الملخص
ان جریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی من اخطر الجرائم المقوضة للأمن الداخلی للدول واستقرارها, لذا جاءت اغلب القوانین العقابیة للدول بالعقاب علیها, وقد جرمها قانون العقوبات العراقی فی المادة (195) منه, وکذلک فی قانون مکافحة الارهاب العراقی فی الفقرة (4) من المادة (2), ووضح المشرع ان لهذه الجریمة صورة متعددة تقوم بمجرد ارتکاب احدها ولا یتطلب القانون ان ترتکب جمیعها سویاً لتقام المسؤولیة الجنائیة بحق مرتکبها, وبین انها ترتکب بصورة تسلیح المواطنین او بحملهم على تسلیح بعضهم بعضا او بالحث على الاقتتال, وهنا ربط المشرع الجنائی بعض صور الرکن المادی بالسلاح, وان یروم الجانی منها الوصول لتحقیق هدف معین ومحدد بالنص وهو اشعال الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی, ولا یتطلب النص العقابی ان یحدث فعلاً ما یریده الجانی فالعقاب یطاله وان لم یقع ما یریده, اما ان وقع فعلاً ما حث الیه او سلح من اجله مجامیع معینة من الافراد فان ذلک یؤثر فقط بمقدار العقاب, لتصل عقوبته لأقصى حد وهو الاعدام, وحدد القانون احکاماً فیما یخص الاعفاء من العقاب.
ولهذه الجریمة احکامها الخاصة والتی حددها القانون وخصها بها مع غیرها من جرائم امن الدولة الداخلی, ویظهر ذلک جلیاً من خلال استثناءها من مبدأ اقلیمیة القانون الجنائی واخضاعها مع غیرها من جرائم أمن الدولة الداخلی والخارجی وبعض الجرائم المحددة بالنص لمبدأ عینیة القانون الجنائی الاستثناء من الاصل العام مبدأ اقلیمیة القانون, ومن جهة اخرى خرج القانون عن احکام المساهمة الجنائیة التبعیة العامة وضمن نصوصاً خاصة, وتبین لنا ان هذه الجریمة من اخطر الجرائم التی تنبه لها القانون وواضعیه على سلامة المجتمعات الانسانیة واستقرارها, اضافة لما نراه الیوم من تهدیدات ومحاولات فعلیة تلوح بإشعال الحروب والاقتتال الاهلی فی بلادنا العزیزة لتنشر الدمار وتقسم المجتمع الى فئات متصارعة تتمزق بها الوحدة الوطنیة للشعب والتلاحم والانسجام التاریخی الذی عرف به مجتمعنا على مدى الدهور.
الموضوعات
أصل المقالة
جریمة اثارة الحرب الأهلیة والاقتتال الطائفی -دراسة تحلیلیة قانونیة-(*)-
The crime of stirring up sectarian war and sectarian fighting - a legal analysis study
طلال عبد حسین البدرانی محمد سطام الجبوری کلیة الحقوق/ جامعة الموصل قسم القانون/ کلیة الحدباء الجامعة Talal Abdul Hussein Al Badrani Muhammad Sattam Al Jubouri College of law / University of Mosul College of Law/ College of Al-Hadbaa University Correspondence: Talal Abdul Hussein Al Badrani E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 18/2/2018 *** قبل للنشر فی 6/3/2018.
(*) Received on 18/2/2018 *** accepted for publishing on 6/3/2018.
Doi: 10.33899/alaw.2018.160798
© Authors, 2018, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
ان جریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی من اخطر الجرائم المقوضة للأمن الداخلی للدول واستقرارها, لذا جاءت اغلب القوانین العقابیة للدول بالعقاب علیها, وقد جرمها قانون العقوبات العراقی فی المادة (195) منه, وکذلک فی قانون مکافحة الارهاب العراقی فی الفقرة (4) من المادة (2), ووضح المشرع ان لهذه الجریمة صورة متعددة تقوم بمجرد ارتکاب احدها ولا یتطلب القانون ان ترتکب جمیعها سویاً لتقام المسؤولیة الجنائیة بحق مرتکبها, وبین انها ترتکب بصورة تسلیح المواطنین او بحملهم على تسلیح بعضهم بعضا او بالحث على الاقتتال, وهنا ربط المشرع الجنائی بعض صور الرکن المادی بالسلاح, وان یروم الجانی منها الوصول لتحقیق هدف معین ومحدد بالنص وهو اشعال الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی, ولا یتطلب النص العقابی ان یحدث فعلاً ما یریده الجانی فالعقاب یطاله وان لم یقع ما یریده, اما ان وقع فعلاً ما حث الیه او سلح من اجله مجامیع معینة من الافراد فان ذلک یؤثر فقط بمقدار العقاب, لتصل عقوبته لأقصى حد وهو الاعدام, وحدد القانون احکاماً فیما یخص الاعفاء من العقاب.
ولهذه الجریمة احکامها الخاصة والتی حددها القانون وخصها بها مع غیرها من جرائم امن الدولة الداخلی, ویظهر ذلک جلیاً من خلال استثناءها من مبدأ اقلیمیة القانون الجنائی واخضاعها مع غیرها من جرائم أمن الدولة الداخلی والخارجی وبعض الجرائم المحددة بالنص لمبدأ عینیة القانون الجنائی الاستثناء من الاصل العام مبدأ اقلیمیة القانون, ومن جهة اخرى خرج القانون عن احکام المساهمة الجنائیة التبعیة العامة وضمن نصوصاً خاصة, وتبین لنا ان هذه الجریمة من اخطر الجرائم التی تنبه لها القانون وواضعیه على سلامة المجتمعات الانسانیة واستقرارها, اضافة لما نراه الیوم من تهدیدات ومحاولات فعلیة تلوح بإشعال الحروب والاقتتال الاهلی فی بلادنا العزیزة لتنشر الدمار وتقسم المجتمع الى فئات متصارعة تتمزق بها الوحدة الوطنیة للشعب والتلاحم والانسجام التاریخی الذی عرف به مجتمعنا على مدى الدهور.
Abstract
The Crime of Invoking Civil War or Sectarian Fight
The crime of invoking civil war or sectarian fight is one of the most dangerous crimes that devastates the internal security of states and their stability. Therefore most penalty laws of states approved those punishment laws Similarly The Iraqi Criminal Law incriminates these crimes in Article 195. The Law of The Iraqi Court of Terrorism in has approved it in Item 4 of article 2. The Iraqi legislator explained that this crime has many forms and it occurs whenever committed. And the law does not demand that this crime should be committed altogether to raise the criminal liability against its actor, The law also clarifies that this crime is committed in many shapes such as arming citizens, urging them to arm each other or evoking them to fight with each other, and here the criminal legislator associates the material element which is the weapon and the criminal, by using the weapon, the criminal, seeks for achieving a certain goal specified particularly as breaking out a civil war or a sectarian fight. In addition the criminal law does not demand the real occurrence of what the criminal wants, because the punishment will be applied on him even if what he wants does not occur. But if what he evokes to occur or he arms certain groups of individuals, this will affect the level of penalty which may reach to the highest level; execution. The law specifies judgments which concerns exemption of penalty.
The crime of invoking civil war or sectarian Fight has its own judgments which the law specifies along with some crimes concerning the internal security of a state. This becomes clear when we notice that it is excluded from the principle of the territory of the criminal law and make it, besides other crimes concerning the internal and the external security of a state and some other crimes mentioned in the law, subject to the application of some certain Judgments as exceptions from the general principles applications of the penal law. On the other hand; the law does not stick to its applications concerning the indirect criminal contributors of such crime, instead of that special applications are legislated. It has become clear that this crime is one of the most dangerous crimes, which the legislators of the law realize, that affects on the safety of the humanitarian societies and their stabilities. In our society has characterized for ages to what we witness these days as threatening and actual attempts for breaking out wars and civil fight in our dearest country then dividing the society into conflicting classes by which the national unity of the people, cohesion and historical harmony that.
المقدمــة
تعد جریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی من اخطر الجرائم الماسة بالسلم الاجتماعی للشعوب والمقوضة للأمن الداخلی للدول واستقرارها, لذا جاءت اغلب القوانین العقابیة للدول بالعقاب علیها وبأحکام مشددة للمسؤولیة ومن هذه القوانین قانون العقوبات العراقی رقم (111) لسنة 1969 المعدل, إذ نص علیها فی المادة (195) ضمن الجرائم الماسة بالأمن الداخلی للدولة, وجاء النص علیها کذلک فی قانون مکافحة الارهاب العراقی رقم (13) لسنة 2005 وفی الفقرة (4) من المادة (2) منه. وهو ما یدلل على خطورة هذه الجریمة ومساسها المباشر بالأمن والسلام الداخلی للدولة, ولا نغفل ان الصراعات الداخلیة وغیاب السلم یؤدی إلى إضعاف الدولة ومؤسساتها الرسمیة لتصبح البلاد ساحة للصراعات والتسلط والاستئثار والانتقام بین المکونات والفئات الاجتماعیة للشعب والتی لا تقدر جسامة أضرارها وما تنتجه من مآسٍ, لذا فان حمایة السلم الاجتماعی وضمانه موضوع فی غایة الأهمیة فهو صمام الأمان للوحدة الوطنیة والاستقرار والوجود للدولة, وهذه الحمایة تکون وتتحقق بوسائل وعلى مستویات عدیدة سیاسیة وأمنیة واجتماعیة, وأهمها القانونیة ولاسیما فی مجال نصوص القوانین العقابیة لما فیها من صرامة وحزم وغلظة فی الجزاء. ومما تقدم نلتمس الأهمیة الکبیرة لبحث موضوع (جریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی) ودراسته فی مجال الدراسات القانونیة, والغرض من دراسة موضوع جریمة اثارة الحرب الاهلیة هو بیان الأمور الآتیة:
وتثار اشکالیة البحث من خلال ما یلاحظ على النصوص القانونیة الخاصة بهذه الجریمة والتی نحددها بالآتی:
واتبعنا فی طرح الأفکار ودراستها بموضوع البحث المنهج الوصفی التحلیلی, لتکون الدراسة وصفیة تحلیلیة للنصوص العقابیة التی تناولت هذه الجریمة وأحکامها فی التشریع العراقی, مع مقارنتها بمثیلاتها من نصوص تشریعات الدول الأخرى محل الدراسة. لذلک سیکون منهج البحث وصفیاً تحلیلیاً مقارناً. اما الهیکلیة فقسمناها إلى مبحثین رئیسیین.
المبحث الاول: نبین فیه احکام الجریمة الخاصة ونقسمه الى مطلبین الاول لمسألة الاختصاص الموضوعی للجریمة والثانی لإحکام المساهمة الجنائیة التبعیة.
والمبحث الثانی: نوضح فیه بالتفصیل ارکان الجریمة واثارها الجزائیة المتمثلة بالعقاب علیها وایضاً قسمناه الى مطلبین الاول لإرکان الجریمة والثانی لآثارها الجزائیة.
ثم خاتمة تتضمن أهم ما توصلنا إلیه من الاستنتاجات والتوصیات التی خلصنا إلیها من البحث, بعد ذلک سنعرض قائمة بالمصادر والمراجع التی اعتمدنا علیها فی الکتابة وهذا کله بعد مقدمة الموضوع.
المبحث الأول
أحکام جریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی
لجریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی باعتبارها من جرائم الامن الداخلی للدولة أحکاماً خاصة, تتمیز بها عن غیرها من الجرائم الاخرى, إذ اورد قانون العقوبات العراقی استثناءات عدیدة لبعض الاحکام العامة فیما یخص احکام المساهمة التبعیة بنصوصٍ خاصة خرج بها عن مقتضى القواعد العامة, اضافة لمسألة الاختصاص الموضوعی. وهذا ما سنوضحه فی المطلبین, الاول: نخصصه لبیان احکام الاختصاص الموضوعی, اما الثانی: لبحث احکام المساهمة الجنائیة التبعیة فی ارتکاب هذه الجریمة.
المطلب الاول
الاختصاص الموضوعی
جاء فی المادة (9) من قانون العقوبات العراقی النص على مبدأ عینیة القانون الجنائی او الاختصاص العینی للقانون, اذ نصت على انه (یسری هذا القانون على کل من ارتکب خارج العراق: 1- جریمة ماسة بأمن الدولة الخارجی او الداخلی...). وهذا الاختصاص یمثل استثناء من الاختصاص المکانی للقانون, لأن من الثابت هو سریان القانون على الجرائم المرتکبة داخل الدولة وبإقلیمها ولا یجوز ان یمتد سریانه الى خارج الاقلیم, لاعتبارات منها ان ذلک یشکل خرقا لسیادة الدول الاخرى ومن جهة اخرى المشرع الوطنی لا یکترث بما یرتکب من جرائم خارج البلاد, الا اذا کانت هذه الجرائم تمس المصالح الوطنیة وتضر بالدولة. الا ان معظم التشریعات الجنائیة اخذت بمبدأ عینیة القانون او الاختصاص الوقائی کما یسمى, ویعنی ذلک تطبیق القانون الجنائی على کل جریمة تمس مصلحة اساسیة للدولة والمجتمع, أیاً کان مکان ارتکابها او جنسیة فاعلها, فالضابط فی الاختصاص العینی نوع الجریمة المرتکبة والمصلحة المحمیة فیها, بغض النظر عن جنسیة مرتکبها ومکان ارتکابها, ولا جدال فی اهمیة هذا المبدأ اذ تحرص کل دولة على حمایة مصالحها الاساسیة وتخضع الجرائم التی تمس مصالحها وکیانها لتشریعاتها وقضائها, فمبدأ العینیة هو مبدأ المصلحة فی صورتها المجردة, والذی تعتمد علیه التشریعات الحدیثة لتکملة مبدأ الاختصاص الاقلیمی, وذلک لأنها قد لا تثق باهتمام الدول الاخرى بتلک الجرائم والعقاب علیها, اذ قلما تلقى الجرائم الماسة بالمصالح الجوهریة للدول اهتماما من قبل الدول الاخرى.
وجریمة اثارة الحرب الاهلیة أو الاقتتال الطائفی مستثناة من مبدأ اقلیمیة القانون الجنائی وخاضعة لمبدأ عینیة القانون, کونها من جرائم الامن الداخلی للدولة والتی استثنیت من مبدأ الاختصاص الاقلیمی نظراً لخطورتها ومساسها المباشر بالمصالح الحیویة للدولة, فأی مصلحة اهم من استقرار البلاد وامنها وسلمها الاجتماعی, لذلک فأن التجریم فی هذه الجریمة یطال کل من ارتکبها بغض النظر عن جنسیته او مکان ارتکابه للجریمة, فأن ثبت ذلک فان من ارتکبها تقام التعقیبات القانونیة بحقه ولو لم یعد بعد ارتکابها الى العراق او کانت الجریمة غیر معاقب علیها فی اقلیم الدولة التی ارتکبت فیه, کما صرحت بذلک المادة (14) بفقرتها (2) من قانون العقوبات العراقی, إذ جاء بها (واذا کانت العقوبة المحکوم بها لم تنفذ کاملة او کان الحکم بالبراءة صادراً فی جریمة مما ذکر فی المادتین 9 و12 وکان مبنیاً على ان قانون ذلک البلد لا یعاقب علیها جاز اجراء التعقیبات القانونیة ضد المتهم امام محاکم العراق). والجرائم الخاضعة للاختصاص العینی هی جرائم محددة ومعینة على سبیل الحصر کما بینها نص المادة (9) من قانون العقوبات العراقی, لذلک ان هذا الاختصاص هو استثناء من الاصل العام فی الاختصاص المکانی (اقلیمیة القانون) لباقی الجرائم الاخرى فی القانون العراقی وفی القوانین العقابیة.
المطلب الثانی
المساهمة الجنائیة التبعیة
قد تقع الجریمة من فاعل واحد فقط مهما تعددت الافعال التی تتم بها, وقد یشترک فی ارتکابها اکثر من شخص ولو کانت من فعل واحد, فمن یرتکب الفعل او الافعال المکونة للجریمة یسمى الفاعل الاصلی, ومن یدفع غیره على ارتکاب الجریمة بالتحریض او بالاتفاق او المساعدة بأی عمل على ارتکابها یسمى شریکاً والمساهمة فی ارتکاب الجریمة تشیر الى حالة تعدد الاشخاص الذین ارتکبوا ذات الجریمة, ویعنی ذلک ان الجریمة لم تکن ثمرة ارادة واحدة, وانما کانت نتاج تعاون بین اشخاص عدیدین لکل منهم دوره المادی وارادته الجرمیة.
وبذلک یقسم الفقه السلوک بحسب دوره فی الجریمة الى سلوک اصلی وسلوک تبعی وهو الاشتراک (المساهمة التبعیة) ویعنی اشتراک عدة اشخاص فی جریمة واحدة وافتراض وحدة الجریمة, والمعیار العام للمساهمة الجنائیة هو وقوع الجریمة بالفعل ووحدة الرکن المعنوی بقصد التداخل فی هذه الجریمة. فی هذا المفصل فأننا سنسلط الضوء على وسائل المساهمة الجنائیة التبعیة فی ارتکاب هذه الجریمة, إذ خصها المشرع بأحکام خاصة, بالخروج على مقتضى القواعد العامة التی تحکم المساهمة الجنائیة التبعیة, سواء فی التحریض ام الاتفاق ام المساعدة وهذا ما سنبینه فی الفروع الاتیة:
الفرع الأول
التحریض
یعد هنا التحریض جریمة مستقلة بأحکام خاصة تختلف او تخرج عن احکامه العامة, وجاء النص على التحریض بأحکام خاصة فی اکثر من موضع بالباب الثانی من جرائم امن الدولة الداخلی من قانون العقوبات العراقی والتی من ضمنها جریمة اثارة الحرب الاهلیة أو الاقتتال الطائفی, وهذا ما جاءت به المادة (198) (أ- یعاقب بالسجن مدة لا تزید على عشر سنین: 1- من حرض على ارتکاب جریمة من الجرائم المنصوص علیها فی المواد 190 الى 197 ولم یترتب على هذا التحریض اثر... ), غیر ان المشرع خرج على هذه القواعد العامة فی الاشتراک بوسیلة التحریض, نظراً لخطورة هذه الجریمة ومساسها المباشر بأمن الدولة واستقرارها الداخلی
ویشترط لقیام التحریض الخاص او غیر المتبوع بأثر الآتی:
اولاً: صدور تحریض من المحرِض: یجب ان یصدر التحریض من شخص معین ویوجه الى جماعة معینة او فئة معینة.
ثانیاً: ان ینصب التحریض على الجنایات: التحریض الخاص او غیر المتبوع بأثر یختلف عن التحریض العام الوارد ضمن القواعد العامة, کون الأول یکون فی الجنایات أی تحریض خاص لبعض او لفئة معینة من الجرائم محددة بالنص, وهذا ما مبین فی نص المادة (198) التی جرمت التحریض غیر المتبوع بأثر اذا کان الغرض منه ارتکاب الجرائم المنصوص علیها فی المواد (190 الى 197) وهی مجموعة من جرائم أمن الدولة الداخلی وتشمل: جریمة تغییر الدستور والنظام السیاسی الحاکم فی البلاد بالقوة المادة (190), وجریمة قیادة القوات النظامیة لأغراض اجرامیة المادة (191), وجریمة إثارة العصیان المسلح ضد السلطات العامة المادة (192), وجریمة تعطیل أوامر السلطات العامة لأغراض اجرامیة وذلک باستغلال قیادة القوات النظامیة المادة (193), وجریمة ترؤس وقیادة العصابات المسلحة المادة 194, وجریمة اثارة الحرب الاهلیة المادة (195), وجرائم الاستیلاء أو احتلال أو اتلاف المبانی والاملاک العامة المادة (196) والمادة (197). وجمیع هذه الجرائم من نوع الجنایات, والتی من ضمنها جریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی موضوع دراستنا. بینما التحریض العام فی القواعد العامة لا یقتصر على فئة او نوع معین بل یشمل جمیع الجرائم بکون النص جاء مطلقاً ولفظ الجریمة یشمل کل فعل جرمه القانون سواء کان جنایة ام جنحة ام مخالفة.
ثالثاً: عدم وجود اثر للتحریض: لقد عبر المشرع عن هذا الشرط فی النصوص القانونیة بصیغة واضحة (ولم یترتب على هذا التحریض اثر) وکذلک صیغة (ولم یترتب على تحریضه نتیجة) وهنا یعتبر التحریض فی هذه الحالة جریمة شکلیة لا یتطلب لقیامها حدوث نتیجة جرمیة, او لربما تکون جریمة التحریض فی مثل هذه الاحوال جریمة خطر والنتیجة تتمثل بالخطر الذی یکمن فی هذا التحریض على السلم الاجتماعی للبلاد واستقرار امن الدولة بصورة عامة. والتحریض المنصوص علیه فی المادة (198) فقرة (أ/1) من قانون العقوبات العراقی وهو نص تضمن أحکاماً مشترکة لمجموعة من الجرائم المحددة بالنص تسری علیها فقط. وجریمة اثارة الحرب الاهلیة أو الاقتتال الطائفی (195) من ضمنها.
ونتیجة الصراعات الداخلیة والعنف الطائفی فی البلاد العربیة عامة والعراق خاصة فی السنوات الاخیرة, والتی اخذت منحى جدیداً فی استخدام العنف وانتشار الجرائم الارهابیة, التی اخذت من المدنیین المسالمین مسرحاً لعملیاتها الاجرامیة, فکان نتیجة ذلک سقوط الالاف من الضحایا بصور اجرامیة بشعة, ولم تکن ذات طبیعة عامة او مجردة بل کانت بدوافع خاصة من خلال استهداف المدنیین العزل بحسب انتماءاتهم القومیة او الطائفیة او الدینیة او السیاسیة..., ولهذه الاسباب جاءت التشریعات الجنائیة الخاصة لمکافحة مثل هذه الجرائم ومنها قانون مکافحة الارهاب العراقی رقم (13) لسنة 2005, اذ جاء به فی الفقرة (4) من المادة (2) بالنص على جریمة التحریض لأثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی کما جاء بالنص (العمل بالعنف والتهدید على اثارة فتنة طائفیة او حرب اهلیة او اقتتال طائفی وذلک بتسلیح المواطنین او... وبالتحریض...) فهذه الصورة من صور التحریض الخاص المنصوص علیها فی هذا القانون اضافة الى اعتبارها من الجرائم الارهابیة.
وفی التشریعات الجنائیة المقارنة نجد هناک العدید من صور التحریض کجریمة مستقلة, ففی قانون العقوبات الفرنسی الجدید لعام 1992 اذ نص على جریمة التحریض على التسلیح ضد سلطات الدولة او ضد فئة معینة من السکان داخل المجتمع بما یقوض الاستقرار الداخلی والسلم الاجتماعی للبلاد وبینت المادة (412) الفقرة (8) ذلک, وایضاً فی المادة (431) الفقرة (6) التی عاقبت على التحریض على التجمع المسلح غیر المشروع عن طریق النداء والصراخ او الخطب العامة او الکتابات بما یقوض السلم العام للبلاد. وفی قانون العقوبات المصری الذی نص على تجریم التحریض عدیم الاثر کجریمة خاصة فی نص المادة (95) اذ نصت على أن (کل من حرض على ارتکاب جریمة من الجرائم المنصوص علیها فی المواد 87 و89 و90 و9 مکرر و91 و92 و93 و94 من هذا القانون یعاقب بالسجن المؤبد او المشدد او بالسجن اذا لم یترتب على هذا التحریض اثر).
الفرع الثانی
الاتفاق الجنائی
لو رجعنا الى احکام قانون العقوبات العراقی بالتحدید نص المادة (55) والمادة (216) لوجدنا ان الاتفاق فی هاتین المادتین هو اتفاق خاص (جریمة خاصة) له احکامه التی تختلف عن الاحکام التی وردت فی المادة (48) من المبادئ العامة, والتی تشمل جمیع جرائم السلم الاجتماعی, وجاء فی المادة (216) النص على أن (1- یعاقب بالسجن المؤبد او المؤقت من اشترک فی اتفاق جنائی الغرض منه ارتکاب الجرائم المنصوص علیها فی المواد 190 و191 و192 و193 و195 و196 و197 او اتخاذها وسیلة للوصول الى الغرض المقصود منه ...) اذ شمل هذا النص جریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی (المادة 195) احدى اخطر جرائم السلم الاجتماعی التی بینها ضمن نطاق سریانه, اما باقی جرائم السلم الاجتماعی فالاتفاق الجنائی فیها مجرم ایضاً کجریمة خاصة, اذ یشمل نص المادة (55) أی اتفاق جنائی بخصوصها, حیث جاء فیها (یعد اتفاقاً جنائیاً اتفاق شخصین او اکثر على ارتکاب جنایة...), فهذا النص جاء عاماً یشمل أی جریمة من نوع الجنایات, وجرائم السلم الاجتماعی غالبیتها من الجنایات, وبذلک یشملها حکم المادة (55).
والاتفاق الجنائی کجریمة خاصة له عدة شروط وبها یختلف ویتمیز عن الاتفاق الجنائی العام کوسیلة اشتراک وهذه الشروط هی:
اولاً: الاتفاق الجنائی کجریمة مستقلة یکون فی نوع معین من الجرائم کما هو مبین فی نص المادة (55) والتی قصرت موضوعه على الجنایات وفئة معینة من الجنح المتعلقة بالسرقة او الاحتیال او التزویر, او فی بعض الجرائم الماسة بأمن الدولة من جهة الداخل کما بینت ذلک المادة (216) من قانون العقوبات العراقی وهی الجرائم المنصوص علیها فی المواد 190 و191 و192 و193 و195 و196 و197, وجمیع هذه الجرائم من نوع الجنایات, بینما الاتفاق کوسیلة اشتراک یسری على جمیع الجرائم لان لفظ الجریمة جاء مطلقاً فی نص المادة (48) من قانون العقوبات العراقی.
ثانیاً: الاتفاق الجنائی یشترط به ان یکون منظماً ولو فی مبدأ تکوینه مستمراً ولو لمدة قصیرة، أی وجب ان یتوافر عنصران, التنظیم والاستمرار, والتنظیم یراد به اتحاد الارادات الاجرامیة للمجرمین وتقابلها بشکل واحد للقیام بالعمل غیر المشروع, ولا یشترط ان یکون الاتفاق منظماً من مبدأ تکوینه الى وقت انتهائه, وانما یکفی ان یکون منظماً لفترة تسمح للقول بان الاتفاق قد عقد ولو کان ذلک فی مبدأ تکوینه وانفراط عقده فی ما بعد, اما العنصر الثانی وهو الاستمرار, فیعنی ان یستمر الاتفاق لمدة معینة, طالت ام قصرت, تثبت ظهور الاتفاق للوجود, الا ان اشتراط المشرع العراقی لعنصری التنظیم والاستمرار لا یعنی انه یجب ان یتخذ الاتفاق شکل جمعیة منظمة لها نظامها وقوانینها الخاصة بها, فهو حالة وسط بین نظام الجمعیة وبین الاتفاق البسیط، والمدة التی یطلبها الاستمرار فی الاتفاق لم تحدد بنص القانون بل ترک الامر لسلطة محکمة الموضوع التقدیریة, ویترتب على اشتراط الاستمرار والتنظیم ان یتوافر اجتماع عدد من الاشخاص ولوقت کاف للمداولة بینهم حول ارتکاب الجریمة من الجرائم المعینة, وتعیین الافعال المجهزة او المسهلة لارتکابها للوصول الى الغرض المعین من الاتفاق.
اما قانون العقوبات المصری, فیکتفى باتحاد شخصین او اکثر على ارتکاب جنایة او جنحة او على الاعمال المجهزة او المسهلة لارتکابها. لتکوین جریمة الاتفاق الجنائی, دون اشتراط عنصر التنظیم او الاستمرار وبهذا یتمیز عن قانون العقوبات العراقی. وهناک من یرى ان المشرع المصری کان صائباً اکثر من المشرع العراقی فی هذه المسألة فی العقاب على الاتفاق الجنائی دون اشتراط عنصری التنظیم والاستمرار, لذلک ندعو المشرع العراقی الى ان یحذو حذو المشرع المصری بتعدیل المادة (55) وحذف شرط ان یکون الاتفاق منظماً ولو فی مبدأ تکوینه ومستمراً ولو لمدة قصیرة من نص المادة, للتشدید على هذه الجریمة الخطرة وبالخصوص فی جرائم الاتفاق الجنائی من جهة, ولیتوافق نص المادة مع غیره من النصوص التی جرمت الاتفاق الجنائی کجریمة مستقلة بالخروج على مقتضى القواعد العامة فی الاشتراک الجنائی کما هو الحال فی نص المادة (216) اذ لم یشترط فیها المشرع ان یکون الاتفاق منظماً ومستمراً.
ثالثاً: للاتفاق الجنائی بوصفه جریمة مستقلة (خاصة) مظهر مادی قائم بذاته ویخضع للعقاب بمجرد وقوعه, ولو لم یعقبه تنفیذ الجریمة المتفق علیها، وبهذا یختلف عن الاتفاق کوسیلة اشتراک والذی یتطلب فیه وقوع الجریمة المتفق علیها کشرط للعقاب علیه, وهذا واضح من المادة (48) الفقرة (2) من قانون العقوبات العراقی وجاء النص بالصیغة الاتیة: (2- من اتفق مع غیره على ارتکابها فوقعت بناء على هذا الاتفاق). والعلة من تجریم الاتفاق الجنائی کجریمة مستقلة من دون اشتراط وقوع الجریمة المتفق علیها هی ان المشرع قد لمس خطورته الذاتیة على امن الدولة وسلامة المجتمع. وبذلک یکون الاتفاق من الجرائم الشکلیة ذات السلوک الخطر. والمشرع العراقی ذهب الى ابعد من ذلک اذ جرم مجرد الدعوة الى الاتفاق وان لم تقبل وهذا ما جاءت به المادة (216) فقرة (4) بقولها (ویعاقب بالحبس من دعا آخر الى الانضمام الى اتفاق من هذا القبیل ولم تقبل دعوته). وهذا التشدید فی المسؤولیة فی محله الصحیح نظراً لخطورة الجرائم محل الاتفاق. وجریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی المنصوص علیها فی المادة (195) مشمولة بأحکام نص المادة (216) الخاصة بالاتفاق الجنائی الخاص.
المطلب الثالث
المساعدة
المساعدة الجنائیة, احدى وسائل الاشتراک الجرمی وصوره, ونص علیها المشرع العراقی بالفقرة (3) من المادة (48) فی قانون العقوبات, والملاحظ ان المشرع یعرف ما المقصود بالمساعدة ویحددها کما عرف غیرها کالاتفاق الجنائی, بل استعمل عبارات مطاطة وواسعة تضمنت إشارة للوسائل والصور التی ترتکب بها المساعدة الجنائیة, وهناک من یرى ان ذلک تزوید لا لزوم له, وان العبارة الاخیرة او الشطر الاخیر للفقرة یغنی ویکفی لتغطیة المفهوم منها (... او ساعده عمداً بأی طریقة اخرى فی الاعمال المجهزة او المسهلة او المتممة لارتکابها) ویصبح ما ذکر فی صدر المادة لا لزوم لذکره.
وبالفقه الجنائی تعرف المساعدة بانها تقدیم العون أیا کانت صورته الى الفاعل فیرتکب الجریمة بناء علیه. او هی تقدیم العون والمؤازرة الى الفاعل الاصلی تمکیناً له من تحقیق فعله الاجرامی بصورة ایسر ویستوی ان تکون هذه المساعدة مادیة او معنویة. وللمساعدة صور عدیدة: المساعدة السابقة, والمساعدة المعاصرة, والمساعدة اللاحقة.
واذا کانت فی جمیع صورها ترتکب بسلوک ایجابی وهو الغالب, الا ان ذلک لا یمنع من ارتکابها بسلوک سلبی فی حالات معینة, فمثلاً عند ازالة عقبات معینة امام ارتکاب الجریمة بالامتناع عن عمل معین یحول دون قیامها, فان ذلک یعد مساعدة بطریق الامتناع.
والمساعدة صورة من صور الاشتراک الجرمی ضمن القواعد العامة, إذ یمکن ان تقام المسؤولیة الجنائیة لمن یساعد على اقتراف جریمة من جرائم السلم الاجتماعی, لکن المشرع العراقی اعتبر المساعدة جریمة خاصة ونص على هذه الصورة فی المادة (198) الفقرة (أ/ 2) وجاء فیها (من شجع على جریمة مما ذکر بمعاونة مادیة او مالیة دون ان یکون لدیه نیة الاشتراک فی ارتکابها). وکذلک نصت علیها المادة (203) اذ جاء فیها (یعاقب بالسجن مدة لا تزید على سبع سنوات او بالحبس وغرامة لا تزید على خمسمائة دینار کل من شجع بطریق المساعدة المالیة او المادیة او المعنویة على الجرائم المبینة فی المواد المتقدمة من هذا الباب دون ان یکون قاصدا الاشتراک فی ارتکابها). وهذه المادة تشمل المواد التی سبقتها, أی من المادة (202) الى المادة (299) والتی من ضمنها المواد التی جرمت الاعتداءات المقوضة لأمن الدولة واستقرارها والمنصوص علیها فی المادة (200). اما ما قبل المادة (199) فان الاشتراک بوسیلة المساعدة مجرم على وفق احکام الفقرة (أ/2) من المادة (198).
فالتشجیع هو الصورة الخاصة للمساعدة الجنائیة التی جرمت بصورة مشددة وبنص خاص فی جرائم الاعتداء على أمن الدولة, ویشار الیه فی الفقه الجنائی بانه المؤازرة والتعضید وهو سلوک ذو مضمون نفسی یهدف الى مؤازرة فکرة الجریمة لدى الجانی, والمعاونة تکون بالمال او المعدات او المؤن او المأوى او وسیلة المعیشة. وتعد فی هذه الاحوال جریمة خاصة او شکلیة ذات حدث مادی یتمثل فی امداد المزمعین ارتکاب جرائم معینة بمعاونة مادیة او مالیة, وهذا الحدث لم یشترط فیه القانون ان یحقق ضرراً او یشکل خطراً, وبالتالی وعلى هذا المعنى یعتبر حدثاً غیر سیء لا یتعدى ایجاد صلة بین شیء هو المعونة المادیة او المالیة وبین شخص او اشخاص یعدون للعدوان على السلم الاجتماعی باقتراف جریمة من جرائم السلم الاجتماعی, من دون ان تتحد هذه الجریمة او تتضح نوعیتها قبل ارتکابها وعند اقامة تلک الصلة, والا لکانت تتوافر شروط الاشتراک فیها بطریق المساعدة. ومما یدلل لنا خروج المشرع على مقتضى القواعد العامة هو ما صرحت به الفقرة (أ/2) من المادة (198) والمادة (203) عقوبات عراقی بالقول بأن تقدیم المعونة فی اقتراف مثل هذه الجرائم یتم دون النظر الى القصد الجنائی للدخول والمشارکة فیها, ای لا یتطلب ان تکون هناک نیة اشتراک, لکن یجب ان یکون ذلک بهدف ارتکاب جرائم معینة وهی المنصوص علیها من 190 الى 197 کما بینت ذلک الفقرة (أ/2) من المادة (198) والتی من ضمنها جریمة إثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی المنصوص علیها فی المادة (195), ویجب لتوافر القصد الجنائی فی جریمة تقدیم المعونة ان یعلم الجانی بالغرض الذی سوف تستخدم فیه, وهو ارتکاب جریمة من الجرائم المحددة بالنص وان کان لا یقصد الاشتراک فیها.
وفی التشریعات الجزائیة للدول الأخرى نجد هناک نصوصاً خاصة لتجریم تقدیم المساعدة فی بعض الجرائم, ومنها ما جاء به القانون الفرنسی الجدید لعام 1992 فی نص المادة (412) فقرة (5), والتی عاقبت على تقدیم الاسلحة او الذخائر او المواد المتفجرة او أی نوع من المعدات لذلک لغرض التهدید والعنف والنهب لتقویض السلم والامن فی المجتمع, والسبب فی تجریم هذه الافعال هو خطورتها على المصلحة محل الحمایة ولما فیها من تدعیم لهذا النشاط الاجرامی. وفی قانون العقوبات المصری اعتبر التشجیع على ارتکاب جرائم معینة بمعونة مادیة او مالیة جریمة خاصة, وهذا ما بینته المادة (96) والمادة (98) فقرة (د), اذ بین المشرع فی هذین النصین ان المساعدة بالتشجیع على ارتکاب جریمة من جرائم امن الدولة الداخلی والمقوضة للسلم الاجتماعی للبلاد, دون قصد التداخل فی ارتکابها یعتبر جریمة خاصة معاقباً علیها, وهذا بالطبع خلافا للقواعد العامة, لأن فعل الجانی هنا لم یرقَ لیکون مساهمة جنائیة فی الفعل, فالسلوک المکون لها مجرد التشجیع بالمعاونة المادیة او المالیة على ارتکاب جریمة من احدى الجرائم السالف ذکرها والمحددة فی النص, دون ان یکون فاعل التشجیع قد تبین نوعیة الجریمة, کل جریمة وملابساتها قبل اقترافها وبغیر ان یعتبر لهذا السبب شریکا فیها بطریق المساعدة.
لکن نظراً لخطورة هذه الافعال, وأهمیة المصلحة محل الحمایة دفعت بالمشرع الجنائی الى تجریم هذه الصور من الاشتراک الجرمی واعتبارها جرائم خاصة, بالخروج على مقتضى القواعد العامة, ووضع لها نصوصاً عقابیة خاصة.
المبحث الثانی
ارکان جریمة اثارة الحرب الاهلیة أو الاقتتال الطائفی وآثارها الجزائیة
تعد هذه الجریمة من اخطر جرائم السلم الأمن الداخلی نظراً لتعدد صور رکنها المادی واشتمالها على افظع الافعال الجرمیة المقوضة للسلم والصفاء الاجتماعیین فی البلاد, وجاء النص علیها فی اغلب القوانین العقابیة. ومنها قانون العقوبات العراقی, إذ نصت المادة (195) منه على أن (یعاقب بالسجن المؤبد من استهدف اثارة حرب اهلیة او اقتتال طائفی, وذلک بتسلیح المواطنین او بحملهم على التسلح بعضهم ضد البعض الاخر او بالحث على الاقتتال, وتکون العقوبة الاعدام اذا تحقق ما استهدفه الجانی), کما نص علیها قانون مکافحة الارهاب العراقی رقم 13 لسنة 2005 فی الفقرة (4) من المادة (2) منه وجاء فیها (العمل بالعنف والتهدید على اثارة فتنة طائفیة او حرب اهلیة او اقتتال طائفی وذلک بتسلیح المواطنین او حملهم على التسلح بعضهم بعضا وبالتحریض او التمویل).
وسنبین بالتفصیل ارکان الجریمة وعناصرها فی المطلب الاول, ثم آثارها الجزائیة من عقوبات وتدابیر واعفاء من العقاب فی المطلب الثانی.
المطلب الأول
ارکان الجریمة
من استقراء النصوص العقابیة لهذه الجریمة یلاحظ انها تتکون من مجموعة افعال, وکل فعل منها یشکل جریمة بحد ذاته, وان ارتکبت بطرق معینة تعد من الجرائم الارهابیة, لذا سنتناول بالتفصیل ارکان هذه الجریمة وعناصرها, اذ تتکون من الارکان العامة المادی والمعنوی اضافة للرکن الخاص (موضوع الجریمة) وهذا ما سنبینه فی الفروع الآتیة:
الفرع الأول
الرکن المادی
الرکن المادی لأی جریمة هو السلوک. اذ یمثل الاطار او المظهر الخارجی الذی یتکون من المادیات التی تنتج واقعیا من سلوک الجانی سواء کان ایجابیاً ام سلبیاً ماساً بحق او مصلحة محل حمایة قانونیة. والسلوک الاجرامی فی هذه الجریمة له عدة صور, اذ یتکون نموذجها القانونی من اکثر من سلوک یحل احدهما محل الاخر, وهو ما یسمى بالجریمة متناوبة السلوک. اذ یکفی ارتکاب احد هذه الافعال المادیة لقیام الجریمة, والسلوک المادی لجریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی یتکون من ثلاث صور هی تسلیح المواطنین او حملهم على التسلح او بالحث على الاقتتال, وقبل عرض هذه الصور الثلاث وتحلیلها سنتطرق الى شروط الرکن المادی العامة, اذ یشترط فیه:
ویعنی ذلک ان یکون السلوک منصباً الى دفع المواطنین حاملی الجنسیة العراقیة او من وجد على اقلیم الدولة بدون جنسیة, الى الاقتتال والحرب الاهلیة والطائفیة. اما عن صور السلوک الاجرامی, فقد وضحت المادة (195) عقوبات عراقی هذه الانماط من السلوک وجاء فیها (... من استهدف اثارة حرب اهلیة او اقتتال طائفی وذلک بتسلیح المواطنین او بحملهم على التسلح... او بالحث على الاقتتال...). اما قانون مکافحة الارهاب العراقی فقد جاء به السلوک الاجرامی لهذه الجریمة موصوفاً بنوع معین من الافعال المادیة, إذ جاءت انماط السلوک مقترنة بالعنف والتهدید کما هو واضح بنص الفقرة (4) من المادة (2) من قانون مکافحة الارهاب العراقی, التی جاء فیها (العمل بالعنف والتهدید على اثارة فتنة طائفیة او حرب اهلیة او اقتتال طائفی وذلک بتسلیح المواطنین او حملهم على تسلیح بعضهم بعضا وبالتحریض او التمویل).
عموماً ان الرکن المادی لهذه الجریمة یتکون من الصور الثلاث الاتیة:
- تسلیح المواطنین.
- حمل المواطنین على التسلح.
- الحث على الاقتتال.
یلحظ ان جمیع صور السلوک المادی فی هذه الجریمة لا تقف عند حد اثارة الکراهیة او البغضاء بین الفئات والطوائف الاجتماعیة بل تتجاوز ذلک لتصل الى حد التزوید بالسلاح ووسائل القتال او بث روح النزاع بالحض على التقتیل. وسنتناول بالتفصیل صور الرکن المادی لهذه الجریمة فی الفقرات الاتیة:
أولاً: تسلیح المواطنین
ان فعل التسلیح فی هذه الصورة یمثل مضمون السلوک الاجرامی الذی تنهض به الجریمة والمقصود بالسلاح فی الاصطلاح القانونی اداة او حاجة معدة للهجوم او للدفاع واما فی الفقه الجنائی فیعرف بأنه کل ما یستعین به الانسان او یستعمله للدفاع او للهجوم، وکذلک یعنی کل آلة او اداة یستخدمها الجانی لکی یزید من قدرته على الاعتداء ولکی یضیف الى قوته البدنیة قوة مستمدة من استخدام هذه الادوات التی من شأنها اذا استعملت ان تمس سلامة المجنی علیه.
والسلاح نوعان, فهناک السلاح بطبیعته وهو السلاح المعد فی الاصل لغرض الدفاع او الاعتداء ولا یفسر حمله الا لاستعماله فی الغرض الذی أُعد له، ویشمل الاسلحة الناریة بمختلف انواعها التی نجد تعداداً لها فی التشریعات الخاصة بالأسلحة، کذلک الاسلحة البیضاء مثل السیوف والرماح والخناجر التی تصنع لغرض القتل والجرح والاذى، والثانی السلاح بالاستعمال هو من الادوات التی تستخدم فی شؤون الحیاة العادیة وهذا سلاح غیر معد فی الاصل لغرض الاعتداء او للدفاع، مثل العصا والسکین والفأس والمطرقة وغیرها من الادوات المستعلمة فی الحیاة الیومیة فإنها تعتبر اسلحة متى ما استعملت فی غیر الغرض الذی اعدت له بل لغرض الاعتداء بشکل عام.
اذا فی هذه الصورة یکون السلوک الاجرامی بفعل تقدیم السلاح وتوزیعه على المواطنین، أیا کان نوع هذا السلاح سواء کان سلاحاً بطبیعته ام بالاستعمال, إذ یکون النشاط المادی للجریمة فی هذه الصورة من صور السلوک نشاطاً ایجابیاً ومادیاً فی تزوید الفئات او الجماعات من المواطنین بوسائل الحرب (الاسلحة) ولا عبرة بکمیة الاسلحة المقدمة طالما انها تحقق الغایة التی یریدها الجانی, ویلحق بالأسلحة الذخیرة أو العتاد وای جزء منها اذ تعد بحکم الاسلحة, ومن الممکن ان یقوم بها الرکن المادی لهذه الجریمة فی صورة تسلیح المواطنین.
ثانیاً: حمل المواطنین على التسلح
فی هذه الصورة یکون النشاط المادی بحمل المواطنین على التسلح بعضهم ضد البعض, اذ تکون عکس الصورة الاولى السابقة, فلا یتعدى سلوک الجانی سوى حمل المجموعات على التسلح بعضهم ضد البعض, والحمل یراد به الضغط والاجبار والاقناع، ویکون ذلک بأی وسیلة کانت المهم هو الوصول الى دفع المواطنین لتسلیح بعضهم ضد البعض والتخندق والترصد للاقتتال, وفی هذه الصورة یکون الفعل الاجرامی (الحمل) صورة من صور التحریض الجنائی, فحمل الفئات على التسلح ضد فئات اخرى یتضمن معنى التحریض على شراء الاسلحة واقتنائها من اجل غایة او هدف خاص فی نفس المحرض لتوفیر امکانیة تحقق الغایة المقصودة من التزوید بوسائل الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی. ولابد من القول بأن التحریض فی هذه الصورة یعد جریمة مستقلة لا تحکمه القواعد العامة فی الاشتراک الجرمی, اذ یکتمل التحریض وتقوم به الجریمة بمجرد اقتراف السلوک دون اشتراط حدوث نتائج اجرامیة للعقاب علیه.
ثالثاً: الحث على الاقتتال
هذه الصورة التی عبر عنها المشرع العراقی بنص المادة (195) بقوله (... او بالحث على الاقتتال...) اما فی بعض التشریعات العقابیة للدولة الأخرى فکانت العبارات مختلفة, فمثلا استخدم کلٌ من المشرع اللبنانی والاردنی والسوری عبارة (بالحض على التقتیل والنهب). ولکلا المصطلحین معانی ودلالات لغویة واحدة کون فعل الحض هو ضرب من ضروب الحث فی اللغة, ویتفقان فی معنى اصطلاحی واحد هو دفع المواطنین باتجاه اعمال التقتیل والنهب والسلب للممتلکات, والمراد بالحض على التقتیل الطائفی والنهب او الدفع الى الحرب الاهلیة یعنی التحریض على حالة الهیاج التی تکون نتیجتها التخریب والقتل فی البلاد. والحض او الحث على الاقتتال هو التشجیع الذی یوجه الى المواطنین ویکون موضوعه الاقتتال بینهم ویقع بالخطابة او الکتابة او بالتصریحات, والتحریض فی هذه الصورة یعتبر جریمة مستقلة ولیس وسیلة اشتراک جنائی, کما هو الحال فی الصورة السابقة حمل المواطنین على تسلیح بعضهم ضد البعض لغرض الدفع باتجاه الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی.
وهذه الصور المجرمة للرکن المادی والتی جاءت بها المادة (195) من قانون العقوبات العراقی, ونرى انه من الاحسن ان لا یبقى النص مقید بهذه الصور فقط بل یعدل بإضافة عبارة تتیح للمحکمة تجریم کل فعل او قول یثیر الحرب الاهلیة او یشعل الاقتتال الطائفی مثل اهانة رمزاً دینیاً او طائفة دینیة او قومیة او الاعتداء على مقامات واماکن العبادة الدینیة, وان لا یقتصر على التسلیح او الحث على التسلح ام الحث على الاقتتال.
اما قانون مکافحة الارهاب العراقی الذی نص على هذه الجریمة وادخلها ضمن الجرائم الارهابیة فی الفقرة (4) من المادة (2) وجاءت صیاغة الفقرة مشابهة الى حد ما مع نص المادة (195) من قانون العقوبات العراقی وبعض قوانین الدول العربیة التی سبقت الاشارة الیها, فإن المشرع العراقی فی قانون مکافحة الارهاب اضاف وصفاً معیناً للسلوک ان ارتکبت به الجریمة تعتبر جریمة ارهابیة تطبق علیها احکام قانون مکافحة الارهاب, والوصف الذی اضافته الفقرة (4) من المادة (2) من قانون مکافحة الارهاب او استعمال العنف والتهدید فی اثارة الحرب الاهلیة او الفتنة الطائفیة والاقتتال الطائفی, أی ان یکون تسلیح المواطنین او حملهم على تسلیح بعضهم بعضاً بطرق التهدید والعنف الوحشیة.
والمراد من التهدید هو الایحاء الى اخر بالخوف من شر یخطط ویوجه الیه بطرق علنیة او سریة. اما عن مصطلح العنف الذی اوردته الفقرة فیقصد به الاکراه المادی الواقع على شخص لإجباره على سلوک او التزام, وبعبارة اخرى هو سوء استعمال القوة, أی یفترض العنف استخدام التفوق المادی لشخص ما ضد شخص اخر. وبذلک ان الوصف او الطریقة المعینة التی یتصف بها او یرتکب السلوک المادی لهذه الجریمة یدخلها ضمن الجرائم الارهابیة, ان هذه الجریمة من اخطر جرائم السلم الاجتماعی فیکف اذا کان طرق ارتکابها بطرق وحشیة کالتهدید والعنف, فلا شک فأنها تستهدف النیل من امن الدولة الداخلی وتهدد الوحدة الوطنیة بین فئات الشعب وتعکر صفو السلم والامن الاجتماعیین للبلاد.
وعند الرجوع الى نص الفقرة (4) من المادة (2) من قانون مکافحة الارهاب العراقی نجدها تضمنت نفس صور السلوک التی جاءت بها المادة (195) من قانون العقوبات العراقی, حیث جاءت بالنص على فعل تسلیح المواطنین او حملهم على تسلیح بعضهم بعضاً, الا انها زادت فعلی التحریض والتمویل وجعلتهما من صور الرکن المادی, ولم ینص علیهما قانون العقوبات فی المادة (195) وجعلت بذلک التحریض والتمویل صوراً للسلوک الاجرامی کونها وسیلة اشتراک جنائی, او جرائم مستقلة, ولغرض تجنب التکرار نحیل فی تفصیل ذلک الى ما تناولناه سابقاً فی تفصیل الاحکام العامة والخاصة للاشتراک الجنائی ضمن أحکام الحمایة الجزائیة فی المبحث الثانی من الفصل الثانی.
الفرع الثانی
موضوع الجریمة (اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی)
ان موضوع الجریمة یمثل رکناً خاصاً لها فی هذه الحالة, اذ یکون النشاط الذی یمارسه الجانی یبتغی فی نهایة الامر الوصول الى تحقیق الحرب الاهلیة أو الدفع باتجاهها أو للاقتتال الطائفی, بدفع البلاد الى الاضطراب اما بخلق تفکک فی بنیة المجتمع وتماسکه أو بتهدید الدولة أو وجودها بشکل عام. لذلک تعد هذه الجریمة من اخطر جرائم المساس بالسلم الاجتماعی, إذ من الثابت ان لصفو السلم الاجتماعی بین طوائف الشعب ومکوناته قیمة علیا یجب ان تسود, وهدفاً دستوریاً یجب ان یتحقق وهذا السلام لا یکون ابدا بالعنف ولا بالبغض بین طوائف الامة, بل بالترابط والتلاحم بین سائر المواطنین.
ویلحظ ان النصوص الخاصة بهذه الجریمة تتطلب مجرد اثارة للحرب او الاقتتال او بالحث على الاقتتال والنهب, أی یکفی مجرد الاعتداء الذی یوقظ او یشجع الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی او یحض على التقتیل او النهب ولیس من اللازم ان یفضی ذلک الى وقوع الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی او التقتیل للأهالی على اسس طائفیة او عرقیة او مذهبیة, فالمشرع هنا یکتفی بمجرد تعریض المواطنین للخطر دون تطلب وقوع الضرر فعلا. والحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی الذی یمثل الهدف والغایة التی یرید الجانی الوصول الیها ویمثلان الرکن الخاص فی هذه الجریمة کما عبرت عن ذلک النصوص العقابیة لقوانین الدول محل الدراسة.
وتعرف الحرب الاهلیة سیاسیاً بأنها صراع مسلح ینشب داخل اقلیم الدولة, یتمیز بأن کلا الطرفین المتنازعین یفرض سیطرته وسلطانه على جزء معین من اقلیم الدولة ویستأثر بممارسة بعض السلطات فیه. اما فی الفقه الجنائی فأن الحرب الاهلیة: هی قتال مسلح بین فریقین او اکثر من المواطنین داخل الوطن لأی سبب کان ولا تکون کذلک الا بوجود اشخاص کثیرین مدججین بالسلاح وفی علانیة. یلاحظ ان المفهومین السیاسی والقانونی للحرب الاهلیة متفقان على ان الحرب الاهلیة هی صراع داخلی ویکون صراعاً مسلحاً بین فئات او مجموعات من المواطنین ویأخذ شکل حرب عصابات واستئثار کل طرف بالسلطة وممارستها واستبعاد السلطات الحکومیة الرسمیة فی الدولة, وربما تکون نتائجها اکثر واخطر على سلامة الدول, ومن الممکن ان تفتت الوحدة السیاسیة والاجتماعیة للدولة وشعبها الى کیانات ودویلات متناحرة, ویصبح معها الوطن ذکرى من ذکریات الماضی کما حدث فی یوغسلافیا السابقة التی تفککت الى عدة جمهوریات مستقلة بعد الحروب والصراعات الطائفیة والمذهبیة الدمویة, وخطورة هذا النوع من النزاعات لا یکون انعکاسها واثرها السلبی على الاوضاع الداخلیة بل قد یکون لها انعکاس على الاوضاع الدولیة الخارجیة والتی قد تؤدی الى تدخل الدول الأخرى عندما تهدد او تمس السلم والامن الدولیین للخطر, اما الاقتتال الطائفی فانه یتفق مع الحرب الاهلیة بکونه قتالاً بین فئتین او مجموعتین مسلحتین, الا انه یختلف عنها فی سبب اندلاع القتال أی الدافع الى الاقتتال فهنا یکون السبب هو التعصب, فیعمل کل فریق بحسب عنصره ومعتقده السیاسی او الدینی او المذهبی, والمقصود بالطائفی (الاقتتال الطائفی) أی اعمال الاقتتال التی تکون بدوافع طائفیة, والطائفیة کما هو معروف مأخوذة من الطائفة او الطوائف الاجتماعیة فی البلاد اذ تعرف الطائفة بانها جماعة منظمة من الناس یمارسون معتقداً دینیاً بوسائل وطرق معینة, وهی تجمع دینی فی الاصل والممارسة والغایة وتکتسب مع الزمن بعداً اجتماعیاً سیاسیاً.
ومن الملاحظ أن القوانین العقابیة لم تحدد المعنى او المقصود بالطائفة, لکن أی عامل مشترک بین مجموعة معینة یصلح محلاً لتلک الجریمة, ویعنی ذلک أنه یستوی ان یکون التسلیح او الحث على التسلح أو الحض على التقتیل للدفع باتجاه الاقتتال والتنازع الطائفی بین الفئات والطوائف قائماً على اساس وحدة العمل او وحدة العقیدة الدینیة او وحدة الانتماء السیاسی أو وحدة السلالة القبلیة بوجه عام, وفی التطبیق القضائی لهذه الجریمة نجد ان اتجاه القضاء یذهب الى تفسیر عبارة الطائفة فی النصوص القانونیة للإشارة الى الطوائف الدینیة اذ جاء فی حکم لمحکمة أمن الدولة الاردنیة, حول موضوع جریمة اثارة الحرب الاهلیة أو الاقتتال الطائفی ما نصه (... ومما لا شک فیه ان عبارة الطائفة المقصودة فی تعبیر المشرع بقوله (الاقتتال الطائفی) فی نص المادة (142) تنصرف الى الطوائف الدینیة التی ینتمی الیها المواطنون (کالإسلام والمسیحیة), وان غایة المشرع من ایراد هذا النص هو الحفاظ على وحدة عناصر الامة التی ینتمی الیها المواطنون, وبالتالی حمایة کیان الدولة والحفاظ علیه ذلک لأن من شأن العصبیات الدینیة أو المذهبیة ان تفتت عضد الامة...).
الفرع الثالث
الرکن المعنوی
تعتبر جریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی جریمة عمدیة وتستلزم زیادةً على القصد العام قصداً خاصاً. فالقصد العام یتمثل فی اقدام الجانی على ارتکاب أی من النشاطات الاجرامیة التی یتکون منها سلوک الجریمة, وهذا الاقدام والاقبال على اقتراف مثل هذه الافعال الجرمیة, یجب ان یتوافر لدى الفاعل علم مسبق بحقیقة ما یقوم به من افعال وبطبیعتها الخطرة ولدیه علم بما ستؤول الیه هذه الافعال وانعکاساتها المتمثلة بالنتائج الاجرامیة والتی من الممکن ان تحدث, وعلاوة على العلم یجب ان یتوافر العنصر الثانی من عناصر القصد الجنائی العام الا وهی أرادة السلوک الاجرامی والتی تستخلص من الوقائع, والتی تمثل جوهر القصد الجنائی بصورته العامة.
اما القصد الخاص فلابد من توافره لدى الفاعل فی هذه الجریمة, ویتمثل بنیة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی, ولیس من مستلزمات هذا القصد الخاص نیة الاضرار بتحقق الحرب الاهلیة او حدوث الاقتتال الطائفی, بل یکفی بمجرد ارادة الفعل الذی یحتمل معه اثارة خطر الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی. فعند حدوث الحرب الاهلیة ووقوعها فان الهدف الذی أراده الجانی قد تحقق, حتى وان لم یشترک مادیاً فی تحقیقه, فالتشریع الجنائی عاقب الفاعل وان لم یکن له تصور وقوع الحرب الاهلیة منذ البدایة, أی انه لم یُردْ ان یثیر حرباً اهلیة الا انها وقعت عن طریق الاثارة التی قام بها.
ومن التطبیقات القضائیة بهذا الخصوص ما جاء به حکم محکمة امن الدولة الاردنیة فی قضیة جریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی (قضیة الرابیة والشمسانی). اذ جاء به (... وبالتدقیق تجد المحکمة ان الرکن المعنوی للتهمة الاولى المسندة للمتهمین (الأول والثانی والثالث) یتکون من القصدین العام والخاص. وفیما یتعلق بالقصد العام, فیتکون من عنصری العلم والارادة, وقد ثبت للمحکمة من مجمل البیانات ان المتهمین قد اقدموا على افعال القتل والنهب الثابتة بحقهم عن علم بهذه الافعال, فقد ثبت ان کل واحد منهم کان یعلم بطبیعة افعال القتل والنهب التی یقدم علیها وانها تشکل جرائم یعاقب علیها القانون. کما ثبت للمحکمة من مجمل البیانات ایضاً ان کل واحد من المتهمین قد اراد ارتکاب هذه الافعال واتجهت نیته الیها کما ان کل واحد منهم قد اراد النتائج التی ترتبت عن هذه الافعال وان نیته قد اتجهت الى تحقیق هذه النتائج وعلیه فان هذا العنصر قائم بحق المتهمین ومتوافر بالنسبة الیهم جمیعهم. اما فیما یتعلق بالقصد الخاص, فان المحکمة وبالرجوع الى نص المادة (142) من قانون العقوبات والتهمة المسندة للمتهمین تجد ان قیام هذا الجرم یتطلب توافر قصد خاص یتجلى بأن یکون الهدف البعید للفاعل وغایته القصوى التی یرمی الیها من جراء افعاله وهو اثارة الفتنة بالاقتتال الطائفی, وان المحکمة ونتیجة التدقیق فی البیانات المقدمة فی الدعوى تجد ان هدف المتهمین من القیام بأعمال التقتیل والنهب والحض علیها التی قارفوها کان احداث الفتنة بین المسلمین والنصارى فی الاردن, وان غایتهم من هذه الافعال کانت نشوب الاقتتال الطائفی بین المسلمین والنصارى واشعال نار الفتنة بینهم...).
المطلب الثانی
الآثار الجزائیة للجریمة
تتمثل الاثار الجزائیة لهذه الجریمة بالعقاب ویشمل العقوبة الاصلیة والتبعیة والتکمیلیة والتدابیر, اضافة الى مسألة الاعفاء من العقاب إذ تمثل اثراً من آثار الجریمة الجزائیة ووجهاً من اوجه الحمایة, فمثلما تتحقق الحمایة بالعقاب ممکن ان تتحقق بالإعفاء من العقاب اذا وجد له مبرراً أو جدوى أکثر من العقاب واضافة لذلک نص قانون العقوبات العراقی على الاعفاء من العقاب بنصوص خاصة. وسنبین العقاب على الجریمة سواء العقوبة الاصلیة ام التبعیة ام التکمیلیة فی الفرع الاول, ثم نبین مسألة الاعفاء من العقاب فی الفرع الثانی.
الفرع الاول
عقوبة الجریمة
العقوبة تتمثل بعدة انواع اولها وابرزها الاصلیة والعقوبات التبعیة والتکمیلیة والتدابیر, وسنوضحها على التوالی فی الفقرات الآتیة:
اولاً: العقوبة الاصلیة
تعد هذه الجریمة من الجنایات, اذ قرر المشرع لها عقوبة السجن المؤبد او الاعدام نظراً لخطورتها ومما یدلل على ذلک ان المشرع اعتبرها من الجنایات ووضع لها اقصى عقوبة, حیث قضت المادة (195) بعقوبة السجن المؤبد فی حالة ارتکاب أی صورة من صور السلوک الاجرامی کما جاء فیها (یعاقب بالسجن المؤبد من استهدف اثارة حرب اهلیة او اقتتال طائفی...) فالعقوبة (السجن المؤبد) هنا مقرر على مجرد اتیان أی من الافعال الاجرامیة المحددة فی النص تسلح المواطنین او حملهم على تسلیح بعضهم ضد البعض او بالتحریض (الحث) على الاقتتال. وهذا یعنی ان هذه الجریمة شکلیة تقوم بمجرد اقتراف الفعل الاجرامی دون اشتراط وقوع النتیجة الجرمیة. ومع ذلک نجد المشرع تحوط لحالة امکانیة وقوع النتائج الاجرامیة التی یقصدها الجانی من اشعال الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی بین المواطنین ووضع عقوبة اشد لمثل هذه الاحوال, اذ جعل عقوبة الاعدام فی حالة حدوث لما استهدفه الجانی من وقوع حرب اهلیة او اقتتال طائفی نتیجة تسلیحه للمواطنین او بحملهم على التسامح او بحثهم على الاقتتال.
ومن جانبنا نرى ان تساوی الحالتین فی العقاب وجعل عقوبة الاعدام هی المقررة لهذه الجریمة, سواء حدث ما یصبو الیه الجانی ام لم یحدث, من سلوکه الاجرامی لإبعاد شبح الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی, اذ لو حدث ما یریده الجانی سیکون من الصعب ولربما من المستحیل تدارک النتائج الاجرامیة وما تخلفه من دمار وتفکک للمجتمع. فتغلیظ العقوبة (بالإعدام) فی حالة الدفع باتجاه الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی بمجرد تسلیح المواطنین او حملهم على التسلح او بالحث على الاقتتال, سیکون اکثر ردعاً للذین یرومون اشعال الحرب والاقتتال الطائفی, وان لم یحدث فعلاً ما یریدونه.
ثانیاً: العقوبات التبعیة
وضحت المادة (95) من قانون العقوبات العراقی العقوبات التبعیة بأنها العقوبات التی تلحق بالمحکوم علیه بحکم القانون دون الحاجة الى النص علیها بالحکم. فالعقوبة التبعیة هی التی تتبع العقوبة الاصلیة وتدور معها وجوداً وعدماً وتتمیز بأن القاضی لا یجبر على النطق بها فی الحکم وانما تسری بقوة القانون وبمجرد النطق بالعقوبة الاصلیة, وبذلک لا حاجة الى النص علیها بالحکم. وبینت المواد (96 و97 و98 و99) من قانون العقوبات العراقی العقوبات التبعیة وهی: الحرمان من بعض الحقوق والمزایا ومراقبة الشرطة.
أ) الحرمان من بعض الحقوق والمزایا
وضحت المادة (96) من قانون العقوبات العراقی الحقوق والمزایا التی یکون الحرمان منها عقوبة تبعیة تفرض على الجانی الذی یحکم بعقوبة السجن المؤبد او المؤقت عقوبة اصلیة للجریمة التی ارتکبها ویحرم المحکوم علیه من هذه الحقوق من یوم صدور الحکم علیه وحتى اخلاء سبیله, وجریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی من نوع الجنایات والتی تکون عقوبتها السجن المؤبد فی الصورة الاولى فان حکم على الجانی بهذه العقوبة یستتبعه بحکم القانون هذه العقوبة التبعیة المنصوص علیها بالأحکام العامة فی المادة (96) ویحکم بها قانوناً مع العقوبة الاصلیة لهذه الجرائم, فان حکم على الجانی بأی عقوبة اصلیة لأی من هذه الجرائم فیستتبع بحکم القانون حرمانه من الحقوق والمزایا التی بینتها المادة (96) وهی:
- الوظائف والخدمات التی کان یتولاها الجانی.
- ان یکون ناخباً أو منتخباً فی المجالس التمثیلیة.
- ان یکون عضواً فی المجالس الاداریة أو البلدیة أو احدى الشرکات أو مدیراً لها.
- ان یکون وصیاً أو قیماً أو وکیلاً.
- ان یکون مالکاً أو ناشراً أو رئیساً لأحدى الصحف.
وکذلک نصت المادة (97) من قانون العقوبات العراقی على عقوبة تبعیة اخرى وهی حرمان المحکوم علیه بالسجن المؤبد أو المؤقت من ادارة امواله أو التصرف بها بغیر الایصاء والوقف الا بعد استحصال موافقة محکمة الاحوال الشخصیة التی یقع ضمن منطقتها محل اقامة الجانی. وجریمة اثارة الحرب الاهلیة عقوبتها الاصلیة السجن المؤبد فی صورتها الاولى فیعاقب بهذه العقوبة التبعیة ان حکم علیه بالسجن المؤبد.
ب) مراقبة الشرطة
وجاء النص على هذه العقوبة التبعیة فی المادة (99- أ) من قانون العقوبات العراقی, وهی عقوبة مقیدة لحریة الجانی تفرض علیه بعد اخلاء سبیله وتحد من حریته فی الحرکة والتنقل لفترة زمنیة معینة تکون مساویة لمدة عقوبته الاصلیة ولا تزید فی کل الاحوال على خمس سنوات. کما جاء فی المادة (99-أ) والتی نصت على أن (من حکم علیه لجنایة ماسة بأمن الدولة الخارجی أو الداخلی... یوضع بحکم القانون بعد انقضاء مدة عقوبته تحت مراقبة الشرطة وفق احکام المادة 108 من هذا القانون مدة مساویة لمدة العقوبة على ان لا تزید على خمس سنوات). وتستهدف هذه العقوبة زیادة على تقیید حریة المحکوم علیه اخضاعه لإشراف السلطات العامة کی تحول بینه وبین ان یوجد فی ظروف من شأنها ان تغریه بارتکاب جریمة اخرى بعد ان عوقب عن الجریمة الاولى, ومراقبة الشرطة تحول من احتمال اقدام المحکوم علیه من ان یرتکب جریمة تالیة أی تتضمن مواجهة خطورة اجرامیة وهی من التدابیر الاحترازیة, لکن المشرع هنا جعلها من العقوبات التبعیة المقیدة للحریة. وتفرض هذه العقوبة على الجانی عند اقترافه جریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی وعندما یحکم علیة بالسجن المؤبد, وسنبینها کذلک کتدبیر احترازی عندما نبحث التدابیر الاحترازیة کأثر للحمایة الجزائیة.
ثالثاً: العقوبات التکمیلیة
وهی العقوبات التی تلحق بجریمة معینة ولا تنفذ بحق المحکوم علیه ما لم ینص علیها فی الحکم الصادر عن المحکمة. وجاء النص على هذه العقوبات فی الاحکام العامة من قانون العقوبات العراقی فی المواد (100 و101 و102), وهذه العقوبات هی: الحرمان من بعض الحقوق والمزایا والمصادر ونشر الحکم. وهذه العقوبات تشترک مع العقوبات التبعیة فی انها عقوبات غیر مستقلة أی ثانویة تلحق بالعقوبة الاصلیة وتدور معها وجوداً وعدماً, وانها عقوبات مؤقتة. لکنها تختلف عنها من عدة وجوه, فالعقوبات التکمیلیة لا تفرض على المحکوم علیه الا اذا نص علیها قرار الحکم الصادر من المحکمة أی لا تفرض بحکم القانون, ومن جانب اخر انها عقوبات جوازیه لیست وجوبیة وهذا واضح من صیاغة النصوص التی تضمنتها وصرحت بالقول (للمحکمة) وعبارة (یجوز للمحکمة) أی خاضعة للسلطة التقدیریة للمحکمة ان تحکم بها أو لا تحکم. وسنتطرق الى العقوبات التکمیلیة التی جاءت بها الاحکام العامة والتی من الممکن فرضها على من تثبت مسؤولیته عن اقتراف جریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی.
أ) الحرمان من بعض الحقوق والمزایا
ونصت على هذه العقوبة المادة (100) من قانون العقوبات العراقی ونصت على ان (للمحکمة عند الحکم بالسجن المؤبد او المؤقت (وبالحبس مدة تزید على السنة ان تقرر حرمان المحکوم علیه من حق أو اکثر من الحقوق المبینة ادناه لمدة لا تزید على سنتین ابتداء من تاریخ انتهاء مدة تنفیذ العقوبة او من تاریخ انقضائها لأی سبب کان...) وهذه الحقوق بینتها المادة نفسها وهی:
- تولی بعض الوظائف والخدمات العامة على ان یحدد ما هو محرم علیه منها قرار الحکم وان یکون القرار مسبباً تسبیباً کافیاً.
- حمل اوسمة وطنیة أو اجنبیة.
- حمل السلاح.
ووضع المشرع احکاما مفصلة فی تنفیذ هذه العقوبة, اذ بینت الفقرة (ب) من المادة نفسها حالة تداخل عقوبة الحرمان من بعض الحقوق والمزایا المتماثلة فینفذ فی حق المحکوم علیه بعد اخلاء سبیله اطول هذه العقوبات مدة, وبینت الفقرة (ج) من المادة نفسها حالة اذا افرج عن الجانی افراجاً شرطیاً فأن مدة الحرمان من هذه الحقوق والمزایا تبدأ من تاریخ اخلاء المحکوم علیه, اما اذا الغی الافراج الشرطی وبدأ تنفیذ ما تبقى من العقوبة الاصلیة فان مدة الحرمان تبدأ من تاریخ انتهاء المدة المحکوم بها على المحکوم علیه, وقررت الفقرة (د) بأنه یجوز للمحکوم علیه او الادعاء العام بعد مرور ستة اشهر على الاقل من تاریخ اخلاء سبیل المحکوم علیه ان یقدم للمحکمة المختصة التی یقع ضمن منطقتها محل سکن المحکوم علیه طلباً بتخفیف ما تبقى من مدة عقوبة الحرمان التکمیلیة او الغائها, واذا رد الطلب یجوز ان یقدم طلباً اخر بعد مرور ثلاثة اشهر من تاریخ رد الطلب الاول. وجمیع هذه الاحکام لهذه العقوبة التکمیلیة تنطبق على جریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی التی نحن بصددها اذا حکم على الجانی بالسجن المؤبد.
ب) المصادرة
جاء النص على هذه العقوبة فی المادة (101) من قانون العقوبات العراقی. والمصادرة هی جزاء مالی مضمونه الاستیلاء لحساب الدولة على مال له علاقة بجریمة وقعت او یخشى وقوعها جبرا على صاحبه وبلا مقابل, والمصادرة نوعان: مصادرة عامة, ومصادرة خاصة فالأولى هی نزع اموال المحکوم علیه بالکلیة وقت صدور الحکم, اما الثانیة فأنها تشمل فقط ماله علاقة بالجریمة المرتکبة التی صدر بها حکم قضائی. وعقوبة المصادرة عقوبة جوازیه للمحکمة ان تحکم بها عند الإدانة فی جنایة او جنحة وتشمل جمیع الاشیاء المضبوطة التی تحصلت من الجریمة أو التی استعملت فی ارتکابها أو التی کانت معدة لاستعمالها وعلى شرط عدم المساس بالغیر حسن النیة.
وبذلک یمکن للمحکمة ان تحکم بهذه العقوبة التکمیلیة عند الحکم بإدانة مقترف جریمة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی وطبقاً للقواعد العامة, وفی هذه الحالة تکون المصادرة عقوبة تکمیلیة جوازیه مثل مصادرة الاسلحة المعدة لغرض توزیعها على الاهالی لغرض دفعهم الى الحرب الاهلیة أو الاقتتال الطائفی, أو مصادرة ما یضبط من منشورات وکتابات ونحوها, اذا کانت تتضمن التحریض والحث على النزاع والکراهیة بین الطوائف والاجناس او للترویج والتحبیذ لما یثیر النعرات الطائفیة والعنصریة وغیر ذلک...,
ج) نشر الحکم
ونصت على هذه العقوبة المادة (102) من قانون العقوبات العراقی وجاء بها (للمحکمة من تلقاء نفسها او بناء على طلب الادعاء العام ان تأمر بنشر الحکم النهائی الصادر بالإدانة فی جنایة...) فنشر الحکم عقوبة تکمیلیة جوازیه للمحکمة ان تأمر بها فی أی جریمة من نوع الجنایات وجریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی تعد من الجنایات, لذلک یجوز ان یحکم بنشر الحکم الصادر فیها بحق من اقترفها للتشهیر به امام المجتمع ولتنبیه العوام من الجمهور بخطورة هذه الجریمة ومرتکبیها على سلامة المجتمع واستقراره, ولیکون عبرة للغیر ممن تسول لهم انفسهم العبث بالسلم الاجتماعی للبلاد, بأثارة العداوات أو التحریض على النزاع والخلاف بین الطوائف والمکونات الاجتماعیة للشعب أو بأثارة الحروب والاقتتال الطائفی, وبین نص المادة (102) کیفیة تنفیذ هذه العقوبة التکمیلیة بالقول (... ویؤمر بالنشر فی صحیفة أو اکثر على نفقة المحکوم علیه...).
الفرع الثانی
الاعفاء من العقاب
الاعفاء من العقاب أو الاعذار المعفیة من العقاب, هی وقائع تفرض بعد وقوع الجریمة وتحقق مسؤولیة مرتکبها او المساهم فیها ویعتبرها المشرع بنصوص خاصة اسباباً للإعفاء من العقاب دون ان یمحو الصفة الاجرامیة عن الفعل، أو هی الظروف التی ینص علیها القانون والتی من شانها رفع العقوبة عن الفاعل مع قیام مسؤولیته.
وتسمى کذلک موانع العقاب لأنها تحول دون العقوبة, رغم ثبوت الجریمة بکل ارکانها, وبذلک تختلف عن موانع المسؤولیة التی تتعلق بالرکن المعنوی وتتحقق بانتفاء عنصر الاهلیة الجنائیة, ومن جهة اخرى تختلف عن اسباب الاباحة بکونها لا ترفع صفة التجریم عن الفعل, ولذلک لا یستفید منها الا من تتوافر لدیه دون غیره من المساهمین فی الجریمة أی تمتاز بطابعها الشخصی, اما اسباب الاباحة فأنها ذات طبیعة مادیة تتعلق بالتکییف القانونی برفع الصفة المجرمة عن الفعل فیصبح مباحاً ویستفید منه الجمیع الفاعل والمساهمون فی الجریمة على حد سواء. والنص على الاعفاء من العقاب یرجع الى الفائدة العائدة للمجتمع من اعفاء الجانی من العقوبة للحد من ظاهرة الاجرام, لأنها تؤدی الى تشجیع الجانی فی الکف عن التوغل فی الاجرام والکشف عن الجریمة التی قد یصعب اکتشافها من قبل السلطات العامة, بالإرشاد الى بقیة المساهمین فیها, او یحول دون وقوعها خصوصا فی حالة الابلاغ عنها قبل البدء فی تنفیذها. وکونه یمثل وجهاً للحمایة، اذ تتحقق الحمایة بالعقاب أو بالإعفاء على حد سواء, اذا کانت هناک مصلحة معتبرة من الاعفاء للحد من الجرائم ومکافحتها بفتح باب التوبة على من ینوی ارتکابها للتراجع عنها, او للکشف عنها اذا کانت مرتکبة من عدة مساهمین.
وفی جریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی ورد النص على الاعفاء من العقاب علیها فی المادة (118) من قانون العقوبات العراقی وسنوضح حالة الاعفاء من العقاب کما بینته المادة الخاصة, ثم نبین اجراءات الاعفاء واثاره فی الفقرتین الآتیتین.
اولاً: حالة الاعفاء من العقاب
جاء النص على الاعفاء من العقاب کما بیناه فی المادة (118) اذ نصت على أن (یعفى من العقوبات المقررة فی المواد السابقة من هذا الباب کل من بادر بأخبار السلطات العامة قبل البدء فی تنفیذ الجریمة وقبل البدء فی التحقیق. ویجوز للمحکمة الاعفاء من العقوبة اذا حصل الاخبار بعد تنفیذ الجریمة وقبل البدء فی التحقیق. ویجوز لها ذلک اذا سهل المخبر للسلطات اثناء التحقیق القبض على مرتکبی الجریمة الآخرین). من الواضح ان هذا الاعفاء الوارد فی النص اعفاء عام یسری على جمیع الجرائم التی وردت فی الباب الخاص لجرائم أمن الدولة الداخلی من قانون العقوبات العراقی, والتی من ضمنها جریمة اثارة الحرب الاهلیة او الاقتتال الطائفی. وهذا الاعفاء العام الذی اوردته المادة (118) له حالتان هما: الاعفاء الوجوبی والاعفاء الجوازی.
أ)الاعفاء الوجوبی: وجاء النص علیه فی بدایة المادة ویشترط فیه:
- ان یتم الاخبار عن الجریمة قبل البدء فی تنفیذها.
- ان یقع الاخبار قبل البدء فی التحقیق عن الجریمة.
ب)الاعفاء الجوازی: والذی اعطى بموجبه للمحکمة اعفاء الجانی من العقاب فی حالة حصول الاخبار بعد ارتکاب الجریمة وقبل البدء فی التحقیق عنها, وکذلک للمحکمة ایضا ان تعفی الجانی من العقاب بعد ارتکاب الجریمة اذا اخبر عنها وبعد ان تشرع السلطات المختصة بالتحقیق عنها اذا سهل هذا الاخبار للسلطات ان تلقی القبض على مرتکبی الجریمة الاخرین, کما وضحت ذلک المادة (118) من قانون العقوبات العراقی.
ثانیاً: اجراءات الاعفاء واثاره
أ) اجراءات الاعفاء
بین قانون اصول المحاکمات الجزائیة العراقی بان یقوم قاضی التحقیق بعرض العفو على أی متهم فی جنایة بموافقة محکمة الجنایات مبینا الاسباب من وراء هذا العرض, وهی بهدف الحصول على شهادته ضد مرتکبیها الاخرین وبشرط ان یقدم المتهم بیانا کاملاً وصحیحاً عنها, فاذا قبل هذا العرض تسمع شهادته وتبقى صفته متهما حتى یصدر قرار حاسم فی الدعوى, اما اذا لم یقدم المتهم البیان الصحیح بإخفائه اموراً ذات اهمیة او بإدلائه بأقوال کاذبة یسقط عنه حق العفو بقرار من محکمة الجنایات وتتخذ ضده الاجراءات القانونیة عن الجریمة التی عرض عنها العفو او ایة جریمة اخرى مرتبطة بها, وتعتبر اقواله التی ادلاها دلیلا علیه, واذا رأت محکمة الجنایات ان البیان الذی ادلى به المتهم الذی عرض علیه العفو صحیح کامل فتقرر وقف الاجراءات ضده نهائیا واخلاء سبیله.
ب) اثار الاعفاء
اذا توافرت شروط الاعفاء الوارد فی المادة (118) من قانون العقوبات العراقی, ینتج عن ذلک امتناع عقاب المتهم مرتکب الجریمة, وهذا الامتناع یشمل جمیع العقوبات الاصلیة والتبعیة والتکمیلیة.
لکن اثر هذا الاعفاء لا یمتد الى ارکان الجریمة فالصفة المجرمة للفعل تبقى, وان امتنع العقاب عنه, ومن جهة اخرى فان اثر امتناع العقاب لا یسری الا بحق من توافر فیه ولا یشمل باقی المساهمین فی الجریمة. کما ان الاعفاء من العقاب لا ینفی الخطورة الاجرامیة لدى الجانی ولا الضرر الناتج عن الجریمة, لذلک یصح رغم امتناع العقاب الحکم بتدبیر احترازی مناسب لمواجهة الخطورة الاجرامیة, کما یصح الحکم على المُعفى من العقاب بتعویض الضرر المترتب عن الجریمة على حسب قواعد المسؤولیة المدنیة التقصیریة واحکامها.
الخاتمــة
نستعرض فی نهایة هذه الدراسة اهم الاستنتاجات التی توصلنا الیها من خلال البحث بهذه الجریمة فی الفقرة الاولى, بعد ذلک نبین التوصیات التی نراها حول النصوص القانونیة التی عالجتها بالفقرة الثانیة:
اولاً: الاستنتاجات
ثانیاً: التوصیات
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: dictionaries and dictionaries.
A) Language.
1. Ibn Manzoor, lexicon of the Arabic tongue, C4, Dar Sader, Beirut - Lebanon, 2005.
2. Ismail bin Hammad al-Jawhari, Maasam al-Sahah, 1, Dar al-Ma'arefah, Beirut, Lebanon, 2005.
B) Legal.
3. Gerard Corno, Glossary of Legal Terms, J1, I2, Translated by: Mansour Al-Qadi, The University Foundation for Studies, Publishing and Distribution, Beirut, Lebanon, 2009.
4. Dr. Abdul Wahid Karam, Dictionary of Legal Terms, I 1, Legal Book House, Egypt, 1995.
C) Political.
5. Dr. Ahmed Atteya Allah, Political Dictionary, 3, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1968.
Second: General books.
1. Dr. Fawzia Abdel Sattar, Explanation of the Penal Code - General Department, Arab Renaissance House, Cairo, 1991.
2. Dr. Mahmoud Naguib Hosni, Explanation of the Penal Code - General Section, I 5, House of Arab Renaissance, Cairo, 1982.
3. Dr. Maher Abdel Shweish, General Provisions of the Penal Code, Press of the Ministry of Higher Education and Scientific Research, University of Mosul, 1990.
4. Dr. Maamoun Salama, Penal Code - General Section, 3, Dar Al-Fikr Al-Arabi, Cairo, 1990.
5. Dr. Mahmoud Mahmoud Mustafa, Explanation of the Penal Code - General Section, I 9, House of Arab Renaissance, Cairo, 1974.
6. Dr. Mahmoud Naguib Hosni, Explanation of the Penal Code - General Section, C2, I 3, Halabi Rights Publications, Beirut - Lebanon,
7. Dr. Ahmed Fathi Sorour, mediator in the Penal Code - General Section, C1, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 1981.
8. Dr. Mohammed Abdul Jalil Al-Hadithi, Incitement Crimes and its portrayal of aspects of external state security, Freedom House for Printing, Baghdad, 1984.
9. Mohsen Naji, General Provisions of the Penal Code, I 1, Al-Ani Press, Baghdad, 1974.
10. Dr. Ali Hussein Al-Khalaf and Dr. Sultan Abdul Qader Al-Shawi, General Principles in the Penal Code, Al-Resala Foundation, Kuwait, 1982.
11. Dr. Mahmoud Naguib Hosni, Explanation of the Penal Code - General Section, I 5, House of Arab Renaissance, Cairo, 1982.
12. Dr. Hossam Mohamed Sami Jaber, Contribution to the Criminal Law, Legal Books House, Cairo, 2009.
13. Abdul Malik soldier, Criminal Encyclopedia, C1, Library of Science for All, Beirut - Lebanon, 2004-2005.
14. Dr. Tamer Ahmed Ezzat, Criminal Protection of Internal State Security, II, Dar Al-Nahda Al Arabiya, Cairo, 2007.
15. Dr. Ramses Behnam, Penal Code Special Crimes Department, Al-Ma'aref Establishment, Alexandria, d.
16. Dr. Adly Amir Khalid, Crimes Harmful to the homeland from the inside and outside, 1, University Thought House, Alexandria, 2013.
17. Dr. Ali Abdel Qader Al-Kahwaji, Explanation of the Penal Code - General Section, 1, Halabi Rights Publications, Beirut, Lebanon, 2008.
18. Dr. Saad Ibrahim Al-Adhami, Encyclopedia of Crimes Affecting Internal State Security, I 1, House of Public Cultural Affairs, Baghdad, 2000.
19. Dr. Saad Ibrahim Al-Azmi, Encyclopedia of Criminal Law Terms, C1, I 1, House of Public Cultural Affairs, Baghdad, 2002.
20. Dr. Samir Alia, Al-Wajeez in explaining the crimes against the security of the state, i 1, the university institution for studies and publishing, Beirut-Lebanon, 1999.
21. Dr. Mohammed Odeh Jabour, Crimes against State Security and Terrorism Crimes, 3, Dar Al Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman - Jordan, 2011.
22. Dr. Ali Hussein Al-Khalaf, Research on the crime of theft and breach of trust, 1, Al-Zahraa Press, Baghdad, 1967.
23. Dr. Awad Mohamed, Crimes of Weapons, Publication and Suspicion, Modern Egyptian Bureau, Alexandria, 1969.
24. Dr. Raouf Obeid, Explanation of the Supplementary Penal Law, No. 5, Arab Thought House, Cairo, 1979.
25. Dr. Saad Saleh Shakti, in-depth studies in Criminal Law, 1, Dar Al-Thaqafa, Amman - Jordan, 2012.
26. Dr. Abdulwahab Omar Al-Batrawi, Explanation of National Security Crimes, I 2, Fakhrawi Institute for Studies and Publications, Bahrain, 2009.
27. Dr. Osman Ali Al-Rawanduzi, The Principle of Non-Interference and Intervention in Internal Affairs under International Law, Legal Books House, Cairo, 2010.
28. Dr. Halim Barakat, Contemporary Arab Society, I5, Center for Arab Unity Studies, Beirut, Lebanon, 1996.
29. Dr. Mohammed Zaki Abu Amer and Dr. Ali Abdel Qader Al-Kahwaji, Lebanese Penal Code - General Department, University Press and Publishing House, Beirut, Lebanon, 1984.
30. Dr. Akram Nashath Ibrahim, General Rules of the Penal Code, I 1, Boys Press, Baghdad, 1990.
31. Mahmoud Abdel Aziz Mohamed, recognition - evidence and pampering - jurisprudence and jurisprudence, legal books, Egypt, 2009.
Third: Theses
1. Hussein Ali Hussein, Criminal Agreement in Iraqi Law - Comparative Study, Master Thesis, Faculty of Law - University of Baghdad, 1983.
2. Manar Abdul Mohsen Abdul Ghani, crime of carrying arms in the field of criminalization of activity, Master, Faculty of Law - University of Tikrit, 2010.
Fourth: Laws
1. The Egyptian Penal Code No. (58) of 1973.
2. The Lebanese Penal Code promulgated by decree (430) of 1943.
3. The old French Penal Code of 1948.
4. The Syrian Penal Code of 1949.
5. The Egyptian Weapons Law No. 394 of 1954.
6. The Jordanian Penal Code No. (16) of 1960.
7. Iraqi Penal Code No. 111 of 1969.
8. Iraqi Code of Procedure No. 23 of 1971.
9. The new French Penal Code of 1992.
10. Iraqi Weapons Law No. (13) for the year 1992 amended.
11. Iraqi Anti-Terrorism Law No. 13 of 2005.
Fifth: Judicial decisions
1. The decision of the State Security Court of Jordan, D-R, dated 4/8/1998.
2. The decision of the Criminal Court of Salah al-Din Central, No. (51 / c / 2007), on 13/5/2007.
3. The decision of the Criminal Court of Salah al-Din Central, No. (48 / C / 2007), on 16/11/2007.
Sixth: The Internet
1. Al-Dostour newspaper website, judicial decision, website:
http://www.addustour.com.