الملخص
تلعب السلطة التقدیریة للقاضی دورا مهما فی مسائل الإنابة القضائیة الدولیة عندما یتطلب الأمر منه اتخاذ اجراء من اجراءات الإثبات خارج دائرة اختصاصه وخارج اختصاصه الدولی کوجود الشاهد او الخصم فی مکان خارج اختصاص القاضی المکانی. فما هی مدى السلطة التقدیریة الممنوحة للقاضی عند الحکم فی المسألة المعروضة امامه سواءً کان الحکم المتعلق بإجراء الإثبات صادراً من قبله ام من قبل القاضی الأجنبی؟ وقد تعددت الآراء الفقهیة فی هذا الموضوع واتسعت الإتفاقیات الجماعیة والثنائیة فیه مع قلة التشریعات القانونیة التی عالجت موضوع الإنابة القضائیة الدولیة بشکل عام وسلطة القاضی التقدیریة فی مسائلها بشکل خاص.
الموضوعات
أصل المقالة
سلطة القاضی التقدیریة فی مسائل الإنابة القضائیة الدولیة-(*)-
The power of the discretionary judge in matters of international judicial adjudication
خلیل إبراهیم محمد زینة حازم خلف الجبوری کلیة الحقوق/ جامعة الموصل کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Khalil Ibrahim Muhammad Zeina Hazem Khalaf Al-Jubouri College of law / University of Mosul College of law / University of Mosul Correspondence: Khalil Ibrahim Muhammad E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 31/12/2013 *** قبل للنشر فی 10/3/2014.
(*) Received on 31/12/2013 *** accepted for publishing on 10/3/2014.
Doi: 10.33899/alaw.2018.160782
© Authors, 2018, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
تلعب السلطة التقدیریة للقاضی دورا مهما فی مسائل الإنابة القضائیة الدولیة عندما یتطلب الأمر منه اتخاذ اجراء من اجراءات الإثبات خارج دائرة اختصاصه وخارج اختصاصه الدولی کوجود الشاهد او الخصم فی مکان خارج اختصاص القاضی المکانی. فما هی مدى السلطة التقدیریة الممنوحة للقاضی عند الحکم فی المسألة المعروضة امامه سواءً کان الحکم المتعلق بإجراء الإثبات صادراً من قبله ام من قبل القاضی الأجنبی؟ وقد تعددت الآراء الفقهیة فی هذا الموضوع واتسعت الإتفاقیات الجماعیة والثنائیة فیه مع قلة التشریعات القانونیة التی عالجت موضوع الإنابة القضائیة الدولیة بشکل عام وسلطة القاضی التقدیریة فی مسائلها بشکل خاص.
Abstract
The judge's discretionary power plays an important role in matters of international judicial delegation when it is required of him to take probative procedures outside his jurisdiction and outside his international jurisdiction , such as when the witness and the opponent exist in a place outside the judge's area of place jurisdiction . What is the extent of discretionary power granted to the judge when rendering judgment in the case presented to him , whether the probative procedure –related judgments is rendered by him or by a foreign judge? The juristic opinions are numerous have expanded regarding it whit the dearth of legislation tackling the subject of international delegation generally and the judge's discretionary power in cases related to it in particular .
المقدمـة
عندما ینظر القاضی فی الدعوى سواء کانت وطنیة بحتة أم مشوبة بعنصر أجنبی، فانه قد یواجه مشکلة الحاجة إلى اتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات خارج دائرة اختصاصه سواء اختصاصه الداخلی المکانی أم الدولی، فمثلاً قد یوجد الشاهد المطلوب الذی اخذ شهادته، أو الخصم المطلوب استجوابه، أو المال المطلوب معاینته، خارج دولة القاضی أو فی دولته ولکن خارج دائرة اختصاصه، مع وجود سبب یمنع حضور الشاهد أو الخصم أو جلب المال إلى مکان المحکمة، لاتخاذ ذلک الإجراء. فعلى القاضی فی هذا الصدد أن یوفق بین اعتبارین متعارضین هما:
الأول: ضرورة التحقق من ادعاءات الخصوم والاستجابة إلى طلباتهم التی تتعلق بتقدیم أدلتهم، وعدم إهدار أی طلب أو دفع مستند إلى دلیل وعدم حرمان أی خصم من حقه فی الإثبات حتى لو کان ذلک یتطلب اللجوء إلى مساعدة محکمة أخرى مختصة مکانیاً أو دولیاً.
والثانی: عدم السماح للخصم بإطالة أمد النزاع بالتعسف فی استعمال حقه فی الإثبات، فی التعمد باللجوء إلى طلب التحقق من بعض الأدلة خارج نطاق اختصاص القاضی المکانی أو الدولی، لتعقید النزاع وإطالة أمده من دون أن یکون لتلک الأدلة ضرورة حقیقیة فی إکمال قناعة القاضی والحصول على حکمه فی الدعوى.
إن سماع الشهادة أو استجواب الخصم من قاض آخر غیر الذی ینظر فی الدعوى بأصل الحق، یحرم القاضی من إمکانیة تقدیر الشهادة من الناحیتین الموضوعیة والشخصیة لأنه لم یرى الشاهد أو الخصم بنفسه بل وصلته الشهادة مکتوبة.
وسنحاول فی هذا البحث أن نبین بالنصوص القانونیة الواردة فی القوانین العراقیة، وبعض النصوص المقارنة، والاتفاقیات الدولیة، مدى السلطة التقدیریة الممنوحة للقاضی فی هذا الشأن للتوفیق بین الاعتبارین المذکورین، وتحقیق العدالة، وتقلیل الوقت والجهد والنفقات فی الدعوى.
تعنى السلطة التقدیریة بشکل أساس، أن للقاضی فی المسالة المعروضة حریة فی اتخاذ قرار ما على نحو معین، فان کان ملزماً بأن یتخذ قراره على نحو معین عند تحقق أمر معین عندئذٍ لا یکون للقاضی سلطة تقدیریة ویکون قراره معرض للنقض إذا لم یتخذ الموقف الذی حدده القانون، وهذا هو المقصود الأساس بالتمییز بین مسائل الواقع ومسائل القانون ولا یمکن للقانون أن یحدد مسائل الواقع بشکل کامل ویحدد أحکامها بشکل مطلق لاستحالة ذلک، ویکون عمل القاضی بعیداً البعد کله عن أن یکون مشابهاً لعمل آلة تستقبل معطیات معینة وتعطی نتائج معینة، بل یعتمد عمله على التقدیر والاقتناع فی کثیر من الأمور التی من المستحیل أن یحددها القانون، ومما یتضح من التعریف السابق أیضاً.
یتطلب البحث فی هذا الموضوع یتطلب بیان ماهیة السلطة التقدیریة للقاضی فی مسائل الإنابة القضائیة الدولیة أولاً، ثم بیان محل الإنابة القضائیة الدولیة و سلطته التقدیریة فیها ثانیاً وکذلک تنفیذ الإنابة القضائیة الدولیة، ثالثاً لذا سیکون تقسیم البحث على وفق الآتی:
المبحث الأول: ماهیة سلطة القاضی التقدیریة فی مسائل الإنابة القضائیة الدولیة.
المبحث الثانی: محل الإنابة القضائیة الدولیة وسلطة القاضی التقدیریة فیه.
المبحث الثالث: سلطة القاضی التقدیریة فی تنفیذ الإنابة القضائیة الدولیة.
المبحث الأول
ماهیة سلطة القاضی التقدیریة فی مسائل الإنابة القضائیة الدولیة
یتطلب البحث فی موضوع سلطة القاضی التقدیریة فی مسائل الإنابة القضائیة الدولیة فی البدء التعریف بسلطة القاضی التقدیریة، والتعریف بالإنابة القضائیة الدولیة، وبیان طبیعتها، وهو ما سنفصله فی هذا المبحث على وفق المطالب الآتیة:
المطلب الأول
التعریف بسلطة القاضی التقدیریة
السلطة لغة مأخوذة من التسلط والسیطرة والتحکم. أی الحجة، ومنه قوله تعالى: (هَلَکَ عَنّی سُلطَانِیة). والسلطان قدرة الملک. أما التقدیر لغة فهو مأخوذ من قَدر, یقدر, ویقدر, ویقصد به التروی والتفکر فی تسویة أمر وتهیئته.
ویتضح بعد الجمع بین المفهومین أن السلطة التقدیریة هی الصلاحیة التی یمارسها من منحت له للقیام بتقدیر أمر ما، بالتفکیر فیه وتهیئته، والتدبر فیه، بحسب نظر العقل ومقاییسه على أمور أخرى.
وهی فی الاصطلاح القانونی نشاط ذهنی یقوم به قاضی الموضوع بالاختیار بین قرارات عدة لإنزال احدها على واقع النزاع المطروح.
وتعرف أیضاً بأنها الحریة المتروکة للقاضی بمقتضى القانون صراحة أو ضمناً، باختیار الحل الأنسب والأقرب إلى الصواب من بین حلول أخرى، ویکون مجالها فی النص القانونی کلما استعمل هذا النص کلمات مثل یمکن, یحق, أو یجوز للقاضی أن... الخ.
وفی مجال الإثبات –وهو من المسائل التی ترد علیها الإنابة القضائیة- فللقاضی الحق فی أن یأمر من تلقاء نفسه باتخاذ ما یجد اتخاذه من إجراءات الإثبات، حتى یتمکن فی هذا الإثبات أن یکون اقتناعه، وله الحریة بان یأمر بإجراءات أخرى من إجراءات الإثبات، وعند الحکم تبقى له الحریة التامة فی استخلاص قضائه من طرق الإثبات جمیعها مما أمر به وما کان فی ملف القضیة من مستندات وقرائن. وهذا یشمل الإنابة القضائیة أیضاً.
المطلب الثانی
التعریف بالإنابة القضائیة الدولیة
الإنابة لغة من نوب: إقامة الغیر مقام النفس فی التصرف. وجاء فی لسان العرب، نابَ لَزِمَ الطاعة، وأَنابَ تابَ ورجَعَ، وفی حدیث الدعاءِ وإِلیک أَنَبْتُ، الإِنابةُ الرجوعُ إِلى اللّه بالتَّوبة وفی التنزیل العزیز (مُنِیبین إِلیه) أَی راجعین إِلى ما أَمَرَ به غیر خارجین عن شیءٍ من أَمرِه، وقوله عز وجل (وأَنِیبُوا إِلى ربِّکُم وأَسْلِمُوا له) أَی تُوبوا إِلیه وارْجِعُوا.
والإنابة: الرجوع إلى اللَّه بالتَّوبة یقال: أناب یُنیب إنابةً فهو منیب إذا أقبل ورجَع.
وتعرف الإنابة القضائیة بشکل عام بأنها "إنابة أمر الاستجواب، والاستخلاف، والاستشهاد، بمحکمة أخرى یقطن الخصم أو الشاهد فی دائرة قضائها لضرورة ملجئة اقتضت ذلک".
وتعرف الإنابة القضائیة الدولیة بأنها: "تفویض بمقتضاه تنیب سلطة قضائیة بمناسبة دعوى مرفوعة أمام المحکمة إلى سلطة أخرى قضائیة أو دبلوماسیة بقصد القیام بجمع أدلة الإثبات أو الاستدلالات أو انجاز تحقیق یقتضیه الفصل فی النزاع المعروض أمامها وتعذر علیها بطبیعة الحال أن تقوم به بنفسها".
ویعرفها جانب من الفقهبأنها تعنی: "أن تستنیب سلطة قضائیة بمناسبة دعوى منظورة أمام محاکمها سلطة أخرى قضائیة أو دبلوماسیة تابعة لدولة أجنبیة للقیام بجمع أدلة الإثبات أو انجاز تحقیق یقتضیه الفصل فی النزاع المعروض علیها ویتعذر علیها أن تقوم به بطبیعة الحال بنفسها".
وقد تم تعریف الإنابة القضائیة الدولیة بأنها طلب یقدم من السلطة القضائیة المنیبة إلى السلطة المنابة قضائیة کانت أم دبلوماسیة أساسه التبادل باتخاذ إجراء من إجراءات التحقیق أو جمع الأدلة فی الخارج وکذا أی إجراء قضائی آخر یلزم اتخاذه فی المسألة المثارة أو المحتمل إثارتها فی المستقبل أمام القاضی المنیب لیس فی مقدوره القیام به فی نطاق دائرة اختصاصه.
وقد ورد تعریف الإنابة القضائیة فی قانون تنفیذ الأحکام والإنابات فی محاکم الأردن رقم (61) لسنة 1951 إذ جاء فی المادة (2/ب) بأنه یقصد بالإنابة القضائیة إنابة محکمة أخرى فیما یأتی: "فی القضایا الحقوقیة, تحلیف الیمین, وضع الحجز التحفظی والإجرائی, تبلیغ مذکرات الدعوة ومذکرات الجلب واستماع شهادة الشهود فی القضایا الجزائیة, وتبلیغ مذکرات الجلب للاظناء والشهود".
أما على نطاق الاتفاقیات الدولیة الجماعیة والثنائیة، فنذکر ما جاء فی بعض هذه الاتفاقیات بخصوص الإنابة القضائیة، فی اتفاقیة التعاون القضائی والمدنی والجزائی والتجاری بین العراق وترکیا لسنة 1946 بأن "للسلطات القضائیة فی إحدى الدولتین المتعاقدتین استنابه السلطات المختصة فی الدولة الأخرى". وجاء لفظ الإنابة هنا بلفظ الاستنابة وهو اختلاف من الناحیة اللغویة فحسب، إلا انه یصب فی المعنى والمضمون نفسیهما.
وجاء فی اتفاقیة الإعلانات والإنابات القضائیة لسنة 1953 على انه " لکل من الدول المرتبطة بهذه الاتفاقیة أن تطلب إلى أیة دولة منها أن تباشر فی أرضها نیابة عنها أی إجراء قضائی متعلق بدعوى قید النظر وذلک وفقاً لأحکام المادتین التالیتین".
وجاء فی اتفاقیة الریاض العربیة للتعاون القضائی لسنة 1985 فی الباب الثالث منها فی مجال الإنابة القضائیة بأن "لکل طرف متعاقد أن یطلب إلى أی طرف متعاقد آخر أن یقوم فی إقلیمه نیابة عنه بأی إجراء قضائی متعلق بدعوى قائمة وبصفة خاصة سماع شهادة الشهود وتلقی تقاریر الخبراء ومناقشتهم وإجراء المعاینة وطلب تحلیف الیمین".
وجاء فی اتفاقیة تنفیذ الأحکام والإنابات والإعلانات القضائیة بدول مجلس التعاون لدول الخلیج العربیة لسنة 1995 بان "لکل دولة عضو أن تطلب من أی من الدول الأعضاء أن تقوم فی إقلیمها نیابة عنها بأی إجراء قضائی...".
ولم تعین التعریفات السابقة حدود السلطة التقدیریة للقاضی فی اتخاذ إجراءات الإنابة القضائیة الدولیة, لکن اتفقت هذه التعریفات کلها على أن اللجوء إلى الإنابة القضائیة لا یکون إلا فی حالة عدم قدرة المحکمة على اتخاذ الإجراء لأنه خارج نطاق اختصاصها المکانی أو الدولی کما ذکرنا ولهذا فلا بد من البحث فی الطبیعة القانونیة للإنابة القضائیة الدولیة لان تحدید هذه الطبیعة هو الذی یحدد القواعد القانونیة التی تحکمها بالنسبة للجوانب التی لم ینظمها المشرع عند تنظیمه للإنابة القضائیة الدولیة وهذا ما سنبحثه فی المطلب التالی.
المطلب الثالث
الطبیعة القانونیة للإنابة القضائیة الدولیة
اختلف الفقه فی تحدید طبیعة الإنابة القضائیة الدولیة، فقد قیل بان الإنابة القضائیة هی نیابة مدنیة أو وکالة مدنیة والتی هی احد تطبیقات النیابة وتعرف النیابة المدنیة بأنها حلول إرادة النائب محل إرادة الأصیل مع انصراف الأثر القانونی فی هذا التصرف إلى شخص الأصیل کما لو کانت الإرادة قد صدرت منه هو. وتعرف الوکالة بأنها عقد یقیم به شخص غیره مقام نفسه فی تصرف جائز معلوم. ویتضح من ذلک أن النیابة تنصرف على حلول إرادة النائب محل إرادة الأصیل فی التعبیر عن الإرادة أما فیما یتعلق بأثرها وتحمل الالتزامات وترتیب الحقوق فهی تنصرف إلى الأصیل.
ترتبط النیابة عادة بعقد بین النائب والأصیل وغالباً ما یکون عقد وکالة، ومن هنا نشأ خلط بین النیابة المدنیة والوکالة المدنیة، ونجد الفقه الحدیث أن النیابة المدنیة وان کثر اجتماعهما مع الوکالة أو مع غیرها من العقود تتمیز عنها بطبیعتها ولا تختلط بها والفرق الجوهری بینها وبین الوکالة أن هذه الأخیرة عقد تبادلی یستلزم توافق إرادتین مؤداه التزام الوکیل بالقیام بعمل قانونی لحساب الموکل، أما بالنیابة المدنیة فإنها تتم بإرادة منفردة وهی إرادة الأصیل یسبغ مقتضاها على النائب صفة النیابة فیمکنه القیام بتصرف قانونی تعود آثاره على الأصیل من دون النائب.
وترد النیابة المدنیة والوکالة المدنیة على التصرفات القانونیة, فی حین أن إجراءات الإثبات التی یتم اتخاذها بالإنابة القضائیة لا یمکن أن تعد تصرفات قانونیة, وتحل إرادة النائب أو الوکیل محل إرادة الأصیل، فی حین لا تحل إرادة القاضی المناب محل إرادة القاضی المنیب بل انه یتخذ إجراءً محدداً نیابة عنه فحسب ولکل منهما سلطته التقدیریة.
وهناک من یجد بأن الإنابة القضائیة هی تفویض بالاختصاص، بأن یعهد صاحب الاختصاص الأصیل بجزء من صلاحیته إلى شخص آخر للقیام بها فی فترة محددة بقرار التفویض, فهو من جانب یخفف العبء عن صاحب الاختصاص الأصیل، أو یقوم بنقل جزء من اختصاصه فی مسألة معینة إلى أحد مرؤوسیه أو جهة أو هیئة ما, یؤدی من جانب آخر إلى تحقیق السرعة والمرونة فی أداء الأعمال مما یسهل على الأفراد قضاء مصالحهم.
وقد یتشابه التفویض بالاختصاص مع الإنابة القضائیة فی ضرورة وجود الاختصاصات، إلا أن الاختلاف بینهما یبدو واضحاً من حیث أن التفویض بالاختصاص یرمی إلى تحقیق المصلحة العامة لتمکین الأصیل من تفویض بعض اختصاصاته بصفة مؤقتة, لتخفیف الأعباء الملقاة على عاتقه، وتهدف الإنابة القضائیة إلى الکشف عن الحقیقة لإحقاق الحق بین الفرقاء لحسن سیر العدالة فی مرفق القضاء، ویختلفان من حیث المحل إذ یقوم المحل فی التفویض الإداری بمهمة إداریة، فی حین أن محل الإنابة القضائیة بوصفه أصلاً عاماً هو إجراء من إجراءات التحقیق یتم بعیداً عن دائرة اختصاص المحکمة المنظورة أمامها الدعوى، وحتى بالنسبة للشکل فان کان کلاهما یشترطان الکتابة إلا انه فی الإنابة القضائیة یشترط أن یصدر قرار بها، وقد یکون التفویض بالاختصاص شفویاً.
لذا یفسر هذا الاختلاف باختلاف طبیعة الإنابة القضائیة عن التفویض بالاختصاص، إذ قد تکون الإنابة القضائیة إجراءً من إجراءات التحقیق یستهدف الکشف عن الحقیقة والبحث عن الأدلة الضروریة کافة واللازمة لمعرفة مدى صلاحیة عرض الأمر على القضاء. وقد انتقد هذا الرأی لان الإنابة القضائیة لا تعد بذاتها إجراء من إجراءات التحقیق بل هی وسیلة لتسهیل الحصول على هذه الشهادة أو ذلک الاستجواب.
ویرجح الفقه الرأی الذی یجد بأن الإنابة القضائیة ویکون الحکم التمهیدی، الحکم الصادر باتخاذ إجراء أو أکثر من إجراءات الإثبات، وهو حکم غیر قطعی یتعلق بإثبات الدعوى. والسبب فی تکییف الإنابة القضائیة أنها حکم تمهیدی لتماثل الصور الذی یتخذها الحکم التمهیدی مع صور الإنابة القضائیة، کالحکم التمهیدی الصادر بندب خبیر أو أکثر لتقدیم تقریر حول مسألة فنیة أو علمیة لا یفترض فی القاضی العلم بها، والأمر بإحضار الخصوم شخصیاً لاستجوابهم، والأمر بمعاینة الشیء المتنازع فیه، وبسماع شهادة شاهد تفید فی الفصل فی الدعوى، وتوجیه الیمین الحاسمة والیمین المتممة، وهذه کلها صور یمکن أن تکون محلاً للإنابة القضائیة کما سنرى.
وتخضع قواعد الحکم التمهیدی لما تخضع له الإنابة القضائیة، إذ یجوز للمحکمة أن ترجع عن الحکم التمهیدی، فللمحکمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات. إذ یتفق العدول عن الأحکام التمهیدیة مع طبیعتها لأنها لا تقطع النزاع، ولا تحدد مراکز الخصوم مؤقتاً أو نهائیاً.
وفی مجال الإنابة القضائیة یتمتع القاضی بسلطة تقدیریة فی إصدار قرار الإنابة القضائیة، بحسب تقدیرها متى و ضرورتها للفصل فی الدعوى المنظورة أمامها، فیکون له تقدیر ما سیعود على الدعوى، وسرعة الفصل فیها فی اللجوء إلیها، أو عدم اللجوء إلیها، إذا یجد أنها ستؤدی إلى طول الإجراءات وتأخیر صدور القرار القضائی، أو أن یکون الإجراء الذی سیتم سوف قاصراً وغیر وافٍ، آو سینفذ على غیر النحو الذی أراده لتکوین اقتناعه.
ولا یخضع الحکم التمهیدی للقاعدة العامة بتسبیب الأحکام، فکما هو معلوم فان الحکم القطعی یجب أن یکون مسبباً. فی حین لا یخضع الحکم التمهیدی للتسبیب لأنه غیر قابل للطعن فیه، ولا تتضمن قضاءً قطعیاً فی أصل النزاع.
وفی مجال الإنابة القضائیة اختلف الفقه حول تسبیب رفض القاضی المنیب طلب الإنابة إلى آراء ثلاثة هی:
الأول: یجد انه طالما أن القاعدة العامة تقضی بإعفاء الأحکام الصادرة بإجراءات الإثبات من التسبیب، فإنها أیضاً تسری على الأحکام التی ترفض اتخاذ إجراء أو أکثر من إجراءات الإثبات، إذ انه لا یجوز تسبیب هذه الأحکام اکتفاءً بمنطوق الحکم وحده، ما دام الحکم غیر قطعی، وقیل فی تسویغ ذلک بتوفیر وقت وجهد القضاة مما یساعدهم فی الإسراع فی الفصل فی القضایا.
الثانی: یجد أن التسبیب یتوقف على أسباب الرفض، فإذا بنی الرفض على أساس أن الوقائع المراد إثباتها غیر مقبولة، أو انه لا یجوز الإثبات بالطریق الذی طلبه الخصم فانه یلزم تسبیب الرفض فی هاتین الحالتین، أما إذا بنی الرفض على أساس اکتفاء المحکمة بالأدلة المقدمة فی الدعوى، أو لان الوقائع المدعاة لا تتعلق بالدعوى، أو غیر منتجة، فلا یلزم تسبیب مثل هذا الحکم.
الثالث: یجد انه یجب تفسیر القاعدة التی تقضی بعدم جواز تسبیب الأحکام الصادرة بإجراءات الإثبات تفسیراً ضیقاً، فتطبق على الحکم الصادر فحسب برفض إجراءات الإثبات کالحکم الصادر برفض الإحالة إلى خبیر أو استجواب احد الخصوم، أو سماع شهادة شاهد، ویجب أن تخضع مثل هذه الأحکام للقاعدة العامة التی توجب التسبیب.
ویرجح جانب من الفقه الرأی الأخیر لان القاعدة العامة فی الحکم هی التسبیب، ولا یجوز الإعفاء منه إلا بمقتضى نص صریح، وان یفسر الإعفاء إن وجد فی نطاق ضیق، حتى لا یحرم الخصوم من ضمانة خاصة أقرها القانون لهم فضلا عن الوظائف التی یقوم بها التسبیب.
ومن جانب ثالث فان القاضی لا یأخذ بنتیجة الحکم التمهیدی الصادر باتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات، فلا یلتزم بنتیجة تنفیذه وللقاضی مطلق الحریة فی تقدیر الإثبات الذی یأمر به، فله أن یأخذ أو لا یأخذ به.
وإذا جئنا إلى مجال الإنابة القضائیة فان القاضی لا یتقید بنتیجة الإجراء المنفذ المقتضی الإنابة القضائیة فله أن یقضی بخلاف ما جاء به، إذ لا یستخدم المشرع العراقی مصطلح الحکم التمهیدی بل هو مصطلح یستخدم لدى المشرع المصری والفقه المصری فیمکن أنه یعد قرار الإنابة القضائیة من القرارات الاعدادیة غیر الحاسمة فی الدعوى ومن ثم فهو لا یلزم المحکمة التی انیبت بهذا الإجراء بحسب السلطة التقدیریة المناطة لکل منهما، ولا ینطبق هذا بطبیعة الحال على الحالات التی یکون فیها تنفیذ الإنابة القضائیة الدولیة على وفق اتفاقیات جماعیة او ثنائیة بین الدولة المنابة والمنیبة.
المبحث الثانی
محل الإنابة القضائیة الدولیة وسلطة القاضی التقدیریة فیه
نتناول فی هذا المبحث المسائل التی یجوز أن تکون محلاً لإجراء الإنابة القضائیة الدولیة, فهل یجوز الإنابة القضائیة فی اتخاذ الإجراءات کافة فی القضیة المنظورة أمام المحکمة المنیبة؟ وهل للقاضی سلطة تقدیریة فی تحدید ذلک؟ للإجابة عن هذه التساؤلات نتناولها بالتفصیل فی المطلبین الآتیین:
المطلب الأول
محل الإنابة القضائیة الدولیة
یقصد بمحل الإنابة القضائیة الدولیة الموضوع الذی تتضمنه الإنابة القضائیة, أی الموضوع الذی یتطلبه طلب الإنابة القضائیة الدولیة؟ فما هی المسائل التی یمکن أن تکون محلاً للإنابة القضائیة؟.
تکون الإنابة القضائیة فی إجراءات المرافعات والإثبات واتخاذ هذا الإجراء والقیام به هو موضوع الإنابة القضائیة. وتعد قواعد الإجراءات ومسائل الإثبات من القواعد الشکلیة التی تکون ملزمة للقضاة والخصوم ویرتب القانون على مخالفتها بطلان الإجراء الذی یستتبعه خسران الخصم لدعواه. والإثبات فی نطاق القانون الدولی الخاص هو إقامة الدلیل ممن یقع علیه عبء الإثبات على الواقعة التی تنشئ الحق أو المرکز القانونی المتنازع علیه وعلى ما یتطلب تطبیق قاعدة الإسناد إثباته على وفق قانون القاضی أو القوانین الأخرى التی تحکم الإثبات.
وینبغی أن یتعلق موضوع الإنابة القضائیة بمسألة خاصة، مدنیة أو تجاریة فی نطاق القانون الدولی الخاص, لذا لا تجوز الإنابة فی مسائل القانون العام، ولا سیما مسائل القانون المالی, إلا إذا کانت هذه المسألة مقررة بمقتضى اتفاقیة دولیة ثنائیة أو جماعیة. سواء کان هذا الإجراء من إجراءات التحقیق أم کان إجراء آخر من الإجراءات ذات الطبیعة القضائیة، مثل "استجواب الشهود, وسماع شاهد مقبل على الموت, وتحلیف الیمین, ومعاینة مکان حادث، أو المال سواء کن منقولاً أم عقاراً أم بضاعة موجودة فی الخارج, وفحص الدفاتر التجاریة لتاجر أو شرکة, أو إجراء تحقیق معین عن المرکز المالی لأحد الخصوم...الخ". وبعبارة أخرى إذ یتسع موضوع الأنابة بوصفه قاعدة تأصیلیة لیشمل أی دلیل من أدلة الإثبات المتعارف علیها فی القوانین الداخلیة مثل الأدلة الکتابیة، وشهادة الشهود, والإقرار، والیمین, والمعاینة.... الخ.
ونجد إذا جئنا إلى القانون العراقی أن المشرع العراقی حصر الإنابة القضائیة فی أدلة إثبات معینة إذ نصت المادة (16/1) من قانون الإثبات العراقی رقم (107) لسنة 1979 المعدل على انه: "یجوز للمحکمة أن تطلب بواسطة وزارة الخارجیة من القنصل العراقی أو من یقوم مقامه استجواب الخصم أو تحلیفه الیمین أو الاستماع إلى شهادة الشاهد إذا کان عراقیاً مقیماً فی الخارج".
إذ تتحدد أدلة الإثبات التی یجوز فیها الإنابة القضائیة على وفق القانون العراقی فی "الاستجواب, وتحلیف الیمین, واستماع الشهادة".
وهناک من یجد أن هذا الموقف ینتقد لأنه یمنع إمکانیة الإفادة من کثیر من الأدلة المهمة فی الإثبات کــالخبرة, وفحص الوثائق والمستندات التی لا یمکن نقلها کدفاتر التجار وبعض المحررات والمستندات الأخرى, ویمنع القاضی العراقی من الاستفادة من الأدلة المتطورة فی الإثبات التی ظهرت بوسائل التقدم العلمی والتکنولوجی التی قد لا تتوفر فی العراق فی بعض الأحیان کوسیلة الإثبات المعتمدة فی فحص الحامض النووی الــــ (DAN) ووسیلة الإثبات عن طریق بصمة العین.
فی حین تنص أن اتفاقیة الإعلانات والإنابات القضائیة لسنة 1952 فی المادة (6) منها على أنه: "لکل من الدول المرتبطة بهذه الاتفاقیة أن تطلب إلى أیة دولة منها أن تباشر فی أرضها نیابة عنها أی إجراء قضائی متعلق بدعوى قید النظر". فلم تحدد الإجراءات القضائیة التی یمکن أن تکون محلاً للإنابة القضائیة على سبیل الحصر، إذ یمکن أن یکون الإجراء القضائی محلاً للإنابة القضائیة بموجب هذه الاتفاقیة.
وهذا ما ذهبت إلیه اتفاقیة الریاض العربیة فقد جاءت بنص عام فی المادة (14) منها التی نصت على أن "لکل طرف متعاقد أن یطلب إلى أی طرف متعاقد آخر أن یقوم فی إقلیمه نیابة عنه بأی إجراء قضائی متعلق بدعوى قائمة ....".
ویوضح هذا النص أن موضوع الإنابة القضائیة على وفق هذه الاتفاقیة لا یشمل أدلة الإثبات فحسب التی حددتها المادة (16) من قانون الإثبات العراقی، بل یشمل أی إجراء قضائی یتعلق بدعوى قائمة فی الدولة طالبة الإنابة إذ أنه یشمل الدعاوى جمیعها المرتبطة بالقضایا المدنیة والتجاریة والإداریة وقضایا الأحوال الشخصیة وتم تأکید بعض هذه الأدلة عند تکملة نص المادة (14) بالقول "... وبصفة خاصة سماع شهادة الشهود، وتلقی تقاریر الخبراء ومناقشتهم, وإجراء المعاینة وطلب تحلیف الیمین". وترسل طلبات الإنابة القضائیة فی القضایا المدنیة والتجاریة والإداریة وقضایا الأحوال الشخصیة مباشرةً من الجهة المختصة لدى الطرف المتعاقد الطالب إلى الجهة المطلوب إلیها تنفیذ الإنابة لدى أی طرف متعاقد آخر، فإذا تبین عدم اختصاصها تحیل الطلب من تلقاء نفسها إلى الجهة المختصة وإذا تعذر علیها ذلک تحیلها إلى وزارة العدل، وتخطر فوراً الجهة الطالبة بما تم فی الحالتین. ولا یحول ما تقدم دون السماح لکل من الأطراف المتعاقدة بسماع شهادة مواطنیها، فی القضایا المشار إلیها آنفا، مباشرة عن طریق ممثلیها القنصلیین أو الدبلوماسیین، وفی حالة الخلاف حول جنسیة الشخص المراد سماعه، یتم تحدیدها وفق قانون الطرف المتعاقد المطلوب تنفیذ الإنابة القضائیة لدیه...".
وأخذت اتفاقیة تنفیذ الأحکام والإنابات والإعلانات القضائیة بدول مجلس التعاون لدول الخلیج العربیة لسنة 1995 بالاتجاه نفسه فجاء فیها: "لکل دولة عضو أن تطلب من أی من الدول الأعضاء، أن تقوم فی إقلیمها، نیابة عنها، بأی إجراء قضائی متعلق بدعوى قائمة؛ وبصفة خاصة سماع شهادة الشهود، وتلقی تقاریر الخبراء ومناقشتهم، وإجراء المعاینة، وطلب تحلیف الیمین؛ وذلک فی سائر القضایا المدنیة والتجاریة والإداریة والجزائیة، وقضایا الأحوال الشخصیة".
وأخذت بهذه الإجراءات الاتفاقیة العراقیة الترکیة أیضاً فی المادة (11/1) التی نصت على أن "للسلطات القضائیة فی إحدى الدولتین المتعاقدتین استنابة السلطات المختصة فی الدولة الأخرى للقیام ضمن صلاحیاتها القضائیة بأی عمل أصولی أو قضائی فیما یختص بالأمور المدنیة والتجاریة".
ویجد البعض من الفقه الفرنسی یدخل موضوع الإنابة القضائیة فی اختصاص السلطة القضائیة فی الدول المستنابة، وألا یکون الإجراء المطلوب اتخاذه من الإجراءات التی تقع على عاتق الخصوم القیام بها بأنفسهم.
وإذا کان موضوع الإنابة القضائیة هو القیام بعمل من أعمال التحقیق أو الإثبات فهذا یعنی بالضروری انه لا یمتد لیشمل الأعمال التنفیذیة أو الأعمال التحفظیة فهذه لا یمکن القیام بها بناءً على أمر دولة أجنبیة، مما لم یتعلق الأمر بتنفیذ حکم أجنبی لذا نکون بصدد تنفیذ الأحکام الأجنبیة، فلا یجوز إجراء الإنابة القضائیة فی توقیع الحجز على الأموال أو وضع الأختام علیها أو فی تسلیم طفل إلى من تجب حضانته وکل ما یتعلق باتخاذ إجراءات القسر أو الإکراه ضد الأشخاص، وتحرص الاتفاقیات الدولیة المنظمة للإنابات القضائیة على بیان عدم شمول الإنابة القضائیة للأعمال التنفیذیة والتحفظیة على أساس أنها تمس سیادة الدولة المراد اتخاذ الإجراء لها.
والسؤال الذی یتبادر إلى ذهننا هو انه هل یجوز أن یکون موضوع الإنابة القضائیة طلب الوقوف على مضمون القانون الأجنبی للدولة المنابة؟ سواء أکان ذلک بإرسال شهادة رسمیة أم إرسال نصوص أم أحکام القضاء؟
وتتحدد وسائل إثبات مضمون القانون الأجنبی المقترحة من الفقه بما یأتی:
یبحث القاضی فی کشفه عن مضمون القانون الأجنبی عن الحقیقة الموضوعیة ولیس عن الحقیقة القضائیة کما یعرفها الخصوم، لذا لیس بالضرورة التقید بقواعد الإثبات القضائی التی ینظمها المشرع لإثبات الوقائع فالأصل هو حق القاضی فی الالتجاء إلى وسائل العلم کافة بالقانون الأجنبی التی یجدها الأصلح للوصول إلى الحقیقة الموضوعیة. فلا یستطیع القاضی بوصفه إلزاماً إلا أن یأخذ بالمبادرات اللازمة کافة لإثبات مضمون ذلک القانون حتى ولو لم یثر الخصوم تطبیقه أو یثبتوا مضمونه وهو ما یفترض بالضرورة أن یعد القانون الأجنبی من طبیعة قانونیة إذ لا تعود للمحکمة إثارة تطبیق الوقائع تلقائیاً أو المبادرة بالبحث عنها أو إثباتها فالمسألة فی هذه الحالة الأخیرة هی من واجب الخصوم ویفترض البحث عن مضمون القانون الأجنبی حکماً الإعلان بأن هناک إلزام یقع على الحاکم بتطبیق ذلک القانون تلقائیاً دونما طلب من الخصوم لمجرد بروز عناصر أجنبیة فی النزاع.
إذ یمکن فتح الطریق أمام القاضی الذی ینظر النزاع، اللجوء إلى الإنابة القضائیة للحصول على مضمون القانون الأجنبی فی الدولة المنابة، بالسماح لکل نظام قانونی أن یحکم المسائل التی تعد أکثر ارتباطاً به مما لا یأتی إلا بإعطاء القاضی المنیب صلاحیة الاستعانة بالإنابة القضائیة للوقوف على مضمون القانون الأجنبی, ویرهن استعمال الإنابة القضائیة فی إرسال نصوص القانون الأجنبی فی دولة القاضی المناب للفصل فی المسألة المثارة أمام القاضی المنیب بعدم علم القاضی بمضمون القانون الأجنبی أو یتعذر علیه العلم به أو یجد فیما یقدمه له الخصوم من مساعدة تعارضاً وتناقضاً کأن یقدم کل خصم حکماً قضائیاً یؤید وجهة نظره فی تفسیر نص قانونی معین فی القانون واجب التطبیق بمقتضى قاعدة الإسناد الوطنیة أمام القاضی المنیب, لذا یمکن للقاضی أن یجد فی سبیل الإنابة القضائیة طریق یساعده على الوقوف على القانون الأجنبی بصورة رسمیة.
المطلب الثانی
سلطة القاضی التقدیریة فی اللجوء إلى الإنابة القضائی الدولیة
نصت المادة (15) من قانون الإثبات العراقی على أن "أولاً: إذا قام عذر مقبول یمنع حضور الخصم بنفسه لاستجوابه, أو لحلف الیمین أو یمنع حضور الشاهد لسماع شهادته جاز للمحکمة أن تنتقل إلیه, أو تندب احد قضاتها للانتقال إلى مکانه, أو أن تنیب المحکمة التی یقیم الخصم أو الشاهد أو المطلوب تحلیفه فی دائرتها للقیام بذلک, ثانیاً: تتبع الأحکام المتقدمة فی الکشف على الأموال التی تقع خارج دائرة المحکمة من قبل المحکمة ذاتها أو بواسطة خبیر, ثالثاً: ینظم محضر بالإجراءات المتقدمة".
یتضح مدلول النص السابق فیما أشار إلیه ویمکن أن نستنبط منه المسائل التی یتمتع القاضی بشأنها بالسلطة التقدیریة وهی:
أولاً: الحاجة الى اللجوء إلى الإنابة القضائیة:
تلافی البند الأول من النص الانتقادات التی توجه إلى نص المادة (87) الواردة فی قانون أصول المحاکمات الحقوقیة الملغی الذی کان ینص على انه "إذا طلب سماع شهادة شاهد وتحریرها فی محل إقامته بداعی کونه مریضاً أو لأنه من النساء ولها معذرة شرعیة, یرسل نائب أی مأمور تعینه المحکمة لیأخذ إفادات ذلک الشاهد فیکتبها ویضبطها ویمضیها ویختمها بحضور الطرفین", وکذلک المادة (42) من قانون ذیل قانون أصول المحاکمات الحقوقیة التی جاء فیها "إذا أوجبت المحکمة فی أثناء رؤیة الدعوى تحلیف احد الخصمین بقرار منها وکان الخصم المراد تحلیفه فی محل آخر وطلب وکیله تحلیفه فی مکان وجوده فتبین للمحکمة المباشرة رؤیة الدعوى صورة الیمین وتعهد بالتحلیف إلى محکمة ذلک المحل وفی هذه الحال یحضر معاملة التحلیف أما الخصم الآخر بنفسه وأما وکیل عنه مرخص له منه فی ذلک".
ولا ینسجم تعداد تلک الحالات أو إیراد الأمثلة مع السیاسة التشریعیة التی یفترض أن تراعی التطور الذی یحصل فی الظروف المختلفة، سواء کانت سیاسة أم أمنیة أم اجتماعیة أم اقتصادیة أم غیرها, ولذا فلم یکن هناک بد من أن یعطى القاضی سلطة تقدیریة بهذا الشکل وهذا ما حققه النص الجدید, فیرجع للقاضی تقدیر العذر المقبول الذی یمنع الشاهد أو الخصم من الحضور إلى المحکمة ولا یقتصر على حالة المرض أو العذر الشرعی بالنسبة للمرأة.
جاء نص المادة (82/2) من قانون أصول المحاکمات المدنیة الأردنی رقم (24) لسنة 1988 بهذا المعنى فإذا کان من الضروری سماع شهادة شاهد تعذر حضوره لسبب اقتنعت به المحکمة تأخذ شهادته بحضور الطرفین فی محل إقامته أو فی غرفة للقضاة أو فی محل آخر تستنسبه أو تنیب احد قضاتها فی ذلک والشهادة التی تسمع على هذا الوجه تتلى فی أثناء النظر فی الدعوى. إذ یبین النص یبین بوضوح أن مسألة تقدیر العذر المقبول یرجع للقاضی, ومع أن النص أشار إلى انه یجب أن تکون شهادة الشاهد ضروریة إلا انه لا یمکن أن یعد ذلک قیداً على القاضی لأنه هو أیضاً من سیقدر مدة ضرورة تلک الشهادة.
ثانیاً: إجراء المعاینة خارج دائرة اختصاص المحکمة:
إذ أشار إلیها البند ثانیاً من نص المادة (15) من قانون الإثبات العراقی على أن یتبع أحکام البند نفسه أولاً فیما یتعلق بالکشف عن الأموال خارج دائرة اختصاص المحکمة، ونجد أن من حسن الصیاغة أن تعالج هذه المسألة مع تنظیم المشرع للمعاینة والخبرة فی الفصلین السابع والثامن من الباب الثانی من قانون الإثبات، ولا ینسجم عبارة العذر المقبول الواردة فی البند الأول مع طبیعة مسألة الکشف على الأموال الواردة فی البند ثانیاً، لان وجود المال فی مکان ما لیس عذراً کالمرض أو غیره بل هو حالة واقعیة تفرض نفسها فی الدعوى, أما بشأن السلطة التقدیریة فی هذه المسألة فان للقاضی سلطة تقدیریة فی القیام بإجراء المعاینة لان هذه المسألة تتعلق بتکوین قناعة المحکمة، وقد لا تجد المحکمة حاجة لإجراء المعاینة أو اللجوء إلى الخبرة إذا کان الإجراء غیر منتج فی الدعوى موضوع النزاع, أما بعد أن یتخذ القاضی قراراً بإجراء المعاینة فان علیه إجراء المعاینة بنفسه أما إذا کانت الأموال خارج دائرة اختصاصه فان علیه إنابة المحکمة ذات الاختصاص المکانی لإجراء تلک المعاینة لان القاضی یفقد سلطته خارج نطاق اختصاصه.
وقد نصت المادة (84) من قانون أصول المحاکمات المدنیة الأردنی رقم (24) لسنة 1988 على انه "إذا تقرر إجراء الکشف والخبرة على أی مال أو أمر یقع خارج منطقة المحکمة التی أصدرت القرار, فیجوز لها أن تنیب رئیس المحکمة أو القاضی الذی یوجد موضوع الکشف والخبرة فی دائرته لإجراء الکشف والخبرة وفقاً لما تقرره المحکمة التی اتخذت قرار الإنابة على أن تقوم المحکمة التی تمت إنابتها باختیار الخبراء وفق لأحکام المادة (83) من هذا القانون".
ثالثاً: تحدید الطریقة البدیلة للاستماع المباشر للدلیل:
إذ یتضح من نص المادة (15) المشار إلیها آنفا أن محکمة الموضوع لا تلجأ إلى الإنابة القضائیة مباشرةً، بل علیها أن تنتقل إلى مکان وجود الخصم أو الشاهد أو أن تنیب احد قضاتها للقیام بذلک, فان لم تکن هذه الطریقة ممکنة لجأت المحکمة إلى الإنابة, ویکون ذلک غیر ممکن بطبیعة الحال عندما یکون وجود الشاهد أو الخصم خارج نطاق اختصاص المحکمة, سواء المکانی أم الدولی, أما عندما یکون وجود الشاهد أو الخصم ضمن نطاق الاختصاص المکانی للمحکمة فإنها لا یمکن أن تلجأ إلى الإنابة القضائیة بطبیعة الحال بل إلى انتداب احد القضاة, لذا نخلص إلى انه لا تکون الإنابة بدیلة عن انتقال المحکمة أو انتداب احد القضاة, بل ینحصر الانتقال والانتداب فی حالة کون الشاهد أو الخصم متواجداً ضمن نطاق اختصاص المحکمة وتنحصر الإنابة فی حالة وجودهما خارج نطاق هذا الاختصاص.
رابعاً: نطاق اللجوء إلى الإنابة بالنسبة إلى أدلة الإثبات:
السؤال المقدم هنا هل یمکن للقاضی أن یلجأ إلى الإنابة مهما کان دلیل الإثبات المطلوب الحصول علیه؟.
بالنسبة للإنابة الداخلیة یتبین من نص المادة (15) من قانون الإثبات العراقی انه یمکن ذلک، لأنه أشار إلى الشهادة، والاستجواب، وحلف الیمین، ثم أشار إلى المعاینة والخبرة، ویبقى من الأدلة القرائن وهذه لا علاقة بالإنابة بداهة أما بالنسبة للإنابة الدولیة أو الخارجیة فان المادة (16) من قانون الإثبات العراقی قد حددت الأدلة التی یمکن الحصول علیها من الخارج بالإنابة القضائیة بالإقرار والیمین والشهادة. إذ نعتقد أن هذا التعداد ورد على سبیل الحصر ولیس على سبیل المثال لان النص جاء فیه:
"أولاً: یجوز للمحکمة أن تطلب بوساطة وزارة الخارجیة من القنصل العراقی أو من یقوم مقامه استجواب الخصم أو تحلیفه الیمین أو الاستماع إلى شهادة الشاهد إذا کان عراقیاً مقیماً فی الخارج. ثانیاً: فی البلدان التی لیس فیها قنصل عراقی أو من ینوب عنه، تتم الإجراءات المبینة فی الفقرة أولاً على وفق أحکام معاهدة التعاون القضائی بین جمهوریة العراق وبین ذلک البلد. ثالثاً: إذا لم توجد معاهدة من هذا القبیل فتتم الإجراءات على أساس المعاملة بالمثل فان تعذر ذلک یصار إلى مفاتحة وزارة الخارجیة لاتخاذ ما یلزم بهذا الخصوص. رابعاً: تتم الإجراءات المبینة فی الفقرة أولاً بالنسبة للأجنبی على وفق ما هو منصوص علیه فی الفقرتین ثانیاً وثالثاً من هذه المادة".
فیتضح من هذه المادة أن ما یمکن الحصول علیه من الأدلة عن بالإنابة یقتصر على الشهادة والاستجواب والیمین ویتعذر الحصول على الأدلة الأخرى بموجب هذا النص.
وقد سبق وان بینا نطاق الإنابة القضائیة فی المطلب الأول من هذا المبحث.
خامسا: اشتراط وجود دلیل فی الدعوى لکی یمکن اللجوء إلى الإنابة:
لم تبین النصوص السابقة مدى ضرورة وجود دلیل فی الدعوى حتى یمکن اللجوء إلى الإنابة. وینقسم الفقه فی هذا الشأن إلى اتجاهین هما:
الأول: یجد ضرورة أن یکون هناک دلیل فی الدعوى، على أساس أن الإنابة القضائیة إجراء من إجراءات الإثبات یستکمل بها القاضی قناعته فلابد من أن یکون هناک دلیل فی الدعوى لکی یدعم طلب اللجوء إلى الإنابة.
الثانی: یجد انه یمکن اللجوء إلى الإنابة حتى إذا لم یکن هناک دلیل فی الدعوى، إذ قد یکون عدم تقدیم الدلیل خارجاً عن إرادة طالب الإثبات عن بالإنابة لان دلیل إثباته الوحید لا یمکن الحصول علیه إلا عن طریق الإنابة.
ونعتقد أن الرأی الثانی هو الصائب فیما یتعلق بالسلطة التقدیریة للقاضی، فله اللجوء إلى الإنابة حتى لو لم یکن هناک دلیل فی الدعوى، إذ یمکن أن یجتمع أکثر من دلیل بالإنابة القضائیة.
وبناءاً على ما سبق ذکره یکون للقاضی الذی ینظر الدعوى سلطة تقدیر ما سیعود على الدعوى وسرعة الفصل فیها من تقریر الإنابة القضائیة، أو عدم اللجوء إلیها إذا وجد أنها ستؤدی إلى طول الإجراءات، وتأخیر صدور القرار القضائی، أو أن الإجراء الذی سیتم اتخاذه سوف یکون قاصراً غیر واف أو سینفذ على غیر النحو الذی أراده لتکوین اقتناعه.
ویمنح القانون هذه الإمکانیة للقاضی لاتخاذ إجراء من إجراءات التحقیق أو الإثبات بمقتضى الإنابة القضائیة إذا رأى القاضی ضرورة لذلک فقرار الاستعانة بالإنابة القضائیة یخضع للسلطة التقدیریة للقاضی أو الهیئة القضائیة المنیبة ومما سیعود على الدعوى من فائدة ومن سرعة للفصل فیها.
ویتبین بوضوح من العبارات التی وردت فی النصوص القانونیة سواء وردت فی التشریعات أم فی المعاهدات والاتفاقیات الدولیة, ولیس اللجوء إلى الإنابة القضائیة ملزماً أبداً للقاضی ویتمتع القاضی بسلطة تقدیریة واسعة فی تقدیر الحاجة إلى الإنابة القضائیة.
إلا أن بعض التشریعات تقید من سلطة القاضی فی اللجوء إلى الإنابة القضائیة کالتشریع الفرنسی إذ تنص المادة (733) من قانون المرافعات الفرنسی النافذ على انه "یستطیع القاضی بناءً على طلب الأطراف أن یطلب من الجهة الأخرى فی الدولة الأجنبیة....". ویفرض هذا النص على القاضی أن لا یلجأ إلى الإنابة القضائیة إلا إذا طلب الخصوم منه ذلک وقد یفسر هذا القید على أساس أن الإنابة القضائیة قد تضر بمصلحة الخصوم فی بعض الأحیان کإطالة أمد النزاع بسبب إجراءات الإنابة القضائیة أو زیادة نفقات الدعوى.
وأقر القضاء الکندی بخصوص السلطة الجوازیة للمحکمة فی إجراء الإنابة القضائیة بأنه "إذا ما رأت الجهة المنیبة سواء من تلقاء نفسها أم بناء على طلب احد الخصوم, ضرورة اللجوء إلى الإنابة القضائیة لاتخاذ إجراء من إجراءات التحقیق کسماع شهادة شاهد فی الخارج مثلاً, فلا یجوز بعد تنفیذ الإنابة أن یأتی خصم ویدعی عدم ملائمة طریق الإنابة القضائیة لسماع الشاهد أو الخصم الآخر المقیم فی الخارج قولاً عنه بأنه سیحرم من سؤال خصمه وینتفی مبدأ المواجهة بین الخصوم ولا یحقق مبدأ الحضور ذلک أن مثل هذا القول لا یصح التذرع به بحسبان أن غایة الإجراء المنفذ موضوع الإنابة هی استکشاف الحقیقة وتهیئة الدلیل القائم مادیاً من الناحیة الواقعیة فی الخارج".
المبحث الثالث
سلطة القاضی التقدیریة فی تنفیذ الإنابة القضائیة الدولیة
إن القاضی هو صاحب الرأی الأول والأخیر فی الدعوى, وله السلطة التقدیریة فی قبول تنفیذ الإنابة القضائیة الدولیة أو رفضها وللقاضی المنیب لا یتقید من حیث المبدأ بنتیجة الإنابة القضائیة وهذا ما سنجده فی المطلبین الآتیین:
المطلب الأول
سلطة القاضی التقدیریة فی قبول تنفیذu الإنابة القضائیة الدولیة ورفضها
إذا قدر القاضی الذی ینظر الدعوى ضرورة اللجوء إلى الإنابة القضائیة فعادة ما یلجأ إلى احد طریقتین هما: الأولى: اللجوء إلى ممثلی دولته الدبلوماسیین أو قناصلها فی الدولة المراد اتخاذ الإجراء فیها, على أن اللجوء إلى هذه الطریقة یرهن بشرطین أولهما أن یجیز قانون دولة الممثل الدبلوماسی أو القنصلی القیام بذلک العمل وثانیهما, أن تسمح لهم الدولة المعتمدة لدیها بمباشرة الإنابة القضائیة على إقلیمها، إلا أن الإنابة بهذه الطریقة قلیلة وغیر مجدیة نوعاً ما لان هؤلاء الموظفین لا یملکون سلطة الإجبار فی الدولة المعتمدین لدیها فلا یملکون مثلاً سلطة إکراه الشهود على المثول أمامهم کما قد یقع عند قیامهم بعملهم هذا ما یمس بسیادة الدولة لذا فالأغلب والأعم هو الطریق الثانی: وهو الإنابة القضائیة للسلطة القضائیة المختصة فی الدولة المراد اتخاذ الإجراء فیها وهی عادة السلطة القضائیة. وهناک من یسمی الإنابة فی مثل هذه الحالة بالإنابة الحقیقیة إذا کانت توجه من سلطة قضائیة إلى سلطة قضائیة أخرى.
والغالب فی العمل أن الإنابة القضائیة توجه إلى السلطات القضائیة فی الدولة الأجنبیة بتنفیذ الإنابة القضائیة, وهذه الطریقة هی الأکثر اتفاقاً مع طبیعة الإنابة القضائیة، فالغرض هو اتخاذ احد إجراءات التحقیق أو الإثبات، والجهة القضائیة فی الدولة المراد اتخاذ هذا الإجراء فیها هی الأقدر عملاً على القیام به، وتوجه هذه الإنابة بطلب یسمى (طلب الإنابة القضائیة) الذی تحرر به الإنابة القضائیة والمستندات المصاحبة له للدولة المنابة، الذی یحتوی على مجموعة من البیانات منها: الجهة الصادر عنها، وشخصیة وعنوان الأطراف، وموضوع الدعوى، وأعمال التحقیق والإجراءات القضائیة، والأسئلة المطلوب طرحها، وغیرها من البیانات التی تکون ضروریة فی نظر الجهة طالبة الإنابة.
وبالنسبة للإنابة الداخلیة فإنها لا تثیر إشکالاً حول قبول القاضی لطلب الإنابة أو رفضه لها إذ یخضع القاضیان المنیب والمناب کلاهما لقانون واحد فی دولة واحدة، ولیس بإمکان القاضی المناب رفض الإنابة القضائیة إلا إذا تعذر علیه القیام بالإجراء المطلوب بموجب الإنابة وهذا لا یعتبر بطبیعة الحال رفضاً للإنابة القضائیة.
أما بالنسبة للإنابة القضائیة الدولیة فالأمر یختلف لان القاضی المناب لا یلتزم بقانون القاضی المنیب لأنه صادر عن سیادة تشریعیة أخرى.
ویجد البعض من الفقه أن الأصل هو أن قبول الإنابة القضائیة الدولیة یخضع للسلطة التقدیریة للمحکمة المطلوب منها الإنابة، لان الأمر هو مجرد رخصة أساسها المجاملة الدولیة والرغبة فی توثیق التعاون القضائی الدولی, لذا لا یوجد أی التزام على الدولة المطلوب منها الإنابة إجابتها ما لم یکن هناک اتفاقیة بین الطرفین.
ویضیف البعض الآخر من الفقه أن الإنابة القضائیة ملزمة مما یعنی أن المحکمة المنابة یجب أن تلتزم بأوامر المشرع الأجنبی أی مشرع دولة المحکمة المنیبة وهذا غیر مقبول. وبهذا المعنى یذهب الفقه أن تعد الإنابة القضائیة ملزمة للمحکمة المطلوب منها الإنابة قول مخالف لمبدأ استقلال الدول وسیادتها.
لکن هل یمکن أن مجرد وجود اتفاقیة یجعل الإنابة القضائیة ملزمة للقاضی المطلوب منه الإنابة؟
فی الحقیقة لم تنص الاتفاقیات صراحة على أن الإنابة القضائیة ملزمة للقاضی إلا أنها حددت حالات رفض الإنابة على سبیل الحصر مما یفهم معه بالأخذ بمفهوم المخالفة انه خارج نطاق هذه الحالات تکون الإنابة القضائیة ملزمة للمحکمة المطلوب منها الإنابة ومن هذه الحالات ما جاء فی نص المادة (17) من اتفاقیة الریاض العربیة فی أن "تلتزم الجهة المطلوب إلیها بتنفیذ طلبات الإنابة القضائیة التی ترد إلیها وفقاً لأحکام هذه الاتفاقیة, ولا یجوز لها رفض بتنفیذها إلا فی الحالات الآتیة:
أ. إذا کان هذا التنفیذ لا یدخل فی اختصاص الهیئة القضائیة لدى الطرف المتعاقد المطلوب إلیه التنفیذ.
ب. إذا کان من شأن التنفیذ المساس بسیادة الطرف المتعاقد المطلوب إلیه ذلک, أو بالنظام العام فیه.
ج. إذا کان الطلب متعلقاً بجریمة یعتبرها الطرف المتعاقد المطلوب إلیه التنفیذ جریمة ذات صبغة سیاسیة.
وجاء فی المادة (14) من الاتفاقیة العراقیة الترکیة على انه "یجوز رفض تنفیذ طلب التبلیغ أو الاستنابة فی الحالة التی ترى الدولة التی یقع التنفیذ فی أراضیها أن ذلک یمس بسیادتها أو سلامتها أو النظام العام فیها, وکذلک یجوز رفض تنفیذ طلب الاستنابة فی الحالة التی لا یمکن التثبت من صحة التواقیع على الطلب أو فی الحالة التی لا یکون ذلک التنفیذ من صلاحیة السلطات القضائیة فی الدولة المطلوب إلیها ذلک", والمادة (15) من اتفاقیة التعاون الخلیجی والمادة (24) من الاتفاقیة المغربیة البحرینیة.
وقد تکون الإنابة القضائیة ملزمة على الرغم من عدم وجود اتفاقیة, وقد تبنى هذا الاتجاه الفقیه الفرنسی (Pillet) قبل ستین عاماً إذ أکد ضرورة إلزام الإنابة القضائیة، ویکون مناط هذا الإلزام ضمان سیادة العدالة فی نطاق العلاقات الدولیة، إذ تقوم کل دولة باتخاذ الإجراءات کافة التی یتطلبها تحقیق العدالة ویعود للدولة المنابة تحدید الطریقة التی بمقتضاها یتم اتخاذ هذا الإجراء.
ولا یستند هذا الإلزام بطبیعة الحال إلى أوامر المشرع الأجنبی، بل إلى أوامر المشرع الوطنی لدولة المحکمة المنابة, وهذا هو ما معمول به فی قانون المرافعات المدنیة الفرنسی لسنة (1975) إذ أشارت المادة (742) والمادة (743) من هذا القانون إلى أن القاضی الفرنسی لا یستطیع رفض الإنابة إلا فی حالات محددة.
نخلص مما تقدم أن الإنابة القضائیة تکون ملزمة إذا کان هناک نص بذلک من اتفاقیة أو معاهدة أبرمتها دولة المحکمة المنابة أو فی تشریع داخلی نافذ ولا تکون ملزمة فی غیر هذه الأحوال على أن مسألة الإلزام هذه لیست مطلقة بل هناک حالات یجوز فیها رفض الإنابة هی:
ویذهب مجموعة من الفقه فی فرنساإلى انه لیس للقاضی الذی یقوم بتنفیذ الإنابة القضائیة أن یلتفت عند تقدیره لتعارض الإجراء مع النظام العام فی دولته إلى الهدف الذی یقصد إلیه القاضی الأجنبی من وراء الإنابة القضائیة ولا إلى النتائج التی یستخلصها من التحقیق الذی یتم فیها, لذا یتم تحدید مدى تعارض الإجراء المطلوب اتخاذه مع النظام العام بالنظر إلى الإجراء المطلوب المتخذ فی ذاته بصرف النظر عن أی اعتبار آخر.
المطلب الثانی
سلطة القاضی التقدیریة فی تقدیر تنفیذ الإنابة القضائیة الدولیة
متى تم تنفیذ الإنابة القضائیة سواء أکانت على الصعید الداخلی أم الدولی فإنها ترسل إلى المحکمة المنیبة, وتعین على القاضی المنیب مراقبة صحة تنفیذ الإنابة القضائیة فی إعمال القاضی المناب للقانون الذی یحکم إجراء الإثبات محل الإنابة القضائیة إعمالاً صحیحاً.
وکما تخضع المسائل الموضوعیة فی العمل محل الإنابة القضائیة للقانون الواجب التطبیق على موضوع النزاع على وفق ما تشیر إلیه قاعدة الإسناد للمحکمة التی تنظر الدعوى, فیخضع للقانون الواجب التطبیق على موضوع النزاع فی خصوص الإثبات تحدید محل الإثبات وعبئه، وتحدید ما یجوز قبوله من الأدلة، وتقدیر قوة الدلیل فی الإثبات، لذا فإن إجراءات الإثبات بالمعنى الفنی أو الخاص تخضع لقانون القاضی, وطالما أن إجراءات الإثبات لم ینهض بها القاضی المختص بنفسه، وأناب فی خصوصها سلطة أجنبیة فیکون اختصاص القانون الأجنبی بحکم الأشکال والإجراءات اللازمة لتنفیذ العمل موضوع الإنابة غیر مثیر للشک فیختص قانون السلطة المنابة بحکم کیفیة أداء الشهادة، وکیفیة الحصول على الإقرار، وکیفیة استجواب الخصوم والوجه الذی تتم علیه المعاینة أو الخبرة.
ویحق للجهة المنیبة أن تطلب تنفیذ الإنابة القضائیة فی شکل خاص بشرط عدم تعارض هذا الشکل (شکل الإنابة) مع قانون وعادات دولة التنفیذ. ویحکم القانون المحلی, أی قانون الدولة المستنابة التی یتم اتخاذ الإجراء فیها شکل الإجراء واستقلال الدولة المستنابة بحکم الأشکال والإجراءات التی یتم بمقتضاها تنفیذ الإجراءات موضوع الإنابة القضائیة تسوغه ضرورة احترام سیادة هذه الدولة, فإذا کان القاضی الوطنی قد قبل الإنابة القضائیة فلا یعنی انه قد تنازل عن استقلاله إزاء قضاء الدولة المنیبة، فضلاً عن انه لیس وکیلاً أو منتدباً من الدولة المنیبة التی ترجوه بأن یقوم بعمل من أعمال التحقیق مثلاً.
وهذا کله تطبیقا للمبدأ العام القاضی بإخضاع قواعد الإجراءات لقانون القاضی. ونحن نرى أن القانون العراقی جاء بنص یخالف ذلک وهو فی المادة (13) من قانون الإثبات العراقی إذ تنص على انه "یسری فی شأن إجراءات الإثبات قانون الدولة التی تقام فیها الدعوى". وعلى وفق هذا النص فان القانون الواجب التطبیق یکون هو قانون القاضی الذی رفعت أمامه الدعوى وهو یعنی قانون الدولة طالبة الإنابة القضائیة ولا یکون لقانون دولة القاضی المطلوب منه تنفیذ الإنابة القضائیة أی دور أو أیة سلطة لأنه یعمل بموجب قانون الدولة المنیبة إذ لم یتناول النص الإنابة القضائیة إنما اقتصر الأمر بشان الدعاوى، والإنابة القضائیة هی لیست الدعوى بحد ذاتها إنما هی إجراء وطریقة تتخذ لتسهیل استکمال إجراءات الفصل فی الدعوى فیما یتعلق بمسائل الإثبات، ولکی یسری على إجراءات الإثبات التی تتخذ بالدعوى قانون الدولة التی یتخذ فیها الإجراءات نقترح أن یکون النص على وفق الآتی: "یسری فی شأن إجراءات الإثبات قانون الدولة التی تقام فیها الدعوى أو تباشر فیها الإجراءات". لذا یطابق هذا النص مع نص المادة (28) من القانون المدنی العراقی التی تقضی بأن "قواعد الاختصاص والإجراءات یسری علیها قانون الدولة التی تقام فیها الدعوى أو تباشر فیها الإجراءات". التی لا یمکن تطبیقها هنا لأنها نص عام ویقیدها النص الخاص فی قانون الإثبات العراقی, ویکون العمل بمثل هذا النص أقرب لما جاء فی اتفاقیة الریاض العربیة فی اختصاص قانون الدولة المنابة إذ تعترف الاتفاقیات الدولیة المنظمة للانابات القضائیة باختصاص قانون الدولة التی تتبعها السلطة المنابة بحکم إجراءات التحقیق والإثبات إذ نصت المادة (18/1) منها على انه: "یتم تنفیذ الإنابة القضائیة وفقاً للإجراءات القانونیة المعمول بها فی قوانین الطرف المتعاقد المطلوب إلیه ذلک", مما یعنی خضوع الإجراء أو العمل موضوع الإنابة القضائیة إلى قانون الدولة المنابة بوصفه قانون الدولة التی یباشر فیها الإجراء موضوع الإنابة إلا انه یستثنى من ذلک حالة خاصة نصت علیها المادة (18/2) من الاتفاقیة نفسها وهی تنفیذ الإنابة بشکل خاص یکون بناءً على طلب یتم تقدیمه من قبل الدولة طالبة الإنابة وذلک بالقول: "وفی حالة رغبة الطرف المتعاقد الطالب بناءً على طلب صریح منه فی تنفیذ الإنابة القضائیة على وفق شکل خاص یتعین على الطرف المتعاقد المطلوب إلیه ذلک إجابة رغبته ما لم یتعارض ذلک مع قانونه أو أنظمته".
وما جاء فی المادة (16) من اتفاقیة التعاون لدول الخلیج العربی بنصها على أن "یتم تنفیذ الإنابة القضائیة وفقاً للإجراءات المعمول بها فی الدولة المطلوب إلیها ذلک وفی مسألة رغبة الدولة المطلوب إلیها إجابة تلک الرغبة ما لم یتعارض ذلک مع أنظمتها".
وما جاء أیضاً فی اتفاقیة التعاون القضائی بین المغرب والبحرین بأن الشکل الواجب إتباعه فی تنفیذ الإنابة وکذا وسائل الجبر الجائز اتخاذها یخضع للتشریع الوطنی للسلطة القضائیة المنابة، إلا أن هذه القاعدة هی قاعدة یمکن مخالفتها حسبما یظهر فی نصوص الاتفاقیة التی منحت للسلطتین المنیبة والمنابة حق الاتفاق على مخالفتها بطلب صریح من السلطة القضائیة الطالبة أو المنیبة تطلب فیه أن تقوم السلطة المطلوب منها بانجاز الإنابة على وفق شکل خاص یتفق وتشریع الدولة المطلوب فیها -کما رأینا ذلک فی الاتفاقیات السابق ذکرها- وعند تحدید زمان التنفیذ ومکانه یجب إخطار السلطة الطالبة به حتى تتمکن الأطراف المعنیة أو ممثلوها عند الاقتضاء من الحضور على وفق الحدود المسموح بها فی تشریع الدولة المطلوب إلیها التنفیذ.
والسلطة التقدیریة هنا مفادها بالنسبة للقاضی المنیب ما یتضمنه القانون الإجرائی والموضوعی من نصوص تخوله صراحة حریة التقدیر أو الاختیار فی شکل العمل القضائی أو مضمونه. وتتعلق هذه العملیة بالواقع ولا تخضع من ثم لرقابة محکمة النقض, إلا أن هذا التقدیر یجب أن یتم بوسائل محددة وتضبطه قواعد معینة، ومنها الموازنة بین الأدلة المقدمة من الخصوم، واستخلاص الواقع من أوراق الدعوى، وان یکون تقدیر القاضی المنیب بدفاع جوهری، وان تفصح المحکمة المنیبة عن مصادر الدولة التی کونت فیها عقیدتها.
وتکون للقاضی فی المحکمة المنیبة السلطة التامة فی تقدیر الإجراء محل الإنابة القضائیة، بوصفه عنصراً من عناصر الإثبات بحسبان أن الإجراء المتخذ بمقتضى الإنابة القضائیة لا یعد دلیلاً حاسماً فی الدعوى، ومن ثم فان المحکمة المنیبة هی التی تقدر القوة التدلیلیة لهذا الإجراء, وللقاضی المنیب السلطة المطلقة فی تقدیر قیمة هذا الإجراء، وله الحق فی الأخذ به وأن یعد کافیاً لإثبات الوقائع محل النزاع، وان مناط الاعتماد على الإجراء محل الإنابة القضائیة مرهون باطمئنان القاضی المنیب فله أن یأخذ بغیره من الأدلة الموجودة متى کانت کافیة للفصل فی الدعوى، ولا یلجأ القاضی الى الإنابة القضائیة فی حالة وجود دلیل اثبات فی الدعوى. إذ یلحظ أن الإجراء الذی یتم اتخاذه بالإنابة القضائیة على وفق أحکام الاتفاقیات الدولیة الأثر القانونی ذاته کما لو تم أمام الجهة المختصة لدى الدولة طالبة الإنابة.
الخاتمـة
بعد أن انتهینا من هذا البحث توصلنا إلى جملة من النتائج والتوصیات نسجلها على وفق الآتی:
أولاً: النتائج:
ثانیاً: التوصیات:
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: Dictionaries:
1. Ibrahim Mustafa, Dictionary of the Mediator, C 1, (T. Arabic Language Complex), Dar al-Da'ia, without a year of publication.
2. Abu Hassan Ali bin Mohammed bin Ali al-Jarjani, Definitions, C1, House of Public Cultural Affairs, Baghdad, 1413 e.
3. Abu al-Saadat al-Mubarak bin Mohammed al-Jazri, the end in the strange talk and impact, the investigation Taher Ahmed al-Zawawi - Mahmoud Mohammed al-Tannahi, C 5, the scientific library - Beirut, 1399 to 1979.
4. Muhammad ibn Makram bin Manzoor, San'a al-Arab, 1, 5, 1, Dar Sader, Beirut, without a year of publication.
5. Muhammad Rawas Qalaji and Hamed Sadiq Qutibi, Dictionary of the Language of the Jurists, i 1, Dar al-Nafais for printing, publishing and distribution, without place of publication, 1408-1988.
Second: The law books:
6. Dr. Ahmed Abdelkarim Salama, Jurisprudence of International Civil Procedure, Comparative Study, I, I 1, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 2000.
7. Dr. Ahmed Abdelkarim Salama, Issues of Civil Litigation Proceedings, Egyptian Journal of International Law, issued by the Egyptian Association of International Law, Cairo, 1986.
8. Dr. Sami Badi Mansour, Akasha Abdel Aal, International Private Law, University House, Beirut, without a publication year.
9. Dr. Abdel-Razzaq Al-Sanhoury, Waseet in explaining the Civil Law, Part I, Contracts, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 1964.
10. Dr. Abdel Moneim Zamzam, Some International Perspectives, Study under Comparative International Private Law, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 2007.
11. Dr. Ezzeddin Abdullah, International Private Law, C2, I 9, Egyptian Press, Cairo, 1986.
12. Dr. Akasha Mohamed Abdel Aal, International Civil and Commercial Procedures, University House, Beirut, 1986.
13. Dr. Akasha Mohamed Abdel Aal, Judicial Appointment in International Civil Affairs, University Press House, Alexandria, 1994.
14. Fadl Adam Fadl al-Messiri, Judicial Appointment in Civil and Commercial Matters, Comparative Study, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 2005.
15. Muhammad Ali al-Suri, Comparative Commentary on the Articles of the Evidence Law, C1, Shafiq Press, without Place of Publication, 1983.
16. Dr. Mohamed Mabrouk Lafi, Conflict of Laws and Conflict of International Jurisdiction, Open University Publications, Without Place of Publication and Publication Year.
17. Dr. Mohamed Mabrouk Lafi, Conflict of Laws and Conflict of International Jurisdiction, Comparative Study, National Library, Benghazi, 1994.
18. Dr. Mahmoud Al Kilani, Explanation of the Law of Civil Procedure No. (24) for the year 1988, I 1, Dar Wael for printing and publishing, without place published, 2002.
19. Mahmoud Mohamed Nasser Barakat, The discretionary power of the judge in Islamic jurisprudence, 1, Dar al-Naqashi, Amman, 2007.
20. Nabil Ismail Omar, The Power of the Appreciation Judge, Bonn-Yusco Press, Alexandria, 1958.
21. Dr. Wissam Tawfiq Abdullah Al-Kutbi, Considerations of Justice in Determining International Jurisdiction, Comparative Study, New University House, Alexandria, 2011.
Third: Research:
22. Dr. Ahmed Abdelkarim Salama, Issues of Procedure in International Civil Litigation, Egyptian Journal of International Law, No. 43, 1986.
23. Ashraf Baddawi, Summary of the Moroccan-Bahraini Convention on Legal and Judicial Cooperation in Civil, Commercial and Personal Status, without a year of publication, published on the Internet at: http://www.Droitcivil.Over-log.com
24. Dr. Ali Mohiuddin Qara Daghi, the definition of the agency in Islamic jurisprudence and the statement of some characteristics, 2011, research published on the Internet and on the following site: http://www.Qaradaghi.Com
25. a. To Abyad Mohamed Abdel Fattah, the discretion of the judge, without publication year, research published on the Internet at the following: http://www.labyadd.Blogspost.com
26. Dr. Mohamed Thneibat, Administrative Delegation, Journal of Administrative Development No. (109), 2013, Research published on the Internet at the following: http: //www.Tanmia.Idariailpa.Edu,sa
27. Mohammed Younis Hare, Procedures, stages and characteristics of the investigation, legal affairs archive, without publication year, research published on the Internet at the following: http://www.startimes.com
28. Dr. Mourad Esraj, Judicial Representation in the Moroccan Civil Procedure Code, 2011, research published on the Internet on the following website:
http://www.Marocdroit.Com
Fourth: Letters and University Notes:
29. Abdul Majeed Mohammed Hamoudi Jubouri, The Power of the Discretionary Judge in Marriage and its Effects, Comparative Study, Master Thesis, Faculty of Law, Mosul University, 2010.
30. Wael Moaied Jalal El-Din Al-Jalili, Civil Evidence Procedures, Comparative Study, Master's Thesis, Faculty of Law, Mosul University, 2006.
31. Wissam Tawfiq Abdullah Al-Kutbi, Proof of Private International Law, Comparative Study, PhD Thesis, Faculty of Law, Mosul University, 2011.
Fifth: Agreements:
32. Legal and Judicial Cooperation Agreement between the Hashemite Kingdom of Jordan and the United Arab Emirates for the year 2000.
33. Agreement on Legal and Judicial Cooperation in Civil, Commercial and Personal Matters between Morocco and Bahrain, 1997.
34. Agreement on the Implementation of Judgments, Disputes and Judicial Declarations in the Gulf Cooperation Council Countries for the year 1995.
35. The Riyadh Arab Agreement for Judicial Cooperation, 1983.
36. The Convention on Declarations and Judicial Appointments of 1953.
37. Agreement on Judicial, Civil, Penal and Commercial Cooperation between Iraq and Turkey, 1946.
Fifth: Laws:
38. Iraqi Evidence Law No. (107) of 1979 Amended.
39. Iraqi Civil Procedure Law No. (83) of 1969 Amended.
40. Iraqi Civil Code No. (40) for the year 1951 amending.
41. Jordanian Civil Procedure Law No. 24 of 1988.
42. Law on the Execution of Judgments and Disputes in the Courts of Jordan No. (61) of 1951.
43. Moroccan Civil Procedure Code No. (1,74,447) of 1974.
44. The Code of Civil Procedure Lebanese Civil Procedure No. (90) of 1983.
45. French Civil Procedure Act 1975.