الملخص
یلتزم الطبیب النفسی بعدة التزامات تجاه المریض النفسی هذه الالتزامات تتمثل بالالتزام بالسریة والالتزام بتزوید المریض بالعنایة الصحیة النفسیة والالتزام بالتبصیر والالتزام بالمراقبة ، ویجب على الطبیب ان ینفذ هذه الالتزامات بدقة وأن یکون على قدر الثقة الممنوحة له. إن إخلال الطبیب النفسی بالالتزامات السابقة وارتکابه لأخطاء مهنیة یستوجب قیام مسؤولیته المدنیة وحیث ان المسؤولیة المدنیة کما هو معروف قد تکون عقدیة وقد تکون تقصیریة وان کل من هاتین المسؤولیتین لها نطاقها وحکمها الخاص بها ، والذی یؤثر فی تحدیها هو طریقة العلاج فقد یلجأ المریض النفسی الى طلب العلاج بإرادته ویطلب دخول المصحة النفسیة وقد یکون دخوله غیر ارادیا او الزامیا ، ان دراسة المسؤولیة المدنیة للطبیب النفسی التطلب البحث فی القواعد العامة للمسؤولیة فی القانون المدنی مع الرجوع الى قانون الصحة النفسیة العراقی رقم 1 لسنة 2005 وقانون رعایة المریض النفسی المصری رقم 71 لسنة
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
المسؤولیة المدنیة للطبیب النفسی -دراسة مقارنة-(*)
Civil Liability for the psychiatrist
ندى سالم حمدون ضحى محمد سعید کلیة الحقوق/ جامعة الموصل کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Nada Salem Hamdoun Duha Mohamed Said College of law / University of Mosul College of law / University of Mosul Correspondence: Nada Salem Hamdoun E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 3/3/2013 *** قبل للنشر فی 13/5/2013.
(*) Received on 3/3/2013*** accepted for publishing on 15/5/2013.
Doi: 10.33899/alaw.2013.160726
© Authors, 2013, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
یلتزم الطبیب النفسی بعدة التزامات تجاه المریض النفسی هذه الالتزامات تتمثل بالالتزام بالسریة والالتزام بتزوید المریض بالعنایة الصحیة النفسیة والالتزام بالتبصیر والالتزام بالمراقبة ، ویجب على الطبیب ان ینفذ هذه الالتزامات بدقة وأن یکون على قدر الثقة الممنوحة له. إن إخلال الطبیب النفسی بالالتزامات السابقة وارتکابه لأخطاء مهنیة یستوجب قیام مسؤولیته المدنیة وحیث ان المسؤولیة المدنیة کما هو معروف قد تکون عقدیة وقد تکون تقصیریة وان کل من هاتین المسؤولیتین لها نطاقها وحکمها الخاص بها ، والذی یؤثر فی تحدیها هو طریقة العلاج فقد یلجأ المریض النفسی الى طلب العلاج بإرادته ویطلب دخول المصحة النفسیة وقد یکون دخوله غیر ارادیا او الزامیا ، ان دراسة المسؤولیة المدنیة للطبیب النفسی التطلب البحث فی القواعد العامة للمسؤولیة فی القانون المدنی مع الرجوع الى قانون الصحة النفسیة العراقی رقم 1 لسنة 2005 وقانون رعایة المریض النفسی المصری رقم 71 لسنة 2009
Abstract
Psychiatrist committed several commitments to psychiatric patient of these obligations is the obligation of confidentiality and the obligation to provide patient care and mental health commitment Baltbesar and compliance monitoring, and the physician must strictly implement these commitments and to be a measure of confidence given to him.The breach psychiatrist previous commitments and committed to professional errors requires the responsibility of civil and where that civil liability is known as may be nodal may be tort and that all of these responsibility have scope and judgment of its own, and that affects the defiance is a method of treatment has resorted psychiatric patient to requesttreatment voluntarily and requests entry clinic mental may be entering is voluntarily or compulsorily, the study of civil liability for the psychiatrist demanding search in the general rules of liability in civil law with reference to Mental Health Act Iraqi No. 1 of 2005 and the Law on patient care psychological Egyptian No. 71 for the year 2009
المقدمــة
اولا : تعریف بموضوع البحث
تهدف مهنة الطب إلى المحافظة على الصحة الجسدیة والنفسیة للإنسان والتخفیف من آلامه ورفع مستواه الصحی العام ، فهی مهنة الشرف والإنسانیة ، وینقسم الطب إلى تخصصات عدیدة منها ما یتعلق بالأمراض العضویة ومنها ما یتعلق بالأمراض النفسیة التی یتم معالجتها من طبیب نفسی متخصص بالصحة النفسیة التی ورد تعریفها فی الفقرة (أ) من المادة الأولى من قانون رعایة المریض النفسی المصری المرقم71 لسنة 2009 بأنها : (( حالة من الاستقرار النفسی والاجتماعی التی یستطیع الفرد فیها أن یحقق انجازاته طبقاً لإمکانیاته الشخصیة لیتمکن من التعامل مع الضغوط الحیاتیة العادیة ، و یستطیع ان یعمل وینتج ویسهم فی المجتمع الذی ینشا فیه )) ، ومهمة اعادة الصحة النفسیة للمریض هو الطبیب النفسی الذی تقع على عاتقه مسؤولیات کبیرة إذ یجب علیه ممارسة مهنته بدقة وأن یکون على قدر الثقة الممنوحة له ، لذا یلتزم الطبیب النفسی فی عقد العلاج النفسی بجملة التزامات تتمثل أولاً بالالتزام بالسریة فی فترة العلاج وما بعدها إذ یلتزم الطبیب النفسی بالمحافظة على سر المریض فلا یجوز له الإفضاء بمعلومات عن مرضاه فإذا تم إفشاء سر المریض فان الطبیب النفسی یکون مسؤولا قبل المریض الذی یستطیع أن یرجع علیه بالتعویض ویقع على المریض عبء إثبات الخطأ الذی یتمثل بإفشاء السر والضرر الذی عاد علیه جراء إفشائه .
و یلتزم الطبیب برعایة المریض وتزویده بالعنایة الصحیة النفسیة ، ویعد الالتزام بتقدیم العنایة الصحیة النفسیة التزاماً ببذل عنایة فالطبیب علیه واجب معرفة العلوم الطبیة وتطبیقها فی إعطاء العلاج لمریضه ویتحدد مدى التشخیص وکیفیته ونوعیته والعلاج بما تکون علیه مهارة زملائه من نفسه وفی ظروف عمله نفسها. ویلتزم الطبیب النفسی أیضا وقبل بدء العلاج النفسی بتقدیم المعلومات اللازمة التی تتمثل بشرح مناسب عن الغرض والطریقة والمدة المحتملة والفائدة المتوخاة من العلاج المقترح مع بیان البدائل الممکنة وبعد بدء العلاج لا بد من إعلام المریض بحالته ومدى تقدمها أو تردیها مع تبصیره بآثار استخدام الدواء . ویلتزم الطبیب أخیرا بمراقبة المریض و لا ینهض هذا الالتزام إلا إذا تطلب العلاج إدخال المریض إلى المصحة لیکون عندئذ من أهم الالتزامات الملقاة على عاتق المصحة إذ یقع علیها الالتزام بمراقبة المریض ورصد حرکاته تحوطاً من الأضرار بنفسه أو بغیره ویقدر العلاج والمراقبة بحسب ما یشیر به الطبیب المعالج. ویتوجب إخلال الطبیب النفسی بالالتزامات السابقة وارتکابه لأخطاء مهنیة یستوجب قیام مسؤولیته المدنیة إذ قد تکون ان المسؤولیة المدنیة کما هو معروف عقدیة وقد تکون تقصیریة وان هاتین المسؤولیتین کلتیهما لها نطاقها وحکمها الخاص لهذا کان لزاماً علینا ان نقف عند طبیعة مسؤولیة الطبیب النفسی لنعرف فیما إذا کانت عقدیة أم تقصیریة .
ثانیا : منهجیةونطاق البحث
سینصب موضوع بحثنا على تحدید طبیعة المسؤولیة الطبیة وصولاً إلى تحدید طبیعة مسؤولیة الطبیب النفسی والالتزامات التی تقع على عاتقه. واتبعنا فی بحثنا المنهج التحلیلی للنصوص واراء فقهاء القانون فضلا عن المنهج المقارن بین القانونین المدنیین العراقی والمصری وبالتحدید القواعد العامة فی المسؤولیتین التقصیریة والعقدیة ، و سنتطرق إلى ما ورد فی قانونی الصحة النفسیة العراقی المرقم 1 لسنة 2005 ، والمصری المرقم71 لسنة 2009.
ثالثا : هیکلیة البحث
سنتناول موضوع البحث على وفق الهیکلیة الاتیة :
المبحث الاول : طبیعة مسؤولیة الطبیب النفسی
المطلب الاول : تعریف الطبیب النفسی والمریض النفسی والمصحة النفسیة
المطلب الثانی : طبیعة المسؤولیة الطبیة
المطلب الثالث : تحدید طبیعة مسؤولیة الطبیب النفسی
المبحث الثانی : التزامات الطبیب النفسی تجاه مرضاه
المطلب الاول : الالتزام بالسریة
المطلب الثانی : الالتزام بتزوید المریض بالعنایة الصحیة النفسیة
المطلب الثالث : الالتزام بالتبصیر
المطلب الربع : الالتزام بالمراقبة
المبحث الأول
طبیعة مسؤولیة الطبیب النفسی
فی الوقت الذی عنی فیه الفقه بتحدید طبیعة المسؤولیة الطبیة عموماً فکان تحدید طبیعة هذه المسؤولیة مثاراً لجدل فقهی وتباینت الآراء حول تحدیدها و اتسم موقف القضاء حول هذه المسالة بعدم الثبات والتغییر من فترة إلى أخرى ، فان مسؤولیة الطبیب النفسی تجاه مرضاه لم تحظ بمثل هذا الاهتمام لتحدیدها ، إذ ان لتحدید طبیعة هذه المسؤولیة أهمیة فی تحدید النتائج التی تترتب عند إخلال الطبیب النفسی بأحد التزاماته لذا سنستعرض تعریف الطبیب النفسی والمریض النفسی والمصحة النفسیة فی الفرع الأول ثم نبین طبیعة المسؤولیة الطبیة عموما لنجد هل هی مسؤولیة تقصیریة کما ذهب إلى ذلک جانب من الفقه والقضاء فی الفرع الثانی ، أم أنها مسؤولیة عقدیة کما قال بذلک جانب أخر من الفقه والقضاء فی الفرع الثالث ، ولنقف أخیرا على أی من أحکام المسؤولیتین یمکن تطبیقها بخصوص الطبیب النفسی فی الفرع الرابع .
المطلب الأول
تعریف الطبیب النفسی والمریض النفسی والمصحة النفسیة
قبل البدء بتحدید طبیعة مسؤولیة الطبیب النفسی ، یجب أن نعرف الطبیب النفسی والمریض النفسی والمصحة النفسیة ، لان هذه العلاقة الثلاثیة بین هذه الأطراف سنعتمد علیها فی تحدید طبیعة مسؤولیة الطبیب النفسی ، على وفق الآتی:
الفرع الأول
تعریف الطبیب النفسی
صنف قانون رعایة المریض النفسی المصری رقم 71 لسنة 2009 الأطباء العاملین فی المصحات النفسیة إلى ثلاثة أصناف تناولت المادة (1) بیانها وهم :
1- الطبیب النفسی : الذی عرفته الفقرة (هـ) بأنه " الطبیب الحاصل على درجة تخصصیة فی الطب النفسی المقید فی نقابة الأطباء بجدول الأخصائیین أو الاستشاریین " .
2- الطبیب النفسی المسؤول عن المریض : الذی عرفته الفقرة (و) بأنه" الطبیب النفسی الذی یشغل وظیفة أخصائی أو استشاری أو ما یعادلها والمنوط به رعایة المریض ".
3- الطبیب غیر المختص بالطب النفسی : الذی عرفته الفقرة (د) بأنه " الطبیب المرخص له بمزاولة المهنة ، أو المتخصص فی أی فرع من فروع الطب ، ولم یحصل على درجة علمیة فی الطب النفسی " .
یتضح مما سبق أن قیام مسؤولیة الطبیب النفسی یستلزم ان تتوفر فی الطبیب النفسی الشروط الآتیة:
1- أن یکون مختصاً بالطب النفسی ومقیداً بجدول الأطباء فی النقابة بهذا الوصف ضمن الأخصائیین أو الاستشاریین .
2- أن یشغل وظیفته فی المصحة النفسیة بالدرجة المقید بها نفسها فی جدول النقابة أخصائیاً أو استشاریاً.
3- ان یکون مسؤولاً عن علاج المریض النفسی وتتبع حالته المرضیة لان العلاج النفسی یمر بمراحل عدیدة ویحتاج إلى الدقة لذا خص القانون بالتعریف الطبیب النفسی المسؤول عن المریض النفسی والذی بالتحدید یکون مسؤولاً عن أی إخلال بالتزاماته تجاه هذا المریض مما یستوجب نهوض مسؤولیته .
أما الطبیب غیر المختص بالطب النفسی الذی یعمل فی المصحة النفسیة فیخرج من نطاق بحثنا لان واجبه تجاه المریض الذی قد یعانی من مرض عضوی یدخل ضمن مسؤولیة الطبیب بشکل عام .
أما قانون الصحة النفسیة العراقی رقم (1) لسنة 2005 فلم یرد فیه تعریف للطبیب النفسی، وإنما نص مباشرة على تعریف الأمراض النفسیة والذهانیة کما سنجد ذلک لاحقا.
الفرع الثانی
تعریف المریض النفسی
المریض النفسی کما عرفته المادة (1) من قانون رعایة المریض النفسی هو "الشخص الذی عانی من اضطراب نفسی "عصابی أو عقلی ذهانی "، و یشمل تعریف المریض النفسی المصاب بالاضطراب النفسی أو العقلی وهو الامر الذی بینته الفقرة (ج) من المادة نفسها التی جاء فیها " اختلال أی من الوظائف النفسیة أو العقلیة لدرجة تحد من تکییف الفرد مع بیئته الاجتماعیة ، ولا یشمل الاضطراب النفسی أو العقلی من لدیه الاضطرابات السلوکیة من دون وجود مرض نفسی أو عقلی واضح ".
یتضح من نص المادة (1) بفقرتها (ب) أن المریض النفسی یشمل المصاب بأحد الأمراض النفسیة (العصابیة) أو بأحد الأمراض العقلیة ( الذهانیة ) ، ثم عاد المشرع المصری وبین المقصود بالاضطراب النفسی أو العقلی وجمعهما فی تعریف واحد فی الفقرة (ج) من المادة نفسها.
أما الاضطرابات السلوکیة الآنیة التی تنجم عن موقف معین کالغضب مثلا فلا یشملها مصطلح المریض النفسی لأنها غیر مرتبطة بمرض نفسی أو علقی یعانی منه الشخص .
إلا أن المشرع العراقی فی قانون الصحة النفسیة میز بین الاضطراب الذهانی ویقصد به الأمراض العقلیة ، والاضطراب العصابی ویقصد به الأمراض النفسیة فی المادة (1) فقرة (ثانیاً) فی البندین (أ و ب ) عندما نصت على :"ثانیاً – ا – یقصد بالاضطراب الذهانی لأغراض هذا القانون : اضطراب القوى العقلیة الأساسیة نتیجة اعتلال شدید ذی منشأ عضوی أو وظیفی فی الجهاز العصبی المرکزی الذی یؤثر على إرادة المریض وإدراکه وتفکیره وسلوکه وشعوره وقدرته على التکیف الاجتماعی تبعا لشدة المرض ومرحلته ب – یقصد بالاضطراب العصابی :المعاناة الداخلیة التی یعانیها المریض بما یؤثر على استقراره النفسی وانفعالاته وسلوکه وقدرته على التکیف الاجتماعی من دون التأثیر على قدراته العقلیة الأساسیة"
یتبین من موقف المشرعین المصری والعراقی أن الأمراض التی تدخل نطاق سریان هذا القانون هی الأمراض النفسیة العصابیة ، والأمراض العقلیة الذهانیة ، وحسناً فعل المشرع المصری عندما اخرج من نطاق سریان قانون رعایة المریض النفسی الاضطرابات السلوکیة من دون وجود مرض نفسی أو عقلی واضح ، لان هذه الاضطرابات قد تکون آنیة وتزول وقد لا تترک أثرا نفسیاً أو عقلیاً على من حدثت عنده ولا تستوجب وصفها بالمرض العقلی أو النفسی .
الفرع الثالث
تعریف المصحة النفسیة
إن تحدید المقصود بمنشآت الصحة النفسیة أمر لابد منه لتحدید نطاق سریان القانون ، و نجد بهذا الصدد نجد ان المشرع المصری نص فی المادة (2) على المقصود بمنشآت الصحة النفسیة " تسری أحکام هذا القانون على منشآت الصحة النفسیة الآتیة: 1- المستشفیات المتخصصة بالطب النفسی سواء کانت عامة أو خاصة . 2- أقسام الطب النفسی بالمنشآت العامة والخاصة . 3- المراکز الطبیة المرخص لها بالعمل فی مجال الصحة النفسیة " إذن بموجب النص تشمل منشآت الصحة النفسیة المستشفیات المتخصصة بالطب النفسی الحکومیة والأهلیة، و أقسام الطب النفسی فی المستشفیات العامة والخاصة فضلاً عن المراکز الطبیة المرخص لها بالعمل فی هذا المجال .
ویخرج من نطاق سریان هذا القانون عیادات الأطباء الخاصة إذ نصت المادة (2) کذلک على أنه" ولا تسری أحکام هذا القانون على العیادات الخاصة ( الخارجیة ) غیر الملحقة بمنشآت الصحة النفسیة المشار إلیها ، وغیر المخصصة لحجز المرضى النفسیین "
أما المشرع العراقی فلم یورد فی قانون الصحة النفسیة نصاً خاصاً یبین المقصود بمنشآت الصحة النفسیة إلا أن المقصود بها یفهم من ضمن النصوص الأخرى ومنها نص المادة (3) التی تتحدث عن مهام الهیئة الوطنیة للصحة النفسیة فی الفقرة (ج) والتی جاء فیها ما نصه: "التنسیق مع الجهات التنفیذیة فی الوزارة لإصدار التوجیهات والتعلیمات إلى المستشفیات والوحدات العلاجیة والعیادات الاستشاریة النفسیة الحکومیة والأهلیة فی کل ما یتعلق برعایة المرضى". ثم عاد المشرع فی المادة نفسها وعرف المقصود بالوحدة العلاجیة فی الفقرة (ثالثا) التی جاء فیها ما نصه : "یقصد بالوحدة العلاجیة لأغراض هذا القانون کل وحدة طبیة مخصصة لرعایة المرضى المحجوزین والمتهمین والمحکومین ممن تشملهم أحکام هذا القانون". إذن تشمل منشآت الصحة النفسیة بموجب قانون الصحة النفسیة العراقی المستشفیات والوحدات العلاجیة والعیادات الاستشاریة الحکومیة والأهلیة .
المطلب الثانی
طبیعة المسؤولیة الطبیة
نتناول فی هذا المطلب طبیعة المسؤولیة الطبیة بشکل عام فی محاولة منا للوصول إلى تحدید طبیعة المسؤولیة الطبیة النفسیة، إذ أنقسم الرأی الفقهی حول طبیعة المسؤولیة الطبیة بین قائل بأنها مسؤولیة تقصیریة وبین من یعدها مسؤولیة عقدیة لذا سوف نستعرض فی هذا المطلب الآراء التی قیلت بصدد طبیعة المسؤولیة الطبیة عموما لنخرج منها بتحدید طبیعة مسؤولیة الطبیب النفسی .
الفرع الأول
الطبیعة التقصیریة للمسؤولیة الطبیة
أول من بدأ تکییف المسؤولیة الطبیة هو القضاء الفرنسی فی ضوء حکم لمحکمة فرنسیة عام 1838 وعرض على محکمة النقض الفرنسیة وبموجبه طبقت المحکمة أحکام المادتین 1382 و 1383 من القانون المدنی الفرنسی على الطبیب المخطئ على أساس أنها تطبق فی حالة صدور خطأ من شخص معین یسبب ضرراً للغیر من دون تمییز بین طبیب أو غیره وان هذا الخطأ یستوجب تعویض المضرور على وفق أحکام المسؤولیة التقصیریة، وأستمر السیر بهذا الاتجاه حتى بدایة القرن العشرین وقد وافق اتجاه الفقه الفرنسی ما اخذ به القضاء الفرنسی بهذا الخصوص أن یعد مسؤولیة الطبیب هی مسؤولیة تقصیریة تقوم على الإخلال بواجب عام وهو عدم الإضرار بالغیر، و اخذ الفقه والقضاء فی مصر بالاتجاه نفسه، وبقی القضاء المصری یسیر فی إحکامه إلى أنه یعد المسؤولیة الطبیة مسؤولیة تقصیریة حتى عام 1962
وقد کان لأنصار هذا الرأی الحجج والمبررات الآتیة :
1- للمسؤولیة الطبیة طبیعة فنیة بحته فالطبیب ملزم بمراعاة واجب الضمیر والأصول العلمیة الثابتة بعلم الطب سواء ارتبط بعقد أم لم یرتبط فکل ما یتعلق بالضمیر والأصول العلمیة الثابتة بعلم الطب مناطه قواعد المهنة ویعنی هذا انه یخرج عن دائرة العقد
2- یعد طبیعة العلاج ونوع الدواء وطرائق إجراء العملیات الجراحیة أمور فنیة کلها لا یعلم بها المریض وإلا لما لجا إلى الطبیب لیطلب العلاج ولا تدخل هذه الأمور فی تقدیره ولم تنصرف إلیها إرادته والتزام الطبیب بمراعاتها لیس منشؤه العقد لان الالتزامات التعاقدیة هی الالتزامات التی أرادها الطرفان وانصرفت إرادتهما إلیها والتزامات الطبیب العلمیة لم تنصرف إلیها إرادة المریض لأنه لا یعرفها
3- کل فعل یقوم به الإنسان وینشا عنه ضرر للغیر فانه یوجب المسؤولیة التقصیریة وعمل الطبیب الذی یؤدیه لا یخرج عن هذا النطاق
4- الاستناد إلى فکرة النظام العام لان العلاج الطبی یتعلق بحیاة الإنسان وسلامة جسمه وسلامة الإنسان من سلامة المجتمع ومن ثم فأی مساس بسلامة الإنسان هو مساس بالنظام العام الذی هو مجموعة من القواعد المهمة والأساسیة التی تبنى علیها المصلحة العلیا للدولة التی یقع على عاتق الجمیع احترامها لذا فان من یخالف هذه القواعد الأساسیة یخضع للمساءلة على وفق قواعد قواعد المسؤولیة التقصیریة.
الفرع الثانی
الطبیعة العقدیة للمسؤولیة الطبیة
تراجع الفقه والقضاء فی فرنسا عن موقفهما فی أن یعدان المسؤولیة الطبیة مسؤولیة تقصیریة بعد ان صدر قرار لمحکمة النقض الفرنسیة عام 1936 قررت فیه ( انه من المقرر نشوء عقد ما بین الطبیب والمریض یلتزم بمقتضاه الطبیب لا بشفاء المریض بل بتقدیم العنایة الیقظة التی تقتضیها الظروف الخاصة للمریض التی تتفق مع أصول المهنة ومقتضیات التطور العلمی ویترتب على الإخلال بهذا الالتزام التعاقدی میلاد مسؤولیة من النوع نفسه أی مسؤولیة عقدیة ) ، ویشیر الحکم السابق لمحکمة النقض الفرنسیة إلى أن عقد العلاج بین الطبیب والمریض وان لم یتضمن شفاء المریض إلا انه یلزم الطبیب ببذل جهود حثیثة فی سبیل شفاء المریض وتکون هذه الجهود متفقة مع الأصول العلمیة الثابتة فی مهنة الطب ومن هنا بدأ القضاء الفرنسی یعد مسؤولیة الطبیب مسؤولیة عقدیة ، وفی مصر کان القضاء المصری یعد مسؤولیة الطبیب تقصیریة إلى أن صدر قرار لمحکمة النقض المصریة عام 1962 ذکرت فیه أن مسؤولیة الطبیب هی مسؤولیة عقدیة وأن على الطبیب أن یبذل العنایة المطلوبة منه ومن ثم یسال عن الخطأ فی مسلکه الطبی لا یمکن أن یقع من طبیب فی مستواه المهنی نفسه
المطلب الثالث
تحدید طبیعة مسؤولیة الطبیب النفسی
الواقع ان الطبیب النفسی یرتبط على الغالب بعلاقة عقدیة مع مرضاه ومع هذا فان التشبث بالعقد وأن تعد مسؤولیة الطبیب النفسی مسؤولیة عقدیة على الدوام أمر لا یصح إذا کان هذا العقد غیر موجود ویؤدی الجزم بأن هذه المسؤولیة تقصیریة إلى إلغاء أی دور للعقد الذی قد یکون مبرما بین الطبیب النفسی والمریض الأمر الذی یدفعنا للقول بأنه لا یمکن الأخذ بأحد الرأیین على إطلاقه وأن تعد مسؤولیة الطبیب النفسی عقدیة على الدوام أو تقصیریة على الدوام فلیس هناک ما یمنع من ان تکون مسؤولیة الطبیب النفسی مسؤولیة عقدیة أحیانا وتقصیریة أحیانا أخرى بحسب الأحوال ، ویمکن أن نضع معیارا نستدل به على تکییف هذه المسؤولیة ویمکن من خلاله تحدید متى تکون مسؤولیة الطبیب النفسی عقدیه ومتى تکون تقصیریة وبهذا الصدد نجد أن طریقة دخول المریض النفسی إلى المصحة النفسیة یمکن ان یکون له أثر کبیر فی تحدید طبیعة المسؤولیة ، إذ قسم القانونین العراقی والمصری طریقة دخول المریض النفسی إلى المصحة إلى دخول إرادی ودخول إلزامی .
وفیما یأتی لبیان هذین التقسیمین وأثرهما على تحدید طبیعة مسؤولیة الطبیب النفسی:
أولا : الدخول الإرادی
عرفت المادة (1) فقرة (ز) من قانون رعایة المریض النفسی المصری الدخول الإرادی بأنه:" دخول المریض إحدى منشات الصحة النفسیة بناء على موافقته الصریحة المبنیة على إرادة حرة مستنیرة "، فی حین أطلق المشرع العراقی فی قانون الصحة النفسیة على دخول المریض النفسی بإرادته إلى المصحة النفسیة بالدخول الطوعی فی المادة (1) منه : "..... ویعد المریض طوعیا إذ ما راجع بإرادته المؤسسة الصحیة للمعالجة ...... "
یتبین مما سبق أن المریض النفسی قد یطلب العلاج بنفسه ویلجأ إلى مصحة نفسیة، ولا سیما إذا کان المریض مصابا بأحد الأمراض العصابیة ، لأن المریض العصابی فی اغلب الحالات یکون واعیا بمرضه ولدیه الرغبة بالشفاء ، وقد فرق المشرع المصری فی الإجراءات المتبعة بشان الدخول الإرادی بین ما اذا کان المریض النفسی کامل الأهلیة او ناقصها فقد نصت المادة (10) من قانون رعایة المریض النفسی المصری على انه: "یحق لکل مریض نفسی بلغ الثامنة عشر من عمره طلب دخول إحدى منشات الصحة النفسیة من دون موافقة احد یحق له طلب الخروج فی أی وقت إلا اذا انطبقت علیه شروط الدخول الإلزامی .... "
أما اذا کان ناقص الأهلیة فقد بینت المادة (12) کیفیة دخوله إذ تحل إرادة الولی أو الوصی أو القیم محل إرادة ناقص الأهلیة فی طلب الدخول الإرادی بعد إتباع إجراءات معینة نصت علیها فجاء فیها: " یجوز لأی من الوالدین أو الوصی أو القیم تقدیم طلب لفحص المریض النفسی ناقص الأهلیة لعلاجه بإحدى منشآت الصحة النفسیة .... "
ونلحظ على النصین المصری والعراقی أنهما تناولا الدخول الإرادی فی حالة توجه المریض النفسی إلى إحدى منشات الصحة النفسیة لغرض العلاج ولا یمنع من ان یدخل ضمن النص حالة المریض النفسی الذی یراجع طبیباً نفسیاً فی عیادته ثم یحیله الطبیب إلى المصحة لعلاجه لعدم توفر الإمکانات اللازمة لعلاجه فی العیادة الطبیة ویوافق المریض على دخول المصحة فیدخل مختاراً لأنه فی الحالتین یکون دخوله بناء على إرادة حرة واعیة وموافقة صریحة منه ، أما اذا تلقى العلاج فی عیادة الطبیب فیخرج من نطاق سریان القانونین . وهنا نتسأل هل ان دخول المریض النفسی بإرادته إلى المصحة النفسیة یؤدی بنا إلى القول ان هناک علاقة عقدیة تربط المریض النفسی بالطبیب النفسی المعالج الذی یعمل فی المصحة النفسیة ؟
لغرض الإجابة عن هذا التساؤل نفرق بین المنشات الصحیة النفسیة الحکومیة ( العامة ) والمنشات الصحیة النفسیة الأهلیة ( الخاصة ) ودخول المریض النفسی فی أی واحدة من هاتین المنشأتین هو الذی یحدد طبیعة العلاقة بینه وبین الطبیب النفسی على وفق الآتی:
1- الدخول الإرادی فی منشئات الصحة النفسیة الحکومیة
عندما تکون طریقة طلب العلاج بمراجعة المریض لإحدى منشات الصحة النفسیة الحکومیة فان الطبیب النفسی یعمل بمرکز تنظیمی ویخضع للتعلیمات والقوانین التی تسری على موظفی الدولة فلا یمکن أن یقال أن هناک اشتراط لمصلحة الغیر ولا یمکن القول بأن المریض قد اختار الطبیب لعلاجه حتى ینعقد بینهما عقد ففی هذه الحالة لا یمکن للمریض المضرور الرجوع على الطبیب النفسی المعالج إلا بدعوى المسؤولیة التقصیریة
2- الدخول الإرادی فی منشئات الصحة النفسیة الأهلیة
فی هذه الحالة یکون هناک عقد بین الطبیب النفسی وصاحب المصحة الخاصة یتعهد بموجبه الطبیب قبل الجهة المشترطة التی هی إدارة المصحة بان یعمل لمصلحة المرضى وهم المستفیدون من الاشتراط أی أن الطبیب یکون ملتزم بتقدیم خدمات لأشخاص لم یرتبط معهم بأی اتفاق ولم یختاروه وتکییف العلاقة القانونیة التی تربطه بالمریض النفسی فی هذه الحالة أنها اشتراط لمصلحة الغیر ولا یقدح فی هذا الرأی أن الاشتراط لمصلحة أشخاص غیر معینین وقت العقد مادام أنهم قابلون للتعیین وقت التنفیذ وعلى هذا الأساس یکون للمریض المضرور الرجوع بدعوى مباشرة على الطبیب النفسی على أساس المسؤولیة العقدیة
إذن فی حالة الدخول الإرادی نجد ان مسؤولیة الطبیب تتحدد بکونها عقدیة أم تقصیریة تبعاً إلى نوع المصحة النفسیة فإذا کانت حکومیة یکون للمریض المضرور الرجوع على الطبیب النفسی على وفق قواعد المسؤولیة التقصیریة ، أما اذا کانت المصحة أهلیة فان المریض المضرور یرجع على وفق قواعد المسؤولیة العقدیة .
ثانیا : الدخول الإلزامی :
یقصد بالدخول الإلزامی بحسب نص المادة (1) فقرة (ح) من قانون رعایة المریض النفسی " دخول المریض إحدى منشات الصحة النفسیة دون إرادته فی الأحوال التی یحددها هذا القانون " ثم بینت المادة (13) حالتین إذا وجدت إحداهما یجبر المریض على الدخول إلى المصحة النفسیة من دون إرادته بعد الحصول على موافقة طبیب نفسی متخصص وان تکون للمرض علامات واضحة لیس بها شک أو لبس والحالتین هما :
1- قیام احتمال تدهور شدید ووشیک للحالة النفسیة .
2- إذا کانت أعراض المرض النفسی تمثل تهدیداً جدیاً ووشیکاً لسلامة أو صحة أو حیاة المریض أو سلامة الآخرین وصحتهم وحیاتهم.
وردت وهاتان الحالتان على سبیل الحصر فلا یجوز خلافهما إجبار المریض على الدخول إلى المصحة النفسیة . ویحق لجهات معینة وبعد إتباع إجراءات معینة أن تتقدم بطلب لإدخال المریض إلى إحدى منشات الصحة النفسیة بینتهم المادة (14) ومنهم احد أقارب المریض حتى الدرجة الثانیة ، فی حین إن الدخول الإرادی یکون لناقص الأهلیة بناء على طلب من الوالدین أو الوصی أو القیم ، ویبقى التساؤل مطروح عما اذا کان المشرع قد أراد من نص الدخول الإلزامی تحدید الأقارب حتى الدرجة الثانیة حالة معدوم الأهلیة ؟
أما قانون الصحة النفسیة العراقی فقد أطلق على الدخول الإلزامی تسمیة الدخول غیر الطوعی فی المادة (1) منه : " .....ویعد المریض غیر طوعی إذا ما کانت مراجعته من دون إرادته لغرض المعالجة ." ویدل واقع الحال على إن حالات الدخول الإلزامی أغلبها تتعلق بالمریض العقلی الذهانی الذی تکون إرادته معدومة ویشکل بقاءه خارج المصحة خطورة على نفسه والآخرین المحیطین به وهنا نجد ان دور الإرادة معدوم نهائیاً فلا مجال للحدیث عن عقد بین المریض النفسی والطبیب لذا نجد أن الطبیب إذا ما الحق ضرراً بالمریض النفسی فإنه یسأل بناء على المسؤولیة التقصیریة ولیست العقدیة سواء کان العلاج فی إحدى منشآت الصحة النفسیة الحکومیة أم الأهلیة .
ویلحظ أن المشرع المصری نظم إجراءات العلاج النفسی الإلزامی وشروطه إلا ان المشرع العراقی سکت عن معالجة هذه المسالة فنقترح فی هذا الصدد أن یکون العلاج الإلزامی بطلب من ذوی المریض یستتبعه قرار من القاضی یعتمد فی اتخاذه على تقریر الخبراء الذی یجب أن یبنى على مبدأ الحاجة إلى العلاج والخطورة على النفس أو الآخرین وأن تحدد بقرار القاضی مدة العلاج وفی نهایتها یجری تشخیص جدید ولا یجوز بأیة حال تجدید المدة إلا بقرار قضائی جدید.
من کل ما تقدم یتبین أن الاتجاه السلیم فی تحدید طبیعة العلاقة القانونیة التی تربط الطبیب النفسی بالمریض یتمثل بتطبیق القواعد العامة فی تحدید نطاق المسؤولیتین العقدیة والتقصیریة کلتیهما فکلما وجد عقد بین الطبیب النفسی والمریض ووقع إخلال بأحد الالتزامات الناشئة عن هذا العقد کانت المسؤولیة عقدیة وما عداها یقع فی نطاق المسؤولیة التقصیریة وتتطلب المسؤولیة العقدیة للطبیب النفسی لقیامها توفر الشروط الأتیة :-
1- ان یکون هناک عقد بین الطبیب النفسی والمریض فإذا عالج الطبیب المریض من دون ان یسبق ذلک عقد بینهما کانت المسؤولیة تقصیریة .
2- أن یکون العقد المبرم بین الطبیب النفسی والمریض عقدا صحیحا فإذا کان العقد باطلا فان خطا الطبیب ینهض على أساس المسؤولیة التقصیریة.
3- أن یکون الخطأ المنسوب إلى الطبیب النفسی لإخلاله بتنفیذ احد الالتزامات الناشئة عن عقد العلاج النفسی فإذا کان الخطأ لا علاقة له بالالتزام العقدی کانت المسؤولیة تقصیریة
فإذا انتفى أی شرط منها تنتفی المسؤولیة العقدیة ویبقى أمام المضرور الرجوع بدعوى المسؤولیة التقصیریة .
المبحث الثانی
التزامات الطبیب النفسی تجاه مرضاه
یلتزم الطبیب النفسی باعتقادنا وأیاً کانت طبیعة العلاقة القانونیة التی تربطه بالمریض عقدیة کانت أم تقصیریة بالتزامات عدیدة تتمثل بالالتزام بالسریة وبتقدیم العنایة الصحیة والنفسیة وبالتبصیر والمراقبة ویلحظ ان المشرع المصری جاء على ذکر هذه الالتزامات فی نصه على ما أطلق علیه حقوق المریض النفسی فی قانون رعایة المریض النفسی فی حین جاء قانون الصحة النفسیة العراقی خالیاً من الإشارة إلى التزامات الطبیب النفسی ومن حقوق المریض النفسی أیضاً ومع ذلک یمکن ان تجد هذه الالتزامات أساسها القانونی فی العقد وبمبدأ حسن النیة ولکن یبقى التنظیم القانونی لها أمراً ضروریاً وملحاً.
ومن جهة أخرى نجد أن هذه الالتزامات فی الأحوال التی تکون مسؤولیة الطبیب النفسی عقدیة یجب ان تکون التزامات بعنایة فحسب وفی الأحوال التی تکون مسؤولیته تقصیریة فان خطأ الطبیب الذی یتمثل بإخلاله بأیة من هذه الالتزامات یجب ان یکون واجب الإثبات.
علیه سنخصص لکل التزام من الالتزامات التی تقع على عاتق الطبیب النفسی مطلباً خاصاً لبحث مضمونه .
المطلب الأول
الالتزام بالسریة
تعد العلاقة بین الطبیب النفسی والمریض نوعاً متمیزاً من العلاقات فهی أقوى وأعمق من علاقة الأطباء غیر النفسیین مع مرضاهم وذلک بدهی لاتصال الطب النفسی بکل ناحیة من نواحی حیاة المریض بما فیها طب الجسد ومن هنا جاءت أهمیة حفظ أسرار المریضإذ یلزم الطبیب النفسی بالسریة والمحافظة على سر المریض وهذا ما نصت علیه الفقرة العاشرة من المادة 36 من قانون رعایة المریض النفسی المصری التی جاء فیها ( یتمتع المریض النفسی الذی یعالج بإحدى المنشات المنصوص علیها فی المادة ( 2 ) من هذا القانون بالحقوق الأتیة :- ........... 10 - حمایة خصوصیاته ومتعلقاته الشخصیة ومکان إقامته بالمنشأة) ومن ثم لا یجوز الإفضاء بمعلومات عن المریض فإذا تم إفشاء سر المریض فان الطبیب النفسی یکون مسؤولاً قبل المریض الذی یستطیع ان یرجع علیه بالتعویض ویقع على المریض عبء إثبات الخطأ الذی یتمثل بإفشاء السر والضرر الذی عاد علیه . وغالباً ما یکون الضرر أدبیاً فی حالة المریض النفسیوقد یصاب المریض بضرر مادی کما اذا تدهورت حالته الصحیة نتیجة علمه بانکشاف سره ولا سیما إذا کان یشغل منصباً مهماً أو کان شخصیة هامة فی المجتمع فانه یجوز له ان یطالب بالتعویض نتیجة ما تکبده . من نفقات العلاج وثمن الأدویة.
إلا ان حاجز السریة یمکن ان یکسر ومن ثم یستطیع الطبیب المعالج ان یتخلص من المسؤولیة فی الحالات الآتیة :
وهذه الأمور کانت فی محل نظر المشرع المصری فی قانون رعایة المریض النفسی الذی بعد أن یعد السریة من حقوق المریض النفسی أورد استثناءات على حاجز السریة ذلک فی الفقرة التاسعة من المادة 36 من قانون رعایة المریض النفسی التی جاء فیها :(حمایة سریة المعلومات التی تتعلق به وبملفه الطبی وعدم إفشاء تلک المعلومات لغیر الأغراض العلاجیة إلا فی الحالات الآتیة :
- طلب المعلومات من جهة قضائیة
- وجود احتمال قوی بحدوث ضرر خطیر أو إصابة وخیمة للمریض أو الآخرین
- حالات الاعتداء على الأطفال أو الشک فی وجود اعتداء
- حق المجلس القومی للصحة النفسیة فی تکوین لجنة فنیة من الأطباء المتخصصین یکون لها الحق فی الاطلاع على سجلات المرضى على وفق البند رقم 4 من المادة 7 من هذا القانون ویدق الأمر فی حالة ما اذا کان کتمان السر یترتب علیه ضرر شخص أخر مثال ذلک ان یعلم الطبیب المعالج بحکم مهنته بان حالة المریض النفسیة شدیدة ولا أمل فی شفائه ویتقدم لخطبة فتاة ویخفی هذا السر فیعلم والد الفتاة أو احد من أهلها انه کان یتردد على الطبیب فیحاول ان یعلم منه حقیقة الأمر فهنا یرى جانب من الفقه، وبحق انه لا یجوز للطبیب فی هذه الحالة إفشاء سر المریض متذرعاً بمحاولته منع ضرر متحقق عن الفتاة لأنها مصلحة شخصیة لا یجوز تغلیبها على الواجب القانونی الملقى على عاتق الطبیب المعالج .
المطلب الثانی
الالتزام بتزوید المریض بالعنایة الصحیة النفسیة
یتحمل الطبیب النفسی مسؤولیة رعایة المریض وتزویده بالعنایة الصحیة النفسیة ولهذا الأمر جانبان، معنوی ومادی. ویتمثل الجانب المعنوی بحق المریض فی الاحترام ومعاملته فرداً مع حفظ کرامته وتوفیر بیئة علاجیة سلیمة وأمینة ومحیط صحی وإنسانی وغذاء کاف ومناسب لحاجة المریض، أی معاملته معاملة إنسانیة تتناسب مع کونه إنسان اولا قبل ان یکون مریضا ، وان لا یتم حجزه أو تقیید حریته ما أمکن بحسب حالته فمن حقوق المریض النفسی وفقا لقانون رعایة المریض النفسی ما جاءت به الفقرة الثانیة من المادة 36 من القانون ( حظر تقیید حریته على خلاف أحکام هذا القانون) وإذا تطلب علاجه إدخاله إلى المصحة فیجب أن تترک له حریة الحرکة فی أیة منطقة یریدها بشرط ان تکون متاحة للمریض وحریة الاتصالات سواء باستعمال الهاتف أو فی کتابة الرسائل وإرسالها أو استقبالها أو فی التحدث مع أیة صحیفة أو إذاعة أو برنامج تلفزیونی فی الحدود التی لا تتعارض مع سلامته الشخصیة أو سلامة الأخرین وهذا ما نصت علیه الفقرة الثالثة عشرة من المادة 36 من قانون رعایة المریض النفسی والتی جعلت من حقوق المریض النفسی :( مقابلة زائریه أو رفض مقابلتهم ما لم تتعارض المقابلة مع الخطة العلاجیة ) کما نصت الفقرة الرابعة عشرة منها على ( تمکینه من مقابلة محامیه ) ونصت الفقرة الخامسة عشرة على حقه فی ( الحصول على إجازات علاجیة طبقا للخطة العلاجیة الموضوعة له ) کما نصت الفقرة الثامنة عشرة منها على حقه فی ( الحصول على خدمات الاتصال الداخلی والخارجی طبقا للخطة العلاجیة المقررة ).
ومن ناحیة أخرى للمریض الحق فی العلم بماهیة الخدمات العلاجیة وبکیفیة الحصول علیها تحت أی ظرف یمکن ان تمنع عنه مع العلم بتکالیف کل نوع من أنواع العلاج وللمریض الحق بمعرفة سیر العلاج و الوقوف على مدى تحسن حالته أو تردیها على فترات منتظمة. وهذا ما نصت علیه الفقرة السادسة من المادة 36 من قانون رعایة المریض النفسی التی تعد أن من حقوقه ( ان یکون العلاج المقدم له على وفق المعاییر الطبیة المرعیة والمعترف بها فی الأوساط العلمیة ) و نصت الفقرة السابعة عشرة منها على ان من حقوق المریض النفسی (الحمایة من الاستغلال الاقتصادی والجنسی ومن الإیذاء الجسدی والنفسی والمعاملة المهینة)، هذا ولا یجوز بأیة حال من الأحوال ان یکون المریض النفسی محلاً لمشاریع التجارب الطبیة وهذا ما نصت علیه الفقرة الثامنة من المادة 36 من قانون رعایة المریض النفسی التی تضمنت حقوق المریض فجاء فیها ما نصه : ( ان یحظى فی حالة الموافقة على الخضوع لإجراء التجارب والبحوث العلمیة بشرح کامل لهدف التجربة، على ان یحظر إجراء التجارب على المرضى الخاضعین لقرارات الدخول والعلاج الإلزامی ) وللمریض الحق فی رفع شکوى ضد أی شخص فی المصحة أو ضد المصحة نفسها من ذلک مثلاً رفع شکوى إلى المحکمة ضد المصحة فی حالة حجز المریض فی المصحة والامتناع عن منحه الإذن بالخروج . أما فیما یتعلق بالجانب المادی من الالتزام بتقدیم الرعایة الصحیة النفسیة فیتمثل بالالتزام بتقدیم – وفی الوقت المناسب – کل ما یحتاجه المریض النفسی من علاج طبی ونفسی من أطباء مؤهلین أکفاء فضلاً عن استخدام کادر مؤهل ومدرب ذو مهارة تتعلق بالعنایة النفسیة من ممرضین وأخصائیین اجتماعیین. ویجب ان یکون إعطاء الدواء بموجب أعلى وأحسن ما یناسب حالة المریض الصحیة وان یکون إعطاء الدواء للغرض العلاجی والتشخیصی فحسب ویجب ألا یستخدم مطلقاً أسلوباً فی العقاب أو لراحة أشخاص أخرین غیر المریض نفسه وان یکون إعطاء الدواء لمعالجة حالة معروفة ومقبولة علمیاً ولیس على سبیل التجربة الطبیة ویجب ان تعطى الأدویة کلها من ممارس مجاز فی مجال الصحة النفسیة وان یقید ذلک فی سجل المریض مع العلم ان الدواء یجب ان یعطى بحریة من دون تهدید أو ضغط على المریض، وهذا ما نصت علیه الفقرة الأولى من المادة 36 من قانون رعایة المریض النفسی التی تضمنت حقوق المریض فجاء فیها ما نصه (یتمتع المریض النفسی الذی یعالج بإحدى المنشات المنصوص علیها فی المادة ( 2 ) من هذا القانون بالحقوق الأتیة :..... 1- تلقی العنایة الواجبة فی بیئة أمنة ونظیفة ).
ویلحظ ان العنایة التی یلتزم الطبیب ببذلها بخصوص هذا الشطر من هذا الالتزام التی یعد مخطئاً اذا قصر فیها وبحسب رأی محکمة النقض الفرنسیة فی قرارها الشهیر عام 1936 لیست أیة عنایة کانت وإنما هی " العنایة الوجدانیة الیقظة الموافقة للحقائق العلمیة المکتسبة".
لذا فان الالتزام بتقدیم العنایة الصحیة النفسیة یعد التزاماً ببذل عنایة فی الأحوال التی تکون مسؤولیة الطبیب النفسی عقدیة فالطبیب علیه واجب معرفة العلوم الطبیة وتطبیقها فی إعطاء العلاج لمریضه ویتحدد مدى التشخیص وکیفیته ونوعیته والعلاج بما تکون علیه مهارة زملائه من اختصاصه نفسه وفی ظروف عمله نفسها، أی ان قیاس المهارة الطبیة المتوقعة من الطبیب قد لا تکون احدث ما وصل إلیه العلم ولا یتوقع منه ان یکون عالماً بکل صغیرة وکبیرة فی مجال اختصاصه أو ممارسته ولکنه یجب ان یکون فی مستوى معدل زملائه الذین حوله فإذا کانت معلوماته الطبیة اقل من ذلک صار مسؤولاً عن الخطأ الذی اقترفه بحق المریض من جراء جهله بفحص معین أو تشخیص معین، فالخطأ الذی قد یحدث إما ان یکون خطأ فی التقدیر أو خطأ فی جمع المعلومات ، أما الخطأ فی التقدیر فهذا یشمل تقدیر ما یمکن عمله من المعلومات المتوفرة للطبیب أی ان الطبیب فی مواجهة ما جمعه من معلومات کأعراض المرض التی یشکو منها المریض ونتائج الفحوصات والتحالیل والأشعة والتقاریر الطبیة السابقة والعلاجات التی استعملها المریض فی الماضی . یبدأ بعد ذلک بمحاولة تشخیص المرض ورسم خطة العلاج ، فإذا اخطأ فی تقدیره وتقییمه لتلک المعلومات وتوصل إلى استنتاج خاطئ سمی ذلک خطأ فی التقدیر یسال عنه الطبیب اذا کان الخطأ واضحاً ولا یمکن ان یقع من طبیب أخر من اختصاصه وظروفه نفسها، أما الخطأ فی جمع المعلومات عن المریض فإذا قصر فی ذلک یکون مسؤولاً عن الخطأ فی الاستعلام حیث یکون مسئولاً عن خطأ الاستنتاج الناتج من قصوره فی جمع المعلومات.
المطلب الثالث
الالتزام بالتبصیر
استقر الفقه الحدیث مع اختلافه حول التسمیة ، على إلقاء عبء الالتزام بالتبصیر على عاتق الطرف الذی یمتلک المعلومات المهمة والمؤثرة فی إقدام أو إحجام الطرف الأخر على التعاقد وتلک التی من شانها ان تسبب له ضرراً بعد التعاقد أو تؤثر فی تنفیذ العقد بأی شکل من الأشکال ، وبأن هذا الالتزام ینشطر إلى شطرین یقع الأول لمصلحة المقدم على التعاقد بأن یبصره الطرف الأخر الذی یمتلک المعلومات الفنیة وأسرار المهنة ببعض الحقائق المهمة والمؤثرة فی العملیة التعاقدیة . أما الثانی فیقع لمصلحة أشخاص ارتبطوا فعلاً بعلاقات تعاقدیة أی ان الالتزام فی هذه الحالة سیقوم فی أثناء تنفیذ العقد وبعد إبرامه، ویطلق الفقه، على الالتزام فی الحالة الأولى بالالتزام بتقدیم المعلومات، وفی الحالة الثانیة الالتزام بالإعلام ویذهب الفقه المذکور وبحق إلى ان الالتزام بتقدیم المعلومات التزام تقصیری الأحوال کلها لعدم وجود عقد مما یقربه من عیوب الإرادة من ثم یؤدی الإخلال به إلى عدم صدور رضا حر ومستنیر أما الالتزام بالإعلام فقد یکون التزام تعاقدی فی حالة وجود عقد بین الطرفین وان الإخلال به یتعلق بمرحلة تنفیذ العقد فیترتب على ذلک قیام المسؤولیة العقدیة و یمکن ان یکون التزام قانونی اساسه مبدأ حسن النیة فی حالة عدم وجود عقد بینهما فیؤدی الإخلال به لقیام المسؤولیة التقصیریة.
وتطبیقاً لما تقدم فان الطبیب یلتزم قبل بدء العلاج النفسی بتقدیم المعلومات اللازمة التی تتمثل بشرح مناسب عن الغرض والطریقة والمدة المحتملة والفائدة المتوخاة من العلاج المقترح مع بیان البدائل الممکنة وبعد بدء العلاج لا بد من إعلام المریض بحالته ومدى تقدمها أو تردیها مع تبصیرها بآثار استخدام الدواء واحتمالیة إحداثه للإدمان والألم المحتمل أو الأعراض الجانبیة والخطورة من العلاج وإلا تنهض مسؤولیته متى ثبت تقصیره بهذه الواجبات .وقد نص المشرع المصری على التزام الطبیب النفسی بالتبصیر فجعل من حقوق المریض النفسی:( تلقی المعلومات اللازمة لإعطاء موافقة صریحة حرة مستنیرة لکل علاج مقترح من الفریق العلاجی ب – رفض العلاج المقدم له على ان یحاط علما بتأثیر هذا الرفض على صحته ت – اخذ رأیه فی القرارات کلها التی تتعلق بعلاجه وخروجه من المنشاة والحصول کتابة من إدارة المنشاة على خطة علاجه وخروجه ). فضلا عن نص الفقرة الخامسة من المادة 36 التی تعد أن من حقوق المریض النفسی:( تلقی المعلومات الکاملة عن التشخیص الذی أعطی لحالته وعن الخطة العلاجیة المقترحة وعن احتمال تطورات حالته ). وأن نص المادة 27 من القانون یلقی على عاتق الطبیب النفسی الالتزام بالتبصیر أیضا إذ جاء فیها ما نصه:( فی حالة تمتع المریض بالقدرة العقلیة على فهم وإدراک الإجراءات والمعلومات المقدمة إلیه واتخاذ قرار مبنی على هذا الإدراک والتعبیر عنه تعبیرا صحیحا یلتزم الطبیب النفسی المسؤول بعدم إعطاء أی علاج لمریض الدخول الإرادی من دون الحصول على موافقته المسبقة المبنیة على إرادة حرة مستنیرة، کما یلتزم بتسجیل الخطة العلاجیة المقترحة، واثبات موافقة المریض أو عدم موافقة المریض فی الملف الطبی له على وفق الشروط والإجراءات التی تحددها اللائحة التنفیذیة لهذا القانون وتقع مسئولیة تقریر قدرة المریض العقلیة على إعطاء موافقة صریحة ومستنیرة من عدمه على الطبیب النفسی المسؤول وفی الأحوال جمیعها یلتزم أعضاء الفریق العلاجی بتسجیل کل تدخل علاجی یقوم به أی منهم بملف المریض على النحو الذی تبینه اللائحة التنفیذیة لهذا القانون ) وجاء مضمون هذا الالتزام فی نص المادة 28 من القانون التی جاء فیها:( لا یجوز إعطاء المریض النفسی أی علاج لحالته سواء کان هذا العلاج دوائیا أو نفسیا أو سلوکیا أو أی من العلاجات المستخدمة فی الطب النفسی من دون إحاطته علما بذلک ، ویتعین إحاطته علما بطبیعة هذا العلاج والغرض منه والاثار التی قد تنجم عنه والبدائل العلاجیة له ). ونجد مضمون الالتزام بالتبصیر أیضا فی المادة 30 من القانون التی جاء فیها:( لا یجوز إجراء العلاج الکهربائی اللازم لحالة المریض النفسی إلا تحت تأثیر مخدر عام وباسط للعضلات، ویتعین الحصول على موافقته على ذلک کتابة بناء على إرادة حرة مستنیرة وبعد إحاطته علما بطبیعة هذا العلاج والغرض منه والاثار الجانبیة التی قد تنجم عنه والبدائل العلاجیة له).
المطلب الرابع
الالتزام بالمراقبة
یمتاز هذا الالتزام بالخصوصیة لأنه من الالتزامات الملقاة على الطبیب النفسی الذی یحدد أن حالة المریض تستوجب المراقبة لتقوم المصحة بمراقبة المریض ورصد حرکاته تحوطاً من الإضرار بنفسه أو بغیره، ویقدر العلاج والمراقبة حسب ما یشیر به الطبیب المعالج.
أخذ تطور الطب فی مجال الأمراض العقلیة والنفسیة یولی أهمیة خاصة للوسائل العصریة فی هذا المجال فبدلاً من حجز المریض فی حُجر انفرادیة ومراقبته مراقبة شدیدة ودقیقة وعزله فی أماکن خاصة توصی الوسائل العصریة بالتخلی تدریجیاً عن هذه الأسالیب ولا سیما فی فترة النقاهة وتلح على الأهمیة العلاجیة للثقة التی تعطی للمریض، ولا ینکر ان هذا التسامح الذی تبدیه الوسائل العلاجیة الحدیثة قد تقترن به أو ترافقه بعض الأخطار کلجوء المریض إلى الانتحار إلا ان الأخصائیین یعدون أن المنافع المنتظرة من العلاج الجدید تبدو أعظم من هذا الخطر الذی یسیر نحو التناقص بشکل واسع، ولکن هل یعتبر التزام المصحة الخاصة بمراقبة المریض التزاماً بنتیجة أم بوسیلة؟ اختلف الفقه بصدد إجابتهم عن هذا التساؤل فذهب البعضالى ان المصحات النفسیة تلتزم بالتزام نتیجة تجاه حراسة المریض لأنها ملزمة بالعقد بضمان سلامة المریض ویذهب جانب أخر من الفقه، إلى ان هذا الالتزام بوسیلة وهذا الرأی هو الراجح بنظرنا لأن الخطأ لا یمکن ان یکون مفترضاً لان تصرف المریض النفسی یمکن ان یکون غیر متوقع، وبأن التزام المصحة بالرقابة هو التزام بنتیجة سیدفعها فی سبیل التخلص من المسؤولیة إلى تشدید الرقابة على المریض ومن ثم سیحرم من مزایا الوسائل الحدیثة فی العلاج فضلا عن القول بخلاف ذلک المسؤولیة التی تقع على عاتق المصحة الخاصة اشد من تلک التی تتحملها المصحة العامة إذ ان الخطأ فی جانب هذه الأخیرة واجب الإثبات دائما ولیس مفترضا .
الخاتمـة
تتضمن الخاتمة اهم النتائج والتوصیات وکالاتی :
اولا : النتائج
1- یتوقف تحدید طبیعة مسؤولیة الطبیب النفسی على تطبیق القواعد العامة فی تحدید نطاق کل من المسؤولیتین العقدیة والتقصیریة فکلما وجد عقد بین الطبیب النفسی والمریض ووقع إخلال بأحد الالتزامات الناشئة عن هذا العقد کانت المسؤولیة عقدیة وما عداها یقع فی نطاق المسؤولیة التقصیریة
2- یمکن أن تکون لطریقة دخول المریض النفسی إلى المصحة النفسیة أثر کبیر فی تحدید طبیعة مسؤولیة الطبیب النفسی، إذ تکون مسؤولیته تقصیریة فی أحوال الدخول الإلزامی سواء کانت المصحة النفسیة حکومیة أم أهلیة وتکون تقصیریة فی أحوال الدخول الإرادی للمصحة النفسیة الحکومیة فی حین تکون مسؤولیته عقدیة فی حالة الدخول الإرادی للمصحة النفسیة الأهلیة .
3- أیاً کانت طبیعة مسؤولیة الطبیب النفسی فانه یلتزم بجملة التزامات اولها التزامه بالسریة والمحافظة على أسرار المریض وعدم کشفها لاحد ، الافی حالات محددة تتمثل بطلب صاحب الحق ذلک ، وکشف السر للدفاع عن النفس ، وفی حالة حسن سیر العدالة سواء بأداء الطبیب الشهادة امام القضاء او التبلیغ عن الجرائم .
4- یلتزم الطبیب النفسی بتزوید المریض بالعنایة الصحیة النفسیة، ولهذا الالتزام له جانبان معنوی ومادی یتمثل المعنوی بحق المریض فی الاحترام وحفظ کرامته ، یتمثل المادی بتقدیم الرعایة الصحیة والعلاج الطبی والنفسی .
5- یلتزم الطبیب النفسی بالالتزام بتبصیر ویتمثل بتقدیم المعلومات اللازمة التی تتمثل بشرح مناسب عن الغرض والطریقة والمدة المحتملة للعلاج وفائدة العلاج .
6- یتمیز الالتزام بالمراقبة عن الالتزامات الاخرى ان الطبیب النفسی ینقل تنفیذ هذا الالتزام الى عاتق المصحة النفسیة فی حالة تتطلب حالة المریض النفسی المراقبة والمتابعة .
ثانیا : التوصیات
1- من جهة وقائیة نقترح ان یکون لدى الأطباء عموما إلمام بالجوانب القانونیة التی تحکم عملهم فی إجراء دورات متواصلة یکونوا من خلالها مطّلعین على الجدید المطروح على الساحتین الطبیة والقانونیة معًا لتفادی الوقوع فی أی خطأ قد یقودهم للمسؤولیة المدنیة والاهتمام بالحوار المتواصل بین الأطباء وفقهاء القانون والقضاة حول المشاکل التی یتلقاها الطبیب فی مهنته والتنظیر لها بالتدقیق· وربما یکون من الأفضل تدریس مادة الأخطاء الطبیة فی کلیة الطب إذ یکون طلبة کلیة الطب على إلمام بالمسؤولیة الطبیة عموما ومنها واجبات الطبیب النفسی الأخلاقیة لتفادی الأخطاء الطبیة وبقصد حثهم على الانتباه.
2- نظم المشرع المصری إجراءات وشروط العلاج النفسی الإلزامی إلا ان المشرع العراقی سکت عن معالجة هذه المسالة فاقترحنا فی هذا الصدد ان یکون العلاج الإلزامی بطلب من ذوی المریض یستتبعه قرار من القاضی یعتمد فی اتخاذه على تقریر الخبراء الذی یجب ان یبنى على مبدأ الحاجة الى العلاج والخطورة على النفس أو الاخرین وان تحدد بقرار القاضی مدة العلاج وفی نهایتها یجری تشخیص جدید ولا یجوز بأیة حال تجدید المدة إلا بقرار قضائی جدید .
3- نص المشرع المصری على جملة من الحقوق للمریض النفسی فضلاً عن أن التزام الطبیب النفسی بالتزامات حددناها بالسریة والمحافظة على سر المریض بتوفیر العنایة الصحیة النفسیة والتبصیر والمراقبة فی حین لم یتطرق المشرع العراقی الى أی من هذه الحقوق مما یعد نقصا تشریعیاً یقتضی التدخل لمعالجته.
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Firstly: legal and medical books
1- Dr. Akram Mahmoud Hussein Al-Badawi, Civil Liability for Private Hospitals, Dar Al-Hamed Publishing and Distribution, First Edition, 2003.
2 - Dr. Jafar Fadhli, commitment to advice, safety and caution in the contract contract, research published in the magazine Rafidain of rights, No. 13, 2002.
3- Dr. Hassan Ali Al-Dinon, Al-Mabsoot in Civil Liability, Part One Damage, The Times Company for Printing and Publishing.
4- Dr. Zaina Ghanem Younis Al-Obaidi, Patient's Will in the Medical Contract - Comparative Study, PhD thesis submitted to the Faculty of Law, Mosul University, 2005.
5- Salem Mohammed Radai'an Al-Azzawi, Product Responsibility in Civil Laws and International Agreements, PhD thesis presented to the Faculty of Law, University of Baghdad, 1991.
6 - Suheir Montaser, commitment to enlightenment, House of Arab Renaissance, without a year printed.
7- Dr. Sahib Obaid Al-Fatawi, Health Legislation, Dar Al-Thaqafa Library for Publishing and Distribution, Amman, 1, 1997
8- Dr. Abdul Hai Hijazi, General Theory of Obligation in accordance with Kuwaiti Law, Comparative Study, Part I, Sources of Commitment, Volume I, Theory of Obligation, Kuwait University Press, 1982
9 - Dr. Sabri Hamad Khater commitment before contracting information, research published in the Journal of Legal Sciences issued by the Faculty of Law University of Baghdad, Volume 11, No. I, 1996.
10- Dr. Abbas Ali Mohammed Al-Husseini, Responsibility of the Civil Pharmacist for his Professional Mistakes, Comparative Study, Dar Al-Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman 1999.
11 - Abdul Rahman Abdul Razzaq al-Tahan, responsibility of the civil doctor for his professional mistakes, a master thesis submitted to the Faculty of Law and Politics, University of Baghdad, 1976.
12- Dr. Abdul Majeed al-Hakim, Abdul Baqi and Mohamed Taha al-Bashir, the brief in the theory of commitment in the Iraqi civil law, Part I, sources of commitment, the book house for printing and publishing at the University of Mosul, 1980.
13. Dr. Izz al-Din al-Dinuri and Dr. Abdul-Hamid al-Shurabi, Civil Liability in the Light of Jurisprudence and Judiciary Modern Cairo Printing, 7th Edition, 2000.
14. Dr. Qutaiba Chalabi, Yahya Al-Rakhawi and Said Al-Azim, Proposed Arab Mental Health System, published in the Arab Journal of Psychiatry issued by the Union of Arab Psychiatrists, vol. VII. First Issue, May 1996.
15. Dr. Qutaiba Salem Chalabi, Psychiatry and Judiciary, Anglo-Egyptian Library, Cairo, I., 1994.
16. Dr. Mohamed Hossam Mahmoud Lutfi, Civil Responsibility in the Negotiation Phase, Golden Eagle Press, Cairo, 1995.
17. Maysa Al-Ajji, Medical Liability and Surgical Complications, an article published online at http://thawra.alwehda.gov.sy.
18. Nader Shafi, Doctor Between Message and Accountability, online article published at http://www.lebarmy.gov.lb/article.asp?ln=en&id=6814.
Secondly: the laws
19. Iraqi Evidence Law No. 107 of 1979, as amended
20. Egyptian Evidence Law No. 25 of 1968, amended.
21. Iraqi Penal Code No. 111 of 1969
22. Egyptian Penal Code No. 58 of 1937.
23 - Iraqi Mental Health Act No. 1 of 2005.
24- The Egyptian Psychiatric Patient Care Law No. 71 of 2009.
اولا : الکتب القانونیة والطبیة
1- د. أکرم محمود حسین البدو ، المسؤولیة المدنیة للمستشفیات الخاصة ، دار الحامد للنشر والتوزیع ، الطبعة الأولى ، 2003 .
2- د.جعفر الفضلی ، الالتزام بالنصیحة والسلامة والحذر فی عقد المقاولة ، بحث منشور فی مجلة الرافدین للحقوق ، العدد 13 ، 2002 .
3- د.حسن علی الذنون ، المبسوط فی المسؤولیة المدنیة ،الجزء الأول الضرر، شرکة التایمز للطبع والنشر.
4- د.زینة غانم یونس العبیدی ، إرادة المریض فی العقد الطبی – دراسة مقارنة ، أطروحة دکتوراه مقدمة إلى کلیة القانون فی جامعة الموصل ، 2005 .
5- سالم محمد ردیعان العزاوی ، مسؤولیة المنتج فی القوانین المدنیة والاتفاقیات الدولیة، أطروحة دکتوراه مقدمة إلى کلیة القانون بجامعة بغداد ، 1991 .
6- سهیر منتصر ، الالتزام بالتبصیر ، دار النهضة العربیة ، بلا سنة طبع .
7- د. صاحب عبید الفتلاوی ، التشریعات الصحیة ، مکتبة دار الثقافة للنشر والتوزیع ، عمان ، ط1 ، 1997
8- د. عبد الحی حجازی ، النظریة العامة للالتزام وفقاً للقانون الکویتی ، دراسة مقارنة ، الجزء الأول ، مصادر الالتزام ، المجلد الأول ، نظریة الالتزام ، مطبوعات جامعة الکویت ، 1982
9- د.صبری حمد خاطر الالتزام قبل التعاقد بتقدیم المعلومات، بحث منشور فی مجلة العلوم القانونیة التی تصدرها کلیة القانون جامعة بغداد ، المجلد 11 ،العدد الأول ، 1996 .
10- د. عباس علی محمد الحسینی ، مسؤولیة الصیدلی المدنیة عن أخطائه المهنیة ، دراسة مقارنة ، دار الثقافة للنشر والتوزیع ، عمان 1999 .
11- عبد الرحمن عبد الرزاق الطحان ، مسؤولیة الطبیب المدنیة عن أخطائه المهنیة ، رسالة ماجستیر مقدمة إلى کلیة القانون والسیاسة فی جامعة بغداد ، 1976 .
12- د. عبد المجید الحکیم وعبد الباقی ومحمد طه البشیر ، الوجیز فی نظریة الالتزام فی القانون المدنی العراقی ، الجزء الأول ، مصادر الالتزام ، دار الکتب للطباعة والنشر بجامعة الموصل ، 1980.
ثانیا : متون القوانین
19- قانون الإثبات العراقی رقم 107 لسنة 1979 المعدل
20- قانون الإثبات المصری رقم 25 لسنة 1968 المعدل.
21- قانون العقوبات العراقی رقم 111 لسنة 1969
22- قانون العقوبات المصری رقم 58 لسنة 1937.
23- قانون الصحة النفسیة العراقی رقم 1 لسنة 2005 .
24- قانون رعایة المریض النفسی المصری رقم71 لسنة 2009