الملخص
تعدّ الأنهار بصورة عامة ذات أهمیة خاصة فی حیاة الدول من حیث الجوانب البشریة والاقتصادیة والملاحیة ، ومن حیث القانون الدولی تنبع أهمیتها أما لکون مجراها یُعیّن الحدود بین دولتین أو أکثر أو لأنها عابرة للحدود الدولیة .
وقد عقدت معاهدات عدّة متعلقة بالموارد المائیة الدولیة، وتعنى غالبیتها بالملاحة وترسیم الحدود، إذْ تحوّل مجال ترکیز المفاوضات ووضع المعاهدات عن الملاحة إلى استخدام الموارد المائیة وتنمیتها وحمایتها وصونها.
وفی ظلّ تطور القانون الدولی العام ، فإن قواعد عرفیة وأخرى اتفاقیة دولیة نظّمت مسألة استخدام هذه الأنهار سواءً أکانت تعدّ حدوداً دولیة بین الدول أم مجاری میاه تعبر الحدود الدولیة فی أکثر من دولة ، وخاصةً تلک المتعلقة منها بکیفیة حلّ المنازعات الناجمة عن استخدام هذه الأنهار.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
الآلیات القانونیة لتسویة المنازعات التی تنجم عن استخدام الأنهار الدولیة بین العراق والدول المجاورة -(*)-
Legal mechanisms for settling disputes arising from the use of international rivers
between Iraq and neighbouring countries
عماد خلیل إبراهیم کلیة العلوم السیاسیة/جامعة الموصل Emad Khalil Ibrahim College of Political Science/University of Mosul Correspondence: Emad Khalil Ibrahim E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 2/7/2012*** قبل للنشر فی 29/7/2012.
(*) Received on 2/7/2012 *** accepted for publishing on 29/7/2012.
Doi: 10.33899/alaw.2013.160737
© Authors, 2013, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
تعدّ الأنهار بصورة عامة ذات أهمیة خاصة فی حیاة الدول من حیث الجوانب البشریة والاقتصادیة والملاحیة ، ومن حیث القانون الدولی تنبع أهمیتها أما لکون مجراها یُعیّن الحدود بین دولتین أو أکثر أو لأنها عابرة للحدود الدولیة .
وقد عقدت معاهدات عدّة متعلقة بالموارد المائیة الدولیة، وتعنى غالبیتها بالملاحة وترسیم الحدود، إذْ تحوّل مجال ترکیز المفاوضات ووضع المعاهدات عن الملاحة إلى استخدام الموارد المائیة وتنمیتها وحمایتها وصونها.
وفی ظلّ تطور القانون الدولی العام ، فإن قواعد عرفیة وأخرى اتفاقیة دولیة نظّمت مسألة استخدام هذه الأنهار سواءً أکانت تعدّ حدوداً دولیة بین الدول أم مجاری میاه تعبر الحدود الدولیة فی أکثر من دولة ، وخاصةً تلک المتعلقة منها بکیفیة حلّ المنازعات الناجمة عن استخدام هذه الأنهار.
Abstract
Generally speaking, rivers have special importance in the life of states, in terms of human, economic, and navigation aspects. Their importance, in terms of international law, derive from the fact that either their tracks designate the borders between two or more states or because they cross international borders.
Several treaties relating to international water resources have been held, most of which are concerned with navigation and demarcation of borders, turning the focus of the negotiations and treaties from the navigation to the use of water resources, their development, protection, and preservation.
Under the development of public international law, customary rules and other international conventional ones organized the question of using these rivers, whether they were regarded as international borders between States or water streams crossing international borders in more than one State, especially those concerning how to resolve disputes arising from the use of these rivers.
مقدمة
للأنهار أهمیة خاصة فی حیاة الدول من حیث الجوانب البشریة والاقتصادیة والملاحیة، ومن حیث القانون الدولی إذ تنبع أهمیتها أما لکون مجراها یُعیّن الحدود بین دولتین أو أکثر أو لأنها عابرة للحدود الدولیة ، إذ أن هناک (263) حوضاً دولیاً من الأحواض التی تعبر الحدود السیاسیة لبلدین أو أکثر، وتغطی هذه الأحواض التی یعیش فیها (40%) تقریباً من سکان العالم، قرابة نصف مساحة الأرض وهی مصدر لما یقدر بـ (60%) من تدفق المیاه العذبة فی العالم، وهناک ما مجموعه (145) دولة تشمل أقالیم فی داخل الأحواض الدولیة، وانطلاقاً من مقولة الفقیه (جورج سل _ G.Scelle) الذی یقول فیها :(إن الدولة لدیها وسواس الإقلیم) ، فإن من الحلول القانونیة التی قدمت فی ظل القانون الدولی التقلیدی هی إن الدولة أما أن تُکرّس حقها لاکتساب مجال معین یکون لمصلحتها الحصریة وسلطتها المطلقة، أو أن تخضع لالتزامات _ سببها دوافع سیاسیة _ یکون الغرض منها التعایش مع دول أخرى لاستخدام نطاق هذه المجالات ومنها (الأنهار).
ویرجع تاریخ المعاهدات الدولیة بشأن المیاه إلى عام 2500 قبل المیلاد، حینما قامت الدویلتان المدینتان السومریتان لاکاش وأوما بصیاغة اتفاق أنهى نزاعاً بشأن المیاه على طول نهر دجلة وهو ما یشار إلیه بأنه أول معاهدة نظمت فی هذا الشأن ، على وفق ما أوردته منظمة الأغذیة والزراعة (الفاو)، منذ عام 805 بعد المیلاد تمت صیاغة أکثر من 3600 معاهدة تتعلق بالموارد المائیة الدولیة، وتعنى هذه المعاهدات أغلبها بالملاحة وترسیم الحدود، ومن ثم تحوّل مجال ترکیز المفاوضات ووضع المعاهدات فی القرن الماضی عن الملاحة إلى استخدام الموارد المائیة وتنمیتها وحمایتها وصونها.
وفی ظلّ تطور القانون الدولی العام، فإن قواعد عرفیة وأخرى اتفاقیة دولیة نظّمت مسألة استخدام هذه الأنهار سواءً أکانت تعدّ حدوداً دولیة بین الدول أم مجاری میاه تعبر الحدود الدولیة فی أکثر من دولة، ولا سیما التی تتعلق منها بکیفیة حلّ المنازعات التی تنجم عن استخدام هذه الأنهار.
أهمیة الدراسة : تکمن فی ما یُعانیه العراق من مشاکل (مائیة) إقلیمیة وضرورة السعی لحلها بالطرائق السلمیة من جهة ، والاتجاه نحو التعاون مع دول الجوار لتنمیة مستدامة لهذه الموارد المائیة من جهة ثانیة.
إشکالیة الدراسة : تروم البحث فی الآلیات القانونیة المُمکنة والمفترضة لحلّ المنازعات التی تنجم عن استخدام الأنهار الدولیة ، سواءً تلک المتعلقة بالأنهار غیر الملاحیة المشترکة ، أم الأنهار الحدودیة ذات الطبیعة الملاحیة.
هیکلیة الدراسة : تمّ تقسیمها إلى مبحثین ، هما :
الأول : آلیات تسویة المنازعات التی تنجم عن استخدام الأنهار المشترکة (غیر الملاحیة)
الثانی : آلیات تسویة المنازعات التی تنجم عن استخدام الأنهار الحدودیة (الملاحیة)
المبحث الأول
آلیات تسویة المنازعات التی تنجم عن استخدام الأنهار المشترکة(غیر الملاحیة)
إذا کانت للأنهار بوصفها إحدى وسائل النقل التجاریة الدولیة ، فإن لها أهمیة تفوقها فی الحیاة الإنسانیة بوصفها مورداً رئیساً للمیاه ، ولعلّ التطور الذی یشهده المجتمع الدولی على صُعد مختلفة ألقى بظلاله على ما بات یُعرف بـ (أزمة المیاه) الدولیة وقلّة القواعد القانونیة الدولیة المنظمة لها وتلک الخاصة بحلّ منازعاتها بین الدول ، ومن ثمّ فإن المعالجة تقتضی بحث الفقرات الآتیة وتحلیلها :
أولاً . أنواع الأنهار
تنقسم الأنهار من حیث مرکزها القانونی إلى أنواع ثلاثة :
1. الأنهار الوطنیة
هی التی تقع منابعها ومصابها وروافدها جمیعها فی إقلیم دولة واحدة مثل انهار: (التایمز فی بریطانیا، السین فی فرنسا)، ویخضع النهر الوطنی لسیادة الدولة ولها وحدها حق تنظیم الاستفادة من میاهه لأغراض الزراعة والصناعة، ولها أن تقصر الملاحة فیه على بواخرها أو سفنها لوحدها.
وعلى الرغم من أنّ التسلیم بالحقّ المُطلق للدولة صاحبة النهر لاقى اعتراضاً فقهیاً دولیاً لما یُسببه من إضرار لمصالح الدول الأخرى وإخلالاً بمبدأ التعاون الدولی ، إلاّ أن أحکام القانون الدولی العام الحالی تقضی بأن الدولة تُمارس اختصاصاً حصریاً على النهر إلاّ بقدر ما تًنظّمه القواعد الاتفاقیة التی تعقدها مع الدول الأخرى.
2. الأنهار الوطنیة ذات الأهمیة الدولیة
هناک أنهار تمتلک أهمیة دولیة خاصة _ على الرغم من وقوعها کاملة فی إقلیم دولة واحدة_مثل نهر ینبع عند حدود دولة مجاورة ویصب فی بحر عام، ولیس للدولة اتصال به، فإذا کان صالحاً للملاحة فله أهمیة دولیة لأنه یُمکن أن یسهّل للدولة المجاورة اتصال سفنها بالبحر عن طریقه، ویسهل لسفن الدول الأخرى الاتصال بإقلیم هذه الدولة، وباقی أجزاء إقلیم الدولة صاحبة النهر.
لذا اتجه المشارکون فی مؤتمر برشلونة عام 1921 إلى إقرار مبدأ حریة الملاحة فی مثل هذه الأنهار مع إعطاء الدولة صاحبة النهر الحریة کاملة فی تحدید أی مجرى یمکن أن یکون ممراً أو مجراً دولیاً للدول الأخرى. وفی الأحوال کلها، إذا جرى العرف الدولی علیه بأن یکون للدولة الأخرى (المغلقة) حقوق ارتفاق دولیة فی هذا النهر الموصل إلى البحر العام.
3. الأنهار الدولیة
بسبب عدم وجود تعریف قانونی للأنهار الدولیة فقد عرفها الفقهاء ابتداءً بأنها : الأنهار الصالحة للملاحة التی تعبر أراضی دولتین أو أکثر کما ذهب إلیه (شارل روسو وجورج سل) أی الربط بین النهر وکونه صالحاً للملاحة ، وهناک من ربط بین النهر والحدود الجغرافیة للدول فهو الذی یجتاز مجراه فی دولتین أو أکثروقد أخذت اتفاقیة برشلونة لسنة 1921 بهذا الوصف وعرفت النهر بأنه: (النهر الذی یفصل بین دولتین أو یعبر دول عدیدة) أی التی تجری تباعاً فی أقالیم دول مختلفة أو بین إقلیمی دولتین أو أکثر مثل أنهار: (الراین والدانوب والنیل والفرات).
ثم ظهر مصطلح (المجرى المائی) الذی یشمل المیاه السطحیة والجوفیة وتقع أجزاء منه فی دول عدیدة، ومصطلح (الحوض المائی) الذی یتضمن الحوض المائی الرئیس للنهر فضلاً عن أحواض روافده وینابیعه.
وقد أقرت اتفاقیة الأنهار الدولیة لعام 1997 باستخدام (المجرى المائی) إذ عرفته المادة/2 فق/ب بأنه یقصد به : (أی مجرى مائی تقع أجزاؤه فی دول مختلفة).
وقصدت الاتفاقیة بـ (المجرى المائی) بأنه : (شبکة المیاه السطحیة والمیاه الجوفیة التی تشکل بحکم علاقتها الطبیعیة بعضها ببعض کلاّ واحدا وتتدفق عادة صوب نقطة وصول مشترکة).
ثانیاً . القواعد القانونیة العامة التی تحکم استغلال الأنهار الدولیة
یطرح الفقه الدولی یطرح ثلاثة اتجاهات حول تحدید العلاقة بین الدولة الإقلیمیة والنهر الدولی ، إذ أخذت أولى هذه النظریات بالسیادة المطلقة على الجزء الذی یمر بإقلیم الدولة، ومن ثم فإنها تنتفع به بشکل کامل ولها الحق فی تغییر مجراه من دون أن یکون للدول الأخرى حق الاعتراض ، وقد أید المدعی العام الأمریکی (هارتون) فی الفتوى التی أصدرها عن تحویل الحکومة الأمریکیة لمجرى نهر (الریوجراند) الأمر الذی أدى إلى إنقاص کمیة المیاه التی تصل إلى المکسیک.
ویبدو أن إیران تستند إلى هذه النظریة (غیر المنطقیة) فی تحویل بعض الأنهار التی تصب فی نهر دجلة إلى داخل أراضیها.
أما النظریة الثانیة فهی التی تعرف بـنظریة (الوحدة الإقلیمیة المطلقة) أی أن للدولة سیادة على الجزء الذی یمر بأراضیها مع مراعاة الوحدة الطبیعیة للنهر من منبعه إلى مصبه بمعنى عدم الإضرار بحقوق الدول الأخرى ومصالحها.
وأما النظریة الثالثة فهی نظریة (الملکیة المشترکة) أی أن النهر من منبعه إلى مصبه ملکیة مشترکة بین الدول ، وقد استندت إلیها بعض الاتفاقیات الدولیة ومنها التی عقدت بین السوید والنرویج سنة 1905 إذ تعد میاه البحیرات والأنهار التی تجری فی أراضیهما مشترکة للدولتین معاً.
من جهة ثانیة ، فإن هناک قواعد عامة تنظم استخدام میاه الأنهار الدولیة تتمثل بما یأتی:
2. تطبیق قواعد العدالة
3. التعاون فی توزیع المیاه
4. مراعاة الحقوق المکتسبة
5. عدم إجراء أی تحویر فی النهر أو تحویله أو إقامة سدود إلاّ بموافقة الدول الأخرى.
ثالثاً . الآلیات المُمکنة والمُفترضة للتسویة فی ظلّ القانون الدولی
نظراً لعدم وجود نظام قانونی دولی متکامل وملزم خاص بالأنهار الدولیة ، فإننا نسترشد بما تذهب إلیه المادة/38 من النظام الأساس لمحکمة العدل الدولیة فی استنادها إلى أحکام القانون الدولی لحل المنازعات التی ترفع إلیها، على وفق ما یأتی :
1. الاستناد إلى الاتفاقیات الثنائیة الدولیة
فی حالة وجود اتفاق ثنائی، فما هی الوسیلة التی یأخذ بها الاتفاق لحل أی نزاع أو خلاف ینشأ عن استغلال النهر الدولی ، وقد یستغرب البعض إذا ما قلنا أن (شط العرب) یمتاز بإمکانیة خضوعه لوصف الأنهار الحدودیة (الملاحیة) کونه یعدّ نهراً حدودیاً فاصلاً بین العراق وإیران ، فضلاً عن خضوعه لنظام المجاری المائیة غیر الملاحیة بوصفه یُشکّل التقاءً لنهرین دولیین (دجلة والفرات) وعلى الأقل فی الجزء الشمالی العلوی قبل أن یصبح حدّاً دولیاً(*)، ومع هذا فإن إیران لیست طرفاً فی اتفاقیة عام 1997 الخاصة بالمجاری المائیة الدولیة غیر الملاحیة.
فضلاً عن ذلک فإنه لیس هناک اتفاقاً دولیاً ملزماً بین العراق وترکیا یُنظم استخدام نهری دجلة والفرات إلى حد الآن.
2. الاستناد إلى الاتفاقیات الدولیة الشارعة
لاشک أن القاعدة القانونیة العامة تقول : (أن النصّ الخاص یُقیّد العام) ، ولمّا لم یکن هناک اتفاقاً دولیاً ثنائیاً یُنظم استخدام الأنهار بین العراق والدول المجاورة ، فإننا نحیل التحلیل بإمکانیة حلّ النزاع الذی ینجم عن استخدام هذه الأنهار إلى اتفاقیة نیویورک لعام 1997 الخاصة باستغلال الأنهار فی الأغراض غیر الملاحیة ، إذ ینظر إلى هذه الاتفاقیة على أنها تدوین للقانون الدولی العرفی فیما یتعلق بثلاثة التزامات على وجه التحدید: الانتفاع المنصف والمعقول، والحیلولة من دون حدوث ضرر ذی شأن، والإخطار المسبق بالتدابیر المزمع اتخاذها، من جهة ثانیة تُمثّل هذه الاتفاقیة إسهاماً مهماً فی تعزیز سیادة القانون فی هذا المیدان من میادین العلاقات الدولیة وفی حمایة المجاری المائیة الدولیة وصونها فی حقبة تتسم بنقص الماء بصورة متزایدة.
ولمّا کانت کثیر من الدول لم تنضم بعد إلى هذه الاتفاقیة، وأنه لا یُمکن إلزام دولة بمعاهدة من دون رضاها ، إلاّ أننا نجتهد فی تحلیل مضمون (الاتفاقیة) لنحاول تلمس آلیات (مُمکنة) لحلّ المنازعات الناجمة عن استخدام مجاری المیاه غیر الملاحیة على وفق ما یأتی :
إذْ تُشیر دیباجة الاتفاقیة إلى (المادة/13 فق 1_أ) من میثاق الأمم المتحدة والخاصة بالتعاون الدولی فی المیدان السیاسی، وتشجیع التقدم المطرد للقانون الدولی وتدوینه، کما جاء فی (الدیباجة) بأن هذه الاتفاقیة تساعد فی تعزیز الأغراض والمبادئ الواردة وتنفیذهافی (المادتین1 و2) من میثاق الأمم المتحدة.
وهو تضمین مهم لما یُمکن أن تؤول إلیه حالات تطبیق الاتفاقیة من فرض الالتزامات الدولیة وحلّ الخلافات التی قد تنشأ عن تفسیر الاتفاقیة أو تطبیقها أو المشاکل التی تتعلق بالمیاه الدولیة فضلاً عن حلّ المنازعات بالطرائق السلمیة وعدم استخدام القوة، وأهمیة حفظ السلم والأمن الدولیین وترتیب المسؤولیة على وفق ما یأتی:
أ. تُشیر (المادة 1_ فق1) من المیثاق إلى حفظ السلم والأمن الدولیین، وأن تتخذ الهیئة التدابیر المشترکة الفعالة لمنع الأسباب التی تُهدّد السلم وإزالتها، وتتذرع بالوسائل السلمیة لحلّ المنازعات الدولیة التی قد تُؤدی إلى الإخلال بالسلم أو لتسویتها، إذ ربطت الاتفاقیة بین تطبیقها وبین حفظ السلم والأمن الدولیین وهو بحدّ ذاته موضوع ذو أهمیة کبیرة قد یفتح الباب أمام تدخل المنظمة الدولیة فی حالة الإخلال بالسلم والأمن الدولیین فیما إذا کان هناک إخلالاً بالمسائل المتعلقة بالمیاه وهو موضوع خطیر ومن ثمّ فإن ولایة المنظمة ستشمل الدول الموقعة وغیر الموقعة على الاتفاقیة.
ب. تلزم مسائل حفظ السلم والأمن الدولیین بحدّ ذاتها الدول کلها فی المجتمع الدولی بصرف النظر عن أیة التزامات تعاقدیة أو اتفاقیة قد تخرق میثاق الأمم المتحدة ومسائل حفظ السلم والأمن الدولیین ، ومن ثمّ فأنه حتى الدول التی لم توقع على الاتفاقیة أو تصدیقها تبقى ملتزمة بتلک المسائل ، ولمّا کانت الاتفاقیة قد ربطتها (أی المیاه) بها فضلاً عن أن مسألة المیاه أصلاً من المسائل الخطیرة التی قد تُؤدی إلى نزاعات أو حروب فیمکن أن تتدخل المنظمة الدولیة لفرض احترام حفظ الأمن والسلم الدولیین ، ومن ضمنها إعمال الفصل السابع.
ج. تُشیر (م/2_ فق 3) إلى حلّ المنازعات الدولیة بالطرائق السلمیة التی من الممکن أن تکون منها .. منازعات المیاه الدولیة ، وهو ما یحیلنا إلى المادة/33 من المیثاق الخاصة بالمفاوضات والتحقیق والوساطة والتوفیق والتحکیم والتسویة القضائیة.
د. تُشیر (المادة /2 فق7) إلى إمکانیة أن تتدخل الأمم المتحدة فیما یتعلق بتدابیر القمع الواردة فی الفصل السابع بمعنى انه إذا حدث تهدیداً للسلم والأمن الدولیین وإذا ما فُعّلت الاتفاقیة فیما بعد وحَدَثَ أن خالفتها بعض الدول أو أن دولة ما غیر مُصدقة علیها خالفت أو أحدثت مشکلة فیما یتعلق بالمیاه الدولیة یُمکن لمجلس الأمن مناقشتها على أساس أنها تُهدّد السلم والأمن الدولیین ومن المُمکن أن یتخذ تدابیر القمع الواردة بالفصل السابع ومنها استخدام القوة المباشرة لردع هذه الدولة.
3. الاستناد إلى العرف الدولی
فی حالة عدم وجود اتفاق دولی، فإن العرف یعدّ مصدراً ثانیاً یُمکن اللجوء إلیه لحل المنازعات التی تنجم عن استخدام الأنهار الدولیة ، فعلى سبیل المثال ولغرض تعزیز أواصر التضامن والتعاون الدولی بین الدول المشترکة بأحواض الأنهار الدولیة فقد اعتمد مؤتمر الأمم المتحدة المعنی بالبیئة البشریة (إعلان استکهولم) عام 1972 الذی نص على : (للدول وفقاً لمیثاق الأمم المتحدة ولمبادئ القانون الدولی الحق السیادی فی استغلال مواردها الخاصة طبقاً لسیاسات البیئة الخاصة ،وتتحمّل المسؤولیة عن ضمان ألاّ تُسبّب الأنشطة المضطلع بها داخل نطاق ولایتها أو تحت سیطرتها ضرراً لبیئة الدول الأخرى أو لبیئة المناطق الواقعة خارج حدود الولایة الوطنیة).
4. الاستناد إلى مبادئ القانون العامة(*)
من هذه المبادئ القانونیة التی یُمکن أن تسری أحکامها على العلاقات الدولیة .. مبدأ حُسن النیة ، ومبدأ عدم التعسّف باستعمال الحق ، والالتزام بالتعویض والمساواة والتناسب، والتحقیق العادل ، ومبدأ العقد شریعة المتعاقدین ، ومبدأ احترام الحقوق المکتسبة ، وحجیّة الشیء المقضی به.
یمکن الاستعانة بهذه المبادئ التی یتمُّ تطبیقها بصفة ثابتة فی داخل الدول کافة _ بأنظمتها القانونیة المختلفة _ والعمل على تطبیقها فی میدان العلاقات الدولیة وبین أشخاص القانون الدولی ، عند عدم توفر قاعدة قانونیة دولیة مُقرّرة فی معاهدة أو عرف دولی تحکُم أیّة علاقة قانونیة تنشأ بین هؤلاء الأشخاص.
لذا تعد (هذه المبادئ) بوصفها قواعد أساسیة وآمرة فی ظلّ القانون الدولی، وهذا ما أکّدته (المادة/53) من اتفاقیة فیینا لقانون المعاهدات الدولیة لعام1969 .. إذْ تعدّ المعاهدة باطلة إذا تعارضت مع قاعدة آمرة من قواعد القانون العامة الدولیة، ومن تلک القواعد لتی یجری تطبیقها .. تلک المُتعلّقة بالمسؤولیة الدولیة _ سواءً أکانت عقدیة أم تقصیریة_ إذ تتحمّل الدول المسؤولیة إذا أتَتْ أیّ تصرّف یُخالف هذه المبادئ ، ومن ثمّ فقد وُجِد لها تطبیق فی نطاق التحکیم والقضاء الدولیین.
وقد استندت محکمة العدل الدولیة فی حکمها بین هنکاریا وسلوفاکیا فی القضیة المتعلقة بإقامة مشروع على نهر الدانوب_ من بین ما استندت إلیه _ إلى أهمیة التفاوض بـ (حسن نیة) لحلّ النزاع القائم بینهما.
5. الاستناد إلى رأی الفقه الدولی
لقد أقر معهد القانون الدولی فی دورة سالزبورغ عام 1961 بعض المبادئ المتعلقة بالأنهار الدولیة على وفق الآتی:
_ المادة/1 : (تسری هذه الأحکام والتوصیات على الانتفاع بالمیاه التی تؤلف جزءاً مائیاً أو حوضاً هیدروغرافیاً فی إقلیم أو أکثر.
_ المادة/2 : (لکل دولة حق الانتفاع بالماء الذی یخترق إقلیمها أو تتاخمه مع عدم الإخلال بالقیود التی یفرضها القانون الدولی... .
_ المادة/3 : (إذا اختلفت الدول على مدى ما لها من حقوق انتفاع تجری التسویة على أساس الإنصاف.
_ المادة/4 : (لا یجوز لأیة دولة أن تباشر إنشاءات أو انتفاعات بمیاه مجرى مائی أو حوض هیدروغرافی تؤثر تأثیراً فی إمکانیة انتفاع دولة أخرى بالمیاه ذاتها ، إلاّ بشروط أن تکفل لها التمتع بالمنافع التی تستحقها بموجب المادة/3 فضلاً عن إلى تعویض مناسب عن أیة خسارة أو ضرر.
المبحث الثانی
آلیات تسویة المنازعات التی تنجم عن استخدام الأنهار الحدودیة (الملاحیة)
وتقتضی المعالجة هنا تحلیل أسس تقسیم الأنهار الدولیة الحدودیة وبعض المفاهیم التی ترتبط بها ومن ثمّ ماهیة الآلیات المتوفرة والمُمکنة لحل المنازعات الناجمة عنها عبر الفقرات الآتیة :
أولاً. آلیة تقسیم الأنهار الحدودیة بین الدول
فعلى وفق القواعد العامة للقانون الدولی فإنه إذا کانت الحدود الدولیة بین دولتین عبارة عن نهر یجری بینهما ، وجب التمییز بین حالتین:
1. إذا کان النهر صالحاً للملاحة فإنه خط الحدود یکون فی منتصف التیار الرئیس وهو الخط الممتد فی وسط أعمق جزء فی النهر الذی یسمى بـ (خط التالوک) کالحدود بین فرنسا والمانیا فی نهر الراین بموجب معاهدة باریس لعام 1815.
2. إذا کان النهر غیر صالح للملاحة یعد (منتصف النهر) حدّاً فاصلاً بین الدولتین ، کما جرى ترسیم الحدود بین العراق والکویت فی نهر (خور عبد الله) من مجلس الأمن الدولی.
ثانیاً. مفهوم خط (التالوک) وتطبیقه فی (شط العرب)
یعرف خط التالوک : بأنه وسط أعمق جزء فی النهر إذ لا یکون عمقه بین طرفیه متساوٍ أو هو خط التیار الرئیس الأعمق فی النهر، وهو قاعدة عامة فی القانون الدولی فضلاً عن أنه جرى النص علیه فی اتفاقیة الجزائر لعام 1975 بین العراق وإیران.
ثالثاً. آلیات تسویة المنازعات الناجمة عن تغییر (خط التالوک) لمجراه
هناک ثلاث آلیات لتسویة المنازعات التی تنجم عن تغییر (خط التالوک) لمجراه، هی :
أولاً. على وفق معاهدة دولیة معقودة بین طرفی النزاع
لقد حدّدت المادة الثانیة من بروتوکول تحدید الحدود النهریة الملحق باتفاقیة الجزائر، بأن یکون خط الحدود فی شط العرب على أساس خط التالوک، فی وسط عمیق ابتداءً من النقطة التی تنزل فیها الحدود البریة بین العراق وإیران فی شط العرب حتى البحر.
ولمّا کان خط الحدود (التالوک) یتغیّر بتغیّر الظروف الطبیعیة ، فانه تمّ الاعتراف بذلک فی الاتفاقیة، ومن ثمّ فإنه إذا تغیّر خط التالوک لأسباب طبیعیة فإن خط الحدود بین الدولتین یتغیّر ، ولا یتغیّر لأسباب أخرى ما لم یعقد الطرفان اتفاقاً خاصاً بذلک.
وتُشکّل اللجان الفنیة للتحقق من تلک التغییرات، وفی حالة انتقال مجرى شط العرب أو مصبه بسبب ظواهر طبیعیة وأدى ذلک الانتقال إلى تغیر فی العائدیة الوطنیة لإقلیم الدولتین أو الأموال غیر المنقولة أو المبانی أو غیرها، فإن خط الحدود یستمر على کونه فی (التالوک).
ولمّا کان خط العمق فی (شط العرب) قد غیّر مجراه لأسباب طبیعیة وارتفاع مستوى ترسباته فی الجهة المقابلة للأراضی العراقیة وانحسارها مقابل تحول خط العمق (التالوک) باتجاه الجهة المقابلة للسواحل الإیرانیة، فضلاً عن تعمّد إیران فی غلق مجرى نهر (الکارون) من أن یصب فی شط العرب ممّا أثر بشکل کبیر على مستوى المیاه فیه ، وأدى أیضاً إلى حالة جدب کبیر وهلاک الأراضی الزراعیة وموت أشجار النخیل فی الضفة الغربیة لشط العرب ، وهو ما أشار إلیه (الأطلس البیئی) الذی أعده برنامج الأمم المتحدة للبیئة بالتعاون مع وکالة الفضاء الأمریکیة (NASA) عن حالة المناطق المحیطة بشط العرب ووثقتها بالصور الجویة بالمقارنة بین عامی 1975 و 2002 إذ کان هناک ما یُقارب الـ (18) ملیون نخلة فی السبعینیات تناقص عددها بشکل مخیف بنسبة (80%) إذ مات ما یقارب الـ (14) ملیون نخلة حتى عام 2002.
فضلاً عن تدخل إیران باستخدام القوة لإلقاء القبض على الصیادین العراقیین بحجة دخولهم المیاه الإیرانیة من شط العرب، لذا فإنه ینبغی تسویة هذه المشاکل على وفق الاتفاقیة، بتفعیل (المادة/6) منها، على وفق ما یـأتی:
ثانیاً. على وفق القواعد العامة للقانون الدولی
یتم بإتباع الوسائل الآتیة:
ثالثاً. آلیة کان من المُمکن تنفیذها فی ظلّ اتفاق سحب القوات الأمریکیة من العراق
أتاح اتفاق سحب القوات الأجنبیة بین العراق والولایات المتحدة الأمریکیة، (المادة/27) على إمکانیة طلب الحکومة العراقیة من هذه الدولة، التدخل بالوسائل العسکریة وغیر العسکریة کلها ـ العسکریة وغیر العسکریة ـ لمنع أی عدوان خارجی یقع على العراق، ولمّا کان العدوان یُشکل تهدیداً لاستقرار سیادة العراق وأمنه، فلا یُمکن للسلطة التنفیذیة إلاّ أن تطلب ذلک وإلاّ فإن الدیمقراطیة تعتمد مبدأ سیادة الشعب وأن السلطة التشریعیة تمثل الشعب، فیجب علیها أن تأخذ دورها من خلال تمثیل النواب لإرادة الشعب ، فکان _ حینها _ یُمکن الضغط على السلطة التنفیذیة لتفعیل (المادة/27)، أو حجب الثقة عن الحکومة وتشکیل حکومة جدیدة کان من المُمکن أن تقوم بواجباتها تجاه هذه المسألة.
الاستنتاجات
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Firstly. Books, research and reports in Arabic
1. Pierre-Marie Douy, International Public Law, Translation: Dr. Mohammed Arab Sassila and Dr. Salim Haddad, University Foundation for Studies, Publishing and Distribution, 1, Beirut, 2008.
2. Dr. Jamal Taha Nada, Responsibility of International Organizations in the Field of International Function, Egyptian General Book Organization, Cairo, 1986.
3. Dr. Subhi Ahmed Zuhair El-Adly, The International River - Concept and Reality in Some Rivers of the Arab Orient, Series of Doctoral Dissertations (63), Center for Arab Unity Studies, 1, Beirut, 2007.
4. Dr. Abdul Karim Alwan, Waseet in International Public Law, Dar Al-Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman, 2007.
5. Dr. Issam Al-Attiyah, General International Law, Al-Aatek Book Company, 1, Cairo, 2008, p.
6. Dr. Ali Sadiq Abuhayf, General International Law, Knowledge Establishment, I, Alexandria, 1997.
7. Dr. Ahmed Ahmed Aqla Al-Momani, The Legal Basis for Shared Water Sharing in the Arab World, Dar Al-Kuttab Al-Tarbawi, Irbid, 2005.
8. Dr. Mufid Mahmoud Shehab, General Principles of Law as a Source of International Law, Egyptian Journal of International Law, Volume XXIII, 1967, Egyptian Society of International Law, Cairo.
9. Dr. Walid Bitar, General International Law, University Institution for Studies, Publishing and Distribution, 1 st, Beirut, 2008.
10. Letter from the Secretary-General of the United Nations to the Security Council (S / 25811), 21 May 1993
11. UN General Assembly resolution 51/229 in document:
A / RES / 51/229, 8 July 1997, p
12. Summary of Judgments, Advisory Opinions and Orders of the International Court of Justice, 1997_ 2002, United Nations publication, New York, 2005.
13. United Nations Document in English of Signatory, Ratifying and Presiding States to the 1997 Convention on International Watercourses of Non-Navigational Water, annexed to the present document, No. XXVII 12.
14. Transboundary waters, United Nations publication, 2006
http://www.un.org/arabic/waterforlifedecade/waterborders.html
Secondly. International conventions and conventions
15. Charter of the United Nations.
16. Statute of the International Court of Justice
17. Vienna Convention on International Treaties of 1969.
18. The Algiers Convention of 1975.
19. Protocol for the delimitation of river borders annexed to the Algiers Convention in 1975.
20. Agreement on the withdrawal of foreign forces for 2008 between Iraq and the United States of America.
Thirdly. Foreign sources
21.C.F.Amerasinghe , Principles of the Institutional law of International Organization, Cambridge University press, New York, 2005 , p.236.
22.E. Lauterpacht , River Boundaries: Legal Aspects of the Shatt-al-Arab Frontier, International and Comparative Law Quarterly , 1960 Volume: 9 Issue , p.216.
23.International Law Association , Accountability of International Organizations , Final Report , Berlin Conference (2004) , p.28.
24.Mr. Stephen C. McCaffrey,The United Nations Convention on the Law of the Non-Navigational Uses of International Watercourses , http://www.un.org/law/avl/
25. United Nations Environment Programme, One Planet Many People,2005. http://na.unep.net/atlas/index.php.
References (English)
أولاً. الکتب والبحوث والتقاریر باللغة العربیة
A/RES/51/229 , 8 July 1997, p.5
http://www.un.org/arabic/waterforlifedecade/waterborders.html
ثانیاً. المواثیق والاتفاقیات الدولیة
ثالثاً. المصادر الأجنبیة