الملخص
لخلو القانون العراقی من تشریع ینظم العلاقة التعاقدیة بین طرفی عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة فإن المشتری لا تتوفر لدیه ضمانات کافیة تضمن له حقوقه ولاسیما حقه فی انتقال الملکیة إلیه حیث لا یمکن تحقق هذا الانتقال وقت التعاقد لأن محل العقد فی ذلک الوقت قید الإنجاز. إذ یسدد المشتری أقساط الثمن وینتهی من تسدیدها قبل أن تنتقل ملکیة الوحدة السکنیة إلیه لذا لابد من تعدیل نصوص قانون التسجیل العقاری إذ تسمح بالانتقال التدریجی فی ملکیة الوحدة السکنیة إلى المشتری بحسب التدرج فی تنفیذ بقیة الالتزامات العقدیة أو نقل ملکیة الأرض وقت التعاقد لیتسنى للمشتری طلب تصحیح جنس العقار عند إنجاز البناء.
ویمکن أن تکون هناک معالجة جذریة لمشکلة انتقال ملکیة الوحدة السکنیة لمشتریها فی إصدار تشریع یتناول تنظیم العلاقة بین طرفی عقد بیع المساکن الجاهزة بما فی ذلک الإعلان عن تلک البیوع لتوفیر ضمانات للمشتری تضمن له استیفاء حقوقه منها حقه فی تملک الوحدة العقاریة التی أشتراها
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
انتقال الملکیة فی عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة-(*)-
Transfer of ownership in the contract for the sale of residential real estate Ready
قصی سلمان هلال قسم القانون/ جامعة جیهان Qusay Salman Hilal Law Department/Cihan University Correspondence: Qusay Salman Hilal E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 9/4/2013 *** قبل للنشر فی 30/4/2013.
(*) Received on 9/4/2013 *** accepted for publishing on 30/4/2013.
Doi: 10.33899/alaw.2013.160722
© Authors, 2013, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
لخلو القانون العراقی من تشریع ینظم العلاقة التعاقدیة بین طرفی عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة فإن المشتری لا تتوفر لدیه ضمانات کافیة تضمن له حقوقه ولاسیما حقه فی انتقال الملکیة إلیه حیث لا یمکن تحقق هذا الانتقال وقت التعاقد لأن محل العقد فی ذلک الوقت قید الإنجاز. إذ یسدد المشتری أقساط الثمن وینتهی من تسدیدها قبل أن تنتقل ملکیة الوحدة السکنیة إلیه لذا لابد من تعدیل نصوص قانون التسجیل العقاری إذ تسمح بالانتقال التدریجی فی ملکیة الوحدة السکنیة إلى المشتری بحسب التدرج فی تنفیذ بقیة الالتزامات العقدیة أو نقل ملکیة الأرض وقت التعاقد لیتسنى للمشتری طلب تصحیح جنس العقار عند إنجاز البناء.
ویمکن أن تکون هناک معالجة جذریة لمشکلة انتقال ملکیة الوحدة السکنیة لمشتریها فی إصدار تشریع یتناول تنظیم العلاقة بین طرفی عقد بیع المساکن الجاهزة بما فی ذلک الإعلان عن تلک البیوع لتوفیر ضمانات للمشتری تضمن له استیفاء حقوقه منها حقه فی تملک الوحدة العقاریة التی أشتراها.
Abstract
It is worth-bearing in mind that owing to the lack of the Iraqi law from a legislation regulating the contractual relationship between the contracting parties of the contract of sale of the ready-made residential real properties, the buyer does not have sufficient guaranties ensuring his rights, especially his right in the transfer of the ownership. Therefore this transfer cannot be realized at the time of contracting, because the buyer pays the instatements of price, and ends up paying them before the transfer of the ownership of the residential unit to the buyer, therefore, it is necessary to amend the texts of the real property registration law, in order to permit the gradual transfer of the ownership of the residential unit to the buyer, according to the graduation of the execution of other contractual obligations, or the transfer of the ownership of land at the time of contracting, in order for the buyer to demand the correction of the genre of the real property at the time when the building is finished.
It is worth-nothing that radical treatment of the problem of the transfer of property of the residential unit to the buyer, by enacting a legislation regulating the relationship between the contracting parties of the contract of sale of the ready-made residential real properties, including the advertisement of these sales, to give the buyer some guaranties ensuring his rights, particularly his right of the ownership of the real property which he has bought.
المقدمـة
یلحظ فی الآونة الأخیرة انتشارا لظاهرة بیع المساکن الجاهزة سواء کانت فیلات أو دور أو شقق وزخما فی الإعلانات التی تنظمها الشرکات التی تتعاطى المتاجرة بهذه النوعیة من العقارات. ونجد بالمقابل اقبالا جیداً من الناس على التعاقد لشراء مثل تلک الوحدات السکنیة التی تکون وقت التعاقد قید الأنشاء أو حتى قبل الشروع بإنشائها لأسباب عدیدة منها ما تمثله تلک المجمعات السکنیة من أسلوب حدیث ومتطور للسکن والرفاهیة ولعل اهم الأسباب التی تجذب الناس إلى الإقبال على التعاقد لشراء المساکن الجاهزة هو أن ثمن تلک المساکن یسدد بأقساط یلزم المشتری بدفعها بحسب التقدم فی مراحل البناء مما یمکن أصحاب الدخول المحدودة من تملک المساکن من دون أن یتحملوا أعباء الدفع الفوری لأثمانها. ومن ناحیة أخرى فإن هذا العقد یحقق مصلحة البائع أیضا فهو قد لا یستطیع تمویل مشروعه کاملاً من أمواله الخاصة المتاحة عند الإعلان عن المشروع، فیلجأ إلى عرض هذه المشاریع للبیع قبل إنجازها ویستفید بذلک من أقساط الأثمان المسددة من المشترین لیباشر فی الإنشاء وینجز مراحل التقدم فی البناء ومع الإیجابیات کلها التی ترافق هذه الظاهرة إلا أنها أفرزت مشکلة رأیتها جدیرة بأن تکون محلا للبحث وهی تحدید الوقت الذی تنتقل فیه ملکیة محل العقد إلى المشتری لأن البائع لا یمکن أن یباشر بنقل ملکیة المسکن الجاهز إلى المشتری عند التعاقد والأخیر لم یسدد سوى دفعة أو دفعتین من دفعات الثمن. وأنه وقت التعاقد تکون الوحدات السکنیة فی طور الإنشاء مما یحول دون إمکانیة نقل ملکیتها إلى المشتری وتسجیلها باسمه تأثرا بالشکلیة التی تبناها التشریع العراقی فی عقود بیع العقارات مما ینعکس ذلک کله على ضمانات المشتری فی مثل هذا النوع من العقود.
ولکن قبل البحث فی مشکلة انتقال ملکیة الوحدة السکنیة الجاهزة إلى المشتری وتسجیل ملکیتها باسمه لابد لنا من تسلیط الضوء على عقود البیع التی تبرمها شرکات بیع هذا النوع من العقارات لزبائنها.
لذا سوف نخص المبحث الأول لمفهوم عقود بیع العقارات السکنیة أما المبحث الثانی فسوف نخصه للبحث فی آثاره ومنها نقل الملکیة إلى المشتری ولاسیما أن تلک الآثار ترتبط ببعضها إذ یستحیل نقل ملکیة الوحدة السکنیة ما لم ینجز البائع البناء وما لم یکن المشتری قد سدد دفعات الثمن التی ترتبط بتقدم البائع فی إنجاز مراحل البناء.
المبحث الأول
مفهوم عقود بیع العقارات السکنیة الجاهزة
لا یزال التنظیم القانونی الخاص لهذا العقد فی غائبا مما یضطر الباحث للاستعانة بنصوص القانون المدنی والتسجیل العقاری عند الخوض فی جوانب البحث بما فی ذلک مفهوم عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة. إذ یضم مفهوم عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة تعریف العقد المذکور وتحدید طبیعته القانونیة. لذا نقسم هذا المبحث إلى مطلبین، الأول نخصه للتعریف یشتمل الثانی على الطبیعة القانونیة للعقد موضوع البحث.
المطلب الأول
تعریف عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة
تناولت القوانین المدنیة معظمها تعریف عقد البیع وبرؤى مختلفة من قانون لآخر، وعرفه القانون المدنی العراقی فی المادة (506) بأنه (مبادلة مال بمال)، أما القانون المدنی المصری فقد عرفه على أنه (عقد یلتزم به البائع أن ینقل ملکیة شیء أو حقا مالیا آخر فی مقابل ثمن نقدی). إذ یتجه القانون المدنی المصری کما ورد فی المذکرة الإیضاحیة لمشروعه التمهیدی بأنه لا یقصر البیع على نقل الملکیة بل تجاوز ذلک إلى نقل أی حق مالی آخر بما فی ذلک الحقوق الشخصیة إذا کانت فی مقابل مبلغ نقدی. أما المادة (465) من القانون المدنی الأردنی فقد عرفت البیع على أنه (تملیک مال أو حق مالی لقاء عوض).
ویلحظ على التعریفات متقدمة الذکر بأن القانون المدنی الأردنی جاء أشمل من نظیره المصری إذ یشمل العوض فی القانون المدنی الأردنی العوض النقدی وغیره، أما القانون المدنی العراقی فجاء أشملها جمیعا فعقد البیع یشمل بیع العین بالنقد وهو البیع المطلق وبیع النقد بالنقد وهو الصرف وبیع العین بالعین وهی المقایضة.
لذا إذا ما أردنا تعریف عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة فیجب أن نضع بعین الاعتبار انتماء هذا العقد إلى مجموعة العقود المسماة وعلى وجه التحدید عقد البیع المطلق الذی تناولته المادة (527/1) من القانون المدنی العراقی بنصها على أنه (فی البیع المطلق یجب أن یکون الثمن مقدرا بالنقد...) لأن العوض فی عقود بیع العقارات السکنیة الجاهزة هو مبلغ من النقود یسدد على دفعات تستمر مع استمرار التقدم فی إنجاز مراحل بناء الوحدة السکنیة. هذا بالنسبة للثمن وهو المحل الأول فی عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة، أما المحل الثانی فیها وهو العقار السکنی الجاهز، فیلحظ بأنه منعدم الوجود عند التعاقد، لذا فإن تعاریف القوانین المدنیة لعقد البیع لا یمکن أن تنطبق على العقد موضوع بحثنا، لأنه إذا کان البیع هو تملیک المشتری للمعقود علیه، فهذا التملیک لا یمکن أن لا یتم ما دام المعقود علیه عقار قید الإنشاء أو منعدم الوجود أصلا عند التعاقد فی الحالة التی لم تکن الشرکة البائعة قد باشرت بتنفیذ مشروعها. ومع أن القوانین المدنیة أجازت بیع الأشیاء المستقبلیة استثناء من القاعدة العامة القاضیة بوجوب وجود المحل عند التعاقد فهذا الاستثناء یتعطل تطبیقه عند اصطدامه بشکلیة البیوع العقاریة المطلوبة فی التشریعات عامة ومنها التشریع العراقی کما نجد عند بحثنا فی الطبیعة القانونیة لبیع العقارات السکنیة الجاهزة فی المطلب الثانی من هذا المبحث.
ولکل ذلک یجب أن نختار أو أن نضع تعریفا لعقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة إذ یغطی الجوانب التی یتمیز بها هذا العقد عن سائر البیوع العقاریة وهی انعدام وجود العقار عند التعاقد، والعوض النقدی الذی یسدد على دفعات إذ یرتبط تسدیدها بتقدم البائع فی إنجاز مراحل البناء.
ومن التعریفات التی وجدناها جاءت فعلا مغطیة للجوانب المذکورة، التعریف الذی اتجه إلى أن عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة هو (عقد بیع محله عقار لم ینجز بعد أو فی طور الإنجاز، یلتزم بتشییده البائع مالک المشروع فی الأجل المحدد بالعقد وبالمواصفات المتفق علیها، وأن ینقل ملکیته للمشتری الذی یلتزم بأن یدفع للبائع ثمن نقدی یدفعه على شکل أقساط دوریة بحسب التقدم بأعمال البناء). ویلحظ على هذا التعریف بأنه عد نقل الملکیة التزاما على البائع وهذا بحد ذاته فارق جوهری یتمیز به عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة عن البیوع بصورة عامة، لأن عقد البیع المنصب على الأعیان المعینة بالذات ومنها العقارات لا یرتب التزاما على عاتق البائع بنقل ملکیة المبیع، وإنما تنتقل الملکیة تلقائیا إذ نصت المادة (531) من القانون المدنی العراقی على أنه (إذا کان المبیع عینا معینة بالذات...، نقل البیع من تلقاء نفسه ملکیة المبیع...).
ولا یعد تقسیط الثمن اختلافا ینفرد به عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة عن غیره من البیوع، لأن الأحکام التی تسری على البیع تقرر بأن المشتری یلتزم بدفع الثمن المتفق علیه على وفق الشروط التی یقررها العقد، ویجوز اشتراط تقسیط الثمن إلى أقساط معلومة تدفع فی مواعید معینة.
المطلب الثانی
الطبیعة القانونیة لعقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة
لتحدید الطبیعة القانونیة لعقد یتفق فی بعض جوانبه مع البیوع العقاریة ویختلف فی جوانب أخرى عنها، فإنه لابد لنا من أن نفترض احتمالات عدیدة لنرجح بعدها أی الاحتمالات یتفق على الأقل أو یقترب من طبیعة عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة.
الاحتمال الأول: هو عقد بیع عقار.
عند تعریفنا للعقد موضوع البحث، لحظنا بأن محل العقد هو وحدة سکنیة قید الإنجاز وفی بعض الأحیان وحدة سکنیة لم یشرع البائع فی حفر أساساتها.
ویعد المحل فی وقت التعاقد شیئا مستقبلیاً. وقد نصت المادة 129/1 من القانون المدنی على أنه (یجوز أن یکون محل الالتزام معدوماً وقت التعاقد إذا کان ممکن الحصول فی المستقبل وعین تعیینا نافیا للجهالة والغرر).
ومع أن الاستثناء الوارد فی أعلاه والقاضی بجواز التعامل بالأشیاء المستقبلیة بما فی ذلک بیعها ما دام وجودها أمرا ممکنا فی المستقبل وتم تعیینها قد تحققت شروطه فی عقد بیع المساکن الجاهزة، فوجود المسکن فی المستقبل أمرا ممکنا من جهة ومن جهة أخرى فإن المشتری لا یتعاقد ما لم یتم تعیین الوحدة السکنیة التی یقدم على شرائها من حیث المساحة والموقع وخریطة البناء وکذلک المواد المستخدمة فی إنهاءات التنفیذ. إلا أن الاستثناء المذکور یصطدم برکن الشکلیة فی البیوع العقاریة التی لا تسمح بتسجیل ملکیة الوحدة السکنیة باسم المشتری وقت التعاقد لأنها لا تزال فی الوقت المذکور قید الإنجاز.
إذ یستند فی تسجیل العقار إلى خارطة العقار المستندة إلى کشف أصولی، إذ لا یعتد بالخارطة العامة ما لم تطبق موقعیاً بموجب کشف أصولی یعین شکل العقارات الداخلة فیها ومساحاتها وحدودها، إذ لا یجوز لدوائر التسجیل العقاری أن تستند فی تنظیم خارطة العقار إلى الخرائط المنظمة من جهات أخرى ما لم تطبق موقعیاً.
لذا فإن فقدان التسجیل لهذا الأساس یجعله غیر مستوف للشروط القانونیة، إذ یتجه المشرع إلى أن یعد الخارطة المستندة إلى کشف أصولی جزءا متمما للتسجیل العقاری.
الاحتمال الثانی: هو وعد ببیع العقار.
إذ کان العقد المبرم یعد وعداً هو وعد بالتعاقد بوصفه اتفاقاً اتفاق لا یرقى إلى العقد النهائی، لأن الوعد خطوة نحو إبرام العقد النهائی. فإن هذا الاتجاه لن یکون ذو فائدة إذ لا تنتقل ملکیة الوحدة السکنیة الجاهزة بمجرد انعقاد الوعد بالبیع، إذ تختص دائرة التسجیل العقاری بتسجیل التصرفات القانونیة الواردة على العقارات سواء کانت ناقلة للملکیة أو منشئة لحقوق عینیة أصلیة أو تبعیة أو معدلة لها أو کانت تلک التصرفات القانونیة تتناول إنهاء الحق العینی کفک الرهن عند الوفاء بالدین المضمون بالرهن. وبما أن الوعد بالبیع لا یدخل ضمن دائرة هذه التصرفات القانونیة، لأنه یقتصر على التزام الواعد بوعده وهذا ما یقابله حق شخصی للموعود له لیس إلا. لذلک فإن تسجیل الوعود ببیع العقارات لا یدخل ضمن اختصاص دائرة التسجیل العقاری لأنها لا ترتب أی من آثار التصرفات القانونیة العقاریة المشار لها وإنما ترتب حقوق شخصیة تتمثل بالتزامات الواعد الناشئة عن الوعد. وعلیه فإن ما ورد من حکم حول مراعاة الشکلیة فی الوعد بالتعاقد فی المادة (91/2) من القانون المدنی العراقی لم ینعکس فی قانون التسجیل العقاری الذی لم یتطرق إلى حکم الوعد بالتعاقد ولم ینظمه وهذا نقص تشریعی ینبغی تلافیه.
فی حین التفت المشرع الأردنی إلى هذه الإشکالیة فأصدر القانون رقم 54 لسنة 1985 المعدل لقانون الطوابق والشقق رقم 25 لسنة 1968 الذی أجاز لمدیریات تسجیل الأراضی توثیق الاتفاقیات المتعلقة بإبرام عقود بیع شقق أو طوابق أو بنایة تحت الإنشاء، أو لم یباشر بإنشائها بعد.
الاحتمال الثالث: هو تعقد بنقل ملکیة العقار.
قد یتبادر إلى الذهن فکرة التعامل مع عقد بیع المسکن الجاهز قبل تسجیله فی دائرة التسجیل العقاری على أنه (التعهد بنقل ملکیة عقار) الذی تناولته المادة 1127 من القانون المدنی العراقی وکذلک القرار المرقم 1198 لسنة 1977 وتعدیلاته إلا أن هذا التکییف لن یوفر ما یضمن للمشتری تسجیل العقار باسمه فالنکول عن التعهد المذکور یقتصر أثره على الالتزام بالتعویض، إذ لا یمکن مع هذا الحکم إجبار الشرکة البائعة على تسجیل الوحدة السکنیة باسم المشتری إلا فی حالتین استثنائیتین هما أن یکون قد سکن فی العقار محل التعهد أو أحدث فیه مبانی أو منشآت.
ولا تتحقق هاتان الحالتان الاستثنائیتان التی یتم فی أی منهما تسجیل ملکیة العقار باسم المشتری جبرا على الطرف الآخر من الناحیة العملیة فی إطار العلاقة بین البائع والمشتری فی عقود بیع المساکن الجاهزة، إذ لا یکون بوسع المشتری السکن فی العقار وهو قید الإنشاء ولا یکون بوسعه أن یقیم المبانی والمنشآت فیه لأن الجهة البائعة هی التی تضطلع ببناء الوحدة السکنیة الجاهزة لوحدها.
لذا فإنه على وفق التکییف الأخیر لا یکون للمشتری سوى الحق فی المطالبة بالتعویض الذی نصت علیه المادة (1127) من القانون المدنی العراقی والقرار (1198) لسنة 1977 المعدل وحتى هذا التعویض ستواجهنا مشاکل عملیة فی تحدیده لأن القرار فی أعلاه حدد حده الأدنى بالفرق بین البدلین أی قیمة العقار وقت التعهد وقیمته وقت نکول البائع فی حین أن العقار محل عقد بیع المساکن الجاهزة وقت التعاقد لا یزال قید الإنشاء أو حتى لم تکن هناک مباشرة بإنشائه فعلى أی أساس یتم تقدیر قیمته؟
ونجد مما تقدم کله بأنه لا یمکن تکییف العقد الذی یبرم بین شرکات بیع المساکن الجاهزة وزبائنها على أنه عقد بیع عقار أو وعد بالبیع أو حتى مجرد تعهد بنقل ملکیة عقار لکون النصوص القانونیة التی تحکم هذه الاتفاقات لم تشرع فی حینها لتنظیم العلاقة التعاقدیة موضوع بحثنا.
لذا لابد من إصدار تشریع مستقل ینظم العلاقة بین شرکات بیع العقارات السکنیة الجاهزة والمشترین لتحقیق التوازن بین مصالح طرفی العقد ویکفل حمایة المشتری بتوفیر الضمانات الکافیة له بما فیها ضمان انتقال ملکیة الوحدة السکنیة إلیه بتسجیلها باسمه. أو إجراء تعدیلات تشریعیة على نصوص قانون التسجیل العقاری لتوفیر تلک الضمانات بدلا من محاولة تقریب العقد موضوع بحثنا إلى هذا العقد أو ذاک.
المبحث الثانی
آثار عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة
یعد عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة کغیره من البیوع، عقداً ملزماً لجانبین یرتب على طرفیه التزامات معینة ومنها التزام البائع بنقل ملکیة الوحدة السکنیة إلى المشتری إذ أن هذا الالتزام تسبقه مراحل إنجاز البناء ویرتبط فی الوقت ذاته بالتزام المشتری بتسدید دفعات الثمن. لذا سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبین نخص المطلب الأول لالتزامات البائع ونخص الثانی لالتزامات المشتری.
المطلب الأول
إلتزامات البائع
تعد التزامات أطراف العقد بحد ذاتها آثاراً تسری عند انعقاد العقد ما دام قد انعقد صحیحا ونافذا حتى لو اتفق الطرفان على تأجیل تنفیذها.
ولکن فی العقد موضوع بحثنا نجد أن البائع یتحمل التزاما فی مرحلة تسبق توقیعه عقد بیع العقار السکنی الجاهز وهی مرحلة الإعلان عن بیع تلک العقارات لذا سوف نقسم هذا المطلب بالذات إلى فرعین الأول نبحث فیه التزامات البائع فی مرحلة ما قبل التعاقد التی تمثل بالتزامه بالإعلام، فی حین نبحث فی الفرع الثانی التزامات البائع فی مرحلة ما بعد التعاقد.
الفرع الأول
التزامات البائع فی مرحلة ما قبل التعاقد (الالتزام بالإعلام)
إن الهدف الأساس من التزام البائع بالإعلام هو علم المشتری بالمبیع حیث نصت المادة (514) من القانون المدنی العراقی على أنه (1. یلزم أن یکون المبیع معینا تعیینا نافیا للجهالة الفاحشة. 2. ویصح بیع الأشیاء المستقبلة إذا کانت محددة تحدیدا یمنع الجهالة والغرر).
ونصت المادة (419) من القانون المدنی المصری على أنه (1- یجب أن یکون المشتری عالما بالبیع علما کافیا، ویعتبر العلم کافیا إذا اشتمل العقد على بیان المبیع واوصافه الأساسیة بیانا یمکن من تعرفه. 2- وإذا ذکر فی عقد البیع أن المشتری عالما بالمبیع سقط حقه فی طلب إبطال البیع بدعوى عدم علمه به إلا إذا أثبت تدلیس البائع).
أراد المشرع من هذه النصوص إضفاء قدرا أکبر من الحمایة لرضاء المشتری بالمبیع، إذ لم یکتف بالحمایة التی تقررها القواعد العامة بشأن عیوب الإرادة وإنما أضاف إلیها اشتراط علم المشتری بالمبیع علما کافیا، وإلا یعد رکن التراضی الذی یبنى علیه العقد مختلا مما یهدد کیان العقد بالبطلان.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن العلم الکافی بالمبیع یختلف عن تعیینه، فقد یکون المبیع معینا تعیینا کافیا یمیزه عن غیره من دون أن یتوفر علم المشتری به. فالعلم أکثر شمولا من مجرد المعرفة التی یتحقق معها تعیین المبیع طبقا للقواعد العامة. فتعیین المبیع هو مجرد تمییزه عن غیره، أما العلم بالمبیع فهو معرفة أوصافه الأساسیة فعلى ضوء الغایة من شرط العلم الکافی بالمبیع وهی ضمان سلامة رضا المشتری، فإن العلم واجب وقت إبرام العقد أو قبله.
فالأوصاف الأساسیة للوحدة السکنیة محل عقد بیع العقارات السکنیة الجاهزة عادة ما یشار لها قبل توقیع العقد فی الحملات الإعلانیة التی تنظمها تلک الشرکات للترویج لبیع شققها أو دورها، إذ یقدم الزبائن على التعاقد مع الشرکات المعلنة لشراء وحدات سکنیة معتمدین فی معرفة مواصفاتها التفصیلیة على البیانات الواردة فی تلک الإعلانات، حتى أن بعض التشریعات التی تنظم العلاقة بین طرفی هذه العقود تفرض على المعلن أن یبین موقع ومساحة الأرض التی سیشید علیها البناء والوصف الإجمالی للعقار المبنی، وأوصاف الوحدة السکنیة من حیث مساحتها وعدد حجراتها، والمواد المستخدمة فی إنهائها وهذا ما اشترطه المشرع الفرنسی فی المادة (7) من قانون 3 کانون الثانی 1967 المعدل بالقانون رقم (16) تموز 1971 حمایة لرضا المتعاقد الذی یقوم بحجز وحدات البناء أو شرائها قید الإنشاء ولکی یکون هذا الرضاء حرا متبصرا تفصیلات البناء کافة.
وبحسب تقدیرنا أن مثل هذا النوع من العقود التی تسبقه حملات إعلانیة یعد مجالا خصبا للتغریر بالمشتری عندما تتضمن تلک الإعلانات معلومات غیر صحیحة تحفز الناس على التعاقد مع تلک الشرکات خلافا لمبدأ حسن النیة فی تنفیذ العقد إذ یعد قاعدة عامة مهیمنة على تنفیذ جمیع العقود وفی جمیع مراحلها ابتداء من مرحلة إبرام العقد ومرورا بتنفیذه ومن ثم انقضائه. فقد نصت المادة 150/1 من القانون المدنی العراقی على أنه (یجب تنفیذ العقد طبقا لما اشتمل علیه وبطریقة تتفق مع ما یوجبه حسن النیة) إذ قد یتوافر سوء النیة لدى شرکات بیع المساکن الجاهزة فی مرحلة تکوین العقد أو حتى فی مرحلة تنفیذ الالتزام بالبناء. ویعد سوء النیة فی تنفیذ العقد من الغش وهو یقابل التغریر فی مرحلة تکوین العقد فهما فی حقیقتهما شیء واحد.
ولابد هنا من الإشارة إلى التفرقة بین الإعلان الکاذب والإعلان المضلل فالإعلان المضلل لا یتضمن بیانات کاذبة وغیر حقیقیة ولکنه قد یصاغ بألفاظ وعبارات قد تؤدی إلى خداع المستهلک وتضلیله، ویحتل الإعلان المضلل موقعا وسطا بین الإعلان الصادق والإعلان الکاذب وأن الفرق بینهما فی الدرجة ولیس فی الجوهر والطبیعة، لأن الکذب أکثر وضوحا من التضلیل، ویؤدی تحریم الإعلان المضلل من ثم إلى تحریم الإعلان الکاذب من باب أولى، لأن الأول أوسع نطاقا من الثانی یشمله ویشمل غیره، وقد ساوت التشریعات بین التضلیل والکذب من حیث الجزاء المترتب علیهما.
ومن بین وسائل التضلیل فی الإعلانات أن یغفل المعلن عمدا أو سهوا الإشارة إلى بعض البیانات الجوهریة فی العقد الذی یرید حث الجمهور على إبرامه إذ یضخم مزایا التعاقد بالنسبة للعمیل وفی الوقت ذاته یخفی بعض التزاماته ومنها الإشارة إلى الالتزام بنقل ملکیة الوحدة العقاریة محل البیع أو وقت تنفیذ الالتزام المذکور والتضلیل مما یعد کذباً سلبیاً على خلاف الکذب الإیجابی الذی یتمثل فی ذکر معلومات أو بیانات أو أوصاف أو خصائص أو وقائع غیر صحیحة والأثر واحد فی الحالتین.
وبما أن هذا التضلیل یؤثر فی رضاء المشتری إذ یدفعه إلى التعاقد مع الشرکة البائعة للوحدات السکنیة الجاهزة، لذلک فإن رضا المشتری عندئذ یعد معیبا بأحد عیوب الرضا أو الإرادة التی تناولتها التشریعات المدنیة ومنها القانون المدنی العراقی وهو عیب التغریر المقترن بالغبن الفاحش، وفی القانون المدنی العراقی تحدیدا لا یشترط فی التغریر أن یتم بأفعال إیجابیة تصدر عن القائم بالتغریر بل یکفی أن یکون عدم بیان المعلومات المؤثر فی رضا المتعاقد احتیالا.
وإذا ما سلمنا بأن الشرکات التی تتعاطى بیوع العقارات السکنیة الجاهزة قد لجأت إلى وسائل التضلیل فی الإعلانات المؤثرة فی رضاء الجمهور. فما هی طبیعة مسؤولیتها تجاه المتضررین هل هی مسؤولیة عقدیة أم تقصیریة؟
للإجابة على هذا السؤال یتعین علینا الرجوع إلى القواعد العامة التی قررها القانون المدنی بشأن انعقاد العقد، إذ نصت المادة (80) من القانون المدنی على أنه (1- یعد عرض البضائع مع بیان أثمانها إیجابا. 2- أما النشر والإعلان وبیان الأسعار الجاریة التعامل بها وکل بیان آخر متعلق بعروض وطلبات موجهة للجمهور أو للأفراد فلا تعتبر عند الشک إیجابا وإنما یکون دعوة إلى التفاوض).
یعود الشک الفاصل بین أن یعد الإعلان إیجابا أو مجرد دعوة للتفاوض، الفصل فی تقریر وجوده من عدمه إلى السلطة التقدیریة للقاضی بحسب ظروف کل حالة. ومن ثم تکون مسؤولیة الشرکة عن الإعلان المضلل مسؤولیة عقدیة عند اعتبار الإعلان أو الدعایة التجاریة إیجابا فی حین تکون تقصیریة فی حالة عدم توفر الشروط المطلوبة قانونا لاعتبار الإعلان التجاری إیجابا.
ولحمایة الجمهور من الإعلان التجاری المضلل أصدرت دول العالم معظمها ومنها العراق قوانین حمایة المستهلکین. وإذا ما وقفنا عند قانون حمایة حق المستهلک العراقی رقم (1) لسنة 2010 فهل أن أحکام نصوصه تشمل بحمایتها عملاء شرکات بیع المساکن الجاهزة أم لا؟
عند رجوعنا إلى المادة 1/خامسا من القانون المذکور نجد أنها عرفت المستهلک بأنه (الشخص الطبیعی أو المعنوی الذی یتزود بسلعة أو خدمة بقصد الإفادة منها). إذ یلحظ على هذا التعریف بأنه استخدم عبارة سلعة وهو مصطلح تجاری واقتصادی قبل أن یکون مصطلحا قانونیا، ویقتصر هذا المصطلح فی ظاهره على المنقولات من دون العقارات. وعلیه فیرى البعض بأنه یجدر بالمشرع إحلال کلمة (الأموال) محل کلمة السلعة للخروج من هذا الغموض والخلاف.
ویلحظ على العموم أن قانون حمایة المستهلک رتب جزاءات وعقوبات جزائیة على معلن الدعایة التجاریة المضللة من دون النص على الجزاء المدنی المتمثل بالتعویض مما یؤکد على أن المشرع قصد بذلک ترک المسؤولیة المدنیة للمعلن عن الأضرار التی تنشأ للدعایة التجاریة المضللة إلى القواعد العامة فی القانون المدنی.
الفرع الثانی
التزامات البائع فی مرحلة ما بعد التعاقد
ینتج العقد فی هذه المرحلة آثاره بحق طرفیه ومنهما البائع، إذ یتحمل التزامات عدیدة منها إنجاز البناء ونقل ملکیة الوحدة السکنیة وتسلیمها إلى المشتری لا بل وحتى التزام البائع بضمان سلامة البناء تأسیسا على التزام البائع بضمان عیوب المبیع الخفیة أو حتى التزام المقاول بضمان سلامة البناء لمدة زمنیة تعقب تسلیم العمل (الضمان العشری) وعلى الرغم من ملاحظتنا عن خلو عقود بیع العقارات السکنیة الجاهزة من بنود تفرض هذا الالتزام، ومع ذلک فإن هذا لا یعنی عدم إمکانیة مسائلة البائع عن عیوب البناء بعد التسلیم. لذا سوف نتناول هذه الالتزامات بالتسلسل.
أولا: الالتزام بإنجاز البناء.
یقتضی تسلیط الضوء على هذا الالتزام الرجوع إلى الأحکام التی تختص بالتزام المقاول بتنفیذ العمل، لأنه لم نجد فی البیوع عامة التزاما على البائع محله تنفیذ عمل معین لحساب المشتری.
وینتمی هذا الالتزام بلا شک إلى طائفة الالتزامات بتحقیق نتیجة معینة، إذ تعد الشرکة البائعة منفذة لالتزاماتها عند تحقق النتیجة متمثلة بإنجاز البناء. مع أن التزام المقاول بتنفیذ العمل إما أن یکون التزاما ببذل عنایة أو بتحقیق نتیجة معینة. ولا یکفی لأن یکون البائع موفیا بالتزامه أن یقوم بتنفیذ العمل المکلف به، بل یجب أن یکون هذا التنفیذ مطابقا لما هو منصوص علیه فی العقد من شروط ومواصفات، ومتفقاً مع ما توجبه الأصول الفنیة المتبعة فی القیام بمثل هذا العمل، فیستطیع عندها المشتری أن یلجأ إلى نصوص التنفیذ الجبری للالتزام سواء کان عینیا أو بمقابل. والسؤال الذی یطرح نفسه بهذا الصدد هو أنه لو خالفت الشرکة البائعة شروط ومواصفات البناء المتفق علیها، فهل یجوز للمشتری أن یتدخل ویصدر أوامر وتعلیمات إلى الشرکة البائعة وهی مستقلة تماما فی تنفیذ العمل؟
للإجابة عن هذا السؤال نجد بأنه لا مناص من تطبیق حکم المادة (869) من القانون المدنی العراقی ونصها (1- إذا ظهر لرب العمل فی أثناء سیر العمل أن المقاول یقوم به على وجه معیب أو منافی للعقد، فله أن ینذره بأن یعدل إلى الطریقة الصحیحة خلال أجل مناسب یحدده له، فإذا انقضى الأجل دون أن یرجع المقاول إلى الطریقة الصحیحة جاز لرب العمل أن یطلب إما فسخ العقد وإما أن یعهد بالعمل على نفقة المقاول الأول متى کانت طبیعة العمل تسمح بذلک، ویجوز فسخ العقد فی الحال إذا کان إصلاح ما فی طریقة التنفیذ من عیب مستحیلا. 2- على أن العیب فی طریقة التنفیذ إذا لم یکن من شأنه أن یقلل إلى حد کبیر من قیمة العمل أو صلاحیته للاستعمال المقصود منه فلا یجوز فسخ العقد). و لو لم یقم البائع بتنفیذ العمل أصلا فعلى الرغم من فوات الموعد المحدد، أو لم یقم بتنفیذ نسبة الإنجاز المعینة فی العقد فی الفترة المحددة لتمامها، فإن البائع تترتب مسؤولیته العقدیة التی لا یستطیع دفعها إلا بإثبات السبب الأجنبی الذی منعه من هذا التنفیذ. وعندها یکون المشتری أن یطلب بعد أعذار الشرکة البائعة فسخ العقد والتعویض إن کان له مقتضى. وتهیء القواعد العامة تهیئ للمشتری ضمانا یتمثل بإمکانه بالتمسک بما یسمى بالدفع بعدم التنفیذ، حیث له أن یمتنع عن دفع الأقساط المستحقة لضمان استیفاء ماله من حقوق فی ذمة الطرف الآخر، ولاسیما أنه فی هذه العقود یوجد ترابط بین التزام البائع بإنجاز مراحل البناء والتزام المشتری بدفع أقساط الثمن.
واعتقد بأن النص واضح بما یکفی بحیث لا یحتاج إلى شرح لتوضیح أحکامه.
ثانیا: الالتزام بنقل الملکیة.
تباینت مواقف التشریعات المدنیة من طبیعة عقد البیع من حیث کونه ناقلاً للملکیة بمجرد انعقاده ومنها القانون المدنی العراقی. ومنها ما زال متأثرا بالمبدأ الرومانی القاضی بأن العقد لا یمکن أن ینقل الملکیة لمجرد انعقاده، بل أن انتقال الملکیة أثر یترتب على انعقاد العقد الذی یتمثل بالتزام ینفذه البائع وتؤدی إرادته دوراً فی تنفیذ ذلک الالتزام.
وفی عودة مع القانون المدنی العراقی نجد أن المادة (506) التی عرفت البیع على أنه (مبادلة مال بمال) والمادة (531) التی نصت على أنه (إذا کان المبیع عینا معینة بالذات... نقل البیع من تلقاء نفسه ملکیة المبیع). إذ یبدو واضحا من هذه النصوص بأن القانون المدنی العراقی اتجه إلى أن انتقال الملکیة لیس أثر یترتب على انعقاد العقد وإنما یتحقق هذا الانتقال بمجرد تمام العقد فحکم البیع بحسب اتجاه القانون المدنی العراقی والقوانین التی سارت بالاتجاه ذاته هو التملیک والتملک وهذا متأتی من التأثر بالفقه الإسلامی فهو یفید تملک المبیع وهو المقصود من عقد البیع، وامتلاک الثمن وهو الوسیلة إلیه، إذ یخضع العقد أصلا فی الفقه الإسلامی لمبدأ شرعیة الآثار، وتترتب آثار العقد بإرادة الشارع ولیست بإرادة العاقد، ومن ثم تثبت ملکیة البدلین فی المال للبائع والمشتری وبمجرد ارتباط القبول بالإیجاب وانعقاد البیع صحیحا بین طرفیه، من دون أن یتوقف هذا الثبوت على تنفیذ العقد.
ولا یختلف موقف التشریع العراقی من انتقال ملکیة العقارات فی البیوع العقاریة هو ذاته عن موقفه تجاه انتقال ملکیة المبیع بصورة عامة لأنه یتم مع تمام العقد ولیس أثر یترتب على انعقاد العقد. فالمادة (508) من أن القانون المدنی العراقی نصت على أنه (بیع العقار لا ینعقد إلا إذا سجل فی الدائرة المختصة واستوفى الشکل الذی نص علیه القانون). والمادة 3/2 من قانون التسجیل العقاری إذ نصت على أنه (لا ینعقد التصرف العقاری إلا بالتسجیل فی دائرة التسجیل العقاری).
لن یتغیر موقف التشریع العراقی بالنسبة للعقود موضوعة بحثنا حتى مع وجود التزام على البائع بنقل ملکیة المبیع، لأن بیع العقار الذی کنا نتحدث عنه کونه العقد الذی ینقل ملکیة العقار بمجرد انعقاده (تسجیله فی دائرة التسجیل العقاری) هو لیس عقد بیع العقارات السکنیة قید الإنشاء فالأخیر لا یسجل فی دائرة التسجیل العقاری وإنما یوقع علیه الطرفان فحسب شأنه شأن أی عقد رضائی. وبعد انعقاده یتولد التزام الشرکة البائعة بنقل ملکیة الوحدة السکنیة، ولا یمکن أن یکون هذا الالتزام محلا للتنفیذ عند إبرام العقد لأنه العقار (محل العقد) لا یزال قید الإنشاء ولا یمکن لدائرة التسجیل العقاری أن تنقل ملکیة دار أو شقة فی أثناء الشروع بإنجازها وإنما لابد من أن یتم إنجاز البناء وإجراء کشف یؤید ذلک الإنجاز لإتمام تسجیل الملکیة باسم المشتری ولن یکون لهذا التسجیل أثر رجعی یستند إلى تاریخ توقیع عقد بیع الوحدة السکنیة قید الإنشاء من قبل طرفیه.
ولا یمکن أن تؤدی نصوص القانون المدنی وقانون التسجیل العقاری والقرار 1198 لسنة 1977 وتعدیلاته الواردة بشأن البیوع العقاریة وانتقال الملکیة إلى المشتری دورا فاعلا فی ضمان حقوق أطراف عقد بیع المساکن الجاهزة ولا سیما الطرف الضعیف وهو المشتری لخصوصیة هذه العقود الکامنة فی أنه وقت التعاقد لا وجود لمحل العقد وبالمقابل لا یکون المشتری قد استوفى الثمن کلیا لکی تنتقل ملکیة العقار کوحدة سکنیة إلى المشتری. لذا فإن المشتری یتعاقد على شراء وحدته السکنیة ویبدأ بدفع المقدمة ویستمر بدفع أقساط المتبقی من الثمن من دون أن یحصل على أیة ضمانة تضمن له تسجیل العقار الذی اشتراه باسمه، ولا سیما أن ملکیة الأرض الذی ینفذ علیها مشروع بناء الوحدات السکنیة الجاهزة تبقى باسم الجهة التی کانت الأرض عائدة لها (البلدیة أو المالیة) حتى یتم إنجاز 30% من تنفیذ بناء المشروع، إذ یتم بعدها نقل ملکیة المشروع إلى المستثمر سواء کان مواطن عراقی أو أجنبی. وتبقى الملکیة باسم المستثمر حتى تمام إنجاز المشروع کاملا، وبعدها یتم نقل الملکیة إلى المشترین بعد أن یتم إفراز الطوابق والشقق بحسب العقود المبرمة مع المشترین من مدیریة التسجیل العقاری وإعطاء کل مشتری صورة قید خاصة بوحدته السکنیة.
وتبرز مما تقدم لنا المخاطر التی تحیط بمسألة انتقال الملکیة إلى المشتری فی عقود بیع المساکن الجاهزة، فقد لا تصل نسبة إنجاز المشروع إلى 30% وتتعرض الشرکة المنفذة لأیة أزمة مالیة تحول دون إمکانیة مواصلتها التنفیذ فلا تنتقل ملکیة الأرض لها ومن ثم لن تتمکن من نقلها إلى المشتری. أو قد تنتقل ملکیة الأرض إلى الشرکة المستثمرة إلا أنها تنکل لأی سبب عن نقل ملکیة الوحدات السکنیة إلى مشتریها وعندئذ لا یبقى أمامهم سوى المطالبة بالتعویض التی نصت علیه المادة 1127 من القانون المدنی العراقی ثم جاء القرار 1198 المعدل لیحدد حده الأدنى بالفرق بین البدلین وهما قیمة العقار وقت التعهد وقیمته وقت النکول.
حتى هذا التحدید یتعذر الوصول إلیه فی العقود موضوعة بحثنا لأن الوحدة السکنیة لم تکن قائمة وقت التعاقد کی یصار إلى تحدید قیمتها ومن ثم تحدید التعویض المستحق بالفرق بین قیمتها وقت النکول وقیمتها وقت التعاقد.
ولکل هذه الأسباب نجد أن الحاجة صارت ملحة لصیاغة بنود عقود بیع المساکن الجاهزة إذ تسمح البنود بنقل ملکیة أرض الوحدة السکنیة إلى المشتری وقت التعاقد أو وقت بلوغ نسبة الإنجاز 30% کمرحلة لاحقة یتم تکییف العلاقة بین الطرفین على أنها مقاولة تنفذ لحساب صاحب الأرض (المشتری) ولا سیما وأن للمشتری فی هذه العقود دوراً ملحوظاً إذ له أن یتدخل فی اختیار بعض العناصر الإنشائیة ومنها المواد المستخدمة فی تبلیط الأرضیات أو ألوان أصباغ الجدران وغیرها. ویتدخل فی مراقبة التقدم فی مراحل البناء والتی على أساسها یسدد أقساط الثمن.
وفی هذه الحالة یضمن هذا المشتری انتقال ملکیة الوحدة السکنیة إلیه عند إنجاز التنفیذ بمجرد أن یصحح جنس العقار على أساس أنه قد تمت إجراء تغییرات مادیة فیه تتمثل بإحداث أبنیة ومنشآت فیه، بحیث یجری التسجیل بطلب من مالک الأرض (المشتری) بالاستناد إلى کشف أصولی یؤید حصول التغییرات الفعلیة فی العقار إذ یصبح صالحا للاستعمال أو الاستغلال بوصفه الجدید.
ولا یتعارض هذا الحل المقترح مع نص المادة 281 من قانون التسجیل العقاری الذی یشترط فی تصحیح الجنس اتحاد ملکیة الأرض والمنشآت القائمة علیها.
أما المعالجة الثانیة المقترحة لضمان حق المشتری فی عقود بیع المساکن الجاهزة فی أن تنتقل ملکیة الوحدة السکنیة إلیه هو إصدار تشریع أو تعدیل نصوص قانون التسجیل العقاری إذ یکون هناک انتقال تدریجی فی ملکیة الوحدة السکنیة بحسب التقدم فی مراحل إنجاز البناء إذ یکون هناک تناسب وتوازن بین تنفیذ التزامات طرفی العقد المتقابلة فکلما کان المشتری مستمرا بتسدید دفعات الثمن یکون هناک نقل تدریجی لملکیة الوحدة السکنیة بحسب التقدم الذی یحصل فی مراحل البناء.
وإذا کانت المعالجة الأولى التی تحقق بلا شک مصلحة المشتری لأنها توفر له ضمانة أکیدة تضمن انتقال ملکیة الوحدة السکنیة إلیه، إلا أنها قد لا تشکل فی الوقت ذاته ضمانا لاستیفاء الجهة البائعة للمتبقی من دفعات الثمن ولا سیما وأن بعض الشرکات تضمن عقود بیع المساکن الجاهزة تسهیلات مغریة تتمثل فی طول المدى الزمنی الذی قد یمتد إلى ما بعد تسلیم الوحدة السکنیة لمشتریها وتسجیل ملکیتها باسمه فی دائرة التسجیل العقاری. ولکن من جانبنا نجد بأن السلبیة التی تفرزها هذه المعالجة یمکن تجاوزها بتضمین عقود بیع المساکن الجاهزة شرطا یمنع منه المشتری من التصرف بوحدته السکنیة بأی تصرف قانونی ینقل للغیر ملکیتها أو ینشأ علیها حقوق عینیة أصلیة کالمساطحة أو تبعیة (الرهن) على أن یستمر هذا الشرط منتجا لآثاره لغایة تسدید المشتری الدفعة الأخیرة من دفعات الثمن، ولا یمکن أن یعد هذا الشرط شرطاً تعسفیاً أو مخالفا للقانون أو النظام العام أو الآداب طالما أن الباعث على اشتراطه مشروعا یتمثل باتجاه نیة المشترط إلى تحقیق مصلحة جدیة ومشروعة وهی مصلحة البائع فی استیفاء المتبقی من الثمن.
ویعد هذا الشرط من القیود الإرادیة الواردة على حق الملکیة لأنه یتقرر بموحب إرادة المالک والذی یمنع بمقتضاه خلفه الخاص من التصرف فی محل الملکیة، ومع أن القانون المدنی العراقی لم یتضمن نصوصا تصیغ نظریة عامة لشرط المنع من التصرف، ولکن بالرجوع إلى القواعد العامة ولا سیما المادة 131/2 التی أجازت اقتران العقد بشرط فیه نفع لأحد العاقدین أو للغیر ما لم یکن ممنوعا قانونا أو مخالفا للنظام العام أو للآداب. فإنه لا مجال للقول بأن القانون المدنی العراقی لا یأخذ بنظریة شرط المنع من التصرف أو یمنع تطبیقها.
المطلب الثانی
التزامات المشتری
إن التزام المشتری الرئیس فی عقود بیع العقارات السکنیة الجاهزة هو دفع الثمن ویمکن أن تضاف إلیه التزامات أخرى یتحملها المشتری سواء قبل انتقال ملکیة الوحدة السکنیة أو بعدها.
والالتزام بدفع الثمن یکون على وفق مراحل معینة تحدد فی جدول یرفق بالعقد یبین قیمة القسط وأحیانا نسبته إلى مجمل الثمن مع مواعید دفع کل قسط.
وعلى وفق القاعدة المقررة فی عقد البیع فإن الثمن لا ینتج فوائد إلا فی حالات استثنائیة تناولتها المادة (572/1) ونصها (لا حق للبائع فی الفوائد القانونیة عن الثمن المستحق الأداء، إلا إذا أعذر المشتری أو سلمه الشیء المبیع وکان هذا قابلا أن ینتج ثمرات أو إیرادات أخرى وذلک ما لم یوجد اتفاق أو عرف یقضی بغیره). ومع ذلک فإن عقود بیع العقارات السکنیة الجاهزة تنص على جزاء إخلال بالتزام المشتری بدفعه الثمن وهو تحمله غرامة تأخیریة عن کل یوم تأخیر إذا ما تأخر لمدة معینة من دون عذر مشروع عن دفع القسط فی موعده المحدد فإنه یحق للشرکة البائعة فسخ العقد وبیع الوحدة السکنیة مرى أخرى دون إنذار أو حکم قضائی.
ولا تتم فی هذه الحالة إعادة المبالغ المسددة إلى المشتری إلا عند انتهاء تنفیذ المشروع بعد استقطاع نسبة مئویة معینة من السعر الکلی للوحدة السکنیة.
على العموم فإن التزامات البائع بتنفیذ البناء ومن بعده نقل ملکیة البناء والتزامات المشتری بتسدید دفعات الثمن التزامات مترابطة، إذ أن سبب کل التزام فی العقد الملزم لجانبین هو لیس وجود الالتزام المقابل بل تنفیذه فالسبب الذی یدفع الشرکة البائعة لإنجاز التنفیذ ونقل ملکیة الوحدة السکنیة بعد إنجاز بناءها هو لیس التزام المشتری بدفع الثمن بل استیفائها الفعلی لدفعات الثمن. ونشیر بهذا الصدد إلى أن الشرکات المنفذة معظمها لمشاریع المساکن الجاهزة إنما تعتمد على دفعات أثمان المساکن التی تستوفیها لتمویل إنجاز مراحل البناء اللاحقة. إذ أن أی إخلال من المشترین فی تنفیذهم لالتزاماتهم بتسدید الأثمان سینعکس بلاشک على تنفیذ الشرکة البائعة لالتزامها بإنجاز البناء للعجز المالی التی ستواجهه مما یعیق إمکانیة التقدم فی مراحل البناء.
ویتحمل المشتری بالتزامات أخرى تضاف لالتزامه الرئیسی بتسدید أقساط الثمن منها التزامه بالامتناع عن إجراء أیة تحویرات أو تغییرات أو إضافات فی شکل الوحدة السکنیة الخارجی سواء کانت دار أو شقة، لأن مشاریع المساکن الجاهزة عادة ما تصمم على أساس واجهات وأشکال خارجیة موحدة ومتناسقة. فی حین یمکن للمشتری إجراء التغییرات الداخلیة بعد استحصال موافقة الشرکة البائعة على أن تجریها الشرکة البائعة بنفسها منعا للإضرار بسلامة البناء ومتانته فیما لو أجراها المشتری بنفسه ولاسیما أن الخرائط والتصامیم والمخططات الهندسیة التابعة للطرف الأول تعد جزءا لا یتجزأ من هذا العقد إذ یعد المشتری مطلعا وموافقا علیها جمیعا عند توقیع العقد، لذلک علیه أن یمتنع عن طلب أیة إضافات أو تغییرات على تلک التصامیم. وعلى العکس من ذلک إذ لا یکون البائع مسؤولا عن التغییرات التی یدخلها على التصامیم بناء على طلب الجهات الرسمیة أو ضرورات العمل بوصفها أسباباً خارجة عن إرادة البائع.
وعند إنجاز البناء یلتزم المشتری بتسلم وحدته السکنیة، وعند إخلاله بهذا الالتزام وامتناعه عن دفع القسط الأخیر الذی غالبا ما یتزامن تسدیده مع موعد تسلیم الشقة فإنه یحق للشرکة البائعة فسخ العقد وبیع الوحدة السکنیة للغیر، ویعاد الثمن للمشتری بعد استقطاع نسبة مئویة معینة 15% مثلا من قیمة العقد. وهذا یظهر مدى ضعف المرکز القانونی للمشتری فی مثل هذه العقود، إذ لا تتوفر لدیه أیة ضمانة أکیدة تؤمن له تسجیل ملکیة الوحدة السکنیة باسمه بدلیل أنه لو سدد جمیع الأقساط وأخل بدفع القسط الأخیر، فإن البائع بإمکانه بیع الوحدة السکنیة لشخص آخر مع استقطاع جزء من الثمن.
وإذا ما تم تسجیل ملکیة الوحدة السکنیة باسم المشتری فإنه یتحمل الرسومات والمصاریف الخاصة کافة بنقل وتحویل ملکیة الشقة وتسجیلها باسمه. وحتى بعد استلام المشتری للوحدة السکنیة فإن عقود بیع العقارات السکنیة الجاهزة تفرض علیه التزامات مالیة تقضی بتحمله مصاریف وأجور الإدارة، الکهرباء والماء والتنظیفات، والحراسة، وإدامة الحدائق.
وفی بعض مشاریع الإسکان الجاهزة یتم تنفیذ المشروع على مراحل وتسلیم وحداته السکنیة على مراحل وعندها نجد أن الشرکة البائعة تفرض التزاما على المشتری الذی یتسلم وحدته السکنیة بأن لا یعترض على إحداث أبنیة أو عمارات أخرى فی الأماکن المحیطة بشقته أو داره أو المطالبة بالتعویض عن أیة أضرار أو ضوضاء تنتج عن الاستمراریة فی بناء المراحل الأخرى للمشروع.
الخاتمـة
بعد الخوض فی جوانب موضوع انتقال الملکیة فی عقود بیع العقارات السکنیة الجاهزة، توجب أن نسجل أهم ملاحظاتنا و مقترحاتنا فی خاتمة هذا البحث.
أولا- الملاحظات.
1- خلو التشریع العراقی من تنظیم قانونی خاص لعقود بیع العقارات السکنیة الجاهزة بخلاف دول عدیدة سبقت العراق بإصدار تشریعات خاصة بتلک العقود ومنها فرنسا والجزائر والإمارات العربیة المتحدة. مما یضطر المختصون بالقانون للجوء إلى نصوص القانون المدنی وقانون التسجیل العقاری التی تتعلق ببیع العقارات وتسجیل ملکیتها لتطبیقها على العقود موضوعة البحث إذ یصل الأمر أحیانا إلى انعدام الانسجام بین أحکام تلک النصوص وواقع عقود بیع العقارات السکنیة الجاهزة لخصوصیتها التی تمیزها عن البیوع العقاریة عموما.
2- تفرض الطبیعة القانونیة لعقود بیع العقارات السکنیة الجاهزة بأن لا تنتمی تلک العقود وقت إبرامها على الأقل إلى طائفة الوعود بالتعاقد ولا سیما فی ضوء أحکام التشریع العراقی، لأن اشتراط الشکلیة فی الوعود ببیع العقارات الوارد فی القانون المدنی العراقی لم یجد له انعکاسا فی قانون التسجیل العقاری مما یسد الطریق أمام إمکانیة تسجیل بیوع العقارات السکنیة الجاهزة عند إبرامها فی دوائر التسجیل العقاری على فرضیة أنها وعود بالبیوع العقاریة.
ولا یمکن أن تنتمی العقود موضوعة بحثنا إلى طائفة التعهد بنقل الملکیة العقاریة التی تناوله التشریع العراقی بنص المادة 1127 من القانون المدنی العراقی والقرار 1198 لسنة 1977 وتعدیلاته لأنه فی حالة نکول البائع عند تسجیل ملکیة العقار لا یکون للمشتری على وفق أحکام التعهد سوى المطالبة بالتعویض أما الاستثناءات التی تفسح للمشتری خیار المطالبة بنقل الملکیة بموجب أحکام القرار فی أعلاه لا یمکن أن تتوفر شروطها فی ظل ظروف وملابسات عقود بیع العقارات السکنیة الجاهزة.
3- تتمیز عقود بیع العقارات السکنیة الجاهزة بسمة إیجابیة هی أن الثمن یسدد فیها على دفعات مما یتیح المجال لذوی الدخل المحدود بتملک مساکن ما کانوا لیتملکوها من دون هذه المزیة، ومع ذلک فإن هذه السمة الإیجابیة قد تهدد التوازن الحالی فی داخل العقد فیما لو طرأت ظروف جعلت من تنفیذ الشرکة لالتزامها بإنجاز الوحدات السکنیة مرهقا ولاسیما أن فترة تنفیذ العقد قد تمتد إلى سنوات من المحتمل أن تطرأ فیها ظروف وعندها لا خیار أمام الطرفین إلا بتطبیق نظریة الظروف الطارئة أو اللجوء إلى خیار فسخ العقد استثناء على فرضیة إمکانیة سیر أحکام عقد المقاولة على العقد موضوع البحث .
ثانیا- المقترحات.
لم نتوصل فی بحثنا إلى مقترحات عدیدة منفصلة عن بعضها وإنما هی هدفها واحد وهو ضمان حق المشتری فی نقل ملکیة الوحدة العقاریة الجاهزة التی اشتراها فی وقت کانت فیه قید الإنشاء وللوصول إلى هذا الضمان نقترح ما یأتی:
1- إیجاد انسجام بین نصوص القانون المدنی وقانون التسجیل العقاری بشأن الوعد ببیع العقار إذ أن الشکلیة التی اشترطها القانون المدنی فی الوعد بالتصرفات الشکلیة ومنها بیع العقار یجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار فی قانون التسجیل العقاری بتعدیل نصوصه لتسمح بتسجیل الوعد ببیع العقار مما یحقق ضمانة أولیة للمشتری فی هذه العقود ومن الوقت الذی یوقع فیه العقد بین الشرکة البائعة والمشتری، بتعدیل نص المادة (2) من قانون التسجیل العقاری على على وفق ما یأتی (تختص دائرة التسجیل العقاری بتسجیل التصرفات العقاریة أو الوعد بها والأحکام القضائیة الحائزة درجة البتات وما فی حکمها الواردة على الحقوق العقاریة الأصلیة والتبعیة وانتقال هذه الحقوق إلى الخلف العام).
2- ومن المقترحات التی تصب فی ضمان حق المشتری فی نقل الملکیة إلیه فی عقود بیع العقارات السکنیة الجاهزة وجوب صیاغة تلک العقود إذ تسمح بنودها بنقل ملکیة أرض الوحدة السکنیة إلى المشتری وقت التعاقد أو على الأقل عند بلوغ إنجاز البناء نسبة معینة. وبعد الإنجاز یمکن للمشتری أن یصحح جنس العقار أو إجراء تعدیل فی نصوص قانون التسجیل العقاری بما یسمح بانتقال تدریجی فی ملکیة الوحدة السکنیة بحسب التقدم فی مراحل إنجاز البناء إذ یکون هناک تناسب وتوازن بین تنفیذ التزامات طرفی العقد المتقابلة، بإضافة مادة ضمن الفصل الثانی وعنوانه الاختصاص من قانون التسجیل العقاری ونصها على وفق ما یأتی (تختص دائرة التسجیل العقاری بتسجیل ملکیة الوحدة السکنیة التی تم بیعها قید الإنشاء تدریجیا بحسب التقدم فی مراحل الإنجاز).
3- ونقترح أخیرا إصدار تشریع خاص ببیع العقارات السکنیة الجاهزة والإعلان عن بیعها إذ یحدد شروط الإعلانات عن تملک البیوع وینظم العلاقة بین طرفی العقد بجوانبها کلها بما یکفل الحمایة للطرف الضعیف (المشتری) بتوفیر الضمانات الکافیة له بما فی ذلک ضمانة انتقال ملکیة الوحدة السکنیة إلیه. وکذلک ضمانة سلامة تلک الوحدات السکنیة من الانهدام والعیوب الجسیمة بعد التسلیم بعد أن باتت تلک العقود قاصرة یجدر بالمشرع أن یتولاها بالتنظیم أسوة بدول أخرى سبقتنا فی تجربة بیع العقارات السکنیة الجاهزة وسبقتنا فی إصدار تشریعات خاصة بتلک البیوع.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
1. Sibel Jafar Haji Omar, Guarantees of Contract for the Sale of Buildings under Construction (Comparative Study), PhD thesis presented to the Council of the Faculty of Law and Politics at Salahuddin University, 2011.
2. Dr. Abdul Rahman Ahmad Juma Al-Halasheh, Sales Contract, I 1, Dar Wael Publishing, Amman 2005.
3. Dr. Abdel Fadil Mohamed Ahmed, Legal Declaration of Products and Services, First Edition, New Gala Library, Cairo, 1991.
4. Dr. Abdul-Majid al-Hakim, Mediator in the theory of the contract, Baghdad 1967.
5. Dr. Esmat Abdel Meguid Bakr, The General Theory of Obligations - Part I, First Edition, Ceyhan University Press, Erbil, 2011.
6. Dr. Qusay Salman Hilal, Rights in Kind, First Edition, Jihan-Erbil University Press, 2012.
7. Dr. Mohamed Hassan Kassem, Broker in the sale contract, New University House, Alexandria 2011.
8. Dr. Mohamed Labib Shanab, Explanation of the provisions of the contractor, facility knowledge, Alexandria 2008.
9. Dr. Mohamed Yousef Al Zoubi, Explanation of the sale contract, Dar Al Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman 2006.
10. Mustafa Majid, Explanation of Real Estate Registration Law, Part One, Second Edition, Legal Library, Baghdad 2008.
11. Huda Esmat Mohamed Amin, misleading commercial publicity and civil liability resulting from it, PhD thesis submitted to the Council of the Faculty of Law and Politics at the University of Salahaddin - 2012.
12. Dr. Yassin Al-Jabouri, Al-Wajeez in explaining the Jordanian Civil Law, part one, Dar Al-Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman 2008.