الملخص
لم تأتِ ثورات الربیع العربی عن فراغ. بل جاءت کردة فعل طبیعیة لمعاناة الشعوب العربیة من اضطهاد حکامها .من تونس کانت الانطلاقة ثم انتقلت الى مصر ولیبیا وسوریا والیمن, إن أی دولة تتکون من ثلاث عناصر هی الشعب، الإقلیم، السلطة (الحکومة). عناصر الدولة تأثرت کثیرا بسبب ثورات الربیع العربی، تغییرات کبیرة حصلت على تلک العناصر، الإقلیم تحول نحو التفکک، الشعب الذی کان واحداً موحداً تحول الى تکتلات عرقیة أو طائفیة أو أثنیة. هذه الأطراف بدأت تتنافس للهیمنة على الحکم. وهکذا اندلعت نزاعات مسلحة دامیة. وبعد أن کانت هذه الدول تخضع لسلطة واحدة قویة، اصبحت تتنازع سلطات وحکومات عدیدة على السلطة.
الموضوعات
أصل المقالة
ثورات الربیع العربی وأثرها فی عناصر الدولة-(*)-
خلف رمضان محمد الجبوری کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Khalf Ramadan Muhammad al-Jubouri College of law / University of Mosul Correspondence: Khalf Ramadan Muhammad al-Jubouri E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 11/4/2018 *** قبل للنشر فی 17/5/2018.
(*) Received on 11/4/2018 *** accepted for publishing on 17/5/2018.
Doi: 10.33899/alaw.2018.160784
© Authors, 2018, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
لم تأتِ ثورات الربیع العربی عن فراغ. بل جاءت کردة فعل طبیعیة لمعاناة الشعوب العربیة من اضطهاد حکامها .من تونس کانت الانطلاقة ثم انتقلت الى مصر ولیبیا وسوریا والیمن, إن أی دولة تتکون من ثلاث عناصر هی الشعب، الإقلیم، السلطة (الحکومة). عناصر الدولة تأثرت کثیرا بسبب ثورات الربیع العربی، تغییرات کبیرة حصلت على تلک العناصر، الإقلیم تحول نحو التفکک، الشعب الذی کان واحداً موحداً تحول الى تکتلات عرقیة أو طائفیة أو أثنیة. هذه الأطراف بدأت تتنافس للهیمنة على الحکم. وهکذا اندلعت نزاعات مسلحة دامیة. وبعد أن کانت هذه الدول تخضع لسلطة واحدة قویة، اصبحت تتنازع سلطات وحکومات عدیدة على السلطة.
Abstract
The Arab spring revolutions did not come from a vacuum. But as a natural reaction to the suffering of the Arab peoples from the persecution of their rulers, From Tunisia was the start and then moved to Egypt, Libya, Syria and Yemen,. any state consists of three elements thay are: people,،region, and the government The elements of the state have been greatly affected by the Arab Spring revolutions, great changes have taken those elements, the region is turning towards disintegration,. The people who were one became into ethnic, sectarian or ethnic blocs. These parties began to compete for hegemony over government. Thus bloody armed conflicts broke out. After these powers were under one strong authority, many authorities and governments were in power.
المقدمـة
فی شهر کانون الأول من عام 2010 اندلعت الثورة فی تونس بعد إقدام المواطن التونسی محمد بوعزیزی على إحراق نفسه احتجاجاً على قیام شرطیة تونسیة بإهانته، فانطلقت المظاهرات الغاضبة ولم تتوقف حتى تمت الإطاحة بحکم الرئیس زین العابدین بن علی، ومن تونس انتقلت شرارة الثورة لتؤجج الشارع المصری ضد حکم الرئیس محمد حسنی مبارک، حیث بدأت المطالبات بالإصلاح ثم سرعان ما تحولت الى المطالبة برحیل مبارک وتحقق للمصریین ما أرادوا، وبدأت حمى المطالبة بالتغییر تنتقل الى البلاد العربیة الأخرى فکان التغییر فی لیبیا ومن ثم اندلعت الاحتجاجات فی سوریا وکانت نتائجها ولازالت کارثیة. لقد اصطلح على ما حصل فی البلاد العربیة من ثورات واضطرابات بـ (الربیع العربی). غیر إن النجاح لم یکن حلیفا للثورات فی کل الدول التی حصلت فیها، ففی وقت نجحت فیه الثورة فی مصر وتونس ولیبیا فی تغییر أنظمة الحکم القائمة، لم یکن الأمر کذلک فی الیمن وسوریا، إذ تحولت موجات الاحتجاجات الى صراع دموی (لازال مستمراً) فی هذین البلدین وکما هو معلوم (وفقاً لقواعد القانون الدولی) إننا لکی نکون ازاء کیان یدعى (الدولة) ینبغی توافر ثلاثة عناصر رئیسة تتمثل فی الشعب والإقلیم والسلطة (الحکومة)، والتساؤل الذی یُثار هنا : ما وضع العناصر الثلاث للدولة فی ظل الثورات التی اجتاحت بعض الدول العربیة سواءً تلک الدول التی نجحت فیها الثورات فی تغییر أنظمة الحکم القائمة أو تلک الدول التی أخفقت فیها الثورات فی إسقاط انظمة الحکم؟ هذا ما سنحاول الإجابة علیه من خلال بحثنا هذا، وبناءً على ذلک سوف نقسم البحث الى ثلاثة مباحث سیکون الأول مخصصا لماهیة الثورة وفی ثلاث مطالب سنتناول فی الأول منها تعریف الثورة، أما المطلب الثانی فسیکون مخصصاً لتمییز الثورة عن ما یتصل بها أو یشتبه بها من مفاهیم، فیما سَنتناول فی المطلب الثالث أواع الثورات، أما المبحث الثانی فسیکون لِماهیة الربیع العربی, إذ سنبحث فی المطلب الأول مفهوم الربیع العربی، ومن ثم سنتناول فی المطلب الثانی العوامل والأسباب الخارجیة لثورات الربیع العربی، أما فی المطلب الثالث فسنتناول العوامل والأسباب الداخلیة لهذه الثورات .. أما فی المبحث الثالث فسیتم تسلیط الضوء على الآثار التی أحدثتها الثورات فی عناصر الدولة، حیث سیکون المطلب الأول لبحث عنصر الشعب فی ظل ثورات الربیع العربی أما الثانی فسیکون لعنصر الإقلیم ومدى تأثره بهذه الثورات، أما المطلب الثالث فسیکون لعنصر السلطة (الحکومة) ومدى تأثره بهذه الثورات.
المبحث الأول
ماهیة الثورة
أصــبحت ظــاهرة الثــورة موضــع اهتمــام جــل الباحثین فــی مجــالی التاریخ والعلــوم الإنســانیة، الذین قــاموا بدراسة التجــارب الثوریة، ابتــداءً مــن الثــورة الفرنسیة عــام ١٧٨٩،بوصفها انموذجــاً تقلیدیاً للثــورة، مُروراً بــالثورات الدیمقراطیة فــی أوروبــا الشرقیة والاتحــاد السوفیتیة فــی أواخــر الثمانینیات وأوائل التسعینیات مـن القـرن العشرین، وانتهاءً بالثورات التی حصلت فی العدید من الدول العربیة کتونس ومصر ولیبیا والیمن والتی أُصطلِح على تسمیتها بثورات الربیع العربی. ومن خلال النظر إلــى التطــورات التــی شهدتها المنطقــة العربیة والتی أشرنا الیها آنفاً، نجــد إنهــا تتضمن مجموعــة مــن المفاهیم النظریة مثـــل مفهـــوم الثـــورة، وبالتأکید فان هذا المفهـــوم بحاجـــة إلـــى مراجعة ومناقشـــة لدلالتـــه وقیمته التحلیلیة. وسنحاول فی هذه المبحث توضیح المقصود بالثورة من الناحیتین اللغویة والاصطلاحیة وهذا ما سَنعمل عَلیهِ فی المطلب الأول، اما المطلب الثانی فسیکون مخصصاً لتمییز الثورة عن ما یتصل بها أو ما یشتبه بها من مفاهیم، فیما سنتناول فی المطلب الثالث انواع الثورات وکما یأتی:
المطلب ألأول
تعریف الثورة
الفرع الأول: الثورة لغةً:
الثورة لغةً تعنی الهیجان والوثوب والظهور والقلب والتعمیر والکثرة قال تعالى (قَالَ إِنَّهُ یَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِیرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِی الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِیَةَ)والثورة مأخوذة من الفعل (ثار( یثور ثورانا فهو ثائر، والمفعول مثور علیه، وثار الماء، فار ونبع بقوة وشدة، وثار البرکان قذف الحمم والمواد المنصهرة من باطنه، وثار الشعب على الحاکم المستبد انتفض ووثبَ علیه، وثارَ مِن ظلم لَحقه هاج وأستطار من غَضبهِ وإن کلمة الثورة مأخوذة من الکلمة اللاتینیة (Revolutio) التی تعنی الطفرة النوعیة، والتحول الحاد لوجود تراکمات عدیدة فی المجتمع. وتقابل هذه الکلمة المصطلح الفرنسیRevolution) ) التی تعنی حرکة فجائیة وتغیراً فجائیاً للأنظمة السیاسیة او الاجتماعیة او الاقتصادیة فی الدولة، أما فی اللغة الانکلیزیة فیطلق على الثورة کما هو معلوم لفظة Revolution)).
الفرع الثانی: الثورة اصطلاحاً:
للثورة مفهومین أحدهما تقلیدی قدیم أما الآخر فهو حدیث، إذ وضع الأول (التقلیدی) مع انطلاق الثورة الفرنسیة عام 1789، ویتلّخص المفهوم بقیام الشعب بقیادة النخب والطلائع من مثقفیه بتغییر نظام الحکم بالقوة، وقد طوّر المارکسیون هذا المفهوم بتعریفهم للنخب والطلائع المثقفة بطبقة قیادات العمال (البرولیتاریا).، ویُشیر بعض المفکرین الى ان مصطلح الثورة یستخدم للدلالة الى مسألتین: الأولى تتمثل فی تغییرات جذریة وفجائیة فی الظروف الاجتماعیة والسیاسیة عندما یتم تغییر حکم قائم بصورة فجائیة واحیانا عنیفة بحکم آخر, اما الثانیة فهی تغییرات ذات طابع جذری حتى وإن تمت هذه التغییرات ببطء ودون عندما نکون ازاء ثورة علمیة او صناعیة او زراعیة, ویجد کرین برنتین، ان مصطلح الثورة یثیر القلق لیس بسبب مداه الواسع فی الاستخدام الشائع فحسب بل کذلک لأنه من الکلمات المشحونة بالمحتوى الانفعالی، ویضیف ان الثورة هی عملیة حرکة دینامیکیة تتمیز بالانتقال من بنیان اجتماعی الى بنیان اجتماعی آخر, اما فی الفقه العربی فلقد وردت عدید من التعریفات الفقهیة والقانونیة للثورة، ولعل من ابرز هذه التعاریف هو (إن الثورة هی تعدیل جذری مفاجئ للبنیان الاقتصادی والاجتماعی والسیاسی فی الدولة ویقوم بها الشعب او طائفة من ابناءه تؤیدها اغلبیته کی تعید بناء المجتمع على اسس جدیدة), ونجد ان التعریف بحاجة الى مراجعة، فإذا کان القول یصح باعتبار الانتفاضة تتضمن تعدیل جذری ومفاجئ فی البنیان السیاسی، فالأمر لیس کذلک فی تغییر البنیان الاقتصادی والاجتماعی فکیف یکون التغییر مفاجئ بل هو بحاجة الى أمد لیس بالقلیل ویذهب الدکتور محمود حلمی بأن الثورة لکی تقوم لابد ان یسبقها اعداد فکری یقوم به أشخاص، یمکن القول بأنهم صفوة المجتمع ویستطیعون التأثیر فی بقیة افراد المجتمع، ولکی یستطیعوا النجاح فی هذا التأثیر لابد ان یکون هدفهم من القیام بالثورة لمصالح الشعب، ولمثل علیا یسعى الى تحقیقها, أما موسوعة علم الاجتماع فقد عرفت الثورة على أنها (التغیرات الجذریة فی البنى المؤسسیة للمجتمع، والتی تعمل على تبدیل المجتمع ظاهریاً وجوهریاً من نمط سائد الى نمط جدید یتوافق مع مبادئ وقیم وایدلوجیة وأهداف الثورة، وقد تکون الثورة عنیفة دمویة، کما قد تکون سلمیة وقد تکون فجائیة سریعة او بطیئة تدریجیة, ویذهب خیر الدین حسیب أن المعنــى الدقیق للثــورة یصف مجمــل الأفعــال والأحــداث التــی تقــود إلــى تغیرات جذریة فــی الواقــع السیاسی والاقتصــادی وأیضاً الاجتمــاعی لشــعب أو مجموعــة بشریة مـــا، وبشـــکل کامـــل وعمیق، وعلـــى المـــدى الطویل، ینتج منـــه تغیر فـــی بنیة التفکیر الاجتماعی للشعب الثائر، وفی إعادة توزیع الثروات والسلطات السیاسیة, ونجد من جانبنا أن الثورة (هی تحرک شعبی أو عسکری سلمیاً کان أَم غیر سلمی، واسعاً او ضیقاً نطاقه یستهدف التغییر الشامل لنظام الحکم القائم وکذلک البنیان الاقتصادی والاِجتماعی والثقافی للدولة).
المطلب الثانی
تمییز الثورة عن ما یشتبه بها من مفاهیم
قد یتداخل مفهوم الثورة مع غیره من المفاهیم کالانقلاب والانتفاضة والعصیان المدنی, الأمر الذی یتطلب توضیحها وکما یأتی:
أولاً : تمییز الثورة عن الانقلاب:
الانقلاب ((حرکة محدودة النطاق یقوم بها نفر قلیل من الشعب بالاستناد الى القوى الحکومیة القائمة بهدف الاستیلاء على السلطة لصالح القائمین بها ویکون الانقلاب على نوعین احدهما الانقلاب العسکری الذی یقوده مجموعة من الأفراد العسکریین فی الجیش النظامی للدولة، للسیطرة على مقالید الحکم فی البلاد خدمة لمصالحهم او لمصلحة قوى تؤیدهم وتساندهم أما الآخر فهو انقلاب حکومی یحصل من دون أی تدخل من قوة عسکریة لدعمه، ومن خلال اجراءات تتم داخل الحکومة من دون ان تکون هنالک مشارکة من فصائل الشعب ویقوم بمثل هکذا انقلاب القابض على السلطة والذی یعمد الى إلغاء الدستور او ایقافه او تعدیله، کما حدث فی فرنسا عام 1799 من خلال الانقلاب الذی قام به نابلیون بونابرت سنة 1799 ونابلیون الثالث سنة 1851 ویذهب البعض من الفقهاء الى للتمییز بین الثورة والانقلاب من خلال النظر الى الطرف او الجهة التی تقوم بالحرکة، فإذا کان الشعب هو صاحب هذه الحرکة کنا امام ثورة,، أما ان کان صاحب الحرکة هیئة معینة بالسلطة الحاکمة للاستئثار بالسلطة لنفسها کنا أمام انقلاب، فیما یذهب البعض الاخر من الفقه الى اعتماد الاهداف المتوخاة من وراء الحرکة بوصفها معیار للتمییز، فاذا کانت الحرکة تهدف الى إیجاد تغییرات جذریة فی الأسس التی یقوم علیها المجتمع کنا أمام ثورة، أما مجرد التغییر فی شخص الحاکم أو الحکومة من دون اجراء تغییرات جذریة فی اسس المجتمع فإن هذه الحرکة لا تعدو إلا ان تکون انقلاباًویمکن القول ان الهدف النهائی للثورة یکون لصالح الجماعة بأسرها أو لصالح افراد المجتمع کافة فی حین یهدف الانقلاب الى صالح الفرد او الجماعة التی قامت به عن طریق تولیها مقالید الحکم فی الدولة، غیر ان الثورة والانقلاب یتفقان فی النتیجة النهائیة على اسقاط الدستور القائم بالقدر الذی یتنافى مع اهدافهما. والأمثلة على الانقلابات کثیرة ولاسیما فی امریکا اللاتینیة والدول الافریقیة وبعض الدول العربیة والتی شهدت عبر تاریخها العشرات من الانقلابات .
ثانیاً : تمییز الثورة عن الانتفاضة: "تعرف الانتفاضة على انها (قیام جماعة کبیرة من الناس غالبا ما تکون شعبا بکامله أو اقلیما، بشتى انواع الاحتجاجات من مظاهرات واعتصامات واضطرابات بغیة تحقیق أهداف عامة غالبا ما تکون أهدافاً وطنیة تحرریة) ... ویجد البعض إن الانتفاضة هی (تحرک ثوری محکوم باختلال التوازن، مع قوة متسلطة أجنبیة أو محلیة، وهی تتراوح فی طبیعتها التنظیمیة بین الفعل العفوی الذی ینشأ نتیجة افتقاد الأطر التنظیمیة الفاعلة والقادرة وبین الفعل المنظم)، ونجد إن الانتفاضة یمکن عدّها تمرداً أو ثورة متى ما عمت المقاومة اجزاءً کبیرة من الدولة، واسست حکومة مسؤولة تفرض مؤسساتها وسلطاتها على الأقالیم المسیطر علیها، وتشید هیئات ومؤسسات حکومیة تعمل ضد الحکومة القائمة.
ثالثاً: تمییز الثورة عن العصیان: العصیان حرکة تقوم بها فئة معینة من الاشخاص ضد الحکومة القائمة للمطالبة ببعض الحقوق او لرفع حیف معین، وقد تقوم بهذا العصیان محافظة معینة أو یکون العصیان على نطاق أضیق کعصیان بعض البحارة فی میناء معین للمطالبة بحقوقهم، او عصیان عمال معمل ما من أجل المطالبة ببعض الحقوق کإنقاص ساعات العمل أو المطالبة برفع الاجور... الخ ،أو قیام طائفة معینة ببعض الحقوق ورفع التمییز الطائفی والعنصری الذی یمارس بحقها، فی حین أن الثورة لا تهدف الى تحقیق مطالب طائفیة و مهنیة معینة، وإنما تهدف الى إحداث تغییرات جوهریة تمس أُسس المجتمع وبنیانه وکیانه وتمس صمیم المجتمع بالتغییر.
ویجد بادلفورد أن التمرد والعصیان المسلح والثورة والحرب الأهلیة کلها أشکال ودرجات متفاوتة لشیء واحد بالأساس، وهو السعی لإحداث تغییر لما یسمیه بأعراف وسیاسات حکومة قائمة.
المطلب الثالث
أنواع الثورة ومراحلها
الفرع الأول : انواع الثورات : یرى الکثیرون إن الثورات ُتقّسم الى أنواع وطبقا لِأهدافها ومعاییر اخرى وکما یأتی :
1. الثورة السیاسیة: وتسعى إلى تغییر الفئة الحاکمة دون أن یکون هدفها إحداث تغییر جذری وشامل فی الأوضاع الاجتماعیة، فالثورات السیاسیة تتضمن عملیات التغییر المفاجئة والجذریة والتی یقوم بها الشعب ضد النظام الحاکم والإدارة والتنظیم فی المجتمعات تحت لواء بعض الجماعات والأفراد لإصلاح الفساد الإداری والقضاء على السلطات الحاکمة المستبدة، التی لا تتسم بالعدالة، وقد تسهم القوات المسلحة فی دعم ومساندة هذه الثورات، ویکون لها دور بارز فی نجاحها.
2. الثورة البرجوازیة: تعنى فی الأساس بحل التناقض بین القوى الإنتاجیة والنظام السیاسی الإقطاعی أو شبه الإقطاعی والمهمة التاریخیة للثورة البرجوازیة هی التخلّص من العقبات أمام التطور الرأسمالی، فهی تترک أساس المجتمع البرجوازی دون تغییر، ولا تمس الملکیة الخاصة لوسائل الإنتاج، ونجد من أبرز الثورات البرجوازیة حرب الفلاحین فی ألمانیا فی القرن السادس عشر، والثورة الیابانیة 1867.
3. الثورة الاقتصادیة: وهذه الثورة تسعى إلى إجراء تغییرات قویة فی النظام الاقتصادی، ویُقصد بها التغییر الجذری فی البناء الاقتصادی للمجتمعات والذی یُؤدی إلى إعادة توزیع الثروة والملکیات بصورة جدیدة بما تضمنه من تغییر للعلاقات والنظم المرتبطة بهذا البناء.
4. الثورة الاجتماعیة: وهذه الثورة تتضمن تغییر نوعی فی الحیاة الاقتصادیة والسیاسیة والفکریة للمجتمع، من خلال صعود نظام اجتماعی جدید أکثر تقدماً, بدلا عن النظام القدیم ، وللثورة الاجتماعیة أبعادها الشاملة المتکاملة، التی تنعکس على مختلف نواحی النشاط والعلاقات بین البشر بدءاً من علاقات الإنتاج والتمرکز الاجتماعی والمؤسسات الاجتماعیة، وتنزع السلطة من ید طبقة وتحلّ محلها طبقات ونخب صاعدة.
5. الثورة الاشتراکیة: ویعبر هذا النوع من الثورة عن التحول الجذری للمجتمع الذی یمر بالانتقال الکامل من الرأسمالیة إلى الاشتراکیة وتتمیز بتحطیم علاقات الإنتاج التی تتسم بالتسلط والقهر، القائمة على الملکیة الخاصة وهی تسعى إلى تقویض جهاز الدولة البرجوازیة وإقامة دکتاتوریة البرولیتاریا.
الفرع الثانی: مراحل الثورة: غالباً ما تمر الثورات بمراحل مختلفة لکن هذه المراحل لا تکون مشترکة فی جمیع أنواع الثورات، فلکل ثورة ظروفها المحیطة والخاصة بها., ویُمکن إجمال أهم مراحل الثورة على وفق الآتی:
المرحلة الأولى: وتتمیز بالآمال الفوضویة والعشوائیة، وفیها یلتف الثوریون خلف الشعارات والآمال العریضة، وهذه المرحلة لا تدوم طویلاً.
المرحلة الثانیة: وهی مرحلة انقسام النخب الثوریة إلى معتدلین ومتطرفین، وغالباً ما تنتهی هذه المرحلة بهزیمة المعتدلین، َوتَرکُز السلطة فی أیدی المتطرفین أو المحافظین، وقد یستخدم العنف فی هذا الصراع البینی.
المرحلة الثالثة: وفی هذه المرحلة وبعد سیطرة قیادة موحدة على الثورة، تسعى الأخیرة لتحقیق الأهداف الثوریة بأی ثمن.
المرحلة الرابعة: تخف فی هذه المرحلة حدة المطالب والشعارات الثوریة، وتتراجع الحماسة، وعادة ما یتولى الحکم فیها رجل قوی یحمل صدى الثورة، وتعتبر مرحلة حکمه هی المرحلة الخامسة فیها.
المبحث الثانی
ماهیة الربیع العربی
فی 17 کانون الاول من عام 2010 أقدم المواطن التونسی بائع الفواکه المتجول محمد بوعزیزی على الانتحار حرقاً أمام مبنى محافظته (سیدی بوزید) احتجاجاً على إهانته من موظفین حکومیین، وکان من تداعیات هذا الحدث التاریخی خلع الرئیس التونسی زین العابدین بن علی إثر الاحتجاجات الشعبیة الجماعیة الغاضبة التی عمت البلاد, ومن تونس کانت الشرارة الاولى للثورات العربیة والتی اصطلح على تسمیتها بثورات الربیع العربی التی أطاحت بالأنظمة العربیة فی کل من مصر ولیبیا، وبالتأکید کان لهذه الثورات أثره البالغ على الاوضاع فی المنطقة العربیة, وسنحاول فی هذا المبحث بیان مفهوم بالربیع العربی فی المطلب الأول، ومن ثم سنتناول فی المطلب الثانی العوامل والأسباب الخارجیة لثورات الربیع العربی، اما فی المطلب الثالث فسنتناول العوامل والأسباب الداخلیة لهذه الثورات على وفق الآتی:
المطلب الأول
مفهوم الربیع العربی
أُستخدم مفهوم الربیع الدیمقراطی لأول مرة عام 1968 للإشارة الى حرکات الاحتجاج التی انطلقت فی تشیکوسلوفاکیا، إذ أصطلح علیه آنذاک بـ (ربیع براغ), غیر أن ذلک الربیع سرعان ما تحول الى ربیع دامٍ بعد أن قام الجیش ألأحمر السوفیتی بسحق الثورة لتی کانت ترفض نظام الحزب الواحد، أما عن الاحداث والثورات التی جرت فی البلاد العربیة، فان أول من أطلق مصطلح الربیع العربی علیها (والتی بدأت الشرارة الأولى لها من تونس) هو الدکتور (مارک لنج) عندما نشر مقالاً فی مجلة (السیاسة الخارجیة الأمریکیة) بعنوان (ربیع أوباما العربی)..ونجد انه تم اختیار المصطلح بدقة وعنایة لأنه یتبنى شیئاً من الحیاد فی توصیف الأحداث فلا هی ثورة ولا تمرّد ولا مجرد حرکة تطالب بالدیمقراطیة، بل تظل عبارة "الربیع العربی" فضفاضة فی معانیها لتنضوی تحتها المسمیات المشترکة جمیعاً فی رغبة أکیدة للشعوب نحو التغییر, وفی الوقت نفسه فإن للمصطلح معانٍ ودلالات تتعین الإشارة إلیها، إذ یحمل الربیع فی ثنایاه معنى الشباب والتجدد وهو فعلاً ما ینطبق على الثورات العربیة التی ساهمت فی تحریکها شریحة الشباب أکثر من غیرها، فضلاً عن ما یرمز له الربیع عادة من تفاؤل وأمل ینطبق على الثورات العربیة وتجلیاتها، بحیث تطمح الشعوب العربیة إلى فتح صفحة جدیدة فی تاریخها السیاسی تبتعد فیها عن الأنظمة الدیکتاتوریة التی فشلت فی تحقیق طموحات وآمال الجماهیر العربیة .وقد کان لافتاً تعبیر أوباما ووزیرة خارجیته، کلینتون، عن مساندتهما لمطالب التغییر العربیة مستخدمین عبارة الربیع العربی لما تحیل إلیه من معانی الشباب والأمل فی مستقبل أفضل, ولکن هذا الاحتفال بالمدلولات الإیجابیة للربیع عندما یُقرن بحرکة الشعوب ورغبتها فی رسم مستقبلها وتقریر مصیرها ینبغی أن لا یحجب عنا التجارب التاریخیة التی أُجهض فیها الربیع، أو على الأقل لم یأتِ بما کان ینتظر منه، فقد استُخدمت لفظة الربیع (وکما ذکرنا آنفا) لأول مرة فی عام 1968 لوصف حرکة الإصلاح التی شهدتها تشیکوسلوفاکیا التی جربت الإصلاح السیاسی للتخلص من قبضة الاتحاد السوفییتی والتحرر من النظام الشیوعی السابق، فجاء رد موسکو بإرسال دباباتها إلى العاصمة براغ مجهضة الربیع قبل أن تتفتح أزهاره، فکانت نهایة ربیع براغ دمویة. ولابد من الاشارة الى أن ما حصل من احداث واحتجاجات شعبیة واسعة فی البلاد العربیة والتی اصطلح على تسمیتها بالربیع العربی کان مفاجأة أذهلت الکثیرین وأخذتهم على حین غرة وهذا عائد الى القیود الکبیرة والظالمة التی کانت تفرضها الأنظمة الاستبدادیة على شعوبها، ولهذا کان الرواج لهذه الاحتجاجات وانتشارها الى الدول الاخرى ذا وجهین، ففی الوقت الذی کان یُرحب المواطنون الساخطون على أنظمتهم بما یحدث فی البلدان المجاورة ُویحاولون الاقتداء بها، کان الحکام فی الانظمة الاستبدادیة یسارعون الى رصد هذه المَخاطر ورصد المبالغ الطائلة لدرئها واتقاء آثارها.
المطلب الثانی
العوامل والأسباب الخارجیة لثورات الربیع العربی
بین عامی 1987 و1990شهد العالم انعطافة تاریخیة مهمة تمثلت فی الاحتجاجات الشعبیة العارمة ضد الحکم الشیوعی الشمولی فی الاتحاد السوفیتی السابق ودول أوربا الشرقیة، وقد أدت هذه التطورات الى انهیار أنظمة الحکم فی هذه البلدان، وفی مطلع عام 1991 أعلن بشکل رسمی عن تفکک الاتحاد السوفیتی وسقوط الشیوعیة فی معقلها، وتحول العالم من نظام القطبین (الذی ساد قرابة نصف قرن) الى نظام القطب الواحد او اللا قطبیة (کما اصطلح البعض على تسمیته). وفی عام 1996 حدثت موجة متلاحقة من الاحتجاجات الشعبیة التی کانت تطمح الى تغییر الحکم السلطوی المتمثل بالأنظمة الهجینة فی المنطقة ذاتها، وقد اصطلح على تسمیة هذه الاحتجاجات بـ(الثورات الملونة). وفی عام 2003 وتحدیداً فی جورجیا حصلت اضطرابات واحتجاجات دامت ثلاثة أسابیع ضد حکم الرئیس ادوارد شیفرنازدة ادت فی المحصلة النهائیة الى طرد الرئیس المذکور من السلطة، وقد سمیت تلک الثورة بثورة الورود ذلک ان المتظاهرین کان یحملون الورود أثناء المظاهرات، وبتأثیر مما حصل فی العاصمة الجورجیة (تبلیسی) انطلقت فی أوکرانیا أواخر عام 2004 مظاهرات حمل فیها المتظاهرون الأعلام البرتقالیة احتجاجاً على قیام السلطات الأوکرانیة بتزویر الانتخابات بالضد من إرادة الشعب الذی کان یدعم وبقوة المرشح فیکتور یوتشینکو، ثم کانت الثورة البنفسجیة التی حصلت فی قیرغیزستان عام 2005 والتی أطاحت بالرئیس عسکر أکاییف بعد عملیة التزویر التی حصلت فی الانتخابات التشریعیة، وتکرر المشهد فی کل من أذربیجان وأرمینیا. وبالتأکید فإن ما حصل فی هذه البلدان(التی کانت تدار دفة الحکم فیها من انظمة شمولیة مستبدة) کان محط أنظار الشعوب العربیة خاصة منهم جیل الشباب، الذی بدأ یتطلع الى نیل الحریة واستنشاق عبقها والتّمتع بالدیمقراطیة والخلاص من الظلم والفساد الذی استشرى فی المفاصل الرئیسیة للدول العربیة، ونجد ان الاحتلال الأنکلو أمریکی للعراق فی نیسان من عام 2003 الحدث الأبرز والمنعطف الخطیر الذی غَیّر الکثیر من مجریات الأمور فی المنطقة، اذ حاولت الولایات المتحدة الامریکیة، أن تجعل من العراق منطلقاً نحو الهیمنة على البلاد العربیة، فعملت على اقامة أنموذج دیمقراطی للحکم فی هذا البلد بغیة لفت أنظار الشعوب العربیة عامةً والشباب منهم خاصةً الى تجربة العراق لیکون هذا الأنموذج محفزاً لهذه الشعوب للخروج على انظمة الحکم التی کانت تقبض على السلطة فی کل من سوریا ومصر ولیبیا والیمن وغیرها من البلاد. وهکذا بدأت سیاسات الترویج للدیمقراطیة التی تبنّتها الولایات المتحدة، وتبعها فیها الاتحاد الأوروبى بدرجة کبیرة کانت قد وصلت إلى ذروتها فی الفترة 2004-2005، أما فی الفترة التالیة لذلک فقد خفّفت الولایات المتحدة من ضغوطها فی هذا المجال، حیث بدأ التحول فی السیاسة الأمریکیة التی تحمّست بشدة لترویج الدیمقراطیة، وذلک بسبب النتائج السلبیة لسیاسات هذه الإدارة فی الشرق الأوسط، فمغامرة غزو العراق تحولّت إلى کارثة، والترویج للدیمقراطیة لم یستفد منه سوى التیارات الإسلامیة المعادیة للولایات المتحدة، وکان فوز حماس بأغلبیة المجلس التشریعى الفلسطینى فی انتخابات ینایر 2006 نقطة تحول مهمة فی هذا السیاق، فالحرکة موسومة بالإرهاب (وفقاً لرأیهم) وموضوعة على قوائمه الأمریکیة، وهى عدو لدود لإسرائیل حلیف أمریکا الدائم فی المنطقة، وترفض التسویة السیاسیة، وحل الدولتین للصراع الفلسطینی – الإسرائیلی. إن هذه التطورات المُتسارعة والمتلاحقة بینت خطأ الاعتقاد الذی کان سائداً والمتضمن إن الترویج للدیمقراطیة سوف یصًبُ فی مصلحة الولایات المتحدة، إذ ظهر اتجاه یرى العکس، وإن الترویج للدیمقراطیة یضر بالمصالح الأمریکیة، خاصة بسبب ما یرتبط بهذه السیاسة من إحراج وإضعاف النظم الصدیقة للولایات المتحدة، ومن خسارة الولایات المتحدة لتعاون هؤلاء الأصدقاء، وأیضاً بسبب الفرصة التی تتیحها هذه السیاسة لزیادة نفوذ جماعات معادیة للولایات المتحدة، عندما حدث کل هذا، وعندما ظهر التناقض بین سیاسات الترویج الدیمقراطیة وضرورات حمایة المصالح الاستراتیجیة للولایات المتحدة تراجعت أهمیة سیاسات ترویج الدیمقراطیة على أولویات الإدارات الأمریکیة، وهو اتجاه بدأ خلال الرئاسة الثانیة للرئیس جورج بوش وتعزز مع بدء رئاسة باراک أوباما عام 2009. غیر أن عجلة التاریخ لا یمکن أن تعود إلى الوراء، ولم یکن من الممکن محو آثار السیاسات التی جرى اتباعها فی المرحلة السابقة، فأدى المزیج المکون من فشل حکومات المنطقة، وزیادة قدرة المعارضة على التحریض والحشد إلى اندلاع ثورات الربیع العربی.
المطلب الثالث
الأسباب والعوامل الداخلیة لثورات الربیع العربی
بعد أن انتهینا فی المطلب السابق من العوامل والأسباب الخارجیة لثورات الربیع العربی، لابد من البحث فی الاسباب والعوامل الداخلیة لهذه الثورات، إذ أن الحقیقة التی لا یمکن إنکارها إن الواقع العربی کان مُهیئاً تماماً لِکُل ما حصل، فالواقع المأساوی الذی کانت تعیشه الشعوب العربیة من تردی المستوى المعیشی والفساد المالی والإداری الذی بدأ یَنخر مؤسساتِ الحکم لعربیة إضافة الى الظلم والاستبداد وقمع الحریات والتفرد بالسلطة وغیرها، کلها عوامل مساعدة جعلت من الشارع العربی بیئة خصبة وجاهزة للتغییر، وَعُموماً یُمکِن أن نُصنِف الأسباب الداخلیة التی أدت الى الربیع العربی الى ثلاثة أسباب رئیسة، الأولى منها اقتصادیة واجتماعیة، أما الثانیة فهی سیاسیة، وتکمن الثالثة فی عوامل أسباب وعوامل ثقافیة .. وسنتناولها وفقاً لهذا التقسیم وکما یأتی:
اولاً: الأسباب والعوامل الاقتصادیة والاجتماعیة:
کان الاقتصـاد الدافـع والمحـرک الأساسـی لکل ثـورات الربیـع العـربی علــى اختـلاف الأسبـاب والظـروف التـی أدت لاشـتعالها. وبالرغم من الکم الهائل من المادة الإعلامیة والصحافیة التی کرست لتغطیة وتحلیل هذه الثورات إلا أنه کان هناک تعمداً فی إبعاد مسائل الاقتصاد، بوصفه أهم الأسباب الأساسیة التی کانت تقف وراء ظاهرة الربیع العربی، ویبدو أن ذلک لم یأتِ من فراغ بل هو ولید لتقلید عریق فی المنطقة العربیة یقوم على إبعاد مسائل الاقتصاد عن مجال التداول العام وشغل هذه المجالات بقضایا غالباً ما تندرج تحت إطار الإیدیولوجیة بشقیها الـسیاسـی والثقـافی. ومِن وجهة نظر متواضعة نرى: أنهُ وعلى الرغم مما یتمتع به الوطن العربی من إمکانیات اقتصادیة هائلة وعوامل ازدهار لشعوبها، فإن الأنظمة الحاکمة فی البلدان العربیة لَم تُفلِح فی الاستفادة من تلک الإمکانیات، أذ فشلت فی بناء بنى تحتیة متطورة مثلما أخفقت فی انتهاج سیاسة صناعیة او زراعیة ناجحة .. کما أخفقت هذه الأنظمة فی تحقیق تنمیة اقتصادیة صحیحة فانتشرت معدلات البطالة بنسب مخیفة وازدادت الفجوة بین الفقراء والأغنیاء وارتفعت معدلات الفقر بشکل متسارع وغابت الخدمات والمرافق العامة وأستشرى الفساد الإداری والمالی فی أوساط السلطات الثلاث (التشریعیة والتنفیذیة والقضائیة) أضِف الى ذلک تحول بعض الأنظمة ومن خلال أذرعها أو رموزها الى طبقات برجوازیة ومالکة جشعة هیمنت بشکل أو بآخر على کل مقدرات شعوبها, فی وقت نجحت فیه العدید من الدول (غیر العربیة) فی تحقیق التنمیة والتنمیة المستدامة والنهوض بالمستوى العلمی لمؤسساتها التعلیمیة والثقافیة والتربویة, أما عن العوامل والأسباب الاجتماعیة التی أدت الى ثورات الربیع العربی فإن الحقیقة المؤکدة إن عجز الدولة عن توفیر مستلزمات التعلیم وسُبل إنجاحه من شأنها أن تؤدی الى ازدیاد التخلف وتفشی الامیة ..إذ لازالت البلاد العربیة تعانی من تفشی الأمیة ونحن نعیش القرن الحادی والعشرون، فی وقت تکاد الأُمیة تکون قد انتهت فی الدول الأوربیة وتشیر الإحصائیات الى أن 40% من سکان الوطن العربی یعانون من الأمیة، کما شَهِدت المؤسسات التعلیمیة انحداراً وانخفاضاً شدیداً فی مستوى الأداء، وفی الوقت الذی کنا نجد فیه تَردیاً فی مُستوى المؤسسات التعلیمیة والصحیة والخدمیة فی البلاد بسبب قلة الإنفاق على هذه القطاعات،, فأن مما یؤسف له ان الدول العربیة کانت ولازالت تنفق الملیارات من الدولارات على المؤسسات العسکریة وصفقات التسلیح، وتُشیر الاحصائیات الى أن مقدار ما أنفقته دول الخلیج على التسلح بین عامی 2002_2003 قد وصل الى حدود 43% من إنفاقِها العام، وبالتأکید إن الکلام نفسه ینطبق على البلدان العربیة الفقیرة کمصر وسوریا والیمن..إن کل هذه الاسباب أدت الى تزاید نقمة الشعوب العربیة على أنظمتها الحاکمة، فبدأت الاحتجاجات تطفو على السطح فی هذا الحی أو تلک المدینة لتتحول الى اعتصامات وتجمعات صغیرة ثم ما لبثت أن توسعت شیئا ًفشیئاً لِتتحول الى مَسیرات ملیونیة غاضبة لم یَعُد بإمکان الانظمة العربیة ان تقف فی مواجهتها فکانت ثورات الربیع العربی.
ثانیاً : الأسباب والعوامل السیاسیة :
إن التجربة الطویلة للأنظمة العربیة الحاکمة جعلتها عرضة للرصد والتمحیص، فهی أنظمة لا تکاد تخرج عن التوجهات التقلیدیة، والمتمثلة بالقبضة الحدیدیة لهذه الانظمة، ویرى أهل السیاسة إن سلوکیات وثقافات وممارسات الحاکم العربی عموماً تعانی من الرکود والجمود، وعلى مدى عقود من الزمن تبدلت وتغیرت أنظمة عربیة عدیدة، غیرَ أن الملاحظ إن ما تغیر هو الشکل والشکل فقط، أما الجوهر فلم یخلتف عن سابقه فی شیء، فالحاکم العربی غارق فی طبیعته السلطویة والشخصیة والابویة، وهو غیر مستعد ان یتخلى عن الامتیازات السلطویة مها کلف الثمن، بل أن بعض الانظمة الحاکمة سعت وبشکل ملفت الى نقل السلطة الى الأبناء بکل الوسائل المتاحة، رغم ما کانت تشهده المنطقة من حراک ثوری عارم أودى بکثیر من هذه النظم الحاکمة الى ساحات المحاکم, ولهذا فلا غرابة ان تتهم الانظمة العربیة کل من یحاول او یبحث عن الإصلاح على انه عمیل أو جاسوس أو إرهابی او انه خارج عن ولی الأمر وعن طاعته ویعمل بتوجیه وأجندة خارجیتین. وهکذا سعت الأنظمة العربیة الحاکمة الى الحفاظ على استمراریتها بکل ما أوتیت من وسائل القهر والقوة، وبالـتأکید فأن هذه الوسائل القهریة ستؤدی الى انتهاک حقوق الأنسان وکبت الحریات والتنکیل بالمعارضین والزج بهم فی السجون والاستئثار بالسلطة وتحویل مؤسساتها الى نظام أشبه بالملکیة الفردیة، بعبارة أخرى إن الاستئثار بالسلطة کان سمة ولایزال سمة للعدید من الأنظمة التی تحکم البلدان العربیة، إذ لا وجود لشیء أسمه الدیمقراطیة فی فلسفة وأیدلوجیة هؤلاء إلا من حیث الظاهر، أما فی الباطن فهم یرون إن الدیمقراطیة هی مسألة دخیلة على مجتمعاتنا ذات الخصوصیة الأبویة التسلطیة، وهی مرفوضة إلا من باب دحر المزایدات الغربیة، ولهذا فقد برعت العدید من الأنظمة العربیة فی تقنیة الالتفاف على التجربة الدیمقراطیة وإفراغها من محتواها، وحتى فی الحالات التی شرعت فیها الأنظمة العربیة فی الانفتاح على مطالب الاصلاح السیاسی وإمعاناً منها على تجدید حکمها، فلم تکن سوى تحسینات شکلیة وسطحیة او ترقیعیة لم تغیر من جوهر السلطة التسلطیة فی شیء، ولم تضع حدا لاحتکار النخبة الحاکمة للسیاسة والثروة على حساب المجتمع. أن کل ما ذکرناه آنفاً یؤکد إن الأنظمة العربیة بقیت محافظة على أدواتها التسلطیة دون أی تغییر، وذلک للحیلولة دون أی اصلاحات حقیقیة تکون خطراً على بقائها فی السلطة، غیَر أنها مع کل ذلک ظلت استثناءً مَرغوباً لِلغَرب، وخاصةً الولایات المتحدة الامریکیة فی تناقض واضح وفاضح مع شعارات نشر الدیمقراطیة التی کانت ولازالت تتشدق بها.
ثالثاً: الأسباب والعوامل الثقافیة :
على مدى عقود طویلة من حکمها المستبد، جعلت الأنظمة العربیة الحاکمة من دولها سجوناً کبیرة ومغلقة لمواطنیها، فالثقافة یجب أن تُجیّر لصالح هذه الأنظمة وتوجهاتها، وان تنبع من فلسفة النظام السیاسی الحاکم مثلما ینبغی أن تصب فیه, ولهذا کان من الطبیعی جداً أن تهیمن الدولة على کل ما یتعلق بالثقافة،, فلا کتاب ولا جریدة أو مجلة تَصدُر على خلاف توجهات النظام، ولَطالما لَعِبَ مقص الرقیب الحکومی دوراً کبیراً فی وأد أفکار وکبح جماح أخرى، بمعنى ان أی نشاط ثقافی أو إعلامی ینبغی ان یمر من خلال رقابة قویة وصارمة لأجهزة النظام، هذا على النطاق الداخلی،, أما التواصل مع الخارج سواءً کان من خلال المؤتمرات أو الأنشطة الثقافیة الأخرى فذلک شأن یتعلق بالأمن القومی (من وجهة نظر الأنظمة الحاکمة) ولهذا فأن ما یدخل الى الدول العربیة من کتب ومؤلفات کان القلیل قِیاساً لما کانت تعج به دور النشر والمکتبات العالمیة،, وأی مؤلف أو کتاب أو مجلة تخالف توجهات الأنظمة أو تشم منها رائحة الحریة والدیمقراطیة یُمنَع بَلْ وَیُحرّم دخولها الى الدولة .. لقد شکلت عقدة التبعیة للأنظمة الحاکمة من أهم المسائل التی کان ولازال الاعلام العربی الرسمی یعانی منها, وغالباً ما یکون هذا الاعلام موجهاً لمواطنی الدولة بِهدف َتبنی توجهات وسیاسات النظام الحاکم، ویرى البعض إن الإعلام العربی هو اقصائی وتبریری یعید إنتاج الأزمة ویحولها الى مشکلة أو ربما أزمة قابلة للحوار، ویجعل من الدولة عنصرا محایدا فی هذا الحوار على أننا نجد انه مع تطور وسائل الإعلام الحدیثة وفی ظل الثورة الهائلة فی مجال للمعلوماتیة ووسائلها التکنولوجیة التی اجتاحت العالم، لَم یَعد الإعلام مجرد إیصال رسالة معینة إلى الجماهیر فی التنقیب عن المعلومات وإیصالها للآخرین، بل إن وسائل الأعلام اصبحت تُعدّ مصدراً أساسیاً للمعلومات والتی یبنی علیها المواطن مواقفه ویؤکد رأیه، وکذلک تقوم علیها اتجاهات الجماعات حیال الأحداث والمواقف السیاسیة والاجتماعیة الجاریة. لقد کانت الثورة الهائلة فی مجال المعلوماتیة نقطة تحول کبیرة فی حیاة الإنسان عموما والإنسان العربی على وجه الخصوص، إذ أصبح الانترنت وما وفره من کم هائل من المعلومات عاملاً مساعداً وقویاً فی اختصار المسافات واختزال الزمن, وأصبح بإمکان الانسان العربی عموما والشباب بوجه خاص أن یتعرف على ما یجری فی أرجاء المعمورة وفی لحظات دون عناء أو تعب، الأمر الذی مَکّنهُ من ان یطلع بشکل شبه یومی على مظاهر الدیمقراطیة وأجوائها ومؤسساتها التی تنعم بها الکثیر من الشعوب خاصة الغربیة منها، وأصبح یحس بعمق المعاناة التی یعیشها وهو یرزح تحت نیر أنظمة استبدادیة ودکتاتوریة، فأخذ یتطلع الى الخلاص مهما کان الثمن،, کما أن القنوات الفضائیة هی الأخرى لعبت دوراً کبیراً ومهماً فی تأجیج الشارع العربی وحثه بطریقة أو أخرى على الثورة والتحرر عبر البرامج الموجهة التی کانت تبثها على مدار الساعة أو من خلال نقل الأخبار وما یجری فی العالم لحظة بلحظة، أما مواقع التواصل الاجتماعی وفی مقدمتها (الفیس بوک والتویتر) فقد أدت هی الأخرى دورا ًکبیراً ومتمیزاً فی ثورات الربیع العربی، إذ أظهرت هذه الوسائل مِقدار الُهوة الکبیرة والفجوة الهائلة بین الانظمة العربیةَ والشباب العربی المتفتح. وبذلک فإن هذه المواقع قد جعلت من المواطن العادی مراسلاً صحفیاً نَشِطاً وفی شتى المیادین وباتَ یَنقُل الخبر أحیاناً أسرع من القنوات الفضائیة وَمُراسلیها، وأسهمت وسائل التواصل الاجتماعی کذلک فی تنسیق جهود المحتجین أو المتظاهرین من خلال التواصل لحظة بلحظة فیما بینهم، وبالتالی جعلت من هذه الثورات منظمة بطریقة یصعب على السلطات الحاکمة اختراقها، فجاءت هذه الثورات على غیر سابقاتها واضحة المعالم والأهداف والشعارات والزمان والمکان، فکانت تنطلق مظاهرات ملیونیة للعدد فی یوم الجمعة وبشعارات موحدة ک(الشعب یرید إسقاط النظام). وهکذا کانت وسائل الاتصالات الحدیثة والفضائیات ووسائل التواصل الاجتماعی عاملاً مُهِماً مِن عَوامل حصول ثورات الربیع العربی.
المبحث الثالث
عناصر الدولة فی ظل ثورات الربیع العربی
یَتفِق الفقهاء على ضرورة اجتماع ثلاث عناصر لتکوین الدولة،, وتتمثل هذه العناصر فی الشعب والإقلیم والحکومة،, وقد استقر هذا المبدأ فی القانون الدولی، کما إن المادة الأولى من اتفاقیة مونتیفیدو لعام 1933 والتی أبرمتها الدول الأمریکیة قد نصت على أنهُ (یجب لکی تعتبر الدولة شخص من أشخاص القانون الدولی أن تتوافر فیها الشروط الاتیة: أ. شعب دائِم، ب. إقلیم معین، ج. حکومة، د. أهلیة الدخول فی علاقات مع الدول الأخرى. وکما ذکرنا فی مقدمة البحث ان ثورات الربیع العربی کان لها أثراً کبیراً وبالغاً فی حیاة الشعوب العربیة وفی شتى المجالات، ومِن ثَمّ فإن الدولة من خلال عناصرها التی ذکرنا آنفا لم تَکُن بمنأى عن تأثیر هذه الثورات، فقد طرأت تغییرات کبیرة على عناصر الدولة، ولم تَعُد هذه العناصر کما کان علیه الحال قبل موجة ثورات الربیع العربی, وسنحاول فی هذا المبحث تسلیط الضوء على الآثار التی أحدثتها الثورات فی عناصر الدولة وکما یأتی:
المطلب الأول
الشعب بوصفه عنصراً من عناصر الدولة فی ظل ثورات الربیع العربی
یتکون شعب أی دولة من وطنیین یتمتعون بجنسیة الدولة، وتربطهم بها رابطة الولاء، وأجانب یوجدون على إقلیم الدولة لا تربطهم بها سوى رابطة التوطن أو الإقامة حسب الأحوال، إذن فالشعب هو(مجموع الافراد الذین یقطنون اقلیم الدولة، یعیشون ویعملون فوقه، بصرف النظر عن الأصل الذی ینحدرون منه، أو اللغة التی یتکلمونها، أو الدیانة التی یعتقدونها). کما یُعرِّف البعض الشعب على أنه (جمع من الافراد من الجنسین معاً، یقیمون بصفة دائمة فی إقلیم معین ویخضعون لسلطان دولة معینة ویتمتعون بحمایتها).. وفی ضوء التعریفات السابقة فأن ثمة تساؤلات ینبغی اثارتها هنا، وتتمحور حول عنصر الشعب، فهل إن عنصر الشعب (بعد ثورات الربیع العربی) بقی کما هو علیه الحال قبلَ هذه الثورات؟ وهل إن النسیج الاجتماعی لشعوب الدول التی حصلت فیها الثورات بقی متماسکاً کما کانَ علیهِ الحال سابقاً؟ وهل إن مکونات الشعب فی هذه الدول لازالت تخضع لسلطة واحدة وتتمتع بحمایتها؟ إن قراءة دقیقة ومتأنیة لِما حصل للشعوب العربیة تؤکد أن الوضع لم یعد کذلک، فلم یعد النسیج الاجتماعی للشعوب کما کان سابقاً، فالولاء أصبح للقومیة والعرق والطائفة والدیانة بدلاً من الولاء للوطن،, فعلى سبیل المثال وتحدیداً فی الأنموذج السوری، فإن الدولة السوریة الحدیثة (بعد الاستقلال) قامت على تحقیق أهداف السوریین فی التنمیة والعدالة وعلى الأصعدة کافة، وتحویل ولاء السوریین الى الوطن بدلاً من الولاء للدین أو العِرق أو الطائفة، غیر أن ما حصل من حراک ثوری للمطالبة بالإصلاح قد تطور الى نتائج لم تَکُن محسوبة أو تخطر على بال السوریین، فالحِراک تحول الى صِدام مع السلطة وسرعان ما تحول وأخذ شکل معارک عنیفة وصراع دموی أدى الى ضرب النسیج الاجتماعی فی الصمیم، إذ قامت بعض الفصائل باستخدام الدین أو الِعرق بوصفه مبرراً للتطرف والانتقام مستغلةً بذلک وَسائل التواصل الاجتماعی المختلفة. ولقد أدى الصراع الى انعدام سلطة الدولة وغیابها فی العدید من المحافظات والمدن، فلم یَعُد الشعب فی سوریا یخضع أو یدین بالولاء لسلطة واحدة (کما هو الحال فی مفهوم الشعب) الذی ذکرناه آنفاً، کما إن تصاعد حِدة النزاع بین مکونات الشعب الذی کان موحداً قد ادى الى هجرة مئات الالاف من السوریین الى الدول المجاورة وأوربا، ناهیک عن موجات النزوح الجماعی داخل الاراضی السوریة بحثا عن ملجأ آمن من الحرب ومآسیها. أما فی الیمن ساهم النظام السابق (نظام علی عبدالله صالح) فی تکریس عقلیة دولة القبیلة، وتغییب مفهوم دولة القانون من خلال اعتماده على شیوخ القبائل ووجهائها وتسلیحهم، وتخصیص بعض الموارد الاقتصادیة لحسابهم؛ مما ساهم فی تفکیک سلطة الدولة وإضعاف نفوذها، اضافة إلى تغذیة النزعة القبلیة لدى مکونات المجتمع الیمنی القبلی أصلاً، ومع اندلاع الاحتجاجات المطالِبة برحیل الرئیس "صالح"، التی شارکت فیها أحزاب المعارضة المنضویة فی إطار تکتل "اللقاء المشترک"، خرجت مسیرات ومظاهرات غاضبة فی أکثر من (17) محافظة، وقد تعاملت قوات الأمن وقوات الحرس الجمهوری بعنف معها, ویرجح أن أکثر من 500 متظاهر ومتظاهِرة سقطوا قتلى فی ذلک القمع، إضافة إلى آلاف الجرحى الذین أصیب معظمهم بعاهات وإعاقات دائمة، وَشِهدَ عام 2011، انفراطاً آخر لعقد تحالف قدیم بین "آل الأحمر" و"علی عبد الله صالح"، تمثل فی انضمام الشیخ صادق الأحمر زعیم قبیلة "حاشد" (کبرى القبائل الیمنیة، التی ینتمی إلیها "صالح" نفسه) إلى الثورة، وقد شهدت منطقة الحصبة فی صنعاء أسوأ المواجهات المسلحة بین القوات الموالیة لصالح والمسلحین القبلیین من أنصار الأحمر، وخلفت تلک المواجهات، عشرات القتلى والجرحى فی صفوف الطرفین، إضافة إلى دمار هائل فی مناطق القتال أدى إلى نزوح آلاف الأُسر من منازلها، وقد تطورت المواجهات لتشمل القوات العسکریة الموالیة والأخرى المنشقة، إن کل ذلک أدى الى الحاق أذى کبیر فی النسیج الاجتماعی للشعب الیمنی بل إنه مزق هذا النسیج وجعل أبناء الشعب الواحد یتقاتلون فیما بینهم متخندقین خلف ولاءات ومسمیات قبلیة أو طائفیة، بعیدة کل البعد روح الوحدة الوطنیة والولاء للوطن بوصفها من مقومات الشعب الواحد. وفی لیبیا کان حصاد ثورة فبرایر/شباط 2011 التی أدت إلى الإطاحة بحکم معمر القذافی سریعاً، إذ أدى إلى الصراعات السیاسیة وأفضت هذه الصراعات إلى حربٍ مسلحة بین فصائل مختلفة متعددة الأذرع العسکریة بتعدد الکیانات السیاسیة، إذ إن هؤلاء مرتبطون إما بمصالح مناطقیة لِمُدنَهم وقبائلهم وإما بتحالفات خارجیة؛ مما فسح المجال لأطراف إقلیمیة ودولیة بالتدخل فی الشؤون اللیبیة وإذکاء الصراعات الدائرة، وإعادة رسم خریطة التوازنات طبقاً لتقاطع المصالح بین الدول والأطراف التابعین لهم. وهکذا نجد حدوث شرخ کبیر فی النسیج الاجتماعی للشعب اللیبی، کما إن تعدد الفصائل التی تتصارع للهیمنة على مقالید الحکم قد شق صفوف اللیبیین بین مؤید لذلک الفصیل ومُعارِض له، فأنخرط العدید من اللیبیون فی هذه الفصائل (وکل حسب منطقته او عشیرته او ولاءه) لیدخلوا فی صراع دموی على السلطة ویتقاتلوا فیما بینهم ولیؤدی ذلک الى تفتیت الشعب اللیبی وانقسامه بشکل خطیر، هذا الشعب الذی کان الى وقتٍ قریب (قبل سقوط نظام القذافی) مُوحداً وُیدین بالولاء لسلطة واحدة تفرض سیطرتها على سائِر التراب اللیبی.
المطلب الثانی
الإقلیم بوصفه عنصراً من عناصر الدولة فی ظل ثورات الربیع العربی
المطلب الثالث
الحکومة (السلطة) بوصفها عنصراً من عناصر الدولة
فی ظل ثورات الربیع العربی
الخاتمـة
النتائج والمقترحات:
فی نهایة البحث لابد من تسجیل أهم النتائج التی توصلنا الیها ومن ثم المقترحات التی نجدها مناسبة على وفق ما یأتی:
اولا: النتائج:
10. کان لثورات الربیع العربی أثراً بالغاً فی عنصر الحکومة فی الدول التی حصلت فیها، إذ لم تعد الحکومات فی تلک الدول تفرض کامل هیمنتها وسیادتها على کل اقلیم الدولة بل خرجت عن نطاق السیطرة مناطق ومدن شاسعة استأثرت بإدارتها جماعات مختلفة إما عن طریق القوة أو بوسائل أُخرى وبتدخلات إقلیمیة ودولیة.
ثانیا :المقترحات :
1. قیام المجتمع الدولی متمثلاً بالدول والمنظمات الدولیة وفی مقدمتها الأمم المتحدة بواجبها الأخلاقی والقانونی تجاه البلدان التی حصلت فیها ثورات الربیع العربی وتقدیم العون لشعوب هذه الدول للمساعدة فی إعادة بناء الدول وفرض سیادة القانون والسیر فی إجراءات العدالة الانتقالیة ومراحلها تمهیداً لإجراء انتخابات دیمقراطیة ونزیهة تضمن وصول أنظمة دیمقراطیة الى سدة الحکم .
2. قیام جامعة الدول العربیة بدور حیوی وکبیر فی البلدان محل البحث وتقدیم المساعدات المالیة والفنیة والاقتصادیة لتحسین الأوضاع المعیشیة لشعوب هذه الدول .
3. تشجیع ابناء الشعوب الذین هاجروا أو نزحوا من مناطق سکناهم على العودة الى أوطانهم وأن ذلک لن یتحقق إلا من خلال تحسین الأوضاع الأمنیة والمعیشیة والسیاسیة لهذه الدول.
4. قیام الأطراف الإقلیمیة والدولیة بالتوقف عن تأجیج الصراعات فی هذه الدول والامتناع عن دعم أطراف على حساب اخرى، والکف عن التدخل فی شؤون هذه الدول والعمل على ضرورة جمع الأطراف المتناحرة والمتنازعة للتفاوض والوصول الى تسویات عادلة تکفل وتضمن حقوق الجمیع، وأن تکون تدخلات الأطراف الإقلیمیة والدولیة بالقدر الذی یُساعد هذه الدول على تجاوز محنتها والعیش بأمن وسلام .
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: Books in Arabic
a. Dictionaries:
1. Jamal al-Din bin Manzoor, San'a al-Arab, Dar al-Ma'arif, Cairo, b
B. Legal and Political Books
1. Dr. Ibtisam al-Kutbi et al., Democracy and Democratic Development in the Arab World, Series of Future Arab Books (30), Center for Arab Unity Studies, Beirut 2004
2. Dr. Ibrahim Abdulaziz Sheha, Constitutional Law, Analysis of the Egyptian Constitutional System in Light of the General Constitutional Principles, University House for Printing and Publishing, Beirut 1983.
3. Dr. Tharwat Badawi, Political Systems, C1, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1964.
4. Gamal Abdel Nasser, The Philosophy of Revolution, Beit El Arab for Modern Documentation, Cairo, 1996.
5. Dr. Hamid Hanoun, Principles of Constitutional Law and Development of the Political System in Iraq, Vol. 2, Ministry of Higher Education and Scientific Research, University of Baghdad, Faculty of Law, 2012.
6. Dr. Khairuddin Hassib, The Arab Democratic Spring: Lessons Learned, Al-Mustaqbal Al-Arabi, Issue 386, April 2011.
7. Dr. Rabie Nasr and others, Syrian crisis, roots and economic and social effects, Syrian Center for Policy Research, Damascus, 2013.
8. Dr. Zine El-Din Shehata, Maryam Wahid, Engines of Change in the Arab World, Al-Seyassah International Magazine, Cairo Issue 184, April 2011.
9. Dr. Shaaban Eltaher El Aswad, Political Sociology: Issues of Political Violence and Revolution, Cairo, Egypt, 2003.
. Dr.. Salah Eddin Amer, Introduction to the study of general international law, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 2007.
11. Dr. Abdul Hai Ali Kassem, The Common Features of Arab Systems and their Interaction with the Revolutionary Variant, The Arab Future Series, 67, Center for Arab Unity Studies, Beirut, 2013.
12. Dr. Abdul Aziz Ramadan Ali Al-Khatabi, Changing Governments by Force, New University House, Alexandria, Egypt, 2013.
13. Dr. Abdel-Halim Mohamed, The Egyptian Revolution Between the Interim Period and the Palestinian Cause, I 1, Jazira Al Ward Library, 2011.
14. Dr. Abdel Ghani Bassiouni Abdallah, Political Systems and Foundations of Political Organization, University House, Beirut, 1984.
15. Dr. Abdul Karim Alwan, Political Systems and Constitutional Law, Dar Al Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman, 2009.
16. Dr. Abdel Wahab Kayyali, Political Encyclopedia, (Beirut: The Arab Institution for Studies and Publishing, Part I 1979.
17. Dr. Essam Al-Attiyah, International Public Law, 1, Al-Sanhoury Library, Baghdad, 2014.
18. Dr. Issam Ali Aldbs, Constitutional Law, House of Culture for Publishing and Distribution, Amman, 2011.
19. Dr. Mohammed Abdul Razzaq Al-Dulaimi, Arab Media, the pressures of the present and the challenges of the future, Dar Al-Masirah for publication and distribution, 1, Amman, 2011.
20. Dr. Mohamed Abdo Imam, Al-Wajeez in Explaining Constitutional Law, University Thought House, Alexandria, 2008.
21. Dr. Mahmoud Helmy, General Constitutional Principles, House of Culture and Publishing, Cairo 1964.
22. Dr. Nouri Latif, Constitutional Law, Constitutional Order in Iraq, Freedom House for Printing, Baghdad, 1976.
Second: translated books and sources
1. Gilbert Ashkar, The Burning East: The Middle East in the Marxist Perspective, Said al-Azm, Dar al-Saqi, Beirut, 2004.
2. David Patel, et al., Exploration and Exploration, Explaining the Causes of Arab Uprisings, A New Political Perspective in the Middle East, edited by Mark Lynch, Publishing Company for Distribution and Publishing, 1 st, Beirut 2016.
3. Crane Prenton, Dissection of the Revolution, translated by Samir Chalabi, d. Ghazi Bazou, Dar Al-Farabi, Beirut 2009.
4. Yuri Krazin, The Science of the Revolution in Marxist Theory, (translated by Samir Karam), Beirut: Dar al-Tali'ah, 1975.
Third: Foreign Books:
1. The Design and the Destruction of Socialism and the State: New York: Cambridge University Press, 1999, p43
Fourth: Unsubstantiated University Papers:
1. Mohammed Al-Mansour, The Effect of Social Networking on Recipients' Audience (Comparative Study) for Social Sites and Websites, Arabic Model, Master Thesis published by the Arab Academy in Denmark, 2012.
Fifth: Periodicals:
1. Dr. Ahmed Boudraa, The Failure of the Arab Spring Revolutions, Journal of Political Studies and International Relations, No. 11 October 2017,
2. Dr. Fawzia Al-Attiyah, Sociology of Revolution and the Characteristics of Revolutionary Society, Journal of the Faculty of Arts, University of Baghdad, No. (24), 1979.
3. Muhammad Kanush Al-Shara'a, The Problems of Political Transitions in Yemen, Opportunities and Challenges, Al-Manara Magazine, vol. 19, No. 4, 2013.
VI. International resolutions and documents:
1. The resolution of the League of Arab States No. 7446 dated 12 February 2012, which was received by the Secretary-General of the United Nations and then in turn submitted to the UN Security Council under the Memorandum No. s / 142/2012 on 8/3/2012.
Seventh: The global network of information technology (Internet)
1. Abu Hamza al-Khattawani, Map of political forces in Libya, article published in the weekly Al-Siyassa newspaper, issue 10/4/2018.
http://www.alraiah.net/index.php/political- analysis / item / 2622
2. Ahmad Al-Taylawi, The Implications of the Yemeni Crisis on the Saudi Regime, published by the Egyptian Institute for Political and Strategic Studies, August 20, 2018.
3. Mona Safwan, Report of the Security Council Experts on Yemen, Observers' Site, https://www.moragboonpress.net/art1902.htm
4. Mahdi Darius, Alaeddin Abu Zeina, Plans to redraw the Middle East, the new Middle East project: www.alghad.com .articiles157121
5. Online Policy magazine .. Website:
http://foreignpolicy.com/2011/01/06/obamas-arab-spring/
6. Adel Al-Safti, Arab Spring What does it mean, an article published on the Internet on Al-Arabiya website:
http://www.alarabiya.net/views/2011/08/05/160884.htmDate of visit 16/3/2018.
7. Sadeq Ali Hassan, Libya, between the power struggle and the fragmentation of the state, Al Bayan Center for Studies and Planning, published on the Internet and on the website:
http://www.bayancenter.org/2016/08/2391/#_ftn9Date of visit 4/4/2018.
8. What do you know about Rouge Ava, the site seven years later, what does the military map look like in Syria: https://www.syria.tv/content
9. Libya Map of military forces, article published on the site:
http://www.aljazeera.net/programs/newsreports/2018/2/17
10. The new military map showing the control of Marshal Hafer: an article published online on the page:
https://www.eremnews.com/news/arab-world/924047
11. Mona Safwan, Map of Yemen Fragmentation signs and the emergence of states and armies, research published on the site:
https://www.raialyoum.com/index.php
12. League of Arab States declares recognition of the Syrian coalition, a legitimate representative, the site of Al-Jazeera:
http://www.aljazeera.net/news/arabic/2012/11/1
13. Moscow: Syrian regime loses control of the country "more and more". An article published on Al-Rai newspaper http://alrai.com/article/556903.html
14. The Gulf States withdraw their ambassadors from Damascus and expel Syria's accredited ambassadors. News published on the echoes of the Arabs: https://www.assdae.com/11235
15. Wafa Lutfi, The Revolution and the Arab Spring: Theoretical Perspective, Research published at http.org.uk/markaz/d-21-05-2012.pdf
16. Gebran Saleh Ali Hermel, The Revival of the Arab Spring: An Analytical View in the Light of the Theory of Revolutions (Reality and Future Scenarios), Research published in Al-Hawar Al-Madinah Al-E-mail Issue No. 4068, 20/4/2013,www.ahewar.org.355286.
17. Hilmi Moussa, The Popular Intifada between the Forms of Struggle and the Methods of Struggle, article published on the Internet at:
http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/118a0c3c-ac39-4dcb-9a8c-9270cf258e52
18. Mr. Abdel Hamid Almshawadi, What is the revolution and what are the reasons for its establishment, an article on the link http: //www.shbabmis
19. What do you know about Rouge Ava, Location:
http://www.orient-news.net/en/news_show/89432
20. Atef al-Saadawi, Color Revolutions in Central Asia, The Failure of the American Model of Change, Center of Civilization for Strategic Studies, www.hadaracenter.com