الملخص
یعد الإزعاج أحد أنواع الأخطاء المدنیة فی القانون الإنکلیزی فضلا عن أخطاء مدنیة أخرى وردت فی هذا القانون على سبیل الحصر کالإهمال والتعدی على العقار والتعدی على الأشخاص والقذف أو التشهیر. وقد وردت هذه الأخطاء فیما یعرف بقانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی (law of torts) وهو قانون غیر مکتوب مبنی على السوابق القضائیة للمحاکم الإنکلیزیة. وتهدف هذه الدراسة إلى التعرف على الإزعاج بوصفه خطأً مدنیاًّ وبیان أنواعه والأساس القانونی الذی تستند علیه المسؤولیة المدنیة الناجمة عنه وعن صوره المختلفة کالضوضاء والروائح الکریهة والدخان وملوثات البیئة ومقارنة هذا الأساس بالأساس القانونیة للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج والمضایقات الأخرى فی القانون المدنی العراقی.
الموضوعات
أصل المقالة
الإزعاج فی القانون الإنکلیزی دراسة تحلیلیة مقارنة مع القانون المدنی العراق-(*)-
The nuisance in English law Comparative Analytical Study with the Civil Law of Iraq
یونس صلاح الدین علی جامعة جیهان/ أربیل Yunus Salahuddin Ali University of Cihan / Erbil Correspondence: Yunus Salahuddin Ali E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 5/3/2013 *** قبل للنشر فی 12/5/2013.
(*) Received on 5/3/2013 *** accepted for publishing on 12/5/2013.
Doi: 10.33899/alaw.2014.160755
© Authors, 2014, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
یعد الإزعاج أحد أنواع الأخطاء المدنیة فی القانون الإنکلیزی فضلا عن أخطاء مدنیة أخرى وردت فی هذا القانون على سبیل الحصر کالإهمال والتعدی على العقار والتعدی على الأشخاص والقذف أو التشهیر. وقد وردت هذه الأخطاء فیما یعرف بقانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی (law of torts) وهو قانون غیر مکتوب مبنی على السوابق القضائیة للمحاکم الإنکلیزیة. وتهدف هذه الدراسة إلى التعرف على الإزعاج بوصفه خطأً مدنیاًّ وبیان أنواعه والأساس القانونی الذی تستند علیه المسؤولیة المدنیة الناجمة عنه وعن صوره المختلفة کالضوضاء والروائح الکریهة والدخان وملوثات البیئة ومقارنة هذا الأساس بالأساس القانونیة للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج والمضایقات الأخرى فی القانون المدنی العراقی.
Abstract
Nuisance is considered as one of the civil torts in the English law as well as such other torts as negligence, trespass to land, trespass to persons and defamation.
It is worth bearing in mind that all of the torts are included in the English law of torts, which is an unwritten law based upon judicial precedents of the English courts.
The study aims at explaining the nuisance elucidating its legal base upon which the legal liability of civil tort is based as well as clarifying its various aspects, such as noise, malodor, vapour, smoke environmental pollutants and comparing this base with that upon which the legal responsibility arising from harassment and nuisance in Iraqi civil law is based.
المقدمـة
وتتضمن النقاط الآتیة:
أولا: مدخل تعریفی بموضوع البحث.
یعد الإزعاج أحد أنواع الأخطاء المدنیة فی القانون الإنکلیزی. فضلاً عن أخطاء مدنیة أخى وردت على سبیل الحصر وهی الإهمال والتعدی على العقار والتعدی على الأشخاص والقذف أو التشهیر. وقد وردت هذه الأخطاء فی قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی (law of torts) وهو قانون غیر مکتوب یبنی على السوابق القضائیة للمحاکم الإنکلیزیة. وتحاول هذه الدراسة التعرف عن کثب على الإزعاج بوصفه خطأً مدنیاًّ بسبر غور ماهیته والتعریف به وبیان أهم أنواعه والأساس القانونی الذی تستند علیه المسؤولیة المدنیة التی تنجم عنه فی القانون الإنکلیزی ومقارنة هذا الأساس بالأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج والمضایقات الأخرى کالضوضاء والضجیج والروائح الکریهة والأبخرة والدخان والاهتزازات والانبعاثات الحراریة وملوثات البیئة فی القانون المدنی العراقی. ولاسیما بأن هذا القانون یختلف عن قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی. إذ لم ینظم القانون المدنی العراقی أنواعا للفعل الضار على سبیل الحصر کالقانون الإنکلیزی بل أورد قاعدة عامة تنظم المسؤولیة عن الفعل الضار مفادها أن کل تعدی یصیب الغیر بأی ضرر یستوجب التعویض. وجعل أساس المسؤولیة التقصیریة (العمل غیر المشروع) هو فکرة التعدی أو التعمد ونص على تطبیقات لهذه الفکرة وهی تنحصر فی الإتلاف والغصب والتعسف فی استعمال الحق. لذا سوف نحاول أیضا فی هذه الدراسة التوصل إلى التکییف القانونی السلیم للمسؤولیة المدنیة (التقصیریة) التی تنجم عن المضایقات والإزعاج فی القانون المدنی العراقی بالرجوع إلى أحد تطبیقات فکرة التعمد أو التعدی.
ثانیا: أسباب اختیار موضوع البحث.
1- ندرة الأبحاث والدراسات القانونیة المعمقة ولاسیما الدراسات المقارنة بالقانون الإنکلیزی. أو بعبارة أدق دراسة القانون الإنکلیزی بوصفه نظاما قانونیا غیر مألوف فی العراق ومقارنته بالقانون المدنی العراقی ومحاولة تقصی أوجه الشبه والاختلاف بین القانونین والتی تمثل جوهر الدراسات المقارنة.
2- عزوف کثیر من الباحثین والأکادیمیین القانونیین فی العراق عن إجراء الدراسات القانونیة المقارنة بالقانون الإنکلیزی.
ثالثا: أهمیة البحث.
تکمن أهمیة البحث فی الاهتمام الذی أولاه القانون الإنکلیزی بموضوع المضایقات والإزعاج على الرغم من قدم هذا القانون الذی یمثل بقانون الأخطاء المدنیة والذی یستند کما أشرنا سابقا على السوابق القضائیة للمحاکم الإنکلیزیة. کما یکتسب هذا البحث أهمیة من ناحیة أخرى وهی ضرورة مواکبة القانون العراقی للتطورات الحاصلة فی مجال حمایة البیئة والإنسان من مصادر الإزعاج والضوضاء والضجیج والدخان والروائح الکریهة والمثیرات على اختلاف أنواعها فضلاً عن الملوثات البیئیة الاخرى.
رابعا: نطاق البحث.
یهدف البحث إلى تسلیط الضوء عن کثب عن مسألتین أساسیتین هما التعریف بالإزعاج وماهیته والأساس القانونی الذی تقوم علیه المسؤولیة المدنیة التی تنجم عنه.
خامسا: صعوبات البحث.
وتنحصر فی قلة المصادر والأبحاث والدراسات القانونیة الأکادیمیة التی تتعلق بالقانون الإنکلیزی بشکل عام وبموضوع الإزعاج والمضایقات فی هذا القانون بشکل خاص ولاسیما فیما ذکرنا فی أعلاه صعوبة الحصول على دراسة قانونیة أکادیمیة أجریت فی العراق وکان محورها مقارنة القانون الإنکلیزی بالقانون العراقی.
سادسا: منهجیة البحث.
اعتمدت هذه الدراسة منهج البحث القانونی التحلیلی المقارن. إذ ترکزت على دراسة جزئیة معینة فی القانون الإنکلیزی أساساً ومقارنتها بالقانون المدنی العراقی وبعض القوانین الخاصة الأخرى فی العراق.
سابعا: هیکلیة البحث (خطة البحث).
فی ضوء ما تقدم فإننا سوف نقوم بتقسیم هذه الدراسة إلى مبحثین:
1- المبحث الأول: التعریف بالإزعاج فی القانون الإنکلیزی.
2- المبحث الثانی: الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج فی القانون الإنکلیزی والقانون المدنی العراقی.
المبحث الأول
التعریف بالإزعاج فی القانون الإنکلیزی
یعد الإزعاج بشکل عام نوعا من أنواع الخطأ المدنی (tort) فی القانون الإنکلیزی التی تضمنها قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی والذی هو قانون غیر مکتوب یبنی على السوابق القضائیة ولم یتم تقنینه فی تشریع مکتوب. وقد حدد هذا القانون أنواعا معینة من الأخطاء المدنیة فضلا عن الإزعاج (nuisance) کالإهمال (negligence) والتعدی (trespass) والتشهیر أو القذف (defamation). وللتعریف بالإزعاج فسوف نقسم هذا المبحث إلى أربعة مطالب على وفق ما یأتی:
1- المطلب الأول : تعریف الإزعاج.
2- المطلب الثانی: أنواع الإزعاج.
3- المطلب الثالث: التمییز بین الإزعاج والأخطاء المدنیة الأخرى فی القانون الإنکلیزی.
4- المطلب الرابع: المصالح المحمیة عن طریق فکرة الإزعاج.
المطلب الأول
تعریف الإزعاج
بما أن الإزعاج هو أحد أنواع الأخطاء المدنیة فی القانون الإنکلیزی. وقد عرف بعض الفقهاء الإنکلیزالخطأ المدنی بأنه (جرم مدنی یمکن اقترافه ضد المصالح المحمیة لشخص ما والتی تتمتع بحمایة القانون). لذا فإن الإزعاج بوصفه أحد أنواع الأخطاء المدنیة الإنکلیزیة (torts) فهو یرتکب ضد مصالح معینة یحمیها القانون. وعلى هذا الأساس یذهب جانب من الفقه الإنکلیزی إلى تعریف الإزعاج بأنه (تدخل أو تعرض غیر مشروع أو غیر قانونی (unlawful interference) لاستعمال الشخص لأرضه أو عقاره أو تمتعه به أو ببعض الحقوق المتعلقة بهذه الأرض أو هذا العقار).
وعرف جانب آخر من الفقه الإنکلیزی الإزعاج بأنه (تطفل المدعى علیه على أرض المدعی کنتیجة لنشاط یقوم به المدعى علیه من أرضه أو عقاره وغالبا ما یکون غیر مشروع عندما تمتد نتائجه إلى أرض جاره أو عقاره). یتبین من هذین التعریفین بأن الإزعاج على وفق رأی الفقه الإنکلیزی یعد تدخلا أو تعرضا ضد استعمال العقار والانتفاع به. لذلک یذهب فقیه إنکلیزی آخرإلى أن الإزعاج هو إخلال فی عملیة التوازن بین حق المدعى علیه فی استعمال أرضه أو عقاره کیفما یرغب وحق المدعی أیضا فی استعمال أرضه من دون أی تدخل أو تعرض. والحد الفاصل بین هذین الحقین هو التعرض أو التدخل الجوهری الذی یمکن أن یتخذ عدة أشکال کالروائح والدخان أو الضجیج أو الضوضاء وأنواع أخرى من الترددات والاهتزازات والانبعاثات الحراریة أو انبعاثات من أشکال أخرى. وقد وصف القاضی الإنکلیزی اللورد (Denning) التعرض الذی یسبب الإزعاج بأنه استعمال غیر معقول أو غیر منطقی (unreasonable use) من شخص ما لعقاره أو أرضه بحیث یترتب علیه ضرر أو أذى یلحق بجاره. فقد أرسى مفهوم التدخل غیر المشروع وذلک فی ضوء السابقة القضائیة (Miller v. Jackson, CA 1977) أما فی القانون المدنی العراقی فإن المشرع لم ینظم موضوع الإزعاج بوصفه أحد أنواع الأفعال الضارة فی القانون المدنی بل أورد قاعدة عامة تنظم المسؤولیة التقصیریة وذلک المادة (204) التی نصت على أن (کل تعد یصیب الغیر بأی ضرر غیر ما ذکر فی المواد السابقة یستوجب التعویض) وقد بینت هذه القاعدة العامة بحسب رأی جانب من فقه القانون المدنی فی العراق أن المسؤولیة التقصیریة (العمل غیر المشروع) تقوم على ثلاثة أرکان هی: الفعل الضار والضرر والعلاقة السببیة ضمن إطار المسؤولیة عن الأعمال الشخصیة، وإذا قارننا موقف القانون المدنی العراقی من هذه المسألة نجد بأنه یختلف تماما عن القانون الإنکلیزی. ولم ینص هذا الأخیر فی قانون الأخطاء المدنیة (law of tort) على قاعدة عامة تنظم المسؤولیة التقصیریة علما بأن قانون الأخطاء المدنیة هو قانون غیر مکتوب یقوم على السوابق القضائیة، کما أشرنا سابقا، بل نظم أنواعا معینة من الأخطاء المدنیة بما فی ذلک الإزعاج. وتجدر الإشارة أیضا إلى أنه قد صدر فی العراق قانون یسمى (قانون منع الضوضاء رقم 21 لسنة 1966). ویلحظ على هذا القانون بأنه لم یورد تعریفا للضوضاء أو الإزعاج. وهذا المسلک برأینا مسلک جید لأن إیراد التعاریف هو ذو صبغة فقهیة ولیست تشریعیة. کما صدر لاحقا قانون آخر هو (قانون حمایة وتحسین البیئة رقم 3 لسنة 1997).
المطلب الثانی
أنواع الإزعاج
یتخذ الإزعاج بوصفه خطأ مدنیا (tort) من الأخطاء التی وردت على سبیل الحصر فی قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی ثلاثة أشکال وهی الإزعاج الخاص والإزعاج العام والإزعاج التشریعی وسوف نتناول بالبحث فی هذا المطلب هذه الأنواع الثلاثة وعلى وفق ما یأتی:
1- الفرع الأول: الإزعاج الخاص Private nuisance .
2- الفرع الثانی: الإزعاج العامpublic nuisance.
3- الفرع الثالث: الإزعاج التشریعی statutory nuisance.
الفرع الأول
الإزعاج الخاص
یعد هذا النوع من أنواع الإزعاج الأکثر شیوعا فی قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی وهو تعرض أو تدخل غیر مشروع أو غیر قانونی یعترض استعمال الشخص لأرضه أو الانتفاع بها أو أی حق من الحقوق الأخرى المترتبة علیها. ویذکر أننا کنا قد أشرنا سابقا إلى هذا التعریف عندما تناولنا تعریف الإزعاج بشکل عام. فهذا النوع من الإزعاج فی القانون الإنکلیزی یرد على أو یعترض استعمال العقار أو الانتفاع به أو قد یتعرض لبعض الحقوق المرتبطة بهذا العقار أو الأرض. ویرى جانب من الفقه الإنکلیزی بأن الغایة من وراء وجود مفهوم الإزعاج الخاص فی قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی هو تنظیم عملیة استعمال الأراضی والعقارات بین الجیران ففی السابقة القضائیة المعروفة فی القانون الإنکلیزی بـ(Davey v. Harrow corp C.A 1958) إذ تعد محکمة الاستئناف بأن امتداد جذور الأشجار الطویلة من أراضی شخص ما ودخولها فی أرض جاره إزعاجا خاصا یمکن رفع دعوى المسؤولیة بشأنه. أما القانون العراقی فإنه لم یتناول بنصوص واضحة فی مثل هذا النوع من الإزعاج سواء فی القانون المدنی رقم 40 لسنة 1951 أم فی قانون منع الضوضاء رقم 21 لسنة 1966. وحتى فی فی قانون حمایة وتحسین البیئة رقم 3 لسنة 1997. ولیس هناک من سبیل سوى الرجوع إلى القواعد العامة فی القانون المدنی التی سوف نناقشها لاحقا.
الفرع الثانی
الإزعاج العام
یعد الإزعاج العام فی الأصل جریمة جنائیة إلا أنه اکتسب فیما بعد خصائص الخطأ المدنی عندما سمحت المحاکم الإنکلیزیة للمتضرر إقامة دعوى الخطأ المدنی
(action in tort). وقد عرف القضاء الإنکلیزی الإزعاج العام فی معرض حکمه فی السابقة القضائیة (A-G v. PYA Quarries) فی عام 1957 بأنه (کل فعل من شأنه أن یؤثر سلبا فی سلامة وطمأنینة وراحة حیاة أحد رعایا جلالة الملکة).
ویذهب جانب من الفقه الإنکلیزیإلى أن حالات الإزعاج العام معظمها وأکثرها شیوعا تتمثل فی سوء استعمال الطریق العام (highway) أو بعبارة ادق التدخل أو التعرض غیر المشروع لحقوق الاخرین فی استعمال الطریق العام والمرور فیه. ففی السابقة القضائیة
(castle v. st. Augustine’s links Hc. 1922) کان للمدعى علیه نادیاً للغولف وقد طارت احدى کرات الغولف الصغیرة وارتطمت بالمدعی وهو یقود سیارته فی الطریق العام المجاور لهذا النادی. وقد اصیب المدعی بأذى عندما حطمت الکرة زجاج السیارة الامامی والحقت به الضرر. فاعتبرت المحکمة بأن نادی المدعى علیه مسؤولا عن الإزعاج العام لأنه تسبب فی الحاق ضرر بفئة معینة من الاشخاص وهم الذین یرتادون الطریق العام. ومن هنا فقد جرت العادة لدى المحاکم الانکلیزیة ان تعد الازعاج أو التعرض الذی یقع فی الطریق العام بانه یمثل ازعاجا عاما. أما فی القانون المدنی العراقی فإننا نجد بأن الفقرة الاولى من المادة الثانیة من قانون منع الضوضاء رقم(21) لسنة 1966 قد نصت على انه(لا یجوز استعمال وسائل البث فی الاماکن العامة بکیفیة تؤدی الى اقلاق راحة الغیر...) ویقصد بوسائل البث الاجهزة کلها التی من شأنها ان تؤدی الى احداث الصوت او نقله أو تکبیره سواء أکانت تعمل بالکهرباء أم بغیره کالمسجل ومکبر الصوت والتلفاز والمذیاع او حتى الاجهزة الاخرى الاکثر تطورا فی الوقت الحاضر. وخلاصة القول لا یخول الازعاج العام فی القانون الانکلیزی المتضرر الادعاء بالحق المدنی الا اذا ترتب علیه، وفقا لرأی أحد الفقهاء الانکلیز، إعاقة أو اعتراض فی الطریق العام، وهذا الاعتراض أو التعرض هو فی حقیقته ازعاج عام ولکن اذا سبب ضررا خاصا لشخص معین فیصیر عندئذ خطأ مدنیا (أی فعلا ضارا) یستوجب المقاضاة.
الفرع الثالث
الإزعاج التشریعی
لقد ادى تزاید القلق والمخاوف لدى الحکومة البریطانیة بشأن مشکلات الصحة العامة والتلوث البیئی والاکتظاظ السکانی الى قیامها بسن عدد کبیر من التشریعات التی تعالج مشکلات الضوضاء والتلوث البیئی وغیرها من المشکلات التی تؤثر على راحة وسلامة الافراد. ویرى جانب من الفقه الانکلیزی بأن حالات الازعاج التی تنظمها التشریعات الانکلیزیة لا تعنى بالمسائل التفصیلیة المتعلقة بالخطأ المدنی کإقامة الدعوى وطرائق الاثبات لأنها تقع ضمن الاختصاص المباشر للسلطات العامة وان تنفیذها یکون على عاتقها. واذا ما قارننا هذا النوع من الازعاج فی القانون الانکلیزی بموقف القانون العراقی فإننا نجد بأن قانون منع الضوضاء رقم(21) لسنة 1966 قد منح بموجب نص المادة الرابعة لرجال السلطة حق الاشراف والمراقبة فیما یتعلق باستعمال وسائل البث فی الاماکن العامة کما خولهم اتخاذ الاجراءات القانونیة المناسبة بحق المخالفین وفرض عقوبات محددة علیهم. أما القانون المدنی العراقی. واشرنا سابقا. فإنه وعلى عکس القانون الانکلیزی لم یتضمن حالات معینة على سبیل الحصر تتناول انواع الخطأ التقصیری (أو الفعل الضار) بل نص على قاعدة عامة تنظم احکام المسؤولیة عن الفعل غیر المشروع وذلک فی المادة (204) من القانون المدنی العراقی. ونصت الفقرة الاولى من المادة(216) على انه (لا ضرر ولا ضرار والضرر لا یزال بمثله ولیس للمظلوم ان یظلم بما ظلم ) وهذا النص قرر قاعدة عامة ایضا تقضی بأن محدث الضرر یکون قد تعدى أی تجاوز الحد وبذلک تنهض مسؤولیته عن تعویض الضرر. وتطبیقا لهذه النصوص فإننا نرى بأن کل شخص یرتکب فعلا ضارا من شأنه ازعاج الاخرین أو مضایقتهم فإنه یکون مسؤولا عن تعویض الضرر الذی یلحقه بالآخرین نتیجة فعله. وتجدر الاشارة اخیرا الى ان ابرز التشریعات التی صدرت فی بریطانیا وجسدت مفهوم الازعاج التشریعی هو قانون حمایة البیئة لعام 1990(Environmental protection act 1990).
المطلب الثالث
التمییز بین الإزعاج والأخطاء المدنیة الأخرى فی القانون الإنکلیزی
بما أن قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی (law of tort) یتضمن مجموعة من الأخطاء المدنیة على سبیل الحصر ولم یورد قاعدة عامة کما ذکرنا لأنه قانون مبنی على السوابق القضائیة وتطبیقات المحاکم لذا فإن هذه الأخطاء المدنیة قد تلتقی بعضها مع البعض الآخر فی أوجه شبه معینة. وتختلف عن بعضها البعض فی أوجه اختلاف أخرى. لذا فسوف نمیز فی هذا المطلب بین الإزعاج وبین صورتین أخرتین من صور الأخطاء المدنیة الإنکلیزیة وهما الإهمال والتعدی على العقار على وفق ما یأتی:
1- الفرع الأول: التمییز بین الإزعاج والإهمال.
2- الفرع الثانی: التمییز بین الإزعاج والتعدی على العقار.
الفرع الأول
التمییز بین الإزعاج والإهمال
یعرف جانب من الفقه الإنکلیزی الإهمال بأنه (سلوک غیر متبصر یسلکه شخص وینشأ عنه ضرر یصیب شخصاً آخر. ویتشابه الإزعاج مع الإهمال فی أن کلاهما یعد خطأ من الأخطاء المدنیة الواردة فی القانون الإنکلیزی. إلا أنه تبرز بینهما الاختلافات الآتیة:
أولا- فی دعوى الإهمال، تتحقق المحکمة من طریقة تصرف المدعى علیه. أما فی دعوى الإزعاج فإن المحکمة تتحقق من الفعل الذی ارتکبه المدعى علیه بشکل عام ومدى تأثیره على استعمال الجار لعقاره فضلا عن مصلحة هذا الأخیر التی یحمیها القانون فی استعمال عقاره والانتفاع به والحقوق المترتبة علیه ومن ثم الموازنة بین فعل المدعى علیه وحقوق المدعى.
ثانیا- فی دعوى الإهمال یقع على عاتق المدعی عبء إثبات ثقیل یتمثل فی أن المدعى علیه کان ملزما قانونا باتخاذ العنایة المطلوبة وأنه قد أخل بواجب العنایة. أما فی دعوى الإزعاج فإن عبء الإثبات یکون أیسر فالمدعی یجب أن یثبت أن المدعی علیه کان ملزما بالقیام بعدم التعرض أو التدخل غیر المعقول ضد استعمال المدعی لعقاره وتمتعه بالحقوق الأخرى التی تترتب على هذا العقار.
ثالثا- تقوم المسؤولیة المدنیة عن الإهمال فی القانون الإنکلیزی على أساس الخطأ. إذ یذهب الفقه الإنکلیزی إلى أن الرکن المعنوی للخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی یتکون من ثلاث صور هی:
سوء النیة (malice), والعمد (intention), والإهمال (negligence) الذی یعد بحد ذاته أحد الصور الذهنیة الثلاث التی تمیز الرکن المعنوی للخطأ، أما المسؤولیة المدنیة عن الإزعاج فی القانون الإنکلیزی فإنها لا تقوم على أساس الخطأ بل على أساس الضرر الذی لحق بالمتضرر والمصلحة التی جرى الإخلال بها ولا تنظر إلى سلوک الفاعل کما فی الإهمال.
الفرع الثانی
التمییز بین الإزعاج والتعدی على العقار
التعدی على العقار هو تعرض غیر مبرر لحیازة عقار معین. أما الإزعاج کما رأینا سابقا فهو تعرض غیر مشروع ضد استعمال الشخص لعقاره أو الحقوق التی تتعلق بهذا العقار. ویتبین من ذلک بأن کل من التعدی والإزعاج یرد على العقار وأن کلیهما من الأخطاء المدنیة فی القانون الإنکلیزی. إلا أنه ومع ذلک فإن هناک اختلافان جوهریان بینهما:
أولا- تقوم المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن التعدی على العقار على أساس الخطأ لأنها تعتمد على التعمد أو الفعل العمدی فی حین أن المسؤولیة المدنیة التی تترتب على الإزعاج تقوم على أساس الضرر.
ثانیا- یتخذ التعدی على العقار أشکال عدیدة منها الدخول غیر المشروع إلى العقار والبقاء فیه بصورة غیر مشروعة ووضع أشیاء معینة فی العقار. ویتخذ الإزعاج أشکالا أخرى منها التعرض ضد استعمال العقار أو الانتفاع به أو حق من الحقوق التی تترتب علیه بل قد یمتد إلى أنواع أخرى من التعرض کالضوضاء وانبعاث الروائح الکریهة والاهتزازات والانبعاثات الحراریة.
المطلب الرابع
المصالح المحمیة عن طریق فکرة الإزعاج
تنحصر أهم انواع المصالح التی تتمتع بالحمایة بالمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج فی نوعین رئیسین هما المصالح المادیة الملموسة أو المحسوسة والمصالح المعنویة غیر الملموسة وسوف نتناول فی هذا المطلب هذین النوعین من المصالح على وفق ما یأتی:
1- الفرع الأول: المصالح المادیة الملموسة.
2- الفرع الثانی: المصالح المعنویة غیر الملموسة.
الفرع الأول
المصالح المادیة الملموسة
تتمثل ابرز انواع المصالح المادیة التی تحمیها فکرة المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج فی استعمال الشخص لعقاره والانتفاع به وبالحقوق الأخرى المرتبطة به ضد أی تعرض أو إعاقة غیر معقولة أو غیر معتادة (unreasonable interference) التی من شأنها أن تسبب أضرارا مادیة (physical damage) للعقار فضلا عن الأضرار الشخصیة (personal injuries) والتی قد تصیب مالک العقار أو حائزه. ویرى جانب من الفقه الإنکلیزیبأن هذا النوع من المصالح یرتبط بفکرة الإزعاج الخاص أکثر من أنواع الإزعاج الأخرى، والذی من شأنه أن یعترض بشکل غیر معقول هذا النوع من المصالح ویلحق الضرر بها. وقد یمتد الاعتراض أو التعرض لیشمل صورا أخرى کالضوضاء والروائح الکریهة والأبخرة والدخان وغیر ذلک کما ذکرنا من قبل.
الفرع الثانی
المصالح المعنویة غیر الملموسة
تنحصر المصالح المعنویة غیر الملموسة فی قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی فی حالة واحدة وهی سلامة الراحة النفسیة لسکان الأحیاء المرموقة والمحترمة التی تصاب بأذى نفسی بالغ من جراء إنشاء دور للدعارة وسط هذه الأحیاء.
الأمر الذی یمثل فی القانون الإنکلیزی ما یعرف بالإزعاج النفسی أو الإزعاج الموجه
إلى أسباب الراحة النفسیة (amenity nuisance) ففی السابقة القضائیة
(Thompson schwab v. costaki CA. 1956) فقد قضت محکمة الاستئناف بأن استعمال الدار الکائنة فی حی سکنی محترم لأغراض الدعارة یعد بمثابة إزعاج نفسی قابلة للمقاضاة وأردفت المحکمة فی حکمها بأن الإزعاج الذی یصیب أسباب الراحة النفسیة یتمثل فی مشاهدة سکان الحی للداخلین والخارجین إلى هذا المنزل، لذا فإن الضرر هو ضرر معنوی غیر ملموس (intangible damage) أما بالنسبة إلى موقف القانون المدنی العراقی من تقسیم المصالح إلى مادیة ومعنویة فإننا نجد بأن قواعد المسؤولیة عن الفعل الضار (أو العمل غیر المشروع) توفر الحمایة للنوعین کلیهما من المصالح. وقد تناول المشرع العراقی فی نطاق المسؤولیة التقصیریة التعویض عن الضرر بنوعیه: المادی والذی یصیب مصلحة مالیة أو مادیة فضلا عن الأدبی الذی یصیب مصلحة غیر مالیة وذلک بموجب الفقرة الأولى من المادة (205) من القانون المدنی العراقی والتی نصت على أنه (یتناول حق التعویض الضرر الأدبی کذلک...) فضلاً عن إلى الضرر المادی. إلا أن الفقرة الثالثة من هذه المادة قیدت انتقال الحق فی التعویض عن الضرر الأدبی إلى الغیر کالورثة والدائنین بوجود اتفاق بین المتضرر والمسؤول من إحداث الضرر أو بصورة حکم قضائی نهائی بشأنه. خلافا للتعویض عن الضرر المادی الذی ینتقل إلى الغیر من دون انتظار لاتفاق أو صدور حکم قضائی یحدد مقداره.
المبحث الثانی
الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج فی القانون الإنکلیزی والقانون المدنی العراقی
کنا قد اشرنا سابقا الى ان قانون الاخطاء المدنیة الانکلیزی حدد على سبیل الحصر انواع عدیدة من الاخطاء المدنیة، کالإهمال (negligence) والتعدی على العقار
(trespass to land) والتعدی على الاشخاص(trespass to persons) والتشهیر أو القذف(defamation) فضلا عن الازعاج(nuisance). ولم یحدد القانون الانکلیزی قاعدة عامة تحکم المسؤولیة عن الاخطاء المدنیة (أو الافعال الضارة) وهو یقترب فی موقفه هذا من الفقه الاسلامی الذی یعتمد على التطبیقات من دون ایراد قواعد عامة. وما یمیز المسؤولیة المدنیة الناجمة عن الاخطاء المدنیة فی القانون الانکلیزی انها تختلف باختلاف صور هذه المسؤولیة أو أنواعها المشار الیها فی اعلاه والسبب فی ذلک ایضا هو عدم وجود قاعدة عامة تجمع بینها وتوحد اساس المسؤولیة. وسوف نقوم فی هذا المبحث بدراسة الاساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الازعاج فی القانون الانکلیزی ومقارنته بالأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة الناجمة عن الازعاج فی القانون المدنی العراقی على وفق القواعد العامة فی هذا الاخیر. ولذا فسوف نقسم هذا المبحث الى مطلبین على وفق ما یأتی:
1- المطلب الأول: الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج فی القانون الإنکلیزی.
2- المطلب الثانی: الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج فی القانون المدنی العراقی.
المطلب الأول
الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج فی القانون الإنکلیزی
ینضوی الازعاج تحت مفهوم الاخطاء المدنیة فی القانون الانکلیزی والتی لا تخضع لقاعدة عامة تحدد اساس المسؤولیة المدنیة الناجمة عنها لان قانون الاخطاء المدنیة الانکلیزی (law of torts) هو فی الاصل قانون غیر مکتوب ویبنی على السوابق القضائیة والمسألة التی تثیر الانتباه فی القانون الإنکلیزی هی أن أساس المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الخطأ المدنی یختلف باختلاف صور هذا الخطأ وأنواعه. ولکی نتعرف وعن کثب على الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج فی القانون الإنکلیزی فإنه ینبغی علینا أن ندرس وبدقة مفهوم الخطأ المدنی وأرکانه وتأثیر هذه الأرکان على تحول أساس المسؤولیة المدنیة عن الخطأ المدنی من النظریة الشخصیة إلى الموضوعیة وبالعکس وهذا ما سوف یساعدنا فی فهم التکییف القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج. لذا فسوف نقسم هذا المطلب إلى فرعین على وفق ما یأتی:
1- الفرع الأول: مفهوم الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی.
2- الفرع الثانی: التکییف القانونی للمسؤولیة المدنیة الناجمة عن الإزعاج فی القانون الإنکلیزی.
الفرع الأول
مفهوم الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی
إن الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی هو (الجرم المدنی الذی یرتکبه شخص ضد مصالح شخص آخر وهذه المصالح تکون محمیة بالقانون). ویتکون الخطأ المدنی (tort) فی القانون الإنکلیزی من رکنین: الأول هو الرکن المادی، والثانی هو الرکن المعنوی.
أولا: الرکن المادی.
یتکون الرکن المادی عادة إما من القیام بعمل إیجابی (act) أو الامتناع عن العمل أی الامتناع السلبی عن القیام بعمل (omission). فالمدعى علیه یکون قد ارتکب الرکن المادی للخطأ إما بقیامه بعمل محدد أو امتناعه عن القیام بعمل محدد. وینشأ غالباً عن فعل أو ترک المدعى علیه ضرر یلحق بالمدعی مع ضرورة قیام علاقة السببیة بین الفعل أو الترک من جهة وبین الضرر من جهة أخرى. إلا أن الرکن المادی قد لا یکفی فی الغالب لنهوض المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الخطأ المدنی بل یقتضی الأمر أیضا توفر الرکن المعنوی.
ثانیا: الرکن المعنوی أو الذهنی أو النفسی.
وهو حالة ذهنیة معینة تنشأ لدى الفاعل عند قیامه بالفعل أو الترک المکون للخطأ المدنی. ویرى جانب من الفقه الإنکلیزی بأن الرکن المعنوی له خصوصیة مهمة جدا فی قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی. إذ أن هناک مسألتین مهمتین تتوقفان على الرکن المعنوی: الأولى هی أن الطبیعة القانونیة للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الخطأ المدنی تتوقف على هذا الرکن وهو یساهم فی أغلب الحالات فی إعطاء التکییف القانونی الدقیق للمسؤولیة. کما هو معروف فإن الرکن المادی المکون من الفعل أو الترک فضلا عن علاقة السببیة تعد عناصر أو أرکان شائعة فی أنواع الخطأ المدنی کلها فی القانون الإنکلیزی والاختلاف فی التکییف ینشأ عن وجود أو غیاب الرکن المعنوی ومکوناته.
أما المسألة الثانیة: فهی أن الاختلاف بین أنواع الأخطاء المدنیة التی تسبب فی نهوض المسؤولیة المدنیة إنما یکون سببه وجود أو غیاب الرکن المعنوی من بنیة الخطأ المدنی. ولأن قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی لم یحدد أو یرسم قاعدة عامة تشکل الأساس للمسؤولیة المدنیة عن الخطأ المدنی. لذا فإن المسؤولیة قد تتراوح من مسؤولیة خطئیة فی حالة وجود الرکن المعنوی ومن ثم ینبغی إثبات هذا الرکن الذی یمثل بالحالة الذهنیة للفاعل إلى مسؤولیة ولیس خطئیة فی حالة غیاب الرکن المعنوی ومکوناته. ویرى جانب من فقه القانون الإنکلیزی بأن الحالة الذهنیة المکونة للرکن المعنوی لها ثلاثة أوجه بارزة هی سوء النیة (malice) والعمد (intention), فضلا عن الإهمال (negligence). لذا فإنه عند توفر هذه الأوجه فی الرکن المعنوی فإن المسؤولیة تکون خطئیة کما أشرنا سابقا. ومن ثم تدخل ضمن نطاق النظریة الشخصیة للمسؤولیة، أما عند عدم توافر هذه الأوجه أو بعضها فإن المسؤولیة لا تکون خطئیة وتدخل فی إطار النظریة الموضوعیة للمسؤولیة. إذ یبنى الإهمال مثلاً على أساس المسؤولیة الخطئیة وکذلک التعدی على العقار لأنه یستند على الفعل العمد أی التعمد فی دخول عقار الغیر ونیة التعرض أو التعدی على هذا العقار. ومن ثم فإن کلاهما (أی الإهمال والتعدی) ینضوی تحت عنوان أو مفهوم النظریة الشخصیة للمسؤولیة وهی نظریة خطئیة. فی حین أن الأمر مختلف بالنسبة إلى الإزعاج وکما سنرى بعد قلیل. أما فی القانون المدنی العراقی فإن أساس المسؤولیة التقصیریة (العمل غیر المشروع) یستند على فکرة التعدی أو التعمد وبذلک على وفق الرأی الفقهی الراجح فی القانون المدنی العراقی وخلافا للقانون المدنی المصری الذی یؤسس المسؤولیة التقصیریة على فکرة الخطأ.
الفرع الثانی
التکییف القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج فی القانون الإنکلیزی
ینقسم الإزعاج فی القانون الإنکلیزی، وکما رأینا سابقا. ثلاثة أقسام وهی الإزعاج الخاص والعام والتشریعی. وإذا ما استبعدنا الإزعاج التشریعی الذی یرد بنص تشریعی. فإن اهتمامنا سوف ینصب على النوعین الأولین. فبالنسبة إلى الإزعاج الخاص (private nuisance) فإن جوهر هذا النوع من الإزعاج یکمن فی قیام الشخص باستعمال عقاره استعمالا غیر معتاد أو غیر معقول (unreasonable use) مما یلحق ضررا بعقار جاره. ویرى جانب من الفقه الإنکلیزی بأن هذا النوع من الإزعاج یمثل خطأً مدنیاً یؤدی الى إلحاق ضرر مادی بالعقار نفسه (material damage) ولیس مجرد أضرارا شخصیة (personal injuries). ففی السابقة القضائیة (hunter v. canary wharf Ltd, 1997) تم تشیید أبراج ومبانی مرتفعة فی لندن ونتیجة لذلک فقد ادعى المدعی حصول أضرار تنجم عن الإزعاج من جراء إعاقة الموجات والذبذبات التلفازیة بسبب هذه الأبراج العالیة. وقد قرر مجلس اللوردات فی حکمه عدم وجود مبرر لحصول الإزعاج بسبب اعتراض موجات البث التلفازی المبانی المرتفعة المشیدة.
کما أشار المجلس فی حکمه إلى ضرورة قیام المدعی فی دعوى الإزعاج (nuisance action) بإثبات تعرض مصالحه فی العقار إلى الضرر لذا فقد أرسى مجلس اللوردات قاعدة مفادها أن الإزعاج الخاص هو خطأ یرتکب ضد العقار. وأردف المجلس فی قراره بأن غایة القانون هی السعی لتحقیق نوع من التوازن بین المصالح المتعارضة والتی تتمثل فی مصلحة المدعى علیه فی استعمال عقاره کما یرغب ومصلحة جاره فی عدم تعرضه للمضایقة بشکل خطیر. وأکد مجلس اللوردات بأنه لا یمکن لکل إعاقة أو اعتراض interference أن تکون سببا لإقامة دعوى الإزعاج لأنه ینبغی على الناس التسامح فیما بینهم فی تحمل کثیر من المضایقات حتى یتحقق التعایش السلمی ویعنی مفهوم الإعاقة البالغة أو الخطیرة حدوث شیء أکبر من مجرد المضایقات الیومیة المألوفة. وتعلیقا على هذا الحکم فقد أکد جانب من الفقه الإنکلیزیبأن الإعاقة لا تصبح غیر مشروعة إلا عندما یقوم المدعى علیه باستعمال عقاره استعمالا غیر معتاد أو غیر معقول. وإذا ما تسبب الإزعاج فی حدوث ضرر مادی ملموس فإنه یکون من السهولة بمکان على المدعی إثبات الإعاقة غیر المشروعة. ویؤکد فقیه إنکلیزی آخربأن الإزعاج الخاص یخل بعملیة الموازنة بین حق المدعى علیه فی استعمال عقاره کما یشاء مقابل حق المدعی فی التمتع بعقاره من دون إعاقة أو اعتراض.
لذا فإنه ینبغی على المدعی لکی ینجح فی دعواه إثبات وقوع إعاقة جوهریة (substantial interference).
وفی حقیقة الأمر فإن عملیة إعاقة استعمال العقار والانتفاع منه بشکل معقول قد تأخذ أشکال أخرى من شأنها إحداث الضرر المادی کالضوضاء والدخان والأبخرة والروائح والاهتزازات.
ففی السابقة القضائیة (st Helenssmelting co v. tipping 1865) اشترى المدعی أرضا بجانب مصنع لصهر النحاس ومن جراء تصاعد الأبخرة والدخان من المصنع فقد ادى ذلک إلى تلف أشجار ومحاصیل المدعی. وقد قضت المحکمة بمسؤولیة المدعى علیه (المصنع) عن الأضرار التی أصابت أشجار المدعی ومحاصیله نتیجة انبعاث الأبخرة والدخان. وکذلک السابقة القضائیة (Halsey v. Esso petroleum co Ltd, 1961) قضى مجلس اللوردات بمسؤولیة المدعى علیهم عن إزعاج الناس الذین یسکنون قرب المصنع لانبعاث روائح کریهة من مصنعهم فضلا عن الضوضاء الحاصلة نتیجة مجیء ومغادرة صهاریج البترول.
ویتبین من السوابق القضائیة المعروضة وآراء الفقهاء الإنکلیز بأن أساس المسؤولیة المدنیة الناجمة عن الإزعاج الخاص لا یستند إلى وجود الرکن المعنوی للخطأ المدنی والعناصر المکونة له والمشار إلیها سابقا بل یعتمد بشکل أوثق على سلوک المدعى علیه ویرتبط بمقدار الضرر الواقع على العقار بعیدا عن العناصر المکونة للرکن المعنوی من عمد ونیة اعتیادیة وإهمال. لذا یمکن القول بأن هذه المسؤولیة هی مسؤولیة خطئیة تقوم على عنصر الضرر وتدخل ضمن إطار المسؤولیة الموضوعیة أو ما یعرف بالنظریة الموضوعیة للمسؤولیة. یختلف أساس المسؤولیة التی تنجم عن الإزعاج عن المسؤولیة الناجمة عن کل من الإهمال والتعدی عن العقار. إذ یعد کلاهما تطبیقا لمبدأ المسؤولیة الخطئیة کما أوضحنا سابقا، وینضویان تحت مفهوم النظریة الشخصیة للمسؤولیة. فالمسؤولیة عن الإهمال هی مسؤولیة خطئیة لأنها تقوم على أساس النیة أو إرادة الفعل أو الترک لکن من دون إرادة النتیجة ویتمثل ذلک فی عدم بذل العنایة والحرص اللازمین. بحد ذاته عده الفقهاء الإنکلیز أحد مقومات الرکن المعنوی للخطأ المدنی. وکذلک الحال بالنسبة إلى التعدی على العقار فإن المسؤولیة الناجمة عنه تستند على سوء النیة (malice) أی النیة للتعرض أو التعدی على عقار الغیر. ویمکننا القول بأن الخطأ المدنی المکون للتعدی على العقار لا یتکون من الرکن المادی أی السلوک المادی للمدعى علیه فحسب بل یتکون أیضا من الرکن المعنوی أی الحالة الذهنیة للمتعدی التی تتسم بوجود سوء النیة و العمد أی إرادة الفعل والنتیجة معا. وکلما توافر هذان الرکنان ولاسیما الفعل العمد تنهض المسؤولیة من دون الحاجة إلى إثبات تعرض عقار المدعی إلى الضرر وذلک على العکس تماما من المسؤولیة عن الإزعاج الخاص التی تقوم على السلوک المجرد للمدعى علیه دون النظر إلى سوء النیة و العمد وتستند على الضرر المادی الذی یصیب العقار إلى درجة أن بعض الفقهاء الإنکلیزوصف هذا النوع من الأخطاء المدنیة بأنها ترتبط بالعقار أو الأرض. وقد أکد مجلس اللوردات ذلک أیضا فی معرض فصله فی قضیة (Hunter v. canary) المشار إلیها سابقا عندما ذکر بأن الإزعاج الخاص هو خطأ مرتبط بالعقار وبصرف النظر عن الأذى الشخصی والمضایقات التی قد تصیب المدعی (nuisance being a tort to land) وهذا الدلیل على أن المسؤولیة المدنیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج هی مسؤولیة غیر مبنیة على الخطأ أساسها النظریة الموضوعیة للمسوؤلیة، بقی أن نذکر أخیرا بأن المسؤولیة المدنیة الناجمة عن الإزعاج العام (public nuisance) لا تستند على الضرر المادی الذی یصیب العقار فحسب بل تستند أیضا على الأضرار الشخصیة.
ففی السابقة القضائیة (Halsey v. Esso petroleum co Ltd, 1961) المشار إلیها سابقا، تعرض منزل المدعی لأضرار لانبعاث الحوامض من مصنع المدعی.
فضلا عن تعرض المدعی شخصیا هو وسیارته إلى أضرار فی أثناء وقوفها أمام البیت. فعد مجلس اللوردات المسؤولیة التی تنجم عن الضرر الذی لحق بالبیت بأنها تقوم على الإزعاج الخاص أو الأضرار الشخصیة وتلک التی لحقت بالسیارة المتوقفة على قارعة الطریق بأنها تمثل أساسا للمسؤولیة عن الضرر العام.
المطلب الثانی
الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة الناجمة عن الإزعاج فی القانون المدنی العراقی
کنا قد أشرنا سابقا إلى أن القانون المدنی العراقی وخلافا لقانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی أورد قاعدة عامة تحکم المسؤولیة عن العمل غیر المشروع (الفعل الضار) بموجب المادة (204) والتی نصت على أن (کل تعد یصیب الغیر بأی ضرر آخر غیر ما ذکر فی المواد السابقة یستوجب التعویض). ولم یحدد أفعال ضارة معینة على سبیل الحصر کما فعل قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی عندما حدد أخطاء مدنیة معینة من دون أن تربط بینها قاعدة عامة. ونظرا لکون الأساس التی تقوم علیه المسؤولیة التقصیریة (العمل غیر المشروع) فی القانون المدنی العراقی هو فکرة التعدی أو التعمد على العکس من بعض القوانین المدنیة العربیة الأخرى وعلى رأسها القانون المدنی المصری والذی یقوم أساس المسؤولیة التقصیریة فیه على فکرة الخطأ تأثرا بالقانون المدنی الفرنسی. ولأن نظریة التعسف فی استعمال الحق تعد من أهم صور وتطبیقات التعدی أو التعمد فضلا عن الاتلاف والغصب. ولأن هذه النظریة برأینا یمکن أن تفسر حالات نهوض المسؤولیة التقصیریة التی تنجم عن المضایقات والإزعاج فی القانون المدنی العراقی. کذلک واستنادا إلى کل ما سبق ذکره فسوف نقسم هذا المطلب إلى فرعین: نکرس الأول لدراسة فکرة التعسف فی استعمال الحق بوصفها تفسیرا لحالات الإزعاج والمضایقة فی القانون المدنی العراقی. والثانی لدراسة فکرة مضار الجوار غیر المألوفة بوصفها من أهم صور وتطبیقات نظریة التعسف فی استعمال الحق ولأنها تمثل التکییف السلیم والصحیح للمسؤولیة عن المضایقات والإزعاج فی القانون المدنی العراقی بما یأتی:
1- الفرع الأول: فکرة التعسف فی استعمال الحق.
2- الفرع الثانی: التکییف القانونی للمسؤولیة المدنیة الناجمة عن المضایقات والإزعاج.
الفرع الأول
فکرة التعسف فی استعمال الحق
یعد التعسف فی استعمال الحق أو إساءته الحق من تطبیقات فکرة التعدی أو التعمد فی القانون المدنی العراقی ویعرفه جانب من فقه القانون المدنی فی العراقبأنه (إلزام الشخص الذی یمارس حقا من حقوقه من دون أن یتجاوز حدوده بتعویض الغیر عن الضرر الذی ینشأ عن استعمال الحق على نحو ینحرف به عن وظیفته الاجتماعیة التی تحددها قیم المجتمع ومصلحته). ویرى جانب آخر من فقه القانون المدنی فی العراق بأن القاعدة العامة فی هذا الشأن هی أن الشخص الذی یستعمل حقه استعمالا جائزا ومشروعا لا یلزم بضمان ما قد یترتب على هذا الاستعمال من ضرر على وفق المادة السادسة من القانون المدنی العراقی والتی نصت على أن (الجواز الشرعی ینافی الضمان، فمن استعمل حقه استعمالا جائزا لم یضمن ما ینشأ عن ذلک من ضرر). إلا أن المشرع العراقی ما لبث أن أورد استثناء لهذه القاعدة قضى بموجبه أن الاستعمال غیر الجائز أو غیر المشروع للحق یلزم صاحبه بتعویض ما قد ینجم عن هذا الاستعمال من ضرر. إذ نصت الفقرة الأولى من المادة السابعة على أن (من استعمل حقه استعمالا غیر جائز وجب علیه الضمان). ویرى غالبیة فقه القانون المدنی فی العراق بأن الأساس القانونی لفکرة التعسف فی استعمال الحق هو المسؤولیة التقصیریة عن الفعل الضار وأن هذه الفکرة مجرد تطبیق من تطبیقات فکرة التعمد أو التعدی. فالتعدی هو تجاوز الحدود التی یجب على الشخص الالتزام بها فی سلوکه ویمثل هذا التجاوز إنحرافاً فی السلوک. وقد یکون الانحراف متعمدا أو غیر متعمد. فالانحراف المتعمد هو ما یرتبط بسوء النیة أی بقصد الإضرار بالغیر. فی حین نجد بأن الانحراف غیر المتعمد غالبا ما ینشأ عن إهمال وتقصیر. ویذهب جانب من فقه القانون المدنی فی العراق إلى أن الأصل فی التعدی هو عندما یخرج الإنسان عن حدود الحق أو الرخصة. إلا أنه فی التعسف فی استعمال الحق یکون الشخص قد تعدى ومن ثم انحرف فی سلوکه إذا استعمل حقه دون أن یتجاوز حدود ذلک الحق إلا أنه انحرف عن الوظیفة أو الغرض الاجتماعی لهذا الحق. وتجدر الإشارة إلى أن التعسف فی استعمال الحق یتحدد بمقتضى معیارین: الأول معیار شخصی أو ذاتی والثانی مادی أو موضوعی، فالمعیار الشخصی یعتبر أن التعسف فی استعمال الحق قد تحقق إذا انصرفت نیة الشخص إلى الإضرار بالغیر فیعد الشخص متعسفا ویلزم بالتعویض. ویمیز المعیار المادی بین الاستعمال العادی والاستعمال الشاذ (غیر المألوف) للحق. فیعد التعسف متحققا إذا قام الشخص باستعمال حقه استعمالا شاذا (غیر مألوف). وهذا یشبه ما ذکرناه سابقا عن معیار التحقق من وقوع الإزعاج الخاص فی القانون الإنکلیزی الذی یحدث عند استعمال الشخص لعقاره استعمالا غیر معتاد أو غیر معقول مما یلحق ضررا بجاره. ویرى جانب من الفقه فی العراق بأن المشرع العراقی أخذ فی المادة السابعة من القانون المدنی العراقی بالمعیارین الشخصی والموضوعی کلیهما. إذ نصت الفقرة الثانیة من المادة السابعة على أنه (یصبح استعمال الحق غیر جائز فی الأحوال الآتیة: أ- إذا لم یقصد بهذا الاستعمال سوى الإضرار بالغیر...) ففی هذه الحالة فإن المعیار المستخدم للتحقق من وقوع التعسف هو نیة مستعمل الحق وما إذا کانت النیة حسنة أم سیئة. فإذا ما ثبت أن نیة صاحب الحق من وراء استعماله لحقه کانت قد انصرفت لإزعاج جاره أو مضایقته فحسب عندئذ یکون قد تعسف فی استعمال حقه. ألا أن ما یعیب هذا المعیار صعوبة تطبیقه لأن الکشف عن خفایا النفس البشریة وبواعثها لیس بالأمر السهل. أما بخصوص رجحان الضرر على المصلحة وعدم مشروعیة المصلحة وهما الحالتان الثانیة والثالثة من حالات التعسف فی استعمال الحق بموجب المادة السابعة فقد أخذ المشرع العراقی بالمعیار المادی أو الموضوعی، وقد أخذ القضاء العراقی بالمعیار المادی أو الموضوعی للتحقق من وقوع التعسف فی استعمال التعسف. إذ جاء فی أحد قراراته (بأن الممیز المدعى علیه کان قد فتح فی داره مجرى حدیثا تتسرب منه المیاه إلى داخل دار المدعی وأحدثت أضرارا فیها قدرها الخبیر بنتیجة الکشف بمبلغ ... وکانت هذه الأضرار تفوق مصلحة المدعى علیه. لذا یکون الحکم بسد المجرى مع إلزام المدعى علیه بأدائه للمدعی مبلغ ... عن الأضرار التی لحقت داره صحیحا وموافقا للقانون).
الفرع الثانی
التکییف القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن المضایقات و الإزعاج
ذکرنا سابقا بأن فکرة التعسف فی استعمال الحق تعد بمثابة الأساس القانونی للمسؤولیة التقصیریة التی تنجم عن المضایقات والإزعاج فی القانون المدنی العراقی. وهذه الفکرة تعد کذلک من التطبیقات البارزة لرکن التعمد أو التعدی الذی یقوم علیه الفعل الضار. وإذا ما أردنا التوصل إلى التکییف القانونی الدقیق للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن المضایقات والإزعاج فی القانون المدنی العراقی، فإنه یکون لزاما علینا أن نتناول بالبحث والدراسة فکرة (مضار الجوار غیر المألوفة).
نشیر إلى أن نص الفقرة الأولى من المادة (1051) من القانون المدنی العراقی التی أوردت قاعدة عامة تنظم مسؤولیة الجار عن مضار الجوار غیر المألوفة. إذ نصت على أنه (لا یجوز للمالک أن یتصرف فی ملکه تصرفا مضرا بالجار ضررا فاحشا والضرر الفاحش یزال سواء أکان حادثا أو قدیما) ویقابل هذا النص الفقرة الأولى من المادة (807) من القانون المدنی المصری الذی لابد أن نشیر إلیه فی هذا الصدد لأهمیته. وفی الحقیقة فقد انقسم فقه القانون المدنی إلى عدة آراء واتجاهات فیما یتعلق بالتأصیل القانونی لمسؤولیة الجار عن مضار الجوار غیر المألوفة. إلا أنه ومن بین هذه الاتجاهات یبرز لدینا اتجاهان رئیسان یمثلان خلاصة موقف الفقه العربی.
دافع عن الاتجاه الأول الفقیه الکبیر الأستاذ الدکتور السنهوری. إذ یجد بأن هذه المسؤولیة تقوم على نظریة تحمل التبعة. فالمالک الجار لم ینحرف عن السلوک المألوف للشخص المعتاد إلا أنه ومع ذلک فقد ألحق بجاره ضررا غیر مألوف بنشاطه وهو یستعمل حقه. والمسألة المهمة التی یرید الفقیه (السنهوری) تأکیدها هی أن المالک لم یرتکب خطأ ولم یتعسف فی استعمال حقه إلا أنه ینبغی أن یتحمل تبعة نشاطه لأنه هو المستفید من استعماله لملکه استعمالا استثنائیا غیر عادی. فمن العدل أن یتحمل تبعة هذا الاستعمال فیکون علیه الغرم کما کان له الغنم. والغرم بالغنم. ویرى هذا الجانب من الفقه کذلک بأن الفرق واضح جدا بین حالة مضار الجوار غیر المألوفة من جهة وحالتی الخطأ والتعسف فی استعمال الحق (أی حق الملکیة) من جهة أخرى. ففی حالة الخطأ ینبغی أن یکون هناک خطأ، إما ثابتاً أو مفترضاً من المالک، وفی حالة التعسف فی استعمال حق الملکیة فقد یکون هناک قصد من جانب المالک للإضرار بالجار أو رجحان الضرر الذی یصیب الجار على مصلحة المالک رجحانا کبیرا أو رغبته (أی المالک) فی تحقیق مصلحة غیر مشروعة. أما فی حالة مضار الجوار غیر المألوفة فإن المالک لم ینحرف عن السلوک المألوف للشخص المعتاد لا خروجا عن حدود حق الملکیة ولا تعسفا فی استعمالها. وکل ما فی الأمر أن استعمال المالک لحق ملکیته أضر بالجار. وتبنى الاتجاه الثانی فقهاء القانون المدنی فی العراق أغلبهم وهو متفق على أن مضار الجوار غیر المألوفة تعد من أقدم صور التعسف فی استعمال الحق وأکثرها شیوعا فی التطبیق العملی ویمکن رد تطبیقات التزامات الجوار جمیعها إلى هذه الفکرة. وإذا کان معیار مضار الجوار غیر المألوفة لم یظهر فی نص المادة السابعة من القانون المدنی العراقی أسوة بالمعاییر الثلاثة الأخرى. فإن مما لا یعنی بأن المشرع قد عدل عن أن یعد تطبیقا من تطبیقات نظریة التعسف فی استعمال الحق، بل لأنه اکتفى بالتطبیق الخاص المنصوص علیه فی حق الملکیة. ونحن نؤید ما ذهب إلیه جمهور فقهاء القانون المدنی فی العراق. ونجد کذلک ضرورة إضافة معیار مضار الجوار غیر المألوفة إلى بقیة المعاییر المنصوص علیها فی الفقرة الثانیة من المادة السابعة من القانون المدنی العراقی لیکون ضمن القواعد العامة التی تنبسط فی تطبیقها على باقی أجزاء القانون المدنی.
یعد معیار التمییز بین مضار الجوار المألوفة ومضار الجوار غیر المألوفة معیاراً مرناً ولیس قاعدة ثابتة. ویراعی هذا المعیار اعتبارات مختلفة فی تحدید الضرر غیر المألوف وهو معیار موضوعی لیس ذاتیاً شخصیاً. فالعبرة بحالة الشخص المعتاد والذی هو من اواسط الناس یزعجه ما یزعج الناس عادة ویتحمل ما جرى العرف والعادة بتحمله فیما بین الجیران مع بعضهم البعض ولا عبرة بالحالة الذاتیة أو الشخصیة للجار. فما یعد ضررا مألوفا فی منطقة مکتظة بالمحلات العامة والمنشآت الصناعیة یعد ضررا غیر مألوف فی منطقة هادئة مخصصة للسکن فقط. فإذا ما تم فتح محل مقلق للراحة والسکینة وسط حی سکنی هادئ فأنه یعد ضررا غیر مألوف من دون الحاجة للرجوع الى الظروف الشخصیة البحتة للجار کما لو کان مصابا بمرض نفسی یجعله متحسسا لأقل المضایقات والازعاج. وتحتم الحیاة فی ای مجتمع على الانسان ان یتحمل بعض مضایقات جاره والمعیار فی تحمل بعض هذه المضایقات هو ان تکون مضایقات مألوفة یمکن التسامح فیها. فإذا ما تجاوزت هذا الحد وصارت مضایقات غیر مألوفة أو شاذة فان مرتکبها یکون قد تعسف فی استعمال حقه. وللقضاء العراقی تطبیقات کثیرة فی المسائل التی تتعلق بمضار الجوار غیر المألوفة. فقد جاء فی احد قراراته أنه (حیث ثبت من الکشف ان المجرى الدخانی الذی احدث مضر بالجار الملاصق ولما کان الضرر یزال لذا یصبح الحکم الصادر بمنع استعمال الهوائی موافقا للقانون فتقرر تصدیقه).
لقد صدرت فی العراق قوانین اخرى عالجت کثیر من المسائل الاخرى ذات العلاقة بالإزعاج والمضایقات على اختلاف انواعها فضلا عن قانون منع الضوضاء رقم (21) لسنة 1966 المشار الیه سابقا الذی فرض عقوبة على کل من احدث الضوضاء ونظم استعمال وسائل البث بمختلف انواعها.
فقد صدر قانون حمایة وتحسین البیئة رقم(3) لسنة 1997 الذی نص فی المادة (19) منه على منع العدید من الانشطة ذات التأثیر الملوث للبیئة, فقد منع تصریف أیة مخلفات صناعیة أو زراعیة أو منزلیة أو خدمیة الى الانهار أو المسطحات المائیة أو المیاه الجوفیة أو الهواء او الارض الا بعد اجراء المعالجات اللازمة علیها, کما منع تصریف المخلفات النفطیة أو بقایا الوقود أو میاه الموازنة للناقلات النفطیة الى المیاه السطحیة الداخلیة أو المیاه الاقلیمیة. ومنعت المادة التاسعة من قانون تنظیم استعمال محرمات الطرق الخارجیة وطرق المرور السریع رقم (55) لسنة 1985 إقامة ابنیة أو منشآت أو محدثات اخرى یتولد عن استعمالها خطر أو قلق أو ازعاج لما ینبعث منها من دخان أو ابخرة أو غازات أو اتربة أو روائح کریهة أو ما یماثل ذلک الا فی المواقع التی تبعد بما لا یقل عن کیلو متر واحد من حدود محرم الطریق. وعنی قانون المرور رقم(86) لسنة2004 بشروط المتانة والامان التی ینبغی توافرها فی المرکبات ومنها وجود جهاز تنبیه خافت الصوت لتجنب الإزعاج والضجیج مع جهاز کاتم الصوت فی المرکبة فضلا عن الاهتمام بتقلیل الانبعاثات الضارة التی تصدر من عوادم السیارات.
الخاتمـة
وتتضمن النتائج والتوصیات.
أولا: النتائج.
1- یعد الإزعاج أحد أنواع الأخطاء المدنیة فی القانون الإنکلیزی فضلا عن أخطاء مدنیة أخرى تضمنها قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی کالإهمال والتعدی والتشهیر أو القذف. ویعرف الإزعاج فی القانون الإنکلیزی بأنه (تدخل أو تعرض غیر مشروع أو غیر قانونی لاستعمال الشخص لأرضه أو عقاره أو تمتعه به أو ببعض الحقوق التی تتعلق بهذه الأرض أو هذا العقار). ولم ینظم القانون المدنی العراقی موضوع الإزعاج کأحد أنواع الأفعال الضارة فی القانون المدنی بشکل مستقل کالقانون الإنکلیزی بل أورد قاعدة عامة فی المادة (204) تنص على أن کل تعد یصیب الغیر بأی ضرر یستوجب التعویض. ویتخذ الإزعاج فی القانون الانکلیزی بوصفه خطأً مدنیاًّ مدنی ثلاثة أشکال وهی الإزعاج الخاص والإزعاج العام والإزعاج التشریعی.
2- یتمیز الإزعاج بوصفه خطأ مدنیا عن الإهمال فی أن المسؤولیة المدنیة التی تنجم عنه تقوم على أساس الضرر خلافا للإهمال الذی تقوم المسؤولیة المدنیة التی تنجم عنه فی القانون الإنکلیزی على أساس الخطأ کما یتمیز الإزعاج عن التعدی على العقار فی أن الإزعاج یعد بالأساس تعرضا لاستعمال الغیر لعقاره أو الانتفاع به أو لحق من الحقوق المترتبة علیه وقد یتخذ أشکالا أخرى کالضوضاء والضجیج والروائح الکریهة والاهتزازات والانبعاثات الحراریة. ویتمثل التعدی على العقار بالدخول غیر المشروع إلى عقار الغیر أو البقاء فیه بصورة غیر مشروعة أو وضع أشیاء معینة فی ذلک العقار وتقوم المسؤولیة المدنیة التی تنجم عنه على أساس الخطأ لأنه یبنی على التعمد.
3- تنحصر أهم المصالح التی تتمتع بالحمایة عن طریق المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج فی نوعین رئیسین هما المصالح المادیة الملموسة أو المحسوسة أو المصالح المعنویة غیر الملموسة. وتناول القانون المدنی العراقی فی نطاق المسؤولیة التقصیریة التعویض عن الضرر بنوعیه المادی والأدبی.
4- یختلف أساس المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج فی القانون الإنکلیزی عن الأساس القانونی لأنواع الخطأ المدنی الأخرى.
ولأن قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی لم یحدد أو یرسم قاعدة عامة تشکل الأساس للمسؤولیة المدنیة عن الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی. لذا فإن المسؤولیة قد تتراوح من مسؤولیة خطئیة فی حالة وجود الرکن المعنوی ممثلا بأحد أوجهه الثلاثة البارزة وهی سوء النیة (malice) والعمد (intention) والإهمال (negligence) إلى مسؤولیة لاخطئیة فی حالة غیاب الرکن المعنوی بأحد أوجهه أو عناصره الثلاثة. ویسود الإجماع لدى الفقه الإنکلیزی بأن الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإزعاج لا یستند إلى وجود الرکن المعنوی للخطأ المدنی والعناصر المکونة له بل یستند على سلوک المدعى علیه (محدث الإزعاج) ویرتبط بمقدار الضرر الواقع على العقار بعیدا عن العناصر التی تکون الرکن المعنوی من عمد وسوء نیة وإهمال وهی مسؤولیة لاخطئیة تقوم على عنصر الضرر وتدخل ضمن إطار النظریة الموضوعیة للمسؤولیة خلافا لحالتی الإهمال والتعدی على العقار اللتین تنضویان تحت مفهوم النظریة الشخصیة للمسؤولیة المدنیة عن الخطأ المدنی وتستندان على أساس مبدأ المسؤولیة الخطئیة لتوفر عناصر الرکن المعنوی المشار إلیها.
5- إن الأساس القانونی الذی تقوم علیه المسؤولیة التقصیریة (العمل غیر المشروع) فی القانون المدنی العراقی هو فکرة التعدی أو التعمد وتعد نظریة التعسف فی استعمال الحق من أهم تطبیقات فکرة التعمد أو التعدی فی القانون المدنی العراقی. وتمثل هذه النظریة الأساس القانونی للمسؤولیة التقصیریة التی تنجم عن المضایقات والإزعاج فی القانون المدنی العراقی. ویذهب الاتجاه الغالب من فقه القانون المدنی فی العراق إلى أن مضار الجوار غیر المألوفة تعد من أقدم صور التعسف فی استعمال الحق وأکثرها شیوعا فی التطبیق العملی وهو الاتجاه الراجح فضلا عن اتجاه آخر یرى بأن مسؤولیة الجار عن مضار الجوار غیر المألوفة تقوم على نظریة تحمل التبعة. والرأی الراجح هو أن التکییف القانونی الدقیق للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن المضایقات والإزعاج فی القانون المدنی العراقی یستند على ذکره (مضار الجوار غیر المألوفة).
6- لقد صدرت اکثیر من القوانین فی العراق تناولت المسائل الخاصة بالإزعاج والمضایقات.
منها قانون منع الضوضاء رقم (21) لسنة 1966 وقانون حمایة وتحسین البیئة رقم (3) لسنة 1997 وقانون تنظیم استعمال محرمات الطرق الخارجیة وطرق المرور السریع رقم (55) لسنة 1985 وقانون المرور رقم (86) لسنة 2004.
ثانیا: التوصیات.
بعد الانتهاء من عرض النتائج التی توصلت إلیها هذه الدراسة فإننا نقترح التوصیات الآتیة:
1- نجد من الضروری إضافة حالة رابعة من أحوال التعسف فی استعمال الحق إلى نص الفقرة الثانیة من المادة السابعة من القانون المدنی العراقی لیکون عدد حالات التعسف فی استعمال الحق أربع حالات. لذا تعالج الحالة الرابعة المضافة مضار الجوار غیر المألوفة بوصفها من أقدم صور التعسف فی استعمال الحق وأکثرها شیوعا فی التطبیق العملی وذلک طبقا للاتجاه الفقهی الغالب والراجح فی القانون المدنی العراقی. ونجد کذلک بأن إضافة هذه الحالة إلى القواعد العامة فی المادة السابعة یجعل من السهولة انبساط وامتداد تطبیقها على عموم القانون المدنی بدلا من الاقتصار على تطبیقها ضمن القیود الواردة على حق الملکیة فی المادة (1051) مما قد یعطی انطباعا بأن المشرع لم یعدها من تطبیقات التعسف فی استعمال الحق وبذلک یکون النص المفترض کما یأتی: (2- ویصبح استعمال الحق غیر جائز فی الأحوال الآتیة: د- إذا کان من شأنه أن یلحق بالجار ضررا فاحشا وأن یعطل حقوقه ویحول دون استعمالها على الوجه المألوف).
2- نقترح أیضا إصدار تشریع جدید یعالج بشکل شمولی کل المسائل التی تتعلق بالإزعاج والمضایقات وملوثات البیئة کلها وبذلک یحل محل قانون منع الضوضاء رقم (21) لسنة 1966 الذی لم یعد باستطاعته مواکبة وسائل المضایقات والإزعاج والملوثات البیئیة المعاصرة التی سببت مشکلات بیئیة کبیرة. إذ نلحظ بأن هذا القانون اقتصر على توفیر الحمایة من وسائل البث التی تثیر الضوضاء فی الأماکن العامة والخاصة. فی حین نجد أن الحاجة بدت أکبر فی الوقت الحاضر لتوفیر الحمایة من مصادر أخرى للإزعاج والمضایقات تثیر قلقا أکبر فی المجتمعات الحدیثة فضلا عن الضوضاء والضجیج کالروائح الکریهة والانبعاثات الحراریة والاهتزازات وأنواع کثیرة من الاشعاعات الضارة ولاسیما تزاید عدد مولدات الطاقة الکهربائیة فی الأحیاء السکنیة ووجود بعض المناطق الصناعیة وسط المدن. ویمکن أن یطلق على هذا القانون قانون منع الإزعاج والمضایقات البیئیة أو قانون منع الإزعاج والملوثات البیئیة. مما یؤدی إلى عدم الرجوع دائما إلى القواعد العامة فی القانون المدنی وفکرة مضار الجوار غیر المألوفة التی أشرنا إلیها فی هذه الدراسة. إذا وجد قانون متکامل یعالج مسائل الإزعاج والمضایقات والتلوث البیئی کلها ویستند على القواعد العامة فی القانون المدنی وفکرة مضار الجوار غیر المألوفة.
3- نجد کذلک ضرورة أن یتضمن قانون منع الإزعاج المقترح نصوصا واضحة تعالج المشکلات الناجمة عند ازدیاد عدد مولدات الطاقة الکهربائیة فی الأحیاء السکنیة وتضع ضوابطا تتعلق بشروط المتانة والأمان وتقلیل الضجیج والملوثات البیئیة المنبعثة منها کالنص الآتی مثلا: (لا یجوز استعمال مولدات الطاقة الکهربائیة فی الأماکن العامة والخاصة ما لم تکن مزودة بجهاز کاتم الصوت وجهاز عادم للدخان والروائح الکریهة والانبعاثات الحراریة. وبخلاف ذلک یحق للسلطة العامة اتخاذ الإجراءات القانونیة بحق المخالفین). أما إذا حدثت أضرار بسبب استعمال هذه المولدات فإنه یمکن تطبیق القواعد العامة فی المسؤولیة عن الفعل الضار فضلا عن فکرة التعسف فی استعمال الحق ومضار الجوار الفاحشة وغیر المألوفة. ونقترح النص الآتی: (إذا حصل ضرر فاحش أو غیر مألوف للجوار من جراء استعمال مولدات الطاقة الکهربائیة فی الأماکن العامة والخاصة. فإن الضرر الفاحش یزال ویلزم مالک المولدة بالتعویض عن هذه الأضرار). ویسری الحکم نفسه على المولدات الخاصة التی تفید منزلاً واحداً معیناً.
4- ونقترح إضافة فقرة سابعة إلى نص المادة (19) من قانون حمایة وتحسین البیئة رقم (3) لسنة 1997 تمنع تصریف الدخان والأبخرة والروائح الکریهة والإشعاعات والانبعاثات الحراریة أو أیة مواد غازیة أخرى ضارة إلى الجو. لأن هذه المادة بفقراتها الست منعت تصریف المخلفات الصناعیة والزراعیة والمنزلیة والخدمیة فضلا عن المخلفات النفطیة أو تلک الحاویة على مواد سامة والنفایات إلى الأنهار والمسطحات المائیة والمیاه الجوفیة باستثناء الفقرة الأولى التی أشارت إشارة عابرة إلى تلوث الهواء، ولازدیاد المشکلات الناجمة عن التلوث الجوی کذلک. ویکون نص الفقرة السابعة کما یأتی: سابعا: یمنع تصریف الدخان والأبخرة والروائح الکریهة والإشعاعات والانبعاثات الحراریة أو أیة مواد غازیة أخرى ضارة إلى الجو المحیط بالبیئة وینبغی مراعاة شروط المتانة والأمان فی الأجهزة والمعدات التی من شأنها إطلاق مثل هذه المواد إلى الجو).
5- وأخیرا نقترح أن یکون قانون منع الإزعاج والملوثات البیئیة المقترح بدیلا عن قانونی منع الضوضاء رقم (21) لسنة 1966 وحمایة وتحسین البیئة رقم (3) لسنة 1997، أی أن یتم توحیدهما فی قانون واحد متکامل یواکب التطور العصری. لأن کلمة الإزعاج أکثر شمولیة من کلمة الضوضاء أو الضجیج التی تمثل أحد أوجه الإزعاج فحسب. فضلا عن إمکانیة شمولها لأسباب التلوث البیئی.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English)
First: Sources in Arabic.
Books.
1- Dr. Anwar Sultan, Summary in Sources of Commitment, Al-Ma'aref Establishment, Alexandria 1996.
2- Dr. Hassan Ali Al-Dinon, The Origins of Commitment, Al-Ma'arif Press, 1970.
3- Dr. Hassan Ali Al-Thunoun, Al-Mabsout in explaining the Civil Law, Al-Qa'ar, Dar Wael Publishing, I, 2006.
4- Dr. Ramadan Abu Al - Saud, Sources of Commitment, New University House.
5 - Salman Bayat, the Iraqi Civil Judiciary, Part II, the National Publishing and Publishing Company, 1962.
6- Dr. Abdul Razzaq Ahmed Al-Sanhoury, The Mediator in Explaining the New Civil Code, Article 8, Right of Ownership, Halabi Rights Publications, Lebanon, 2000.
7- Dr. Abdul Majid al-Hakim, d. Abdul Baqi al-Bakri, Muhammad Taha al-Bashir, Al-Wakiz in the Theory of Commitment in Iraqi Civil Law, Part One, Sources of Obligation, Baghdad, 1980.
8- Dr. Essmat Abdul Majid Bakr, The General Theory of Obligations, Part I, Ceyhan University Press, Erbil, 2011.
9- Dr. Ghani Hassoun Taha, Mohamed Taha Al Bashir, Rights in Kind, Part I, Ministry of Higher Education and Scientific Research, 1980.
10- Dr. Mohi Hilal Al-Sarhan, Principles of Jurisprudence and its Role in Enriching Modern Legislation, University of Baghdad, 1987.
B. Research.
Dr.. Esmat Abdel Meguid Bakr, Environmental Protection in Iraqi Legislation, Research published in Comparative Law Journal, Baghdad, No. 29, 2001.
C. Laws.
1. Iraqi Civil Code No. 40 of 1951
2- The Egyptian Civil Law No. 131 of 1948
3. Noise Prevention Law No. 21 of 1966
4- Environmental Protection and Improvement Law No. 3 of 1997
5- The law regulating the use of road barriers and the ways of fast transit No. 55 of 1985
6- Traffic Law No. 86 of 2004
7. The English Environmental Protection Act 1990
Second: Sources in English.
1. Atiyah. p, s, Accidents, compensation and the law, fifth edition, weidenfield and Nicholson, 1993.
2. Rogers, Winfield and Jolowicz tort. Sweet and Maxwell, 2006.
3. Vera Bermingham, Nutshells tort, sixth edition, sweet and Maxwell, 2003.
4. John cooks, law of tort, financial times, pitman publishing, fourth ed. 1999.
5. Michael Jones, textbook on torts, oxford university press, 2005.
6. Buckley, the Law of Nuisance, Butterworth's, 1996.
7. Salmond on the law of torts, sweet and Maxwell, 1969.
8. Baker, Tort, Sweet and Maxwell, 1972.
9. Ralph Tiernan, tort in nutshells, sweet and Maxwell, 2006.
10. Joseph Glannon, the law of torts, examples and explanations. Third ed. Aspen publishers, 2005.
11. Williams and Hepple, Foundation of the Law of Tort, 2nded, Butterworth's 1985.