/2013.
6. Iraqi Chronicle, No. 4021, 16/4/2006.
Sixth: Websites
1. Areej Hamadeh, the caretaker government, news, date of visit 5/11/2017.
www.alanba.com.kw
2. Dr. Amal Abdel Hadi Massoud, the caretaker government .. its concept and powers. Date of visit 20/6/2016.
http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=
3. Ayad Abdullatif Salem, daily affairs ... what ... and where ?, date of visit July 3, 2018.
https://kitabat.com/2018/07/03
4. Hariri issues a circular on the conduct of business, South, 29 June 2018 Available at:
janoubia.com
5. George Abu Saab, the conduct of the business does not prevent the resigned government from exercising the powers of maintaining order and implementing Lebanon's international obligations, date of visit 14 January 2011
https://www.lebanese-forces.com/2011/01/14/121581
6. Hussein Zallghout, article 69 of the Constitution restricts the work of the caretaker government on narrow administrative matters, the date of the visit 8 November 2017.
aliwaa.com.lb
7. Khalil Hamadeh, an article from the mandate of the author to the discharge, www.tayyar.org
Date of visit . 16/11/2013.
8. Rahma Bahi, functions of the caretaker government and the fact that there is a vacuum in the state, facts online, the date of the visit
https://www.turess.com
9. Salim Grizati, the conduct of business in the narrow sense, what limits? Date of visit 16/11/2013 Research published on the website:
http://www.alahednews.com/b/essaydetails.php?eid=20319
10. Samir Khalaf, Is the right of the House of Representatives to hold a session of legislation under a resigned government, the date of visit 8/9/2018 available on the website
https://www.vdle.me-f
11. Dr. Fawzi Hobeish, the exceptional authority of the outgoing government to secure the necessary state requirements, Lebanese affairs, No. 4722, date of visit 20 June 2013.
http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?
12. Federal Supreme Court Decision No. 38 Federal 2010 on the statement of opinion regarding the government is the conduct of business or a government full powers date of the decision on 14/4/2010. Available at:
https//www.iraqfsc.iq/t.2010
13. Dr. Ali Mahdi, What is the caretaker government, the free platform, the date of visit July 7, 2018.
http://www.iraqicp.com/index.php/sections/platform/6967
14. Hadi Aziz Ali, The Limited Powers of the Next Administering Government, Views and Opinions, No. 3087. Date of Visit: 5/27/2014 Available at:
http://almadapaper.net
15. Presidential Order No. 94 of 2016 dated 31 July 2016 concerning the resignation of the Government and its mandate to continue the conduct of the work, published in the Official Official of the Republic of Tunisia No. 63 on 2 August 2016 Page 2707.
www.legislation.tn
Seventh: Foreign sources
(1) George Morange، "Situation et Rapports des Pouvoirs Publics en cas de Dissolution ", R.D.P.S.P en France et à l’étranger، librairie du droit et de jurisprudence, Mai/juin 1978.
(2). Hemant kumar dash, Belgium: A nation state in Crisis, Jawaharlal Nehru University 30 may, 2015.
(3) S. A . De Smith, Constitutional and Administrative Law, Edition first, Longman group Ltd, London, 1971
(4) Van Aelst peter, Caretaker government and Caretake
conventions. ,28 June, 2016.
اولاً:- الکتب العربیة .
1- د. أحمد ابو شادی، مجموعة المبادىء القانونیة التی قررتها الجمعیة العمومیة لقسمی الفتوى والتشریع لمجلس الدولة فی خمسة عشر عام، دار الفکر العربی، القاهرة، ب-ت.
2- د. جابر جاد نصار ، الاستجواب کوسیلة للرقابة البرلمانیة على أعمال الحکومة فی مصر والکویت، دار النهضة العربیة، القاهرة ،1999 .
3- د. رائد ناجی، حق حل البرلمان فی الأنظمة المقارنة، ط 1، دار الکتاب العربی، الجزائر،2012.
4- د. ربیع مفید الغصینی، الوزیر فی النظام السیاسی "موقعه، دوره، صلاحیاته"، منشورات الحلبی الحقوقیة، بیروت، 2003 .
5- د. السید صبری، حکومة الوزارة، بحث تحلیلی لنشأة وتطور النظام البرلمانی فی انکلترا ،المطبعة العالمیة ، القاهرة ،1953.
6- د. سلیمان الطماوی، مبادىء القانون الإداری، دار الفکر العربی، القاهرة، 1973.
7- د. عادل الطبطبائی، اختصاصات الحکومة المستقلة "دراسة مقارنة"، مراجعة وتقدیم د. طعیمة الجرف، ط1، مؤسسة الکویت للتقدم العلمی، الکویت، 1986 .
8- د. علاء عبد المتعال، حل البرلمان فی الانظمة الدستوریة المقارنة، دار النهضة العربیة، القاهرة، 2004.
9- د. عبد الله ابراهیم ناصف، مدى توازن السلطة السیاسیة مع المسؤولیة فی الدولة الحدیثة، دار النهضة العربیة، القاهرة ،1981.
10- د. علی السید الباز ،السلطات العامة فی النظام الدستوری الکویتی ،مجلس النشر العلمی ،جامعة الکویت ،2006.
11- د. علی حمید کاظم، حکومة تصریف الأعمال، مجلس النواب، دائرة البحوث، بغداد، 2013.
12- عمرو هاشم ربیع، الرقابة البرلمانیة فی النظم السیاسیة، دراسة فی تجربة مجلس الشعب المصـری، مرکــز الاهــرام للدراســات السیاسیة والاستراتیجیة، القــاهرة، 2002.
13- د. محمــد أحمــد محمــد غــوبر، الوزیر فی النظم السیاسیة المعاصرة، دراسة مقارنة، ب.م، 2010 .
14- د. محمد سامر الترکاوی، دور رئیس مجلس الوزراء فی النظام النیابی البرلمانی "دراسة مقارنة"، منشورات الحلبی الحقوقیة، بیروت، 2017.
15- د. محمود عاطف البنا، القضاء الإداری، دار الفکر العربی، القاهرة، 1978.
ثانیا ً :- الرسائل والاطاریح الجامعیة
ثالثاً :- البحوث والمقالات
4. د. عادل الطبطبائی، مفهـوم البرنـامج الـوزاری فـی الدسـتور الکویتی، بحـث منشـور فـی مجلـة الحقـوق، الکویت، العدد الأول، ١٩٩٧.
5. د. عصام سعید عبد العبیدی ود. دولة احمد عبد ﷲ البریفانکی، الثقة النیابیة والوزارة "دراسة مقارنة" مجلة کلیة القانون للعلوم القانونیة والسیاسیة ،جامعة کرکوک، الجزء الاول، المجلد7، العدد 24، 2018.
6.غسان ابو طبیخ، حکومة تصریف الأعمـال، مقال منشـور فـی مجلـة القـانون والقضـاء العدد الثالث، بغـداد، 2010.
7. د. مازن لیلو راضی ود. علی یونس اسماعیل، التطور الحدیث فی المبادئ الحاکمة للمرفق العام فی فرنسا وقیمتها القانونیة، مجلة کلیة الحقوق، جامعة النهرین، المجلد 19، العدد 5، 2017.
رابعاً : الدساتیر
10.الدستور التونسی لسنة 2014 النافذ.
11.الدستور المصری لسنة 2014النافذ.
خامساً : القوانین والانظمة والوقائع العراقیة
سادساً :المواقع الالکترونیة
http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=
https://kitabat.com/2018/07/03
4. الحریری یصدر تعمیماً بشأن تصریف الاعمال، جنوبیة ،29حزیران 2018 متاح على الموقع الالکترونی: janoubia.com
www.tayyar،org تاریخ الزیارة . ٢٠١٣/١١/١٦.
www.alahednews.com/b/essaydetails.php?eid=20319 ://http
http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?
12. قرار المحکمة الاتحادیة العلیا رقم 38 اتحادیة 2010 بشأن بیان الرأی بصدد حکومة هل هی تصریف الاعمال ام حکومة بکامل صلاحیاتها تاریخ القرار فی 14/4/2010. متاح على الموقع الالکترونی: https//www.iraqfsc.iq/t.2010
13. د. علی مهدی، ماهیة حکومة تصریف الاعمال، المنبر الحر، تاریخ الزیارة 7 تموز 2018.
http://www.iraqicp.com/index.php/sections/platform/6967
14. هادی عزیز علی، الصلاحیات المحدودة لحکومة تصریف الاعمال القادمة ، اراء وافکار الرأی، العدد 3087 .تاریخ الزیارة 5/27/2014 متاح على الموقع الالکترونی:
almadapaper.net https://
سابعاً :- المصادر الأجنبیة
(1) George Morange، "Situation et Rapports des Pouvoirs Publics en cas de Dissolution ", R.D.P.S.P en France et à l’étranger، librairie du droit et de jurisprudence, Mai/juin 1978.
(2). Hemant kumar dash, Belgium: A nation state in Crisis, Jawaharlal Nehru University 30 may, 2015.
(3) S. A . De Smith, Constitutional and Administrative Law, Edition first, Longman group Ltd, London, 1971
(4) Van Aelst peter, Caretaker government and Caretake
conventions. ,28 June, 2016.