الملخص
یعد عنصر الزمن بصورة عامة والمدد الإجرائیة الجزائیة بصورة خاصة مظهراً من المظاهر المهمة الملاحظة فی قانون أصول المحاکمات الجزائیة وفی الإجراءات المنصوص علیها, إذ تتسم بعض هذه الإجراءات بالخطورة لمساسها بحقوق وحریات الأفراد الشخصیة وحرمة مساکنهم وإن من أبرز العوامل المرتبطة بالإجراءات الجزائیة عامل الزمن وما یمکن أن یترتب علیه من آثار ونتائج سلبیة فی حالة عدم مراعاته, کإرهاق المتهم ببقائه لمدة طویلة خاضعاً للإجراءات مما یولد الاعتقاد لدى الأفراد بعدم جدیة وکفاءة الأجهزة التحقیقیة والقضائیة وضعفهما فی أداء مهامهما , ومن ثم ازدیاد الجرائم ورغبة اللجوء إلى الانتقام والثأر نتیجة تأخر السلطات فی توفیر الأمن وتحقیق العدل, , مما یستلزم وضع حدود معینة لهذه الإجراءات من مختلف جوانبها لیتحقق التوافق بین المصلحة التی دعت لهذه الإجراءات والمصلحة التی یمکن أن تتضرر من جراء مباشرتها .
ولأجل الاحاطة بتفاصیل هذا الموضوع المهم فقد تناولناه فی مبحثین بینا فی المبحث الأول طبیعة التحقیق الابتدائی من حیث المدة وذلک فی ثلاثة مطالب ,خصصنا المطلب الاول للسرعة فی انجاز التحقیق الابتدائی وماله من دور بارز فی بلوغ التحقیق الابتدائی لأهدافه أما المطلب الثانی فبینا فیه مظاهر مراعاة السرعة فی التحقیق الابتدائی اما المطلب الثالث تناولنا فیه النطاق الزمنی للتحقیق الابتدائی فی حین خصصنا المبحث الثانی المدد المتعلقة بإجراءات التحقیق الابتدائی کل فی مطلب مستقل
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
المدد الإجرائیة الجزائیة فی مرحلة التحقیق الابتدائی -(*)-
عمار علی محمد علی الحسینی سعد صالح شکطی الجبوری هیئة التعلیم التقنی/ المعهد الفنی فی الموصل کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Ammar Ali Muhammad Ali Al-Husseini Saad Saleh Shakti Al-Jubouri College of law / University of Mosul Technical Education Authority / Technical Institute in Mosul Correspondence: Nawaf Hazem Khaled E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 27/3/2013*** قبل للنشر فی 27/3/2013.
(*) Received on 27/3/2013 *** accepted for publishing on 27/3/2013.
Doi: 10.33899/alaw.2013.160733
© Authors, 2013, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
یعد عنصر الزمن بصورة عامة والمدد الإجرائیة الجزائیة بصورة خاصة مظهراً من المظاهر المهمة الملاحظة فی قانون أصول المحاکمات الجزائیة وفی الإجراءات المنصوص علیها, إذ تتسم بعض هذه الإجراءات بالخطورة لمساسها بحقوق وحریات الأفراد الشخصیة وحرمة مساکنهم وإن من أبرز العوامل المرتبطة بالإجراءات الجزائیة عامل الزمن وما یمکن أن یترتب علیه من آثار ونتائج سلبیة فی حالة عدم مراعاته, کإرهاق المتهم ببقائه لمدة طویلة خاضعاً للإجراءات مما یولد الاعتقاد لدى الأفراد بعدم جدیة وکفاءة الأجهزة التحقیقیة والقضائیة وضعفهما فی أداء مهامهما , ومن ثم ازدیاد الجرائم ورغبة اللجوء إلى الانتقام والثأر نتیجة تأخر السلطات فی توفیر الأمن وتحقیق العدل, , مما یستلزم وضع حدود معینة لهذه الإجراءات من مختلف جوانبها لیتحقق التوافق بین المصلحة التی دعت لهذه الإجراءات والمصلحة التی یمکن أن تتضرر من جراء مباشرتها .
ولأجل الاحاطة بتفاصیل هذا الموضوع المهم فقد تناولناه فی مبحثین بینا فی المبحث الأول طبیعة التحقیق الابتدائی من حیث المدة وذلک فی ثلاثة مطالب ,خصصنا المطلب الاول للسرعة فی انجاز التحقیق الابتدائی وماله من دور بارز فی بلوغ التحقیق الابتدائی لأهدافه أما المطلب الثانی فبینا فیه مظاهر مراعاة السرعة فی التحقیق الابتدائی اما المطلب الثالث تناولنا فیه النطاق الزمنی للتحقیق الابتدائی فی حین خصصنا المبحث الثانی المدد المتعلقة بإجراءات التحقیق الابتدائی کل فی مطلب مستقل .
Abstract
The time element in generally and the duration of procedural penal particular manifestation of appearances important observation in the Criminal Procedure Code and the procedures set forth, characterized some of these actions dangerous for it affects the rights and freedoms of individuals and personal inviolability homes but of the most prominent factors associated procedures penal factor of time and can be implications and negative consequences in case of non observance,like Fatigue accused survival for a long time subject to the procedures, which generates the belief in individuals not serious and efficiency of investigative and judicial organs and their weakness in the performance of their functions.
And then increased crime and the desire to resort to revenge as a result delayed the authorities in providing security and justice, which requires the development of specific limits for the proceedings of the various aspects to achieve compatibility between interest which called for this action and interest that can be damaged by conducted.
In order to surround the details of this important topic Has touched upon in the two sections in the first research nature of the investigation primary in terms of duration and in the three demands, we have dedicated the first requirement for speed in completing the preliminary investigation and his prominent role in achieving the preliminary investigation of its objectives The second requirement we clear manifestations into account speed in primary investigation the third requirement we dealt with the time scale for achieving primary while dedicated the second part, the periods relating to the preliminary investigation proceedings in a separate requirement.
المقدمــة
التحقیق الإبتدائی أحد مراحل الدعوى الجزائیة وأهمها، والتی تستهدف الکشف عن الحقیقیة والتنقیب عن الأدلة التی تساعد على معرفة الحقیقة، وصلاحیة عرض الأمر على القضاء ، فهذه المرحلة تسبق المحاکمة، وما یتم التوصل إلیه من خلاله تلعب دوراً مهماً وکبیراً فی تکوین قناعة المحکمة، کما تتسم الإجراءات المتخذة خلالها بالخطورة والمساس بحریات الأفراد وحرمة مساکنهم، لذا فإن المشرع حرص على تنظیمها وإحاطتها بالضمانات والقیود,حیث أن الدعوى الجزائیة تمر بمراحل متعددة ومختلفة تؤدی بطبیعة الحال إلى استغراق مدة زمنیة ، قد تکون طویلة لحین الفصل فی الدعوى، ولذا ینبغی مراعاة الناحیة الزمنیة فی کل مرحلة استناداً لطبیعة المرحلة وما یتم خلالها من إجراءات , وما یتطلبه من وجود حدود زمنیة للإجراءات لحث القائمین بها على الجدیة وعدم الإهمال ، سیما أن التحقیق الابتدائی یهدف لتوفیر الوقت والجهد للمحاکم, وبذلک فإن أهمیة المدة تظهر بصورة عامة فی الإجراءات التحقیقیة، إما من حیث النطاق ، أو من حیث الإجراءات المتخذة خلالها .
أهمیة البحث
تکمن اهمیة الموضوع بأهمیة عنصر الزمن فی قانون اصول المحاکمات الجزائیة بصورة عامة وفی اجراءات التحقیق الابتدائی بصورة خاصة باعتباره من أهم المسائل المرتبطة بهذا القانون إذ أن کل التشریعات التی تسنها الدولة تهدف من ورائها إلى الحفاظ على الحقوق والحریات وتحقیق الأمن والعدالة, وهذا ما تنص علیه غالبیة الدساتیر والقوانین وما جرت به الأعراف, کما ویکمن اهمیة هذا البحث فی حمایة الافراد من أعمال الاعتقال والحجز للأفراد والتی باتت بصورة عشوائیة ولمدد طویلة دون توجیه التهم إلیهم أو تقدیمهم للمحاکم سمة تکاد تکون ملازمة للعمل القضائی سواء أکان ذلک فی دور التحقیق أم فی دور المحاکمة دون مراعاة للمدد المنصوص علیها قانوناً ودون إقامة أی اعتبار لمصلحة المتهم فی حقه بتطبیق إجراءات سریعة وعادلة, وبذلک فإنهم یفقدون حریتهم دون معرفة السبب, وهذا الأمر یقتضی عدم إطالة بقاء الشخص فی مرکز سلبی متجسد بالاتهام والخضوع للإجراءات إلا بقدر ما یتعلق بتحقیق العدالة , کما تبدو اهمیته بمراعاة الناحیة الزمنیة باعتباره من أهم معاییر المحاکمة العادلة, التی تستلزم إقامة التوازن بین مصلحة المجتمع فی الإسراع باتخاذ الإجراءات ضد مرتکب الجریمة ومصلحة المتهم التی تتطلب توفیر الوقت الکافی لإعداد دفاعه على أساس تکافؤ الفرص,ومصلحة المجنى علیه لإتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان حقوقه .
مشکلة البحث
تکمن المشکلة الأساسیة المتعلقة بالناحیة الزمنیة للإجراءات فی بطء الإجراءات الجنائیة وتأخیر الفصل فی الدعاوى الجزائیة بصورة عامة خاصة فی مرحلة التحقیق , إذ أن البطء فی اتخاذ الإجراءات دون مراعاة نظام للمدد فیه ظلم وإجحاف خاصة إذا کان المتهم بریئاً,وقد یتعلق الإشکال الخاص بالمدة بعمل الادعاء العام والجهات التحقیقیة حیث أن البطء فی إتخاذ ما یجب علیهم یؤدی إلى ضیاع معالم الجریمة , أو قد یتعلق بالمجنى علیه من استخدام هذا الحق کوسیلة لتهدید الجانی , أو یتعلق بالعدالة وحسن سیرها , کما أن البطء فی هذه الإجراءات سیولد أثاراً سلبیة منها زعزعة الثقة بقدرة الأجهزة التحقیقیة والقضائیة على تحقیق الأمن والعدل ویؤدی بالنتیجة لعدم تعاون المواطن مع الدولة فی مکافحة الجریمة وبالتالی عدم تحقیق دواعی الإجراء القضائی فی الردع العام والخاص.
هدف البحث
یهدف هذا البحث لمناقشة وتحلیل النصوص القانونیة التی تضمنت المدد الإجرائیة الجزائیة فی مرحلة التحقیق الابتدائی فی قانون أصول المحاکمات الجزائیة العراقیة ومقارنتها بما یقابلها فی التشریعات المقارنة الأخرى من أجل الوقوف على مواطن النقص والغموض الذی یکتنف بعض تلک النصوص وتعدیلها بما یتناسب مع تحقیق الغایة منها
نطاق البحث
یقتصر نطاق هذا البحث على تناول المدد الإجرائیة الجزائیة الواردة فی قانون أصول المحاکمات الجزائیة العراقی والمتعلقة بمرحلة التحقیق الابتدائی دون التطرق للمدد الواردة بخصوص الانتهاء من التحقیق الابتدائی .
منهج البحث
بغیة الإلمام والإحاطة بمفردات هذه البحث سیتم الاعتماد على منهجین لإعطاء صورة وافیة قدر الإمکان , وهذین المنهجین هما المنهج التحلیلی والذی من خلاله سنقوم بتحلیل النصوص القانونیة ذات الصلة للوقوف على مدلولاتها ومقاصدها ومعانیها, والمنهج المقارن بین قانون اصول المحاکمات الجزائیة العراقی من جهة وقانون الإجراءات الجنائیة المصری وقانون أصول المحاکمات الجزائیة الأردنی من جهة اخرى بشکل اساسی منهاجاً للمقارنة مع الاستئناس ببعض القوانین الاخرى .
هیکلیة البحث
من اجل الاحاطة بالموضوع بصورة وافیة , فقد تم تقسیمه الى مقدمة ، ومبحثین تناولنا فی المبحث الأول طبیعة التحقیق الابتدائی من حیث المدة وفی المبحث الثانی المدد المتعلقة باجراءات التحقیق الابتدائی وبعدها الخاتمة .
المبحث الأول
طبیعة التحقیق الإبتدائی من حیث المدة
إن التحقیق الابتدائی له معنیان أحدهما واسع والآخر ضیق ، أما المعنى الواسع فینصرف إلى مجموعة الإجراءات المتخذة من قبل سلطة الأدلة والتحری وسلطة التحقیق بشأن الجریمة المرتکبة لمعرفة حقیقتها ومرتکبها ، إما لإحالة أو عدم إحالة الدعوى الجزائیة الناشئة للمحکمة المختصة وحسب ما ینص علیه القانون , أما المعنى الضیق فهی الإجراءات التی یقوم بها المحقق المختص لأجل کشف حقیقة الجریمة المرتکبة ووقائعها والتوصل إلى فاعلیها وبیان مسؤولیتهم ، تمهیداً لإکمال التحقیق معهم وإحالتهم للمحاکم المختصة
وعلیه سنتناول طبیعة التحقیق الابتدائی من حیث المدة فی ثلاثة مطالب نخصص المطلب الأول لبیان السرعة فی إنجاز التحقیق الإبتدائی أما المطلب الثانی فنبین فیه مظاهر مراعاة السرعة فی التحقیق الإبتدائی وأخیراً نتناول فی المطلب الثالث النطاق الزمنی للتحقیق الابتدائی وکما یأتی:-
المطلب الأول
السرعة فی انجاز التحقیق الإبتدائی
إن السرعة فی إنجاز التحقیق الإبتدائی من جملة الضمانات الأساسیة له ، إذ أنها تتفق مع طبیعة التحقیق الابتدائی وأهدافه، فلا جدوى منه ما لم یقترن بالسرعة ومراعاة الناحیة الزمنیة، إذ أن تأخیرها من شأنه أن یضر بالدعوى الجزائیة وأطرافها , ویجعل منها مجرد ضیاع للوقت والجهد، کما من شأنها أن یفقد الناس الثقة بفعالیة الأجهزة التحقیقیة وقدرتها على التعامل مع الجرائم ، وبذلک فإن السرعة تساعد فی حمایة حق المجتمع بإنزال العقاب بالمجرم, وحمایة الحریة الشخصیة للمتهم کی لا یبقى فترة طویلة فی مرکز سلبی متمثل بالاتهام وانتظار مصیره المجهول .
فالسرعة یجب أن لا تفسر تفسیراً ضیقاً بإنجاز المهمة فی مدّة قصیرة ، کما أن استعمال کلمة السرعة فی الحقیقة لیست فی محلها ، إذ أن التشریعات المقارنة والمعاهدات تستعمل عبارات أخرى مثل (فترة زمنیة معقولة أو الاستعجال)، فالمشکلة لیست عندما یتم اتخاذ إجراء ما بسرعة ولکن عندما یتم الاستمرار به فی إجراءات ذات طبیعة فنیة أو علمیة ، تحتاج للخبرة والإتقان فی العمل، فالسرعة المطلقة لا تقل ضرراً عن التأخیر والإبطاء.
ونرى أن السرعة المقصودة هی التی تنصرف لقیام السلطات التحقیقیة بأداء مهامها بالطریقة التی تحقق الغایة من التحقیق الابتدائی، فإجراءات التحقیق الابتدائی متعددة ومتنوعة من حیث المدة المستغرقة لإنجازها ، فمنها ما یستلزم الوقوف عندها , وبذلک فإن السرعة یجب أن لا تؤثر فی فعالیة التحقیقات وجودتها ، فمعیار السرعة تستند لطبیعة الإجراء ومدى تعقده والظروف المحیطة به ، فالسرعة من ضمانات التحقیق الابتدائی ونزاهته، ورغم ذلک فهناک قضایا کثیرة یتأخر بها التحقیق وتستمر لمدد طویلة بسبب الإهمال أو التقاعس أو الشکلیات التی باتت عقبة أساسیة أمام التحقیق الابتدائی .
لذا فإن السرعة فی إنجاز التحقیق الابتدائی, یحقق مصلحة المجتمع بتقدیم الجناة للعدالة ، والاستفادة من الأدلة قبل ضیاعها بمرور الزمن، کما تحقق أحد أغراض العقوبة المتجسدة بالردع العام ، وبعکسه لا تتحقق هذه الأهداف , أما مصلحة المتهم فإن السرعة تؤدی لاستقرار مرکزه سواء بالإدانة أم البراءة کما أن بقاءه لمدّة طویلة قید التحقیق یزید من احتمال التعذیب وسوء المعاملة لأجل الحصول على اعتراف منه .
المطلب الثانی
مظاهر مراعاة السرعة فی التحقیق الابتدائی
إن مراجعة النصوص الإجرائیة المنظمة للتحقیق الابتدائی وإجراءاتها ، تبین الإشارات الواضحة الدلالة لرغبة المشرع فی اقتباس طابع السرعة للقیام بالتحقیق ، إذ أتى بأحکام وقواعد تؤدی بالنتیجة لتفعیل السرعة فی التحقیق الابتدائی، إذ وردت هذه المظاهر فی أکثر من مناسبة أو موقف، ولذا سنعرض بعضاً من أهم مظاهر مراعاة السرعة فی التحقیق الابتدائی وذلک فی الفروع الآتیة :-
الفرع الأول
إعطاء صلاحیة تولی التحقیق الابتدائی لجهات غیر مختصة به أصلاً
فنظراً لخطورة وأهمیة التحقیق الابتدائی ومساسه بحریة الأفراد ، فقد أوجب المشرع مباشرتها من قبل سلطة تتکفل بضمان حقوق المتهم وتحقیق مصلحته عندما حدد الجهة المختصة بإجراء التحقیق بصفة أصلیة بقضاة التحقیق والمحققین الذین یعملون تحت إشرافهم, إلا أن القانون أجاز لجهات أخرى غیرهم إجراء هذا التحقیق بصورة استثنائیة وفی حالات خاصة ، نتناولها کالآتی :
أولاً / أی قاض فی منطقة اختصاص قاضی التحقیق أو أی قاض فی منطقة قریبة منها. تحتم ضرورة الإسراع بإنجاز إجراءات التحقیق عند ارتکاب جنایة أو جنحة فی منطقة لا یوجد فیها قاضی تحقیق أصلاً، أوفی حالة غیابه أن یعرض على أی قاض فی تلک المنطقة أو منطقة قریبة منها للنظر باتخاذ ما یلزم ، وهذا ما أشارت إلیه الفقرة (ب) من المادة (51) من قانون أصول المحاکمات الجزائیة العراقی ، فهذا الإجراء لا یجوز أن یتولاه غیر القاضی المختص إذا لم یکن یتطلب السرعة أو الفوریة .
ثانیاً / أی قاض وقعت الجریمة بحضوره
أجاز القانون عند عدم وجود قاضی التحقیق المختص أن یقوم بالتحقیق أی قاض وقعت الجریمة بحضوره جنایة کانت أم جنحة , فلا یشترط أن یکون القاضی الذی وقعت الجریمة بحضوره فی المنطقة نفسها أو قریبة منها ، کما لا یشترط أن یکون قاضیاً للتحقیق ، فقد یکون أی قاضی آخر معین بموجب التنظیم القضائی , وذلک لأن هذا التحقیق الذی سیجریه سوف یکون أدق من أی تحقیق یجریه شخص آخر .
ثالثاً / أعضاء الادعاء العام
یمارس عضو الضبط القضائی صلاحیة قاضی التحقیق فی مکان الحادث عند غیاب قاضی التحقیق وتزول عنه هذه الصفة بحضوره إلا إذا طلب منه الاستمرار فی التحقیق کلا" أو جزءاً ، وتکون الإجراءات المتخذة من قبله وبالشروط المبینة فی القانون بحکم القرارات والإجراءات المتخذة من قبل قاضی التحقیق المختص .
رابعاً / أعضاء الضبط القضائی
أجاز القانون استثناءً لعضو الضبط القضائی أن یقوم بإجراء أو أکثر من إجراءات التحقیق عندما یندب أو یکلف بذلک، کأن یستلزم الأمر إجراء التحقیق خارج منطقة اختصاص القائم بالتحقیق أو عدم اتساع وقته لذلک , فضلاً عما أعطته المادة (43) من قانون أصول المحاکمات الجزائیة العراقی لعضو الضبط القضائی صلاحیة بهذا الشأن فی الجرائم المشهودة, إذ أنها مقیدة فی هذه الحالة بحضور قاضی التحقیق أو ممثل الادعاء العام إلا إذا کلف او ندب بالاستمرار بالأجراء کلاً أو جزءاً .
خامساً / المسؤول فی مرکز الشرطة
أعطى المشرع بموجب المادة (49) من قانون أصول المحاکمات الجزائیة العراقی للمسؤول فی مرکز الشرطة سلطة محقق فی الجنایات والجنح المشهودة، وفی المادة (50) من القانون المذکور أطلق یده فی الجرائم جمیعها وفی حالات محددة منها إذا صدر إلیه أمر بذلک من قاضی التحقیق أو المحقق ، أو اعتقد أن إحالة المخبر للقاضی أو المحقق یؤدی لضیاع معالم الجریمة ، أو اعتقد بأن الإحالة سوف یؤدی للإضرار بسیر التحقیق ، أو اعتقد أن الإحالة تؤدی لهرب المتهم، فالحالة الأولى یکسب بها صلاحیة التحقیق بإرادة القاضی أو المحقق ، أما الحالات الأخرى فهی باعتقاده ، لذلک ینبغی أن یکون اعتقاده مستنداً لأسس معقولة ، وإعطاء صلاحیة القیام بإجراءات التحقیق لجهات غیر مختصة له ما یبرره من البدء بها بأقرب وقت ممکن من ارتکاب الجریمة، لأن بإمکان هذه الجهات السیطرة على الظروف المحیطة بالجریمة واتخاذ ما یجرى للحفاظ على الأدلة لحین وصول الجهات المختصة أصلاً ، کما أن المشرع أراد استغلال تواجد هذه الجهات فی مکان الحادث وقت وقوعها .
الفرع الثانی
إجراء التحقیق بغیبة الخصوم
القاعدة العامة أنه لا یجوز إجراء التحقیق فی غیاب الخصوم ، وهذا یستلزم إجراءه بحضور الخصوم ، ولکن بعض قوانین الإجراءات الجنائیة أجازت للسلطات التحقیقیة أن تتخذ أثناء التحقیق بعضاً من الإجراءات بغیاب الخصوم، مثل حالة الضرورة کحالة استثنائیة کما هو الحال بالنسبة للمشرع العراقی, کما أن المشرع الجنائی المصری أخذ به فی حالتی الضرورة والاستعجال , وبغیر هاتین الحالتین یکون الإجراء المتخذ فی غیبة الخصوم باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام الذی یجوز التمسک به فی أیة حالة تکون علیه الدعوى وتقضی بها المحکمة من غیر طلب , وتقدیرها من الأمور الموضوعیة التی تختص بها سلطة التحقیق تحت رقابة محکمة الموضوع ، ومن أمثلة حالة الضرورة سماع الشهود فی غیاب المتهم إذا کان من ذوی التأثیر علیهم ، أما حالة الاستعجال مثل إجراء معاینة لمکان الحادث قبل تمکن المتهم من إزالة أثار الجریمة وسماع شهادة شاهد على وشک الموت.
الفرع الثالث
دعوة الشهود شفهیاً فی الجرائم المشهودة
بینت المادة (59) من قانون أصول المحاکمات الجزائیة کیفیة استدعاء الشهود للإدلاء بشهادتهم , من خلال ورقة التکلیف بالحضور الصادرة من قاضی التحقیق أو المحقق ، ولکن هذه المادة نفسها استثنت الجرائم المشهودة ، عندما أجازت دعوة الشهود دون ورقة التکلیف وأجازت الاکتفاء بتبلیغهم بصورة شفهیة حیث نصت الفقرة (ب) من المادة (59) على أنه "یجوز فی الجرائم المشهودة دعوة الشهود شفهیاً" .
وهذا موقف فرید ونادر من قبل المشرع العراقی ، لم تجاریه فیه قوانین أخرى، أی أنها لم تمیز بین الجریمة المشهودة وغیر المشهودة فی دعوة الشهود , وإن هذا الموقف یحسب للمشرع العراقی حیث أن ذلک یساعد فی سرعة حسم القضایا والمحافظة على أدلة الجریمة.
الفرع الرابع
اتخاذ إجراءات غیر واردة بقرار الإنابة من قبل قاضی التحقیق المناب
لقد أجازت المادة (56/أ) من قانون أصول المحاکمات الجزائیة العراقی لقاضی التحقیق أن ینتقل لأماکن تقع خارج منطقة اختصاصه ، وذلک لاتخاذ أی إجراء من إجراءات التحقیق عندما تقتضی دواعیه هذا الانتقال ,إلا أن هذه الفقرة أوجبت على القاضی فی هذه الحالات أن یخبر قاضی التحقیق فی المنطقة الذی انتقل إلیها بما اتخذه من إجراءات فیها , أی أنها لم تشترط موافقة قاضی التحقیق للمنطقة مسبقاً ، بل اقتصر الأمر على اطلاعه بما اتخذه من إجراءات فی منطقته ، وهذا ینسجم مع سرعة اتخاذ الإجراءات وإزالة العقبات الشکلیة المؤدیة إلى تأخیرها ، وقد لا یحتاج قاضی التحقیق للانتقال بنفسه خارج منطقة اختصاصه إذا تبین له بأن الإجراءات التی یحتاج للقیام بها یمکن أن یقوم بها قاضی التحقیق المعین فی تلک المنطقة، على أن یثبت فی قرار الإنابة التفصیلات المطلوبة للأجراء المراد القیام به , کما أجازت المادة(56/ج) من نفس المادة لقاضی التحقیق المنتدب أن لا یکتفی بما تم به أنابته ، فله أن یقوم ببعض الإجراءات الأخرى إذا ما خشی فوات أو ضیاع بعض الحقائق أو هروب الفاعلین ، أو کانت هذه الإجراءات الإضافیة تتصل بما أنیب فیه أو رآها ضروریة للکشف عن الحقیقة، مثل أن یکون القاضی المنتدب مکلف بأخذ شهادة شاهد معین فتبین له وجود شاهد آخر أکثر اطلاعاً على الواقعة من الشاهد الأول فیقوم بأخذ شهادة هذا الشاهد أیضا .
وإن هذه المظاهر لمراعاة السرعة فی التحقیق هی على سبیل المثال، حیث تشیر النصوص الواردة بشأن التحقیق الابتدائی لعدد غیر قلیل من المواقف التی تدل على ضرورة السرعة ، کما فی الاستجواب وغیر ذلک
المطلب الثالث
النطاق الزمنی للتحقیق الابتدائی
یقصد بهذا النطاق مجموع المدد التی تستغرقها مرحلة التحقیق الابتدائی، فإلى جانب السرعة فی إنجاز التحقیق الابتدائی ، تذهب بعض التشریعات بوضع سقف زمنی أو إطار زمنی محدد یجب خلاله على السلطة التحقیقیة إنهاء مهمة التحقیق , وإلا یترتب علیها آثاراً مختلفة ومتنوعة تتمثل بضرورة التصرف بالتحقیق وتقریر نهایة التحقیق .
فأن هذه المرحلة تمهیدیة وتحضیریة للمحاکمة ، فهی بذلک تتصف بالتوقیت، إذ أن الدعوى لا تبقى قید التحقیق لمدة طویلة, وإنما توقف (مؤقتاً أو نهائیاً) أو تنتقل لمرحلة أخرى وهی المحاکمة استناداً لقرار الإحالة .
ولم یکن المشرع العراقی هو الوحید الذی لم یتطرق لبیان مدة زمنیة للتحقیق الابتدائی بل شارکه فی ذلک کثیر من التشریعات الإجرائیة .
ولا یخفى ما لهذا التحدید من أهمیة کبیرة تتجسد بحث السلطات التحقیقیة لإنجاز مهامها بصورة بعیدة عن الإهمال والتراخی غیر المبرر، کما یفرض المتابعة المستمرة للقضیة, بالإضافة لتأثیره بحقوق المتهم قید الحجز .
ولأجل سد هذا النقص فی قانون أصول المحاکمات الجزائیة العراقی فیما یتعلق بإلزام قاضی التحقیق بإنجاز التحقیق خلال مدة معینة ، فقد أصدرت وزارة العدل تعلیمات رقم (4) لسنة 1987 والخاصة بالسقوف الزمنیة لحسم الدعاوى وخصصت البند الثانی منها للمحاکم الجزائیة وقسمتها لخمس فقرات, ففیما یخص القضایا التحقیقیة ، فقد نصت الفقرة (1) منها على أنه "یکون السقف الزمنی الأقصى لإنجاز القضایا التحقیقیة فی محاکم التحقیق شهراً واحداً فی المخالفات وشهرین فی الجنح وأربعة أشهر فی الجنایات اعتباراً من تاریخ تسجیل الإخبار فیها" .
ویتضح من هذه الفقرة أن الإطار الزمنی الواجب على السلطات التحقیقیة إنجاز التحقیق خلالها یختلف حسب نوع الجریمة وجسامتها، فإذا کانت الجریمة مخالفةً فإن السقف الزمنی لإنجازها شهر واحد , وإذا کانت جنحةً فإن السقف الزمنی شهرین, وإن کانت جنایةً فإن السقف الزمنی أربعة أشهر، ومبدأ احتسابها من تاریخ الإخبار عنها , ولم تبین هذه التعلیمات ما یترتب على مضی هذه المدد من آثار فی حالة تجاوزها دون إنجاز أو إتمام التحقیق فعلاً ، وکان من المستحب أن یحدد مصیر الدعوى فی هذه الأحوال ، فیما إذا کان من الجائز إعطاء مهلة أو مدّة زمنیة أخرى ، أو وجوب تقریر مصیر الدعوى وفق أحدى قرارات التصرف فی التحقیق .
أما التشریعات المقارنة فلم تنهج نهجاً واحداً بشأن إنهاء التحقیق الابتدائی فی مدة معینة ، فعلى سبیل المثال لا یلزم المشرع الفرنسی المحقق بإنهاء تحقیقه خلال مدة معینة ، بل یوجد هناک نص عام یلزم بمقتضاه رئیس غرفة الاتهام بضمان عدم تأخر قاضی التحقیق فی التحقیقات التی یجریها, کما حرص المشرع الفرنسی فی تعدیلاته على تقیید المدة التی یکثر فیها التحقیق الابتدائی ، فألزمت الفقرة (6) من المادة (116) من قانون الإجراءات الجنائیة المضافة بقانون (15) یونیو لسنة (2000) قاضی التحقیق بإخطار المتهم والمدعی بالحقوق المدنیة بالفترة التی یتوقع أن تنتهی بها إجراءات التحقیق فیما إذا کانت المدّة أقل من سنة فی الجنح أو أقل من ثمانیة عشر شهراً فی الجنایات ، فإن زادت المدة المتوقعة عنها, فقاضی التحقیق ملزم بإبلاغ الأطراف المعنیة بحقهم فی طلب إنهاء التحقیق.
أما المشرع المصری فبین أنه یتعین عرض الأمر على النائب العام إذا مضى على حبس المتهم احتیاطیاً ثلاثة أشهر لاتخاذ ما یراه من إجراءات کفیلة للانتهاء من التحقیق, أما الأردنی فقد ذهب لضرورة ألزام المحقق بإنهاء تحقیقه خلال مدة زمنیة محددة من بدء التحقیق، حیث نصت المادة (2) من قانون محکمة الجنایات الکبرى رقم (33) لسنة (1976) على أنه "تباشر النیابة العامة أو الضابطة العدلیة إجراءات التحقیق التی یستوجب علیها القیام بها على وجه الاستعجال ، وذلک تحت طائلة المسؤولیة القانونیة عند وقوع أی تأخیر أو تواطؤ لا مبرر له فی تلک الإجراءات".
وهناک تشریعات تنص صراحة" لإنهاء التحقیق خلال مدة معینة، کالبلغاری الذی یحدد المدة بستة أشهر , والهولندی الذی یلزم النائب العام بإقفال التحقیق خلال ثلاثین یوماً من بدئها
المبحث الثانی
المدد المتعلقة بإجراءات التحقیق الابتدائی
إن للمدة دوراً کبیراً فی الإجراءات التحقیقیة، سواء بنوعها الرامی لجمع الأدلة أم الاحتیاطیة ، وسواء کان ذلک فی البدء باتخاذها أم أثناء السیر بهذه الإجراءات ، وفی کلتا الحالتین تتفاوت أهمیة المدة تبعاً لطبیعة الإجراء ومضمونها ومدى مساهمتها فی الکشف عن الحقیقة ، وتجدر الإشارة أن الإجراءات التحقیقیة مختلفة من حیث تعلقها وتقییدها بالمدة ، ومن حیث أثرها ، لذا نجد أن المشرع حدد لبعض منها نطاقاً زمنیاً ، وترک بعضها الآخر لتقدیر السلطات المختصة والبعض الثالث لم یرد بشأنه أیة إشارة إلى المدة ، الأمر الذی یوجب الرجوع للمبدأ الأساس فی التحقیق من حیث المدة آلا وهو السرعة فی الانجاز.
ونشیر هنا أن بعضاً من إجراءات التحقیق لا یلجأ إلیها القائم بالتحقیق إلا فی حالات خاصة ، وهی لا تتصل بالمدة اتصالاً وثیقاً، کعرض العفو على المتهم ، کما هناک إجراءات یکاد أن یکون دور المدة فیها ضئیلاً، کما هو الحال فی الشهادة ، ولأجل الإحاطة والإلمام بهذه الإجراءات فأننا سنتناول دور المدة فی کل من إجراءات التحقیق الابتدائی فی مطلب خاص لکل أجراء وکما یأتی:
المطلب الأول
دور المدة فی الانتقال والمعاینة
تدل کلمة الانتقال على حرکة مادیة یقوم بمقتضاها المحقق بمباشرة بعض إجراءات التحقیق فی غیر المقر العادی له ، فقد یکون الانتقال لأجراء معاینة ، أو لغرض آخر کسؤال شاهد، فالانتقال یکون لجمع الآثار المتعلقة بالجریمة وکذلک الأشیاء الأخرى التی تفید فی کشف الحقیقة بشأن الجریمة المرتکبة , فالإجراء هذا قد یکون مکانیاً بالانتقال إلى المکان، لذلک کثیراً ما یقترن المعاینة بالانتقال ، وقد یکون مادیاً ویکون محلها أشیاء سواء تمثلت فی جسم الجریمة أم آثارها، أم کل ما یوجد فی المکان الذی وقعت فیه الجریمة، وأخیراً قد تکون شخصیة"، یکون محلها الشخص, سواء المجنى علیه أم المتهم، ویعد هذا الإجراء من أهم إجراءات التحقیق الابتدائی، فهو الذی یسهل معرفة الجریمة ووسیلة ارتکابها ومعرفة فاعلیها وشرکائه إن وجدوا، ویعطی للقائم بالتحقیق القدرة على الوقوف لمدى توافق وقوع الجریمة بالصورة التی وردت على لسان المجنى علیه والشهود .
أما عن الإطار الزمنی لهذا الإجراء ، فیجب إجراؤه بأسرع وقت ممکن فکلما بادر القائم بالتحقیق بالانتقال لمحل الحادث، ساعد ذلک بالوصول إلى حقیقة الجریمة المرتکبة قبل أن تمتد إلیها أیادی العبث، لأن الانتقال المتأخر یؤدی إلى معالجة غیر صحیحة ، لذلک فإن أغلب القوانین الإجرائیة الجنائیة توجب الانتقال الفوری لمحل الحادث , ونادراً ما یستخدم المشرع تحدید مهلة زمنیة محددة للانتقال والمعاینة ویکتفی باستخدام ألفاظ دالة على السرعة کالفوریة والحال ، والحکمة فی ذلک, أن تحدید المدة مهما کانت قصیرةً لا یمکن بها تجنب إهمال القائم بالتحقیق ، فهو إن أراد ذلک فلا یقوم بها إلا فی الساعات الأخیرة للمدّة المحددة، ومن جانب آخر فإن مخالفة هذه المدة المحددة سوف یترتب علیه إلزام القائم بالتحقیق به ، وفی حالة مخالفته یتقرر المسؤولیة علیه ، وإن اقتصرت على المسؤولیة التأدیبیة فقط فالانتقال السریع قد یساعد فی معرفة کافة الشهود، وقد یساعد على مواجهة المتهم المنکر بالأدلة المادیة المکتشفة فی مکان الحادث ، والذی یساعد على اعترافه بالحادث .
لذا فإننا نرى بأن الوقت المناسب للانتقال والمعاینة هی عقب ارتکاب الجریمة مباشرةً، أو فور علم السلطات بارتکابها لما لهذا من أهمیة ودور فعال فی المحافظة على آثار الجریمة وعدم العبث بها .
المطلب الثانی
دور المدة فی الشهادة
کان ولا یزال سماع الشهود مصدراً أساساً من مصادر الأدلة الجنائیة ویندر أن تکون هناک قضیة بدون شهود، فالشهادة هی المعلومات التی یقدمها شخص من الأغیار لمصلحة التحقیق بشأن واقعة عاینها بحواسه ، ولذا ینبغی أن تتم فی أقرب وقت ممکن ، وذلک لما قد یطرأ على الظروف المحیطة بالشاهد من تغییر، کسفره خارج البلاد ، أو إصابته بمرض مؤثر فی قواه العقلیة أو النفسیة والتی تجعل شهادته دون قیمة قانونیة .
فکلما مضت على الواقعة مدة أکثر کان إدلاء الشاهد لشهادته أقل صلة بالحقیقة, والقاعدة هی أن الشهود یتم حضورهم أمام المحکمة بناءً على تکلیف بالحضور یعلن إلیهم بواسطة أحد القائمین بالتبلیغ أو أحد رجال الضبط القضائی.
وأخیراً فإن للمدة دوراً مهماً فی موانع الشهادة على وجه الخصوص شهادة الأزواج بعضهم ضد بعض ، إذ منع قانون أصول المحاکمات الجزائیة العراقی أن یکون أحد الزوجین شاهداً ضد الآخر, إلا إذا کان متهماً بجریمة زنا أو جریمة ضد شخصه أو ماله أو ضد ولد أحدهما، وذلک حرصاً لبقاء العلاقات الزوجیة واستمرارها ، وهذا المنع یشترط فیه من الناحیة الزمنیة ارتکاب الجریمة أثناء قیام العلاقة الزوجیة , أما ما یترتب بعد الانفصال والخلاف فلا تشملها المنع , وتطبیقاً لذلک قضت محکمة استئناف نینوى بصفتها التمییزیة فی قرار لها أنه: "لدى التدقیق والمداولة وجد أن الطعن التمییزی واقع ضمن المدة القانونیة فقرر قبوله شکلاً لدى عطف النظر إلى الحکم الممیز وجد أنه غیر صحیح ومخالف لأحکام القانون لأن المحکمة استندت فی قرار الإدانة على شهادة زوجة المتهم خلافاً لحکم (68/أ) الأصولیة لذا قرر نقض الحکم الممیز وإعادة إضبارة الدعوى إلى محکمتها لملاحظة ما تقدم وصدر القرار بالاتفاق ".
المطلب الثالث
دور المدة فی الخبرة
التحقیق هو محاولة الوصول للحقیقة، ولکن هذه الحقیقة قد تعترضها مسائل فنیة لا یستطیع القائم بالتحقیق بنفسه الفصل فیها لأنها تحتاج إلى معرفة خاصة لا تتوافر فی شخصه، فالخبرة هی الوسیلة التی تهدف لکشف عن بعض الدلائل بمعلومات فنیة خاصة عن طریق الخبرة.
وفیما یتعلق بدور المدة فی الخبرة فینبغی الإشارة لأمرین هما الأول هو الوقت المناسب للاستعانة بالخبرة والثانی ترتبط بتحدید موعد للخبیر لتقدیم تقریره حول الموضوع الذی عهد إلیه إبداء رأیه فیه .
أما الأمر الأول فقد أجاز القانون للقائم بالتحقیق الاستعانة بالخبراء فی المسائل التی تحتاج للخبرة، ومادة الخبرة تکون إما أشیاء قابلة للتلف أو الزوال لسبب أو لآخر, الأمر الذی یستوجب معها أن یسرع القائم بالتحقیق فی اللجوء إلى الخبرة .
أما عن موعد تقدیم الخبیر لتقریر خبرته ، فقد أشارت التشریعات الإجرائیة لضرورة تحدید مدّة زمنیة من قبل القائم بالتحقیق ینبغی خلالها على الخبیر المنتدب الالتزام بها ، وإلا ترتب على القائم بالتحقیق تجاه تخلّف الخبیر عن هذا الواجب اتخاذ مواقف مختلفة تجاهه ، کاستبداله بآخر ، واسترداد الأجور المدفوعة له، وتجاه هذه المدّة فینبغی مراعاة طبیعة عمل الخبیر والمدة التی یقترحها للقیام بعمله ، لأن ضیق هذه المدة ستؤدی لنتائج غیر صحیحة ، وتؤثر فی جودة العمل ، ولا أن تکون طویلاً، بحیث یؤدی لإطالة الإجراءات أو الإهمال من جانب الخبیر .
ونرى فی جمیع الأحوال أن یتم تحدید هذه المهلة بالاتفاق بین الخبیر والقائم بالتحقیق وأن یظل الأخیر متصلاً بالأول لیعلم بالمرحلة التی وصل إلیها الخبیر فی عمله ، إذ یلاحظ أن المشرع ترک أمر تقدیر هذه المهلة للقائم بالتحقیق وقد أوجب قانون الإجراءات الجنائیة المصری على الخبیر تقدیم تقریره کتابةً , کما أشارت المادة (87) على أن یحدد القاضی للخبیر میعاداً لتقدیم تقریره دون تجدیده، وأجاز للقاضی فی حالة تخلف الخبیر أن یستبدل به بآخر .
أما قانون أصول المحاکمات الجزائیة العراقی فلم یتضمن نصاً مماثلاً، فإلى جانب تنظیمه أحکام الاستعانة بالخبراء، لم یتطرق لمسألة میعاد لتقدیم التقریر من الخبیر. لذا نرى ضرورة إدخال نص یعطی القائم بالتحقیق هذه الصلاحیة مع وضع حد أقصى للمیعاد مع بیان الجزاء المترتب على تخلف الخبیر عن ذلک ومدى جواز تجدید المدّة .
المطلب الرابع
دور المدة فی التفتیش
یقصد بالتفتیش کإجراء من إجراءات التحقیق الابتدائی، الاطلاع على محل له حرمة خاصة للبحث عما یفید التحقیق ، ویعد من بین إجراءات التحقیق الخطیرة والمهمة ، لما ینطوی علیه من تعرض لحریة المتهم فی شخصه أو مسکنه أو مراسلاته من جهة ، إضافةً لکونه إجراء لجمع الأدلة من جهة أخرى, وعرّف التفتیش بأنه (أجراء تقوم به السلطة التنفیذیة بقصد الکشف عن کل شیء من شأنه أن یکون قد ساعد أو سهل فی ارتکاب الجریمة وضبطه فی محل یتمتع بحرمة حق السریة)، وأجاز المشرع العراقی التفتیش فی جمیع الجرائم ، بینما أجازه المصری فی الجنایات والجنح دون المخالفات.
وقد حرص المشرع لإحاطة التفتیش بضمانات وقیود تکفل حمایة الفرد وحرمة مسکنه، ولن نطیل فی قواعد التفتیش وضماناته بقدر ما سنتطرق لبیان دور المدة فی إجراء التفتیش وذلک فی فرعین أولها لنطاق أمر التفتیش والثانی للوقت المحدد للتفتیش وکما یأتی :
الفرع الأول
نطاق أمر التفتیش من حیث الزمان
یجب أن یتم أجراء التفتیش فی مدة محددة ، إذ لا یجوز للقائم به إجراءه بعد انقضاء هذه المدة ،وجرى العمل فی مصر على تحدید المدة الواجب إجراء التفتیش بها, فإن انقضت دون إجرائه لسبب أو لآخر، فلا یجوز للقائم به إجرائه ، وینبغی أن لا تطول هذه المدة عند تحدیدها إلى الدرجة التی تجعل المتهم مهدداً بالتفتیش لمدة طویلة , وعند تحدید أمر التفتیش بأجل معین، فلا یشترط أن یتم تنفیذه فور صدوره ، بل یکفی أن یکون فی وقت یدخل فی المدة المحددة للأمر، فللقائم تنفیذه فی الوقت المناسب لیکون التفتیش مثمراً ومستوفیاً لغایته .
ومن الأفضل أن یتضمن الأمر بالتفتیش تحدید نفاذه بأیام محددة تبدأ من ساعة وتاریخ إصداره حتى لا یکون فیه لبس، وقد یحدد بالأیام دون الساعة أو التاریخ ,ویثار هنا الخلاف حول احتساب هذه الأیام فیما إذا نفذ فی الیوم الأخیر ، حیث أن هناک من یرى أن یوم الإصدار یحتسب وآخر یرى أن هذا الیوم لا یدخل فی نطاق الأیام المحددة .
ولم یحدد المشرع الفرنسی أو المصری أو العراقی مدة معینة لسریان أمر التفتیش ، ولذا یمکن أن یصدر خالیاً من تحدید المدة التی یجب تنفیذه خلالها ویظل الأمر قائماً ما دامت الظروف التی اقتضت إصدار أمر التفتیش قائماً لم یتغیر .
ویجب أن ینفذ الأجراء خلال مدة معقولة , وتحدید هذه المدة تعتمد على ظروف کل حالة على حدة ، ولمحکمة الموضوع تقدیر ذلک، ولا بد من الإشارة أن النطاق الزمنی لأمر التفتیش یجب أن لا یخلو من أحد أمرین :
الفرع الثانی
الوقت المحدد لأجراء التفتیش
إن التفتیش إجراء ینطوی على المساس بحریة الشخص وحرمة مسکنه وینطوی على اعتداء على حقه بالاحتفاظ بأسراره ، وهذا الاعتداء یکون أشد وقعاً علیه إذا ما تم مباشرة هذا الإجراء فی أوقات راحته وخاصةً إذا کان المشتبه به بریئاً .
لذلک حرصت التشریعات لتخصیص مدة زمنیة یباشر بها التفتیش ، فقد حرمت المادة (76) من الدستور الفرنسی الدخول إلى المنازل لیلاً إلا فی حالات الحریق أو الغرق أو الاستغاثة، واستخدم قانون الإجراءات الجنائیة الفرنسی هذا المبدأ فی المادة (59) منه, إذ منع دخول المنازل لیلاً بین الساعة التاسعة مساءً أو السادسة صباحاً، وعند مخالفة هذه القاعدة فإن المحقق یعد مرتکباً لجریمة انتهاک حرمة المسکن وفق المادة (184) من قانون العقوبات الفرنسی، وقد أجاز المشرع الفرنسی التفتیش لیلاً فضلاً عن الحالات الثلاثة الاستثنائیة فی أوقات الطوارئ طبقاً لنص المادة (11) من قانون (3) نیسان لسنة (1955) ، وکذلک فعل فی المادة (17) من قانون رقم (23) لسنة (1963) فیما یتعلق بجرائم أمن الدولة, وسار القضاء الفرنسی فی بعض أحکامه على جواز التفتیش لیلاً بشرط موافقة صاحب الشأن صراحةً ، وفی الأحوال التی تستوجب عدم التأخیر خشیة هروب المتهم أو تهریب الأشیاء التی یراد ضبطها وجب محاصرة المنزل ومراقبته حتى الصباح , وبینت المادة (59) من قانون الإجراءات الجنائیة الفرنسی المقصود باللیل وتحدید مدته.
کما أن هناک قوانین نصت صراحة" على عدم جواز التفتیش لیلاً ، فالمادة (104) من قانون الإجراءات الجنائیة الألمانی أشارت لعدم جواز التفتیش لیلاً إلا فی حالة التلبس أو وجود خطر فی الداخل أو القبض على مسجون هارب، فلا یسرى هذا الأمر على المنازل التی تحت مراقبة الشرطة ولا المحال المفتوحة للعامة أو المعروفة للشرطة باستخدامها کملتقى لأشخاص محکوم علیهم، وحددت الفقرة الأخیرة من المادة المذکورة أوقات اللیل بصنفین أحدهما تبدأ من الأول من نیسان إلى الثلاثین من أیلول یشمل اللیل الساعة التاسعة مساءً إلى الرابعة صباحاً والثانیة من الأول من تشرین الأول إلى الحادی والثلاثین من آذار ویشمل اللیل من الساعة التاسعة مساءً للسادسة صباحاً.
وهکذا فإن القانون الألمانی فرق فی ذلک بین الصیف والشتاء ، أما على صعید التشریعات العربیة، فقد أوجب الفصل (64) من قانون المسطرة الجنائیة المغربیة على عدم مباشرة التفتیش قبل الساعة الخامسة صباحاً وبعد التاسعة لیلاً ، إلا إذا طلب ذلک صاحب المنزل أو وجهت نداءات من داخله أو کانت هناک أحوال استثنائیة قررها القانون ، وجاء بنفس المعنى المادة (53) من قانون الإجراءات الجنائیة القطری .
أما فیما یخص القانون العراقی فلم یرد فیه نص یعالج وقت التفتیش، ولذلک یمکن أن یجری لیلاً أو نهاراً وحتى فی أیام العطل والأعیاد ، وهنا لم یکن المشرع موفقاً بهذا الشأن ، لأن أجراء التفتیش فی أوقات الراحة أشد وطأة وتأثیراً على الشخص المراد تفتیش منزله، وهذا موقف قانون الإجراءات الجنائیة المصری أیضاً حیث لم یتضمن أی قید یتعلق بوقت أجراء التفتیش، لذا فإن إدخال نص یقضی بعدم جواز اللجوء للتفتیش لیلاً فی قانون أصول المحاکمات الجزائیة العراقی ضرورة لابد منها, وإن تم تخصیص بعض الحالات منها إستثناء کالتلبس أو الحریق أو غیرها مما یذکر على سبیل الحصر لا المثال, خاصة إذا ما رجعنا لقانون المرافعات المدنیة العراقی النافذ حیث وردت فی المادة (17) منه على عدم جواز أجراء التبلیغات القضائیة قبل شروق الشمس أو بعد غروبها أو فی أیام العطل الرسمیة رغم أن التبلیغ أقل أهمیة وتأثیرا" من التفتیش مع مراعاة تحدید فترة اللیل وتغییر التوقیت بإختلاف الفصول أسوة مع المشرع الألمانی، وربما یبدأ التفتیش نهاراً ویستمر إلى حلول اللیل فهنا تستمر الإجراءات لان العبرة بلحظة بدئها.
المطلب الخامس
دور المدة فی الاستجواب
الاستجواب هو سماع أقوال المتهم ومناقشته فیما هو منسوب إلیه من الوقائع، وما یبینه من أوجه دفع للتهمة أو اعترافه بها، للوقوف على مقارنتها مع الوقائع التی توصل إلیها التحقیق لأجل کشف حقیقة الواقعة ودور مسؤولیة المتهم فیها أو براءته منها, ونظراً لدور الاستجواب بین إجراءات التحقیق ، فهو یعتبر طریق إتهام ودفاع معاً فی آن واحد, ولأجل أن یکون الاستجواب وسیلةً یستطیع بها المتهم نفی التهمة عن نفسه، ولا یستغل الاستجواب للحصول على اعتراف کاذب من المتهم، ینبغی إحاطته بعدد من الضمانات ، ومن أهمها، إحاطته علماً بالتهمة المنسوبة إلیه ، وحریته فی الکلام أو عدم جواز استعمال الإکراه ضده، ودعوة محامی المتهم لحضور الاستجواب وحقه فی الصمت، وأخیراً مراعاة الوقت والمدة فی الاستجواب. وبما أن محور هذه الرسالة تتمرکز حول المدة فإننا سنقتصر على الإشارة لدور الوقت والسرعة کضمانة فی الاستجواب وذلک بالفرعین الآتیتین :-
الفرع الأول
البدء فی الاستجواب
لکی یکون الاستجواب سلیماً وصحیحاً، فینبغی عدم التأخیر فی البدء به ومباشرته قدر الإمکان عقب معرفة المتهم مباشرة. حیث أن الإسراع فی البدء به من شأنه أن یحقق فوائد کثیرة ، منها ما یتعلق بالمتهم ومنها ما یتعلق بالعدالة، فالاستجواب یجعل المتهم على إطلاع بما نسب إلیه من التهم حتى یتمکن من ممارسة دفاعه ، وکی لا یبقی فترةً طویلةً قید الاحتجاز دون معرفة ما یدور حوله من تهم وإجراءات یتخذ بحقه, فالسرعة فی الاستجواب قد یؤدی إلى التوصل لمرتکب الجریمة الحقیقی أو الشرکاء أو المساهمین وبذلک فإنه یساعد المتهم البریء لإبداء وسائل دفاعه بوقت مبکر ودحض ما قام ضده من أدلة ، أما فیما یخص العدالة ، فإن السرعة فی بدء الاستجواب یکون لها أثرها فی تحقیق العدالة حیث أن مضی وقت طویل لارتکاب الجریمة یعطی فرصة" للمتهم ومتسعا" من الوقت لیتمکن من تلفیق دفاعه ، بینما تکون أقواله المسموعة فی وقت قریب من وقوع الجریمة أقرب نسبیاً للعدالة, وتطبیقاً لذلک قضت محکمة جنایات نینوى بصفتها التمییزیة فی قرار لها :" لدى التدقیق والمداولة وجد أن سیارة النجدة قد جلبت المجنى علیه إلى مرکز الشرطة مساء یوم 9/6/1974 وکان مصاباً بطلق ناری فی الصدر وإن المفوض الخفر الذی هو بحکم المحقق عملاً بحکم الفقرة (ب) من المادة(50) الأصولیة ودون أقواله فأفاد أن والده تشاجر معه وأطلق علیه إطلاقتین من مسدسه أصابته إحداهما فی صدره فهرب إلى المقهى القریبة وذکر أسباب هذا الشجار وتفاصیله وقد أدخل المستشفى وذهب إلیه الحکم الخفر ودون أقواله فی نفس اللیلة فأید ما أفاد به أمام المفوض الخفر قبل نقله إلى المستشفى وعند إلقاء القبض على المتهم وتدوین أقواله من قبل المفوض الخفر فقد اعترف المتهم بحدوث شجار بینه وبین ولده المجنى علیه وأنه رمى علیه إطلاقتین أصابته إحداهما وأن هذه الشهادات دونت بعد وقوع الحادث مباشرةً وأنه أقرب إلى الحقیقة إن الرجوع عنها وتصویر الحادث على أنه من قبل الخطأ یراد به إنقاذ المتهم وقد جرى ذلک بعد نجاة المجنى علیه من الحادث ,فرکون المحکمة إلى الشهادات والأقوال المتأخرة واستبعادها لما دون بعد الحادث من أقوال وشهادات لم یکن له ما یبرره وعلیه ولکفایة الأدلة واستناداً إلى الفقرة (8) من المادة (259)الأصولیة قرر نقض قرار قبول الصلح وبقیة القرارات الأخرى الصادرة فی القضیة إعادة أوراق الدعوى إلى محکمتها لإجراء المحاکمة مجدداً بغیة الإدانة والحکم وفق مادة التهمة وللمحکمة توقیف المتهم أو إبقاء کفالته السابقة وصدر القرار بالاتفاق".
ولقد اهتمّت التشریعات الإجرائیة بالوقت الواجب إجراء الاستجواب فیه، إذ اتفقت على ضرورة إجرائه عقب معرفة المتهم مباشرة بقدر الإمکان ، فقد أوجبت المادة (123)من أصول المحاکمات الجزائیة العراقی على قاضی التحقیق أو المحقق استجواب المتهم خلال أربع وعشرین ساعة من حضوره ، بعد التثبت من شخصیته وإحاطته علماً بالتهمة المنسوبة إلیه ، وأجاز إعادة الاستجواب فیما یراه قاضی التحقیق أو المحقق لازماً لبیان الحقیقة ، وإن حضور المتهم للاستجواب أمر مفترض سواء کان عن طریق التکلیف بالحضور أو بالقبض علیه ، حیث أن هذا الحضور هو الذی یحدد به المدة الواجبة استجواب المتهم خلاله وهی أربع وعشرین ساعة ، والقول بذلک لا یعنی تقیید سلطة التحقیق بالاستجواب فی وقت معین کقاعدة عامة، إنما یجوز الالتجاء إلیه فی أیة لحظة من مرحلة التحقیق ، إلا أن هناک من یرى بأن الاستجواب یمکن أن یکون أول إجراءات التحقیق ،وقد یکون فی لحظة تلی سماع الشهود أو المعاینة ، علما أن المستحسن إجراءه فورا فی حالة اعتراف المتهم بالتهمة المنسوبة إلیه عند سؤاله شفهیا أی قبل أی إجراء أخر، وعند الإنکار یفضل الاستجواب بعد جمع أدلة الثبوت الأخرى لمواجهته بها .
وقد أوجب المشرع المصری هو الأخر أجراء الاستجواب خلال أربع وعشرین ساعة إذا کان المتهم مقبوضاً علیه .
ونشیر هنا لإحدى الضمانات المقررة للمتهم أثناء الاستجواب ، وهو حضور المحامی ، إلا أن القائم بالتحقیق لا ینتظر طویلا" حضور المحامی ، فإذاً لکی یکون الاستجواب مثمراً ینبغی إجراؤه فی وقت مناسب یختلف حسب ظروف کل واقعة وملابساتها .
الفرع الثانی
المدة التی یستغرقها الاستجواب
بما أن موضوع الاستجواب تتجسد فی أسئلة المحقق وأجوبة المتهم ، ومواجهته بالأدلة، فهذا الأمر یحتاج بطبیعته لمدّة زمنیة قد تطول لساعات ، وقد یلتزم خلالها المتهم بالصمت، وقد لا یصل فیها القائم بالتحقیق لنتائج ، الأمر الذی یستلزم معه أجراء الاستجواب فی وقت أخر لاسیما بظهور معلومات جدیدة أو شاهد جدید ، ولم یحدد المشرع العراقی کیفیة الاستجواب ومدته وعدد المرات المسموح بها للمحقق باستجواب المتهم خلال فترة التحقیق، حیث ترک ذلک للسلطة التقدیریة لقاضی التحقیق أو المحقق ، حیث أجاز استجواب المتهم کلما کان ذلک ضروریاً، وأعطى للمتهم الحق فی أن یبدی أقواله فی أی وقت بعد سماع أقوال أی شاهد وأن یناقشه أو یطلب استدعائه.
أما فیما یخص مدة الاستجواب طولاً وقصراً فلم یحددها المشرع بنطاق زمنی ، أخذاً بنظر الاعتبار عدم إرهاق المتهم باستجوابه مدة طویلة، مما یؤثر فی قواه العقلیة والذهنیة وفقد السیطرة على أعصابه ،ویؤدی لانتزاع اعترافه , وقد منعت المادة (127) من قانون أصول المحاکمات الجزائیة العراقی استعمال وسائل غیر مشروعة مادیة أو معنویة للحصول على إقراره .
المطلب السادس
دور المدة فی القبض
إن القبض من الإجراءات الاحتیاطیة للتحقیق الابتدائی، فهی مقدمة ضروریة للتوقیف، حیث أن کل موقوف مفترض بأنه مقبوض علیه قبل ذلک , فالقبض إجراء خطیر المساس بالحریة الفردیة والتی تکفلها التشریعات کافة وتحیطها بضمانات متعددة.
فهو إذاً وسیلة لإحضار المتهم أمام الجهات التحقیقیة وإبقائه لمدة زمنیة مؤقتة یتم من خلالها استجوابه، ویقرر بعدها مصیره إما بإطلاق سراحه أو توقیفه ، حسب ظروف التحقیق، وبذلک فإنه إجراء مؤقت ینبغی أن لا یستغرق وقتاً طویلاً ، فهو إجراء استثناء على الأصل، لذا یجب أن یقید نطاقه زمنیاً, وقد حرصت التشریعات الإجرائیة الجنائیة على تنظیم مدته وتحدیده، کما حددت بعضها مدة نفاذ أمر القبض بفترة زمنیة محددة یکون نافذاً خلالها ، ولا یجوز تنفیذها خارج هذه المدة ومن أجل بیان دور المدة فی القبض فإننا سنستعرضه فی الفرعین الآتیتین :-
الفرع الأول
النطاق الزمنی لنفاذ أمر القبض
انقسمت التشریعات الإجرائیة بشأن النطاق الزمنی لأمر القبض لاتجاهین هما: الأول أطلاق أمر القبض من الناحیة الزمنیة وإبقاءه نافذ المفعول لحین تنفیذه أو إلغائه ممن أصدره أو من جهة أعلى منها مخولة قانوناً. کالتشریع العراقی إذ نصت الفقرة (أ) من المادة (94) من قانون أصول المحاکمات الجزائیة على أنه " یکون أمر القبض نافذ المفعول فی جمیع أنحاء العراق وواجب التنفیذ ممن وجه إلیه ویظل ساریاً حتى یتم تنفیذه أو إلغائه ممن أصدره أو من سلطة أعلى منه مخولة قانوناً".
أما الاتجاه الثانی وهو الذی أخذت به معظم التشریعات الإجرائیة حیث ذهبت لتحدید النطاق الزمنی لنفاذ أمر القبض ، وتتطلب تنفیذه بعد مضیء المدة المحددة ضرورة تجدیده من قبل الجهة التی أصدرته , منها التشریع المصری إذ منع قانون الإجراءات الجنائیة تنفیذ أمر القبض والإحضار أو أمر الحبس بعد ستة أشهر من تاریخ صدوره ما لم یعتمده المحقق لمدة أخرى, ومسألة تقیید نفاذ أمر القبض زمنیاً یتفق مع طبیعة أمر القبض الماسة بالحریة الشخصیة ، فمرور مدة طویلة لصدور أمر القبض دون تنفیذه قد یؤدی إلى کشف حقائق وظروف تدعو للعدول عن أمر القبض، وهناک اعتبارات دستوریة وقانونیة وعملیة تدعو لتحدید فترة زمنیة لنفاذ أمر القبض, أما الاعتبار الدستوری فهو أن القبض فیه مساس بالحریة الفردیة المصانة دستوریاً والتی یجب أن یقید المساس بها بصدور إذن أو أمر نابع عن ضرورة التحقیق وصیانة أمن المجتمع ، ولذا فإنه من غیر المنطقی أن یظل هذا المساس قائماً لآجل غیر محدد، فلا یوجد تحقیق مفتوح إلى مالا نهایة وهذا ما بینته المادة (17)من الدستور العراقی لسنة 2005. أما الاعتبار القانونی فإنه یستلزم أن یکون أمر القبض متضمناً تحدید تاریخ صدوره لما سیترتب على هذا من أثار ووقائع کتقادم الدعوى الجزائیة ، أما الاعتبار العملی فإن تحدید نفاذ أمر القبض یمثل دافعاً للسلطات المختصة بتنفیذه للسعی بکل جهد لأجل هذا التنفیذ وبعکسه ویکون عدم التحدید مدعاةً للتقاعس عن التنفیذ.
لذا یجب إضافة نص فی قانون أصول المحاکمات الجزائیة بهذا الشأن لتحدید نفاذ أمر القبض وضرورة تجدیده کلما انتهت مدته .
الفرع الثانی
مدة القبض
إن مدة القبض تنصرف للمدة الزمنیة التی یبقی المتهم فیها تحت تصرف السلطات من لحظة إحضاره أمامها، وقد تتکون مدة القبض فی بعض الأحوال من فترتین الأولى : المدة الواجب إحضار المقبوض علیه خلالها أمام السلطات التحقیقیة من قبل القائم بتنفیذ أمر القبض والثانیة : المدة الواجب إبقاء المقبوض علیه خلالها لدى السلطات التحقیقیة لغرض استجوابه وتقریر مصیره. ونجد أن معظم القوانین الإجرائیة الجنائیة تنص على مدة محددة للقبض، وهی أربع وعشرون ساعة فی بعضها وثمان وأربعون ساعة فی تشریعات أخرى، وقد أوجب المشرع المصری على المحقق أن یستجوب المتهم المقبوض علیه فوراً، وإذا تعذر ذلک یودع فی السجن لحین استجوابه، على أن لا تزید مدة إیداعه على أربعة وعشرین ساعة، وبمضی هذه المدة یجب على مأمور السجن تسلیمه للنیابة العامة ، وعلى الأخیر مطالبة قاضی التحقیق فی الحال استجوابه، وعند الضرورة تطلب من قاضی الجزاء أو رئیس المحکمة وإلا أمرت بأخلاء سبیله, وإذا تم القبض بمعرفة رجل الضبط القضائی فی الأحوال المخولة قانونا" فان هذه المدة یمکن أن تصل لأربع وعشرین ساعة وفق المادة (36) إجراءات جنائیة مصری والمادة (100) من قانون أصول المحاکمات الجزائیة الأردنی. فی حین تذهب تشریعات إجرائیة جنائیة أخرى لجعل الحد الأقصى لمدة القبض ثمان وأربعین ساعة ،کالتشریع المغربی فی الفصل (149) من قانون المسطرة الجنائیة ، والمادة(121) من قانون الإجراءات الجنائیة الجزائری .
أما المشرع العراقی فلم یتطرق لمسألة تحدید المدة التی یجوز إبقاء المقبوض علیه عند نصه لأحکام القبض ، ولکن بالرجوع لنص المادة (123) من قانون أصول المحاکمات الجزائیة العراقی نجدها توجب على قاضی التحقیق أو المحقق استجواب المتهم خلال أربع وعشرین ساعة من حضوره دون إشارة إلى ما یجب تقریره بعد مضیء هذه المدة ،خلافاً لما ورد فی القوانین الإجرائیة الأخرى .ولذا یمکن القول بأن هذه المدة المحددة للاستجواب هی التی یجوز فیها إبقاء المتهم المقبوض علیه محتجزاً ،لأن غرض القبض هو الاستجوابی.
وکان الأفضل والأجدى للمشرع أن یبن صراحة" مدة القبض إلى جانب ما یجب تقریره من إجراءات بعد مضیء هذه المدة أسوةً بالقوانین المقارنة. وتطبیقاً لذلک قضت محکمة جنایات نینوى بصفتها التمییزیة فی قرار لها أنه:" لدى التدقیق والمداولة لوحظ عدم وجود ما یشیر إلى تبلغ المتهم أو کفیله رغم تأجیل المحاکمة لعدة مرات ولتأخر حسم الدعوى ولخطورة الجریمة قررت المحکمة التدخل تمییزاً بقرار الإحالة ونقضه وإعادة إضبارة الدعوى إلى محکمة التحقیق لإصدار أمر القبض بحق المتهم وتوقیفه وإحالته موقوفاً لإجراء محاکمته عن التهمة المسندة إلیه وصدر القرار بالاتفاق".
وأخیراً فی هذا الإطار نشیر أن القبض ینتهی إما بإطلاق سراح المتهم أو توقیفه حسب ما یراه القائم للاستجواب حیث أن بعض التشریعات قد رتبت على بقاء المقبوض علیه لمدة تتجاوز الحد المقرر قانوناً تقریر المسؤولیة الجنائیة وعده مرتکباً لجریمة حجز الحریة ، حیث یبین المادة (126) من قانون الإجراءات الجنائیة الفرنسی أن إبقاء المقبوض علیه بموجب أمر القبض لأکثر من أربع وعشرین ساعة دون استجوابه یعتبر عملاً تعسفیاً یعاقب علیه وفق الفقرات (4) و (6) من المادة (432) من قانون العقوبات الفرنسی. وهذا ما أشارت إلیه أیضا المادة (103)من قانون أصول المحاکمات الجزائیة اللبنانی.
المطلب السابع
دور المدة فی التوقیف
یعد التوقیف, من أخطر الإجراءات الاحتیاطیة المتخذة ضد المتهم ، لما یترتب علیه من مساس بالحریة الشخصیة وتناقض لمبدأ قرینة البراءة ، کما أن فیها خروجاً على المبدأ العام الذی یتضمن عدم سلب الحریة الشخصیة قبل صدور حکم بات بالإدانة. وقد عرف التوقیف بأنه" وضع المدعى علیه فی أحدى محال التوقیف طیلة مدة التحقیق معه أو خلال فترة منه بموجب أمر صادر من قاضی التحقیق .وقد یستمر إلى أن یصدر حکم بات فی الدعوى".
وقد ذکرت مقتضیات ومبررات متعددة لإضفاء الشرعیة على التوقیف، من أبرزها أنه یضمن سیر التحقیق وسلامته ویضمن تنفیذ العقوبة بعد صدور حکم بالإدانة , فضلاً عن أن إطلاق سراح المتهم یکون بعیداً عن تصرف السلطة التحقیقیة الأمر الذی یستلزم معه لإحضاره ثانیةً اتخاذ إجراءات متعددة تستغرق فترةً زمنیةً أخرى مما یضر بالعدالة .
کما أنه یمثل إجراء یستوجبه ضرورة الأمن بالنسبة للمتهم والمجتمع معاً ،حیث یکون الأول بمنأى عن بطش وانتقام المجنى علیه وذویه ،والثانی یتحقق أمنه من خلال منع المتهم من احتمال ارتکاب جریمة أخرى فیما لو ترک حراً ، کما أن ترک المتهم طلیقاً یعطی فرصة أکبر لهروبه من ید العدالة أو یسهل العبث بالأدلة بإخفائها أو طمسها أو التأثیر بالشهود.
ورغم کل ما تم ذکره من مبررات ودواعی للتوقیف ، فإن ذلک لا ینفی عنه الصفة الخطیرة الماسة بحریة الأفراد ، الأمر الذی یستوجب معه وضع قواعد وضمانات تحد من خطورته إلى الدرجة التی لا یتجاوز بها الأهداف المرجوة منها, ومن أهم الضمانات المقررة فی التوقیف ضمان المدة ،أی تقییدها من الناحیة الزمنیة بفترة أو مدة محددة.
وقد اختلفت التشریعات الإجرائیة بصدد معالجة مدة التوقیف وانقسموا إلى اتجاهین نتناولهما فی الفرعین الآتیتین :-
الفرع الأول
تحدید مدة التوقیف وجواز تمدیدها مع التقید بالحد الأقصى لمجموع المدد
تذهب بعض الدول إلى وضع حد أقصى لمدة التوقیف، فإلى جانب تحدید مدة التوقیف فی کل مرة وجواز تمدیدها ، فإنها تضع حداً أقصى لمجموع مدد التوقیف باستثناء حالات خاصة محددة فی القانون . کالجرائم المعاقب علیها بالإعدام، وفی هذا الاتجاه فإن التشریعات التی سارت على هذا المنحى اختلفت فی وضع الحد الأقصى لمدة التوقیف کما أن قسماً منها میّز بین الجنح والجنایات بشأن الحد الأقصى وأقتصر على الجنح دون المخالفات ، وعلى أیة حال فإن کلاً من القانون العراقی والمصری أخذ بهذا الاتجاه، إذ حدد المشرع العراقی مدة التوقیف بخمسة عشر یوماً فی کل مرة مع جواز تکراره عند الحاجة.
وهذه القاعدة من الضمانات المهمة، لأنها تؤدی لتذکیر القاضی بین فترة وأخرى بأن هناک شخص موقوف على ذمة التحقیق ، مما یحثه على الإسراع فی التحقیقات للوصول إلى النتیجة المقررة لمصیر ذلک الشخص, وتجنباً للإطالة فی مدة التوقیف خاصة بعدما أجاز المشرع تکرارها لمدة مماثلة عند الاقتضاء، فقد جاء بقاعدة أخرى تحد من هذه الإجازة بوضع حد أقصى لمجموع مدة التوقیف حیث تنص الفقرة (ج) من المادة (109)محاکمات جزائیة عراقی على أنه" لا یجوز أن یزید مجموع مدد التوقیف على ربع الحد الأقصى للعقوبة..." .
أی جعل المشرع بین مجموع مدة التوقیف والعقوبة المقررة للجریمة علاقة مباشرةً ، حیث جعل الحد الأقصى لمجموع مدة التوقیف ربع الحد الأقصى للعقوبة . وتلافیاً لما قد یترتب على التوقیف فی بعض الجرائم التی تصل عقوبتها إلى السجن لمدة لا تزید عن عشر سنوات, إذ أن مدة توقیف فی مثل هذه الجرائم یصل حدها الأقصى لسنتین طبقاً للقاعدة السابقة.
لذا ومن أجل تفادی هذه الحالة فقد أورد المشرع العراقی قاعدة أخرى فی نفس الفقرة المذکورة ، حیث لم یجز أن تزید مجموع مدة التوقیف بأیة حال عن ستة أشهر، وعندما تقتضی الحالة التمدید لأکثر من ذلک ، فعلى القاضی عرض الأمر على محکمة الجنایات لتأذن له بالتمدید على أن لا یتجاوز ربع الحد الأقصى أو تقرر أطلاق سراحه بکفالة أو بدونها.
أما الحبس الاحتیاطی فی قانون الإجراءات الجنائیة فإنها تختلف باختلاف الجهة المصدرة للأمر ، فإذا صدر من النیابة العامة فلا یکون نافذاً إلا لمدة أربعة أیام تلی القبض على المتهم إذا کانت هی التی أمرت بالقبض أو التی تلی تسلیمه للنیابة إذا کان مقبوضاً علیه من قبل.
أما إذا استلزم الأمر توقیعه أکثر من هذه المدة فعلى النیابة العامة قبل انقضاء المدة المذکورة أن تعرض الأوراق على القاضی الجزائی لیصدر أمره بما یرى .
إذ أن للقاضی مد الحبس لمدد متعاقبة على أن لا تتجاوز خمسة وأربعین یوماً , وفی جمیع الأحوال یجب أن لا تزید مدة الحبس الاحتیاطی ستة أشهر ما لم یکن المتهم قد أعلن إحالته للمحکمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة, وتطبیقاً لذلک قضت محکمة جنایات نینوى بصفتها التمییزیة فی قرار لها أنه: "لدى التدقیق وجد أن طلب قاضی محکمة تحقیق الموصل الجنوبی بتمدید موقوفیّة المتهم والموقوف وفق أحکام المادة (444 ق.ع) وارد قانوناً لذا قرر الإذن لقاضی محکمة تحقیق الموصل الجنوبی بتمدید موقوفیة المتهم لمدة شهر واحد على أن یتم خلالها تنفیذ ما جاء بقرار هذه المحکمة المرقم 575/ت/2008 فی 16/11/2008 والقاضی بإحالة الأوراق التحقیقیة إلى الدائرة القانونیة فی مدیریة شرطة نینوى حسب الاختصاص الوظیفی وصدر القرار بالاتفاق" .
ولقاضی التحقیق جواز مد الحبس مدداً أخرى على أن لا تزید مجموعها عن خمسة وأربعین یوماً بعد سماع أقوال النیابة العامة والمتهم وذلک استناداً للفقرة الأولى من المادة (142) إجراءات جنائیة على أنه فی مواد الجنح یجب الإفراج حتماً عن المتهم المقبوض علیه بعد مرور ثمانیة أیام من تاریخ استجوابه إن کان له محل إقامة معروف فی مصر وکان الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانوناً لا یتجاوز سنة واحدة ولم یکن عائداً وسبق الحکم علیه بالحبس أکثر من سنة.
الفرع الثانی
تحدید مدة التوقیت وجواز تمدیدها دون التقید بحد أقصى لمجموع المدد
تذهب التشریعات التی سارت على هذا الاتجاه لتحدید مدة التوقیف وأجازت تجدیدها أو تمدیدها لأکثر من مرة دون تحدید حد أقصى لمجموع المدة التی یصل إلیها التوقیف.
ومن هذه التشریعات التی سارت على هذا الاتجاه قانون المسطرة الجنائی المغربی وقانون أصول المحاکمات الجزائیة الأردنی وغیرها وقد نص الفصل (154) من قانون المسطرة الجنائیة المغربیة على أنه "لا یمکن...أن یتعدى الاعتقال الاحتیاطی أربعة أشهر وإذا ظهر عند انصرام هذا الأجل ضرورة استرسال الاعتقال الاحتیاطی جاز لقاضی التحقیق تمدید مدّة الاعتقال بمقتضى أمر قضائی معلل...ولا یمکن أن تتجاوز فی کل تمدید أربعة أشهر" فالمادة ذکرت مدة التوقیف بأربعة أشهر قابلة للتمدید دون بیان الحد الأقصى.
ونشیر هنا أن وضع حد أقصى لمجموع مدد التوقیف یتفق مع العدالة وأهداف التحقیق وطبیعتها ویؤدی للحیلولة دون تعسف استعمال سلطة التوقیف وأما التمدید دون تحدید حد أقصى لمجموعها ففیه خروج على قرینة البراءة المفترضة حیث أن التوقیف لم یشرع إلا لأجل تحقیق المصلحة العامة والعدالة.
ولابد فی هذا الإطار أن نشیر أن هناک ثمة قوانین إجرائیة لا تنص أصلاً على تحدید مدة للتوقیف کالقانون اللبنانی وهذا یعنی أن التوقیف قد یستمر طوال مدّة التحقیق إلى مثول المتهم أمام المحکمة المختصة إلا إذا رأت سلطة التحقیق غیر ذلک وأخلت سبیله إما جوازاً أو وجوباً.
ونشیر هنا أیضاً لحکم المادة (111) من قانون أصول المحاکمات الجزائی العراقی الخاص بإعادة توقیف المتهم إذا اقتضت ضرورة التحقیق ذلک حیث نصت المادة على أنه "... له إعادة توقیفه إذا اقتضت ضرورة التحقیق ذلک" ولذا فإن انتهاء التحقیق بسبب أیة حالة من الحالات الواردة فی القانون , فإنه یبقى تقریر توقیف المتهم جائزاً عندما تکون هناک ضرورات تستدعی ذلک وغالباً ما یرجع إعادة التوقیف إلى إخلال المتهم بما یفرضه إطلاق سراح من التزامات, أو قیام ظروف جدیدة تدعو لتوقیفه, أو إذا أصبح إطلاق سراحه خطراً على الأمن العام أو استجدت ظروف جدیدة أدت لتغییر وصف الجریمة.
وفی صدد المدة المقررة لإعادة التوقیف فلم یبین المشرع العراقی هذه المدة. و هناک رأی ذهب للقول بأن المدة الجدیدة تکون مکملةً للسابقة فیما یرى جانب أخر بان إعادة التوقیف أمر جدید یسری لمدة جدیدة لصدوره بظروف مختلفة.
ویترتب على الرأی الثانی حرمان المتهم من عرض أمره على جهة قضائیة علیا ویفسح المجال للقضاة على الإلتفاف على القانون بإطلاق سراحه قبل إنتهاء المدة المحددة قانوناً وإعادة توقیفه من جدید مما یؤدی لإطالة مدة التوقیف. أما الرأی الأول فیعد مدة إعادة التوقیف مکمل للمدة الأولى وهو من صالح المتهم ویوحی نص المادة (109) من قانون أصول المحاکمات الجزائیة العراقیة بأنه اخذ بالرأی الأول الذی یعتبر أکثر ضماناً للحریة الشخصیة .
الخاتمــة
بعد أن انتهینا من هذا البحث المتواضع نورد أهم الاستنتاجات والتوصیات وکما یأتی :
الاستنتاجات :
التوصیات :
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: legal books
1. Mr. Abdul-Amir Al-Ukaili, Research in the Investigation of Crimes, Evidence Collection and Preliminary Investigation, C2, I 1, Al-Ma'aref Press, Baghdad, 1972.
2. Dr. Jalal Tharwat, Criminal Procedure Systems, University House for Printing and Publishing, Beirut, 2003.
3. Soldier Abdul Malik Criminal Encyclopedia, C2, Egyptian Book Press, Cairo, 1932.
4. Dr. Hassan Al-Jokhdar, Explanation of the Law of the Foundations of Jordanian Criminal Rulings, 1, (B), 1993.
5. Dr. Rizkar Mohamed Kader, Explanation of the Code of Criminal Procedure, I 1, Organization for Printing and Publishing, Erbil, 2003.
6. Dr. Sa'id Hasaballah Abdullah, Explanation of the Code of Criminal Procedure, II, Dar Al-Hikma for Printing and Publishing, Mosul, 1988.
7. Dr. Salim Al-Za'noun, Criminal Investigation, I4, Dar Al-Qara'ir for Publishing and Distribution, Amman, 2001,
8. Dr. Sherif Sayed Kamel, The Right to Speed Criminal Proceedings, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 2005.
9. Dr. Fawzia Abdel Sattar, Explanation of the Code of Criminal Procedure, C2, House of Arab Renaissance, Cairo, 1986.
10. Dr. Mamoun Mohamed Salameh, Criminal Proceedings in Egyptian Legislation, C 1, Arab Thought House, Cairo, 1986.
11. Dr. Mohammed Al-Tarawneh, Human Rights Guarantees in the Criminal Case, Comparative Study, I, Dar Wael Publishing and Distribution, Amman, 2001.
12. Dr. Mohamed Said Nimour, The Origins of Criminal Procedures, Explanation of the Code of Criminal Procedure, 1, Dar Al-Thaqafa, Amman, 2005.
13. Dr. Mohamed Sobhi Najm, Al-Wijeez in Criminal Trials, I, Dar Al-Thaqafa, Amman, 2006.
14. Dr. Mahmoud Naguib Husni, Explanation of Criminal Procedure Law, 2 nd, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 1988.
15. Dr. Mustafa Auji, Human Rights in the Criminal Case, I 1, Nofal Foundation, Beirut, 1989.
Second: Letters and university degrees
1. Ahmed Hassouni Jassim, The Uncertainty of Primary Investigation, Master Thesis, Faculty of Law and Politics, University of Baghdad, 1983.
2. Hassan Beshit Khoain, The Guarantees of the Defendant in the Criminal Case during the Preliminary Investigation Phase, Comparative Study, Ph.D. Thesis, Faculty of Law and Politics, University of Baghdad, 1983.
3. Sardar Ali Aziz, The Guarantees of the Fair Trial of the Accused, Comparative Study of Islamic Law, Master Thesis, Faculty of Law and Politics, University of Sulaymaniyah, 2004.
4. Saad bin Sulaiman Al-Otaibi, Examination in the Saudi Criminal Procedure System, Comparative Study, Master Thesis, Naif Arab University for Security Sciences, Riyadh, 2006.
5. Taha Mohammed Abdullah, The Guarantees of the Accused at the Preliminary Investigation Stage in the Saudi Criminal Procedure System, Comparative Study, Master Thesis, King Abdulaziz University, Jeddah, 2001.
6. Muhannad Aref Odeh, Arrest in Palestinian Penal Legislation, Comparative Study, Master Thesis, An-Najah National University, Nablus, 2007.
Third: Legal Research
1. Ahmed Abdel Aziz Al-Alfi, Pre-trial Detention, Statistical Study and Field Research, National Criminal Journal, Cairo, p3, 9, 1966.
2. Tawfiq Mohammed Al-Shawi, The Unlawful Investigation of Primary Torture and Duress on the Defendant, Journal of Law and Economics, p.3, 1951.
3. Hussein al-Mumin, interrogation of the accused, Journal of Judiciary, p. 1,2, Freedom House for Printing and Publishing, 1979.
4. Sami Abdul-Amir al-Ukaili, Inspection and its Provisions in Iraqi Law and Comparative Law, Comparative Law Journal, p. 14, 1982.
5. Nabil Naji Al-Zoghbi, Some Modern Methods of Criminal Investigation and its Legitimacy, Journal of the Jordanian Bar Association, p.34, March, April, 1971.
Fourth: Judicial Groups and Decisions:
Judicial groups:
1. Journal of Law and Economics, p. 3, 1951.
2. The National Criminal Code, p. 3, 1966.
3. Journal of the Jordanian Bar Association, p.34, 1971.
4. Court of the Iraqi Court of Cassation, M6, Freedom House for Printing, Baghdad, 1972.
5. Journal of Legal Judgments, p. 3, 1975.
6. Journal of Legal Judgments, p. 1, 1976.
7. Journal of Legal Judgments, p. 4, 1976.
8. Journal of Judiciary, p. 1,2 1979.
9. Journal of Comparative Law, p. 14, 1982.
Unpublished judicial decisions
- Decisions of the Court of Appeal of Nineveh as a distinct.
1. Resolution No. 141 / T / 2011 on 1/8/2011.
- Decisions of the Criminal Court of Nineveh as discriminatory
1. Decision No. 396 / C / 2008 on 28/12/2008.
2. Decision No. 48 / T / 2009 of 26/1/2009.
3. Decision No. 45 / T / 2009 on 25/1/2009.
Fifth: Agreements and Treaties
1. Universal Declaration of Human Rights, 1948.
2. International Covenant on Civil and Political Rights, 1966.
Sixth: Laws
1. The Code of Criminal Procedure of Syria No. 112 of 1950.
2. Egyptian Criminal Procedure Law No. (150) for the year 1950.
3. Moroccan Code of Criminal Procedure No. 261 of 1958.
4. The French Code of Criminal Procedure of 1958.
5. Jordanian Criminal Procedure Law No. 9 of 1961.
6. Algerian Criminal Procedure Code No. 66 of 1966.
7. Iraqi Penal Code No. (111) for the year 1969 in force.
8. Iraqi Criminal Procedure Law No. 23 of 1973 in force.
9. Iraqi Public Prosecution Law No. 159 of 1979.
10. The Yemeni Criminal Procedure Law No. 13 of 1994.
11. Lebanese Criminal Procedure Code No. 328 of 2001.
12. Qatari Criminal Procedure Law No. 23 of 2004.