الملخص
فَمُنْذُ فَتْرَةٍ لَیْسَتْ بِالقَصِیْرَةِ کَانَتْ تُرَاوِّدُنِی بَیْنَ الحِیْنِ وَالحِینِ أَفْکَارٌ عِدَّةٌ حَوْلَ أَحَادِیثِ صِیَامِ عَاشُورَاءَ وَکَیْفِیةِ التَّوْفِیقِ بَیْنَهَا بِلا تَعَارُضٍ وَلا تَضَادٍ ، بِحَیْثُ تَتَفِقُ وَلا تَخْتَلِفُ ، وَتَأْتَلِفُ وَلا تَتَنَافَرُ ، وَتَجْتَمِعُ وَلا تَتَفَرَّقُ .
وَتَزْدَادُ الأُمُورُ تَفْکِیْرَاً کُلَّمَا مَرَّ عَلَیْنَا شَهْرُ مُحَرَّمٍ ، إذْ فِیهِ یَوْمٌ عَظِیمٌ مِنْ أَیَّامِ الله تَبَارَکَ وَتَعَالى ، والَّذِی وَرَدَ فِی فَضْلِهِ مِنَ الأحَادِیثِ وَالآثَارِ الشّیءُ الکَثِیرُ ، فَإنَّ المنَاسَبَاتِ الإسْلامِیَّةَ الکَرِیْمَةَ تَأتِی لِتُحَرِّکَ شُعُورَاً جَمِیلاً لَدَى المسْلِمینَ ؛ لیُقبِلوا عَلَى الله فَیَزْدَادُوا طُهْرًا وَصَفَاءً وَنَقَاءً ، وَهَذِهِ الجُزْئِیةُ لا نِقَاشَ لنَا فِیْهَا ، وَلَکِنَّ الجَدَلَ یَکْثُرُ فِی المسَاجِدِ وَالمنْتَدَیَاتِ وَشَبَکَاتِ التَّواصُلِ الإجْتِمَاعِیِّ حَوْلَ صِیَامِ تَاسُوعَاءَ وَعَاشُورَاءَ مِنَ النَّاحِیةِ الفِقْهِیَّةِ وَالحَدِیثیَّةِ .
فَوَقَعَ فِی نَفْسِی أَنْ أَخُوضَ غِمَارَهُ ، وَأَجْمَعَ أَحَادِیْثَهُ ، وَأَنْظُرَ فِی شُروحَاتِهِ وَفِی کُتُبِ الفُقَهاءِ عَلَى المذَاهِبِ الأرْبَعَةِ وَغَیْرِهَا ، وَانْخُلَ کُتُبَ الغَرِیبِ وَاللُّغَةِ ، وَمُتَونَ الأحَادِیثِ وَزَوَائِدَهَا وَأُدِیْمَ النَّظَرَ فِیْهَا طَوِیْلاً ، وَطَلَبْتُ مِنَ البَارِی عَزَّ وَجَلَّ أَنْ یُیَسِرَ لِی فَهْمَ الأحَادِیثِ بِشَکْلٍ صَحِیحٍ وَفَهْمٍ دَقِیقٍ ، فَفَتَحَ الله عَلیَّ بِمَنَّهِ وَکَرَمِهِ ، حَیْثُ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَجْمَعَ الأحَادِیثَ وَأعْمَلَ بِجَمِیعِ الأدِلَّةِ عَنْ طَرِیقِ تَقْسِیمی لِصَوْمِ عَاشُورَاءَ إلى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ ، کُلُّ مَرْحَلَةٍ لَها ظُرُوفُهَا وَمُلابَسَاتُهَا وَأَحَادِیْثُهَا ، ثُمَّ تَأتِی المرْحَلَةُ الَّتِی تَلِیْهَا وَهَکَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ الحُکْمُ وَوَضُحَتْ المسْأَلَةُ .
فَکَانَ تَقْسِیمی لِلْمَرَاحِلِ کَمَا یَلِی :
المرْحَلَةُ الأوْلَى الَّتِی مَرَّ بِهَا صَوْمُ عَاشُورَاءَ کَانَتْ مُنْذُ الجَاهِلِیَّةِ إلى هِجْرَةِ النَّبِیِّ r لِلْمَدِینةِ المنَوَّرَةِ ، وَالمرْحَلَةُ الثَّانِیةُ مِنْ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدِینةَ إلى السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلْهِجْرَةِ ، وَالمرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلْهِجْرَةِ إلى فَتْحِ مَکَةَ ، وَالمرْحَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالأخِیْرَةُ مِنْ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدینةَ بَعْدَ الفَتْحِ إلى الوَفَاةِ . وَلِکُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنَ المرَاحِلِ الأرْبَعِ أَحْکَامٌ خَاصَّةٌ بِها حَسَبَ الأحَادِیثِ وَالآثَارِ الوَارِدَةِ فِیْهَا.
وَمِمَّا زَادَنِی فَرَحَاً وَغِبْطَةً وَسُرُورَاً أَنَّ هَذَا التَّقْسِیمَ لَمْ أَجِدْهُ عِنْدَ المحَدِّثِینَ وَلا عِنْدَ شُرَّاحِ الحَدِیثِ وَلا عِنْدَ الفُقَهَاءِ مِنَ المذَاهِبِ الأرْبَعَةِ المعْتَبَرَةِ وَلا غَیْرِهَا ، لا القُدَمَاءُ وَلا المحْدَثِینَ مِنْهُم ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ الله عَلیَّ وَمِنَّتِهِ . هَذَا وَقَدْ اقْتَضَتْ طَبِیْعَةُ البَحْثِ أَنَّ أُقَسِّمَهُ بَعْدَ هَذِهِ المقَدِّمَةِ إلى تَمْهِیدٍ وَثَلاثَةِ مَبَاحِثَ وَخَاتِمَةٍ .
تَکَلَّمْتُ فِی التَّمْهِیدِ عَنْ فَضْلِ شَهْرِ الله المُحَرّمِ وَفَضْلِ عَاشُورَاءَ وَغَیْرِ ذَلِکَ .
وفِی المبْحَثِ الأوَّلِ تَحَدَّثْتُ عَنْ لَفْظِ تَاسُوعَاءَ وَعَاشُورَاءَ فِی اللُّغَةِ وَالاصْطِلاحِ وَما فِیْهِمَا مِنْ إشْکَالاتٍ لُغَوِیَّةٍ وَاصْطِلاحِیَّةٍ وَأَجَبْتُ عَنْهَا فِی مَطالِبَ ثَلاثَةٍ .
وَفِی المبْحَثِ الثَّانِی تَنَاوَلْتُ أَحَادِیْثَ عَاشُورَاءَ عِنْدَ المحَدِّثِینَ وَقَسَّمْتُهَا إلى مَطَالِبَ أَرْبَعَةٍ ، وَهِیَ المرَاحِلُ السَّابِقَةُ الَّتِی ذَکَرْتُها .
وَفِی المبْحَثِ الثَّالِثِ عَرَّجْتُ عَلَى حُکْمِ صِیَامِ عَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ عِنْدَ الفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ المذَاهِبِ الأرْبَعَةِ المعْتَبَرَةِ ، وَیَقَعُ فیِ مَطَالِبَ أَرْبَعَةٍ .
ثُمَّ الخَاتِمَةُ الَّتِی لَخَصْتُ مَا جَاءَ فِیْهَا مِنْ نَتَائِجَ ، وَأَجْمَلْتُ فِیْهَا مَا تَوَصَلْتُ إلیهِ مِنْ خِلالِ هَذِهِ الدِّرَاسَةِ ، هَذَا وَقَدْ حَاوَلَتُ جُهْدِی أَنْ أُزَاوِجَ بَیْنَ آرَاءِ المُحَدِّثِینَ وَالفُقَهَاءِ فِی هَذِهِ الجُزْئِیةِ الشَائِکَةِ ، فَإنْ کَانَ صَوَابَاً فَمِنْ الله وَحْدَهُ، وَإنْ کَانَتْ الأخْرَى فَمِنْ نَفْسِی وَتَقْصِیری ، وَأسْأَلُهُ تَعَالى أَنْ لا یَحْرِمَنِی الأجْرَ الوَاحِدَ عَلى اجْتِهَادِی، واللهُ خَیْرُ مَأمُولٍ وَأَکْرَمُ مَسْئولٍ .
الكلمات الرئيسة
أصل المقالة
صوم التاسع مِن مُحرَّم وعاشوراء فی میزان المحدِّثینَ والفُقَهَاء -(*)-
Fasting the ninth of Muharram and tenth in the balance of modern and scholars
رضوان عزِّالدَّین صالح الحدیدیّ کلیة الإمام الأعظم الجامعة Radwan Izz Al-Din Saleh Al-Hadidi Imam Azam University College Correspondence: Radwan Izz Al-Din Saleh Al-Hadidi E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 20/2/2013 *** قبل للنشر فی 7/4/2013.
(*) Received on 20/2/2013 *** accepted for publishing on 7/4/2013.
Doi: 10.33899/alaw.2013.160735
© Authors, 2013, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
فَمُنْذُ فَتْرَةٍ لَیْسَتْ بِالقَصِیْرَةِ کَانَتْ تُرَاوِّدُنِی بَیْنَ الحِیْنِ وَالحِینِ أَفْکَارٌ عِدَّةٌ حَوْلَ أَحَادِیثِ صِیَامِ عَاشُورَاءَ وَکَیْفِیةِ التَّوْفِیقِ بَیْنَهَا بِلا تَعَارُضٍ وَلا تَضَادٍ ، بِحَیْثُ تَتَفِقُ وَلا تَخْتَلِفُ ، وَتَأْتَلِفُ وَلا تَتَنَافَرُ ، وَتَجْتَمِعُ وَلا تَتَفَرَّقُ .
وَتَزْدَادُ الأُمُورُ تَفْکِیْرَاً کُلَّمَا مَرَّ عَلَیْنَا شَهْرُ مُحَرَّمٍ ، إذْ فِیهِ یَوْمٌ عَظِیمٌ مِنْ أَیَّامِ الله تَبَارَکَ وَتَعَالى ، والَّذِی وَرَدَ فِی فَضْلِهِ مِنَ الأحَادِیثِ وَالآثَارِ الشّیءُ الکَثِیرُ ، فَإنَّ المنَاسَبَاتِ الإسْلامِیَّةَ الکَرِیْمَةَ تَأتِی لِتُحَرِّکَ شُعُورَاً جَمِیلاً لَدَى المسْلِمینَ ؛ لیُقبِلوا عَلَى الله فَیَزْدَادُوا طُهْرًا وَصَفَاءً وَنَقَاءً ، وَهَذِهِ الجُزْئِیةُ لا نِقَاشَ لنَا فِیْهَا ، وَلَکِنَّ الجَدَلَ یَکْثُرُ فِی المسَاجِدِ وَالمنْتَدَیَاتِ وَشَبَکَاتِ التَّواصُلِ الإجْتِمَاعِیِّ حَوْلَ صِیَامِ تَاسُوعَاءَ وَعَاشُورَاءَ مِنَ النَّاحِیةِ الفِقْهِیَّةِ وَالحَدِیثیَّةِ .
فَوَقَعَ فِی نَفْسِی أَنْ أَخُوضَ غِمَارَهُ ، وَأَجْمَعَ أَحَادِیْثَهُ ، وَأَنْظُرَ فِی شُروحَاتِهِ وَفِی کُتُبِ الفُقَهاءِ عَلَى المذَاهِبِ الأرْبَعَةِ وَغَیْرِهَا ، وَانْخُلَ کُتُبَ الغَرِیبِ وَاللُّغَةِ ، وَمُتَونَ الأحَادِیثِ وَزَوَائِدَهَا وَأُدِیْمَ النَّظَرَ فِیْهَا طَوِیْلاً ، وَطَلَبْتُ مِنَ البَارِی عَزَّ وَجَلَّ أَنْ یُیَسِرَ لِی فَهْمَ الأحَادِیثِ بِشَکْلٍ صَحِیحٍ وَفَهْمٍ دَقِیقٍ ، فَفَتَحَ الله عَلیَّ بِمَنَّهِ وَکَرَمِهِ ، حَیْثُ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَجْمَعَ الأحَادِیثَ وَأعْمَلَ بِجَمِیعِ الأدِلَّةِ عَنْ طَرِیقِ تَقْسِیمی لِصَوْمِ عَاشُورَاءَ إلى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ ، کُلُّ مَرْحَلَةٍ لَها ظُرُوفُهَا وَمُلابَسَاتُهَا وَأَحَادِیْثُهَا ، ثُمَّ تَأتِی المرْحَلَةُ الَّتِی تَلِیْهَا وَهَکَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ الحُکْمُ وَوَضُحَتْ المسْأَلَةُ .
فَکَانَ تَقْسِیمی لِلْمَرَاحِلِ کَمَا یَلِی :
المرْحَلَةُ الأوْلَى الَّتِی مَرَّ بِهَا صَوْمُ عَاشُورَاءَ کَانَتْ مُنْذُ الجَاهِلِیَّةِ إلى هِجْرَةِ النَّبِیِّ r لِلْمَدِینةِ المنَوَّرَةِ ، وَالمرْحَلَةُ الثَّانِیةُ مِنْ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدِینةَ إلى السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلْهِجْرَةِ ، وَالمرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلْهِجْرَةِ إلى فَتْحِ مَکَةَ ، وَالمرْحَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالأخِیْرَةُ مِنْ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدینةَ بَعْدَ الفَتْحِ إلى الوَفَاةِ . وَلِکُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنَ المرَاحِلِ الأرْبَعِ أَحْکَامٌ خَاصَّةٌ بِها حَسَبَ الأحَادِیثِ وَالآثَارِ الوَارِدَةِ فِیْهَا.
وَمِمَّا زَادَنِی فَرَحَاً وَغِبْطَةً وَسُرُورَاً أَنَّ هَذَا التَّقْسِیمَ لَمْ أَجِدْهُ عِنْدَ المحَدِّثِینَ وَلا عِنْدَ شُرَّاحِ الحَدِیثِ وَلا عِنْدَ الفُقَهَاءِ مِنَ المذَاهِبِ الأرْبَعَةِ المعْتَبَرَةِ وَلا غَیْرِهَا ، لا القُدَمَاءُ وَلا المحْدَثِینَ مِنْهُم ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ الله عَلیَّ وَمِنَّتِهِ . هَذَا وَقَدْ اقْتَضَتْ طَبِیْعَةُ البَحْثِ أَنَّ أُقَسِّمَهُ بَعْدَ هَذِهِ المقَدِّمَةِ إلى تَمْهِیدٍ وَثَلاثَةِ مَبَاحِثَ وَخَاتِمَةٍ .
تَکَلَّمْتُ فِی التَّمْهِیدِ عَنْ فَضْلِ شَهْرِ الله المُحَرّمِ وَفَضْلِ عَاشُورَاءَ وَغَیْرِ ذَلِکَ .
وفِی المبْحَثِ الأوَّلِ تَحَدَّثْتُ عَنْ لَفْظِ تَاسُوعَاءَ وَعَاشُورَاءَ فِی اللُّغَةِ وَالاصْطِلاحِ وَما فِیْهِمَا مِنْ إشْکَالاتٍ لُغَوِیَّةٍ وَاصْطِلاحِیَّةٍ وَأَجَبْتُ عَنْهَا فِی مَطالِبَ ثَلاثَةٍ .
وَفِی المبْحَثِ الثَّانِی تَنَاوَلْتُ أَحَادِیْثَ عَاشُورَاءَ عِنْدَ المحَدِّثِینَ وَقَسَّمْتُهَا إلى مَطَالِبَ أَرْبَعَةٍ ، وَهِیَ المرَاحِلُ السَّابِقَةُ الَّتِی ذَکَرْتُها .
وَفِی المبْحَثِ الثَّالِثِ عَرَّجْتُ عَلَى حُکْمِ صِیَامِ عَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ عِنْدَ الفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ المذَاهِبِ الأرْبَعَةِ المعْتَبَرَةِ ، وَیَقَعُ فیِ مَطَالِبَ أَرْبَعَةٍ .
ثُمَّ الخَاتِمَةُ الَّتِی لَخَصْتُ مَا جَاءَ فِیْهَا مِنْ نَتَائِجَ ، وَأَجْمَلْتُ فِیْهَا مَا تَوَصَلْتُ إلیهِ مِنْ خِلالِ هَذِهِ الدِّرَاسَةِ ، هَذَا وَقَدْ حَاوَلَتُ جُهْدِی أَنْ أُزَاوِجَ بَیْنَ آرَاءِ المُحَدِّثِینَ وَالفُقَهَاءِ فِی هَذِهِ الجُزْئِیةِ الشَائِکَةِ ، فَإنْ کَانَ صَوَابَاً فَمِنْ الله وَحْدَهُ، وَإنْ کَانَتْ الأخْرَى فَمِنْ نَفْسِی وَتَقْصِیری ، وَأسْأَلُهُ تَعَالى أَنْ لا یَحْرِمَنِی الأجْرَ الوَاحِدَ عَلى اجْتِهَادِی، واللهُ خَیْرُ مَأمُولٍ وَأَکْرَمُ مَسْئولٍ .
Abstract
Praise be to Allah, and peace and blessings be upon our master Muhammad Syed the first two and the others, and all his family and companions and after:
Since for quite some time they haunt me from time to time several ideas about conversations fasting Ashura and how to reconcile them without conflict or contradiction, so agree nor disagree, and reconcile between not repel each other, and meet and diverge.
Things are getting thinking as they passed us the month of Muharram, as the great day of the days of Allah, the Almighty, who stated in the bounty of the conversations and effects much, the Islamic occasions stones come to move feeling beautiful among Muslims; to accept the God Vyazdedua purification and clarity and purity, and this partial Do not talk to us, but the controversy frequently in mosques, forums and social networking on fast Taasoo'a and Ashura in terms of jurisprudence and Hadith.
It fell in myself to go into CAB, and the whole speeches, and see the commentary in books jurists on the four schools, etc., and Angel wrote strange language, and embedded conversations and Zoaúdha and Adeem considered long, and asked the Almighty to facilitate me understand conversations correctly and accurately grasp, opened God for His grace and generosity, where I was able to gather conversations and working all the evidence by Divisional plugged Ashura into four stages, each stage conditions and circumstances of the case and أحادیثها, then comes the next stage and so on until the settled rule and clarified the matter .
Was Divisional stages as follow :
The first phase experienced by fasting Ashura was since ignorance to the to Medina, and the second phase of entryrmigration of the Prophet city to the second year of migration, and the third stage ofrProphet the second year of migration to the conquest of Mecca, and fourth and city after the conquest torfinal phase of entering the Prophet death. And each of the four stages of the provisions of its own by conversations and effects contained therein.
It made me joy, joy and pleasure that this division did not find it when modernists and when commentators talk and when scholars from the four schools considered nor the other, neither ancient nor modern of them, and this by the grace of Allah on me and outdated. This was the nature of the research that requires divided it after this introduction to pave three sections and a conclusion.
Speaking in the boot of the virtue of the month of Muharram and Ashura preferred and so on.
In the first part I talked about the term Ashoora Ashura in language and terminology and two problematic and idiomatic language and answered them in the three demands.
In the second part dealt with talk of Ashura when modernists and divided it into four demands, which earlier stages that I mentioned.
In the third section put a ruling on fasting Ashura Ashoora when scholars of the owners of the four schools considered, and is located in the four demands.
Then Conclusion that summarized what was the outcome, and outlined where the findings from this study, this has been tried my best to Ozawj between the views of modernists and scholars in this partial thorny, the was right, it is God alone, though other it myself and Tgosaira, and ask him Almighty that does not deprive me pay per judgmental, and God good expectancies and Akram responsible.
مِنْ هَدْیِ الکِتَابِ العَزِیزِ
]قُلْ أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَیْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَیْکُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِیعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِینُ[ سورة النور / الآیة 54
المُقَدِّمَــةُ
الحَمْدُ لله رَبِّ العَالمَیْنَ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَیِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَیِّدِ الأوَّلِینَ وَالآخِرِینَ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِینَ وَبَعْدُ :
فَمُنْذُ فَتْرَةٍ لَیْسَتْ بِالقَصِیْرَةِ کَانَتْ تُرَاوِّدُنِی بَیْنَ الحِیْنِ وَالحِینِ أَفْکَارٌ عدیدة حَوْلَ أَحَادِیثِ صِیَامِ عَاشُورَاءَ وَکَیْفِیةِ التَّوْفِیقِ بَیْنَهَا بِلا تَعَارُضٍ وَلا تَضَادٍ ، بِحَیْثُ تَتَّفِقُ وَلا تَخْتَلِفُ ، وَتَأْتَلِفُ وَلا تَتَنَافَرُ ، وَتَجْتَمِعُ وَلا تَتَفَرَّقُ . وَتَزْدَادُ الأُمُورُ تَفْکِیْرَاً کُلَّمَا مَرَّ عَلَیْنَا شَهْرُ مُحَرَّمٍ ، إذْ فِیهِ یَوْمٌ عَظِیمٌ مِنْ أَیَّامِ الله تَبَارَکَ وَتَعَالى ، والَّذِی وَرَدَ فِی فَضْلِهِ مِنَ الأحَادِیثِ وَالآثَارِ الشّیءُ الکَثِیرُ ، فَإنَّ المنَاسَبَاتِ الإسْلامِیَّةَ الکَرِیْمَةَ تَأتِی لِتُحَرِّکَ شُعُورَاً جَمِیلاً لَدَى المسْلِمینَ ؛ لیُقبِلوا عَلَى الله (سبحانه وتعالى) فَیَزْدَادُوا طُهْرًا وَصَفَاءً وَنَقَاءً ، وَهَذِهِ الجُزْئِیةُ لا نِقَاشَ لنَا فِیْهَا ، وَلَکِنَّ الجَدَلَ یَکْثُرُ فِی المسَاجِدِ وَالمنْتَدَیَاتِ حَوْلَ صِیَامِ تَاسُوعَاءَ وَعَاشُورَاءَ مِنَ النَّاحِیةِ الفِقْهِیَّةِ وَالحَدِیثیَّةِ ، وَتَتَوَارَدُ الأَسْئِلَةُ التَّالِیَّةُ :
هَلْ یُصَامُ عَاشُورَاءُ مَعَ تَاسُوعَاءَ سَوِّیَةً أمْ یُضَافُ إلیْهِمَا یَوْمٌ آخَرُ أَمْ یُفْرَدُ عَاشُورَاءُ بِالصِّیَامِ ؟ وَإذَا أُفْرِدَ عَاشُورَاءُ فَمَا حُکْمُ صَوْمِهِ عِنْدَ الفُقَهَاءِ ؟ أَهُو مُسْتَحَبٌّ أَمْ مَکْرُوهٌ ؟ وَکَیْفَ یُفَسَّرُ قَولُ النَّبِیِّ r : «لَئِنْ بَقِیتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» ؟ وَهَلْ یُعْقَلُ أنَّ النَّبِیَّ r لَم یَکُنْ یَعْلَمُ بِعَاشُورَاءَ إلى قُبَیْلِ الوَفَاةِ ؟ وَکَیْفَ نُوَفِّقُ بَیْنَ الأحَادِیثِ المتَضَارِبَةِ – فِیْمَا یَبْدُو لَنَا – الَّتِی تَأمُرُ بِصِیَامِ عَاشُورَاءَ وَالَّتِی تُخَیِّرُ فِی صِیَامِهِ ؟ وَغَیْرُ هَذِهِ الأسِئِلَةِ مِمَّا یَکْثُرُ وُرُودُهَا فِی الصُّحُفِ وَالمجَلاَّتِ وَشَبَکَاتِ التَّواصُلِ الإجْتِمَاعِیِّ ، وَالمُسَاجَلاتِ العِلْمِیَّةِ بَیْنَ العُلَمَاءِ وَطَلَبَةِ العِلْمِ .
وَمِمَّا دَعَانِی للبحث فِی هَذِهِ الجُزْئِیةِ مِنْ أَسَاسِهِا ، وَجَمْعِ شَتَاتِها ، وَالنَّظَرِ فِی أَحَادِیثِها أَنَّ بَعْضَ المسَائِلِ قَدْ یَخْفَى دَلِیْلُهَا أَوْ یُغْمَضُ حُکْمُهَا أَوْ تَتَشَتَتُ الآرَاءُ فِیْهَا ، فَعِنْدَ تَأَلِیفِ جُزْءٍ خَاص یَجْمَعُ شَتَاتَهَا وَیُنْظِمُ النُّصُوصَ الوَارِدَةَ فِیْهَا ، بِعِقْدٍ وَاحِدٍ عَلى صَعِیدٍ وَاحِدٍ ، یَکُونُ قَدْ أَتَى بِشَیءٍ جَدِیدٍ وَإضَافَةٍ جَدِیدِةٍ، وَکَمَا قِیْلَ قَدِیماً : یُوَجَدُ فی الأنْهَارِ مَا لا یُوْجَدُ فِی البِحَارِ .
وَمِنْ بَابِ رَدِّ الفَضْلِ لأصْحَابِهِ فَقَدْ حَثَّنِی عَلى الکِتَابَةِ فِی هَذَا الموْضُوعِ أُسْتَاذِی وَمُشْرِفی عَلى أُطْرُوحَتِی فِی الدَکْتُورَاه (الأُسْتَاذُ الدُّکْتُورُ فَهْمِی أَحْمَد القَزَّاز) نَفَعَ اللهُ (سبحانه وتعالى) بِهِ ، وَشَجَعَنِی کَثِیرَاً فَجَزَاهُ (الله سبحانه) وتعالى کُلَّ خَیْرٍ .
فَوَقَعَ فِی نَفْسِی أَنْ أَخُوضَ غِمَارَهُ ، وَأَجْمَعَ أَحَادِیْثَهُ ، وَأَنْظُرَ فِی شُروحَاتِهِ وَفِی کُتُبِ الفُقَهاءِ عَلَى المذَاهِبِ الأرْبَعَةِ وَغَیْرِهَا ، وَانْخُلَ کُتُبَ الغَرِیبِ وَاللُّغَةِ ، وَمُتَونَ الأحَادِیثِ وَزَوَائِدَهَا وَأُدِیْمَ النَّظَرَ فِیْهَا طَوِیْلاً، وَطَلَبْتُ مِنَ البَارِی عَزَّ وَجَلَّ أَنْ یُیَسِرَ لِی فَهْمَ الأحَادِیثِ بِشَکْلٍ صَحِیحٍ وَفَهْمٍ دَقِیقٍ ، فَفَتَحَ الله عَلیَّ بِمَنَّهِ وَکَرَمِهِ ، حَیْثُ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَجْمَعَ الأحَادِیثَ وَأعْمَلَ بِجَمِیعِ الأدِلَّةِ عَنْ طَرِیقِ تَقْسِیمی لِصَوْمِ عَاشُورَاءَ إلى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ ، کُلُّ مَرْحَلَةٍ لَها ظُرُوفُهَا وَمُلابَسَاتُهَا وَأَحَادِیْثُهَا ، ثُمَّ تَأتِی المرْحَلَةُ الَّتِی تَلِیْهَا وَهَکَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ الحُکْمُ وَوَضُحَتْ المسْأَلَةُ . فَکَانَ تَقْسِیمی لِلْمَرَاحِلِ عَلَى وفق الآتِی :
المرْحَلَةُ الأوْلَى الَّتِی مَرَّ بِهَا صَوْمُ عَاشُورَاءَ کَانَتْ مُنْذُ الجَاهِلِیَّةِ إلى هِجْرَةِ النَّبِیِّ r لِلْمَدِینةِ المنَوَّرَةِ ، وَالمرْحَلَةُ الثَّانِیةُ مِنْ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدِینةَ إلى السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلْهِجْرَةِ ، وَالمرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلْهِجْرَةِ إلى فَتْحِ مَکَةَ ، وَالمرْحَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالأخِیْرَةُ مِنْ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدینةَ بَعْدَ الفَتْحِ إلى الوَفَاةِ . وَلِکُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنَ المرَاحِلِ الأرْبَعِ أَحْکَامٌ خَاصَّةٌ بِها بحسب الأحَادِیثِ وَالآثَارِ الوَارِدَةِ فِیْهَا.
وَمِمَّا زَادَنِی فَرَحَاً وَغِبْطَةً وَسُرُورَاً أَنَّ هَذَا التَّقْسِیمَ لَمْ أَجِدْهُ عِنْدَ المحَدِّثِینَ وَلا عِنْدَ شُرَّاحِ الحَدِیثِ وَلا عِنْدَ الفُقَهَاءِ مِنَ المذَاهِبِ الأرْبَعَةِ المعْتَبَرَةِ وَلا غَیْرِهَا ، لا القُدَمَاءُ وَلا المُحْدَثِینَ مِنْهُم ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ الله (سبحانه وتعالى) عَلیَّ وَمِنَّتِهِ . هَذَا وَقَدْ اقْتَضَتْ طَبِیْعَةُ البَحْثِ أَنَّ أُقَسِّمَهُ بَعْدَ هَذِهِ المقَدِّمَةِ إلى تَمْهِیدٍ وَثَلاثَةِ مَبَاحِثَ وَخَاتِمَةٍ .
تَکَلَّمْتُ فِی التَّمْهِیدِ عَنْ فَضْلِ شَهْرِ الله (سبحانه وتعالى) المُحَرّمِ وَفَضْلِ عَاشُورَاءَ وَغَیْرِ ذَلِکَ .
وفِی المبْحَثِ الأوَّلِ تَحَدَّثْتُ عَنْ لَفْظِ تَاسُوعَاءَ وَعَاشُورَاءَ فِی اللُّغَةِ وَالاصْطِلاحِ وَما فِیْهِمَا مِنْ إشْکَالاتٍ لُغَوِیَّةٍ وَاصْطِلاحِیَّةٍ وَأَجَبْتُ عَنْهَا فِی مَطالِبَ ثَلاثَةٍ .
وَفِی المبْحَثِ الثَّانِی تَنَاوَلْتُ أَحَادِیْثَ عَاشُورَاءَ عِنْدَ المحَدِّثِینَ وَقَسَّمْتُهَا إلى مَطَالِبَ أَرْبَعَةٍ ، وَهِیَ المرَاحِلُ السَّابِقَةُ الَّتِی ذَکَرْتُها .
وَفِی المبْحَثِ الثَّالِثِ عَرَّجْتُ عَلَى حُکْمِ صِیَامِ عَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ عِنْدَ الفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ المذَاهِبِ الأرْبَعَةِ المعْتَبَرَةِ ، وَیَقَعُ فیِ مَطَالِبَ أَرْبَعَةٍ .
ثُمَّ الخَاتِمَةُ لَخَصْتُ فِیْهَا أَهَمَّ النَتَائِجِ الَّتِی تَوَصَلْتُ إلیهِا عبر الدِّرَاسَةِ .
أمَّا عَنْ مَنْهَجِیتِی فِی البَحْثِ فَتَتَلَخَصُ فِیمَا یَأتِی :
هَذَا وَقَدْ بَذَلْتُ جُهْدِی أَنْ أُزَاوِجَ بَیْنَ آرَاءِ المُحَدِّثِینَ وَالفُقَهَاءِ فِی هَذِهِ الجُزْئِیةِ الشَائِکَةِ ، فَإنْ کَانَ صَوَابَاً فَمِنْ الله (سبحانه وتعالى) وَحْدَهُ، وَإنْ کَانَتْ الأخْرَى فَمِنْ نَفْسِی وَتَقْصِیری ، وَأسْأَلُهُ تَعَالى أَنْ لا یَحْرِمَنِی الأجْرَ الوَاحِدَ عَلى اجْتِهَادِی، واللهُ (سبحانه وتعالى) خَیْرُ مَأمُولٍ وَأَکْرَمُ مَسْئولٍ .
البَاحِثُ
التمهید
مِمَّا یَنْبَغِی التَّوَقُّفُ عِنْدَهُ ، وَالکَلامُ حَوْلَهُ ، قَبْلَ الخَوْضِ فِی بَیَانِ الأحَادِیثِ وَالاخْتِلافَاتِ المتَرَتِبَةِ عَلى فَهْمِهَا، هُو الوُقوفُ عِنْدَ شَهْرِ الله (سبحانه وتعالى) المُحَرَّمِ ، وَمَا وَرَدَ فِیهِ مِنْ فَضَائِلَ وَفَوَائِدَ وَمَنَافِعَ . لا سِیما وَفِیهِ یَوْمٌ عَظِیمٌ مِنْ أَیَّامِ الله (سبحانه وتعالى) المُبَارَکَةِ وَهُو یَومُ عَاشُورَاءَ الَّذِی وَرَدَتْ فِی فَضْلِهِ وَفَضْلِ صِیَامِهِ أحَادِیثُ وَآثَارٌ کَثِیرَةٌ. وَبَعْدَ هَذَا التَّمْهِیدِ الَّذِی أَتَکَلَّمُ فِیهِ عَنْ فَضْلِ شَهْرِ الله (سبحانه وتعالى) المحَرَّمِ أُحَاوِلُ بَسْطَ الکَلامِ عَلى مَعْنَى عَاشُورَاءَ وَکَذَا تَاسُوعَاءَ فی الُّلغَةِ وَالاصْطِلاحِ وَمَا فِیهما مِنْ خِلافَاتٍ ، وَمِنْ ثَمَّ الکَلامُ بِالتَّفْصِیلِ عَنِ الأحَادِیثِ والآثارِ وَمَا فِیهمَا مِنْ إشْکَالاتٍ فِی فَهْمِهَا مَعَ بَیَانِ التَّرجِیحِ ، وذِکْرِ المرَاحِلِ الَّتِی مَرَّ بِها الصِّیَامُ حَتَّى تَسْتَقِیمَ وَلا تَتَعَارَضَ ، وَمِنْ ثَمَّ أُعَرِّجُ عَلى صِیَامِ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ الفُقَهَاءِ مِنَ الأئِمَّةِ الأرْبَعَةِ رِضْوَانُ الله عَلَیْهِم أَجْمَعِینَ ، وَبِهَذَا یَتِمُّ البَحْثُ وَاخْلُصُ إلى نَتَائِجِهِ .
شَهْرُ اللهِ (سبحانه وتعالى) (المحَرَّمُ) وَفَضْلُهُ :
مِمَّا لا شَکَّ فِیهِ أنَّ شَهْرَ الله (سبحانه وتعالى) "المحَرَّمَ " هُو شَهْرٌ عَظِیمٌ وَمُبَارَکٌ، وَهُوَ أَوَّلُ شُهُورِ السَّنَةِ الهِجْرِیَّةِ ، وَأَحَدُ الأشْهُرِ الحُرُمِ ، الَّتِی قَالَ الله تَعَالى فِیْهَا :{إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِی کِتَابِ الله یَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِیهِنَّ أَنْفُسَکُمْ} .
والأشْهُرُ الحُرُمُ الأَرْبَعَةُ المذْکُورَةُ فِی الآیةِ هِی: (مُحَرَّمٌ ، وَرَجَبُ ، وَذُو القِعْدَةِ ، وَذُو الحِجْةِ )، لِذَا جَاءَ فِی الحَدیثِ الصَّحِیحِ عَنْ أَبِی بَکْرَةَ t عَنِ النَّبِیِّ r قَالَ: « الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ کَهَیْئَتِهِ یَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِیَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِی بَیْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ » ؛ لِذَلِکَ تَقُولُ العَرَبُ: الأشْهُرُ الحُرُمُ أرْبَعَةٌ، مِنْهَا ثَلاثَةٌ سَرْدٌ ، وَوَاحِدٌ فَرْدٌ، أمَّا الثَّلاثَةُ السَّرْدٌ فَهِیَ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَمُحَرَّمٌ، وَهِیَ أَشْهُرٌ مُتَوَالیةٌ، وَأمَّا الفَرْدُ فَهُوَ: رَجَبُ ، حَتَّى یُسَمَّى رَجَبُ الفَرْدُ أَحْیَانَاً؛ لأنَّهُ مُنْفَرِدٌ عَنْ بَقِیَّةِ الأشْهُرِ الحُرُمِ . ویُسَمَّى رَجَبُ مُضَرَ أَحْیَانَاً أُخْرَى . قَالَ أَبُو عُبَیْدٍ القَاسِمُ ابنُ سَلاّمٍ الهرَوِیُّ : (فَإِنَّمَا سَمَّاهُ رَجَبُ مُضرَ؛ لِأَنَّ مُضَرَ کَانَتْ تُعَظِّمُهُ وَتُحرِّمُهُ وَلمْ یَکُنْ یَسْتَحِلُّهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا حَیَّانِ : خُثْعُمْ وَطِیء ، فَإِنَّهُمَا کَانَا یَسْتَحِلَّانِ الشُّهُورَ ).
وَقَدْ جَاءَ اسْمُهُ فِی السُّنَّةِ هَکَذَا ( شَهْرُ الله ) عَلَى لِسَانِ رَسُولِ الله r ، فَعَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ t یَرْفَعُهُ لِلنَّبِیِّ r ، قَالَ: سُئِلَ: أَیُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَکْتُوبَةِ؟ وَأَیُّ الصِّیَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ r : « أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَکْتُوبَةِ ، الصَّلَاةُ فِی جَوْفِ اللَّیْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّیَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِیَامُ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ » . وَعَنْ عَلیّ t عَنِ النَّبیِّ r قَالَ : «إِنْ کُنْتَ صَائِمًا بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصُمِ المُحَرَّمَ، فَإِنَّهُ شَهْرُ الله، فِیهِ یَوْمٌ تَابَ فِیهِ عَلَى قَوْمٍ ، وَیَتُوبُ فِیهِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِینَ» .
وَإنَّمَا نُسِبَ إلى الله تَعَالى( شَهْرُ الله ) تَعْظِیماً لَهُ، کَمَا یُقَالُ : " بَیْتُ الله " وَ "نَاقَةُ الله" وَمَا أَشْبَهَ ذَلِکَ ، فَإنِّمَا نِسْبَتُهُ إلى الله تَعَالى نِسْبَة تَشْرِیفٍ وَتَعْظِیمٍ ، فَهُو مِنْ أَشْرَفِ الشُّهُورِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَأَفْضَلِهَا وَأَعْظَمِهَا عِنْدَ الله تَعَالى . قَالَ الحَسَنُ البَصْرِیُّ رَحِمَهُ الله: ( إنَّ اللهَ افْتَتَحَ السَّنَةَ بِشَهْرٍ حَرَامٍ ، وَخَتَمَهَا بِشَهْرٍ حَرَامٍ ، فَلَیْسَ شَهْرٌ فی السَّنَةِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ أَعْظَمَ عِنْدَ الله مِنَ المُحَرَّمِ ، وَکَانَ یُسَمَّى : شَهْرُ الله الأصَمُّ؛ مِنْ شِدَّةِ تَحْرِیمِهِ ) . وَأَیْضَاً لأنَّهُ یَحْرُمُ فِیهِ القِتَالُ ، وَلا یُسْمَعُ صَوتُ السِّلاحِ فِیهِ ، وکَانَ النَّاسُ یَأْمَنُونَ وَتَأْمَنُ السُّبُلُ، وَلا یُخیِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى یَنْقَضِیَ . قَالَ الزَّمَخشَرِیُّ : ( وَقِیلَ: للْمُحَرَّمِ الْأَصَمُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا یُسْمَعُ فِیهِ قَعْقَعَةُ السِّلَاحِ ، وخَصَّهُ مِن بَینِ الْأَشْهُرِ الحُرمِ ؛ لمَکَانِ عَاشُورَاءَ ) .
وتنبع الأفْضَلِیةَ فِیهِ مِنَ الأجْرِ الکَبیرِ الَّذِی أَنَاطَهُ البَارِی عَزَّ وَجَلَّ بِهِ ، وَلا سِیمَا الصِّیامُ ، مَعَ عِظَمِ الذَّنْبِ وَالظُلْمِ فِیهِنَّ . وَمِنْ جُمْلَةِ مَا یُصَامُ فِی هَذَا الشَّهْرِ الفَضِیلِ هُوَ یَوْمُ عَاشُورَاءَ الَّذِی کَانَ r یَتَحَرَّى فَضْلَهُ ، وَیَقْصِدُ صَوْمَهُ ؛ لِتَحْصِیلِ ثَوَابِهِ ، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: «مَا رَأَیْتُ النَّبِیَّ r یَتَحَرَّى صِیَامَ یَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَیْرِهِ ، إِلّا هَذَا الْیَوْمَ ، یَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ یَعْنِی شَهْرَ رَمَضَانَ» . وَعَنْ أَبی قَتَادَةَ t قَالَ : قَالَ النَّبِیُّ r : « وَصِیَامُ یَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ یُکَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِی قَبْلَهُ» . وَهَذَا مِنْ فَضْلِ الله (سبحانه وتعالى) عَلَیْنَا أَنْ أَعْطَانَا بِصِیامِ یَوْمٍ وَاحِدٍ تَکْفِیرَ ذُنُوبِ سَنَةٍ کَامِلَةٍ، وهو ذُو الفَضْلِ العَظِیمِ.
وأَخْرَجَ أَبُو یُوسُفَ عَنْ سَعِیدِ بْنِ جُبَیْرٍ ، أَنَّهُ قَالَ: «صَوْمُ یَوْمِ عَاشُورَاءَ یَعْدِلُ صَوْمَ سَنَةٍ، وَصَوْمُ یَوْمِ عَرَفَةَ یَعْدِلُ صَوْمَ سَنَتَیْنِ» . وَذَکَرَ ابنُ القَیِّمِ فَائِدَةً فِی جَعْلِ صَوْمِ یَوْمِ عَرَفَةَ أَجْرُهُ بِسَنَتَیْنِ، وَعَاشُورَاءَ بِسَنَةٍ ، فَقَالَ : ( إنَّ یَوْمَ عَرَفَةَ فِی شَهْرٍ حَرَامٍ وَقَبْلَهُ شَهْرٌ حَرَامٌ وَبَعْدَهُ شَهْرٌ حَرَامٌ ، بِخِلافِ عَاشُورَاءَ ) . وَأَضَافَ إلیْهَا الخَطَیبُ الشِرْبِینیُّ فَائِدَةً ثَانِیةً فَقَالَ : ( الْحِکْمَةُ فِی کَوْنِ صَوْمِ یَوْمِ عَرَفَةَ بِسَنَتَیْنِ، وَعَاشُورَاءَ بِسَنَةٍ ، أَنَّ عَرَفَةَ یَوْمٌ مُحَمَّدِیٌّ یَعْنِی أَنَّ صَوْمَهُ مُخْتَصٌّ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ r ، وَعَاشُورَاءَ یَوْمٌ مُوسَوِیٌّ، وَنَبِیُّنَا مُحَمَّدٌ r أَفْضَلُ الْأَنْبِیَاءِ صَلَوَاتُ الله وَسَلَامُهُ عَلَیْهِمْ أجْمَعِینَ ، فَکَانَ یَوْمُهُ بِسَنَتَیْنِ) .
وَأَیْضَاً تَأتِی عَظَمَةُ یَوْمِ عَاشُوراءَ مِمَّا حَدَثَ فِیهِ مِنْ وَقَائِعَ وَأَحْدَاثٍ تَارِیخیةٍ قَدِیْمَةٍ کَانَ لَها أَثَرٌ بَالِغٌ فِی حَیَاةِ الإنْسَانِیةِ ، إذ نَجَّى اللهُ فِی یَوْمِ عَاشُوراءَ سَیِّدَنَا مُوْسَى (علیه السلام) وَأَتْبَاعَهُ مِنْ ظُلْمِ فِرْعَونَ وَجَبَرُوتِهِ ، وَأَهْلَکَ فِرْعَونَ وَجُنْدَهُ فِی الیَمِّ بِمَا کَانُوا یَفْسُقُونَ وَیَظْلِمُونَ . فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَدِمَ الْمَدِینَةَ فَوَجَدَ الْیَهُودَ صِیَامًا یَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ r : « مَا هَذَا الْیَوْمُ الَّذِی تَصُومُونَهُ؟» فَقَالُوا: هَذَا یَوْمٌ عَظِیمٌ، أَنْجَى اللهُ فِیهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُکْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله r : « فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْکُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ r ، وَأَمَرَ بِصِیَامِهِ» . وَأَخْرَجَ أبُو یَعْلَى الموْصِلّی عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِیِّ r قَالَ: «فُلِقَ الْبَحْرُ لِبَنِی إِسْرَائِیلَ یَوْمَ عَاشُورَاءَ» . وَعَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ، قَالَ: مَرَّ النَّبِیُّ r بِأُنَاسٍ مِنَ الْیَهُودِ قَدْ صَامُوا یَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا مِنَ الصَّوْمِ؟» قَالُوا: هَذَا الْیَوْمُ الَّذِی نَجَّى الله مُوسَى وَبَنِی إِسْرَائِیلَ مِنَ الْغَرَقِ، وَغَرَّقَ فِیهِ فِرْعَوْنَ، وَهَذَا یَوْمُ اسْتَوَتْ فِیهِ السَّفِینَةُ عَلَى الْجُودِیِّ، فَصَامَ نُوحٌ وَمُوسَى شُکْرًا لله، فَقَالَ النَّبِیُّ r : «أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى، وَأَحَقُّ بِصَوْمِ هَذَا الْیَوْمِ» ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالصَّوْمِ وَعَلى کُلِّ حَالٍ فَإنَّ اسْتِوَاءَ السَّفِینَةِ عَلَى الْجُودِیِّ ونَجَاةَ نَبِیِّ اللهِ مُوسَى مِنْ عَدُوِ الله فِرْعَونَ مُنَاسَبَةٌ عَظِیمةٌ لِنُصْرَةِ الحَقِّ عَلَى البَاطِلِ ، وَانْتِصَارِ جُنْدِ الله وَإهْلاکِ جُنْدِ الشَّیْطَانِ ، وَهَذِهِ بِحَقّ مُنَاسَبَةٌ یَهْتَمُ بِهَا کُلُّ مُسْلِمٍ؛ وَلِذَا قَالَ r « فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْکُمْ » .
و فی یَوْمِ عَاشُورَاءَ کَانَتْ تُکْسَى الکَعْبَةُ المشَرَّفَةُ ، کَمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ جُرَیْجٍ ، قَالَ: «کَانَتِ الْکَعْبَةُ فِیمَا مَضَى إِنَّمَا تُکْسَى یَوْمَ عَاشُورَاءَ إِذَا ذَهَبَ آخِرُ الْحَاجِّ، حَتَّى کَانَتْ بَنُو هَاشِمٍ، فَکَانُوا یُعَلِّقُونَ عَلَیْهَا الْقُمُصَ یَوْمَ التَّرْوِیَةِ مِنَ الدِّیبَاجِ ؛ لِأَنْ یَرَى النَّاسُ ذَلِکَ عَلَیْهَا بَهَاءً وَجَمَالًا، فَإِذَا کَانَ یَوْمُ عَاشُورَاءَ عَلَّقُوا عَلَیْهَا الْإِزَارَ» . وَفَضَائِلُ شَهْرِ الله (سبحانه وتعالى) المُحَرَّمِ وَکَذَا عَاشُوْرَاءَ عَظِیْمَةٌ وَجَلِیْلَةٌ ، أکْتَفِی بِهَذَا القَدْرِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِی فَضَائِلِ عَاشُورَاءَ مِنَ الأحَادِیثِ الموْضُوعَةِ المکْذُوبَةِ مَا یُشَمُّ مِنْ مَسِیرَةِ عَامٍ ذَکَرَهَا ابنُ الجَوْزِیِّ فِی الموْضُوعَاتِ .
هَذَا وَقَدْ أَلَّفَ بَعْضُ العُلَمَاءِ القُدَامَى فِی فَضْلِ عَاشُورَاءَ کُتُبَاً ، فَمِنْهَا عَلَى سَبِیلِ التَّمْثِیلِ لا الحَصْرِ :
وَبَعْدَ هَذِهِ الإطْلالَةِ المُوجَزَةِ على شَهْرِ الله (سبحانه وتعالى) المُحَرَّمِ وَکَذَا عَاشُوْرَاءَ یَتَبَیَّنُ لَنَا عِظَمَ نِعَمِ البَارِی عَزَّ وَجَلَّ عَلى عِبَادِهِ، حَیْثُ جَعَلَ لَهُم فِی دَهْرِهِ نَفَحَاتٌ إیْمانِیَّةٌ ، وَأَمَرَهُم أنْ یَتَعَرَّضُوا لَهَا ، قال r : «إِنَّ لِرَبِّکُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِی أَیَّامِ دَهْرِکُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَکُمْ أَنْ تُصِیبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لَا یَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا» ، وَالْکَیِّسُ الوَاعِی وَالحَصِیفُ الَّلبیبُ یُدْرِکُ أَنَّهُ کَسْبٌ عَظِیمٌ یَنْبَغِی أنْ یُتَوِّجَ بهِ صَحَائِفَ أَعْمَالِهِ. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مِنْ هَذِهِ النَفَحَاتِ الإیْمَانِیةِ مَا تَحُولُ بِهِ بَیْنَنَا وَبَیْنَ مَعْصِیَتِکَ آمِین .
المبْحَثُ الأَوَّلُ
مَفْهُومُ عَاشُوْرَاءَ وَتَاسُوْعَاءَ فِی اللُّغَةِ وَالإصْطِلاحِ
قَبْلَ الدُّخُولِ إلى المَوْضُوعِ الَّذِی عَقَدْتُ البَحْثَ لأَجْلِهِ ، وَمُنَاقَشَةِ آرَاءِ المُحَدِّثِینَ وَأَقْوَالِ الفُقَهَاءِ حَوْلَ حُکْمِ صِیَامِ التَّاسِعِ مِنْ مُحرَّمٍ وَالعَاشِرِ مِنْهُ ، لابُدَّ مِنْ تَسْلِیطِ الضَوْءِ عَلَى مُصْطَلَحِی (عَاشُوْرَاءَ) و(تَاسُوْعَاءَ) عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالإصْطِلاحِ ، مَعَ بَیَانِ مَا یَتَعَلَّقُ بِهَذَیْنِ المُصْطَلَحَیْنِ مِنْ الصلات ، وَمِنْ ثَمَّ بَیَانُ سَبَبِ التَّسْمِیَّةِ، وَهَلْ کَانَ فِی الأُمَمِ السَّالِفَةِ صِیَامٌ أمْ لا ؟ وَإنْ کَانَ ثَمَّةَ صِیَامٌ فَمَا هِی صِفَتُهُ ؟ حَتَّى نَکَوْنَ عَلى بَصِیْرَةٍ وَتَصَوُّرٍ تَامّ قَبْلَ اسْتِعْرَاضِ الأحَادِیثِ وَمُنَاقَشَتِها .
وَقَدْ قَدَّمْتُ (عَاشُوْرَاءَ) فِی الحَدِیثِ عَلَى (تَاسُوْعَاءَ) مَعَ أَنَّ الأَصْلَ هُو الابْتِدَاءُ بِالأصْغَرِ رَقْمَاً ثُمَّ الأکْبرِ وَهَکَذَا ؛ لأَنَّ الغَرَضَ مِنَ البَحْثِ هُو بَیَانُ حُکْمِ صَوْمِ (عَاشُوْرَاءَ) مِنَ النَّاحِیةِ الشَّرْعِیَّةِ ، وَأَمَّا (تَاسُوْعَاءُ) فَحُکْمُهُ تَبَعٌ لَهُ . وَقَسَّمْتُ هَذَا المبْحَثَ إلى ثَلاثَةِ مَطَالِبَ : المطْلَبُ الأَوَّلُ : «عَاشُوْرَاءُ» فِی اللُّغَةِ . والمَطْلَبُ الثَّانِی : «عَاشُوْرَاءُ» فِی الإصْطِلاحِ .والمطْلَبُ الثَّالِثُ : عَاشُوْرَاءُ عِنْدَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ .
المطْلَبُ الأَوَّلُ : «عَاشُوْرَاءُ» فِی اللُّغَةِ :
اخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِی صِیْغَةِ «عَاشُوْرَاءَ» مِنْ ناحیتین:
الأُوْلَى : مِنْ حَیْثُ المدُّ وَالقَصْرُ .
الثَّانِیْةُ : مِنْ حَیْثُ الصِّیْغَةُ «عَاشُوْرَاءُ» ، أ کَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ الإسْلامِ أمْ اسْتُحْدِثَتْ بَعْدَ ظُهُوْرِهِ ؟
أَمَّا الناحیة الأُوْلَى فَالَّذِی یَبْدُو لِی مِنْ خِلاَلِ تَتَبُّعِ کُتُبِ لُغَةِ العَرَبِ وَالغَرِیْبِ أَنَّ المدَّ فِی (عَاشُوْرَاءَ) وَالقَصْرَ(عَشُورَى) کِلاَهُمَا مُسْتَخْدَمٌ عِنْدَ العَرَبِ فِی کَلاَمِهِم وَلِسَانِهِم وَلُغَتِهِم ، وَلَکِنَّ عَاشُوْرَاءَ بِالْمَدِّ لُغَةٌ مَشْهُوْرَةٌ عَلَى الألْسِنَةِ وَهِیَ کَثِیْرَةُ التَّدَاولِ وَبِشَکْلٍ أَکْبَر مِنَ لُغَةِ الْقَصْرِ . قَالَ الخَطَّابِیُّ : (عَاشُوْرَاءُ مَمْدُوْدٌ، وَالعَامَّةُ تَقْصرُهُ ) . وَقَالَ ابنُ سِیْدَه : (عَشُورَاءُ وَعَشُورَى ، یَوْمُ عَاشُوْرَاءَ نَفْسُهُ ، یُمَدُّ وَیُقْصَرُ) .وَقَالَ ابنُ حَجَر : (ثُمَّ هُوَ بِالْمدِّ ، وَحَکَى أَبُو عَمْرٍو الشَّیْبَانِیُّ فِیهِ الْقَصْرَ ) .
أمَّا النَّوَویُّ فَذَهَبَ إلى شُذُوذِ لُغَةِ القَصْرِ وَضَعْفِهَا ، قَالَ فِی التَّحْرِیرِ :( تَاسُوعَاءُ وَعَاشُورَاءُ مَمدُودَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَحَکَى القَلْعِیُ قَصْرَهُمَا ، وَهُوَ شَاذٌ أَوْ بَاطِلٌ ) .فَالوَجْهَانِ جَائِزَانِ عَلَى رَأیِ الجمْهُورِ ، وَلَکِنَّ قِرَأَتَهُ وَرَسْمَهُ بِالمَدِّ أَشْهَرُ مِنَ القَصْرِ . وَهَذِهِ المنَاقَشَةُ اللّطِیْفَةُ فِی الصِّیْغَةِ مِنْ حَیْثُ المدُّ وَالقَصْرُ – وَکِلاهُمَا مَسْمُوعٌ عِنْدَ العَرَبِ – هِی فِی اعْتِقَادِی جُزْئِیَّةٌ لا یَتَرَتَّبُ عَلَیْهَا أَیُّ أَثَرٍ مِنَ النَّاحِیةِ الشَّرْعِیَّةِ ؛ لأَنَّ مَدَّ الصَّوْتِ فِی عَاشُوْرَاءَ وَقَصْرَهِ لا یَتَوَقَفُ عَلَیْهِ اسْتِنْبَاطُ الأَحْکَامِ ، وَاللهُ (سبحانه وتعالى) أَعْلَمُ .
أَمَّا الناحیة الثَّانِیةُ : أَ کَانَتْ صِیْغَةُ «عَاشُوْرَاءَ» مَوْجُودَةً قَبْلَ الإسْلامِ أَمْ اسْتُحْدِثَتْ بَعْدَهُ ؟
ووجدت النَّظَرِ فِی کُتُبِ اللُّغَةِ وَتَقْلِیْبِ صَفَحَاتِ المعَاجِمِ وَالغَرِیْبِ رَائیینِ فِی هَذِهِ الجُزْئیةِ :
أَمَّا الرَّأیُ الأوَّلُ : فَإنَّهُ یُثْبِتُ أَنَّ «عَاشُوْرَاءَ» اسْمٌ إِسْلَامِیٌّ ، وَأَنَّهُ لَا یُعْرَفُ فِی الْجَاهِلِیَّة ، وَهُوَ رَأیُ ابنِ دُرَیدٍ وَالأزْهَرِیِّ وابنِ الأثِیرِ وَغَیْرِهِم . وَحُجَتُهُم : أنَّهُ لا یُوْجَدُ فِی کَلامِ العَرَبِ صِیْغَةُ (فَاعُولاءَ) مَمدُوْدَاً إلا «عَاشُوْرَاءَ» ، وَهَذَا یُثْبِتُ أَنَّهُ اسْمٌ إِسْلَامِیٌّ ، وإلا لَوْ کَانَ مَوْجُودَاً فِی غَیْرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ لَسُمِعَ عَنْهُم . قَالَ ابنُ دُرَیْدٍ: (وعَاشُوْرَاءُ: یَوْمٌ سُمِّیَ فِی الْإِسْلَامِ وَلم یُعْرَفْ فِی الْجَاهِلِیَّةِ. قَالَ أَبُو بَکرٍ: وَلَیْسَ فِی کَلَامِ الْعَرَبِ فَاعُولاءَ ممدُودَاً إلاّ عَاشُوْرَاءَ ، هَکَذَا قَالَ البَصْرِیونَ ، وَزَعَمَ ابْنُ الْأَعرَابِیِّ أَنَّهُ سَمِعَ خَابُورَاء، أَخْبرنِی بِذَلِکَ حَامِدُ بنُ طُرْفَة عَنهُ، وَلم یجىءْ بِهَذَا الْحَرْفِ أصْحَابُنَا، وَلَا أَدْرِی مَا صِحّتُهُ) . وَقَالَ الأزْهَرِیُّ : ( وَلمْ أَسْمَعْ فِی أَمْثِلَةِ الْأَسْمَاءِ اسْمَاً عَلَى فَاعُولاءَ إلاّ أَحْرُفَاً قَلیلَةً) . وَقَالَ ابنُ الأثِیرِ : ( وَهُوَ اسمٌ إسْلامیٌّ، وَلَیْسَ فِی کَلَامِهِمْ فَاعُولاَء بِالْمَدِّ غَیْرُهُ – أی عَاشُوْرَاء - وَقَدْ أُلْحقَ بِهِ تَاسُوْعَاءُ، وَهُوَ تَاسِعُ الْمحَرَّمِ).
أمَّا الرَّأیُ الثَّانی : وَهُوَ رَأیُ ابنِ خَالَوَیَه و ابنِ الأعْرَابیِّ وَالمُوفَّقِ البَغْدَادِیِّ والسِّیُوطِیِّ وَالزَّبِیْدِیِّ الَّذِین یُثْبِتُونَ بِالأَدِلَّةِ أَنَّ صِیْغَةَ عَاشُوْرَاءَ - وَهُو عَلَى وَزْنِ (فَاعُولاءَ) مَوْجُودَةٌ قَبْلِ الإسْلامِ ، وَذَکَرَوا أَمْثِلَةٍ عدیدة عَلى ذَلِکَ ، وَهُم بِهَذَا یَسْتَدْرِکُونَ عَلَى ابنِ دُرَیْدٍ وَالأَزْهَرِیِّ وَابنِ الأثِیرِ وَغَیْرِهِم وَیُخَالِفُونهُم الرَّأیَ.
قَالَ السِّیُوطِیُّ : ( لَمْ یَجِیءْ فی کَلامِهِم عَلَى مِثَالِ فَاعُولاءَ غَیْر عَاشُورَاءَ قَالَهُ فِی الجَمْهَرَةِ ، وَزَادَ ابنُ خَالَوَیَه: سَامُوعَاءُ وَهُو اللَّحْمُ فِی التَّوْرَاةِ ، وخَابُورَاءُ.حَکَاهُ ابنُ الأعْرَابی یَعْنِی النَّهْرَ وَزَادَ المُوفَّقُ البَغْدَادِیُّ فِی ذَیْلِ الفَصِیحِ الضَّارُورَاءُ وَالسَّارُورَاءُ لِلْضَرَّاءِ وَالسَّرَاءِ ، وَالدَّالُولاءُ : الدَّلالَة). وَقَالَ الزَّبیدِیُّ فِی التَاجِ : (قَالَ ابنُ بُزُرْج: الضّارُورَاءُ: الضَّرّاءُ، والسّارُورَاءُ: السَّرّاءُ، والدَّالُولاءُ: الدَّلاَلُ . وَقَالَ ابنُ الأَعْرَابِیّ: الخَابُورَاءُ: مَوْضِعٌ . وَقد أُلْحِقَ بِهِ تَاسُوْعَاءُ. قُلتُ فَهَذِهِ الأَلْفَاظُ یُسْتَدْرَکُ بهَا عَلى ابنِ دُرَیْدٍ حَیْثُ قَالَ فِی الجَمْهَرةِ: لَیْسَ لَهُم فَاعُولاءُ غَیرَ عَاشُوْرَاءَ لَا ثانِیَ لَهُ ، قَالَ شَیخُنَا: ویُسْتَدْرَکُ عَلَیْهِم حَاضُوراءُ، وَزَادَ ابنُ خَالَوَیْهِ سَامُوعاء) .
والحقُ یُقَالُ : إنَّ لَفْظَ عَاشُوْرَاءَ عَلى وَزْنِ فَاعُولاء کَانَ مَوْجُودَاً قَبْلَ الإسْلامِ صُورةً وَوَزْنَاً . وَأَقْوى الأدِلَّةِ فِی نَظَرِی وُرُودُ الحدیثِ الصَّحِیحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِی الله عَنْهَا وَعَنْ أَبِیْهَا : ( کَانَتْ قُرَیْشُ تَصُومُ عَاشُوْرَاءَ فِی الْجَاهِلِیَّةِ ) ، أَیْ قَبْلَ مَجِیءِ الإسْلامِ إذ کَانُوا یَصُومُونَ هَذَا الیْومَ ، وَلَم یَرِدْ عَنِ العَرَبِ أَنَّ لَهُ اسْمَاً غَیْرَ هَذَا الاسْمِ، فَدَلَّ عَلى وُجُودِهِ مُنْذُ زَمَنِ الجَاهِلِیَّةِ هَذَا مِنْ جِهَةٍ .
وَمْنْ جِهَةٍ ثَانِیةٍ إنَّ وُرُودَ بَعْضِ الکَلِمَاتِ عَلى وَزْنٍ مُعَیَّنٍ فِی کَلَامِ العَرَبِ یَدُلُّ عَلى وُجُودِهِ حَتَّى لَوْ کَانَ قَلِیلَ الاسْتِعْمَالِ ؛ لأَنَّ الأَصْلَ فِی هَذِهِ الأوْزَانِ هُو السَّمَاعُ عَنِ العَرَبِ سَوَاءٌ کَانَ فِی أَشْعَارِهِم أوْ نَثْرِهِم .
التَّرْجِیحُ :
بَعْدَ هَذِهِ الجَوْلَةِ وَمُنَاقَشَةِ الأدِلَّةِ یَتَرَجَّحُ قَولُ الزَّبِیْدِیِّ بِمَا أَقَامَهُ مِنْ أَدِلَّةٍ عَلى قَوْلِ أصْحَابِ الرَّأیِّ الأوَّلِ، مِنْ حَیْثُ اللُّغَةُ فضلاً عن أن الحَدِیثُ الصَّحِیحُ کَانَ صَرِیْحَاً فِی ذَلِکَ .
وَأمَّا لَفْظَةُ تَاسُوْعَاءَ الَّتِی هِیَ مُلْحَقَةٌ بعَاشُوْرَاءَ کَمَا قَالَ ابنُ مَنْظُورٍ فِی لِسَانِ العَرَبِ ، فَقَدْ ظَنَّ الْجَوْهَرِیُّ وَزَعَمَ الصَّغَانِیُّ أنَّهُ مُوَلَّدٌ . جَاءَ فِی المصْبَاحِ : ( وَأَمَّا تَاسُوْعَاءُ فَقَالَ الْجَوْهَرِیُّ : أَظُنُّهُ مُوَلَّدًا ، وَقَالَ الصَّغَانِیُّ : مُوَلَّدٌ فَیَنْبَغِی أَنْ یُقَالَ : إذَا اُسْتُعْمِلَ مَعَ عَاشُوْرَاء فَهُوَ قِیَاسُ الْعَرَبِیِّ لِأَجْلِ الِازْدِوَاجِ ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ وَحْدَهُ فَمُسَلَّمٌ ، إنْ کَانَ غَیْرَ مَسْمُوعٍ ) .
وَلم یَرْتَضِ الزَّبِیدیُّ هَذَا التَّأصِیلَ مِنَ الجَوْهَرِیِّ وَالصَّغَانِیِّ ؛ لأَنَّ الموَلَّدَ فِی مُصْطَلَحِهِ – أَیْ الزَّبِیْدِیِّ -هُوَ اللَّفْظُ الَّذِی یَنْطِقُ بِهِ غَیْرُ العَرَبِ ، وَهَذَا اللَّفْظُ نَطَقَ بِهِ رَسُولُ الله r وَهُو أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ، قَالَ الزَّبِیدیُّ : ( وقَوْلُ الجَوْهَرِیِّ وغَیْرِه: إِنَّه مُولَّدٌ فِیهِ نَظَرٌ، فإِنّ المُوَلَّدَ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِی یَنْطِقُ بِهِ غَیْرُ العَرَبِ من المُحْدَثِینَ، وهذِه لَفْظَةٌ وَرَدَتْ فِی الحَدِیثِ الشَّرِیفِ، وقالَهَا النَّبِیُّ r الَّذِی هُوَ أَفْصَحُ الخَلْقِ وأَعْرَفُهُمْ بِأَنْوَاعِ الکَلامِ بوَحْیٍ مِن اللهِ الحَقِّ ، فَأَنَّى یُتَصَوَّرُ فِیها التَّوْلِیدُ ، أَوْ یَلْحَقُهَا التَّفْنِیدُ ! ) .
وَالَّذِی یَبْدُو لِی وَاللهُ (سبحانه وتعالى) أَعْلَمُ أَنَّهُ لا تَنَافِی بَیْنَ الرَّأیینِ ، وَلا تَعَارُضَ بَیْنَ القَوْلَینِ بَعْدَ أَنْ نَفُکَّ جِهَةَ مَفْهُومِ ( مُولَّدٌ ) ، فَالجَوْهَرِیُّ وَالصَّغَانِیُّ زَعمَا أَنَّ لَفْظَ تَاسُوْعَاءَ مُوَلَّدٌ بِنَاءً عَلى أَنَّ الموَلَّدَ عِنْدَهُما الَّذِی لم تَتَکَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ أَبَدَاً ، وَفِعْلاً لَفْظُ تَاسُوْعَاءَ لم تَتَکَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ أَبَدَاً . وَنفى الزَّبِیدیُّ عَنْهُ التَّوْلِیدَ ؛ لأَنَّهُ یجد أَنَّ المُوَلَّدَ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِی یَنْطِقُ بِهِ غَیْرُ العَرَبِ من المُحْدَثِینَ ، وَحَقَّاً إنَّ لَفْظَهُ غَیْرُ مُوَلَّدٍ بِهَذَا المعْنَى ؛ لأَنَّهُ نَطَقَ بِهِ رَسُولُ الله r ، وَاسْتُحْدِثَ فِی الإسْلامِ عَلَى لِسَانِ خَیْرِ الأَنَامِ r فَلا تَعَارُضَ بَیْنَهُما ، واللهُ (سبحانه وتعالى) أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
الخُلاصَةُ :
إِنَّ لصِیْغَةَ (عَاشُوْرَاءَ) عَلَى وَزْنِ (فَاعُولاءَ) لُغَتَانِ : المدُّ وَهُو المشْهُورُ ، وَحُکِیَ فِیْهَا القَصْرُ ، وَهِیَ صِیْغَةٌ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الإسْلامِ کَمَا قَالَ الزَّبِیْدِیُّ وَرَجَحْتُهُ لِلأَدِلَّةِ ، أَمَّا تَاسُوْعَاءُ فَهِیَ لَفْظَةٌ مُلْحَقَةٌ بـ عَاشُوْرَاءَ، وَلَمْ تَکُنْ مَوْجُودَةً عِنْدَ العَرَبِ قَبْلَ الإسْلامِ ، فَهِیَ لَفْظَةٌ مُوْلَّدَةٌ عَلَى رَأیِ الجَوهَرِیِّ وَالصَّاغَانیِ، وَهِیَ غَیْرُ مُولَّدَةٌ عَلَى رَأیِ الزَّبِیدیِّ ؛ لأنَّها اسْتُحْدِثَتْ مِنْ قِبَلِهِ r .
المَطْلَبُ الثَّانِی : «عَاشُوْرَاءُ» فِی الإصْطِلاحِ :
اخْتَلَفَ أَهْلُ المصْطَلَحِ فِی تَعْیِینِ عَاشُوْرَاءَ عَلَى قَوْلَینِ کَمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِی صِیْغَتِهَا – کَمَا مَرَّ - عَلَى قَوْلَینِ أَیْضَاً :
القَوْلُ الأَوَّلُ : یَرَى أَنَّ عَاشُوْرَاءَ المقْصُودُ مِنْهُ هُوَ الْیَوْمُ الْعَاشِرُ ، وَهُوَ رَأیُ الْجُمْهُورِ کقَتَادَةَ وسَعِیدِ بْنِ الْمُسَیِّبِ وَالْحَسَنِ البَصْرِی وَعِکْرِمَةَ والخَلِیلِ وابنِ المنیرِ وَاللَّیْثِ وَالقُرْطُبِیِّ وابنِ الجَوْزِیِّ وَالنَّوَویِّ وابنِ الأَثیرِ وَغَیْرِهِم ؛ لأَنَّ الْیَوْمَ عِنْدَهُم مُضَافٌ لِلَیْلَتِهِ الْمَاضِیَةِ. قَالَ الأزْهَرِیُّ : ( قَالَ اللَّیْثُ: وَیَوْمُ عَاشُورَاءَ هُوَ الْیَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ المُحرَّمِ ) . وَقَالَ الْقُرْطُبِیُّ : ( عَاشُوْرَاءُ مَعْدُولٌ عَنْ عَاشِرَةٍ ؛ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّعْظِیمِ ، وَهُوَ فِی الْأَصْلِ صِفَةٌ لِلَّیْلَةِ الْعَاشِرَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَشْرِ الَّذِی هُوَ اسْمُ الْعَقْدِ ، وَالْیَوْمُ مُضَافٌ إِلَیْهَا . فَإِذا قِیلَ : یَوْمُ عَاشُوْرَاءَ فَکَأَنَّهُ قِیلَ : یَوْمُ اللَّیْلَةِ الْعَاشِرَةِ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَمَّا عَدَلُوا بِهِ عَنِ الصِّفَةِ غَلَبَتْ عَلَیْهِ الِاسْمِیَّةُ ، فَاسْتَغْنَوْا عَنِ الْمَوْصُوفِ فَحَذَفُوا اللَّیْلَةَ فَصَارَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَمًا عَلَى الْیَوْمِ الْعَاشِرِ ... وَعَلَى هَذَا فَیَوْمُ عَاشُوْرَاءَ هُوَ الْعَاشِرُ، وَهَذَا قَوْلُ الْخَلِیلِ وَغَیْرِهِ. وَقَالَ الزَّیْنُ بْنُ الْمُنِیرِ : الْأَکْثَرُ عَلَى أَنَّ عَاشُوْرَاءَ هُوَ الْیَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ شَهْرِ الله الْمُحَرَّمِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى الِاشْتِقَاقِ وَالتَّسْمِیَةِ ) .
وَقَالَ ابنُ الأثِیرِ : (عَاشُوْرَاءُ هُوَ الیومُ العَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ ) . ویقول ابنُ الجَوْزِیِّ: ( وَیَوْمُ عَاشُوْرَاءَ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنَ الْمحرَّمِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ) .
ویقول النَّوَوِیُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (عَاشُوْرَاء هُوَ الْیَوْمُ الْعَاشِرُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِیثِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ (وَأَمَّا) تَقْدِیرُ أَخْذِهِ مِنْ إظْمَاءِ الْإِبِلِ فَبَعِیدٌ ، وَفِی صَحِیحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ مَا یَرُدُّ قَوْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : إنَّ النَّبِیَّ r " کَانَ یَصُومُ عَاشُوْرَاء فَذَکَرُوا أَنَّ الْیَهُودَ وَالنَّصَارَى تَصُومُهُ فَقَالَ r إنَّهُ فِی الْعَامِ الْمُقْبِلِ یَصُومُ التَّاسِعَ " وَهَذَا تَصْرِیحٌ بِأَنَّ الَّذِی کَانَ یَصُومُهُ r لَیْسَ هُوَ التَّاسِعَ فَتَعَیَّنَ کَوْنُهُ الْعَاشِرَ ) . ویتضح من مَجْمُوعِ هَذِهِ الأقْوَالِ أَنَّ المرَادَ مِنَ عَاشُوْرَاءَ هُو الیَومُ العَاشِرُ ؛ لأَنَّ الیَوْمَ مُضَافٌ لِلَیْلَتِهِ الماضِیَةِ .
القَوْلُ الثَّانِی : یَرَى أَنَّ عَاشُوْرَاءَ هُوَ الْیَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ مُحرَّمٍ ، وَهُوَ رَأیُ ابنِ عَبَّاسٍ وَالضَحَاکِ والأزْهَرِیِّ وابنِ حَزْمٍ ؛ لأَنَّهُ مُضَافٌ لِلَیْلَتِهِ الْآتِیَةِ .
وَاسْتَدَلَ الأزْهَرِیُّ عَلَى أَنَّ المرَادَ مِنْ عَاشُوْرَاءَ هُو الْیَوْمُ التَّاسِعُ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رَضِیَ اللهُ) عَنْهُمَا عَنِ النَّبِیِّ r فیما رَوَاه مُسْلِمٌ مِنْ طَرِیقِ الْحَکَمِ بْنِ الْأَعْرَج قال : انْتَهَیْت إِلَى ابن عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِی عَنْ یَوْمِ عَاشُوْرَاءَ . قَالَ : إِذَا رَأَیْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ یَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا . قُلْتُ : أَهَکَذَا کَانَ النَّبِیُّ r یَصُومُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ یَوْمَ عَاشُوْرَاء هُوَ الْیَوْمُ التَّاسِعُ . وبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِیِّ r : ( لَئِنْ بَقِیتُ إِلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) ، قَالَ الأَزْهَرِیُّ : (وَلقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - أیْ فِیْمَا رَوَاهُ مَرْفُوعَاً - وُجُوهٌ مِنَ التَّأوِیلاتِ: أَحَدُهَا : أنّهُ کَرِهَ مُوافَقَةَ الْیَهُودِ ؛ لأنَّهُم یَصُومُونَ الیومَ الْعَاشِرَ. ..الْوَجْه الثَّانِی : مَا قَالَ إِسْمَاعِیلُ بنُ یحیَى المزَنیُّ : یحْتَملُ أَنْ یَکُونَ التَّاسِعُ هُوَ الْعَاشِرَ. قُلْتُ – الأزْهَرِیُّ - کَأَنَّهُ تأوّلَ فِیهِ عِشرَ الْورْدِ أنّها تِسْعَةُ أَیَّامٍ ، وَهُوَ الَّذِی حَکَاهُ اللَّیْثُ عَنِ الْخَلِیلِ ، وَلَیْسَ ببعیدٍ مِنَ الصَّوَابِ ) . وَقَالَ فِی مَوْضِعٍ آخَرَ : ( وَالْعَرَبُ تَقولُ : وَرَدْتُ المَاءَ عِشْرَاً یَعْنُونَ : یَوْمَ التَّاسِع. وَمن هَهُنَا قَالُوا: عِشرِینَ وَلم یَقُولُوا: عِشْرَیْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا عِشْرَانِ وَبَعضَ الثَّالِثِ ) .
وَذَکَرَ الصَّفْدِیُّ رَحِمَهُ اللهُ فِی تَصْحِیْحِهِ لِلْتَصْحِیْفَاتِ الَّتِی تُذَاعُ عَلى الألْسِنَةِ ، قَالَ : (وَیَقُولُونَ: کُلُّ یَوْمٍ لَیْلَتُهُ قَبْلَهُ إلا یَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، فَإنَّ لَیْلَتَهُ بَعْدَه ، وَلَیْسَ کَذَلِکَ، إنَّما قَالَ أَهْلُ العِلْمِ: کُلُّ یَوْمٍ لَیْلَتَهُ قَبْلَهُ إلا یَوْمَ عَرَفَةَ) . وَقَالَ ابنُ حَزْمٍ : (وَنَسْتَحِبُّ صَوْمَ یَوْمِ عَاشُورَاءَ: وَهُوَ التَّاسِعُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَإِنْ صَامَ الْعَاشِرَ بَعْدَهُ فَحَسَنٌ ).
إِذَنْ هُذا هُو سَبَبُ تَسْمِیةِ یَوْمِ التَّاسِعِ عَاشُوْرَاءَ أَخْذًا مِنْ أَوْرَادِ الْإِبِلِ ؛ لأنَّهُم کَانُوا إِذَا رَعَوُا الْإِبِلَ ثَمَانِیَّةَ أَیَّامٍ ثُمَّ أَوْرَدُوهَا فِی التَّاسِعِ قَالُوا : وَرَدْنَا عِشْرًا بِکَسْرِ الْعَیْنِ کَمَا یقول الأزْهَرِیُّ.
وَرَدَّ ابنُ الأثیرِ عَلَى الأزْهَرِیِّ فِیْمَا ذَهَبَ إلیْهِ ، مُدَّعِیَاً بِأنَّهُ اسْتِدْلالٌ مُخَالِفٌ لَظَاهِرِ الْحَدِیثِ الشَّرِیفِ المتَقَدِّمِ بِرِوَایةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ الله عَنْهُمَا ، قَالَ ابنُ الأثیرِ : (وَظَاهِرُ الْحَدِیثِ یدلُّ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ کَانَ یَصُومُ عَاشُوْرَاءَ وَهُوَ الْیَوْمُ الْعَاشِرُ. ثُمَّ قَالَ «لَئِنْ بَقِیتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ تَاسُوْعَاء» فَکَیْفَ یَعِدُ بِصَوْمِ یومٍ قَدْ کَانَ یَصُومُهُ!).
ویَبْدُو لی بَعْدَ عَرْضِ أَقْوَالِ المذْهَبینِ وَأَدلَتِهِم ، رُجْحَانَ مَا ذَهَبَ إلیهِ الأزْهَرِیُّ وَهُو رَأیُ ابنُ عَبَّاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَرَجَّحَهُ ابنُ حَزْمٍ مِنْ أنَّ المقْصُودَ مِنْ عَاشُوْرَاءَ هُو الیَوْمُ التَّاسِعُ وَلَیْسَ الیَوْمَ العَاشِرَ لما تَقَدَّمَ مِنْ أَدِلَّةٍ وَلِما سَیَأتی تَفْصِیْلُهُ بِإسْهَابٍ فِی المبْحَثِ الثَّانی .
الخلاصة :
للفظ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ أَهْلِ الاصْطِلاحِ رَأْیَانِ ، رَأْیُّ الجمْهُورِ أَنَّ المقْصُودَ مِنْهُ هُو الیَومُ العَاشِرُ وَتَقَدَّمَتْ أَقْوَالهُم ، وَرَأیُ ابنِ عَبَّاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ والأزْهَرِیِّ وَرَجَّحَهُ ابنُ حَزْمٍ أنَّ المقْصُودَ مِنْ عَاشُوْرَاءَ هُو الیَوْمُ التَّاسِعُ وَلَیْسَ الیَوْمَ العَاشِرَ ، وَتَقَدَّمَتْ أَقْوَالهُم ، وَهُو الرَّأیُ الَّذِی أَمِیْلُ إلیْهِ وَأُرَجِّحُهُ کَمَا سَیَأتِی تَفْصِیْلُهُ فِی حِیْنِهِ فِی المبْحَثِ الثَّانی .
المطْلَبُ الثَّالِثُ : عَاشُوْرَاءُ عِنْدَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ :
لَمْ یَکُنِ الصِّیامُ خَاصَّاً بِأُمَّةِ الإسْلامِ ، بَلْ کَتَبَ البَارِی عَزَّ وَجَلَّ الصَّوْمَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِنَا ، مِصْدَاقَاً لِقَوْلِ الله تَبَارَکَ وَتَعَالى : (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیَامُ کَمَا کُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ ) . وَلِکُلِّ أُمَّةٍ أحْوَالٌ فِی الصِّیَامِ وَکَیْفِیَّاتٌ خَاصَّةٌ بِهم . وَالقَاسِمُ المُشْتَرَکُ بَیْنَ الأُمَمِ جمیعها هُو الصَّومُ .
وَیَوْمُ عَاشُوْرَاءَ یَوْمٌ عَظِیمٌ ، لَهُ فَضِیْلَةٌ عَظِیْمَةٌ ، وَحُرْمَةٌ قَدِیْمَةٌ، وَصَوْمُهُ کَانَ مَعْرُوفَاً بَیْنَ الأنْبِیاءِ وَالمرْسَلِینَ وَعِبَادِ الله (سبحانه وتعالى) الصَّالحینَ .
وَحَوْلَ هَذِهِ الجُزْئیةِ أَقِفُ بِإجْلالٍ لِلْشَیْخِ مُحمَّدِ رَشِید رِضَا رَحِمَهُ اللهُ وَأَدَعُ قَلَمَهُ السَّیَالَ یَجْرِی لِیُحَدِّثَنَا عَنْ صَوْمِ الأمَمِ السَّالِفَةِ ، وَهِیَ کَلِمَةٌ فِیْهَا طُولٌ وَلَکِنْ تُلْقِی بِظِلالهِا الوَارِفَةِ عَلَى الموْضُوعِ مِنْ کُلِّ جِهَةٍ، قَالَ الشَّیْخُ رَحِمَهُ اللهُ فِی تَفْسِیرِهِ: (وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الصَّوْمَ مَشْرُوعٌ فِی جَمِیعِ الْمِلَلِ حَتَّى الْوَثَنِیَّةِ، فَهُوَ مَعْرُوفٌ عَنْ قُدَمَاءِ الْمِصْرِیِّینَ فِی أَیَّامِ وَثَنِیَّتِهِمْ، وَانْتَقَلَ مِنْهُمْ إِلَى الْیُونَانِ فَکَانُوا یَفْرِضُونَهُ لَا سِیَّمَا عَلَى النِّسَاءِ، وَکَذَلِکَ الرُّومَانِیُّونَ کَانُوا یُعْنَوْنَ بِالصِّیَامِ، وَلَا یَزَالُ وَثَنِیُّو الْهِنْدِ وَغَیْرُهُمْ یَصُومُونَ إِلَى الْآنِ، وَلَیْسَ فِی أَسْفَارِ التَّوْرَاةِ الَّتِی بَیْنَ أَیْدِینَا مَا یَدُلُّ عَلَى فَرْضِیَّةِ الصِّیَامِ، وَإِنَّمَا فِیهَا مَدْحُهُ وَمَدْحُ الصَّائِمِینَ، وَثَبَتَ أَنَّ مُوسَى عَلَیْهِ السَّلَامُ صَامَ أَرْبَعِینَ یَوْمًا، وَهُوَ یَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ کَانَ مَعْرُوفًا مَشْرُوعًا وَمَعْدُودًا مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَالْیَهُودُ فِی هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ یَصُومُونَ أُسْبُوعًا تِذْکَارًا لِخَرَابِ أُورْشَلِیمَ وَأَخْذِهَا، وَیَصُومُونَ یَوْمًا مِنْ شَهْرِ آبَ. أَقُولُ: وَیُنْقَلُ أَنَّ التَّوْرَاةَ فَرَضَتْ عَلَیْهِمْ صَوْمَ الْیَوْمِ الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ ، وَأَنَّهُمْ یَصُومُونَهُ بِلَیْلَتِهِ وَلَعَلَّهُمْ کَانُوا یُسَمُّونَهُ عَاشُوْرَاء، وَلَهُمْ أَیَّامٌ أُخَرُ یَصُومُونَهَا نَهَارًا.وَأَمَّا النَّصَارَى فَلَیْسَ فِی أَنَاجِیلِهِمُ الْمَعْرُوفَةِ نَصٌّ فِی فَرِیضَةِ الصَّوْمِ، وَإِنَّمَا فِیهَا ذِکْرُهُ وَمَدْحُهُ وَاعْتِبَارُهُ عِبَادَةً کَالنَّهْیِ عَنِ الرِّیَاءِ وَإِظْهَارِ الْکَآبَةِ فِیهِ، بَلْ تَأْمُرُ الصَّائِمَ بِدَهْنِ الرَّأْسِ وَغَسْلِ الْوَجْهِ حَتَّى لَا تَظْهَرَ عَلَیْهِ أَمَارَةُ الصِّیَامِ فَیَکُونُ مُرَائِیًا کَالْفُرِیسِیِّینَ، وَأَشْهَرُ صَوْمِهِمْ وَأَقْدَمُهُ الصَّوْمُ الْکَبِیرُ الَّذِی قَبْلَ عِیدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ الَّذِی صَامَهُ مُوسَى وَکَانَ یَصُومُهُ عِیسَى عَلَیْهِمَا السَّلَامُ وَالْحَوَارِیُّونَ رَضِیَ اللهُ عَنْهُمْ، ثُمَّ وَضَعَ رُؤَسَاءُ الْکَنِیسَةِ ضُرُوبًا أُخْرَى مِنَ الصِّیَامِ وَفِیهَا خِلَافٌ بَیْنَ الْمَذَاهِبِ وَالطَّوَائِفِ )
وَینضح بَعْدَ هَذَا النَّصِّ الصَّرِیحِ تَمامَ الاتِّضَاحِ أَنَّ الصَّوْمَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ جمیعها وَلَکنْ بِکَیْفِیاتٍ وَأحوالٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَأَنَّ یَوْمَ عَاشُوْرَاءَ کَانَتْ الیَهُودُ تَصُومُهُ وَتُعَظِّمُهُ کَمَا جَاءَ فِی التَّوْرَاةِ وفِی الأَحَادِیثِ الصَّحِیْحَةِ الَّتِی هِیَ محَلُ دِرَاسَتِنَا فِی المبْحَثِ التَّالِی .
المبْحَثُ الثَّانِی
أَحَادِیثُ صِیامِ عَاشُوْرَاءَ وَالمرَاحِلُ الَّتِی مَرَّتْ بِهِ
تَوْطِئةٌ :
یعد هَذَا المبْحَثُ بِمَثَابَةِ العَمُودِ الفِقَرِیِّ فِی جِسْمِ البَحْثِ کُلِّهِ ، إذ یَدُورُ الکَلامُ فِیْهِ عَلى تَصْفِیةِ وَغَرْبَلَةِ الأحَادِیثِ الَّتِی جَاءَتْ تَأْمُرُ وَتُرَغِبُّ بِصِیامِ عَاشُوْرَاءَ ، وَالأحَادِیثُ الَّتِی تُبَیِّنُ تَرْکَ الصِّیَامِ ، ثُمَّ الوُقُوفُ عَلَى صَحِیْحِهَا وَضَعِیْفِهَا ، وَمُحَاوَلَةُ التَّوْفِیقِ بَیْنَهَا ، وَالَّذِی یَبْدُو لِی أَنَّنَا لا یُمْکِنُ أَنْ نَفْهَمَ هَذِهِ الأحَادِیثَ الَّتِی ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ إلَّا بَعْدَ أَنْ نُقَسِّمَ وَنَفْهَمَ المرَاحِلَ الَّتِی مَرَّ بِهَا صِیَامُ عَاشُوْرَاءَ خُطْوَةً خُطْوَةً ؛ لِنَکُونَ عَلَى بَیِّنَةٍ مِنْ أَمْرِنَا، وَهِیَ مُحَاوَلَةٌ جَدِیْدَةٌ وَنَظَرَاتٌ حَدِیثَةٌ لِلْجَمْعِ بَیْنَ الأدِلَةِ جَمْعَاً لا یُخالِفُ الأصُولَ وَلا یُبَایِنُ النُقُولَ ولا یُنَاقِضُ العُقُولَ ؛ بَلْ إذَا عُرِضَ عَلى الأُمَّةِ تَلَقَتْهُ إنْ شَاءَ الله (سبحانه وتعالى) بِالإنْشِرَاحِ وَالقَبُولِ . وَحَتَّى یَتَنَاسَقَ البَحْثُ وَیَنْضَبِطَ قُمْتُ بِتَقْسِیْمِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَطَالِبَ ، وَسَأُطْلِقُ عَلَى کُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنَ المرَاحِلِ تَسْمِیَةً اصْطِلاحِیَّةً ، وَلا مُشَاحَةَ فِی الاصْطِلاحِ ، فَکُلُّ مَرْحَلَةٍ لَها بِدَایَةٌ وَنِهَایَةٌ :
المَطْلَبُ الأَوَّلُ :یَوْمُ عَاشُوْرَاءَ فِی الجَاهِلِیَّةِ إلى هِجْرَةِ النَّبِیِّ r لِلْمَدِینةِ المنَوَّرَةِ .
المَطْلَبُ الثَّانِی :یَوْمُ عَاشُوْرَاءَ مِنْ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدِینةَ إلى السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلْهِجْرَةِ .
المَطْلَبُ الثَّالِثُ :یَوْمُ عَاشُوْرَاءَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلْهِجْرَةِ إلى فَتْحِ مَکَةَ .
المَطْلَبُ الرَّابِعُ : یَوْمُ عَاشُوْرَاءَ مِنْ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدینةَ بَعْدَ الفَتْحِ إلى الوَفَاةِ .
وَیستنبط هذا التقسیم مِنْ طُولِ النَّظَرِ فِی النُصُوصِ الَّتِی ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ ، وَهِیَ خُطْوَةٌ جَدِیدَةٌ لِفَهْمِ المرَاحِلِ الَّتِی مَرَّ بِهَا صِیَامُ عَاشُوْرَاءَ مِنَ الجَاهِلیةِ إلى انْتِقَالِ الرَّسُولِ r إلى الرَّفِیقِ الأعْلَى ، حَتَّى تَسْتَقِیَمَ النُّصُوصُ عَلَى وَتِیْرَةٍ وَاحِدَةٍ بِلا خِلافٍ وَلا تَعَارُضٍ ، وَسَأَبْذُلُ قُصَارَای فِی تَحَرِّی الحَقِیقَةِ وَالتَّوْفِیقِ بَیْنَ الأدِلَّةِ فِی هَذِهِ السُّطُورِ القَادِمَةِ ، فَإنْ أَصَبْتُ فَمِنْ تَوْفِیقِ الله (سبحانه وتعالى) لِی وَمِنَّتِهِ عَلیَّ ، وَإنْ کَانَتِ الأُخْرَى فَمِنِّی ، وَاسْتَغْفِرُ الله تَعَالى مِنْهُ، وهو مِنْ وَرَاءِ القَصْدِ وَهُو الهَادِی إلى سَوَاءِ السَّبِیْلِ .
المَطْلَبُ الأَوَّلُ
یَومُ عَاشُوْرَاءَ فِی الجَاهِلیةِ إلى هِجْرَةِ النَّبِیِّ r لِلْمَدِینةِ المنَوَّرَةِ
إذَا صَحَّ لَنَا التَّقْدِیرُ لِفَهْمِ المرَاحِلِ الَّتِی مَرَّ بِها الصَّومُ ، فَیُمْکِنُ أَنْ نُحَدِّدَ المرْحَلَةَ الأوْلَى لِصِیامِ عَاشُوْرَاءَ بأنها کَانَتْ مُنْذُ زَمَنِ الجَاهِلیةِ وَمَا قَبْلَهُ إلى أَنْ ظَهَرَ الإسْلامُ فِی مَکَةَ وَعُوْدِیَ النَّبِیُّ الکَرِیمُ r وَأَصْحَابُهُ الکِرَامُ ، ثُمَّ خُرُوجُهُ r مُهَاجِرَاً إلى المدِینَةِ المنَوَّرَةِ بَعْدَ إعْلانِ المشْرِکِینَ الحَرْبَ عَلَى النَّبِیِّ r وَأَتْبَاعِهِ . وَفِی هَذِهِ المرْحَلَةِ کَانَ النَّبِیُّ r یَصُومُ عَاشُوْرَاءَ بِمَکَةَ کَمَا کَانَتْ قُرَیْشٌ تَصُومُهُ فِی الجَاهِلیَّةِ ، وَلا یَأْمُرُ النَّاسَ بِصَوْمِهِ ، وَأُؤَکِدُ أَنَّ هَذَا کَانَ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِیِّ r إلى المدِیْنَةِ المنَوَّرَةِ زَادَهَا اللهُ (سبحانه وتعالى) تَشْرِیْفَاً وَرُؤیَتِهِ الیَهُودَ.
وَمِمَّا یَدْخُلُ تَحْتَ هَذِهِ المرْحَلَةِ : الأحَادِیثُ الصَّحِیْحَةُ المرْفُوعَةُ وَالموْقُوفَةُ الَّتِی رَوَتْهَا السَّیِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِیَ الله عَنْهَا وَالصَّحَابَةُ الکِرَامُ y بِأَلفَاظٍ مختَلِفَةٍ وَمَعَانٍ مُتَّحِدَةٍ ، وَتدور کلها حَوْلَ صِیَامِ عَاشُوْرَاءَ فِی الجَاهِلیَّةِ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدینةَ وَنُزُولِ رَمَضَانَ . وَمِما یَدْخُلُ فِی هَذِهِ المرْحَلَةِ مِنَ الأحَادِیثِ مَا یأتی :
وَمعبر الأحَادِیثِ الصَّحِیْحَةِ السَّابِقَةِ یَتَبَادَرُ إلى الأذْهَانِ إشْکَالاتٍ عدیدة مِنْهَا : لماذَا تُعَظِّمُ قُرَیْشٌ یَوْمَ عَاشُوْرَاءَ کَمَا تُعَظِّمُهُ الیَهُودُ ، عِلْمَاً أنَّ الیَهُودَ یُعَظِّمُونَهُ بِالصِّیَامِ إعْتِقَادَاً ؛ لأنَّهُ یَوْمٌ نَجَّى الله (سبحانه وتعالى) فِیْهِ مُوسَى (علیه السلام) مِنْ بَطْشِ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ ؟ وَکَیْفَ کَانَتْ قُرَیْشٌ تَعْرِفُ یَومَ عَاشُوْرَاءَ بِالتَّحْدِیدِ ؟
أَمَّا الإشْکَالُ الأوَّلُ فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ ابنُ حَجَرٍ فِی الفَتْحِ فَقَالَ : (وَأَمَّا صِیَامُ قُرَیْشٍ لِعَاشُوْرَاء فَلَعَلَّهُمْ تَلَقَّوْهُ مِنَ الشَّرْعِ السَّالِفِ وَلِهَذَا کَانُوا یُعَظِّمُونَهُ بِکِسْوَةِ الْکَعْبَةِ فِیهِ وَغَیْرِ ذَلِکَ ، ثُمَّ رَأَیْتُ فِی الْمَجْلِسِ الثَّالِثِ مِنْ مَجَالِسِ الْبَاغَنْدِیِّ الْکَبِیرِ عَنْ عِکْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِکَ فَقَالَ : أَذْنَبَتْ قُرَیْشٌ ذَنْبًا فِی الْجَاهِلِیَّةِ فَعَظُمَ فِی صُدُورِهِمْ فَقِیلَ لَهُمْ : صُومُوا عَاشُوْرَاءَ یُکَفَّرْ ذَلِکَ هَذَا أَو مَعْنَاهُ ) .
وَأمَّا الإشْکَالُ الثَّانِی : فَیُجَابُ عَنْهُ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرانِّیُّ فِی مُعْجَمِهِ الکَبِیرِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَیْدٍ، عَنْ أَبِیهِ قَالَ: «لَیْسَ یَوْمُ عَاشُوْرَاء بِالْیَوْمِ الَّذِی یَقُولُهُ النَّاسُ، إِنَّمَا کَانَ یَوْمَ تُسْتَرُ فِیهِ الْکَعْبَةُ وتَقْلِسُ فِیهِ الْحَبَشَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ r ، وَکَانَ یَدُورُ فِی السَّنَةِ، فَکَانَ النَّاسُ یَأْتُونَ فُلَانًا الْیَهُودِیَّ، فَیَسْأَلُونَهُ، فَلَمَّا مَاتَ الْیَهُودِیُّ أَتَوْا زَیْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَسَأَلُوهُ» .
وَعَقَّبَ ابنُ حَجَرٍ فِی الفَتْحِ عَلَى حَدِیثِ الطَّبَرانِّی بِمَا نَصُّهُ : (أَنَّ جَهَلَةَ الْیَهُودِ یَعْتَمِدُونَ فِی صِیَامِهِمْ وَأَعْیَادِهِمْ حِسَابَ النُّجُومِ ، فَالسَّنَةُ عِنْدَهُمْ شَمْسِیَّةٌ لَا هِلَالِیَّةٌ ، قُلْتُ : فَمِنْ ثَمَّ احْتَاجُوا إِلَى مَنْ یَعْرِفُ الْحِسَابَ لِیَعْتَمِدُوا عَلَیْهِ فِی ذَلِکَ ) .
الخُلاصَّةُ :
کانت المرْحَلَةَ الأوْلَى لِصِیَامِ عَاشُوْرَاءَ مُنْذُ زَمَنِ الجَاهِلیةِ وَمَا قَبْلَهُ إلى قُبَیْلِ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدِیْنَةَ مُهَاجِرَاً، وَکَانَ الصِّیَامُ فِی هَذِهِ المرْحَلَةِ مَفْرُوضَاً عَلَى النَّبِیِّ r وَحْدَهُ من دُوْنَ أَصْحَابِهِy.
المَطْلَبُ الثَّانِی
یَوْمُ عَاشُوْرَاءَ مِنْ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدِیْنَةَ إلى السَّنَةِ الثَّانِیةِ للْهِجْرَةِ
هَذِهِ هِیَ المرْحَلَةُ الثَّانِیةُ مِنْ مَرَاحِلِ صَوْمِ عَاشُوْرَاءَ ، وَهِیَ تَمْتَدُّ مِنْ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدِیْنَةَ المنَوَّرَةَ مُهَاجِرَاً إلى السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلْهِجْرَةِ أَیْ قَبْلَ أَنْ یُفْرَضَ رَمَضَانُ ، وَقَدْ کَانَ أَوَّلَ قُدُوْمِهِ r المدِیْنَةَ فِی رَبِیعٍ الأوَّلِ کَمَا حَدَدَهُ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانی رَحِمَهُ الله ، إذ یقول : (وَأَفَادَتْ – أیْ الرِّوَایاتُ - تَعْیِینَ الْوَقْتِ الَّذِی وَقَعَ فِیهِ الْأَمْرُ بِصِیَامِ عَاشُوْرَاءَ ، وَقَدْ کَانَ أَوَّلَ قُدُومِهِ الْمَدِینَةَ ، وَلَا شَکَّ أَنَّ قُدُومَهُ کَانَ فِی رَبِیعٍ الْأَوَّلِ ، فَحِینَئِذٍ کَانَ الْأَمْرُ بِذَلِکَ فِی أَوَّلِ السَّنَةِ الثَّانِیَةِ ) .
وَ کان صِیامُ عَاشُوْرَاء فِی هَذِهِ المرْحَلَةِ فَرْضَاً عَلى النَّبِیِّ r وَالأُمَّةِ فِی زَمَنِهِ ؛ بَلْ أَکَّدَ الأمْرَ أَکَثَرَ أَنَّهُ r أَمَرَ مَنْ أَکَلَ أَنْ یُمْسِکَ عَنِ الطَّعَامِ بَقِیَّةَ یَوْمِهِ ، حَتَّى إنَّ النِسَاءَ کُنَّ یُصُوِّمُونَهُ أَطْفَالهنَّ ، وَیَجْعَلْنَ لَهُم اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإذَا بَکَى أَحَدُهُم عَلى الطَّعَامِ أَعْطَوهُ إیَّاهُ عِنْدَ الإفْطَارِ ، کَما سَتَأتِی الرِّوَایَاتُ الکَثِیرةُ فِی هَذَا المعْنَى. وَمِما یَدْخُلُ فِی هَذِهِ المرْحَلَةِ مِنَ الأحَادِیثِ وَالرِّوَایَاتِ مَا یأتی:
* عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمَا)، قَالَ: قَدِمَ النَّبِیُّ r المَدِینَةَ فَرَأَى الیَهُودَ تَصُومُ یَوْمَ عَاشُوْرَاءَ ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» ، قَالُوا: هَذَا یَوْمٌ صَالِحٌ ، هَذَا یَوْمٌ نَجَّى الله بَنِی إِسْرَائِیلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى ، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْکُمْ» ، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِیَامِهِ .
* عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَکْوَعِ (t)، قَالَ: أَمَرَ النَّبِیُّ r رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ : " أَنْ أَذِّنْ فِی النَّاسِ: أَنَّ مَنْ کَانَ أَکَلَ فَلْیَصُمْ بَقِیَّةَ یَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ یَکُنْ أَکَلَ فَلْیَصُمْ، فَإِنَّ الیَوْمَ یَوْمُ عَاشُوْرَاء " .
* عَنْ أَبِی مُوسَى (t) ، قَالَ: کَانَ یَوْمُ عَاشُوْرَاءَ یَوْمًا تُعَظِّمُهُ الْیَهُودُ، وَتَتَّخِذُهُ عِیدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r : «صُومُوهُ أَنْتُمْ» .
* عَنْ جَابِر(ٍ (t) أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ r بِیَوْمِ عَاشُورَاءَ أَنْ نَصُومَهُ، وَقَالَ: " هُوَ یَوْمٌ کَانَتِ الْیَهُودُ تَصُومُهُ " .
* عَنِ الرُّبَیِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِیَ اللهُ عَنْها ، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِیُّ r غَدَاةَ عَاشُوْرَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ : «مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْیُتِمَّ بَقِیَّةَ یَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلیَصُمْ» ، قَالَتْ: فَکُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْیَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَکَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَیْنَاهُ ذَاکَ حَتَّى یَکُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ .
* عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَیْفِیّ (t)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (r) یَوْمَ عَاشُوْرَاء: «أَمِنْکُمْ أَحَدٌ أَکَلَ الْیَوْمَ؟» فَقَالُوا: مِنَّا مَنْ صَامَ، وَمِنَّا مَنْ لَمْ یَصُمْ، قَالَ: «فَأَتِمُّوا بَقِیَّةَ یَوْمِکُمْ، وَابْعَثُوا إِلَى أَهْلِ الْعَرُوضِ، فَلْیُتِمُّوا بَقِیَّةَ یَوْمِهِمْ » .
* عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ حَارِثَةَ الْأَسْلَمِیِّ (t) قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِیِّ (r) یَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «أَصُمْتَ الْیَوْمَ یَا أَسْمَاءُ؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَصُمْ» قُلْتُ: قَدْ تَغَدَّیْتُ یَا رَسُولَ الله، قَالَ: «صُمْ مَا بَقِیَ وَمُرْ قَوْمَکَ فَلْیَصُومُوا» قَالَ أَسْمَاءُ: فَأَخَذْتُ نَعْلِی بِیَدِی فَأَدْخَلْتُ رَحْلِی حَتَّى وَرَدْتُ عَلَى قَوْمِی فَقُلْتُ: إِنَّ نَبِیَّ الله r یَأْمُرُکُمْ أَنْ تَصُومُوا، فَقَالُوا: قَدْ تَغَدَّیْنَا، فَقُلْتُ: إِنَّهُ قَدْ أَمَرَکُمْ أَنْ تَصُومُوا بَقِیَّةَ یَوْمِکُمْ .
* عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله r : «صَوْمُ یَوْمِ عَاشُوْرَاء، یَوْمٌ کَانَتْ تَصُومُهُ الْأَنْبِیَاءُ فَصُومُوهُ أَنْتُمْ» .
* عَنْ مَعْبَدٍ الْقُرَشِیِّ t قَالَ: کَانَ النَّبِیُّ r بِقَدِیدٍ ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ r : «أَطَعِمْتَ الْیَوْمَ شَیْئًا لِیَوْمِ عَاشُوْرَاء؟» قَالَ: لَا، إِلَّا أَنِّی شَرِبْتُ مَاءً قَالَ: «فَلَا تَطْعَمُ بَعْدُ حَتَّى مَغْرِبَ الشَّمْسِ، وَأْمُرْ مَنْ وَرَاءَکَ أَنْ یَصُومَ هَذَا الْیَوْمَ» .
* عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ t قَالَ: « کَانَ رَسُولُ اللهِ r یَأْمُرُنَا بِصِیَامِ یَوْمِ عَاشُوْرَاء، وَیَحُثُّنَا عَلَیْهِ، وَیَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، لَمْ یَأْمُرْنَا، وَلَمْ یَنْهَنَا وَلَمْ یَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ» .
* عَنْ هُنَیْدَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ امْرَأَتِهِ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِیِّ r قَالَتْ: «کَانَ رَسُولُ الله r یَصُومُ تِسْعَ ذِی الْحِجَّةِ، وَیَوْمَ عَاشُوْرَاء، وَثَلَاثَةَ أَیَّامٍ مِنْ کُلِّ شَهْرٍ، أَوَّلَ اثْنَیْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِیسَ» .
* قَالَ ابنُ خُزَیْمَةَ : حَدَّثَنَا غَلِیلَةُ بِنْتُ أُمَیْنَةَ أَمَةُ الله وَهِیَ بِنْتُ رَزِینَةَ قَالَتْ: قُلْتُ لِأُمِّی: أَسَمِعْتِ رَسُولَ الله r فِی عَاشُوْرَاء؟ قَالَتْ: کَانَ یُعَظِّمُهُ , وَیَدْعُو بِرُضَعَائِهِ وَرُضَعَاءِ فَاطِمَةَ , فَیَتْفُلُ فِی أَفْوَاهِهِمْ, وَیَأْمُرُ أُمَّهَاتِهِنَّ أَلَّا یُرْضِعْنَ إِلَى اللَّیْلِ .
* عَنْ أَبِی عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِیّ (t) : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ r کَانَ یَصُومُ عَاشُوْرَاء وَیَأْمُرُ بِهِ".
* أخْرَجَ أحمَدُ فی مُسْنَدِه عَنْ یَحْیَى بْنَ أَبِی کَثِیرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِی بَعْجَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ أَبَاهُ، أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ لَهُمْ یَوْمًا: " هَذَا یَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَصُومُوا " فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِی عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: یَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّی تَرَکْتُ قَوْمِی، مِنْهُمْ صَائِمٌ، وَمِنْهُمْ مُفْطِرٌ، فَقَالَ النَّبِیُّ r : " اذْهَبْ إِلَیْهِمْ، فَمَنْ کَانَ مِنْهُمْ مُفْطِرًا، فَلْیُتِمَّ صَوْمَهُ " .
ویتبین عبر الرِّوَایَاتِ السَّابِقَةِ أَنَّ المرْحَلَةَ الثَّانِیةَ الَّتِی تَبْدَأُ بِدُخُولِهِ r المدِیْنَةَ مُهَاجِرَاً وَإلى السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلْهِجْرَةِ کَانَ صَومُ عَاشُوْرَاءَ فیها فَرْضَاً عَلَى النَّبِیِّ r وَأُمَّتِهِ .وَکَانَ r یُحِبُّ مُوَافَقَةِ أَهْلِ الکِتَابِ فِی تِلْکَ الفَتْرَةِ، وَأَعْتَقِدُ أَنَّ هَذِهِ المرْحَلَةَ اسْتَغْرَقَتْ سَنَةً وَبِضْعَةَ شُهُورٍ ، وَعَلَى هَذَا لَمْ یَقَعِ الْأَمْرُ بِصِیَامِ عَاشُوْرَاءَ إِلَّا فِی سَنَةٍ وَاحِدَةٍ .
الخُلاصَةُ :
إِنَّ دُخُولَ النَّبِیِّ r مُهَاجِرَاً إلى المدِینةِ المنَورَةِ وَرُؤْیَتِهِ الیَهُودَ یَصُومُونَ عَاشُوْرَاءَ فِی تِلْکَ الفَتْرَةِ ، وَکَانَ یُحِبُّ مُوَافَقِةِ أَهْلِ الکِتَابِ إلَّا فِیْمَا لَمْ یُؤْمَرْ ، فَأَضْحَى صِیَامُ عَاشُوْرَاءَ فَرْضَاً عَلَى النَّبِیِّ r وَکَذَا أَصْحَابُهُ فِی زَمَنِهِ .
المَطْلَبُ الثَّالِثُ
یَوْمُ عَاشُوْرَاءَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلْهِجْرَةِ إلى فَتْحِ مَکَةَ
هَذِهِ المرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِی مَرَّ بِهَا صَوْمُ عَاشُوْرَاءَ ، وَهِیَ تَمْتَدُّ مِنْ نُزُولِ الأمْرِ بِصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ – وَهُو بِلا خِلافٍ کَانَ فِی السَّنَةِ الثَّانِیةِ للهِجْرَةِ ، وَیَسْتَمِرُّ إلى فَتْحِ مَکَةَ الَّذِی کَانَ فِی السَنَةِ الثَامِنَةِ لِلْهِجْرَةِ ، وَقَدْ أَشَارَتْ نُصُوصُ مَشْرُوعِیَّتِهِ إلى إرْتِبَاطِهِ بِأَعْظَمِ مُنَاسَبَةٍ فِی هَذَا الوُجُودِ کُلِّهِ ، وَهِی انْبِثَاقُ فَجْرِ الهِدَایةِ ، وَإشْرَاقِةُ شَمْسِ الرَّشَادِ، الَّتِی بَدَّدَتْ ظُلُمَاتِ الجَهَالَةِ، وَمَهَّدَتْ سُبُلَ السَعَادَةِ ؛ لتُجَدِدَ الأُمَّةُ رَوَابِطَهَا بِرَبِهَا، وَتُوَثِّقَ عُهُودَهَا بِمَبَادِئ دِیْنِهَا ، وَیَبْقَى عَلى جِدَّتِهِ لا تُبْلِیْهِ الأعْوَامُ وَلا تُوْهِنُهُ الأیَّامُ، وَفِی هَذِهِ الفَتْرَةِ وَجَّهَ النَّبِیُّ الکَرِیمُ r أُمَّتَهُ إلى صِیامِ رَمَضَانَ ، وَتَرَکَ لَهُمُ الخِیارَ بِصَوْمِ عَاشُوْرَاءَ لِمدَّةِ سَبْعِ سِنِینَ إلى فَتْحِ مَکَةَ ، وَهَذَا فِیهِ إشَارَةٌ إلى أَنَّ فَرْضَ شَهْرِ رَمَضَانَ نَسَخَ فَرَضِیةَ عَاشُوْرَاءَ أوْ وُجُوبَهُ عَلى الخِلافِ المشْهُورِ بَیْنَ الفُقَهاءِ کَمَا سَیَأتِی فِی المبْحَثِ الثَّالِثِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى ، فَبَقِیَ صَوْمُ عَاشُوْرَاءَ عَلى الاسْتِحْبَابِ ، بِدَلیلِ التَّخْیِیرِ الَّذِی جَعَلَهُ r لِلأمَّةِ .
وَمِمَّا یَدْخُلُ فِی هَذِهِ المرْحَلَةِ مِنَ الأحَادِیثِ مَا یأتی :
* عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِیَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِیَّةِ کَانُوا یَصُومُونَ یَوْمَ عَاشُوْرَاء، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ r صَامَهُ، وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ یُفْتَرَضَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ r : «إِنَّ عَاشُوْرَاءَ یَوْمٌ مِنْ أَیَّامِ اللهِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَکَهُ» .
* عَنْ عَائِشَةَ (رَضِیَ الله عَنْهَا) قَالَتْ: کَانُوا یَصُومُونَ عَاشُوْرَاء قَبْلَ أَنْ یُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَکَانَ یَوْمًا تُسْتَرُ فِیهِ الکَعْبَةُ ، فَلَمَّا فَرَضَ الله رَمَضَانَ، قَالَ رَسُولُ الله r : «مَنْ شَاءَ أَنْ یَصُومَهُ فَلْیَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ یَتْرُکَهُ فَلْیَتْرُکْهُ» .
* عَنْ عَائِشَةَ أمِّ المؤمِنینَ أیضاً أَنَّهَا قَالَتْ: کَانَ یَوْمُ عَاشُورَاءَ یَوْمًا تَصُومُهُ قُرَیْشٌ فِی الْجَاهِلِیَّةِ، وَکَانَ رَسُولُ الله r : یَصُومُهُ فِی الْجَاهِلِیَّةِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله r الْمَدِینَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِیَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ: کَانَ هُوَ الْفَرِیضَةَ، وَتُرِکَ یَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَکَهُ .
* عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ t قَالَ: «کَانَ رَسُولُ اللهِ r یَأْمُرُنَا بِصِیَامِ یَوْمِ عَاشُوْرَاء، وَیَحُثُّنَا عَلَیْهِ، وَیَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، لَمْ یَأْمُرْنَا، وَلَمْ یَنْهَنَا وَلَمْ یَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ» .
* عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ یَزِیدَ ، قَالَ: دَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَیْسٍ عَلَى عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ یَتَغَدَّى فَقَالَ: یَا أَبَا مُحَمَّدٍ ادْنُ إِلَى الْغَدَاءِ، فَقَالَ: أَوَلَیْسَ الْیَوْمُ یَوْمَ عَاشُوْرَاء؟ قَالَ: وَهَلْ تَدْرِی مَا یَوْمُ عَاشُوْرَاء؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «إِنَّمَا هُوَ یَوْمٌ کَانَ رَسُولُ اللهِ r یَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ یَنْزِلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِکَ» .
* وَذَکَرَ الأزْرَقِیُّ فِی أَخْبَارِ مَکَةَ عَنِ ابْنِ الْمُهَاجِرِ t ، أَنَّ النَّبِیَّ r خَطَبَ النَّاسَ یَوْمَ عَاشُوْرَاء، فَقَالَ النَّبِیُّ r : «هَذَا یَوْمُ عَاشُوْرَاء، یَوْمٌ تَنْقَضِی فِیهِ السَّنَةُ، وَتُسْتَرُ فِیهِ الْکَعْبَةُ ، وَتُرْفَعُ فِیهِ الْأَعْمَالُ، وَلَمْ یُکْتَبْ عَلَیْکُمْ صِیَامُهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْکُمْ أَنْ یَصُومَ فَلْیَصُمْ».
* عَنْ حُمَیْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِیَةَ بْنَ أَبِی سُفْیَانَ رَضِیَ الله عَنْهُمَا، یَوْمَ عَاشُوْرَاءَ عَامَ حَجَّ عَلَى المِنْبَرِ یَقُولُ: یَا أَهْلَ المَدِینَةِ أَیْنَ عُلَمَاؤُکُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ الله r ، یَقُولُ: «هَذَا یَوْمُ عَاشُوْرَاء وَلَمْ یَکْتُبِ الله عَلَیْکُمْ صِیَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ، فَلْیَصُمْ وَمَنْ شَاءَ، فَلْیُفْطِرْ» .
وَفِی هَذِینِ الحَدِیثینِ الأخِیرینِ اللَّذَیْنِ فِیْهِمَا (وَلَمْ یَکْتُبِ الله عَلَیْکُمْ صِیَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ ) فَالَّذِی یَبْدُو لِی أَنَّ زَمَنَهُما بَیْنَ السنتین الثَّانِیةِ والثَّامِنَةِ لِلْهِجْرَةِ عِنْدَمَا نُسِخَ فَرْضُ عَاشُوْرَاءَ وَبَقِیَ الأمْرُ عَلى الاسْتِحْبَابِ، لِذَّا خَیَّرهُمُ النَّبِیُّ r بِقَوْلِهِ : (فَمَنْ شَاءَ، فَلْیَصُمْ وَمَنْ شَاءَ، فَلْیُفْطِرْ ).
وَبَعْدَ هَذَا التَّحْلِیْلِ وَجَدْتُ نَصَّاً لِلْحَافِظِ الزَّیْلَعِیِّ یُقَوِی مَا ذَهَبْتُ إلیْهِ ، یَقُولُ :(وَیُدْفَعُ بِأَنَّ مُعَاوِیَةَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ فَإِنْ کَانَ سَمِعَ هَذَا بَعْدَ إسْلَامِهِ فَإِنَّمَا یَکُونُ سَمْعُهُ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ فَیَکُونُ ذَلِکَ بَعْدَ نَسْخِهِ بِإِیجَابِ رَمَضَانَ وَیَکُونُ الْمَعْنَى لَمْ یُفْرَضْ بَعْدَ إیجَابِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَیْنَهُ وَبَیْنَ الْأَدِلَّةِ الصَّرِیحَةِ فِی وُجُوبِهِ وَإِنْ کَانَ سَمْعُهُ قَبْلَهُ فَیَجُوزُ کَوْنُهُ قَبْلَ افْتِرَاضِهِ وَنَسْخُ عَاشُورَاءَ فِی الصَّحِیحَیْنِ ) .
* وَکَانَ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ (r) لَا یَصُومُهُ کَمَا وَرَدَ فِی صَحِیحِ مُسْلِّمٍ إِلَّا أَنْ یُوَافِقَ صِیَامَهُ . بَلْ أَخْرَجَ الطَبَرِیُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِکِ بْنِ الْمُغِیرَةِ بْنِ نَوْفَلٍ : أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ عَنْ یَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: «وَالله مَا أَنَا بِصَائِمٍ» .
وسُئِلَ عِکْرِمَةُ عَنْ صِیَامِ یَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَیَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: «لَا یَصْلُحُ لِرَجُلٍ یَصُومُ یَوْمًا یَرَى أَنَّهُ عَلَیْهِ وَاجِبٌ إِلَّا رَمَضَانُ».
وَهَکَذَا أَضْحَى صَوْمُ یَوْمِ عَاشُوْرَاءَ بَعْدَ نُزُولِ رَمَضَانَ على التَّخْیِیرِ ، فَمِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ صَامَهُ وَمِنْهُم مَنْ لَم یَصُمْهُ ، بَلْ وَرَدَ عَنْ بَعْضِهم کَرَاهَةَ صِیَامِهِ ، وَلَکِنَّ هَذَا مُعَلَّلٌ بِقُرْبِ عَهْدِ النَّاسِ بِالجَاهِلِّیةِ حَتَّى لا تَنْبُتَ جُذُوْرُهَا مِنْ جَدِیدٍ ، وَیَشْتَدَّ عُودُهَا فِی لاحِقِ الأیَّامِ .
قَالَ الطَبَرِیُّ رَحِمَهُ الله : (فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَمَا وَجْهُ کَرَاهَةِ مَنْ کَرِهَ صَوْمَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله r وَغَیْرِهِمْ؟ قِیلَ: وَجْهُ کَرَاهَتِهِمْ ذَلِکَ نَظِیرُ کَرَاهَةِ مَنْ کَرِهَ صَوْمَ رَجَبٍ؛ إِذْ کَانَ شَهْرًا کَانَتِ الْجَاهِلِیَّةُ تُعَظِّمُهُ، فَکَرِهَ مَنْ کَرِهَ صَوْمَهُ أَنْ یُعَظِّمَهُ فِی الْإِسْلَامِ بِصَوْمِهِ تَعْظِیمَ أَهْلِ الْجَاهِلِیَّةِ إِیَّاهُ فِی الشِّرْکِ، فَأَرَادَ بِإِفْطَارِهِ وَضْعَ مَنَارِ الْکُفْرِ، وَهَدْمَ أَعْلَامِ الشِّرْکِ. وَکَذَلِکَ عَاشُوْرَاء ، کَانَ یَوْمًا یَصُومُهُ أَهْلُ الشِّرْکِ فِی الْجَاهِلِیَّةِ، فَأَرَادَ بِإِفْطَارِهِ وَالنَّهْیِ عَنْ صَوْمِهِ إِبْطَالَ مَا أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا شَرَعَ لِعِبَادِهِ مِنْ فَرْضِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، مِنْ سُنَّةِ أَهْلِ الْجَاهِلِیَّةِ فِی صَوْمِهِ، وَمِنْ غَیْرِ تَحْرِیمٍ مِنْهُ صَوْمَهُ عَلَى مَنْ صَامَهُ، وَلَا مُوئِسِهِ مِنَ الثَّوَابِ الَّذِی وَعَدَ الله تَعَالَى صَائِمِیهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r ، إِذَا صَامَهُ مُبْتَغِیًا بِصَوْمِهِ إِیَّاهُ اسْتِنْجَازَ وَعْدِهِ ذَلِکَ، لَا مَرِیدًا بِهِ إِحْیَاءَ سُنَّةِ أَهْلِ الشِّرْکِ ).
وَالَّذِی یَبْدُو لِی مِنْ مُتَابَعَةِ هَذِهِ الأحَادِیثِ وَالْآثَارِ الصَّحِیحَةِ فِی المرْحَلَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّ فَرَضِیةَ شَهْرِ رَمَضَانَ الَّتِی جَاءَتْ فِی القُرْانِ العَظِیمِ بِقَوْلِهِ تَعَالى ( یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیَامُ کَمَا کُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ ) ، قَدْ نَسَخَتْ فَرَضِیةَ صَوْمِ یَوْمِ عَاشُوْرَاءَ أو وجوبه عَلى خِلافٍ بَینَ الفُقَهاءِ ، سَیَأتی مَزِیدُ بَسْطٍ لَهُ فِی المبْحَثِ الثَّالِثِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى.
وأضحى صَومُ عَاشُوْرَاءَ فِی هَذِهِ المرْحَلَةِ مُسْتَحَبَّاً بَعْدَ أَنْ کَانَ فَرْضَاً فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَهُ ، بِسَبَبِ النَسْخِ ، وَهَذَا النَسْخُ هُو مِنَ الأخَفِ - وَهُو یَوْمٌ وَاحِدٌ - إلى الأثْقَلِ - وَهُو شَهْرُ رَمَضَانَ - کَمَا ذَکَرَ الأصُولیونَ .
الخُلاصَةُ :
تبدأ المرْحَلَةَ الثَّالِثَةَ الَّتِی مَرَّ بِها صِیامُ عَاشُوْرَاءَ بِنُزُولِ فَرَضِیةِ شَهْرِ رَمَضَانَ المبَارَکِ وَهُوَ فِی السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلْهِجْرَةِ ، وَتَمْتَدُّ إلى السَّنَةِ الثَّامِنَةِ أَیْ إلى فَتْحِ مَکَةَ ، قَدْ نَسَخَ فَرَضِیةَ صِیَامِ عَاشُوْرَاءَ ، وَأَصْبَحَ صِیَامُهُ أَمْرَاً مُفَوَّضَاً إِلَى رَأْیِ الْمُتَطَوِّعِ ، وَهُو مَا یُعَبَّرُ عَنْهُ بِالاسْتِحْبَابِ .
المَطْلَبُ الرَّابِعُ
یَوْمُ عَاشُوْرَاءَ مِنْ دُخُولِ النَّبِیِّ r المدِینةَ بَعْدَ الفَتْحِ إلى الوَفَاةِ
هُنَا نِهَایَةُ المطَافِ فِی المرَاحِلِ الَّتِی مَرَّ بِهَا صَوْمُ عَاشُوْرَاءَ ، فَبَعْدَ أَنْ انْتَهَیْنَا فِی المرْحَلَةِ الثَّالِثَةِ إلى نَسْخِهِ مِنَ الفَرَضِیةِ إلى الاسْتِحْبَابِ بِنُزُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ المبَارَکِ فِی السَّنَةِ الثَّانِیةِ لِلهجْرَةِ ، وَبَقَائِهِ عَلى هَذَا الحَالِ إلى فَتْحِ مَکَةَ فِی السَّنَةِ الثَّامِنَةِ لِلْهِجْرَةِ ، وَبِالفَتْحِ إلتَقَى النَّبِیُّ r بِابنِ عَمِّهِ عَبْدِ الله بنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ الله عَنْهُمَا ، وَصَحِبَهُ مَعَهُ إلى المدِینةِ المنَوَّرَةِ وَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ ، وَدَخَلَ المدینَةَ وَهُو عَاقِدٌ العَزْمَ عَلى مُخَالَفَةِ أَهْلِ الکِتَابِ الَّذِینَ نَقَضَوا العُهودَ وَالموَاثِیقَ ، وَکانَ r فی بِدَایَةِ أَمْرِهِ وَإلى فَتْحِ مَکَةَ یُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الکِتَابِ فِیْمَا لَم یُؤمرْ فِیهِ بِشَیءٍ ، لَکِنَّ سِیَاسَتَهُ r تَغَیَّرَتْ ؛ لتَصَرُفَاتِهم القَبِیحَةِ وَعَدَمِ مُرَاعَاتِهم لِلْعُهودِ وَالعُقُودِ وَالموَاثِیقِ الَّتِی یُبْرِمُونَها مَعَ المسْلِمینَ . قَالَ ابنُ حَجَرٍ : ( وَقَدْ کَانَ r یُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْکِتَابِ فِیمَا لَمْ یُؤْمَرْ فِیهِ بِشَیْءِ وَلَا سِیَّمَا إِذَا کَانَ فِیمَا یُخَالِفُ فِیهِ أَهْلَ الْأَوْثَانِ ، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَکَّةُ وَاشْتُهِرَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ أَحَبَّ مُخَالَفَةَ أَهْلِ الْکِتَابِ أَیْضًا کَمَا ثَبَتَ فِی الصَّحِیحِ فَهَذَا مِنْ ذَلِکَ فَوَافَقَهُمْ أَوَّلَاً ، وَقَالَ نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْکُمْ ثُمَّ أَحَبَّ مُخَالَفَتَهُمْ ) .
وَأجد فِی هَذِهِ المرْحَلَةِ الأخِیرَةِ مِنَ المرَاحِلِ الَّتِی مَرَّ بِهَا الصِّیَامُ ، اتِجَاهَیْنِ اثْنَینِ لِلْعُلَماءِ فِی تَکْییفِ تَحْقِیقِ مُخَالَفَةِ أَهْلِ الکِتَابِ ، بَعْدَ الاتِفَاقِ عَلى بَقَاءِ الاسْتِحْبَابِ فِی صِیَامِهِ :
الاتِجَاهُ الأوَّلُ : یَرَى أَنَّ المخَالَفَةَ لأهْلِ الکِتَابِ إنَّما تَتَحَقَقُ بِضَمِّ یَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ یَوْمٍ بَعْدَهُ ، وَهَذَا رَأیُ جَمَاهِیرِ الأمَّةِ کَمَا مَرَّ مَعَنَا فِی المبْحَثِ الأوَّلِ . وَمِمَّا یَدْخُلُ فِی هَذِهِ المرْحَلَةِ وَتَحْتَ هَذَا الرَّأیِ مِنَ الأحَادِیثِ مَا یَلِی ، وَالعُمْدَةُ فِیهَا عَلى مَا رَوَاهُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللهُ عَنْهُمَا الَّذِی صَحِبَهُ یَوْمَ الفَتْحِ :
* عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللهُ عَنْهُمَا فِیمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «صُومُوا یَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، وَخَالِفُوا فِیهِ الْیَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ یَوْمًا، أَوْ بَعْدَهُ یَوْمًا» .
* وأخرج عَبْدُ الرَّزَّاقِ فی مصنفه قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَیْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِی عَطَاءٌ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، یَقُولُ فِی یَوْمِ عَاشُوْرَاءَ: «خَالِفُوا الْیَهُودَ وَصُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ» .
* قَالَ ابنُ أبی شَیْبَةَ : حَدَّثَنَا یَزِیدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنِی ابْنُ أَبِی ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّهُ کَانَ یَصُومُ یَوْمَ عَاشُوْرَاء فِی السَّفَرِ، وَیُوَالِی بَیْنَ الْیَوْمَیْنِ مَخَافَةَ أَنْ یَفُوتَهُ» .
* عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِیّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: " لَئِنْ بُقِّیتُ لَآمُرَنَّ بِصِیَامِ یَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ یَوْمٍ بَعْدَهُ یَوْمِ عَاشُوْرَاء " .
فَمَرَاتِبُ الصَوْمِ عَلى رَأیِ الاتِجَاهِ الأوَّلِ ثَلَاثِ مَرَاتِبَ مُتَفَاوِتَة ، قَالَ ابنُ حَجَرٍ : ( وَعَلَى هَذَا فَصِیَامُ عَاشُوْرَاء عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ أَدْنَاهَا أَنْ یُصَامَ وَحْدَهُ ، وَفَوْقَهُ أَنْ یُصَامَ التَّاسِعُ مَعَهُ ، وَفَوْقَهُ أَنْ یُصَامَ التَّاسِعُ وَالْحَادِی عَشَرَ ، وَالله أَعْلَمُ ) .
الاتِجَاهُ الثَّانی : یَرَى أَنَّ المخَالَفَةَ لأهْلِ الکِتَابِ إنَّما تَتَحَقَقُ بِنَقْلِ یَوْمِ عَاشُوْرَاءَ مِنَ العَاشِرِ إلى التَّاسِعِ ، وَلَیْسَ بِضَمِ یَوْمٍ إلیهِ سَواءٌ کَانَ قَبْلَهُ أَو بَعْدَهُ ، وَهُو رَأیُ ابنِ عَبَّاسٍ والضَحَاکِ وَالأزْهَرِیِّ وَابنِ حَزْمٍ کَمَا مَرَّ فِی المبْحَثِ الأوَّلِ، وَمِمَّا یَدْخُلُ فِی هَذِهِ المرْحَلَةِ وَتَحْتَ هَذَا الاتِجَاهِ مِنَ الأحَادِیثِ الآتی :
* عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللهُ عَنْهُمَا، یَقُولُ: حِینَ صَامَ رَسُولُ اللهِ r یَوْمَ عَاشُوْرَاء وَأَمَرَ بِصِیَامِهِ قَالُوا: یَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ یَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْیَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r : «فَإِذَا کَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْیَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ: فَلَمْ یَأْتِ الْعَامُ المقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّیَ رَسُولُ اللهِ r . وَعِنْدَ أبی دَاوُدَ : «فَإِذَا کَانَ الْعَامُ المقْبِلُ صُمْنَا یَوْمَ التَّاسِعِ» .
* وعَنْه رَضِیَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r : «لَئِنْ بَقِیتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ». وَعِنْدَ أحمدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ r ، قَالَ: " لَئِنْ عِشْتُ - قَالَ رَوْحٌ: لَئِنْ سَلِمْتُ - إِلَى قَابِلٍ، لَأَصُومَنَّ الْیَوْمَ التَّاسِعَ، یَعْنِی عَاشُورَاءَ " ، وفی المنتخبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ الله r قَالَ: «لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ إِنْ شَاءَ الله لَأَصُومَنَّ الْیَوْمَ التَّاسِعَ یَعْنِی عَاشُورَاءَ».
* وَأخْرَجَ الطَّبَرانِی عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ الله عَنْهُمَا ، قَالَ: ذُکِرَ لِلنَّبِیِّ r أَنَّ یَهُودَ یَصُومُونَ یَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ النَّبِیُّ r : «إِنْ عِشْنا خالَفْنَاهُمْ وَصُمْنَا الْیَوْمَ التَّاسِعَ» .
* وَأخْرَجَ ابنُ أبی شَیْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ الله عَنْهُمَا ، یَقُولُ: «یَوْمُ عَاشُورَاءَ صَبِیحَةُ تَاسِعَةِ لَیْلَةِ عَشْرٍ» .
* وأخْرَجَ أَبُو یُوسُفَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ الله عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: «عَاشُورَاءُ یَوْمُ التَّاسِعِ» .
وَهَذَا الرَأیُ وإنْ کَانَ أَنْصَارُهُ قَلِیلینَ مُخالِفٌ لِرَأیِ جَمَاهِیرِ الأمَّةِ إلاَّ أَنَّنِی أَجِدْهُ قَرِیباً لِرُوحِ الشَّرِیعةِ وَمَقَاصِدِهَا ، وَهُو الَّذِی أَمِیلُ إلیهِ وَأُرَجِّحُهُ فِی خُلاصَةِ بَحْثِی لما یَأتی :
إنَّ هَذَا الحَدیثَ «فَإِذَا کَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْیَوْمَ التَّاسِعَ» هُو الَّذِی نَطَقَ بِهِ رَسُولُ اللهِ r فِی آخِرِ حَیَاتِهِ فِیْمَا یَتَعَلَّقُ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ ، وَالقَصْدُ وَاضِحٌ مِنْهُ r فِی المُخَالَفَةِ لأَهْلِ الْکِتَابِ فِی هَذِهِ الْعِبَادَةِ مَعَ الْإِتْیَانِ بِهَا، وَعَدَمِ تَرْکِ فَضِیْلَتِهَا ، وَذَلِکَ یَحْصُلُ بِأَحَدِ أَمْرَیْنِ:
الأَوَّلُ : إِمَّا بِإضَافَةِ یَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ یَوْمٍ بَعْدَهُ ، أَیْ صِیَامُ التَّاسِعِ مَعَ العَاشِرِ أَوْ العَاشِرِ مَعَ الحَادِی عَشَرَ .
الثَّانِی : وإِمَّا المُخَالَفَةُ لأَهْلِ الْکِتَابِ تَتَحَقَقُ بِنَقْلِ الْعَاشِرِ إِلَى التَّاسِعِ . وَالحَدِیثُ یَحْتَمِلُ الْأَمْرَیْنِ. فَتُوُفِّیَ رَسُولُ الله r قَبْلَ أَنْ یَتَبَیَّنَ لَنَا مُرَادُهُ .
وَالَّذِی یَبْدُو لِی عبر الأَدِلَةِ الماضِیَةِ وَالآتِیةِ أَنَّ الأمْرَ الثَّانِی هُو المقْصُودُ مِنْهُ r ، أیْ نَقْلُ عَاشُوراءَ إلى تَاسُوعَاء مِنْ غَیْرِ ضَمِّ یَوْمٍ إلیْهِ سَوَاءٌ کَانَ قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ ، وَإنْ کُنْتُ أحْتَرِمُ قَوْلَ أَصْحَابِ الرَّأیِ الأَوَّلِ، وَلَکِنَّ القَوْلَ الثَّانِی أَرَاهُ یَتَعَانَقُ مَعَ مَقَاصِدِ الشَّرِیْعَةِ مِنْ جِهَةٍ . وَهِیَ أَنْ یَکُونَ للأمَّةِ الإسْلامِیَّةِ - الَّتِی کَانَتْ تَتَکَوَّنُ فِی ذَلِکَ العَهْدِ - هَوِیَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَمُقَوِّمَاتٌ ذَاتِیَّةٌ ، تَمْتَازُ بِها عَنْ سَائِرِ أُمَمِ الأرْضِ ، فَتَجْعَلُ نَفْسَهَا مَتْبُوعَةً لا تَابِعَةً ، وَقَائِدَةً لا مَقُودَةً ، وَإمَامَةً لا مُقَلِّدَةً وَلا إمَّعَةً ؛ لأَنَّ تَقْلِیدَ عَادَاتِ الأمَمِ الأخْرَى مِنْ غَیْرِ تَرَوٍ ، یُوْهِنُ القِوَى وَیُضْعِفُ الشَخْصِیَّةَ وَیُذِیْبُ الهَوِیَّةَ وَیَجْعَلُهُم عَالَةً عَلى غَیْرِهم .
وَهَذَا النَّقْلُ مِنَ العَاشِرِ الى التَّاسِعِ یُسْتَأنَسُ لَهُ بِحَدِیثِ أَبِی هُرَیْرَةَ r الَّذِی أَخْرَجَهُ البُخَارِیُّ عَنِ النَّبِیِّ r، قَالَ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ، یَوْمَ القِیَامَةِ بَیْدَ کُلِّ أُمَّةٍ أُوتُوا الکِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِینَا مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا الیَوْمُ الَّذِی اخْتَلَفُوا فِیهِ، فَغَدًا لِلْیَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى». وَهَذِهِ الاسْتِقْلالِیَّةُ إنَّمَا تَتَحَقَقُ بِإفْرَادِ یَوْمٍ خَاصٍّ لِلْمُسْلِمینَ وَلَیْسَ بِإضَافَةِ یَوْمٍ إلى یَوْمِ أَهْلِ الکِتَابِ .
وَمِنْ جِهَةٍ ثَانِیَّةٍ أَنَّ النَّقْلَ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقَاصِدِ، وَالْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ تَرْکُ الْأَسْبَابِ الَّتِی تَدْعُو إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ وَمُشَابَهَتِهِمْ بَاطِنًا، وَالنَّبِیُّ r سَنَّ لِأُمَّتِهِ تَرْکَ التَّشَبُّهِ بِهِمْ بِکُلِّ طَرِیقٍ وَقَالَ فِیْمَا أَخْرَجَهُ البَیْهَقِیُّ: « هَدْیُنَا مُخَالِفٌ لِهَدْیِهِمْ » .
وَمِنْ جِهَةٍ ثَالِثَةٍ وُرُودُ الأدِلَةِ الکَثِیرَةِ فِی الصِّحَاحِ السُّنَنِ وَالَّتِی تُبَیِّنُ - بِمَا لا یَدَعُ مَجَالاً لِلْشَکِ - أنَّ النَّبِیَّ r فِی بِدَایَةِ أَمْرِهِ کَانَ یُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الکِتَابِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِکَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالمُخَالَفَةِ التَّامَةِ لَهُم ، لا أنْ یُوافِقَهُم فِی بَعْضِ الأمُورِ وَیُخَالِفَهُم فِی أُخْرَى .
فَمَثَلاً : قَضِیَّةُ إسْدَالِ الشَّعْرِ الَّتِی کَانَ r یُحِبُّ مُوافَقَتَهُم فِیْهَا وَهِیَ مَشْهُورَةٌ عِنْدَهُم ، فَقَدْ ثَبَتَ فِی الصَّحِیحِ مِنْ حَدِیثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ الله عَنْهُمَا ، قَالَ: کَانَ أَهْلُ الْکِتَابِ یَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَکَانَ الْمُشْرِکُونَ یَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، وَکَانَ رَسُولُ اللهِ r یُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْکِتَابِ فِیمَا لَمْ یُؤْمَرْ بِهِ، فَسَدَلَ رَسُولُ اللهِ r نَاصِیَتَهُ، ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ .
فضلاً عن قَضِیَّةُ تَخْضِیْبِ الشَّیْبِ وَصَبْغِهِ ، فَالیَهُودُ وَالنَّصَارَى کَانُوا لا یَصْبِغُونَ وَلا یُخَضِبُونَ الشَّیْبَ ، وَکَانَ r یُحِبُ مُوَافَقَتَهُم ، فَکَانَ یَفْعَلُ کَمَا یَفْعَلُونَ ، وَلَکِنْ بَعْدَ ذَلِکَ حَثَّ أَصْحَابَهُ وَأَمَرَهُم بِتَغْیِیرِ الشَّیْبِ ؛ حَتَّى تَتَحَقَقَ المُخَالَفَةُ لأهْلِ الکِتَابِ ، فعَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ، یَبْلُغُ بِهِ النَّبِیَّ r قَالَ: «إِنَّ الْیَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا یَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ» .
وَعَنْهُ أَیْضَاً فِیْمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r : " غَیِّرُوا هَذَا الشَّیْبَ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْیَهُودِ، وَلَا بِالنَّصَارَى " ، وَعَنْ أَبِی رِمْثَةَ التَّمِیمِیِّ t ، قَالَ: " أَتَیْتُ النَّبِیَّ r مَعَ أَبِی، وَلَهُ لَمةٌ بِهَا رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ " ، وعَنْ أَبِی ذَرٍّ فِیْمَا أَخْرَجَهُ الترمذی ، عَنِ النَّبِیِّ r قَالَ: «إِنَّ أَحْسَنَ مَا غُیِّرَ بِهِ الشَّیْبُ الحِنَّاءُ وَالکَتَمُ» .
وَکَذَلِکَ قَضِیَّةُ الصَّلاةِ بِالنِّعَالِ فَالیَهُودُ لا یُصَلُّونَ فِی نِعَالِهم وَلا فِی خِفَافِهِم ، فَأمَرَ r أَصْحَابَهُ بِالمخَالَفَةِ. أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ یَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ، عَنْ أَبِیهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله r : «خَالِفُوا الْیَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا یُصَلُّونَ فِی نِعَالِهِمْ، وَلَا خِفَافِهِمْ» .
وَأخَرَجَ ابنُ أَبِی شَیْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِی لَیْلَى ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ الله r فِی نَعْلَیْهِ، فَصَلَّى النَّاسُ فِی نِعَالِهِمْ، فَخَلَعَ فَخَلَعُوا، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: «مَنْ شَاءَ أَنْ یُصَلِّیَ فِی نَعْلَیْهِ فَلْیُصَلِّ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ یَخْلَعَ فَلْیَخْلَعْ» . وَالأدِلَةُ فِی هَذَا البَابِ کَثِیرَةٌ ، أَکْتَفِی بِهَذِهِ الأمْثِلَةِ الثَّلاثَةِ .
فَبَعْدَ نَقْضِ الیَهُودِ لِلْعُهُودِ وَالموَاثِیقِ أَحَبَّ r مُخَالَفَتَهُم فِی العَادَاتِ وَالعِبَادَاتِ وَفِی کُلِّ شَیءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّینِ وَالدُّنْیَا، فَفِی العَادَاتِ نَهَى عَنِ التَّشَبُهِ بِهِم فَبَدَأَ یَفْرُقُ شَعْرَهُ بَعْدَ أَنْ کَانَ یُسْدِلَهُ ، وَأَصْبَحَ یُخَضِبُ لِحیتَهُ بِالحِنَاءِ وَالصُفْرَةِ بَعْدَ أَنْ کَانَ لا یُخَضِبُ وَلا یَصْبُغُ ، وَصَارَ یُصَلّی بِنَعْلِهِ وَخُفِّهِ بَعْدَ أَنْ کَانَ لا یُصَلّی بِهِمَا . ثُمَّ لَمَّا قَهَرَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ الذِّمَّةِ وَصَارُوا تَحْتَ قَهْرِهِمْ وَحُکْمِهِمْ أَلْزَمَهُمْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عُمَرُ t بِتَرْکِ التَّشَبُّهِ بِالْمُسْلِمِینَ کَمَا أَمَرَ النَّبِیُّ r بِتَرْکِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ، وَنَهَاهُمْ عُمَرُ t أَنْ یَلْبَسُوا نِعَالَ الْمُسْلِمِینَ. فَلا یتشبه المسلمون بِهِمْ حتى فِی نِعَالِهِمْ، بَلْ تَکُونُ نِعَالُهُمْ مُخَالِفَةً لِنِعَالِ الْمُسْلِمِینَ ؛ لِیَحْصُلَ کَمَالُ التَّمْیِیزِ وَعَدَمُ الْمُشَابَهَةِ فِی الزِّیِّ الظَّاهِرِ، لِیَکُونَ ذَلِکَ أَبْعَدَ مِنَ الْمُشَابَهَةِ فِی الزِّیِّ الْبَاطِنِ .
وَفِی العِبَادَاتِ کَانَ r یَأمُرُ أَصْحَابَهُ رَضِی الله عَنْهُم بِمُخَالَفَةِ أَهْلِ الکِتَابِ وتَجَنُّبِ مُشَابَهَتِهِمْ فِی مُجَرَّدِ الصُّورَةِ کَالصَّلَاةِ وَالتَّطَوُّعِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا ، فَعَوَّضَنَا بِالتَّنَفُّلِ فِی وَقْتٍ لَا تَقَعُ الشُّبْهَةُ بِهِمْ فِیهِ. وَأنْ نُضِیفَ إلى العِبَادَةِ شَیْئاً إذَا کَانَتْ مُشْتَرَکَةً بَیْنَ المسْلِمینَ وَأَهْلِ الکِتَابِ ، أوْ أَنْ نَنْقُلَهَا إلى یَوْمٍ آخَرَ ، فَالیَهُودُ کَانُوا یُعَظِمُونَ عَاشُوْرَاءَ ، وَصَوْمُ یَوْمِ عَاشُورَاءَ لَا یُمْکِنُ التَّعْوِیضُ عَنْهُ بِغَیْرِهِ لِفَوَاتِ غَیْرِ ذَلِکَ الْیَوْمِ ، فَهَمَّ النَّبِیُّ r بِصَوْمِ التَّاسِعِ حَتَّى تَتَحَقَقَ المخَالَفَةُ وتَزُولَ صُورَةُ الْمُشَابَهَةِ .
بَقِیَتْ لَدَیْنَا بَعْضُ الأثَارِ الَّتِی ظَاهِرُهَا الفَرَضِیةُ لِصَوْمِ عَاشُوْرَاءَ وَعَدَمِ تَرْکِهِ ، فَهَذِهِ مَحْمولَةٌ عَلَى الاسْتِحْبَابِ؛ لأَنَّ الصَّحَابَةَ کَانُوا أَشَدَّ النَّاسِ تَمَسُّکَاً بِسُنَّةِ المصْطَفَى r ، فَلَمْ یَکُونُوا لِیَدَعُوا أَمْرَاً کَانَ مَفْرُوضَاً ثُمَّ نُسِخَ فَرْضُهُ وَبَقِیَ اسْتِحْبَابُهُ ، بَلْ کَانُوا یَتَشَبَثُونَ بِهِ ؛ لأنَّهُم یُحبِونَ مَعَالِی الأمُورِ وَیَکْرَهُونَ سَفَاسِفِهَا ، وَمِنْ هَذِهِ الآثَارِ :
* عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمْ یَکُنِ ابْنُ عُمَرَ رَضِیَ اللهُ عَنْهُ «یَصُومُ یَوْمَ عَاشُوْرَاء إِذَا کَانَ مُسَافِرًا، فَإِذَا کَانَ مُقِیمًا صَامَهُ» .
* أخرج مَالِکٌ فِی کِتَابِ الصِّیَامِ ؛ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِیَ اللهُ عَنْهُ ، أَرْسَلَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: أَنَّ غَداً یَوْمُ عَاشُوْرَاء، فَصُمْ وَأْمُرْ أَهْلَکَ أَنْ یَصُومُوا .
* عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ یَزِیدَ قَالَ: «مَا رَأَیْتُ أَحَدًا کَانَ آمَرَ بِصَوْمِ یَوْمِ عَاشُوْرَاء مِنْ عَلِیّ وَأَبِی مُوسَى» .
* عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ یَزِیدَ أیضا قَالَ: سَأَلْتُ عُبَیْدَ بْنَ عُمَیْرٍ عَنْ صَوْمِ، عَاشُوْرَاء، فَقَالَ: " إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرُ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّ فِیهِ یَوْمَ عَاشُوْرَاء، أَذْنَبَ فِیهِ قَوْمٌ ذَنْبًا عَظِیمًا، فَتَابُوا فِیهِ فَکَانَ یُسَمَّى یَوْمَ التَّوْبَةِ قَالَ: فَلَا یَمُرَّنَّ عَلَیْکَ إِلَّا صُمْتَهُ " .
الخُلاصَةُ :
کانت المرْحَلَةَ الرَّابِعَةَ وَالأخِیرَةِ لِصِیامِ عَاشُوْرَاءَ بَعْدَ فَتْحِ مَکَةَ وَالى الوَفَاةِ ، وَاسْتَقَرَّ الحُکْمُ فِیْهَا عَلى تَأکِیدِ الاسْتِحْبَابِ ، إمَّا بِإضَافَةِ یَوْمٍ قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ حَتَّى تَتَحَقَقَ المُخَالَفَةُ لأهْلِ الکِتَابِ، وَإمَّا بِنَقْلِ عَاشُوْرَاءَ إلى الیَوْمِ التَّاسِعِ ، وَهَذَا الَّذِی أُرَجِّحُهُ لِلأدِلَةِ الماضِیةِ .
المبْحَثُ الثَّالِثُ
صِیامُ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ الفُقَهَاءِ
بَعْدَ أَنْ أَنْهَیْتُ الکَلامَ عَنْ صِیَامِ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ المحَدِّثِینَ ، وَتَوَصَلْتُ إلى نَتِیْجَةٍ – أَعْتَقِدُ أَنَّهَا نَتِیْجَةٌ جَامِعَةٌ – إذ اسْتَطَعْتُ بِتَقْسِیمی لِعَاشُوْرَاءَ إلى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ ، أَنْ أَجْمَعَ بَیْنَ کلها الأحَادِیثِ وَالآثَارِ الَّتِی ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ فِی خَطٍّ مُسْتَقِیمٍ وَاحِدٍ مِنْ غَیْرِ تَنَاقُضٍ وَلا تَضَادٍ ، مَعَ فَهْمِ الفَتْرَةِ الزَّمَنِیةِ الَّتِی مَرَّ بِهَا الصِّیَامُ ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ الله (سبحانه وتعالى) عَلیَّ وَنِعْمَتِهِ إذ لم أَجِدْ فِی کُتُبِ السَّابِقینَ مَنْ ذَکَرَ هَذَا التَّقْسِیمَ لا مِنَ المحَدِّثِینَ وَلا مِنَ الفُقَهَاءِ .
وَالآنَ آنَ الأوَانُ لِثَنْیِ الکَلامِ عَنْ عَاشُوْرَاءَ وَبَسْطِهِ عِنْدَ الفُقَهَاءِ مِنَ المذَاهِبِ الأرْبَعَةِ المشْهُورَةِ ؛ لأنَّ الفِقْهَ الإسْلامِیَّ یعد تَرِکَةً کُبْرَى لابُدَّ لِلْمُحَدِّثِ أَنْ یَغُوصَ فِی أَعْمَاقِهِ ، وَیَطَّلِعَ عَلَى خَبَایَاهُ ، وَیُنَقِّبُ فِی زَوَایَاهُ دُوْنَ تَعَصُّبٍ لِرَأیٍ أوْ تَقْلِیدٍ لِمذْهَبٍ ، مَعَ تَرْجِیحِ الرَّأیِ الأَقْرَبِ إلى رُوحِ النَّصِ الَّذِی یَتَعَانَقُ مَعَ مَقَاصِدِ الشَّرِیْعَةِ، وِفْقَاً لمعَایِیرِ التَّرْجِیحِ العِلْمِیِّ بَعْدَ البَحْثِ وَاسْتِفْرَاغِ الوِسْعِ ؛ لأنَّنِی أعْتَقَدُ بِأنَّ أقْوَالَ الفُقَهَاءِ القُدَامَى رَحِمهُم الله (سبحانه وتعالى) هِیَ بِمَثَابَةِ المنَارَاتِ الَّتِی تَهْدِی البَاحِثینَ وَتُضِیءُ لهُم السُبُلَ ، وَهِیَ لَیْسَتْ أغْلالاً تُقَیِّدُ حَرَکَتَهُم وَتُکَبِلُ تَفْکِیرَهُم ، وَکَالعَادَةِ نَبْدَأُ بِأَقْدَمِ المذَاهِبِ وُجُودَاً وَتَدْوِیْنَاً وَهُو المذْهَبُ الحَنَفِیُّ ، ثُمَّ المالِکیُّ وَبَعْدَهُ الشَّافِعیُّ ثُمَّ الحَنْبَلیُّ ، لِنَرَى حُکْمَ صِیَامِ التَّاسِعِ مِنْ مُحرَّمٍ وَکَذَا العَاشِرِ عِنْدَهُم، وَهَذَا یَجْعَلُنَا نُلْقِی الضَوْءَ عَلى صِیَامِ عَاشُوْرَاءَ مِنْ ناحیتین اثْنَتَیْنِ مِنْ غَیْرِ نَقْصٍ وَلا شُذُوذٍ . وَمِنْ جِهَةٍ ثَانِیةٍ لِنَتَعَرَّفَ عَلى عُمْقِ تَفْکِیرِ الفُقَهَاءِ فِی المسألَةِ المبْحُوثِ عَنْهَا ، وَیعکس هَذَا بِدَوْرِهِ الثِّقَةَ وَیُعَمِّقُ الیَقِینَ فِی نُفُوسِنَا تِجَاهَ فُقَهَائِنَا رَحِمَهُم اللهُ تَعَالى .
وَقَدْ قَسَّمْتُ هَذَا المبْحَثَ إلى أرْبَعَةِ مَطَالِبَ :
المطْلَبُ الأوَّلُ : حُکْمُ صَوْمِ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ الحَنَفِیَّةِ .
المطْلَبُ الثَّانِی : حُکْمُ صَوْمِ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ المالِکِیَّةِ .
المطْلَبُ الثَّالثُ : حُکْمُ صَوْمِ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ الشَّافِعِیَّةِ .
المطْلَبُ الرَّابِعُ : حُکْمُ صَوْمِ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ الحَنَابِلَةِ .
المطْلَبُ الأوَّلُ
حُکْمُ صَوْمِ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ الحَنَفِیَّةِ
بَعْدَ البَحْثِ الطَّوِیْلِ فِی کُتُبِ الأقْدَمِینَ مِنْ فُقَهَاءِ الحَنَفِیةِ وَکَذَا المُحْدَثِینَ مِنْهُم وَالمحَقِّقِینَ ، تَوَصَلْتُ إلى نُصُوصٍ عدیدة مَفَادُهَا أَنَّ صَوْمَ عَاشُوْرَاءَ مُسْتَحَبٌّ إذَا أُضِیفَ إلیهِ یَوْمٌ قَبْلَهُ أَوْ یَوْمٌ بَعْدَهُ ، بِنَاءً عَلى أَنَّهُ کَانَ فَرْضَاً ثُمَّ نُسِخَ بِرَمَضَانَ فَبَقِیَ الاسْتِحْبَابُ . قَالَ السَّرَخْسِیُّ : (وَصَوْمُ یَوْمِ عَاشُوْرَاء فِی ذَلِکَ الْوَقْتِ کَانَ فَرْضًا ثُمَّ صَارَ مَنْسُوخًا ) . وَیُوَضِحُ الشَّلَبِیُّ فِی حَاشِیَتِهِ عَلى تَبْیِینِ الحَقَائِقِ مَعْنَى النَسْخِ بِقَوْلِهِ : (فَالنَّسْخُ تَصَرُّفٌ فِی الْمَشْرُوعِ بِالرَّفْعِ أَوْ الِانْتِهَاءُ أَوْ بِعَدَمِ فِعْلِ الْعَبْدِ ، بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ یَبْقَ مَشْرُوعًا وَلَا صُنْع لِلْعَبِدِ فِی الشَّرْعِ ...وَقَدْ یُوجَدُ النَّسْخُ وَلَا نَهْیَ کَصَوْمِ یَوْمِ عَاشُوْرَاء انْتَسَخَ وُجُوبُهُ وَبَقِیَ نَدْبُهُ ).
أَمَّا الطَّحَاوِیُّ فَإنَّهُ یَسْرُدُ فِی مَعَانِی الآثَارِ آثَارَاً کَثِیرَةً عَنِ النَّبِیِّ r وَعَنْ أَصْحَابِهِ تُبَیِّنُ أَنَّ صَوْمَ عَاشُوْرَاءَ قَدْ رُدَّ إلى التَّطوعِ بَعْدَ أَنْ کَانَ فَرْضَاً . قَالَ الطَّحَاوِیُّ : (فَفِی هَذِهِ الْآثَارِ نَسْخُ وُجُوبِ صَوْمِ یَوْمِ عَاشُوْرَاء , وَدَلِیلُ أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ رُدَّ إِلَى التَّطَوُّعِ , بَعْدَ أَنْ کَانَ فَرْضًا) . وَیَقُولُ فِی مَوْضِعٍ آخَرَ : (فَقَدْ ثَبَتَ نَسْخُ صَوْمِ یَوْمِ عَاشُوْرَاء الَّذِی کَانَ فَرْضًا , وَأَمَرَ بِذَلِکَ عَلَى الِاخْتِیَارِ , وَأَخْبَرَ بِمَا فِی ذَلِکَ مِنَ الثَّوَابِ فَصَوْمُهُ حَسَنٌ ) . وَأَمَّا الکَاسَانی فَیُوَضِحُ أَنَّ الفَضْلَ إذَا نُسِخَ رُدَّ إلى الکَرَاهَةِ بِخِلافِ عَاشُوْرَاءَ الَّذِی هُو فَرْضٌ فَیَبْقَى بَعْدَ النَّسْخِ قُرْبَةً ، فَیَقُولُ : ( وَالْعَقِیقَةُ کَانَتْ قَبْلَ الْأُضْحِیَةِ فَصَارَتْ مَنْسُوخَةً بِهَا کَالْعَتِیرَةِ ، وَالْعَقِیقَةُ مَا کَانَتْ قَبْلَهَا فَرْضًا بَلْ کَانَتْ فَضْلًا، وَلَیْسَ بَعْدَ نَسْخِ الْفَضْلِ إلَّا الْکَرَاهَةُ ، بِخِلَافِ صَوْمِ عَاشُوْرَاءَ وَبَعْضِ الصَّدَقَاتِ الْمَنْسُوخَةِ حَیْثُ لَا یُکْرَهُ التَّنَفُّلُ بِهَا بَعْدَ النَّسْخِ ؛ لِأَنَّ ذَلِکَ کَانَ فَرْضًا ، وَانْتِسَاخُ الْفَرْضِیَّةِ لَا یُخْرِجُهُ عَنْ کَوْنِهِ قُرْبَةً فِی نَفْسِهِ ) .
أَمَّا إفْرَادُ عَاشُوْرَاءَ بِالصِّیَامِ عِنْدَ الحَنَفِیةِ مِنْ غَیْرِ أَنْ یَضُمَّ الصَّائِمُ إلیهِ یَوْمَاً قَبْلَهُ أَوْ یَوْمَاً بَعْدَهُ فَمَکْرُوهٌ تَنْزِیْهَاً ؛ لأنَّ فِیهِ تَشَبُهَاً بِالیَهُودِ ، وَالنَّبِیُّ r أَمَرَنَا بِمُخَالَفَتِهم ، وَنَهانَا عَنْ مُشَابَهَتِهم .
قَالَ السَّمَرْقَنْدِیُّ : (وَکَذَا صَوْمُ یَوْمِ عَاشُوْرَاءَ مُفرداً مَکْرُوهٌ عِنْد بعضِ أَصْحَابنَا ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُهٌ بِالیَهُودِ) . وَقَالَ الکَاسَانِیُّ : ( وَکَرِهَ بَعْضُهُمْ صَوْمَ یَوْمِ عَاشُورَاءَ وَحْدَهُ ؛ لِمَکَانِ التَّشَبُّهِ بِالْیَهُودِ ، وَلَمْ یَکْرَهْهُ عَامَّتُهُمْ) . وَقَالَ صَاحِبُ المحیطِ البُرهَانیِّ : (وَکَانُوا یَسْتَحْسِنُونَ أَنْ یَصُومُوا قَبْلَ عَاشُورَاءَ وَبَعْدَهُ خِلافَ أَهْلِ الکِتَابِ) . وَقَالَ الزَّیْلَعِیُّ : ( وَیُسْتَحَبُّ أَنْ یَصُومَ قَبْلَهُ یَوْمًا وَبَعْدَهُ یَوْمًا ، فَإِنْ أَفْرَدَهُ فَهُوَ مَکْرُوهٌ ؛ لِلتَّشَبُّهِ بِالْیَهُودِ ). وَقَالَ ابنُ نُجَیْمٍ : (وَالْمَسْنُونُ عَاشُوْرَاء مَعَ التَّاسِعِ .. وَالْمَکْرُوهُ تَنْزِیهًا عَاشُوْرَاء مُفْرَدًا عَنْ التَّاسِعِ ) . وَقَال الطَّحَاوِیُّ : ( عَنْ عَامِرِ بْنِ لُدَیْنٍ الْأَشْعَرِیِّ , أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَیْرَةَ رَضِیَ اللهُ عَنْهُ عَنْ صِیَامِ یَوْمِ الْجُمُعَةِ , فَقَالَ: عَلَى الْخَبِیرِ وَقَعْتَ , سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r یَقُولُ: «إِنَّ یَوْمَ الْجُمُعَةِ عِیدُکُمْ , فَلَا تَجْعَلُوا یَوْمَ عِیدِکُمْ یَوْمَ صِیَامِکُمْ , إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ , أَوْ بَعْدَهُ» . فَکَمَا کُرِهَ أَنْ یُقْصَدَ إِلَى یَوْمِ الْجُمُعَةِ بِعَیْنِهِ بِصِیَامٍ إِلَّا أَنْ یُخْلَطَ بِیَوْمٍ قَبْلَهُ , أَوْ بِیَوْمٍ بَعْدَهُ , فَیَکُونُ قَدْ دَخَلَ فِی صِیَامٍ حَتَّى صَارَ مِنْهُ. وَکَذَلِکَ عِنْدَنَا سَائِرُ الْأَیَّامِ لَا یَنْبَغِی أَنْ یَقْصِدَ إِلَى صَوْمِ یَوْمٍ مِنْهَا بِعَیْنِهِ , کَمَا لَا یَنْبَغِی أَنْ یَقْصِدَ إِلَى صَوْمِ یَوْمِ عَاشُورَاءَ , أَوْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَعْیَانِهِمَا. وَلَکِنْ یَقْصِدُ إِلَى الصِّیَامِ فِی أَیِّ الْأَیَّامِ کَانَ. وَإِنَّمَا أُرِیدَ بِمَا ذَکَرْنَا مِنَ الْکَرَاهَةِ الَّتِی وَصَفْنَا , التَّفْرِقَةُ بَیْنَ شَهْرِ رَمَضَانَ , وَبَیْنَ سَائِرِ مَا یَصُومُ النَّاسُ غَیْرَهُ؛ لِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مَقْصُودٌ بِصَوْمِهِ إِلَى شَهْرٍ بِعَیْنِهِ ؛ لِأَنَّ فَرِیضَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ صَوْمُهُمْ إِیَّاهُ بِعَیْنِهِ إِلَّا مَنْ عُذِرَ مِنْهُمْ بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ, وَغَیْرُهُ مِنَ الشُّهُورِ لَیْسَ کَذَلِکَ ) .
وَقَالَ خَاتِمةُ المُحَقِقینَ ابنُ عَابِدینَ : (وَیُسْتَحَبُّ أَنْ یَصُومَ یَوْمَ عَاشُورَاءَ بِصَوْمِ یَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ یَوْمٍ بَعْدَهُ ؛ لِیَکُونَ مُخَالِفًا لِأَهْلِ الْکِتَابِ) .
وَهَذَا القَوْلُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ الحَنَفِیةُ عَنْ الأئِمَّةِ الثَّلاثَةِ کَمَا سَیَأتِی ، وَالَّذِی یَبْدُو لِی أَنَّهُ رَأیٌ مَرْجُوحٌ لِما تَقَدَّمَ مِنْ أَدِلَةٍ فِی المبْحَثِ الثَّانِی.
وَالخُلاصَةُ : یصرح الْحَنَفِیَّةَ بِکَرَاهَةِ صَوْمِ یَوْمِ عَاشُوْرَاءَ مُنْفَرِدًا عَنِ التَّاسِعِ، أَوْ عَنِ الْحَادِیَ عَشَرَ کَرَاهَةً تَنْزِیْهِیَةً ؛ لِلْتَشَبُهِ بِالیَهُودِ ، فَإنْ ضُمَّ إلیهِ یَوْمٌ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَمُسْتَحَبٌ.
المطْلَبُ الثَّانِی
حُکْمُ صَوْمِ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ المالِکیةِ
ذَهَبَ المالِکیةُ إلى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ یَوْمِ عَاشُوْرَاءَ ، وَأَنَّهُ مُرَغَبٌ فِیهِ ، بَلْ لا یُکْرَهُ إفْرَادُهُ ، وَکَذَا صَوْمُ تَاسُوعَاءَ عِنْدَهُم مُسْتَحَبٌ ، جَاءَ فِی النَوَادِرِ والزِّیاداتِ : ( قَالَ أَشْهَبُ: وَصِیامُ یَوْمِ عَاشُوراءَ مُسْتَحَبٌّ، لِمِا یُرْجَى مِنْ ثَوابِ ذَلِکَ ، وَلَیْسَ بِوَاجِبٍ) . وَقَالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (وَصِیامُ عَاشُوْرَاءَ مَرْغُوبٌ فِیهِ مَنْدُوبٌ إلیهِ). وَقَالَ القَرَافِی : (فَإِنَّ صَوْمَ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ مَالکٍ مُسْتَحبٌّ) . وَقَالَ ابنُ جُزَی الکَلْبِی: (وَالسُّنَّةُ صِیَامُ یَوْمِ عَاشُوْرَاءَ وَهُوَ عَاشِرُ الْمحَرَّمِ وَقیلَ التَّاسِع ).
وفی مِنَحِ الجَلیلِ لابنِ عُلیشٍ المالِکی: ((وَ) نُدِبَ صَوْمُ (عَاشُوْرَاءَ) أَیْ: عَاشِرِ الْمُحَرَّمِ (وَ) نُدِبَ صَوْمُ (تَاسُوعَاءَ) أَیْ: تَاسِعِ الْمُحَرَّمِ بِالْمَدِّ فِیهِمَا ). وَفِی مَوْضِعٍ آخرَ قَالَ ابنُ عُلیشٍ : (إنَّ صِیَامَ یَوْمِ عَاشُوْرَاءَ وَیَوْمِ تَاسُوعَاءَ مُسْتَحَبٌّ ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ عَاشُوْرَاء؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ تَاسُوعَاءَ ؛ لِأَنَّهُ یُکَفِّرُ سَنَةً) .
بَلْ کَانَ ابنُ شِهَابٍ یَصُومُهُ فِی السَّفَرِ وَیَأمُرُ بِفِطْرِ رَمَضَانَ، فَقِیلَ لَهُ فِی ذَلِکَ فَقَالَ: رَمَضَانُ فِیهِ عِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَر، وَهَذَا یَفُوتُ . ویقسم ابنُ رُشْدٍ الأیَّامَ المنْدُوبَ فِیْهَا الصِّیامُ إلى أَقْسَامٍ عَدِیدةٍ وَیَجعَلُ صِیامَ عَاشُوْرَاءَ مِنْ قِسْمِ المرَغَبِ فِیهِ المتَّفَقِ عَلِیهِ .
قَالَ ابنُ رُشْدٍ : (فَأَمَّا الْأَیَّامُ الَّتِی یَقَعُ فِیهَا الصَّوْمُ الْمَنْدُوبُ إِلَیْهِ وَهُوَ الرُّکْنُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَیَّامٌ مُرَغَّبٌ فِیهَا، وَأَیَّامٌ مَنْهِیٌّ عَنْهَا، وَأَیَّامٌ مَسْکُوتٌ عَنْهَا. وَمِنْ هَذِهِ مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِیهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَیْهِ ، أَمَّا الْمُرَغَّبُ فِیهِ الْمُتَّفَقُ عَلَیْهِ: فَصِیَامُ یَوْمِ عَاشُوْرَاء).
وَالخُلاصَةُ : یَتَبَیَّنُ أَنَّ صَوْمَ یَوْمِ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ المالِکیةِ مُسْتَحَبٌّ وَلا یُکْرَهُ إفْرَادُهُ ، وَکَذَا یُسْتَحَبُ صَوْمُ تَاسُوعَاءَ .
المطْلَبُ الثَّالِثُ
حُکْمُ صَوْمِ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ الشَّافِعیةِ
بَعْدَ مُطَالَعَةِ کُتُبِ المذْهَبِ الشَّافِعِیِّ وَجَدْتُهم یُصَرِّحُونَ بِسُنِّیةِ صَوْمِ عَاشُوْرَاءَ وَأَنَّهُ لم یَزَلْ مَسْنُونَاً حَتَّى بَعْدَ النَّسْخِ وَکَذَا یُسْتَحَبُ صَوْمُ تَاسُوعَاءَ ، قَالَ الشِیْرَازِیُّ : ( وَیُسْتَحَبُ صَوْمُ یَوْمِ عَاشُوْرَاءَ لِحدیثِ أَبی قتَادَةَ ، وَیُسْتَحَبُ أَنْ یَصُومَ تَاسُوعَاءَ لما رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله r : لَئِنْ بَقِیتُ إلى قَابِلٍ - یَعْنِی یَوْمَ عَاشُوْرَاءَ - لأصُومَنَّ الیَوْمَ التَّاسِعَ ) . وَقَالَ أبُو الحُسینِ یَحیى بنُ أبی الخَیرِ: ( وَیُسْتَحَبُ أَنْ یَصُومَ الیَوْمَ التَّاسِعَ مِنْ المحَرَّمِ ؛ لما رُوِیَ: أَنَّ النَّبِیَّ r قَالَ: «صُومُوا التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ، وَلا تَتَشَبَّهوا بِالیَهُودِ » . وَقَالَ النَّوَوِیُّ فِی المجْمُوعِ: (وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَیْرُهُم عَلى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ عَاشُورَا وَتَاسُوعَا .. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ الْیَوْمُ لَیْسَ بِوَاجِبٍ ، وَأَنَّهُ سُنَّةٌ ) .
وَقَالَ فِی مَوْضِعٍ آخَرَ : (لَوْ کَانَ عَاشُورَاءُ وَاجِبًا فَقَدْ نُسِخَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أنه لیس بواجب وإذا نسخ حکم شئ لَمْ یَجُزْ أَنْ یُلْحَقَ بِهِ غَیْرُهُ) .
وَقَالَ شَیْخُ الإسْلامِ زَکَرِیا الأنْصَارِیُّ: ((وَ) یُسْتَحَبُّ (صَوْمُ عَاشُوْرَاء) وَهُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ (مَعَ تَاسُوعَاءَ) وَهُوَ تَاسِعُهُ ) .
وَالخُلاصَةُ : یُسَنُّ صَوْمُ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ الشَّافِعیةِ ، وَکَذَا یُسْتَحَبُ صَوْمُ یَوْمِ تَاسُوعَاءَ ، وَلا یُکْرَهُ إفْرَادُ عَاشُوْرَاءَ بِالصِیَامِ .
المطْلَبُ الرَّابِعُ
حُکْمُ صَوْمِ عَاشُوْرَاءَ عِنْدَ الحَنَابِلَةِ
وذهب الحنابلة إلى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ عَاشُوْرَاءَ کَالمالِکیةِ وَالشَّافِعیةِ وَلا کَرَاهَةَ فِی إفْرَادِهِ ، وَذَهَبُوا إلى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ التَّاسِعِ أَیْضَاً . قَالَ ابنُ قُدَامَةَ : (فَإِنَّهُ یُسْتَحَبُّ صَوْمُ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ لِذَلِکَ. نَصَّ عَلَیْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ ). وَقَالَ المرْدَاوِیُّ : (لَا یُکْرَهُ إفْرَادُ الْعَاشِرِ بِالصِّیَامِ عَلَى الصَّحِیحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ أَمَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِصَوْمِهَا). وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحمَّدٍ العَاصِمِیُّ : (وَأَجْمَعُوا عَلى سُنِّیةِ صِیَامِ عَاشُوْرَاءَ، وَأنَّهُ لَیْسَ بِوَاجِبٍ ، وَقَالَ القَاضِی: حَصَلَ الإجْمَاعُ عَلى أَنَّهُ لَیْسَ بِفَرْضٍ، وَإنَّمَا هُو مُسْتَحَبٌ ، وَعَنْ أَحْمَدَ: وَجَبَ ثُمَّ نُسِخَ ، اخْتَارَهُ الموَفَقُ وَالشَّارِحُ وَالشَّیْخُ وَغَیْرُهم، وِفَاقَاً لأبی حَنِیْفَةَ، وَبَقِیَ اسْتِحْبَابُهُ إجْمَاعَاً، وَالأخْبَارُ فِیهِ مُسْتَفِیْضَةٌ، أَوْ مُتَوَاتِرَةٌ) .
وَالخُلاصَةُ : صَوْمُ عَاشُوْرَاءَ مُسْتَحَبٌ عِنْدَ الحَنَابِلَةِ وَکذَا تَاسُوعَاءَ ، وَلا یُکْرَهُ إفْرَادُهُ .
هَذِهِ هِیَ خُلاصَةُ أَقْوَالِ الفُقَهَاءِ مِنَ المذَاهِبِ الأرْبَعَةِ رَحِمهُم اللهُ (سبحانه وتعالى) جَمِیعَاً فِی صَوْمِ تَاسُوعَاءَ وَعَاشُورَاءَ مِنْ المغنی لابن قدامة ،أبو محمد موفق الدین عبد الله بن قدامة المقدسی الحنبلی، (ت:620هـ) : 3/178 غَیرِ بَسْطٍ وَتَفْصِیلٍ وَتَطْویلٍ فِی الأقْوالِ وَالنُقُولاتِ ، وَلَکِنْ الَّذِی یَعْنِینَا فِی کُلِّ مَا سَبَقَ بَحْثُهُ عِنْدَ الفُقَهاءِ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ مُسْتَحَبٌ عِنْدَهُم ، فَإذَا أَضَفْنَا هَذِهِ النَتیجَةِ الفِقْهِیةِ إلى النَتِیجَةِ الحَدِیثیةِ الَّتِی تَوَصَلْنَا إلیْهَا فِی المبْحَثِ الثَّانی وَهِی أَنَّ الأصْلَ فِی صِیَامِهِ هُو تَحقِیقُ المخَالَفَةِ لأهْلِ الکِتَابِ ، عِنْدَئذٍ سَأزَاوجُ بینَ النَتِیجَتَینِ لجعْلِها نَتِیجةً وَاحِدَةً وَهِی : صَوْمُ التَّاسِعِ مِنْ مُحرَّمٍ مُسْتَحَبٌ ؛ لأنَّهُ هُو عَاشُورَاءَ بِعینِهِ ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوابِ .
وَمِنَ اللَّطَائِفِ فِی هَذَا البَحْثِ أَنَّنِی أَکْتُبُ هَذِهِ الکَلِمَاتِ الأَخِیرَةِ وَأَنَا فِی یَوْمِ تَاسُوعَاءَ لِلْعَامِ 1434هـ ، نَسْألُ اللهَ تَعَالى التَّوْفِیقَ وَالسَّدَادَ وَالقَبُولَ فِی القَوْلِ وَالعَمَلِ .
الخاتمة والنتائج
بَعْدَ هَذِهِ الجَوْلَةِ فِی بُطُونِ الکُتُبِ وَمُحَاوَلَةِ الاقْتِبَاسِ مِنْهَا ثُمَّ تَحْلِیْلِهَا وَمُنَاقَشَتِهَا ، یَتَبَیَّنُ لی مَا یأتی:
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
1. The Antiquities, Abu Yusef Yacoub Ibn Ibrahim Al-Ansari (deceased: 182 e), Investigator: Abu Al-Wafa, Dar al-Kut al-Salloumi - Beirut, no date.
2. The news of Mecca and its implications, Abu al-Walid Muhammad ibn Abdullah al-Azraq al-Ghassani al-Makki known as Azraqi (T: 250 e), Investigator: Rushdi Saleh Malhas, Dar al-Andalus Publishing - Beirut.
3. The lion of the forest, Abu Hassan Ali ibn Abi al-Karam Muhammad ibn Muhammad al-Jazri, Ibn al-Atheer (6306 AH), Dar al-Fikr - Beirut - 1989
4. Asani demands to explain the student's head, Zakaria bin Mohammed bin Zakaria al-Ansari, (deceased: 926 e), the Islamic Book House, without a edition and without a date.
5. Correcting the mistake of the modernists, Abu Sulaiman Hamad bin Muhammad bin al-Khattab al-Basti, known as khutabi (v. 388). Mohammed Ali Abdul Karim Al-Ridini, Dar Al-Maamoon Heritage - Damascus, 1, 1407 e.
6. The fairness in the knowledge of the most correct of the dispute, Alaeddin Abul Hassan Ali al-Mardawi (v. 885 e) House of Revival of the Arab heritage, edition: the second - without a date.
7 - Explanation of the devices in the tail on the disclosure of suspicions, Ismail bin Mohammed Amin bin Mir Salim Babani Baghdadi (1399 e) was corrected by Mohammed Sharaf al - Din Baltqaya, and teacher Refa Bilka Alklisi, the House of Revival of Arab heritage, Beirut - Lebanon.
8. The beautiful sea explained the treasure of minutes, Zinedine ibn Ibrahim ibn Muhammad, known as Ibn Najim al-Masri (T: 970 e) Dar al-Kitab al-Islami, edition: second / without date.
9. The beginning of the diligent and the end of the frugal, Abu Al-Walid Muhammad bin Ahmed bin Rashid Al-Qurtubi famous Ibn Rushd grandson (d: 595 e) Dar al-Hadith - Cairo, 2004.
10. Bada'id al-Sanayeh in the order of the laws, Alaa al-Din, Abu Bakr bin Masood bin Ahmad al-Kasani Hanafi (d: 587 e) House of scientific books, 2 - 1986.
11. Bada'id al-'Uweed, Muhammad ibn Abi Bakr Ibn Qayyim al-Jawziyyah (d. 751), Dar al-Kitab al-Arabi, Beirut, without a date.
12. The statement in the doctrine of Imam Shafi'i, Abu al-Husayn Yahya bin Abi al-Khair bin Salim al-Omrani Yemeni Shafi'i (deceased: 558 e) Investigator: Qasim Muhammad al-Nouri, Publisher: Dar Al-Manhaj - Jeddah,
13. The Crown of the Bride by Jawaher al-Majawl, Muhammad ibn Muhammad ibn Abd al-Razzaq al-Husseini, Abu al-Fayd, alias al-Zubaidi (p. 1205), the investigator: a group of investigators. No history.
14. The History of Baghdad, Abu Bakr Ahmad bin Ali bin Thabit al-Khatib al-Baghdadi (d. 463 e), Investigator: Dr. Bashar Awwad Maarouf, Dar al-Gharb al-Islami - Beirut, edition: First, 1422.
15. Explanation of the facts Explanation of the treasure of minutes and the front of the Chalabi, Othman bin Ali bin Mahjeen Al-Bara'i, Fakhr al-Din al-Zilai Hanafi (d. 743 e) Footnote: Shahabuddeen Ahmed bin Mohammed Shalabi (deceased: 1021 e) Printing Press Amiri - Cairo 1, 1313 e.
16. Editing the words of the alarm, Abu Zakaria Mahi Eddin Yahya bin Sharaf al-Nawawi (T: 676 e) Investigator: Abdul Ghani Aldkir, Dar Al-Qalam - Damascus, I 1 year 1408 e.
17. Masterpiece of the fuqaha ', Muhammad ibn Ahmad Alaa al-Din al-Samarqandi (c: 540 AH). Dar Al Kuttab Al-Alami, Beirut, 1992
18. Correction of editing and editing distortion, Salah al-Din Khalil bin Aibek Safadi (d: 764 e) achieved and commented on and the manufacture of indexes: Mr. Cherkaoui, the library of the Khanji - Cairo, I -1 1987.
19. Interpretation of the Holy Quran (interpretation of Al-Manar), Mohammed Rashid bin Ali Reza Al-Qalamouni al-Husseini (d. 1354 e), the Egyptian General Book Organization, without edition: 1990.
20. Interpretation of the Great Quraan, Abu al-Fidaa Isma'il ibn 'Umar ibn Katheer al-Dimashqi (v. 774). Investigator: Muhammad Hussain Shams al-Din, Dar al-Kut al-Salloumi, Beirut 1-1419 AH.
21. The refining of the monuments and the detail of the constant on the Messenger of Allah from the news, Mohammed bin Jarir bin Yazid bin Katheer bin Ghalib Amali, Abu Jaafar al-Tabari (310: e), Investigator: Mahmoud Mohammed Shaker, Civil Press - Cairo, without a date. .
22. The Language Reform, Mohammed bin Ahmed bin Al-Azhari Al-Harawi, Abu Mansoor (370: e), Investigator: Mohamed Awad Marab, Dar Al-Arabiya Arab Heritage, Beirut, First Edition, 2001.
23. The Great Mosque - Sunan al-Tirmidhi, Muhammad ibn Isa ibn Surah Ibn Musa al-Dahhak, al-Tirmidhi, Abu Issa (d. 279), the investigator: Bashar Awwad Marouf, Dar al-Gharb al-Islami, Beirut 1998.
24. Al-Musnad Al-Muqnad Al-Maqnad Al-Muqtada from the things of the Messenger of Allah Sunnah and its days = Saheeh Al-Bukhari, Muhammad bin Isma'il Abu Abdullah Al-Bukhari Al-Jaafi, Investigator: Muhammad Zuhair Bin Nasser. Edition: First, 1422 e
25. Jamhara of the Language, Abu Bakr Muhammad bin al-Hasan bin Duraid al-Azdi (321), Investigator: Ramzi Munir Baalbaki, Dar al-Ilm for millions - Beirut, edition: First, 1987.
26. The footnote of the narrated by al-Rawd al-Murabah, explained by al-Mustaqna'a, 'Abd al-Rahman ibn Muhammad al-'Asami al-Hanbali (d. 1392 AH) without publisher, i.
27. Rulers of the Rulers Explanation of Gharr Al-Hakam, Muhammad ibn Faramars Ibn Ali, known as Mullah - or Manla or Al-Mawla - Khosro (v. 885 AH), Arabic Books Revival House.
28. The Constitution of Ulama = The Mosque of Science in the Conventions of the Arts, by Judge Abdul-Nabi Ibn Abdul-Rasul Al-Ahmad Niki,
29. Ammunition, Abu al-Abbas Shihab al-Din Ahmad al-Maliki famous al-Qarafi (d: 684 e) Investigator: Mohammed Hajji and Said Aarab and Muhammad Bou Khubza, Dar al-Gharb al-Islami - Beirut, 1, 1994.
30. The response of al-Muhtar to al-Durr al-Mukhtar, Ibn Abidin, Muhammad Amin ibn Umar ibn Abdul-'Aziz, Abdeen al-Dimashqi al-Hanafi (d. 1252) Dar al-Fikr, Beirut, 1992, 2/375
31. Sunan Abi Dawood, Abu Daoud Sulaiman ibn al-Ash'ath ibn Ishaq al-Azdi al-Sijistani (T: 275 e) Investigator: Mohamed Mohieddin Abdel Hamid, Modern Library, Saida, Beirut,
32. Al-Sunan al-Kabirah, Ahmad ibn al-Husayn ibn Ali ibn Musa al-Khasrojdi al-Kharasani, Abu Bakr al-Bayhaqi (p. 458). Investigator: Muhammad Abd al-Qader Atta, Dar al-Kuttab al-Alami, Beirut, Lebanon.
33 - Explanation of the meanings of the effects, Abu Jaafar Ahmed bin Mohammed bin Salama al-Azadi known as Tahawi (v. 321 e), achieved and presented to him: (Muhammad Zuhri Najjar - Muhammad Sayed Jad al-Haq) Al-Azhar scholars, Publisher: World Books, I 1, 1994 .
34. Saheeh Ibn Khuzaymah, Abu Bakr Muhammad ibn Ishaq Ibn Khuzaymah Ibn al-Mughira al-Salami al-Nisabouri (d. 311 e) Investigator: Dr. Mohammed Mustafa Al-Adhami, Islamic Bureau - Beirut without a date.
35. Ghareeb al-Hadith, Abu Ubayd al-Qasim ibn Salam Ibn Abdullah al-Harawi al-Baghdadi (d. 224). Muhammad Abd al-Mu'ayd Khan, The Ottoman Knowledge Department Press, Hyderabad-Deckn, First Edition, 1384H-1964
36. Ghareeb al-Hadeeth, Jamal al-Din Abu al-Faraj 'Abd al-Rahman bin Ali bin Muhammad al-Jawzi (d. 597 AH), Investigator: Dr. Abd al-Muti Amin al-Qalaji.
37. Exegesis in the strange of modern and influential, Abu al-Qasim Mahmud ibn Amr ibn Ahmad al-Zamakhshri (d. 538 e), Investigator: Ali Muhammad al-Bagawi - Muhammad Abu al-Fadl Ibrahim, Dar al-Maarifah - Lebanon, edition:
38. The Great Fatwas of Ibn Taymiyyah, Taqi al-Din Ahmad ibn Abd al-Halim ibn Taymiyyah al-Harani (d.
39. Fath al-Bari Sharh Sahih al-Bukhari, Ahmad ibn Ali ibn Hajar al-Askalani, Dar al-Maarifa - Beirut, 1379, number of books, doors and conversations: Mohamed Fouad Abdel Baqi. No edition and no date.
40- Indexing of Ibn Khair al-Ashbili, Abu Bakr Muhammad bin Khair bin Omar bin Khalifa Al-Amtooni Umayyid al-Ashbili (v. 575 AH) Investigator: Muhammad Fuad Mansour, Dar al-Kuttab al-Alami, Beirut, 1/1/1998.
41. Fatwas of Deaths, Muhammad ibn Shaker bin Ahmad, alias Salah al-Din (764 AH), investigator: Ihsan Abbas, Dar Sader, Beirut, edition: First, 1973.
42. Jurisprudence Laws, Author: Abu al-Qasim, Muhammad ibn Ahmad Ibn Jusey al-Kalbi al-Garnati (d. 741 e). No history.
43. Al-Kafi in the Jurisprudence of the People of the City, Abu Omar Ibn Yusuf bin Abdullah bin Abdul-Barr al-Qurtubi (d. 463 e) Investigator: Muhammad Muhammad Ahid Al-Mauritani, Riyadh Modern Library, Riyadh, 2, 1980.
44. The Book in the Hadiths and Archeology, Abu Bakr bin Abi Shaybah al-Absi (v. 235), The Investigator: Kamal Youssef al-Hout, Publisher: Al-Rashed Library, Riyadh, First edition, 1409 AH.
45. Colleges A glossary of terminology and linguistic differences, Ayoub ibn Musa al-Husseini al-Kafawi, Abu al-Hawqat al-Hanafi (v. 1094). Investigator: Adnan Darwish - Mohammed al-Masri, Al-Resala Foundation - Beirut.
46. The core of the news of the month of Ashura, Hafiz Ahmed bin Siddiq Ghamari, Dar al-Kuttab Al-Alami - Beirut, I 1 of 1424 AH.
47. Lashan al-'Arab, Muhammad ibn Makram bin Ali, Abu al-Fadl, Jamal al-Din Ibn Manzoor, al-Ansari (711 AH) Dar Sader, Beirut, ed.
48. The knowledge of the seasons of the year of jobs, Zine El-Din Abdul Rahman bin Ahmed bin Rajab illiterate, Baghdadi, Hanbali (d: 795 e) Dar Ibn Hazm for printing and publishing, 1/2004.
49. Al-Mabsout, Muhammad bin Ahmed bin Abi Sahl Shams Imams Al-Sarkhasi (d. 483 AH), Dar al-Maarifa - Beirut, 1993.
50). Mujtaba of Sunan = The Minor Sunnah of the Women, Abu Abdul Rahman Ahmad Ibn Shu'ayb Al-Kharasani, Women (303 AH) Investigation: Abdel Fattah Abu Ghada, Islamic Publications Office, Aleppo, Second Edition, 1406-1986.
51- Al-Zu'ayyim and Al-Alaweed Complex, Abu al-Hasan Nur al-Din Ali bin Abi Bakr bin Sulaiman al-Haythami (T: 807 AH) Investigator: Hossam al-Din al-Qodsi, Al-Qudsi Library, Cairo.
52. Total Explanation of the polite, Abu Zakaria Mohiuddin Yahya bin Sharaf al-Nawawi (d: 676 e) Dar al-Fikr. No edition and no date.
53. Local Antiquities, Abu Muhammad Ali bin Ahmed bin Said bin Hazm Andalusi Qurtubi virtual (p. 456 e), Dar al-Fikr - Beirut, edition: without a date.
54. The Ocean of Barhani in the Jurisprudence of the Nu'mani jurisprudence of Imam Abu Hanifa , Abu al-Maali Burhanuddin Mahmud bin Ahmad bin Abdul Aziz bin Mazza al-Bukhari Hanafi (T: 616 e), Investigator: Abdul Karim Sami al-Jundi, Dar al-Kuttab al-Sallami, Beirut, 1/2004 .
55. The Custom, Abu al-Hasan Ali bin Ismail bin Saidah al-Morsi (d. 458 AH), Investigator: Khalil Ibrahim Jafal, House of Revival of Arab Heritage - Beirut, edition: First, 1417H 1996.
56. Muzher in the Sciences and Types of Language, Abdulrahman bin Abi Bakr, Jalal al-Din al-Suyuti (Tel: 911 e) Investigator: Fuad Ali Mansour, Dar al-Kuttab al-Alami - Beirut 1/1/1998.
57. Al-Mustadriq on the correct, Abu Abdullah al-Hakim Muhammad bin Abdullah al-Dabi al-Nisabouri (405 e) Investigation: Mustafa Abdul Qader Atta, Publisher: Dar al-Kuttab al-Sallami - Beirut, 1 - 1990: 3/607
58- Musnad Ibn al-Ja'ad, Ali bin al-Ja'd ibn 'Ubayd al-Jawhari al-Baghdadi (p. 230). Investigation: Amer Ahmed Haidar, Nader Foundation, Beirut, 1 - 1990.
59. Misnad Abi Ya`li, Abu Ya`li Ahmad ibn Ali ibn al-Muthanna al-Musli (d. 307 AH) T. Hussein Salim, Dar al-Maamoun Heritage Damascus I. 1984.
60. Misnad Imam Ahmad bin Hanbal, Abu Abdullah Ahmed bin Mohammed bin Hanbal al-Shaibani (T: 241 e) Investigator: Shuaib Arnaout - Adel Murshed, et al.
61. The correct and correct reference to the transfer of justice from justice to the Messenger of Allah, Muslim bin Hajjaj Abul Hassan al-Qusheiri al-Nisaburi (261 e), Investigator: Mohamed Fouad Abdel Baqi, House of Revival of Arab Heritage - Beirut. No history.
62- Musnad al-Mawtah al-Juhari, Abu al-Qasim 'Abd al-Rahman bin Abdullah bin Mohammed al-Ghafqi, al-Jawhari al-Maliki (v. 381 e) Investigation: Lutfi bin Mohammed al-Saghir, Taha bin Ali Bou Sarih, Dar al-Gharb al-Islami, Beirut, 1, 1997.
63. Al-Munir lamp in Ghareeb al-Sharh al-Kabeer, Ahmad ibn Muhammad ibn Ali al-Fayoumi and then al-Hamawi, (about 770 AH), scientific library - Beirut, no date.
64. The Worker, Abu Bakr Abdul Razzaq bin Hammam bin Nafi 'al-Humeiri al-Yamani al-Sanani (d. 211 e) Investigator: Habib al-Rahman al-'Azami, Islamic Bureau, Beirut, second edition, 1403 AH.
65. The Dictionary, Department of Archaeological Science, Faisalabad, ed., 1st, 1407 AH.
66. The Central Dictionary, Sulayman bin Ahmad bin Ayoub, Abu al-Qasim al-Tabarani (360: e), the investigator: Tareq ibn Awadallah, and Abdul Mohsen bin Ibrahim, Dar al-Haramain - Cairo, without a date.
67. The Great Dictionary, Sulayman bin Ahmed bin Ayoub bin Mutair al-Lakhmi al-Shami, Abu al-Qasim al-Tabarani (360: e), Investigator: Hamdi bin Abdul Majeed al-Salafi, Ibn Taymiyah Library, Cairo, second edition.
68. The Indexed Dictionary or Abstract of the Famous Books and the Produced Parts, by Abu al-Fadl Ahmad bin Ali bin Mohammed bin Ahmad bin Hajar al-Askalani (d. 852 AH) Investigator: Muhammad Shoukour al-Mayadei, Al-Resalah Foundation, Beirut, 1998-1991.
69. Singer of the needy to know the meanings of the words of the curriculum, Shams al-Din, Muhammad ibn Ahmad al-Khatib al-Sherbini Shafi'i (977 e), Dar al-Kuttab al-Ulami, I 1 - 1994.
70. The Singer of Ibn Qudaamah, Muwaffaq al-Din Abdullah bin Qudaamah al-Maqdisi (620 AH) Cairo Library, without edition Date of Publication: 1968 AD.
71. Introductions Almahdahat, Abu Walid Mohammed bin Ahmed bin Rashid Al-Qurtubi (T: 520 e), Dar al-Gharb Islamic, 1 - 1988 m.
72. The team from Musnad Abdul Hamid, Abu Mohammed Abdul Hamid bin Humaid bin Nasr Al-Kashi (T 249 e) Investigator: Subhi Al-Badri Samurai, Mahmoud Mohammed Khalil Al-Saidi, Library of the year - Cairo,
73. Grants of Galilee Brief explanation Khalil, Mohammed bin Ahmed Alish, Abu Abdullah al-Maliki (T: 1299 e) Dar al-Fikr - Beirut, without edition, 1989 m.
74. Curriculum Explanation of Sahih Muslim Bin Al-Hajjaj, Abu Zakaria Muhyi al-Din Yahya bin Sharaf al-Nawawi (v. 676 AH) House of Revival of Arab Heritage - Beirut, second edition, 1392 AH.
75. The polite in the jurisprudence of Imam Shafi'i, Abu Ishaq Ibrahim bin Ali bin Yusuf Al-Shirazi (d: 476 e) House of scientific books, without edition and without a date.
76. The Kuwaiti Jurisprudence Encyclopedia, issued by: Ministry of Awqaf and Islamic Affairs - Kuwait, number of parts: 45 part, edition: (1404-1427 AH).
77. Subjects, Jamal al-Din Abd al-Rahman bin Ali bin Muhammad al-Jawzi (d. 597 AH): Determination, submission and investigation: Abdul Rahman Mohammed Othman Publisher: Salafi library in Madinah, ed.
78. Al-Mawtah, Malik bin Anas bin Malik bin Amer Al-Asbahi Al-Madani (c: 179 e), Investigator: Mohammad Mustafa Al-Adhami, Zayed Bin Sultan Al Nahyan Foundation for Charitable and Humanitarian Affairs, Abu Dhabi, 1-4-2004.
79. The end in the strange talk and impact, Majd al-Din Abu al-Saadat Mubarak bin Mohammed al-Jazri Ibn al-Atheer (T: 606 e), investigation: Taher Ahmed al-Zawawi - Mahmoud Mohammed al-Tannahi, scientific library - Beirut: 1979.
80. Abandonments and increases on what is in the Code from other mothers, Abu Muhammad Abdullah bin Abizaid Abdul Rahman al-Nafzi, Kairouani, al-Maliki (386 e) Inquiry: Group of Scholars, Dar al-Gharb al-Islami, Beirut, 1, 1999.