الملخص
الانسحاب من المعاهدات هو إجراء قانونی یصدر بالإرادة المنفردة للدولة الطرف فی معاهدة متعددة الأطراف تعبیراً عن سیادتها وتهدف به إلى التحلل من تنفیذ التزاماتها الواردة فیها، الأمر الذی یترتب علیه توقف المعاهدة عن إنتاج آثارها القانونیة فی مواجهتها. أن المعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی هی معاهدات ذات طبیعة خاصة، وذلک لما لهذه المعاهدات من أهمیةٍ خاصة، ومن شأن الإخلال بها التهدید المباشر للسلم والأمن الدولیین، کما أن هذه المعاهدات تحرص على مبدأ العالمیة لأنها لا یمکن أن تحقق أهدافها والأغراض التی أبرمت من أجلها إلا بانضمام جمیع الدول إلیها، ولا سیما الدول ذات الأنشطة النوویة وعدم انسحاب أیٍ منها من عضویتها، لأن انسحاب إحداها کفیل بإطلاق سباق التسلح النووی وهو ما یمثل تهدیداً خطیراً للسلم والأمن الدولیین، ولذلک فإن الهدف النهائی للمجتمع الدولی یجب أن یتمثل بالعمل على نزع الأسلحة النوویة ولیس فقط منع انتشارها وضمان احتکار حیازتها بید قلة من الدول الحائزة هی نفسها الدول الدائمة العضویة فی مجلس الأمن، ولهذا فإن رخصة الانسحاب من هذه المعاهدات إذا ما ورد نص صریح وقطعی بها، یجب أن تستعمل فی أضیق الحدود، ولمبررات قویة، وبالتطبیق الصارم للشروط الخاصة بالانسحاب، مع مراعاة عدم الإخلال بالالتزامات والتعهدات التی تمنع انتشار الأسلحة النوویة، وعدم استغلال الانسحاب فی تقویض جهود الأمم المتحدة الرامیة إلى نزع السلاح النووی ومنع انتشاره
الموضوعات
أصل المقالة
الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی-(*)-
رقیب محمد جاسم الحماوی محمد یونس یحیى الصائغ کلیة الحقوق/ جامعة الموصل کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Raqib Muhammad Jassim Al-Hamawi Muhammad Younis Yahya Al-Sayegh College of law / University of Mosul College of law / University of Mosul Correspondence: Raqib Muhammad Jassim Al-Hamawi E-mail: |
(*) بحث مستل من أطروحة الدکتوراه الموسومة بـ ((مشروعیة حیازة وإستخدام الأسلحة النوویة فی ضوء أحکام القانون الدولی العام)) مقدمة إلى کلیة القانون، جامعة الموصل، 2012. أستلم البحث فی 17/6/2012 *** قبل للنشر فی 17/7/2012.
(*) Received on 17/6/2012 *** accepted for publishing on 17/7/2012.
Doi: 10.33899/alaw.2013.160717
© Authors, 2013, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
الانسحاب من المعاهدات هو إجراء قانونی یصدر بالإرادة المنفردة للدولة الطرف فی معاهدة متعددة الأطراف تعبیراً عن سیادتها وتهدف به إلى التحلل من تنفیذ التزاماتها الواردة فیها، الأمر الذی یترتب علیه توقف المعاهدة عن إنتاج آثارها القانونیة فی مواجهتها. أن المعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی هی معاهدات ذات طبیعة خاصة، وذلک لما لهذه المعاهدات من أهمیةٍ خاصة، ومن شأن الإخلال بها التهدید المباشر للسلم والأمن الدولیین، کما أن هذه المعاهدات تحرص على مبدأ العالمیة لأنها لا یمکن أن تحقق أهدافها والأغراض التی أبرمت من أجلها إلا بانضمام جمیع الدول إلیها، ولا سیما الدول ذات الأنشطة النوویة وعدم انسحاب أیٍ منها من عضویتها، لأن انسحاب إحداها کفیل بإطلاق سباق التسلح النووی وهو ما یمثل تهدیداً خطیراً للسلم والأمن الدولیین، ولذلک فإن الهدف النهائی للمجتمع الدولی یجب أن یتمثل بالعمل على نزع الأسلحة النوویة ولیس فقط منع انتشارها وضمان احتکار حیازتها بید قلة من الدول الحائزة هی نفسها الدول الدائمة العضویة فی مجلس الأمن، ولهذا فإن رخصة الانسحاب من هذه المعاهدات إذا ما ورد نص صریح وقطعی بها، یجب أن تستعمل فی أضیق الحدود، ولمبررات قویة، وبالتطبیق الصارم للشروط الخاصة بالانسحاب، مع مراعاة عدم الإخلال بالالتزامات والتعهدات التی تمنع انتشار الأسلحة النوویة، وعدم استغلال الانسحاب فی تقویض جهود الأمم المتحدة الرامیة إلى نزع السلاح النووی ومنع انتشاره.
Abstract
Withdraw from the treaty is a legal issue will the individual to the State party to a multilateral treaty an expression of sovereignty and aimed it to the decomposition of the implementation of the obligations contained therein, which would result in the treaty ceased production in its legal response. That the treaties on arms reduction and nonproliferation are treaties of a special nature, due to the treaties of particular interest, would prejudice the direct threat to international peace and security, and that these treaties are keen on the principle of universality because they can not achieve its goals and purposes for which entered into for which only the accession by all States, in particular those with nuclear activities and has not withdrawn any of them from membership, because the withdrawal of one sponsor the launch of the nuclear arms race, which represents a serious threat to international peace and security, so the ultimate goal of the international community must be to work on nuclear disarmament and not only prevent their spread and to ensure that the monopoly of possession, however, the lack of nuclear-weapon States are themselves permanent members of the Security Council, so the license to withdraw from this Treaty if there were text explicit and definitively out, must be used in a narrower border, but a strong case, and the application strict conditions for withdrawal, taking into account the non-prejudice to the obligations and commitments that prevent the spread of nuclear weapons, and not to exploit the withdrawal to undermine the efforts of the United Nations aimed at nuclear disarmament and non-proliferation.
المقدمـة
من المعلوم أن للمعاهدات أهمیة خاصة وإنها تعتبر من أهم مصادر القانون الدولی العام، وعن طریقها نشأت الکثیر من القواعد الدولیة المعمول بها حالیاً، وکذلک ثبتت حقوق وواجبات الدول تجاه بعضها فی نواحٍ عدیدة سواء وقت السلم أو وقت الحرب. إن الأثر المترتب على عقد المعاهدات هو التزام الدول الأطراف بأحکامها ونصوصها، ولذا تلزم المعاهدات المبرمة إبراماً صحیحاً جمیع الدول الأطراف التی أبرمتها، فی کل ما جاء فیها، ولذا فعلى الدولة الطرف أن تحترم العهود التی قطعتها وتنفذ الالتزامات التی ارتبطت بها، ولذلک فإنه لا یجوز لأیة دولة طرف الانسحاب من المعاهدة - کقاعدة عامة - ما لم یوجد نص خاص فیها یقرر ذلک صراحةً لأنه لا یجوز لدولة التحلل من التزاماتها الدولیة بإرادتها المنفردة.
ولاشک أن هذا الأصل العام یسری على المعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی، وذلک لما لهذه المعاهدات من أهمیة خاصة باعتبارها تنظم موضوعات ذات خطورة کبیرة، ومن شأن الإخلال بها التهدید المباشر للسلم والأمن الدولیین وتهدید الإنسان فی حیاته. غیر أن أغلب المعاهدات المتعلقة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی تنص على جواز الانسحاب منها وذلک لاستقطاب أکبر عدد من الدول على الانضمام إلیها، إذ یجذبها حق الانسحاب إلى الانضمام، وهی لدیها الحریة والإمکانیة فی الانسحاب، متى رأت أن المعاهدة لا تلبی احتیاجات أمنها القومی وتهدد مصالحها العلیا، وعلى هذا الأساس أعلنت کوریا الشمالیة بتاریخ 10 کانون الثانی /2003 انسحابها من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة، وکذلک هددت إیران بفعل الأمر ذاته بعد أن تم اتهامها بحیازة برنامج نووی عسکری سری وشرعت باستئناف برنامج تخصیب الیورانیوم، وعلى إثر ذلک أصدر مجلس الأمن القرار (1737) القاضی بفرض عقوبات على إیران بغیة ثنیها عن مواصلة برنامجها النووی لما یمثله من تهدید للسلم والأمن الدولیین.
أهمیة البحث:
تکمن أهمیة البحث فی کون المعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی هی معاهدات ذات طبیعة خاصة جداً، کونها تنظم موضوعات ذات خطورة کبیرة جداً على صعید السلم والأمن الدولیین ومن شأن الإخلال بأحکامها أو الانسحاب منها تهدید السلم والأمن الدولیین وهما الأساس الغائی الذی یقوم علیه التنظیم الدولی المعاصر بسبب ما ینجم عن الانسحاب منها من فتح الباب أمام سباق التسلح النووی وهو ما من شأنه تهدید الإنسان فی وجوده.
إشکالیة البحث:
تکمن إشکالیة البحث فی بیان مدى توافق أحکام الانسحاب من المعاهدات الدولیة مع الطبیعة الخاصة التی تتمیز بها المعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی والتی یترتب على الانسحاب منها فتح الباب على مصراعیه أمام الدخول فی سباق التسلح النووی الأمر الذی سینجم عنه آثار خطیرة على صعید تهدید السلم والأمن الدولیین.
منهجیة البحث:
اعتمدنا فی دراستنا هذه على المنهج التحلیلی الوصفی الذی یقوم على دراسة نصوص المعاهدات الدولیة الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی لتحلیل النصوص القانونیة التی جاءت بها تلک المعاهدات وبیان الشروط الواجب توافرها لإعمال تلک النصوص واستعراض الاثآر القانونیة التی یمکن أن تنجم عن الانسحاب على صعید الالتزامات القانونیة للدول الأطراف وعلى صعید السلم والأمن الدولیین.
هیکلیة البحث:
من أجل الإحاطة بموضوع البحث فإننا سنتناول الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة النوویة ومنع الانتشار النووی على وفق ثلاثة مباحث، نتطرق فی المبحث الأول إلى مفهوم الانسحاب من المعاهدات الدولیة وأحکامه، ونتناول فی المبحث الثانی مدى جواز الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی وشروطه وتطبیقاته، وأخیراً نبحث فی المبحث الثالث الآثار القانونیة المترتبة على الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی.
المبحث الأول
مفهوم الانسحاب من المعاهدات الدولیة وأحکامه
إن احترام المعاهدات والتقید بأحکامها مبدأ معترف به فی القانون الدولی، فإذا لم یراع احترام هذا المبدأ فمعنى ذلک انهیار القانون الدولی وجمیع قواعده، لذا فمن المبادئ الأساسیة فی التنظیم الدولی المعاصر، أنه لا یجوز لدولة أن تتنصل من التزاماتها الواردة فی معاهدة بإرادتها المنفردة. غیر أن المعاهدة الدولیة تبدو ککائن یولد، ویعیش، ویطرأ علیه ما یؤدی به إلى الفناء والانقضاء، حیث یجوز للدولة أن تنهی معاهدة هی طرف فیها أو تنسحب منها فی أوضاع معینة عالجتها اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات فی الباب الخامس منها، فقد أشارت الفقرة الثانیة من المادة (42) إلى القاعدة العامة بتقریرها أنه " لا یجوز إنهاء المعاهدة أو إلغاءها أو الانسحاب منها من جانب أحد الأطراف إلا تطبیقاً لنصوصها أو نصوص هذه الاتفاقیة فقط، وتنطبق هذه القاعدة على وقف العمل بالمعاهدة ". وانطلاقاً مما تقدم فإننا سنتناول مفهوم الانسحاب من المعاهدات الدولیة وأحکامه على وفق مطلبین، نتناول فی المطلب الأول منهما مفهوم الانسحاب، أما المطلب الثانی فسنبحث فیه أحکام الانسحاب من المعاهدات الدولیة:
المطلب الأول
مفهوم الانسحاب من المعاهدات الدولیة
خلت اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات لسنة 1969 من إیراد تعریف یحدد المقصود بمصطلح الانسحاب من المعاهدات الدولیة، وقد عرفه البعض بقوله "الانسحاب هو أن تعلن دولة بإرادتها المنفردة تحللها من الالتزام بالمعاهدة الدولیة الجماعیة تجیز لها ذلک صراحةً أو ضمناً أو بحسب طبیعتها ما یترتب علیه توقف المعاهدة عن إنتاج اثآرها القانونیة فی مواجهة هذه الدولة". کما یعرفه البعض الآخر بأنه "تصرف یصدر بالإرادة المنفردة لأحد الدول الأعضاء فی المعاهدة الجماعیة أو المیثاق المنشئ للمنظمة الدولیة حیث تقرر هی ومن تلقاء نفسها الرحیل منها والتخلی عن تنفیذ الالتزامات الواردة فیها".
ویمکننا أن نعرف الانسحاب بأنه إجراء قانونی یصدر بالإرادة المنفردة للدولة الطرف فی معاهدة متعددة الأطراف تعبیراً عن سیادتها وتهدف به التحلل من تنفیذ التزاماتها الواردة فیها، مما یترتب علیه توقف المعاهدة عن إنتاج آثارها القانونیة فی مواجهتها. ولذلک لا بد أن یتم الانسحاب کتصرف قانونی إرادی بصورة صحیحة حتى ینتج اثآره القانونیة، فیجب أن یصدر عن إرادة حرة صحیحة غیر مشوبة بأی عیب من عیوب الإرادة کالإکراه أو الغلط أو التدلیس، فإذا تم إکراه دولة على الانسحاب من المعاهدة فإن قرار الانسحاب یعد باطلاً، ولا ینتج آثاره القانونیة أثناء فترة الانسحاب، فعلى الرغم من أن الدولة المنسحبة یمکنها دائماً أن تقرر العودة إلى المعاهدة بإرادتها المنفردة، إلا أننا نبرز الجانب القانونی للانسحاب باعتباره تصرفاً قانونیاً إرادیاً تسری علیه سائر شروط الصحة والبطلان کسائر التصرفات القانونیة من سلامة الرضا ومشروعیة السبب وتوافر محل التصرف.
ویجدر بنا أن نفرق بین الانسحاب من المعاهدات الدولیة وأسباب انقضاء المعاهدات الدولیة، إذ یقصد بانقضاء المعاهدات الدولیة، إنهاء العمل بأحکامها واختفائها بالتالی من النظام القانونی الدولی أیاً کان السبب الذی أدى إلى ذلک الانقضاء، فالمعاهدات الدولیة قد تنقضی إما بإبطالها أو إنهائها أو إیقاف العمل بها، ولکل مصطلح من هذه المصطلحات مدلولاته التی تختلف اختلافاً جذریاً فیما بینها، فإبطال المعاهدة مؤداه اعتبار المعاهدة کأن لم تکن وتجرید قواعدها من کل قوة قانونیة، ومحله أن یظهر بعد إبرامها تخلف أی شرط من الشروط التی بدون توافرها لا تکون المعاهدة صحیحة ابتداءً، وهی أهلیة التعاقد والرضا ومشروعیة موضوع التعاقد، أما إنهاء المعاهدة فمؤداه وضع حد لاستمرار نفاذ المعاهدة کما کان مقررا ًلها من قبل، لأسباب أو اعتبارات تطرأ بعد تنفیذ المعاهدة فترة من الزمان، وذلک بالرغم من أن المعاهدة عقدت صحیحة ابتداءً سواء من حیث الشکل أو من حیث الموضوع، وبالتالی فإن الإنهاء یضع حداً لوجود المعاهدة القانونی، فلا یمکن العودة إلى تطبیق أحکامها ثانیةً إلا بإبرام معاهدة جدیدة، أما إیقاف المعاهدة فلا یعنی انتهاءها وزوالها، بل تبقى المعاهدة قائمة ولکن یوقف أو یعلق حکمها لفترة بحیث یمکن لأطرافها أن یعودوا إلى تنفیذها بالاتفاق بینهم على ذلک إن لم یقرروا إنهاءها صراحةً أو تنتهی بإبرام معاهدة لاحقة بینهم فی الموضوع نفسه.
وقد بین الباب الخامس من اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات کل الأحکام المتعلقة بإبطال المعاهدات وإنهائها وإیقاف العمل بها، فبدأ بالنص على بعض الأحکام العامة المشترکة بین هذه الحالات الثلاثة (المواد 42إلى45)، ثم بین القسم الثانی من الباب الخامس أسباب البطلان (المواد46إلى 53)، وبین القسم الثالث من الباب الخامس أسباب إنهاء المعاهدات وإیقاف العمل بها (المواد 53إلى64)، وتکفل القسم الرابع من الباب الخامس ببیان الإجراءات الواجبة الإتباع فی کل حالة (المواد 65إلى68)، وأخیراً بین القسم الخامس من الباب الخامس الآثار المترتبة على کل من البطلان والإنهاء والإیقاف (المواد69إلى72).
ویتضح لنا من خلال ما تقدم أن الانسحاب من المعاهدات الدولیة لیس من أسباب انقضاء المعاهدات الدولیة، وإنما هو من أسباب إنهاء عضویة الدولة فی المعاهدة، حیث تبقى المعاهدة المتعددة الأطراف نافذة بین بقیة أطرافها رغم انسحاب إحداها، ما لم تکن تشترط بقاء عدد معین من الدول فی عضویتها، أما فی حالة الانسحاب فإن الذی ینتهی هو التزام الطرف المنسحب من أحکام المعاهدة، أی أن المعاهدة لا تنتج آثارها القانونیة فی مواجهة الطرف المنسحب فقط، فالانسحاب هو إنهاء جزئی بالنسبة للدولة المنسحبة، وإنهاء آثار المعاهدة فی مواجهتها فقط، أما المعاهدة فی ذاتها فتظل ساریة بین الدول الأخرى الأطراف فیها.
ویجدر بنا أیضاً أن نفرق بین الانسحاب من المعاهدة وفسخ المعاهدة، فالفسخ هو جزاء تقرره الدولة بإرادتها المنفردة رداً على إخلال أحد أو بعض أطراف المعاهدة بالالتزامات الناشئة عنها أو لمخالفة حکم أساسی من أحکامها ویترتب علیه وقف تنفیذ أحکام المعاهدة کلیاً أو جزئیاً. وقد ثار الخلاف بین الفقهاء حول مدى مشروعیة اللجوء إلى فسخ المعاهدة بالإرادة المنفردة من قبل إحدى الدول الأطراف، فیذهب البعض ومنهم الدکتور (حامد سلطان) إلى القول بأن فسخ المعاهدة یؤدی إلى تحمل الدولة الفاسخة للمعاهدة تبعة المسؤولیة الدولیة عن عملها غیر المشروع، لأن ذلک یؤدی إلى زوال الاستقرار فی معاملات الدول وسیادة الفوضى فی الحیاة الدولیة، إذ یجعل الدول فی حل من تنفیذ التزاماتها الدولیة متى شاءت، ویسلب المعاهدات قدسیتها، ویجعل بقاءها أو زوالها متوقفاً على السلطة التحکمیة الانفرادیة للدول الأطراف فیها. ویذهب البعض الآخر وفی مقدمتهم الفقیه (اوبنهایم) إلى أنه یجوز فسخ المعاهدة بالإرادة المنفردة دائماً ما دام هناک إخلال بالالتزامات الواردة فیها، فمن غیر المنطقی مطالبة دولة بالإبقاء على معاهدة انتهکها أطرافها الآخرون. ولقد جرت بعض الدول على جواز فسخ ما عقدته من معاهدات بإرادتها المنفردة، ومثال ذلک قیام الحکومة المصریة بإلغاء المعاهدة المصریة الانکلیزیة لسنة 1936 مستندةً فی ذلک إلى تکرار الإخلال بأحکامها من جانب المملکة المتحدة.
ونرى أنه من المتعین عدم إطلاق القول بجواز فسخ المعاهدة بالإرادة المنفردة، وإنما یتوجب التزام جانب الحیطة والحذر، لأن الممارسة الدولیة تنبئ عن حالات قد تعمد فیها دولة من الدول إلى الادعاء على غیر الحقیقة بوقوع مخالفات وانتهاکات لأحکام المعاهدة من جانب الطرف الآخر، بغیة التوصل إلى إعلان إنهاء المعاهدة للتخلص من التزامات ثقیلة ملقاة على عاتقها، وهو أمر سیؤدی إلى اضطراب العلاقات القانونیة الدولیة، ویعرض الثقة والأمن القانونی وهما حجر الزاویة فی أیه علاقة اتفاقیة للخطر، ومن هنا کان من الطبیعی أن یتطلب الفقه ضرورة أن یکون الانتهاک المدعى به، والذی تستند إلیه الدولة لفسخ المعاهدة انتهاکاً جسیماً وجوهریاً. وهذا ما نصت علیه الفقرة الأولى من المادة (60) من اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات بقولها "الإخلال الجوهری بأحکام معاهدة ثنائیة من جانب أحد طرفیها یخول للطرف الآخر التمسک بهذا الإخلال کأساس لإنهاء المعاهدة أو إیقاف العمل بها کلیاً أو جزئیاً". ولکن متى یکون الإخلال بأحکام المعاهدة جوهریاً؟ لقد أجابت عن هذا السؤال الفقرة الثالثة من المادة (60) بقولها "لأغراض هذه المادة یعتبر إخلالاً جوهریاً: أ. رفض العمل بالمعاهدة فیما لا تجیزه هذه الاتفاقیة. ب. أو الإخلال بنص ضروری لتحقیق موضوع المعاهدة أو الغرض منها".
وقد عرض القضاء الدولی فی مناسبات عدیدة للمبدأ، فأکد على تأثیر الإخلال الجوهری بالتزامات المعاهدة على بقائها، حیث ذهبت محکمة العدل الدولیة الدائمة فی عام 1937 فی حکمها فی قضیة قناطر نهر La Meuse بین بلجیکا وهولندا، حول المعاهدة المبرمة بینهما بشأن تنظیم استغلالهما لنهر الموز، حیث احتجت هولندا على قیام بلجیکا بتشیید (قناطر) على هذا النهر مما أثر بصورة جوهریة على نصیبها من میاه النهر، ولکن بلجیکا دفعت بأن المعاهدة قد سبق الإخلال الجوهری بها من جانب هولندا حینما أقامت بعض السدود، الأمر الذی جعل لبلجیکا الحق فی فسخها وعدم الالتزام بأحکامها، وعلى الرغم من أن المحکمة لم تفصل فی هذه الواقعة لتنفیذ حجة بلجیکا، مکتفیةً بتقریر أن هولندا لم ترتکب مخالفة للمعاهدة المعقودة بین الدولتین، فإن القاضی (أنزیلوتی) ذهب فی رأیه المخالف، الملحق بالحکم، إلى تأکید أن المبدأ الذی أقامت علیه بلجیکا ادعائها هو من المبادئ المعترف بها عالمیاً.
ویذهب جانب من الفقه إلى أن الفسخ لا یرد إلا على المعاهدات الثنائیة فقط، ولا یتصور أن یرد على المعاهدات متعددة الأطراف وإن الذی یرد علیها هو الانسحاب، إذ إن الفسخ یؤدی إلى انقضاء المعاهدة الثنائیة بینما الفسخ فی المعاهدات الجماعیة لا یؤدی إلى انقضائها، وقد انتقد البعض هذا الرأی وسنده فی ذلک أن الانسحاب کقاعدة عامة أمر غیر جائز فی المعاهدات الدولیة ما لم تنص المعاهدة على غیر ذلک، أما الفسخ فهو جزاء شرعی قانونی یطبق فی حالة الإخلال الجوهری بنصوص المعاهدة، ولهذا فهو یطبق على المعاهدات أیاً کان نوعها ثنائیة أو جماعیة وسواء أوردت المعاهدة نصاً بشأنه أم لا، على أن الفسخ فی المعاهدات الجماعیة لا یترتب علیه انقضاء المعاهدة ککل إنما انقضاءها فی مواجهة الطرف الذی تم الإخلال بحقه وطلب فسخها، بینما تظل باقیة فی حق الأعضاء الآخرین إلا إذا اتفقوا جمیعاً على إنهائها. وهذا ما قررته الفقرة الثانیة من المادة (60) من اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات. وقد فرق هذا النص فی مجال حق باقی الدول الأطراف فی المعاهدة الجماعیة فی الرد على ذلک الإخلال الجوهری بأحکامها من جانب أحد الأطراف بین رد الفعل الجماعی، ورد الفعل الفردی، فیجوز طبقاً لنص المادة (6_2) لباقی الأطراف فی المعاهدة جمیعاً أن یتفقوا فیما بینهم بالإجماع وکرد فعل لهذا الإخلال الجوهری، على وقف تطبیق، أو إنهاء المعاهدة ککل أو على نحو جزئی، وذلک فی علاقتهم مع الدولة المخالفة، أو بالنسبة لجمیع الأطراف، وخاصةً حیث یکون الأمر متعلقاً بإخلال من طرف یعتبر وفاؤه بالتزاماته أمراً أساسیاً لاستمرار المعاهدة، أما على صعید رد الفعل الفردی، فإن النص یبیح لکل دولة من الدول الأطراف فی المعاهدة - عدا الدولة المخالفة - التی تکون قد تأثرت بصفة خاصة من الإخلال الجوهری بأحکامها، أن تدفع بهذا الإخلال الجوهری لإیقاف العمل بالمعاهدة فی مواجهتها کلیاً أو جزئیاً، کما یبیح النص لأیة دولة من الدول الأطراف - عدا الدولة المخالفة - أن تتمسک بالإخلال الجوهری، لإیقاف العمل بالمعاهدة کلیاً أو جزئیاً، ولو لم تکن قد تأثرت بذلک الإخلال بصفة خاصة، ولکن ذلک الإخلال یؤدی - بسبب طبیعة المعاهدة - إلى تغییر وضع کل طرف بصورة أساسیة، وذلک فیما یتعلق بأداء التزاماته وفقاً للمعاهدة فی المستقبل.
ویتضح لنا من خلال ما تقدم أن الانسحاب من المعاهدة وفسخ المعاهدة کلاهما تصرف قانونی یصدر بالإرادة المنفردة للدولة، ولکنهما یختلفان من عدة أوجه أبرزها، إن الانسحاب لا یرد إلا على المعاهدات المتعددة الأطراف، بینما یرد الفسخ على المعاهدات الثنائیة والمتعددة الأطراف على حد سواء، کما أن الانسحاب أمر غیر جائز کقاعدة عامة، إذ إن المبادئ العامة فی القانون الدولی تحظر التحلل من الالتزامات الدولیة بالإرادة المنفردة، وذلک لأن الاتفاق ملزم والعقد شریعة المتعاقدین ما لم یوجد نص یجیز الانسحاب أو کانت المعاهدة بحسب طبیعة أو نیة عاقدیها تجیزه، بینما الفسخ هو جزاء یترتب دائماً على مخالفة الالتزامات التعاقدیة سواء ورد نص بشأن إجازته أو لم یرد، فهو مقرر طبقاً للمبادئ العامة للقانون الدولی، وهذا ما ذهبت إلیه محکمة العدل الدولیة فی رأیها الاستشاری بشأن إقلیم نامیبیا الذی أصدرته عام 1971 حیث ذکرت "أن من المبادئ القانونیة العامة التسلیم بحق أطراف المعاهدة فی إنهائها أو فسخها، نتیجةً لانتهاکها من جانب الطرف الآخر، وإن هذا الحق یجب افتراضه، بالنسبة لجمیع المعاهدات حتى فی حالة عدم النص علیه صراحة فی المعاهدة".
المطلب الثانی
أحکام الانسحاب من المعاهدات الدولیة
من المتفق علیه أنه من حیث المبدأ تتقید الدول بالمعاهدات التی تعقدها وتکون أطرافاً فیها، على أساس أن بقاء المعاهدة واستمرار تنفیذها محقق للغرض الذی من أجله عقدت تلک المعاهدة، وعلى ذلک فالأصل وفقاً لقواعد القانون الدولی أنه لا یجوز لدولة طرف فی معاهدة جماعیة أن تتحلل من التزاماتها التی تحملتها عند اشتراکها فی المعاهدة الجماعیة، فهی لا تملک إنهاء ما التزمت به بإرادتها المنفردة والقول بغیر ذلک معناه شیوع الفوضى فی العلاقات الدولیة، غیر أنه یمکن الخروج على هذا الأصل العام إذا ما نصت المعاهدة ذاتها على إمکانیة الانسحاب منها أو کانت هی بطبیعتها تقرر ذلک، وانطلاقاً مما تقدم فإننا سنتناول أحکام الانسحاب من المعاهدات الدولیة على وفق ثلاثة فروع، نتناول فی الفرع الأول المبدأ العام، أما الفرع الثانی فسنبحث فیه الانسحاب من المعاهدات الدولیة فی حالة وجود نص، وأخیراً نتطرق فی الفرع الثالث إلى الانسحاب من المعاهدات الدولیة فی حالة عدم وجود نص:
الفرع الأول
المبــــدأ الــــعام
المبدأ العام المقرر فی القانون الدولی العام هو تحریم الانسحاب من المعاهدات الدولیة، وذلک استناداً للمبدأ القاضی بعدم جواز أن یتخلص أحد أطراف المعاهدة من التزاماته التعاقدیة بإرادته المنفردة، وقد تم التأکید على هذا المبدأ بمناسبة إعلان روسیا فی عام 1856 أنها تعتبر نفسها غیر مقیدة بنصوص معاهدة باریس لعام 1856(*)، وأنها تسترد کل حقوقها المتعلقة بمبدأ السیادة فی البحر الأسود، وهو الأمر الذی أثار الاعتراض من جانب الدول الأطراف فی معاهدة باریس وأدى إلى عقد مؤتمر لندن فی عام 1871، وقد أعلن ذلک المؤتمر فی بروتوکول لندن الموقع علیه فی 18 کانون الثانی / 1871 على أن من المبادئ الأساسیة فی القانون الدولی، "أنه لا یجوز لدولة أن تتحلل من التزاماتها المترتبة على معاهدة دولیة أو تعدیل نصوصها، إلا بناءً على رضاء الأطراف المتعاقدة عن طریق تفاهم ودی". وقد جرت الإشارة فی مناسبات متعددة إلى هذا المبدأ الذی انطوى علیه بروتوکول لندن، للتأکید على عدم جواز انفراد دولة بالتحلل من الالتزامات الملقاة على عاتقها بموجب المعاهدة الدولیة بإعلانها إنهاء تلک المعاهدة أو الانسحاب منها، وخاصةً فی الفترة السابقة على اندلاع الحرب العالمیة الثانیة، عندما قامت ألمانیا بإعلان تحللها وانسحابها من الالتزامات الملقاة علیها بموجب معاهدة فرسای لعام 1919، وقد احتجت بریطانیا وفرنسا وایطالیا وغیرها من دول أوربا على هذا التصرف، کما أصدرت العصبة قراراً رداً على إنهاء ألمانیا لمعاهدة فرسای أعلنت فیه أن ألمانیا قد أخلت بالالتزامات التی تقع على عاتق جمیع الدول أعضاء المجتمع الدولی باحترام تعهداتها الدولیة، وأنه کمبدأ أساسی من مبادئ القانون الدولی، لیس لأی دولة أن تعفی نفسها من معاهدة أو تنسحب منها بإرادتها المنفردة دون قبول الأطراف الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن مجمع القانون الدولی کان عرض لمسألة الانسحاب من المعاهدات وإنهائها من جانب واحد فی عامی 1963 (دورة بروکسل) و 1967 (دورة نیس)، فأوصى فی 14 أیلول 1967 بأنه إذا کانت الدول الأطراف تسلم بإمکانیة إلغاء المعاهدة من طرف واحد أو الانسحاب منها، فإن من المتعین أن تنطوی نصوص المعاهدة ذاتها، أو أیة وثیقة أخرى مناسبة على قاعدة واضحة تخول الدول تلک الصلاحیة، وتضع شروط ممارستها، وذهب المجمع إلى التأکید على أنه لا یمکن التسلیم بحق الدولة الطرف فی معاهدة فی إلغائها أو الانسحاب منها فی غیبة مثل تلک القاعدة الواضحة.
وقد ذهبت لجنة القانون الدولی فی أثناء قیامها بإعداد مشروع اتفاقیة قانون المعاهدات، إلى التأکید على أن ثمة طوائف من المعاهدات تستبعد بصددها کل إمکانیة لإلغائها أو الانسحاب منها، مثل معاهدات السلام والمعاهدات التی تضم تسویة إقلیمیة تستهدف الدوام، کما أشارت اللجنة أیضاً إلى أن الاتفاقیات الدولیة التی تنطوی على تقنین لقواعد القانون الدولی لا تشیر إلى تحدید مدة للمعاهدة، ولکنها تنطوی عادةً على شرط لإعادة النظر، وقد رأت اللجنة أنه لا یسوغ مع وجود مثل ذلک الشرط إیراد حکم یتعلق بحق الدولة فی الانسحاب من المعاهدة أو إلغائها بإرادتها المنفردة.
وقد جاءت اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات فی مادتها (56) معبرةً عن هذا الاتجاه القاضی بتحریم الانسحاب من المعاهدات الدولیة حیث قررت " المعاهدة التی لا تتضمن نصاً بشأن إنهائها والتی لا تنص على إمکان إلغائها أو الانسحاب منها لا تکون محلاً للإلغاء أو الانسحاب إلا:
أ- إذا ثبت اتجاه نیة الأطراف فیها إلى إمکان إلغائها أو الانسحاب منها.
ب- إذا أمکن استنباط حق الإلغاء أو الانسحاب من طبیعة المعاهدة".
ویتضح لنا من خلال ما تقدم أن المبدأ العام المقرر بخصوص المعاهدات الدولیة هو عدم جواز الانسحاب أو التحلل من الالتزامات الدولیة بالإرادة المنفردة للدولة، ما لم یکن هناک نص صریح بتجویزه فی المعاهدة ذاتها، فالانسحاب بالإرادة المنفردة هو عمل غیر مشروع ومخالف للقانون الدولی العام، لأن مثل هذا العمل یفتح الباب على مصراعیه للدول فی أن تتحلل من معاهداتها متى شاءت، مما یؤدی إلى شیوع الفوضى فی العلاقات الدولیة، ویسلب المعاهدات الدولیة قدسیتها، ویجعل بقاءها أو زوالها متوقفاً على السلطة التحکمیة الانفرادیة للدول الأطراف فیها، کما أنه یتعارض مع مبدأ حسن النیة فی تنفیذ الالتزامات التعاقدیة، وخاصةً عندما یکون الغرض منه التملص من الالتزامات التی تفرضها المعاهدة، ولذلک أکدت المادة (26) من اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات على وجوب قیام أطراف المعاهدة بتنفیذ التزاماتهم بطریقة تتفق مع ما یوجبه مبدأ حسن النیة، فالانسحاب جائز فی المعاهدات التی تنص على جواز الانسحاب منها، بشرط اتباع الشروط التی نصت علیها المعاهدة لإمکان هذا الانسحاب، والقول بغیر ذلک یؤدی إلى زوال الاستقرار فی معاملات الدول وسیادة الفوضى فی الحیاة الدولیة.
الفرع الثانی
الانسحاب من المعاهدات الدولیة فی حالة وجود نص
قد تنطوی المعاهدة الدولیة على نص واضح یقرر لأطرافها حقاً فی الانسحاب منها إذا کانت معاهدة متعددة الأطراف، وهنا لا یکون الأمر منطویاً على مشکلة من أی نوع، حیث یکون لکل طرف من أطراف المعاهدة الجماعیة بناءً على النص الوارد فی المعاهدة الحق فی الانسحاب منها، فیؤدی ذلک إلى توقف المعاهدة عن إنتاج آثارها القانونیة فی مواجهة ذلک الطرف المنسحب، فی حدود الأوضاع والشروط التی ینطوی علیها النص الوارد فی المعاهدة بهذا الشأن. وهذا ما قررته صراحةً المادة (54) من اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات بقولها "إنهاء المعاهدة أو انسحاب أحد أطرافها یجوز أن یتم:
1. وفقاً لأحکام المعاهدة.
2. أو فی أی وقت باتفاق جمیع الأطراف بعد التشاور مع بقیة الدول المتعاقدة."
وبذلک فإن الانسحاب فی هذه الحالة یکون مستنداً إلى الرخصة التی تخولها المعاهدة لأطرافها، وبالتالی فالانسحاب هنا هو استعمال لحق ولا یجوز لوم أحد على استعماله لحقه، طالما قام باستعماله فی حدود الشروط والضوابط المقررة لاستعماله لحقه. وعلى هذا الأساس فقد تضمنت العدید من المعاهدات نصوصاً تقرر إمکانیة انسحاب الدول الأطراف فیها والتحلل من الالتزامات التی تعهدت بها، ومن هذه المعاهدات معاهدة حلف شمال الأطلسی حیث نصت المادة (13) من المعاهدة على أنه "بعد سریان المعاهدة بعشرین عاماً، یصبح من حق أی طرف أن یتخلى عن عضویته، وذلک بعد عام من تسلیم هذا القرار لحکومة الولایات المتحدة التی ستبلغ بدورها الأطراف الأخرى بکل بلاغ من هذا النوع". کما تنص معاهدة تحریم الأسلحة النوویة فی أمریکا اللاتینیة على حق الانسحاب منها حیث تنص المادة (30) على أنه "لهذه المعاهدة صفة الدوام وتبقى ساریة باستمرار، ولکن لأی طرف فیها حق الانسحاب منها بإعلان ذلک إلى الأمین العام للوکالة، إذا ما رأى الطرف المنسحب حسب رأیه، أن هناک ظروفاً قائمة أو قد تقوم تتعلق بالمعاهدة، أو البروتوکولات (1)،(2)، تؤثر على المصالح العلیا أو على سلام أو على أمن طرف أو أکثر من الأطراف المتعاقدة، ویتحقق الانسحاب بعد مرور ثلاثة أشهر من وصول الإعلان إلى الأمین العام". کما نصت المادة (10) من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة على حق الانسحاب بقولها على أنه "ممارسةً لحق السیادة الوطنی یحق لکل دولة طرف فی المعاهدة الانسحاب منها إذا ما قررت أن أحوالاً وظروفاً استثنائیة متعلقة بموضوع المعاهدة قد مست المصالح العلیا لهذه الدولة، وفی هذه الحالة تقوم الدولة الراغبة فی الانسحاب بإخطار جمیع الدول الأطراف فی المعاهدة وکذلک مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بقرارها هذا قبل ثلاثة أشهر من الانسحاب، ویجب أن یتضمن الإخطار بالانسحاب بیاناً بالأحوال الاستثنائیة التی اعتبرتها الدولة أنها تمس مصالحها العلیا". وکذلک نصت المادة (18_د) من النظام الأساسی للوکالة الدولیة للطاقة الذریة على أنه "یجوز للدولة العضو أن تنسحب من الوکالة متى شاءت بعد مضی خمس سنوات على نفاذ هذا النظام، وفقاً للبند (هـ) من المادة الحادیة والعشرین، أو متى وجدت نفسها غیر راغبة فی قبول تعدیل ما على هذا النظام، ویتم الانسحاب بإخطار خطی ترسله الدولة المعنیة لهذه الغایة إلى الحکومة المودع لدیها المشار إلیها فی البند (ج) من المادة الحادیة والعشرین، وتبادر الحکومة المذکورة إلى إنهاء ذلک إلى المجلس التنفیذی وإلى الدول الأعضاء جمیعاً". وکذلک نصت المادة (20) من اتفاقیة رقابة الأمن فی الطاقة النوویة(*) التابعة للوکالة الأوربیة للطاقة النوویة على أنه "یمکن لأیة حکومة طرف فی الاتفاقیة أن تنهی تطبیق أحکامها بالنسبة لها وذلک عن طریق إخطار أمین عام المنظمة قبل هذا الإنهاء باثنی عشر شهراً، ولکن سیکون هذا الانسحاب بدون الإضرار بالرقابة (الضمانات) التی مورست على المواد التی سبق أن وردتها الوکالة إلیها أو التی تم توریدها تحت إشرافها".
الفرع الثالث
الانسحاب من المعاهدات الدولیة فی حالة عدم وجود نص
إذا انطوت المعاهدة الدولیة على نص واضح یقرر لأطرافها حقاً فی الانسحاب منها فهنا لا یکون الأمر منطویاً على مشکلة من أی نوع، ویکون لکل أطرافها بناءً على ذلک الانسحاب منها، فیؤدی ذلک إلى توقف المعاهدة على إنتاج اثآرها القانونیة فی مواجهة ذلک الطرف، ولکن المشکلة تثور حینما لا تنطوی المعاهدة على نص یقرر لأطرافها حقاً فی الانسحاب منها، وهنا اختلفت الآراء الفقهیة حول مدى جواز الانسحاب من المعاهدة إذا ما خلت نصوصها من قاعدة تجیز الانسحاب وانقسم الرأی فی ذلک إلى اتجاهین:
الاتجاه الأول: یذهب أنصار هذا الاتجاه إلى القول بعدم جواز انسحاب الدولة بإرادتها المنفردة من عضویة المعاهدة الدولیة، مادام لم یرد فیها نص على جواز الانسحاب منها، واستندوا فی ذلک الى القواعد العامة فی قانون المعاهدات والتی من بینها أنه لا یجوز للدولة أن تنسحب من المعاهدة بإرادتها المنفردة إلا إذا کان قصد الأطراف قد انصرف إلى ذلک، فالأصل فی المعاهدة الدولیة عدم جواز الانسحاب منها، لأن الانسحاب یتنافى مع فکرة التنظیم الدولی، ومع مبدأ حسن النیة فی تنفیذ الالتزامات التعاهدیة.
الاتجاه الثانی: یرى أنصار هذا الاتجاه أن للدولة الطرف فی معاهدة جماعیة الحق فی أن تنسحب منها متى شاءت سواء أکان لهذا الانسحاب ما یبرره أو لم یکن، واعتبار هذا الحق هو القاعدة العامة التی یتم الاحتکام إلیها ما لم یوجد نص یحظر الانسحاب باعتبار ذلک حقاً مکفولاً للدول لا یجوز التنازل عنه إلا بموجب نص صریح یمنعها من ذلک، لأن الأصل هو حریة الدول فی الانضمام أو البقاء فی المعاهدات الدولیة، ویستند أنصار هذا الاتجاه فی تبریر رأیهم إلى عدة حجج نوجزها کالآتی:
1. إن الحق فی الانسحاب یعد تطبیقاً لمبدأ سیادة الدولة، فالدولة من حقها تقریر ما إذا کانت تبقی على عضویتها فی المعاهدة أو تنهیها، ذلک أنه من مفترضات السیادة ومظاهرها حریة الدولة فی الانضمام أو الانسحاب من المعاهدات الدولیة.
2. إن العضویة الاختیاریة فی المعاهدات الدولیة تعطی للدول حق الانسحاب، فکما أن قبولها کطرف فی المعاهدة ابتداءً یکون بمبادرة منها، فکذلک الحال – انتهاء ً- یجوز لها إنهاء التزاماتها فی المعاهدة بإرادتها لأن من کان له حق الانضمام یکون له حق الانسحاب.
3. یکمن حق الدولة الطرف فی الانسحاب من المعاهدة الجماعیة فی تغییر ظروف المجتمع الدولی، فالدولة دائماً فی حاجة إلى قواعد مرنة تستطیع من خلالها الموائمة بین التزاماتها الدولیة وبین ما یستجد من ظروف تجعل تنفیذ الالتزام مستحیلاً.
ویمکننا القول أن خلو المعاهدة من نص واضح وصریح یجیز الانسحاب منها معناه عدم جواز الانسحاب والتحلل من الالتزامات المفروضة على الدولة الطرف فی تلک المعاهدة، والقول بغیر ذلک یؤدی إلى شیوع الفوضى فی العلاقات الدولیة، لأن مثل هذا العمل یؤدی إلى إمکانیة التحلل من المعاهدة متى أرادت الدولة ذلک، مما یعرض الثقة والأمن القانونی وهما حجر الزاویة فی أیة علاقة اتفاقیة للخطر، لذلک نرى أن الأصل هو تحریم الانسحاب من المعاهدات الدولیة فی حالة خلوها من نص صریح یجیز ذلک الانسحاب، على أنه یمکننا القول إن هناک حالات استثنائیة من القاعدة العامة - التی تقضی بتحریم الانسحاب - یمکن على أساسها للدولة الطرف فی معاهدة جماعیة أن تنسحب من تلک المعاهدة، وتتوقف بالتالی تلک المعاهدة عن إنتاج آثارها القانونیة فی مواجهتها، وهذه الحالات تعتبر بمثابة استثناءات من القاعدة العامة وتتمثل تلک الحالات بما یأتی:
أولاً: الانسحاب بالرضاء:
نصت المادة (54_ب) من اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات لعام 1969 على أنه "یجوز إنهاء المعاهدة أو انسحاب أحد الأطراف منها...:
ب. أو فی أی وقت باتفاق جمیع الأطراف بعد التشاور مع بقیة الدول المتعاقدة".
وعلى ذلک یجوز لأی دولة الانسحاب من المعاهدة بالرغم من عدم النص فی المعاهدة على جواز الانسحاب، وذلک استثناءً من الأصل الذی یحرم الانسحاب، وذلک إذا وافق جمیع أطراف المعاهدة بعد التشاور فیما بینهم على ذلک، ولکن لم یوضح النص کیفیة صیاغة هذا الرضا وهل یلزم أن یرد فی اتفاق مکتوب أم یکفی الموافقة الشفهیة، کما أن النص تطلب رضا جمیع الأطراف، فما هو الحکم فیما لو لم یتحقق هذا الإجماع ووافق على انسحاب الدولة أغلب الدول الأطراف فی المعاهدة فقط، وللإجابة عن ذلک نقول أن نص المادة (54) أباح للدول الأطراف الانسحاب من المعاهدة فی أی وقت بغض النظر عن احتوائها على نص یبیح الانسحاب من عدمه، وبالتالی فلا یوجد قید من حیث المدة، فلا یلزم مرور فترة زمنیة على بدء نفاذ المعاهدة، إلا إذا تضمنت المعاهدة نصاً یقضی بسریانها لأجل معین، ویجب على الدولة الراغبة فی الانسحاب أن تقدم طلباً أو إخطاراً تعلنه إلى جمیع الدول الأطراف لکی تحصل على موافقتها، على أنه لا یلزم مرور فترة زمنیة على تقدیم الإخطار بالرغبة فی الانسحاب وحصوله بالفعل، إذ العبرة بتاریخ تحقق الموافقة الإجماعیة، فإذا تحققت فإن الانسحاب یرتب أثره بصورة فوریة، ویلاحظ أن نص المادة (54) یشترط تحقق الموافقة الإجماعیة حیث قال "برضاء جمیع أطرافها"، وهذا یعنی أنه إذا ما اعترضت دولة ما على أمر الانسحاب، فإنه لا ینفذ طالما لم تجزه المعاهدة ولم یوافق علیه جمیع أطرافها، إلا إذا قررت الدولة المعترضة الانسحاب هی الأخرى کإجراء مضاد ووافق جمیع الأطراف الآخرین، فإن الانسحاب یتم فی حق الدولتین فی هذه الحالة لأن الإجماع متحقق بالنسبة لباقی الدول الأطراف.
ثانیاً: الانسحاب وفقاً لنیة واضعی المعاهدة وبالرجوع إلى الأعمال التحضیریة:
أفصحت عن هذه الحالة من حالات الانسحاب التی تعد استثناءً من الحظر العام الذی یجعل الانسحاب من المعاهدة أمراً غیر جائز - فی حالة خلوها من نص یجیز ذلک - المادة (56_1) البند (أ) من اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات حیث تنص على أن " المعاهدة التی لا تتضمن نصاً بشأن إنهائها والتی لا تنص على إمکان إلغائها أو الانسحاب منها لا تکون محلاً للإلغاء أو الانسحاب إلا:
أ. إذا ثبت اتجاه نیة الأطراف فیها إلى إمکان إنهائها أو الانسحاب منها".
ولتحقیق الانسحاب فی هذه الحالة یجب الرجوع إلى الأعمال التحضیریة لوضع المعاهدة، لاستبیان نیة واضعیها فی إباحة الانسحاب منها أو حظره، إذ ربما یکون ذلک واضحاً من تصریحات الوفود وتوافقها على ذلک، إلا أن واضعی نصوص المعاهدة أغفلوا النص علیه صراحةً فی المعاهدة، فهنا یجب تفسیر الأمر وترجیح إباحة الانسحاب استعانةً بنیة واضعی المعاهدة وأعمالها التحضیریة، ویشترط فی هذه الحالة على الدولة الراغبة فی الانسحاب إخطار الدول الأطراف فی المعاهدة بنیتها فی ذلک قبل اثنی عشر شهراً على الأقل، وذلک استناداً للمادة (56_2) من اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات.
ثالثاً: الانسحاب من المعاهدة إذا کانت تجیز ذلک ضمناً أو بحسب طبیعتها:
أفصحت عن هذه الحالة من حالات الانسحاب الاستثنائیة المادة (56_1) البند (ب) من اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات بقولها "أو إذا أمکن استنباط حق الإلغاء أو الانسحاب من طبیعة المعاهدة".
إذ إن هناک بعض المعاهدات تفترض بحسب طبیعتها جواز الانسحاب منها، وذلک مثل معاهدات التحالف، ومعاهدات الأحلاف العسکریة، ومعاهدات الدفاع المشترک، فمثل هذه المعاهدات یجوز الانسحاب منها حتى ولو لم یوجد نص ینظم مسألة الانسحاب، وقد أفصحت عن هذا الاستثناء صراحةً لجنة القانون الدولی إبان عملها لإعداد مشروع اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات، حیث صرحت على إثبات ملاحظة مفادها، أن ثمة طوائف من المعاهدات تستبعد بصددها کل إمکانیة لإلغائها أو الانسحاب منها، مثل معاهدات السلام، أو معاهدات الحدود، أو المعاهدات التی تقیم تسویة إقلیمیة تستهدف الدوام، وعلى العکس من ذلک فإن من المعاهدات، مثل المحالفات، ما تفرض طبیعتها التسلیم للأطراف بالحق فی إلغائها من جانب واحد أو الانسحاب منها بعد تقدیم إخطار مناسب، وذلک ما لم یتفق الأطراف على غیر ذلک. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحالة الاستثنائیة من حالات الانسحاب توجب على الدولة الراغبة بالانسحاب کذلک أن تقوم بإخطار باقی الدول الأطراف فی المعاهدة برغبتها فی الانسحاب قبل اثنی عشر شهراً على الأقل.
رابعاً: الانسحاب من المعاهدة بسبب تغیر الظروف:
من المتفق علیه من حیث المبدأ أن الدول تتقید بالمعاهدات التی تعقدها، على أساس أن بقاء المعاهدة واستمرار تنفیذها محقق للغرض الذی من أجله عقدت تلک المعاهدة، وأن المعاهدات المعقودة بصورة صحیحة لا یجوز الانسحاب منها أو التحلل من نصوصها إلا برضا أطراف المعاهدة، ولکن هناک استثناءً آخر لهذه القاعدة وهو أن تغیر الظروف قد یکون مبرراً لطرف فی معاهدة بأن یطلب من الأطراف الأخرى تحلله من الالتزامات المفروضة علیه بموجبها، وذلک إذا فات الغرض من المعاهدة أو تبدلت الأوضاع التی کانت سائدة وقت عقدها أو التی أدت إلى عقدها، تبدلاً واضحاً من شأنه أن یجعل استمرار الالتزام بها عبئاً على طرف فیها، أو ضاراً بالمصالح الحیویة لأحد الأطراف، فیجوز فی هذه الحالة إنهاؤها أو الانسحاب منها وفقاً لمقتضیات الحال وباتفاق الأطراف فیها.
وفی الواقع لیس هناک صعوبة إذا اتفق أطراف المعاهدة على إنهائها، ولکن الصعوبة تثور إذا ما تمسک أحد الأطراف بالانسحاب منها واعترض الآخرون على ذلک على أساس أن التغیر فی الظروف لیس جوهریاً، فهل یجوز للطرف الذی یشعر بتغیر الظروف وأن استمرار الالتزام بالمعاهدة یکون عبئاً ثقیلاً علیه ویضر بمصالحة الحیویة، أن یتحرر من التزاماته المقررة بموجب تلک المعاهدة ؟.
لقد جرى الفقه الدولی، وهو بصدد بحث أثر تغیر الظروف على المعاهدات إلى الإشارة إلى المبدأ الرومانی Convento ominis Intelligitur rebus sic stanitbus)) والذی یشار إلیه اختصاراً بـ (rebus sic stanitbus)، ویعنی أن کل معاهدة دولیة تنطوی على شرط ضمنی یفترض أن المعاهدات تظل قائمة نافذة ما بقیت الظروف على حالها، فإذا لم تتغیر هذه الظروف استمرت المعاهدة على النفاذ وبقیت ملزمة لأطرافها، وفی حالة تغیر تلک الظروف وکان من نتیجة هذا التغییر أن أصبح التمسک بتنفیذها مضراً ضرراً بالغاً بأحد الأطراف، فیکون لهذا الطرف الحق فی أن یطلب تحرره من الالتزامات المقررة علیه بموجبها، وأقام الفقه نظریته هذه على أساس فکرة الاتفاق الضمنی بین أطراف المعاهدة، فحتى فی الأحوال التی لا تنطوی فیها المعاهدة على نص یقرر حکم تغیر الظروف، یفترض أن الأطراف قد اتفقوا علیه ضمناً.
ویجدر بنا ملاحظة أن لیس کل تغیر للظروف المحیطة بمعاهدة یبرر لطرف فیها الانسحاب منها والتخلص من الالتزامات الواردة فیها، فمن المتفق علیه أن المقصود بعبارة تغیر الظروف هو أن تطرأ ظروف لم تکن فی الحسبان وقت إبرام المعاهدة، مما یترتب علیه أن تصبح المطالبة بتنفیذ الالتزامات الواردة فیها غیر عادلة، أو کما یقول الفقیه اوبنهایم (Oppenheim) "إن الدولة فی حل من المطالبة بالالتزام بنصوص المعاهدة إذا أصبحت التزاماتها فیها مما یهدد کیانها أو تطورها الضروری". ویبرر الفقیه (اوبنهایم) رأیه هذا بالاستناد إلى قاعدة تغیر الظروف حیث یقول " إن رضا الدولة بالدخول إلى معاهدة مفروض فیه اقتناعها بأن المعاهدة لا تهدد بقاءها أو تطورها، لذا فإن کل معاهدة تعقدها تتضمن شرطاً أساسیاً هو أنه إذا تغیرت الظروف بحیث تصبح الالتزامات الواردة فی المعاهدة مهددةً لبقائها أو تطورها الضروری، فعندئذ یحق لها أن تطلب إعفائها من هذه الالتزامات أو إعفائها من تنفیذها".
وقد أفردت اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات نص المادة (62) لمعالجة أثر التغیر الجوهری للظروف على المعاهدات حیث نصت على أنه "1. لا یجوز الاستناد إلى التغیر الجوهری غیر المتوقع فی الظروف التی کانت سائدة عند إبرام المعاهدة کسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها إلا إذا توافر الشرطین التالیین: أ. إذا کان وجود هذا الظرف قد کون أساساً هاماً لارتضاء الأطراف الالتزام بالمعاهدة. ب. وإذا ترتب على التغییر تبدیل جذری فی نطاق الالتزامات التی یجب أن تنفذ مستقبلاً طبقاً للمعاهدة. 2. لا یجوز الاستناد إلى التغیر الجوهری فی الظروف کسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها فی الأحوال التالیة: أ. إذا کانت المعاهدة منشئة للحدود. ب. إذا کان التغیر الجوهری نتیجة إخلال الطرف بالتزام طبقاً للمعاهدة أو بأی التزام دولی لأی طرف آخر فی المعاهدة".
ویتضح لنا من خلال نص المادة (62) أن اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات حرصت بعنایة على عدم اعتناق فکرة الشرط الضمنی الذی تنصرف إلیه إرادة المتعاقدین، لأن من شأن الأخذ به فتح الباب أمام الدول للتخلص بإرادتها المنفردة من التزاماتها التعاقدیة کلما راق لها ذلک بدعوى أن الظروف قد تغیرت، الأمر الذی یخل بالثقة والطمأنینة ویفقد العلاقات الدولیة ثباتها واستقرارها، ومن ثم فإن تغیر الظروف تعد عندئذ قاعدة موضوعیة من القانون یمکن بواسطتها وعلى أساس الإنصاف والعدالة اللجوء إلى تغیر الظروف فی بعض المجالات من قبل أی طرف فی معاهدة لإنهاء تلک المعاهدة أو الانسحاب منها، حیث رفضت لجنة القانون الدولی فکرة الشرط الضمنی، لأن ذلک یزید الخطر بعدم الاستقرار، وقررت اللجنة أیضاً لأجل التأکید على الصفة الموضوعیة للنظریة أن من الأفضل أن لا تستعمل فی نص المشروع مصطلح Rebus sic stanitbus)) وتبنت مصطلح التغییر الجوهری للظروف. ویؤید هذه الفکرة للنظریة عدد کبیر من فقهاء القانون الدولی، منهم الفقیه اوبنهایم (Oppenheim) إذ یقول "إن الفکرة معترف بها بصورة عامة کحقیقة، وأن التغیرات الحیویة إذا کانت کذلک فإنها تبرر لطرف أن یطلب إحلاله من التزامات المعاهدة. کما أن الفقیه ماکنیر (Lord Macnir ) یدافع عن هذه الفکرة بقوله" لما تکون المعاهدة لا تحتوی على أی نص یحدد مدتها، فیمکن الافتراض بأنها عقدت بسبب ظروف معینة کانت قائمة وقت انعقادها، فأی تغییر أساسی أو جوهری لهذه الظروف یمکن أن یؤدی إلى حل المعاهدة".
ولکن هل یجوز إنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها من جانب واحد، أی من جانب الطرف الذی یستند إلى النظریة، دون الاتفاق مع الطرف أو الأطراف الأخرى أو دون الرجوع إلیهم، یرى بعض الفقهاء أن أی تغییر فی الظروف یعطی حقاً لأی طرف فی معاهدة أصابه الضرر أن ینهی المعاهدة أو ینسحب منها بعمل انفرادی على أساس القاعدة القانونیة التی تقضی بأنه إذا بطل السبب بطل الأثر، ولکن هذا الرأی فیه مغالاة وموضع انتقاد، إذ إن الانسحاب من المعاهدة بعمل انفرادی دون الرجوع إلى الأطراف فیها من الخطورة بمکان، لأن ذلک یعطی للدول التی ترغب فی التنصل من التزاماتها مجالاً واسعاً لتحقیق ذلک، وتتخذ من فکرة تغیر الظروف حجة لتحقیق أطماعها ونکثها لتعهداتها، لذا فإن منتقدی هذه الفکرة یرون أن تطبیق نظریة تغیر الظروف یجب أن یکون مقروناً عند التطبیق بقیود وضمانات کافیة لصیانة العلاقات الدولیة من العبث والفوضى، فلا یجوز للدولة الطرف فی معاهدة أن تنفرد بالانسحاب من المعاهدة بحجة تغیر الظروف، وإنما على الدولة أن تتصل أولاً بالدول الأطراف فی تلک المعاهدة حتى یتم تعدیلها أو إنهاؤها أو الانسحاب منها باتفاق الجمیع، وبذلک تصان حرمة المعاهدات وتصان العلاقات الدولیة من الانتهاک والفوضى، فإذا لم تقرها الأطراف الأخرى فی المعاهدة على رأیها بالانسحاب أو التعدیل أو الإنهاء ولم یتوصل إلى اتفاق مقبول من الجمیع، وجب حل الخلاف بإحدى الطرق المقررة لحل المنازعات الدولیة حلاً سلمیاً، کعرض الخلاف على التحکیم أو على القضاء الدولی.
والواقع أن اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات لسنة 1969 قد أفردت نص المادة (65) لبیان الإجراءات الواجب إتباعها حال الدفع بقاعدة تغییر الظروف إذ نصت على أنه "1. على الطرف الذی یستند إلى عیب فی ارتضائه الالتزام بمعاهدة کأساس للطعن فی صحتها أو إنهائها أو الانسحاب منها أو إیقاف العمل بها وفقاً لأحکام هذه الاتفاقیة أن یبلغ الأطراف الأخرى بدعواه، ویجب أن یوضح فی الإبلاغ الإجراء المقترح اتخاذه بالنسبة إلى المعاهدة وأسباب ذلک.
2. إذا مضت فترة لا تقل - إلا فی حالات الاستعجال القصوى - عن ثلاثة شهور من استلام الإبلاغ دون أن یصدر أی اعتراض من أی طرف آخر، یکون للطرف صاحب الإبلاغ أن یقوم بالإجراء الذی اقترحه بالطریقة المنصوص علیها فی المادة 67.
3. أما إذا صدر اعتراض من أی طرف آخر فإن على الأطراف أن ینشدوا حلاً عن طریق الوسائل المبینة فی المادة 33 من میثاق الأمم المتحدة".
المبحث الثانی
مدى جواز الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی وشروطه وتطبیقاته
الأصل وفقاً لمبادئ القانون الدولی عدم جواز الانسحاب من المعاهدات الدولیة، فلا تستطیع دولة أن تعفی نفسها من التزاماتها التعاهدیة متى شعرت بالرغبة فی ذلک، ولا شک فی أن هذا المبدأ العام الذی یحکم المعاهدات الدولیة ینطبق من باب أولى على المعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی التی تتسم بطابعها العالمی، وهو المبدأ الذی یعنی ضرورة انضمام دول العالم کافة إلیها لأنها لا یمکن أن تحقق أهدافها والأغراض التی أنشئت من أجلها إلا بانضمام جمیع الدول إلیها، فبقاء دولة أو عدة دول خارجها سوف یفرغها من مضمونها ومحتواها. وعلى الرغم من عالمیة هذه المعاهدات إلا أن هذا لا یعنی أن الانضمام إلیها إجباری، إذ إنها تخضع کغیرها من المعاهدات الدولیة لشروط صحة الانعقاد والتی منها سلامة الرضا من العیوب. والواقع أن أغلب المعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی تنص على جواز الانسحاب منها، وذلک لاستقطاب أکبر عدد من الدول على الانضمام إلیها، إذ یجذبها حق الانسحاب إلى الانضمام، حیث تملک الدول الأطراف الحریة فی الانسحاب متى رأت أن المعاهدة لا تلبی احتیاجات أمنها القومی وتهدد مصالحها العلیا، وانطلاقاً مما تقدم فإننا سنتناول مدى جواز الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی وشروطه على وفق ثلاثة مطالب، نبحث فی المطلب الأول منها مدى جواز الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی، ونتناول فی المطلب الثانی شروط الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی، ونتطرق فی المطلب الثالث إلى التطبیقات المعاصرة للانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی:
المطلب الأول
مدى جواز الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی
تتسم المعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی بطابعها العالمی فی أغلبها لأنها مفتوحة العضویة أمام جمیع الدول دون استثناء ودون قید أو شرط، وتحرص هذه المعاهدات على مبدأ العالمیة لأنها لا یمکن أن تحقق أهدافها والأغراض التی أنشئت من أجلها إلا بانضمام جمیع الدول إلیها، فبقاء دولة أو عدة دول خارجها سوف یفرغها من مضمونها ومحتواها، لأن الخارجین عنها سوف یخربون النظام القانونی الذی تحاول معاهدات منع الانتشار النووی تشییده لمنع التسابق النووی، إذ إن حیازة أی دولة للسلاح النووی سوف تحفز غیرها من الدول على حیازته بدعوى أنها ترغب فی اقتناء الرادع النووی، باعتباره الوسیلة المثلى لتحقیق أمنها القومی وتمکینها من الدفاع عن نفسها ضد أی تهدید نووی یمکن أن تتعرض له من جانب الدول الحائزة لتلک الأسلحة، إذ أن هناک علاقة وثیقة بین الشعور بعدم الأمن والسعی للوصول إلى حیازة الأسلحة النوویة، حیث أن الدولة التی تعتقد بأنها مهددة لأی سبب من الأسباب وتعتقد أنها بحیازتها للأسلحة النوویة سوف تصبح أکثر استقراراً فإنها لن تألو جهداً للوصول إلى هذه الغایة، وهذا ما یمکن ملاحظته على دول کثیرة کما هو الشأن بالنسبة لکوریا الشمالیة، ولذلک تسعى المعاهدات الخاصة بمنع الانتشار النووی إلى أن تضم إلیها الدول أعضاء المجتمع الدولی کافة، حتى تضمن تحقیق الأهداف المتوخاة من إبرامها، وهی السیطرة على الاستخدامات العسکریة للطاقة النوویة، ومنع انتشار الأسلحة النوویة، وحصره فی أقل عدد ممکن من الدول، وهذا لا یتحقق إلا بانخراط الدول فی اتفاقیات دولیة ملزمة تفرض علیها مجموعة من الالتزامات القانونیة لم یکن من الممکن فرضها علیها دون انضمامها إلى هذه المعاهدات(*).ولذلک فإن القاعدة العامة التی تنظم مسألة الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی مؤداها عدم جواز الانسحاب منها ما لم یوجد نص خاص یقرر ذلک صراحةً، لأنه لا یجوز للدولة التحلل من التزاماتها الدولیة بإرادتها المنفردة وذلک لما لهذه المعاهدات من أهمیة خاصة باعتبارها تنظم موضوعات ذات أهمیة خاصة، ومن شأن الإخلال بها تهدید السلم والأمن الدولیین، لأن الانسحاب من شأنه إطلاق سباق التسلح النووی وهو ما من شأنه أن یجلب الدمار والفوضى للإنسانیة جمعاء. وعلى ذلک فإن السؤال الذی یطرح نفسه هنا هو: هل یجوز للدول الأطراف فی معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی الانسحاب من تلک المعاهدات؟.
والواقع أن الباحثین قد اختلفوا فی الإجابة عن هذا السؤال إلى اتجاهین: یذهب أنصار الاتجاه الأول إلى الإقرار بحق الدول الأطراف فی معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی فی الانسحاب من تلک المعاهدات سواء کان هناک نص یجیز الانسحاب أو لم یوجد. ویستند أنصار هذا الاتجاه إلى العدید من الحجج لتبریر وجهة نظرهم، منها أن مبدأ السیادة یخول الدول الأطراف فی تلک المعاهدات أن تعلن متى شاءت انسحابها من عضویة أی معاهدة تکون طرفاً فیها، فالدولة سیدة نفسها والقول بغیر ذلک یعنی انتقاصاً ومساساً بسیادة الدولة. ویضیف أنصار هذا الاتجاه لتبریر وجهة نظرهم أن العضویة فی المعاهدات الدولیة هی عضویة اختیاریة، فکما أن قبول الدولة کطرف فی المعاهدة یکون بمبادرة منها، فکذلک یجوز لها إنهاء التزاماتها فی المعاهدة بإرادتها لأن من کان له حق الانضمام یکون له حق الانسحاب، کما أنه یمکن أن توجد دول ترفض الانضمام للمعاهدة وتبقى خارجة عن إطارها، حتى لو کانت تلک المعاهدات تسعى لتحقیق أهداف خطیرة على السلم والأمن الدولیین کمعاهدات منع الانتشار النووی، وعلى ذلک فلیس من العدالة أن تجبر الدول التی وافقت على الانضمام إلى المعاهدة على البقاء فیها، فلا یجوز أن یکون من أنضم فی وضع أسوأ ممن امتنع عن الانضمام. ویمکننا القول أن هذا الرأی فیه مغالاة کبیرة وموضع انتقاد، فإذا کان الانسحاب أمر جائز بالنسبة للمعاهدات التی تنص صراحةً على إمکانیة الانسحاب منها وفقاً لشروط محددة بنص المعاهدة، فإنه لا یمکن تبریر الانسحاب بالنسبة للمعاهدات التی تخلو من نص یجیزه، إذ أن الانسحاب من المعاهدة بعمل انفرادی دون الرجوع إلى بقیة الأطراف فی المعاهدة فیه من الخطورة بمکان، لأن ذلک یعطی للدول التی ترغب فی التنصل من التزاماتها مجالاً واسعاً لتحقیق ذلک، ولا یخفى ما فی هذا التصرف الانفرادی من خطر على العلاقات الدولیة، إذ یؤدی إلى شیوع الفوضى ویعرض الثقة والأمن القانونی وهما حجر الزاویة فی أیة علاقة اتفاقیة للخطر.
أما الاتجاه الثانی فیذهب أنصاره إلى القول بعدم جواز الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی إلا إذا وجد نص واضح و صریح فی المعاهدة یجیز ذلک الانسحاب، وذلک استناداً إلى المبادئ العامة المستقرة فی القانون الدولی والتی یستفاد منها أن الدولة لا تستطیع أن تعفی نفسها من التزاماتها التعهدیة متى شعرت بالرغبة فی ذلک.
ویتضح لنا من خلال ما تقدم أن کلا الاتجاهین السابقین یتفقان على جواز الانسحاب من معاهدات منع الانتشار النووی فی حالة وجود نص فی المعاهدة الدولیة یجیز الانسحاب، ولکنهما یختلفان فی مسألة واحدة وهی حالة خلو المعاهدة من نص یجیز الانسحاب، فبینما یذهب أنصار الاتجاه الأول إلى جواز الانسحاب حتى فی حالة غیاب النص على جواز الانسحاب، فإن أنصار الاتجاه الثانی یحظرون إمکانیة الانسحاب فی حالة غیاب النص الواضح والصریح على جواز الانسحاب.
والسؤال الذی یطرح نفسه هنا هو: هل یسری حکم القواعد الخاصة بالانسحاب من المعاهدات الدولیة بصورة عامة على المعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی، بمعنى آخر هل یجوز الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووی فی حالة وجود نص یسمح بذلک؟.
وإذا ما أردنا الإجابة عن هذا السؤال وفقاً للقواعد العامة، فإنه من البدیهی أن یقال أن (العقد شریعة المتعاقدین)، وبالتالی یجب انطباق المعاهدة برمتها بنصوصها کافة بما فیها النص الذی یسمح لأحد الطرفین فیها بالانسحاب منها، ولا یجوز إجبار الدولة على البقاء فی معاهدة تم الاتفاق فیها منذ البدایة على جواز الانسحاب منها، فالمتعاقد عبد تعاقده ولا یلتزم بأکثر مما التزمت به إرادته.
ولکن إذا سلمنا بصحة هذا القول البدیهی، فهل یستقیم ذلک مع المعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی والتی یترتب على الانسحاب منها إطلاق سباق التسلح النووی، وزیادة عدد الدول الحائزة للأسلحة النوویة، وهو ما من شأنه أن یؤدی إلى تدمیر العالم کله و لیس فقط تهدید السلم والأمن الدولیین. فقد أثبتت التجارب المریرة لإلقاء القنابل النوویة على هیروشیما وناکازاکی عام 1945، والتسرب الإشعاعی لمفاعل تشیرنوبل فی الاتحاد السوفیتی(السابق) عام 1987 أن لهما أثاراً خطیرة على البیئة، حیث أدى ذلک إلى تلویث البیئة وإلى تأثیرات کبیرة وخطیرة على الکائنات الحیة فضلاً عن الأضرار البالغة التی لحقت بالمحاصیل الزراعیة. ولذلک نرى أن المعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی هی معاهدات ذات طبیعة خاصة، وذلک لما لهذه المعاهدات من أهمیةٍ خاصة، ومن شأن الإخلال بها التهدید المباشر للسلم والأمن الدولیین، کما أن هذه المعاهدات تحرص على مبدأ العالمیة لأنها لا یمکن أن تحقق أهدافها والأغراض التی أبرمت من أجلها إلا بانضمام جمیع الدول إلیها، ولا سیما الدول ذات الأنشطة النوویة وعدم انسحاب أیٍ منها من عضویتها، لأن انسحاب إحداها کفیل بإطلاق سباق التسلح النووی وهو ما یمثل تهدیداً خطیراً للسلم والأمن الدولیین، ولذلک فإن الهدف النهائی للمجتمع الدولی یجب أن یتمثل بالعمل على نزع الأسلحة النوویة ولیس فقط منع انتشارها وضمان احتکار حیازتها بید قلة من الدول الحائزة هی نفسها الدول الدائمة العضویة فی مجلس الأمن، وذلک استناداً للمادة السادسة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة التی تنص على أن "تتعهد کل دولة طرف من أطراف المعاهدة بمواصلة إجراء المفاوضات اللازمة بحسن نیة بشأن التدابیر الفعالة لوقف سباق التسلح النووی فی وقت قریب وبنزع السلاح النووی وبمعاهدة بشأن نزع السلاح العام والشامل فی ظل رقابة دولیة شدیدة وفعالة"، ولهذا فإن رخصة الانسحاب من هذه المعاهدات إذا ما ورد نص صریح وقطعی بها، یجب أن تستعمل فی أضیق الحدود، ولمبررات قویة، وبالتطبیق الصارم للشروط الخاصة بالانسحاب، مع مراعاة عدم الإخلال بالالتزامات والتعهدات التی تمنع انتشار الأسلحة النوویة، وعدم استغلال الانسحاب فی تقویض جهود الأمم المتحدة الرامیة إلى نزع السلاح النووی ومنع انتشاره.
المطلب الثانی
شروط الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی
أسفرت الجهود الدولیة المبذولة فی مجال منع انتشار الأسلحة النوویة عن إبرام العدید من المعاهدات الدولیة التی تعنى بقضایا الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی، وضمان استخدام الطاقة النوویة فی الأغراض السلمیة، ویلاحظ على أغلب تلک المعاهدات أنها تنص على جواز الانسحاب منها، ویرى البعض أن الدول الحائزة للأسلحة النوویة قد تعمدت النص على إمکانیة الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی، وذلک لضمان استقطاب أکبر عدد من الدول للانضمام إلیها، إذ یجذبها حق الانسحاب إلى الانضمام، ومن قبیل ذلک المادة (18_د) من النظام الأساسی للوکالة الدولیة للطاقة الذریة لعام 1957 إذ تنص على أنه "یجوز للدولة العضو أن تنسحب من الوکالة متى شاءت بعد مضی خمس سنوات على نفاذ هذا النظام وفقاً للبند (هـ) من المادة الحادیة والعشرین، أو متى وجدت نفسها غیر راغبة فی قبول تعدیل ما على هذا النظام، ویتم الانسحاب بإخطار خطی ترسله الدولة المعنیة لهذه الغایة إلى الحکومة المودع لدیها المشار إلیها فی البند (ج) من المادة الحادیة والعشرین، وتبادر الحکومة المذکورة إلى إنهاء ذلک إلى المجلس التنفیذی وإلى الدول الأعضاء جمیعاً", وکذلک تنص المادة (4) من معاهدة حظر إجراء تجارب التفجیرات النوویة فی الجو وفی الفضاء الخارجی وتحت الماء لعام 1963 على أن "1. تکون هذه المعاهدة غیر محدودة المدة.
2. لکل طرف الحق عند ممارسته سیادته الوطنیة فی الانسحاب من الاتفاقیة إذا رأى أن أحداثاً غیر عادیة، تتعلق بموضوع المعاهدة عرضت للخطر المصالح العلیا لبلده، وعلیه أن یقدم إشعاراً بهذا الانسحاب قبل ثلاثة أشهر إلى کل الأطراف الأخرى فی المعاهدة"(*). وتنص المادة (30) من المعاهدة الدولیة لتحریم الأسلحة النوویة فی أمریکا اللاتینیة على أن "لهذه المعاهدة صفة الدوام وتبقى ساریة باستمرار، ولکن یحق لأی طرف فیها الانسحاب منها بإعلان ذلک إلى الأمین العام للوکالة إذا ما رأى الطرف المنسحب حسب رأیه أن هناک ظروفاً قائمة أو قد تقوم، تتعلق بالمعاهدة أو البروتوکولات (1)، (2) تؤثر على المصالح العلیا أو على سلامة أو على أمن طرف أو أکثر من الأطراف المتعاقدة". وکذلک تنص المادة (10) من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة لعام 1968 على حق الانسحاب بقولها "على أنه ممارسة لحق السیادة الوطنی یحق لکل دولة طرف فی المعاهدة الانسحاب منها إذا ما قررت أن أحوالاً وظروفاً استثنائیة متعلقة بموضوع المعاهدة قد مست المصالح العلیا لهذه الدولة، وفی هذه الحالة تقوم الدولة الراغبة فی الانسحاب بإخطار جمیع الدول الأطراف فی المعاهدة وکذلک مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بقرارها هذا قبل ثلاثة شهور من الانسحاب، ویجب أن یتضمن الإخطار بالانسحاب بیاناً بالأحوال الاستثنائیة التی اعتبرتها الدولة أنها تمس مصالحها العلیا". کما تنص المادة (9) من معاهدة الحظر الشامل للتجارب النوویة لعام 1996 على أنه "لکل دولة طرف الحق فی الانسحاب إذا ما قررت أن أحوالاً استثنائیة متعلقة بموضوع المعاهدة قد مست المصالح العلیا لها، وهذا الحق جزء من ممارستها لسیادتها الوطنیة ویجب على الدولة الراغبة بالانسحاب أن تقوم بإخطار الدول الأطراف جمیعاً والمجلس التنفیذی والودیع ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على أن یتضمن الانسحاب بیاناً بالأحوال الاستثنائیة التی ترى الدولة الراغبة بالانسحاب أنها تمس مصالحها العلیا".
وهکذا یتضح لنا من خلال مطالعة نصوص العدید من المعاهدات الدولیة الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی والتی تنظم حق الانسحاب منها، أنها ترتکز على مجموعة من الشروط الواجب توافرها لکی تتمکن الدولة الراغبة بالانسحاب من التحلل من التزاماتها القانونیة المقررة بموجب المعاهدة، ویمکننا تلخیص تلک الشروط بما یأتی(*):
الفرع الأول
أن تکون هناک أحداثاً استثنائیة تضر بالمصالح العلیا للدولة الراغبة فی الانسحاب
نصت على هذا الشرط أغلب المعاهدات الخاصة بمنع الانتشار النووی، ولم توضح المعاهدات التی تناولت هذا الشرط المقصود بمصطلح (الأحداث غیر العادیة) أو (الظروف الاستثنائیة)، ویمکننا القول إن النص بصیاغته المذکورة آنفاً واضح فی أن التقییم والقرار اللاحق بشأن وجود أحداث غیر عادیة أو ظروف استثنائیة یعود بشکل حصری إلى الدولة التی تلجأ إلى ذلک الحکم، أی إلى الدولة الراغبة بالانسحاب وهذا ما یعطی الشرط سمة ((ذاتیة)) بوضوح.
ویمکننا القول إن المقصود بالظرف الاستثنائی أو الحادث غیر العادی هو ذلک الحدث أو الواقعة الطارئة التی لم تکن فی حسبان مبرمی المعاهدة، ولو کانت فی حسبانهم لتغیر مجرى أطراف المعاهدة ونصوصها، أو لما أقدمت تلک الدولة على الانضمام إلیها، ولهذا تتسم هذه الأحداث بعنصر المفاجئة وعدم التوقع وقت انضمام الدولة للمعاهدة. ومن أمثلة هذه الظروف الاستثنائیة أو الأحداث غیر العادیة قیام دولة ما سواء کانت طرفاً فی المعاهدة أو لم تکن طرفاً فیها بالانتهاک الصارخ لأحکام المعاهدة، کقیامها بإجراء تجارب نوویة جدیدة بالمخالفة لمعاهدة حظر التجارب النوویة، أو قیام دولة بتسریب التکنولوجیا النوویة العسکریة لدولة أخرى معادیة لها، أو دخول دول جدیدة فی حیازة الأسلحة النوویة لم تکن کذلک من قبل وترفض الانضمام إلى المعاهدات الخاصة بمنع الانتشار النووی، أو قیام دولة غریمة لها بتطویر وتحدیث أسلحتها النوویة.
ویشترط أن تکون هذه الأحداث غیر العادیة أو الظروف الاستثنائیة ذات صلة بموضوع المعاهدة، أی تتعلق بأهدافها ومبادئها والحقوق والالتزامات الواردة فیها. وفی محاولة التعرف على الأحداث غیر العادیة التی تتعلق بموضوع المعاهدة کمعاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة، فإنه ینبغی علینا أن نضع أمام أعیننا أن الالتزام الأساسی الذی تفرضه معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة هو التزام بالامتناع عن حیازة الأسلحة النوویة، أو السیطرة علیها مع الخضوع لضمانات الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، وبالتالی فإن الأثر القانونی المباشر للانسحاب من المعاهدة هو عدم خضوع الدولة للالتزام بالخضوع للضمانات المقررة ومنها تفتیش المنشآت النوویة، وتقدیم الدول لبیانات عن استخدامها للمواد الانشطاریة التی حصلت علیها، وهو الأمر الذی یعنی من الناحیة الواقعیة سعی الدولة إلى إنتاج وحیازة الأسلحة النوویة. ومما سبق یمکننا القول أن ما یبرر عدول الدولة عن التزاماتها بالامتناع عن السعی للحصول على الأسلحة النوویة، هو تعرض أمنها القومی للخطر نتیجة حیازة دولة أخرى للأسلحة النوویة. وهنا یثور التساؤل حول ما إذا کان إعلان "إسرائیل" صراحةً عن حیازتها للأسلحة النوویة، وتخلیها عن سیاسة الغموض النووی یبرر من الناحیة القانونیة انسحاب الدول العربیة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة.
من الناحیة القانونیة فإن من حق الدول العربیة أن تنسحب من المعاهدة إذا ما جدت أحداث تتعلق بعدم الانتشار النووی تتعارض مع مصالح الدول العربیة العلیا، وهو الأمر الذی یتحقق بلا شک إذا ما أعلنت "إسرائیل" عن حیازتها للأسلحة النوویة، ویلاحظ فی هذا الصدد أن النص یستخدم عبارة(In exercising its national sovereignty) ، أی یخضع الانسحاب من المعاهدة لممارسة الدولة لسیادتها وذلک إقرار بالمبدأ القانونی المعروف مبدأ (رضائیة المعاهدات)، وکذلک عبارة إذا قررت (If it decides)، وهو ما یقطع بخضوع تقدیر مدى تعارض هذه الأحداث غیر العادیة أو الاستثنائیة للدولة المعنیة، مع ملاحظة أن هذه الأحداث قد وصفتها المعاهدة بأنها أحداث استثنائیة Extraordinary)) .
ویشترط کذلک أن تضر هذه الأحداث غیر العادیة أو الظروف الاستثنائیة بالمصالح العلیا للدولة وأمنها القومی، ویتضح لنا أن هذه المعاهدات تستخدم مصطلحات مرنة، فتعبیرات (المصالح العلیا) و (الأمن القومی) ذات مضمون واسع، ومن السهل على أی دولة الاستناد إلیها وتبریر انسحابها، وخاصةً أن الذی یحدد توافر المصلحة العلیا للدولة من عدمه هو رؤیة الدولة نفسها الراغبة فی الانسحاب، کما أنها هی ذاتها التی تقرر أضرار هذه الأحداث بأمنها القومی، ولاشک أن هذا یعطی للدولة سلطة کبیرة فی تقریر الانسحاب، ولا سیما أن تعبیر المصالح العلیا یتسم بالمرونة الشدیدة وتستطیع الدول الاستناد إلیها دائماً وتنسحب بذریعة تهدید أی حدث أیاً کانت قیمته لمصالحها العلیا، ویرى البعض أن هذه المرونة أرادتها کل من الولایات المتحدة والاتحاد السوفیتی(السابق) لتشجیع الدول على الإقبال للانضمام إلى تلک المعاهدات.
الفرع الثانی
إخطار جمیع الدول الأطراف بالمعاهدة وکذلک مجلس الأمن الدولی بالانسحاب
لا شک أن الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی هو أمر یمثل خطورة بالغة على السلم والأمن الدولیین، ومن شأنه التأثیر فی موقف کل طرف من المعاهدة، ویدفعه إلى مراجعة وضعه فیها، إذ إن انسحاب دولة ما من هذه المعاهدات کفیل بإطلاق سباق التسلح النووی، حیث تتحرر الدولة المنسحبة من القیود والضوابط التی تفرضها علیها هذه المعاهدات فلا تخضع للرقابة أو التفتیش، وهذا ما من شأنه أن یغری بقیة الدول الأطراف فی الانسحاب، حتى لا تسمح للدولة المنسحبة بإحراز تفوق نووی علیها یؤدی إلى الإخلال بموازین القوى فیما بینها، ولأجل هذه الخطورة المترتبة على الانسحاب من معاهدات منع الانتشار النووی تستلزم النصوص القانونیة الواردة فی هذه المعاهدات وجوب إخطار الدول الأطراف کافة، وکذلک إخطار مجلس الأمن الدولی باعتباره الجهاز المختص بالمحافظة على السلم والأمن الدولیین، والغرض من إخطار مجلس الأمن هو إیجاد نوع من الضمان والتروی حتى لا یکون هناک تسرع فی الانسحاب، ومن الواضح أن إخطار مجلس الأمن بالانسحاب یعنی أن هناک ظروفاً تؤثر بکل تأکید فی السلم والأمن الدولیین، وأن على مجلس الأمن أن یعمل على توضیح وإزالة سوء التفاهم عن طریق إجراء تحریات کافیة إذا ما لزم الأمر، وکذلک فإن مجلس الأمن یستطیع أن یتخذ إجراءات حاسمة لمنع تدهور الموقف أو التقلیل من شأن المعاهدة، إذ إن الانسحاب من هذه المعاهدات لا یمکن تفسیره فی أغلب الأحوال إلا على أساس أن الدولة المنسحبة ستقدم على العمل من أجل حیازة الأسلحة النوویة.
ویمکن أن تتدرج ردود فعل مجلس الأمن بین عدة إجراءات تتراوح بین قیامه بدور الوساطة عن طریق إصدار توصیة بإرسال مبعوث من الأمم المتحدة یتفاوض مع الدولة الراغبة فی الانسحاب، ویتباحث معها فی مبررات انسحابها، ویستوضحها عن فحوى الحوادث الاستثنائیة المؤثرة فی مصالحها العلیا وأمنها القومی وتجعلها ترغب فی الانسحاب، کما أن مجلس الأمن قد یقرر تدابیر أشد ضراوةً ومنها توقیع عقوبات اقتصادیة أو سیاسیة أو حتى عسکریة، إذا ما وجد أن الدولة الراغبة فی الانسحاب تعسفت فی استعمال حقها فی الانسحاب للتخلص من التزاماتها القانونیة المقررة بموجب تلک المعاهدات، وعلى الرغم من أن نصوص المعاهدات الخاصة بمنع الانتشار النووی لم تقل بتلک السلطة لمجلس الأمن إلا أن ذلک مستفاد من السلطات والوظائف المخولة لمجلس الأمن باعتباره الجهاز الساهر على حمایة وحفظ السلم والأمن الدولیین.
الفرع الثالث
مضی مدة زمنیة قبل الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی
تشترط المعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی مرور مدة زمنیة قبل نفاذ قرار الانسحاب منها، والغایة من ذلک إتاحة الفرصة للدولة الراغبة فی الانسحاب بالعدول عن قرارها، فربما تقتنع أو یقنعها غیرها بالبقاء فی المعاهدة وعدم الانسحاب، وقد نصت على هذا الشرط العدید من المعاهدات النوویة منها المادة (30_2) من معاهدة تحریم الأسلحة النوویة فی أمریکا اللاتینیة لعام 1967 حیث نصت على أنه " یتحقق الانسحاب بعد مرور ثلاثة أشهر من وصول الإعلان إلى الأمین العام فی حکومة الطرف المتعاقد المنسحب..."، وکذلک المادة (10) من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة لعام 1968 حیث نصت "... تقوم الدولة الراغبة بالانسحاب بإخطار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بقرارها هذا قبل ثلاثة شهور من الانسحاب..."، ویلاحظ على هذه المعاهدات أنه رغم خطورتها کونها تنظم أموراً تتعلق بالأسلحة النوویة، إلا أنها تساهلت إلى حد کبیر فی شرط مضی مدة زمنیة معقولة قبل نفاذ الانسحاب، فمدة الثلاثة أشهر المنصوص علیها فی أغلب المعاهدات المتعلقة بالحد من حیازة الأسلحة ومن الانتشار النووی هی مدة صغیرة إلى حد کبیر وتخالف حکم القاعدة العامة الواردة فی المادة (56_2) فی اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات لعام 1969 التی تقدر هذه المدة باثنی عشر شهراً على الأقل حیث تنص "على الطرف الراغب فی نقض المعاهدة أو الانسحاب منها عملاً بالفقرة (أ) أن یفصح عن نیته هذه بإخطار مدته اثنی عشر شهراً على الأقل". ولعل السبب فی قصر المدة الواردة فی هذه المعاهدات التی تجعل الانسحاب منها شبه فوری رغم أهمیة موضوعها والخطورة التی تنجم عن الانسحاب منها، هو أن واضعی هذه المعاهدات أرادوا جذب الدول ذات الأنشطة النوویة إلى الانضمام لتلک المعاهدات، باعتبارها لا تشکل عبئاً ثقیلاً على أمنها القومی ومصالحها العلیا إذا ما تعرضت لخطر وجود حوادث غیر عادیة أو استثنائیة ذات صلة بموضوع المعاهدة، فهی تستطیع بعد مضی ثلاثة أشهر من إعلان انسحابها تنفیذ هذا الانسحاب بالفعل، وبالتالی السرعة فی مجابهة الحوادث غیر العادیة أو الاستثنائیة، ووقف المخاطر التی تهدد مصالحها العلیا.
المطلب الثالث
التطبیقات المعاصرة للانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی
لجأت العدید من الدول الأطراف فی معاهدات خاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی إلى الانسحاب من عضویة تلک المعاهدات بداعی توافر الأحوال غیر العادیة أو الظروف الاستثنائیة التی تبرر لجوئها إلى إعمال النصوص الخاصة بالانسحاب، وانطلاقاً مما تقدم فإننا سنتناول التطبیقات المعاصرة للانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی على وفق فرعین، نتناول فی الفرع الأول منهما انسحاب کوریا الشمالیة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة، ونتطرق فی الفرع الثانی إلى انسحاب الولایات المتحدة الأمریکیة من معاهدة حظر حیازة الصواریخ المضادة للصواریخ البالستیة:
الفرع الأول
انسحاب کوریا الشمالیة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة
یعتبر انسحاب کوریا الشمالیة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة من أبرز التطبیقات المعاصرة للانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی، فقد انضمت کوریا الشمالیة إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة بتاریخ 12 کانون الأول/1985 بصفتها دولة غیر حائزة للأسلحة النوویة، وفی سنة 1992 أبرمت کوریا الشمالیة والوکالة الدولیة للطاقة الذریة اتفاقیة تدابیر وقائیة شاملة بموجب المادة (3) من معاهدة منع الانتشار النووی، ودخلت حیز النفاذ فی 10نیسان/1992، وباشرت الوکالة الدولیة للطاقة الذریة عملیات التفتیش، وفی السنة نفسها وقعت الکوریتان الشمالیة والجنوبیة على إعلان مشترک حول نزع السلاح النووی من شبه الجزیرة الکوریة، حیث وافق الطرفان على الامتناع عن تطویر الأسلحة النوویة واختبارها أو حیازتها، وعلى عدم امتلاک منشآت لإعادة معالجة المواد النوویة أو إثراء الیورانیوم.
ولم یمض وقت طویل حتى کشفت عملیات التفتیش التی تقوم بها الوکالة الدولیة للطاقة الذریة أنه لا بد أن کوریا الشمالیة أنتجت کمیة من البلوتونیوم تفوق تلک التی أعلنت عنها، وفی 9 شباط /1993 لجأ المدیر العام للوکالة الدولیة للطاقة الذریة إلى إجراء التفتیش الخاص، إلا أن کوریا الشمالیة رفضت السماح بإجراء التفتیش، وفی 12 آذار/1993 أصدرت الحکومة الکوریة الشمالیة بیاناً أعلنت فیه عن نیتها فی الانسحاب من المعاهدة، واستندت الحکومة الکوریة الشمالیة لتبریر عزمها على الانسحاب من المعاهدة إلى وجود حدثین غیر عادیین: الأول هو قرار کوریا الجنوبیة والولایات المتحدة إجراء تدریبات عسکریة باسم ((روح الفریق)) فی سنة 1993، والثانی قرار الوکالة الدولیة للطاقة الذریة بطلب التفتیش الخاص الذی رأت أنه عبء جدید وضعته المنظمة الدولیة خصیصاً لها.
وفی 11 أیار /1993 تبنى مجلس الأمن الدولی القرار رقم (823) ویتعلق بقرار الحکومة الکوریة الشمالیة الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة، وقد عبر مجلس الأمن عن قلقه بشأن نیة کوریا الشمالیة الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووی، واطلع على بیان الحکومات المودعة لدیها المعاهدة، ودعا کوریا الشمالیة إلى إعادة النظر فی إعلانها الوارد فی رسالة 12 آذار /1993 وبالتالی إعادة التأکید على التزامها بالمعاهدة.
وکانت فترة الأشهر الثلاثة ستنتهی فی 12حزیران/1993، وفی أوائل حزیران عقدت محادثات ثنائیة بین کوریا الشمالیة والولایات المتحدة فی نیویورک، وفی 11 حزیران صدر بیان أعلن فیه أن حکومة کوریا الشمالیة قررت من جانب واحد أن تعلق تنفیذ انسحابها من معاهدة منع الانتشار النووی طوال المدة التی تراها ضروریة، وتم تعلیق الانسحاب قبل یوم واحد من سریان مفعوله.
وبعد مفاوضات جرت بین الولایات المتحدة وکوریا الشمالیة، تم التوصل إلى إطار عمل متفق علیه فی 12 تشرین الأول /1994، وبموجب هذه الوثیقة أکدت کوریا الشمالیة بأنها ستجمد برنامجها النووی القائم، وتسمح بقیام الوکالة الدولیة للطاقة الذریة بعملیات التفتیش، وتم التأکید على نیة الحکومة الکوریة الشمالیة البقاء طرفاً فی معاهدة منع الانتشار النووی. غیر أن الولایات المتحدة وکوریا الشمالیة اتفقتا على أن الأخیرة لن تمتثل بشکل تام لاتفاقیة الضمانات إلا بعد اکتمال جزء کبیر من مفاعل الماء الخفیف، وقد منح الإطار المتفق علیه کوریا الشمالیة (وضعاً فریداً)، حیث تعتبر نفسها غیر ملزمة بالتطبیق الکامل لاتفاقیة الضمانات رغم بقائها طرفاً فی معاهدة منع الانتشار النووی. وبحسب الإطار المتفق علیه مع الولایات المتحدة تم إغلاق مفاعل الخمسة میغاواط الکوری الشمالی، ومصنع إعادة معالجة الوقود والمنشآت التابعة له فی یونغبیون، کما توقف العمل فی بناء المفاعلین بقوة (50) میغاواط و (200) میغاواط، وراقبت الوکالة الدولیة للطاقة الذریة عملیة الإغلاق، إلا أنه لم یسمح لها بإجراء تحقیق کامل فی البرنامج النووی لکوریا الشمالیة. وبالمقابل وافقت الولایات المتحدة وکوریا الجنوبیة والیابان على إنشاء مفاعلین لإنتاج الکهرباء یعملان بالماء الخفیف بقدرة (1,000) میغاواط لا ینتجان بلوتونیوم من الدرجة الصالحة لصناعة الأسلحة النوویة، لکنه نوع من الوقود أقل خطورة، کما وافقت الولایات المتحدة على تزوید کوریا الشمالیة بنفط للوقود کبدیل للطاقة.
وفی سنة 2002 لم یعد لإطار العمل المتفق علیه أی أثر عندما تبادلت الحکومتان الأمریکیة والکوریة الشمالیة المزاعم بانتهاک الإطار، حیث أعلنت الولایات المتحدة فی 16 تشرین الأول/2002 عن اعتقادها بأن کوریا الشمالیة اعترفت بامتلاکها برنامجاً سریاً لتخصیب الیورانیوم، وفی 10 کانون الثانی /2003 أعلنت کوریا الشمالیة عن التنفیذ التلقائی والفوری لانسحابها من معاهدة منع الانتشار النووی الذی أعلنت من جانب واحد عن تجمید تنفیذه طالما کان ضروریاً وفقاً للبیان المشترک للولایات المتحدة الأمریکیة وکوریا الشمالیة فی 11 حزیران /1993، واعتبرت کوریا الشمالیة أنها متحررة من أی قوة ملزمة لاتفاقیة الضمانات الشاملة مع الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، وقامت بطرد مفتشی الوکالة الدولیة وأزالت أختام الوکالة و کامیراتها فی یونغبیون. إن موقف کوریا الشمالیة القائل بأن بوسعها إلغاء التجمید المؤقت دون إشعار جدید بالانسحاب، أو بإشعار مدته یوم واحد، مثیر للمشاکل من وجهة النظر القانونیة، فالمادة العاشرة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة لا تنص على تجمید مؤقت للإخطار بالانسحاب، وبالتالی یجب النظر إلى البیان الصادر عن جانب کوریا الشمالیة بتاریخ 10 کانون الثانی /2003 على أنه بمثابة إخطار جدید بالانسحاب، ویتطلب لسریان مفعوله مرور مدة الثلاثة أشهر، أی أن معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة لم تعد ملزمة قانوناً لکوریا الشمالیة اعتباراً من 10 نیسان / 2003، ولیس فی الیوم التالی لصدور البیان الکوری الشمالی.
الفرع الثانی
انسحاب الولایات المتحدة الأمریکیة من معاهدة حظر حیازة الصواریخ المضادة للصواریخ البالستیة
لم یکن انسحاب کوریا الشمالیة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة الحالة الوحیدة التی یتم فیها اللجوء إلى شرط الأحداث غیر العادیة کمبرر للانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی، ففی سنة 2001 لجأت الولایات المتحدة الأمریکیة إلى الشرط نفسه لإنهاء المعاهدة الثنائیة التی تربطها بروسیا الاتحادیة لحظر حیازة الصواریخ المضادة للصواریخ البالستیة، وفی 13 کانون الأول/2001 أرسلت الولایات المتحدة بیانات دبلوماسیة إلى روسیا الاتحادیة وإلى الموقعین الآخرین على مذکرة التفاهم بشأن الانضمام إلى معاهدة حظر الصواریخ المضادة للصواریخ البالستیة أی (بیلاروسیا و کازاخستان و أوکرانیا)، تعلمهم فیها بقرارها بالانسحاب من المعاهدة، طبقاً للمادة (15_2)، حیث قررت الولایات المتحدة أن أحداثاً غیر عادیة تتعلق بموضوع المعاهدة قد عرضت مصالحها العلیا للخطر، لذلک وممارسةً منها، لحقها بالانسحاب من المعاهدة بموجب المادة (15_2)، فإن الولایات المتحدة تقدم إخطاراً بانسحابها من المعاهدة، وتبعاً لأحکام المعاهدة، أصبح الانسحاب ساری المفعول بعد ستة أشهر من تاریخ الإخطار، أی فی 13 حزیران /2002، وقد قدمت الولایات المتحدة الأمریکیة التبریر التالی للجوء إلى نص الانسحاب "منذ دخلت المعاهدة حیز التنفیذ فی سنة 1972، حصلت عدة دول وکیانات من غیر الدول، أو أنها تسعى بنشاط إلى الحصول على أسلحة دمار شامل، ومن الواضح، وقد ثبت مؤخراً، أن بعض هذه الکیانات مستعدة لاستخدام هذه الأسلحة ضد الولایات المتحدة، کما أن عدداً من الدول تقوم بتطویر صواریخ بالیستیة، بما فی ذلک صواریخ بالیستیة طویلة المدى، کوسیلة لإطلاق أسلحة الدمار الشامل، وتشکل هذه الأحداث تهدیداً مباشراً على أراضی الولایات المتحدة وأمنها القومی وتعرض مصالحها العلیا للخطر، ونتیجةً لذلک، خلصت الولایات المتحدة إلى أن علیها أن تطور صواریخ مضادة للصواریخ البالستیة وتجربها وتنشرها من أجل الدفاع عن الأراضی الوطنیة وعن قواتها خارج الولایات المتحدة وعن أصدقائها وحلفائها".
ویلاحظ على البیان الأمریکی الخاص بالانسحاب من المعاهدة أنه لم یحدد بشکل واضح تلک الأحداث التی تعتبرها غیر عادیة، فهو یبدأ بتأکید عام بأن عدیداً من الدول والکیانات من غیر الدول حصلت، أو تسعى للحصول على أسلحة الدمار الشامل، کما لم یقدم إثباتاً على إمکانیة استخدام تلک الأسلحة ضد الولایات المتحدة، کما یصعب القول بأن انتشار الصواریخ البالیستیة قد وقع بالفعل، بل یمکن وصفه کما یشیر بیان الولایات المتحدة، إلى أنه تهدید على طریق التحقق، واللجوء إلى مثل هذا التهدید الناشئ کأساس للانسحاب من جانب واحد، یعنی أن الانسحاب یمکن استخدامه کتدبیر وقائی ضد حدث لم یقع بعد، إلا أنه لیس من الواضح إذا ما کان مثل هذا الاستعمال متصوراً عند صیاغة شرط الانسحاب، کما أن انتشار أسلحة الدمار الشامل والصواریخ البالستیة لا یدخل بشکل مباشر فی صلب موضوع معاهدة حظر الصواریخ المضادة للصواریخ البالستیة التی غایتها الأساسیة حظر حیازة الصواریخ المضادة للصواریخ البالستیة ووضع حدود على الدفاعات ضد الصواریخ البالستیة.
المبحث الثالث
الآثار القانونیة المترتبة على الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی
تعد المعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی، معاهدات ذات طبیعة خاصة، وذلک لما لها من أهمیة کبیرة باعتبارها تنظم موضوعات ذات خطورة خاصة، ومن شأن الإخلال بها تهدید السلم والأمن الدولیین، ولذلک یترتب على الانسحاب منها عدة آثار قانونیة سواء على صعید السلم والأمن الدولیین، أم على صعید الالتزامات التعاقدیة للدول الأطراف فی تلک المعاهدات، وانطلاقاً مما تقدم فإننا سنتناول الآثار القانونیة المترتبة على الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی على وفق مطلبین، نبحث فی المطلب الأول منهما الآثار القانونیة للانسحاب على صعید الالتزامات التعاقدیة، أما المطلب الثانی فسنبحث فیه الآثار القانونیة للانسحاب على صعید السلم والأمن الدولیین:
المطلب الأول
الآثار القانونیة للانسحاب على صعید الالتزامات التعاقدیة
یترتب على انسحاب الدولة من عضویة المعاهدات الخاصة بمنع الانتشار النووی کقاعدة عامة زوال کل ما کانت تتمتع به من حقوق بموجب عضویتها فیها، فضلاً عن تحللها من کل ما یقع على عاتقها من التزامات، فالمعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی تمنح للدول الأطراف فیها مجموعة من المزایا والحقوق بهدف استقطابها وضمها إلیها وبالتالی إخضاعها لرقابتها وإشرافها، ومثال ذلک واضح فی نظام الوکالة الدولیة للطاقة الذریة التی تجعل على رأس وظائفها الأساسیة نشر وتشجیع الاستخدامات السلمیة للطاقة الذریة، وذلک من خلال تقدیم الخبراء والمعدات والمواد الخام فضلاً عن المساهمة فی بناء المنشآت النوویة بغرض تعمیم استخدام التکنولوجیا النوویة وإتاحة الاستفادة منها لکل من یطلبها من الدول الأعضاء، ولتحقیق ذلک تختص الوکالة الدولیة للطاقة الذریة بالآتی:
أ. تقوم بتشجیع ومساعدة أبحاث استخدام الطاقة الذریة فی الأغراض السلمیة، وتنمیة هذا الاستخدام وتطبیقه عملیاً فی جمیع أنحاء العالم.
ب. ومن أجل تیسیر التعاون الدولی تقوم الوکالة بدور الوسیط إذا طلب منها ذلک، لضمان تنفیذ الخدمات أو تورید المواد أو المعدات أو التسهیلات المقدمة من دولة عضو فی الوکالة إلى دولة أخرى.
ج. کما تقوم الوکالة بتوفیر المواد والخدمات والمعدات والتسهیلات لمواجهة احتیاجات أبحاث استخدام الطاقة الذریة فی الأغراض السلمیة ولتنمیة هذا الاستخدام وتطبیقه عملیاً بما یتضمن إنتاج الطاقة الکهربائیة مع مراعاة احتیاجات المناطق المتخلفة فی العالم.
د. وتقوم الوکالة بتشجیع تبادل المعلومات العلمیة والفنیة الخاصة باستخدام الطاقة الذریة فی الأغراض السلمیة، وفی سبیل ذلک تقوم الوکالة بتلقی ما تقدمه الدول الأعضاء من معلومات وتضعها تحت تصرف أعضائها فی صورة سهلة میسورة.
هـ. أخیراً تقوم الوکالة بتشجیع تبادل العلماء والخبراء وتدربهم فی حقل الاستخدامات السلمیة للطاقة النوویة.
أما فیما یتعلق بالحق بالاستخدام السلمی للطاقة النوویة وفقاً لنصوص معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة فهو ثابت ومؤکد، بل أنه تلا فی الأهمیة موضوع حظر الانتشار النووی، فقد أکدت المعاهدة فی دیباجتها المبدأ القاضی بأن تتاح للأغراض السلمیة لجمیع الدول الأطراف فی المعاهدة فوائد التطبیقات السلمیة للتکنولوجیا النوویة، وضرورة اشتراک جمیع الدول الأطراف فی هذا المجال، کما أکدت حق جمیع الدول الأطراف فی تنمیة أبحاث الطاقة النوویة وإنتاجها واستخدامها للأغراض السلمیة دون تمییز. وفی الفقرة الثانیة من المادة الرابعة نصت المعاهدة على حق الدول الأطراف فی تبادل المعلومات العلمیة والتکنولوجیة من أجل استخدام الطاقة النوویة للأغراض السلمیة، کما ألزمت الدول القادرة بالإسهام استقلالاً أو بالاشتراک مع الدول الأخرى والمنظمات الدولیة فی زیادة تنمیة تطبیقات الطاقة النوویة للأغراض السلمیة، وألزمت المادة الخامسة منها الدول الأطراف بالتعاون من أجل تأمین فوائد أی تطبیقات سلمیة للتفجیرات النوویة للدول غیر الحائزة للأسلحة النوویة.
وعلى ذلک فإنه یقع على عاتق الوکالة الدولیة للطاقة الذریة والدول الحائزة للأسلحة النوویة التزاماً أساسیاً بوجوب مساعدة الدول الأخرى فی الاستخدام السلمی للتکنولوجیا النوویة، وأن هذا الالتزام یعد أدائه بمثابة حق، ویحق لتلک الدول المطالبة به باعتبار أن ذلک هو هدف انضمامها إلى تلک المعاهدات، ولا یجوز للوکالة التنصل من أداء هذه المطالب والحقوق، لأن ذلک یهدم الوظائف الأساسیة التی قامت الوکالة الدولیة للطاقة الذریة من أجلها، کما أن التزام الدول الأطراف فی معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة بعدم حیازة الأسلحة النوویة یقابله حقها فی تنمیة استخدام الطاقة النوویة للأغراض السلمیة.
ولکن إذا قررت دولة طرف الانسحاب من المعاهدات الخاصة بمنع الانتشار النووی استناداً للحق المخول لها بموجب النصوص القانونیة، فإنه یترتب على ذلک إنهاء هذه الحقوق کافة وحرمانها من التمتع بالمساعدة الفنیة التی تقدمها الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، فیحق لها سحب خبرائها وسحب أدواتها والمواد التی قدمتها وإنهاء المشاریع المشترکة مع تلک الدولة المنسحبة حیث لم تعد الوکالة الدولیة ملتزمة بشیء تجاهها. غیر أن حرمان الدولة الطرف فی تلک المعاهدات من الحقوق والامتیازات المترتبة على العضویة، یقابله تحلل الدولة المنسحبة من کل الالتزامات المترتبة على عاتقها بموجب عضویتها، وبالتالی لم تعد تلتزم بأی من الالتزامات التی تترتب علیها من جراء عضویتها فی المعاهدة التی انضمت إلیها.
إلا أنه وبالنظر إلى الطبیعة الخاصة التی تتمیز بها المعاهدات الخاصة بمنع الانتشار النووی بسبب خطورة الموضوعات التی تنظمها، فإنه یستثنى من ذلک الأصل – الذی یقضی بتحلل الدولة المنسحبة من التزاماتها کافة – بعض الالتزامات الدولیة الواردة فی المعاهدات الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی، ذلک أن غالبیة نصوص هذه المعاهدات تقول ببقاء بعض التزامات الدولة التعاهدیة رغم انسحابها، ومن ذلک نص المادة (18_ه) من النظام الأساسی للوکالة الدولیة للطاقة الذریة التی تقول "لا یؤثر انسحاب الدولة العضو من الوکالة فی الالتزامات التعاقدیة التی ارتبطت بها هذه الدولة بمقتضى المادة الحادیة عشر، أو الالتزامات المالیة التی تکون مرتبة علیها بالنسبة إلى موازنة السنة التی تنسحب خلالها".
ویلاحظ أن هذه المادة قررت حکماً استثنائیا مهماً وهو بقاء التزامات الدولة التعاقدیة التی ارتبطت بها الدولة بموجب المادة (11) المتعلقة بالمشاریع النوویة التی تساهم فیها الوکالة لمساعدة الدول على استخدام التکنولوجیا النوویة، وإذا رجعنا إلى المادة الحادیة عشر وخاصةً الفقرة (و) البند (4) التی تبین التزامات الدولة التعاقدیة نرى أنها تتمثل فیما یأتی "4. تشمل تعهدات العضو أو مجموعة الأعضاء خضوع المشروع لما یلی:
أ. إن المساعدات المقدمة سوف لن تستخدم بأیة طریقة فی تعزیز أی غرض عسکری.
ب.إن المشروع سوف یخضع للضمانات والشروط الواردة فی المادة (12) من هذه الاتفاقیة".
ویتضح لنا من خلال ما تقدم أن هناک عدداً من الالتزامات التعاقدیة التی تستمر الدولة المنسحبة بالوفاء بها على الرغم من انسحابها ویمکننا أن نحدد هذه الالتزامات بما یأتی:
الفرع الأول
احترام الدولة للالتزامات الاتفاقیة التی تبرم مع الوکالة الدولیة للطاقة الذریة حتى بعد انسحابها
تشترک الوکالة الدولیة للطاقة الذریة فی إقامة مشاریع نوویة فی أقالیم الدول الأعضاء، وهی تبرم فی سبیل ذلک اتفاقیات دولیة تنظم إقامة هذه المشاریع، وترتب هذه الاتفاقیات مجموعة من الحقوق والالتزامات المتبادلة بین الوکالة والدول الأعضاء، ویترتب على إبرام هذه الاتفاقیات عدة التزامات لا تتأثر بالانسحاب من الوکالة الدولیة وفقاً للمادة (18_هـ) والتی أحالت للمادة الحادیة عشر ولاسیما الفقرة (و) التی تنص على الالتزامات التعاقدیة بقولها "بناءً على الموافقة على المشروع، ستعقد الوکالة مع العضو أو مجموعة الدول الأعضاء اتفاقیة بموجبها یخضع المشروع لما یلی:
1- تجهیز الحصص وأیة متطلبات من المواد الانشطاریة الخاصة والمواد الأخرى.
2- تجهیز المواد الانشطاریة الخاصة للنقل من مکانها الآمن سواء کانت هذه المواد بمخازن الوکالة أو بعهدتها أو لدى العضو الذی یتیح استعمالها فی مشروعات الوکالة لعضو آخر أو مجموعة من الأعضاء الخاضعین للمشروع بشروط تتضمن الأمان لأیة شحنة مطلوبة تفی بالمتطلبات الصحیة ومعاییر الأمان.
3- المصطلحات والشروط والشحنات المتضمنة فی أیة مواد، والخدمات والتجهیزات وکذلک التسهیلات سوف توضع بمعرفة الوکالة وکذلک أیة مواد أو تجهیزات أو خدمات أو تسهیلات توضع بواسطة عضو وأیة مصطلحات أو شروط أو ترتیبات لعضو أو مجموعة من الأعضاء تخضع للمشروع وکذلک تموین العضو...".
الفرع الثانی
الالتزام بعدم استخدام المساعدات الفنیة المقدمة من الوکالة فی الأغراض العسکریة حتى بعد الانسحاب
تلتزم الوکالة الدولیة للطاقة الذریة بموجب المادة الحادیة عشرة بتقدیم المساعدة الفنیة للدول الأعضاء التی تطلب مساعدتها فی إقامة مشاریع للبحث العلمی أو فی التطبیقات العلمیة فی الأغراض السلمیة، ومن قبیل هذه المساعدة، تولی الوکالة مهمة تأمین المواد النوویة القابلة للانشطار والمواد الأخرى والخدمات والتجهیزات والتسهیلات الضروریة لهذه الأغراض، کما تساعد الوکالة الدول الأعضاء فی تأمین الحصول على الأموال اللازمة لتمویل مشاریعها النوویة التی تقوم بها، على أن لا تلتزم الوکالة الدولیة بتقدیم أیة ضمانات أو تحمل أیة مسؤولیة مالیة تجاه المشروع، وإنما مجرد المساعدة على تأمین توافر هذا التمویل، کأن تقدم المشروع وجدواه الاقتصادیة، والمساعدات التی تنوی تقدیمها لجهة التمویل کالبنک الدولی للإنشاء والتعمیر أو صندوق النقد الدولی، کما تلتزم الوکالة الدولیة بتقدیم الإعدادات اللازمة للمشروع النووی من مواد وتجهیزات وتسهیلات.
ومقابل هذه الالتزامات التی تشکل فی ذات الوقت حقوقاً للدول الأعضاء، هنالک التزام على عاتق الدول الأعضاء فی الوکالة بعدم استخدام هذه المواد التی تم تأمینها فی الأغراض العسکریة وحصر استخداماتها فی المجال السلمی. فلا یؤدی انسحاب الدولة فی هذه الحالة إلى تطبیق القاعدة العامة التی تقرر أن الانسحاب یؤدی إلى تحلل الدولة من الاستمرار فی تنفیذ المعاهدة، بل تظل هنا مستمرة فی تنفیذ التزاماتها رغم انسحابها، وتبقى مقیدة بعدم استخدام مساعدات الوکالة فی الأغراض العسکریة.
وینبغی لنا فی هذا الصدد أن نتحدث عن مفهوم الاستخدامات السلمیة للطاقة النوویة، ذلک أن أغلب معاهدات منع الانتشار النووی تنص على وجوب حصر استخدام الطاقة النوویة فی الأغراض السلمیة، وعلى ضرورة عدم تحویل المواد أو المساعدات الفنیة المقدمة من الوکالة الدولیة للطاقة الذریة أو من الدول الأعضاء فی معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة إلى الأغراض العسکریة، فمتى یکون الغرض سلمی ومتى یکون عسکری؟.
والواقع أن تفسیر مفهوم الاستخدامات السلمیة لا یخلو من مشاکل ذلک أن النظام الأساسی للوکالة الدولیة للطاقة الذریة لم یقدم تعریفاً صریحاً لمفهوم الاستخدامات السلمیة لتلک الطاقة، فقد نصت المادة الثانیة من النظام الأساسی للوکالة الدولیة على أن "تسعى الوکالة جهدها لتعجیل وزیادة إسهام الطاقة النوویة فی خدمة سلم العالم وصحته ورخائه، وتعمل طاقتها على التأکد من عدم استخدام المعونة المقدمة منها، أو بناءً على طلبها، أو تحت إشرافها أو رقابتها، بما فیه خدمة للأغراض العسکریة". ویتضح لنا من نص المادة الثانیة أن النظام الأساسی للوکالة الدولیة لم یضع تعریفاً محددا ً لعبارة ((غرض عسکری)) التی قد تفسر تفسیراً ضیقاً لا یعنی أکثر من الأسلحة النوویة، أو تفسر تفسیراً واسعاً یشمل کل استخدام یخدم المجهود الحربی کاستخدام الوقود النووی فی تسییر الطائرات والصواریخ والسفن والغواصات.
ویرى الدکتور (محمد مصطفى یونس) أنه إذا ما حللنا تعبیر (الأغراض العسکریة) المستخدم فی المادة الثانیة من النظام الأساسی سیتضح لنا أن الخبراء عند صیاغتهم مشروع النظام الأساسی، لم یقتصر تفکیرهم على استخدام الطاقة النوویة فی صنع الأسلحة النوویة، وإن أغراض الوکالة تکمن فی تطویر استخدام الطاقة النوویة لمصلحة السلام ورفاهیة الجنس البشری، ومن البدیهی أن هذه الأغراض تتعارض مع استخدام الدول لهذه الطاقة فی أغراض التسلیح، حتى لو کان التسلیح لا یتصف بکونه تسلیحاً نوویاً، فعلى سبیل المثال لا یمکن القول إن الغواصات أو البوارج الحربیة التی تسیر بقوة الطاقة النوویة تساهم فی السلام أو رفاهیة الجنس البشری، وهذا یعنی بحسب رأیه أن الاستخدامات العسکریة للمساعدات التی تقدمها الوکالة الدولیة لا تقتصر على الأسلحة النوویة ذاتها فحسب، بل یمتد أیضاً هذا الحظر لأیة أغراض عسکریة أخرى. ویرى الأستاذ Paul C.szasz)) أن عبارة ((الغرض العسکری)) تعنی فی الغالب من الناحیة العملیة ((القنابل النوویة)) وأنه من الواضح أنها لا تعنی إمداد القواعد العسکریة بالطاقة المولدة بالوسائل النوویة، ولا تعنی أیضاً البحث النظری الذی قد یتضمن بعض النواحی العسکریة. ویذهب الدکتور (حسین حنفی عمر) إلى القول بأنه على الرغم من عدم ورود نص صریح فی المعاهدات النوویة یبین على وجه التحدید الغرض العسکری، إلا أنه یمکن استنتاج ذلک من عبارات المادة الثانیة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة لعام 1968، حیث تنص على أن "تتعهد کل دولة غیر ذات سلاح نووی طرف فی المعاهدة بألا تقبل بطریق مباشر أی نقل للأسلحة النوویة أو أجهزة أخرى للتفجیر النووی أو الإشراف على هذه الأسلحة أو الأجهزة، وکذلک ألا تصنع أو تحصل بغیر ذلک على أسلحة نوویة أو أی أجهزة أخرى للتفجیر وألا تقبل المساعدة فی صنع هذه الأسلحة أو الأجهزة أو تسعى إلیها"، فهذه المادة تتمحور حول الأسلحة النوویة وأجهزة التفجیر النووی فهی المقصودة بالحظر وهی التی تمثل الغرض العسکری المنوط به فی المعاهدات النوویة، وبالتالی فالاستخدام السلمی للطاقة النوویة یشمل کل مجالات الحیاة التی تؤدی إلى رفاهیة الإنسان وتقدمه الاقتصادی والاجتماعی مثل مجالات الطب وتولید الکهرباء والطاقة المستخدمة فی تشغیل المحرکات حتى لو کانت محرکات سفن أو غواصات أو طائرات ما دامت لا تشکل فی ذاتها سلاحاً نوویاً، وکذلک لا یعد استخداماً عسکریاً استخدام التکنولوجیا النوویة فی إطلاق صواریخ الفضاء التی تحمل المحطات الفضائیة والأقمار الصناعیة، وبالتالی فإن الغرض العسکری للطاقة النوویة ینحصر بحسب رأیه فی الأسلحة النوویة وإجراء التجارب النوویة التی تعد هی الأغراض العسکریة التی یحظر على الدول القیام بها. ویمکننا القول إن الرأی القائل بأن تعریف الغرض العسکری والتمییز بینه وبین الغرض السلمی فی مجال استخدام الطاقة النوویة مسألة نسبیة یجب إعادة تقییمها من وقت إلى آخر فی ضوء التقدم التکنولوجی المتسارع والمتجدد باستمرار هو الأجدر بالقبول.
الفرع الثالث
الالتزام بالخضوع لنظام الضمانات الشاملة حتى بعد الانسحاب
یعنی نظام الضمانات (Safeguards) أنه یقع على عاتق الوکالة الدولیة للطاقة الذریة ضمان أن المساعدة الفنیة النوویة المقدمة منها أو التی تقدم بناءً على طلبها أو تحت إشرافها أو رقابتها لن تستخدم بأیة وسیلة فی تعزیز غرض عسکری، وتتمثل تلک الضمانات بمجموعة من الإجراءات التی تقوم بها الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، ابتداءً من الرقابة والتفتیش عن طریق إرسال الخبراء والفنیین إلى المواقع النوویة وصولاً إلى تبادل المعلومات والوثائق سواء فیما بینها وبین غیرها من المنظمات الدولیة أو بینها وبین الدول الأعضاء، وانتهاءً بوضع کامیرات تصویر على خطوط إنتاج المنشآت النوویة، فضلاً عن وضع الأختام على بعض المنشآت والمواد النوویة لتجمید نشاطها عندما تکون هناک شکوک جدیة فی تحویل نشاطها إلى الأغراض العسکریة. وعلى ذلک فإن انسحاب دولة من الوکالة الدولیة للطاقة الذریة لا یعفیها وفقاً للمادة الحادیة عشرة والثانیة عشرة والثامنة عشرة من إخضاع منشآتها للرقابة والتفتیش والزیارات الروتینیة لمفتشی الوکالة الدولیة والتواجد المستمر لخبراء الوکالة وکامیراتها، وهذا واضح من نص المادة (18) من النظام الأساسی للوکالة الدولیة بقولها "لا یؤثر انسحاب الدولة العضو من الوکالة فی الالتزامات التعاقدیة التی ارتبطت بها هذه الدولة بمقتضى المادة الحادیة عشر...".
ولکن قد یثور الجدل حول کیف تلتزم دولة بمیثاق منظمة انسحبت منها ولم تعد عضواً فیها؟ إذ من المفروض أن تزول عنها کل الحقوق والالتزامات المترتبة على هذه العضویة، وتفسیر ذلک هو أن المعاهدات الخاصة بمنع الانتشار النووی معاهدات ذات طبیعة خاصة، فمما یقوض السلم والأمن الدولیین ویطلق سباق التسلح النووی القول بتحلل الدولة من التزاماتها تماماً بمجرد انسحابها ولهذا یجب علیها الاستمرار فی الاستخدامات السلمیة لبرنامجها النووی، وعدم تحویلها للأغراض العسکریة، ولکن یجدر بنا ملاحظة أنه لکی یخضع مشروع نووی لدولة ما للالتزامات السابقة حتى بعد الانسحاب فإنه ینبغی أن تتحقق الشروط الآتیة:
1. أن یتم إقامة المشروع النووی للدولة استناداً لاتفاقیة خاصة تبرم بین الوکالة والدولة العضو یتفق فیه على التزام الوکالة بتجهیز المشروع بالحصص والمواد الانشطاریة وأی مواد أخرى، وتضمن الوکالة نقلها وتخزینها وتوفیر متطلبات الصحة ومعاییر الأمان فیها.
2. ویشترط کذلک بقاء هذه الاتفاقیة الخاصة بعد الانسحاب.
وهکذا فإن انسحاب الدولة من الوکالة، لا یترتب علیه الانقضاء التلقائی لسائر الاتفاقیات الأخرى المبرمة بین الوکالة والدولة التی انسحبت، لأن المشروع الذی أقامته الوکالة سیظل قائماً ومنتجاً لنشاطه، وبالتالی ینبغی أن یظل فی حدود أغراضه السلمیة وأن یظل خاضعاً لنظام ضمانات الوکالة، أما المشاریع التی تقیمها الدولة بدون مشارکة من الوکالة الدولیة فإنها لا تخضع لضمانات الوکالة، وتبقى خارج إطار الالتزامات الواردة فی إطار نظامها الأساسی، إلا إذا کانت تلک الدولة مرتبطة بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة حیث تلتزم هنا بالأغراض السلمیة فی مشاریعها النوویة کافة سواء التی تقوم بمعرفة الوکالة أو بدون مشارکتها.
الفرع الرابع
الالتزام برد المواد والمعدات النوویة إلى الوکالة الدولیة للطاقة الذریة فی حالة الانسحاب
تلتزم الدولة التی تعلن انسحابها سواء من الوکالة الدولیة أو من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة بأن تقوم برد جمیع المواد والمعدات التی قدمتها الوکالة الدولیة أو أیاً من الدول الأعضاء فیها من أجل تعزیز المشروع النووی، وهذا مستفاد من نص المادة (12_أ_7) من النظام الأساسی للوکالة الدولیة إذ تنص على "أن تقوم، عند إخلال الدولة العضو أو الدول الأعضاء المستفیدة من المساعدة بالأحکام السابقة وتخلفها عن اتخاذ التدابیر المطلوبة فی فترة معقولة من الزمن، بوقف مساعدتها لتلک الدولة أو الدول أو إنهائها وباسترداد أیة مواد ومعدات تکون قد قدمتها هی أو إحدى الدول الأعضاء لتعزیز المشروع "، وإذا کان حکم هذه المادة ینطبق فی حالة الإخلال بأحکام المعاهدة أو التخلف عن اتخاذ الإجراءات أو التدابیر المطلوبة من الوکالة، فإنه ینطبق کذلک على حالة الانسحاب من الوکالة أو معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة.
والسؤال الذی یطرح نفسه فی ختام هذا الفرع هو: کیف یمکن للدول الأطراف فی معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی التحلل من کل الالتزامات التعاقدیة المترتبة علیها وعدم تطبیق نظام الضمانات الشاملة؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقول، إن انسحاب الدولة من الوکالة الدولیة للطاقة الذریة لیس له قیمة کبیرة إذا کانت الدولة تهدف من ورائه التحلل من الغرض السلمی والاتجاه للغرض العسکری، ولهذا إذا أرادت دولة غیر نوویة الانسحاب من الوکالة بغرض الاستخدام العسکری لطاقتها النوویة، فإنه ینبغی علیها أن تنسحب کذلک من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة، فعلى خلاف الحکم الوارد فی المادة (18) من النظام الأساسی للوکالة الدولیة القائل بعدم تأثیر انسحاب الدولة من الوکالة على التزاماتها الواردة فی المواد (11،12)، فإن معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة لعام 1968 صرحت بجواز الانسحاب منها دون الإبقاء على أی من الالتزامات الواردة فیها، وهذا معناه أنه یترتب على الانسحاب زوال التزامات الدولة کافة، وبالتالی یجوز للدولة الحائزة للأسلحة النوویة نشرها، کما یجوز للدولة غیر الحائزة للأسلحة النوویة الحصول علیها وتصنیعها وقبول المساعدة بشأنها وهذا هو المستفاد من نص المادة العاشرة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة.
وبذلک تکون کوریا الشمالیة قد تحررت من الالتزامات المفروضة علیها بمقتضى معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة بناءً على انسحابها من عضویتها بتاریخ10نیسان/2003. فلم تعد ملزمة بعدم القبول "من أی ناقل کان، لا مباشرةً ولا بصورة غیر مباشرة، أی نقل لأیة أسلحة نوویة أو أجهزة نوویة أخرى أو لأیة سیطرة على مثل تلک الأسلحة والأجهزة، وبعدم صنع أیة أسلحة نوویة أو أجهزة تفجیر نوویة أخرى، أو اقتنائها بأی طریقة أخرى، وبعدم طلب أو تلقی أیة مساعدة فی صنع أیة أسلحة نوویة أو أجهزة تفجیر نوویة أخرى". وکذلک تکون کوریا الشمالیة غیر ملتزمة بقبول الضمانات المنصوص علیها فی الاتفاق الذی یجب على الدول الأطراف فی معاهدة منع الانتشار النووی عقده مع الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، والذی یهدف إلى التحقق من تنفیذ الدول الأطراف لالتزاماتها المترتبة علیها بمقتضى معاهدة منع الانتشار النووی منعاً لتحویل استخدام الطاقة النوویة من الأغراض السلمیة إلى أسلحة نوویة أو أجهزة تفجیر نوویة أخرى.
المطلب الثانی
الآثار القانونیة للانسحاب على صعید السلم والأمن الدولیین
یعد حفظ السلم والأمن الدولیین(*) المقصد الرئیسی وراء إنشاء الأمم المتحدة، وتحقیقاً لهذه الغایة تتخذ الأمم المتحدة التدابیر المشترکة الفعالة لمنع الأسباب التی تهدد السلم وإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغیرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرع بالوسائل السلمیة وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولی لحل المنازعات الدولیة التی قد تؤدی إلى الإخلال بالسلم، وقد أوکلت الأمم المتحدة لمجلس الأمن مهمة الحفاظ على السلم والأمن الدولیین وفقاً للمادة (24) من میثاق الأمم المتحدة التی تنص "1. رغبةً فی أن یکون العمل الذی تقوم به الأمم المتحدة سریعاً وفعالاً یعهد أعضاء تلک الهیئة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئیسیة فی أمر حفظ السلم والأمن الدولی ویوافقون على أن هذا المجلس یعمل نائباً عنهم فی قیامه بواجباته التی تفرضها علیه هذه التبعات"، وعهدت إلیه بأداء هذه الواجبات وفقاً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة وبمجموعة من السلطات التی تم تبیانها حصراً فی الفصول ((12،8،7،6)) من میثاق الأمم المتحدة، ویرى البعض أن نص المادة (24) من المیثاق یبدو معیباً، ذلک لأنه جعل النیابة عن الدول الأعضاء فی حین کان یجب أن تکون النیابة عن المنظمة الدولیة باعتبارها شخصاً قانونیاً دولیاً، وإن الغایة من وجود هذا الشخص هی حمایة السلم والأمن الدولیین، وإن هذا المجلس هو عبارة عن جهاز من أجهزة هذه المنظمة، وأن نیابته عن المنظمة هی نیابة الجزء عن الکل.
والسؤال الذی یطرح نفسه هنا هو: هل إن الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی یعتبر تهدیداً للسلم والأمن الدولیین أو إخلالاً بهما ؟ مما یستوجب تدخل مجلس الأمن لإعادتهما إلى نصابهما وفقاً لأحکام الفصل السابع من میثاق الأمم المتحدة؟.
وللإجابة عن هذا السؤال نقول أن أغلب المعاهدات الخاصة بمنع الانتشار النووی التی تنص على إمکانیة الانسحاب منها تستلزم نصوصها القانونیة المنظمة للانسحاب وجوب إخطار مجلس الأمن برغبتها بالانسحاب باعتباره الجهاز المختص بالمحافظة على السلم والأمن الدولیین، والغرض من ذلک بسط نوع من الرقابة على قرار الدولة الراغبة فی الانسحاب، إذ یقوم مجلس الأمن بتقییم موقفها ومدى اعتباره موقفاً یهدد السلم والأمن الدولیین. ویتمتع مجلس الأمن الدولی بسلطة تقدیریة واسعة فی تحدید ما إذا کان قد وقع تهدید للسلم والأمن الدولی أو إخلال بهما، وتتضح معالم السلطة التقدیریة لمجلس الأمن، فی کونها نوعاً من الحریة التی یتمتع بها المجلس فی تقدیر خطورة الحالة التی یتدخل لمعالجتها، ووقت هذا التدخل، علاوةً على تقدیر أصلح الوسائل ومدى مناسبتها للتعامل مع تلک الحالة، ولقد کشفت المحاضر الأساسیة لإعداد میثاق الأمم المتحدة خاصةً فیما یتعلق بنص المادة (39) من الفصل السابع، مدى الأهمیة العملیة لإعطاء مجلس الأمن هذه السلطة التقدیریة، التی ینبغی أن یتمتع بها فی أثناء ممارسته وتأدیته للمهام المنوطة به فی مجال حفظ السلم والأمن الدولیین، حیث أشار مندوب الصین إلى صعوبة وضع معیار ثابت یمکن الاستناد إلیه فی التمییز بین الإخلال بالسلم والتهدید به فی کل حالة على حدة، وهو ما یجب معه ترک هذه المسألة لتقدیر مجلس الأمن وتقییمه للموقف. ولکن هل یعنی تمتع مجلس الأمن بهذه السلطة التقدیریة انعدام أی قید أو رقابة علیه عند مباشرته لتلک السلطة؟.
فی الواقع ینکر معظم الفقه الدولی انعدام أیة رقابة على السلطة التقدیریة التی یتمتع بها مجلس الأمن، استناداً إلى أن القراءة الموضوعیة للفصل السابع من المیثاق تفصح أنه إذا خرج مجلس الأمن من دائرة السریان الطبیعی للجزاءات الواردة فی هذا الفصل، کانت قراراته منعدمة، فإذا کانت سلطة مجلس الأمن التقدیریة تحتوی على عناصر داخلیة تجسد سلطاته فی تناول ما یشاء منها وتقدیر تصرفه من حیث الوقت والتناسب والاختیار، فإن لهذه السلطة حدوداً وإطاراً خارجیاً یجب ألا یتعداها المجلس وهی (الصالح العام للجماعة الدولیة)، التی یعتبر حیاده عنها، باستغلاله وتعسفه فی استخدام عناصر سلطته، بمثابة انحرافاً بهذه السلطة التقدیریة.
ولقد أکد على ذلک الفقیه (Fawcett) عندما أشار إلى أن المنظمة الدولیة تنحرف بسلطاتها فی حالتین:
الأولى: إذا فرضت على أی من أعضائها - بموجب سلطتها التقدیریة - أحکاماً لیست ضروریة أو غیر مناسبة لتحقیق الغرض الذی من أجله منحت هذه السلطة.
والثانیة: إذا اتخذت إجراءاً إداریاً یتعارض مع أو یخرج عن نطاق أغراض المنظمة.
وقد ذهب الفقیه Cavare) ) إلى أنه إذا کان لمجلس الأمن سلطة تقدیریة بشأن اتخاذ التدابیر التی یراها ملائمة للتعامل مع الحالة أو الموقف الذی یواجهه، بعدما یقرر بموجب هذه السلطة ما إذا کان یمثل تهدیداً أو إخلالاً بالسلم والأمن الدولیین، فإن الغرض النهائی للتصرف الصادر عن مجلس الأمن یعتبر خاضعاً لرقابة المشروعیة إزاء عیب الانحراف بالسلطة التقدیریة، وقد استخدم هذا الفقیه تعبیراً قانونیاً دقیقاً یکشف حقیقة هذا الأمر وهی عبارة (Detournement de Pouvoir) حیث تعنی کلمة (Detournement) بمفردها "تغییر الاتجاه"، والتعبیر فی مجمله یفید أن نشاطاً معیناً کان من الواجب أن یصل إلى هدف معین ووجهة محددة فحاد عنها لسبب أو لآخر، خاصةً وأن کلمة " الانحراف " أقرب إلى الدلالة على هذا العیب الذی ینصب أولاً وأخیراً على الهدف الذی یسعى إلیه مجلس الأمن ولکنه یسیء توجیه سلطاته، وهو ما یعنی أن سعی مجلس الأمن لتحقیق أهداف أخرى غیر المحافظة على السلم والأمن الدولیین أو إعادتهما إلى نصابهما، یشکل عیباً بالانحراف بالسلطة.
ووفقاً للمادة (39) من میثاق الأمم المتحدة "یقرر مجلس الأمن ما إذا کان قد وقع تهدید للسلم أو إخلال به أو ما إذا کان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ویقدم فی ذلک توصیاته أو یقرر ما یجب اتخاذه من التدابیر طبقاً لأحکام المادتین 41 و 42 لحفظ السلم والأمن الدولی أو إعادته إلى نصابه"، وتمثل هذه المادة المدخل الطبیعی لوضع الفصل السابع من المیثاق موضع التنفیذ، حیث تفصح عن الحالات التی من خلالها یستطیع مجلس الأمن استخدام التدابیر المنصوص علیها فی هذا الفصل، ویتمتع مجلس الأمن، فی إطار تحدید هذه الصلاحیات، بسلطات تقدیریة واسعة، فهذا النص فتح المجال لمجلس الأمن أن یکیف الحالات التی تنضوی تحت نص هذه المادة بمرونة، فهو الذی یقرر فیما إذا کان هناک تهدید للسلم أو إخلال به أو وقوع عمل من أعمال العدوان.
ویجدر بنا أن نفرق بین مدلول هذه المصطلحات الثلاثة الأخیرة التی تتیح لمجلس الأمن ممارسة التدابیر التی یقررها الفصل السابع من المیثاق، فعلى الرغم من أهمیة تحدید مدلول هذه المصطلحات، فقد التزم المیثاق الصمت حیال هذا الموضوع، فلم یضع تعریفاً للمسائل التی تشکل تهدیداً للسلم أو إخلالاً به أو تعریفاً للعدوان حتى یسترشد بهما مجلس الأمن فی تکییفه للوقائع، ولذلک اجتهد الفقه فی هذا الشأن کما قامت الجمعیة العامة للأمم المتحدة بإصدار القرار رقم (3314) لعام 1974 إذ وضعت فیه تعریفاً للعدوان، وسنتناول تحدید مضمون هذه المصطلحات الثلاثة بالشکل الآتی:
أولاً: تهدید السلم :
یفسر إیراد عبارة تهدید السلم فی المادة (39) من المیثاق بالرغبة فی توسیع مجال استخدام مجلس الأمن للتدابیر المنصوص علیها فی الفصل السابع من المیثاق، فهذا التعبیر یمکن أن یمتد لیطال وقائع وحالات جد مختلفة، باعتبارها تشکل تهدیداً للسلم، فقیام دولة بتهدید أخرى للدخول فی حرب أو بالقیام بعمل من أعمال التدخل أو التهدید باستخدام صور العنف یمکن أن یعد تهدیداً للسلم، لأن من شأن هذه الحالات إدخال الردع فی الدولة المهددة نفسها بوجود خطر حال من شأن حدوثه الإخلال فعلیاً بحالة السلم. ویذهب الفقیه (Combacau) إلى أن تهدید السلم "هو الحالة التی یحدد الجهاز المختص حدوثها والتی یقوم بتوقیع العقاب على المسئول عنها". ویبدو أن هذا التعریف هو الأکثر ملاءمة للتطبیق العملی، حیث أنه یصف السلطة التقدیریة التی یتمتع بها مجلس الأمن، فالمتابع لممارسات مجلس الأمن یلاحظ جنوحاً صوب التوسع فی فکرة السلم.
ولذلک ترى بعض الدول دائمة العضویة فی مجلس الأمن الدولی أن انسحاب دولة من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی یمثل تهدیداً للسلم والأمن الدولیین، بل أنها قامت بفرض العقوبات على إیران لمجرد إعلان رغبتها فی الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة، وبالمقابل فإنها لا تعتبر "إسرائیل" - التی ترفض الانضمام أصلاً إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة - مهددةً للسلم والأمن الدولی على الرغم من عدم خضوعها لرقابة فرق التفتیش الدولیة ونظام الضمان الشامل للوکالة الدولیة للطاقة الذریة.
ثانیاً: الإخلال بالسلم :
وهو وقوع عمل من أعمال العنف من دولة ما ضد دولة أخرى، أو وقوع نزاع مسلح داخل إقلیم دولة ولکنه یشکل إخلالاً بسلم الدولة الأخرى. ویرى الأستاذ (Wright Quincy) أن الإخلال بالسلم الذی ورد ذکره فی المادة (39) من المیثاق یقوم عندما تقع أعمال عنف بین قوات مسلحة تابعة لحکومات شرعیة أو واقعیة وراء حدود معترف بها دولیاً، وعلى ذلک فلیس من المقبول اعتبار انسحاب الدول من عضویة المعاهدات الدولیة الخاصة بمنع انتشار الأسلحة النوویة عملاً من أعمال الإخلال بالسلم والأمن الدولی.
ثالثاً: أعمال العدوان :
لم یشأ واضعو میثاق الأمم المتحدة تضمینه تعریفاً واضحاً للعدوان، ویرى بعض کتاب القانون الدولی فی تبریرهم لعدم تعریف العدوان أن أی تعریف لا یمکن أن یکون شاملاً بحیث یتناول جمیع صور العدوان التی یمکن أن تقع، مما یؤدی إلى إفادة المعتدی وإفلاته من العقاب، ویرى الفقیه (Devisscher) أن العدوان أوسع من مفهوم الحرب العدوانیة.
وبالرغم من ذلک، فقد أولت الجمعیة العامة للأمم المتحدة اهتماماً کبیراً لتحدید المقصود بالعدوان، وقد توجت هذه الجهود بإصدار الجمعیة العامة للقرار رقم (3314) فی 14 کانون الأول / 1974، ووفقاً لهذا القرار، فإن العدوان یعنی استخدام القوة المسلحة من جانب دولة ضد سیادة ووحدة الأراضی الإقلیمیة أو الاستقلال السیاسی لدولة أخرى أو بأیة طریقة لا تتماشى مع میثاق الأمم المتحدة.
وبذلک یمکننا القول الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی لا یعد من ضمن الأعمال العدائیة التی ینطبق علیها وصف العدوان، بل هو إجراء قانونی تستخدمه الدولة بصورة قانونیة إذا کان منصوصاً على جوازه فی المعاهدة الدولیة.
ویتضح لنا من خلال ما تقدم أن مجلس الأمن الدولی هو الجهة الوحیدة التی لها سلطة تقدیریة کاملة، سواء فی تحدید طبیعة الممارسات أو التصرفات الدولیة وتوصیفها، وما إذا کانت هذه الممارسات أو التصرفات تنطوی على (تهدید) أو (إخلال) أو (خرق) للسلم والأمن الدولیین، أو فی تحدید طبیعة الإجراء أو التصرف الدولی، المناسب والمطلوب للرد على هذه الممارسات أو التصرفات، وفی الحقیقة فإن من الصعب إیجاد خط مستقیم فی سیاسة مجلس الأمن فی هذا الخصوص، فالاعتبارات السیاسیة تبدو وکأنها العامل المحرک لتصرفاته وتحرکاته فی مجال حفظ السلم والأمن الدولیین. ویمکننا القول إن الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی یشکل تهدیداً للسلم والأمن الدولیین، والسبب فی ذلک یرجع إلى کون هذه المعاهدات هی معاهدات من طبیعة خاصة، و إن الانسحاب منها کفیل بإطلاق سباق التسلح النووی، وهو ما من شأنه أن یقوض السلم والأمن الدولیین، لأن حیازة أی دولة للأسلحة النوویة سیحفز بلا شک غیرها من الدول على حیازته باعتباره الوسیلة المثلى لتحقیق أمنها القومی والدفاع ضد أی تهدید نووی یواجهها، فقد ساهمت الخطوات التی اتخذتها کوریا الشمالیة بعد إعلان انسحابها من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة فی رفع مخاطر الأزمة، حیث أعلنت فی 20 حزیران/2006 أنها لن تستمر فی احترام ما فرضته على نفسها منذ سنة 1999 من وقف لاختبارات الطیران للصواریخ طویلة المدى، وفی 5 تموز /2006 أطلق الجیش الکوری الشمالی سبعة صواریخ بالیستیة اختباریه، ووصفت کوریا الشمالیة الاختبارات بأنها "مناورات عسکریة روتینیة" تندرج فی إطار حقها السیادی فی الدفاع عن النفس، وهو ما اعتبرته الولایات المتحدة تهدیداً للسلم والأمن الدولیین، وفی 15 تموز /2006 اتخذ مجلس الأمن الدولی بالإجماع القرار رقم (1695)، الذی طالب کوریا الشمالیة بتعلیق نشاطات صواریخها البالیستیة فوراً والعودة إلى وقف اختبارات الطیران، وطلب القرار أیضاً من جمیع الدول العمل على (منع) نقل "صواریخ ومفردات ومواد وسلع وتکنولوجیا مرتبطة بالصواریخ" إلى برامج کوریا الشمالیة المتعلقة بالصواریخ أو بأسلحة الدمار الشامل، وإلى ذلک اتجهت الیابان إلى تشدید قیودها على السفر والحوالات المالیة إلى کوریا الشمالیة، مع الإشارة إلى أنها قد تدرس اتخاذ إجراء عسکری استباقی ضد قواعد الصواریخ الکوریة الشمالیة، إذا اعتبرت هذه القواعد تهدیداً وشیکاً ضد الیابان.
وعلى الرغم من سلسلة جولات المحادثات السداسیة الأطراف بین کوریا الشمالیة والصین والیابان وروسیا والولایات المتحدة، بهدف إیجاد حل لأزمة البرنامج النووی لکوریا الشمالیة، ولتحقیق حالة من الاستقرار الإقلیمی، ولتطبیع العلاقات ما بین الولایات المتحدة وکوریا الشمالیة، فقد أفصحت القضیة النوویة لکوریا الشمالیة عن استمرار کونها مصدر إرباک وقلق إقلیمی، حیث أعلنت کوریا الشمالیة بتاریخ 9 تشرین الأول /2006 أن جیشها أجرى تجربة نوویة ناجحة تحت الأرض وفی ظروف مأمونة، وکشفت الانفجار أجهزة استشعار زلزالیة فی أنحاء العالم، وقد شددت توضیحات کوریا الشمالیة الرسمیة بشأن إجراء التجربة النوویة على الغرض الدفاعی منها، فوفقاً (لکیم یونغ نام)، رئیس اللجنة التنفیذیة الدائمة للجمعیة الشعبیة العلیا فی کوریا الشمالیة، کانت التجربة النوویة (حدثاً تاریخیاً) فهی عززت صدقیة الردع النووی الکوری الشمالی فی وجه التهدیدات الأمریکیة، وبالتالی ساهمت فی الاستقرار فی شمال شرق آسیا(*).
وعلى إثر التجربة النوویة الکوریة الشمالیة، عقد مجلس الأمن الدولی جلسة طارئة اقترحت فیها الولایات المتحدة بتأیید من الیابان، مشروع قرار صارم یحظر من بین أمور أخرى، کل أشکال التجارة بالسلع والمعدات العسکریة مع کوریا الشمالیة، وقد اعترض على مشروع القرار کل من الصین وروسیا مقترحین بدل ذلک إجراءات أقل صرامة، کما شددتا على أن یتخذ قرار بموجب المادة (41) من الفصل السابع من میثاق الأمم المتحدة، وهی المادة التی تسمح بتدابیر اقتصادیة لکنها تحول دون استخدام القوة العسکریة.
وبتاریخ 14 تشرین الأول/2006 وافق مجلس الأمن بالإجماع على القرار (1718) وقد عبر القرار عن "أقصى حالات القلق" إزاء تجربة کوریا الشمالیة النوویة، وأعلن أن على کوریا الشمالیة "التخلی عن جمیع الأسلحة النوویة والبرامج النوویة القائمة" فضلاً عن "جمیع البرامج الأخرى المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل والصواریخ البالیستیة" بطریقة کاملة ویمکن التحقق من صحتها ولا یمکن إلغاؤها، کما دعا القرار کوریا الشمالیة إلى العودة فوراً إلى المحادثات السداسیة من دون شروط مسبقة، وطلب القرار من جمیع الدول الأعضاء فی الأمم المتحدة اتخاذ جملة من الإجراءات لمنع دخول أنظمة الأسلحة التقلیدیة وسلع ومواد معینة ثنائیة الاستخدام لکوریا الشمالیة، کما طلب من الدول الأعضاء اتخاذ تدابیر "وفقاً لسلطاتها وتشریعها الوطنی، وانسجاماً مع القانون الدولی"، للحیلولة دون نقل مفردات محظورة إلى کوریا الشمالیة، وذلک من خلال القیام بتفتیش الشاحنات وهی فی طریقها إلى البلد ومنه.
وقد رافق الأزمة النوویة الکوریة الشمالیة اشتداد الجدال الدولی بشأن مدى برنامج إیران النووی وطبیعته، وکان الخلاف قد برز فی نهایة عام 2002، وترکز على النتائج التی خلصت إلیها الوکالة الدولیة للطاقة الذریة بأن إیران لم تعلن، على مدى عقدین من الزمن، عن نشاطات نوویة مهمة، مخالفةً بذلک اتفاق الضمانات الشاملة مع الوکالة الدولیة للطاقة الذریة الذی تنص علیه معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة، واتهمت إیران بأنها حصلت على تکنولوجیا ومعدات نوویة من خلال شبکة تهریب نظمها کبیر مهندسی باکستان النوویین (عبد القدیر خان).
أما إیران فتؤکد أن برنامجها النووی یرمی إلى أغراض سلمیة، وإن أی خرق للضمانات کان خرقاً غیر مقصود وطفیفاً فی طبیعته، وقد تصدرت منذ تشرین الأول /2003 ثلاث من الدول الأعضاء فی الاتحاد الأوربی وهم کل من (فرنسا وألمانیا والمملکة المتحدة) محاولات حل الخلاف من خلال إجراء المفاوضات مع إیران، کما اشترک فی تلک المفاوضات أیضاً الممثل الأعلى لسیاسة الاتحاد الأوربی الخارجیة والأمنیة المشترکة (خافییر سولانا). وفی 18 کانون الأول/2003 وقعت إیران بروتوکولاً إضافیاً ملحقاً باتفاقیة الضمانات الشاملة المستندة إلى أحکام معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة، ویمنح البروتوکول الإضافی لمفتشی الوکالة الدولیة للطاقة الذریة صلاحیات أوسع، حیث بإمکانهم القیام بزیارات مفاجئة إلى أی مکان فی إقلیم الدولة الموقعة دون إخطار مسبق، کما طالبت الولایات المتحدة والوکالة الدولیة للطاقة الذریة إیران بتعلیق جمیع عملیات تخصیب الیورانیوم المستخدم فی الأنشطة النوویة.
وقد أسفرت المفاوضات الإیرانیة - الأوربیة فی 15 تشرین الثانی /2004 عن التوصل إلى اتفاقیة متکاملة لتسویة الأزمة النوویة الإیرانیة، وعرفت هذه الاتفاقیة باسم (اتفاق باریس)، وتتضمن صفقة متکاملة، تقوم من ناحیة على التزام إیران بالوقف الکامل والشامل لأنشطة تخصیب الیورانیوم، بینما تتضمن من ناحیة أخرى التزام الدول الأوربیة الثلاث بتقدیم مکاسب محددة لإیران، مثل بیع مفاعل نووی متطور، وتسهیل انضمامها إلى منظمة التجارة العالمیة، وتعزیز علاقات التبادل التجاری بین إیران ودول الاتحاد الأوربی، وبموجب اتفاق باریس جرت مفاوضات إیرانیة - أوربیة منذ کانون الثانی من عام 2005 للوصول إلى اتفاقات تفصیلیة تنفیذاً لاتفاق باریس، ونتیجةً لتلک المفاوضات وقعت إیران فی شباط /2005 اتفاقاً فی موسکو یقضی بإعادة إیران للوقود الناشئ عن أنشطة مفاعل بوشهر النووی إلى روسیا على نحو یقلص فرص تطویر إیران لقدراتها النوویة العسکریة، إلا أن هذه المفاوضات عانت من إشکالیتین رئیسیتین، سواء من جانب إیران أو من جانب دول الاتحاد الأوربی، فعلى الرغم من أن إیران وافقت على وقف أنشطة تخصیب الیورانیوم بموجب اتفاق باریس، إلا أنها أعلنت لاحقاً أن وقف التخصیب هو مجرد وقف مؤقت، وأصرت على الاحتفاظ لنفسها بالحق الکامل فی مواصلة أنشطة تخصیب الیورانیوم، وأعلنت استعدادها فقط لوقف بعض الأنواع من عملیات التخصیب، مثل تخصیب غاز الیورانیوم، علاوةً على استعدادها لتقدیم أی ضمانات للتأکد من أن الوقود النووی الناجم عن عملیات التخصیب لن یستخدم فی أیة أنشطة عسکریة(*)، وهو ما رفضته الدول الأوربیة الثلاث، کما تباطأ الأوربیون من ناحیتهم فی تقدیم مقترحات تفصیلیة بشأن تنفیذ اتفاق باریس، کل ذلک أدى إلى وصول المفاوضات إلى طریق مسدود، الأمر الذی حدا بالدول الأوربیة المفاوضة إلى عرض الملف أمام الوکالة الدولیة للطاقة الذریة بهدف رفعه إلى مجلس الأمن الدولی، على الرغم من أن من حق إیران امتلاک التکنولوجیا النوویة للأغراض السلمیة شأنها شأن أی دولة أخرى، وهذا ما تنص علیه المادة (4_1) من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة بقولها "لیس فی هذه الاتفاقیة ما یمکن أن یفسر بما یؤثر على الحق غیر القابل للإنکار لکل الدول الأعضاء فی الاتفاقیة لتطویر البحوث والإنتاج والاستخدام للطاقة النوویة للأغراض السلمیة، بدون تمییز...".
وقد اتخذ مجلس أمناء الوکالة الدولیة للطاقة الذریة قراراً فی 24 أیلول/2005 یدین انتهاکات إیران لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة، نتیجةً لنشاطاتها النوویة التی اتصفت بالسریة والإخفاء عن الوکالة، وأعربت الوکالة الدولیة عن قلقها من هذا البرنامج الذی یشکل خطراً على السلم والأمن الدولیین، وقبل اجتماع مجلس المحافظین کانت الولایات المتحدة قد ضغطت باتجاه رفع المسألة إلى مجلس الأمن الدولی، إلا أن العدید من الدول الأعضاء فی الاتحاد الأوربی رفضت الطلب الأمریکی، وحاججت تلک الدول بأن الإحالة على مجلس الأمن ستکون سابقة لأوانها وربما منطویة على نتائج عکسیة من حیث إنها قد تحفز إیران على العزوف کلیاً عن التعاون مع الوکالة الدولیة للطاقة الذریة أو على الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة، على غرار ما فعلت کوریا الشمالیة.
وبتاریخ 3 کانون الثانی /2006 أحاطت إیران الوکالة الدولیة للطاقة الذریة علماً بأنها قررت إنهاء تعلیقها الطوعی وغیر الملزم قانوناً لبرنامج تخصیب الیورانیوم، وأنها ستشرع باستئناف نشاطات البحث والتطویر المتعلقة بالطرد المرکزی، وفی 10 کانون الثانی / 2006، بدأت إیران تزیل أختام الوکالة الدولیة للطاقة الذریة عن أجهزة الطرد المرکزی ومعدات أخرى فی المعمل التجریبی لتخصیب الوقود فی نطانز وفی اثنین من فروع منظمة الطاقة الذریة الإیرانیة (OEOI)، ورداً على ذلک، أصدر وزراء خارجیة الدول الثلاث و (خافییر سولانا) بیاناً أدان قرار إیران بوصفه "رفضاً واضحاً لعملیة التفاوض"، وأکدوا أن الوقت حان لکی یصبح مجلس الأمن مشارکاً فی تعزیز سلطة قرارات الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، وأعلنوا أن الحکومات الثلاث ستدعو إلى اجتماع غیر عادی لمجلس الوکالة بقصد أن یتخذ الإجراء اللازم لهذه الغایة. وفی 4 شباط/2006 اتخذ مجلس محافظی الوکالة الدولیة للطاقة الذریة قراراً یطلب من المدیر العام أن یبلغ إلى مجلس الأمن جمیع تقاریر الوکالة الدولیة وقراراتها المرتبطة بالمسألة النوویة الإیرانیة، وقد عبر مجلس المحافظین عن ((قلق جدی)) من أن الوکالة الدولیة لا تزال غیر قادرة على توضیح بعض القضایا المهمة المرتبطة ببرنامج إیران النووی، وحض إیران على أن تقدم إلى الوکالة تعاوناً لا غنى عنه ومتأخراً عن موعده، وعدد القرار خمس خطوات طلب المجلس من إیران أن تتخذها لبناء الثقة فیما یتعلق بالطبیعة السلمیة لبرنامجها النووی وتتمثل تلک الخطوات بما یأتی:
أ. إعادة تثبیت التعلیق الکامل والدائم لجمیع النشاطات المتعلقة بالتخصیب وإعادة المعالجــة.
ب. إعادة النظر فی بناء مفاعل نووی بقوة (40) میغا واط ومهدأ بماء ثقیل فی آراک.
ج. المصادقة فوراً على البروتوکول الإضافی لسنة 2005 وتنفیذه بشکل کامل.
د. مواصلة العمل وفقاً لنصوص البروتوکول الإضافی ریثما تتم المصادقة علیها.
هـ. تنفیذ ما طلبه المدیر العام من إجراءات شفافیة تتعدى المتطلبات الرسمیة لاتفاق الضمانات والبروتوکول الإضافی.
وقد ردت إیران على قرار مجلس محافظی الوکالة الدولیة بالتهدید بالانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة إذا أحال مجلس المحافظین ملفها النووی إلى مجلس الأمن، وفی 6 شباط/ 2006 أعلمت إیران الوکالة الدولیة بأنها لن تعمل وفقاً لنصوص البروتوکول الإضافی وستقوم کذلک بتعلیق سائر إجراءات الشفافیة غیر الملزمة قانوناً، وطلبت من الوکالة إزالة جمیع تدابیر الاحتواء والمراقبة، مثل الأختام والآت التصویر التی وضعت فی ما یتعدى إجراءات الوکالة العادیة بشأن الضمانات. وعلى إثر اختتام اجتماع مجلس محافظی الوکالة الدولیة فی 8 آذار/2006، بدأ أعضاء مجلس الأمن بدراسة الملف النووی الإیرانی، وفی 29 آذار/ 2006 أصدر رئیس مجلس الأمن بیاناً عن برنامج إیران النووی معبراً فیه عن ((قلق جدی)) إزاء استئناف نشاطات مرتبطة بالتخصیب وتعلیق التعاون مع الوکالة الدولیة بموجب البروتوکول الإضافی، ودعا البیان الرئاسی إیران إلى اتخاذ الخطوات التی طلبها قرار مجلس الوکالة الدولیة، بما فی ذلک العودة إلى التعلیق الکامل لما تقوم به من أعمال تخصیب ونشاطات بحث وتطویر ذات صلة.
ورداً على بیان مجلس الأمن شددت إیران على القول إنها مخولة قانوناً کدولة غیر نوویة وطرف فی معاهدة منع الانتشار النووی، بالسعی لتطویر طاقة نوویة لأغراض سلمیة ، وفی 11نیسان/2006اعلنت إیران رسمیاً أنها نجحت فی تخصیب الیورانیوم عند نسبة (3,5) بالمائة المطلوب للوقود النووی.
وفی أوائل أیار /2006 طرحت البلدان الأوربیة الثلاثة بدعم من الولایات المتحدة، عرضاً جدیداً یتعلق بمساعدة إیران بتکنولوجیا نوویة مقابل تعلیق الأخیرة برنامجها الخاص بالتخصیب، وقد رفض العرض من طرف الرئیس أحمدی نجاد، الذی رأى أن مطالبة إیران بتقدیم تنازلات کبیرة دون أی ضمانة تجسد المنافع الموعودة هی کمن یعرض مقایضة (الحلوى مقابل الذهب)، کما بادرت الولایات المتحدة إلى تعدیل إستراتیجیتها الدبلوماسیة تجاه إیران، وأعلنت فی 31 أیار/2006 أنها ستنضم إلى البلدان الأوربیة الثلاثة من أجل إجراء محادثات مباشرة مع إیران إذا قامت الأخیرة (فوراً) بتعلیق جمیع نشاطات التخصیب وإعادة المعالجة واستأنفت التعاون مع الوکالة الدولیة للطاقة الذریة بموجب البروتوکول الإضافی. وفی 6حزیران/2006 أعلنت الصین وفرنسا وألمانیا وروسیا والمملکة المتحدة والولایات المتحدة (5د +1) رزمة حوافز جدیدة بخصوص الطاقة النوویة والتعاون التکنولوجی ومسائل سیاسیة وأمنیة، بهدف إقناع إیران تعلیق تخصیب الیورانیوم إلى أجل غیر محدد، وحذر العرض من أن مجلس الأمن الدولی سیتخذ (إجراءات مناسبة) غیر محددة فی حال رفضت إیران التفاوض، وقد احتوى العرض على عدة بنود متعلقة بأمور نوویة، منها إنشاء مشروع متعدد الأطراف لتزوید إیران بمفاعل ماء خفیف (LWR) لتولید الطاقة، ومنح إیران جزءاً من ملکیة منشأة تخصیب رسمیة، وتکوین (مخزون مؤقت) مدته خمس سنوات لیورانیوم مخصب مخزن فی إیران تحت إشراف الوکالة الدولیة، ولم یحدد العرض مهلة نهائیة للرد الإیرانی، وقد رد المسئولون الإیرانیون أنهم سیتمهلون (بقدر ما هو ضروری) قبل الرد على العرض، وفی 12تموز/2006 أصدرت دول (5 د + 1) بیاناً یعلن أن "إیران لم تتخذ الخطوات الضروریة لبدء المفاوضات وبالتحدید خطوة تعلیق جمیع النشاطات المرتبطة بالتخصیب وإعادة المعالجة، ونتیجةً لذلک أجبرت هذه الدول على العودة إلى مجلس الأمن للسعی فی طلب قرار یجعل التعلیق الذی تطلبه الوکالة الدولیة للطاقة الذریة إلزامیاً". وفی 31 تموز/2006أصدر مجلس الأمن الدولی القرار (1696)(*)، وقد طالب القرار بأن تقوم إیران مع حلول 31 آب/2006 بتعلیق جمیع النشاطات المتعلقة بتخصیب الیورانیوم وإعادة معالجة البلوتونیوم وهی الأنشطة الخاضعة للتحقیق من قبل الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، وأکد أن تعلیق التخصیب، فضلاً عن امتثال إیرانی کامل لمتطلبات مجلس محافظی الوکالة الدولیة، سیسهمان فی التوصل إلى (حل دبلوماسی متفاوض بشأنه) یضمن أن برنامج إیران النووی هو لأغراض سلمیة حصراً، وحذر القرار من أنه فی حال عدم امتثال إیران، سیکون مجلس الأمن مرغماً على اتخاذ (إجراءات مناسبة) غیر محددة. وقد سارع المفاوض الإیرانی الرئیسی (علی لاریجانی)، إلى شجب القرار (1696) بوصفه قراراً (غیر قانونی)، وأعلن أن إیران ستواصل برنامج التخصیب إلى ما بعد مهلة التعلیق النهائیة التی حددها مجلس الأمن، وقبیل الموعد النهائی، استجابت إیران رسمیاً للعرض الذی قدمته دول (5 د +1)، ووصف لاریجانی الوثیقة بأنها تقدم (صیغة جدیدة) لتهدئة المخاوف الدولیة من برنامجها النووی، وقال أیضاً أن إیران مستعدة لعقد محادثات جدیة مع دول (5د+1) حول جمیع جوانب العرض المقدم من الأخیرة، بید أن لاریجانی کرر القول أن إیران لن توافق على تعلیق برنامج التخصیب کشرط مسبق لتلک المحادثات.
وتمیز خریف 2006، بمناقشات مطولة بین دول (5 د + 1) بشأن کیفیة الرد على الموقف الإیرانی تجاه القرار (1696)، فعلى الرغم من وجود توافق عام على وجوب أن یتخذ مجلس الأمن إجراء ضد إیران، استمرت الخلافات حول نوع الإجراءات التی یجب أن یتضمنها القرار، فالولایات المتحدة دعت إلى فرض عقوبات تجاریة واقتصادیة شاملة بهدف عزل إیران، وفی المقابل فضلت الصین وروسیا، والبلدان الأوربیة الثلاثة بدرجة أقل، سلسلة أکثر تحدیداً من إجراءات منخفضة المستوى، کخطوة أولى على الأقل تجاه تعزیز سلطة مجلس الأمن، وکان هناک خلاف أیضاً حول مسائل محددة، مثل إصرار روسیا - رغم اعتراض الولایات المتحدة - على أن یستثنی أی قرار من العقوبات معمل بوشهر للطاقة النوویة، إذ إن المعمل روسی المصدر.
وفی 23 کانون الأول/2006، اتخذ مجلس الأمن الدولی، بالإجماع، القرار (1737) بموجب المادة (41) من الفصل السابع من میثاق الأمم المتحدة، وعبر القرار عن عزم مجلس الأمن على إقناع إیران بالامتثال للقرار (1696) ولمتطلبات الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، وأیضاً على کبح تطویر إیران لتکنولوجیات حساسة داعمة لبرامجها النوویة والصاروخیة، وتضمن القرار لائحة بأسماء أشخاص معنویین وطبیعیین إیرانیین تم تجمید موجوداتهم وأصولهم المالیة ومراقبة محدودة لتحرکاتهم فی الخارج، وطلب من الدول الأعضاء فی الأمم المتحدة أن تتخذ الإجراءات الضروریة لمنع تورید أو بیع أو نقل مباشر أو غیر مباشر لمجموعة من المفردات التی یمکنها أن تساهم فی برامج إیران الخاصة بالتخصیب أو بمفاعل الماء الثقیل فضلاً عن تطویر أنظمة إیصال أسلحة نوویة کالصواریخ البالیستیة، کما وعد بالنظر فی إجراءات عقابیة إضافیة ملائمة فی قرار لاحق إذا کان ذلک ضروریاً فی حال رفض إیران الانصیاع لهذا القرار ویمهلها ستین یوماً إلى حین تلقیه تقریر من المدیر العام للوکالة الدولیة للطاقة حول امتثال إیران لهذا القرار وتعلیقها الکامل لبرنامج تخصیب الیورانیوم. وفی 22 شباط/2007 أبلغ المدیر العام للوکالة الدولیة (محمد البرادعی) مجلس محافظی الوکالة أن إیران لم تقم بتعلیق أعمال التخصیب أو غیرها من نشاطات دورة الوقود النووی.
وفی 24 آذار/2007 تبنى مجلس الأمن الدولی بالإجماع القرار (1747)، الذی شدد العقوبات على إیران وأعاد تأکید وجوب امتثالها دون مزید من التأخیر للخطوات التی یطلب مجلس حکام الوکالة اتخاذها، بما فیها تعلیق کامل ومستمر لجمیع النشاطات المتعلقة بالتخصیب وإعادة المعالجة وکذلک المصادقة على البروتوکول الإضافی وتنفیذه. کما قرر مجلس الاتحاد الأوربی فرض عقوبات إضافیة على إیران تتعدى العقوبات التی أمر بها القراران (1737) و (1747)، ومنها فرض حظر کامل على الأسلحة، کما أعلنت الولایات المتحدة رزمة شاملة من العقوبات تهدف إلى تقلیص النشاطات التجاریة والمصرفیة الدولیة فی إیران.
ویتضح لنا من خلال ما تقدم أن مجلس الأمن الدولی اعتبر انسحاب کوریا الشمالیة، وتهدید إیران بالانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة(*)، تهدیداً للسلم والأمن الدولیین، حیث عملت بعض الدول دائمة العضویة على تسخیر المجلس لفرض عقوبات على إیران بموجب القرار رقم (1737) لسنة 2006 والقرار (1747) لسنة 2007، بدعوى عدم امتثالها لوقف تخصیب الیورانیوم، على الرغم من أنه یتم للأغراض السلمیة، لا بل أن أکثر المفارقات غرابةً أن من یخضع لرقابة فرق التفتیش الدولیة، ونظام الضمان الشامل للوکالة الدولیة للطاقة الذریة یعتبر مهدداً للسلم والأمن یستوجب العقاب، بینما لا تعتبر "إسرائیل" التی ترفض الانضمام إلیها والخضوع لرقابتها وإشرافها وتطور وتنتج ما تشاء من أسلحة نوویة ولیس تخصیب الیورانیوم فقط دولة غیر مهددة للسلم والأمن الدولیین، ولا تفرض علیها أی عقوبات لأنشطتها النوویة، فلا زالت الوکالة الدولیة للطاقة الذریة تعمل بتجاهل تام لهذه القضیة، بل تتغاضى عن التهدیدات العلنیة التی توجهها لغیرها من الدول، ولا تحرک ساکناً تجاه الرفض الإسرائیلی الدائم لعدم التوقیع على الاتفاقیات الدولیة ذات الصلة.
وهکذا فإن الدول غیر الحائزة للأسلحة النوویة وذات العضویة فی معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة ملزمة بتطبیق أحکام معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة وممنوعة من ثم من امتلاک قدرات إنتاج الطاقة النوویة للأغراض العسکریة (ومن بینها إیران)، بینما تتمتع الدول غیر الأعضاء التی رفضت أو ترفض الانضمام إلیها، بإعفاء غیر مبرر من أحکام معاهدة منع الانتشار النووی ومن ترتیبات الوکالة الدولیة للطاقة الذریة وهذه هی حالة (إسرائیل). ولاشک فی أن هذه الازدواجیة فی المعاملة فی تطبیق قواعد القانون الدولی تزعزع الثقة فی مجلس الأمن الدولی وتفقده مصداقیته فی العمل على تحقیق السلم والأمن الدولیین، وعلى ذلک ألا تؤدی هذه الازدواجیة إلى سخط إیران وغیرها من الدول العربیة والإسلامیة التی تشعر بأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن والوکالة الدولیة للطاقة الذریة تستهدفها بصورة خاصة، وتفرض علیها عقوبات بدون مبرر قانونی بل ومع الخضوع التام لنظام الضمانات الشاملة، وبالتالی فقد تؤدی هذه الازدواجیة إلى إعلان إیران انسحابها من تلک المعاهدات والمواثیق التی تجعل من انضم إلیها والتزم بها فی وضع أسوأ ممن لم ینظم إلیها ولم یلتزم بأی التزام من التزاماتها. ونرى أنه إذا کان انسحاب کوریا الشمالیة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة یشکل تهدیداً للسلم والأمن الدولیین، کون المعاهدات الخاصة بمنع الانتشار النووی هی معاهدات ذات طبیعة خاصة، وإذا کان البرنامج النووی الإیرانی وتهدید إیران بالانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة یمثل قلقاً بالغاً للمجتمع الدولی، فإن الواقع الدولی یؤکد أن التنافس النووی وخاصةً بین دول النادی النووی -الدول دائمة العضویة فی مجلس الأمن - قد ترک مخزوناً نوویاً هائلاً یعادل (30,000) قنبلة من طراز هیروشیما، کما ترک تلوثاً نوویاً هائلاً فی عشرات المواقع والمرافق فی معظم بلاد السلاح النووی خاصةً (الولایات المتحدة وروسیا الاتحادیة)، وسبب ضحایا بشریة فی کل هذه المواقع والمرافق، کما امتد التلوث إلى أماکن کثیرة فی العالم. فلا شک فی أن هذا المخزون لأی من هذه الدول الکبرى یشکل تهدیداً مباشراً للسلم والأمن الدولیین، بما ینفی عن الدول الدائمة العضویة بمجلس الأمن - الدول الحائزة للأسلحة النوویة - مصداقیتها فی توخی المحافظة على سلامة وأمن واستقرار المجتمع الدولی، فلقد شهدت حقبة التسعینات من القرن العشرین، أعلى درجات نکوص الدول النوویة الکبرى عن التزاماتها الدولیة فیما یتعلق بالانتشار النووی الرأسی، الذی تمثل فی تصاعد حدة التجارب النوویة، وتطویر ترسانات أسلحة الدمار الشامل بجمیع صورها وأشکالها، داخل هذه الدول. فلقد شهدت السنوات الأولى من حقبة التسعینات قیام کل من الصین وفرنسا بإجراء تجارب نوویة جدیدة لزیادة کم ونوع ترسانتها النوویة وقدراتهما التسلیحیة فی هذا المجال، أما بریطانیا فقد قام خبراء أسلحة الدمار الشامل بالجیش البریطانی فی مجال الحرب البیولوجیة بتطویر استخدام بکتیریا وجراثیم حیة، من بینها جرثومة (أی کولای) التی أدت إلى وفاة العدید من الأشخاص فی اسکتلندا عام 1997، بعد اکتشافها فی اللحوم، ولقد کشف عن تلک التجارب أحد العلماء فی جامعة أکسفورد البریطانیة، کما اعترفت الحکومة البریطانیة بأنها کانت تلقی بالنفایات النوویة سراً بالقرب من ممر مائی تبحر فیه السفن بین اسکتلندا وایرلندا الشمالیة، وأنها کانت تستخدم (بحر المانش) فی التخلص من النفایات الإشعاعیة، أما الولایات المتحدة الأمریکیة فقد سجلت أعلى درجات المخالفة والانتهاک الواضح للمواثیق والالتزامات الدولیة فی مجال حظر إنتاج واستحداث أسلحة الدمار الشامل، وإجراء التجارب النوویة، بالمخالفة لمسؤولیاتها کدولة کبرى، یفترض فیها الحرص على احترام وصیانة السلم والأمن الدولیین وهو ما یتضح بإیجاز فیما یأتی:
1. بتاریخ 9 نیسان /1996، أعلنت الحکومة الأمریکیة تهدیدها بالانسحاب من معاهدة حظر التجارب النوویة، وقد بررت ذلک بتجاهل الحد الأدنى من الشروط الأمریکیة فیما یتعلق بنطاق المعاهدة وطرق التثبت من تنفیذها، وخاصةً تحدید موعد بدء سریانها.
2. أعلن ولیام بیری - وزیر الدفاع الأمریکی الأسبق - قبل منتصف عام 1996، عزم الولایات المتحدة الأمریکیة الاحتفاظ بحقها فی اللجوء إلى الردع النووی للرد على أی هجوم تتعرض له بالأسلحة الکیمیائیة والبیولوجیة، الأمر الذی انتقده خبراء ضبط التسلح، مؤکدین على أن مثل هذه التصریحات تتناقض مع تعهدات دولیة، التزمت بها الولایات المتحدة منذ عام 1978، وتقضی بعدم لجوء الولایات المتحدة إلى استخدام السلاح النووی ضد أی دولة غیر نوویة، أو أی عضو فی معاهدة منع الانتشار النووی(*).
3. بتاریخ 28 حزیران /1997، أعلنت وزارة الطاقة الأمریکیة أن الولایات المتحدة بدأت بتاریخ 27 حزیران /1997، فی إجراء سلسلة من التجارب النوویة فی صحراء (نیفادا) وذلک لاختبار کفاءة مخزونها النووی، کما أعلنت أن الحکومة الأمریکیة قد فجرت نحو (73) کیلوجراماً من المواد النوویة داخل نفق تحت سطح الأرض بعمق (293) م لقیاس مدى تأثیر البلوتونیوم تحت الضغط المرتفع.
4. بتاریخ 19أیلول/1997، قامت الولایات المتحدة بإجراء تجربة نوویة عن طریق استخدام البلوتونیوم المشع، وهو الأمر الذی عارضه الخبراء الدولیون، استناداً إلى أن هذه التجارب ستشجع روسیا والصین على استئناف تجاربهما النوویة الکاملة.
5. على الرغم من تصدیق الولایات المتحدة الأمریکیة على معاهدة حظر الأسلحة الکیمیائیة سنة 1997، إلا أن مخالفة هذه الدولة لأحکام هذه المعاهدة قد تحققت فی العام التالی مباشرةً، وذلک عندما کشفت صحیفة (هیوستن کونیکل) بتاریخ 24 آب/1998 عن قیام مصنع کیمیائی بولایة لویزیانا الأمریکیة بإنتاج (غاز الخردل) الذی یعتبر من أحد أکثر الأسلحة الکیمیائیة خطورةً على الإطلاق.
ویتضح لنا من خلال ما تقدم أبعاد حقیقیة مواقف الدول الکبرى فی مجلس الأمن، التی تتمتع بعضویة دائمة فیه بزعم مسؤولیتها عن صیانة وحفظ السلم والأمن الدولیین، فقد تبین لنا مدى حرص هذه الدول على حیازة وامتلاک بل وتطویر ما تمتلکه من ترسانات نوویة هائلة، فضلاً عن جمیع منظومات أسلحة الدمار الشامل الأخرى، الأمر الذی یعد مخالفة صریحة لالتزامات هذه الدول فیما یتصل بالمعاهدات الدولیة الخاصة بالحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی وحظر انتشار واستحداث وإنتاج أسلحة الدمار الشامل، وهو ما یؤکد انتفاء مصداقیة الدول النوویة الکبرى فی حفظ السلم والأمن الدولیین.
الخاتمـة
بعد أن انتهینا من کتابة بحثنا الموسوم بــــــ (الانسحاب من معاهدات الحد من حیازة الأسلحة ومنع الانتشار النووی) نجد من الضروری أن ندون أبرز ما توصلنا إلیه من استنتاجات بشأنه وکما یأتی:
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English)
First: Books:
1. Dr. Ibrahim Ahmed Shalaby, International Organization, University House for Printing and Publishing, Beirut, Lebanon, 1984.
2. Dr. Ahmed Mahmoud Gomaa, Diplomacy in the Era of Globalization, Second Edition, Arab Renaissance House, Cairo, Egypt, 2006.
3. Ashton B. Carter and William J. Perry, Preventive Defense: A New American Security Strategy, by Asaad Halim, First Edition, Al Ahram Center for Translation and Publishing, Cairo, Egypt, 2001.
4. Dr. Ashraf Arafat Abu Hijaz, Mediator in the Law of International Organization, Second Edition, Dar Al-Nahda Al Arabiya, Cairo, Egypt, 2007.
5. Dr. Thamer Kamel Mohammed Al Khazraji, International Political Relations, First Edition, Dar Majdalawi Publishing and Distribution, Amman, Jordan, 2005.
6. Dr. Jaber Ibrahim Al-Rawi, International Disputes, Dar es Salaam Press, Baghdad, Iraq, 1978.
7. Dr. Hazem Mohamed Attlem, The Changing Rule of the General Theory and the Egyptian - Israeli Peace Treaty, Second Edition, Arab Renaissance House, Cairo, Egypt, 2005.
8. Dr. Hamid Sultan, Public International Law in Times of Peace, 6th ed., Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, Egypt, 1976.
9. Dr. Hossam Ahmed Mohamed Hendawi, The Limits of the Powers of the Security Council in Light of the Rules of the New World Order, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, Egypt, 1994.
10. Dr. Hassan Nafea et al., United Nations, The Needs of Reform after Half a Century, Arab Perspective, First Edition, Center for Arab Unity Studies, Beirut, Lebanon, 1996.
11. Dr. Hussein Hanafi Omar, Withdrawal from Treaties and International Nuclear Organizations, First Edition, Arab Renaissance House, Cairo, Egypt, 2008.
12. Dr. Khalil Ismail Al-Hadithi, Mediator in International Organization, Faculty of Law and Politics, University of Baghdad, Baghdad, Iraq, 1991.
13. Khalil Hussein, Contemporary International Issues, First Edition, Lebanese Manhal House, Beirut, Lebanon, 2007.
14. Dr. Saud Raad, Nuclear Radiation, The Story of Chernobyl and the Future of Humanity, Gross Press Tripoli, Lebanon, 1986.
15. Dr. Susan Mouawad Ghoneim, International Legal Systems for Ensuring Peaceful Uses of Nuclear Energy, New University House, Alexandria, Egypt, 2011.
16. Dr. Salah al-Din Ahmad Hamdi, Aggression in Light of International Law, First Edition, Dar al-Qadisiya Press, Baghdad, Iraq, 1987.
17. Dr. Salah Eddin Amer, Introduction to the Study of Public International Law, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, Egypt, 2007.
18. Dr. Abdul Karim Alwan, Mediator in International Law, First Book, General Principles, Dar Al-Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman, Jordan, 2009.
19. Dr. Essam Al - Attiyah, International Public Law, 7th Edition, Al - Aatek Book Manufacturing Company, Cairo, Egypt, 2008.
20. Dr. Ali Ibrahim, International Rights and Duties in a Changing World, The Great Principles and the New International Order, Arab Renaissance House, Cairo, Egypt, 1997.
21. Dr. Ali Sadiq Abu Heif, General International Law, 17th Edition, Al Ma'arif, Alexandria, Egypt, 1992.
22. Dr. Amr Reza Bayoumi, The Destruction of Iraqi Weapons of Mass Destruction, A Study of the Legal, Political and Strategic Implications of the Second Gulf War, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, Egypt, 2000.
23. Dr. Fatna Abdel Aal Ahmed, International Economic Sanctions, First Edition, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, Egypt, 2000.
24. Dr. Committee on Weapons of Mass Destruction, Weapons of Terror, World Nuclear, Biological and Chemical Weapons, Translation and Dissemination: Center for Arab Unity Studies, Beirut, Lebanon, 2007.
25. Dr. Mohsen Afkairin, International Public Law, First Edition, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, Egypt, 2005.
26. Dr. Mohsen al-Shishakli, Mediator of Public International Law, Dar al Kutub Press, Beirut, Lebanon, 1973. Mr. Mustafa Ahmed Abulkhair, General Principles in Contemporary International Law, First Edition, Itrak Publishing and Distribution, Cairo, Egypt, 2006.
27. Dr. Mohamed Hafez Ghanem, Principles of Public International Law, New Renaissance Press, Cairo, Egypt, 1967.
28. Dr. Mohamed Sami Abdel Hamid et al., General International Law, Knowledge Establishment, Alexandria, Egypt, 2004.
29. Dr. Mohamed Abdullah Noman, Safeguards for the Use of Nuclear Energy for Peaceful Purposes, Dar Al-Nahda Al Arabiya, Cairo, Egypt, 2001.
30. Dr. Mahmoud Khairi Bennouna, International Law and the Use of Nuclear Energy, Second Edition, Cairo, Egypt, 1971.
31. Dr. Mahmoud Maher Mohamed Maher, International Safeguards System for Peaceful Uses of Nuclear Energy, Arab Renaissance House, Cairo, Egypt, 1980.
32. Dr. Mustafa Ahmed Fouad, The General Theory of International Actions of the Single Will, Knowledge Establishment, Alexandria, Egypt, 1984.
33. Dr. Mamdouh Shawki Mustafa Kamel, National Security and International Collective Security, First Edition, Arab Renaissance House, Cairo, Egypt, 1985.
Second: Research:
1. Dr. Saad al-Ajmi's weight, peaceful nuclear energy and the rules of international public law (with particular reference to the current Iranian nuclear crisis), Kuwaiti Journal of Law, No. 2, 2005, Scientific Publishing Council, Kuwait University, Kuwait, 2005.
2. Dr. Hamid Sultan, withdrawal from the United Nations, Egyptian Journal of International Law, Volume I, 1967, Egyptian Society of International Law, Cairo, Egypt, 1967.
3. Dr. Hassan Ahmad Al-Rawi, Termination, Withdrawal or Suspension of Treaties, Journal of Judiciary, First and Second Issues, 1980, Bar Association, Baghdad, Iraq, 1980.
4. Shannon N. Kyle, The Limitation and Proliferation of Nuclear Weapons, Research in Armaments, Disarmament and International Security, Stockholm Institute for International Peace Research, Annual Book, 2008, Translation and Dissemination: Center for Arab Unity Studies, Beirut, Lebanon, 2008.
5. Shannon N. Kyle, Nuclear Arms Control and Non-Proliferation, Research in Arms Control, Disarmament and International Security, Stockholm Institute for International Peace Research, 2005 Annual Book, Translation and Dissemination: Center for Arab Unity Studies, Beirut, Lebanon, 2005.
6. Shannon N. Kyle, The Prohibition and Limitation of Nuclear Weapons, Research in Armaments, Disarmament and International Security, Stockholm Institute for International Peace Research, Annual Book, 2007, Translation and Dissemination: Center for Arab Unity Studies, Beirut, Lebanon, 2007.
7. Dr. Amer Abdul Fattah Al-Jumard, Treaties under Chapter VII of the Charter of the United Nations, Rafidain Law Journal, No. (19), 2003, Faculty of Law, Mosul University, Mosul, Iraq, 2003.
8. Dr. Fakhri Rashid Al-Muhanna, The Extent of the Security Council's Discretion in the Application of Chapter VII Procedures, Journal of Legal Sciences, Vol. X, No. 2, 1994, Faculty of Law, University of Baghdad, Baghdad, Iraq, 1994.
9. Krister Ahlstrom, Withdrawal from Arms Control Treaties, Research published in the Handbook on Arms, Disarmament and International Security, Stockholm Institute for International Peace Research, Annual Book, 2004, Translation and Dissemination: Center for Arab Unity Studies, Beirut, Lebanon, 2004.
10. Dr. Mohamed Abdel Salam, New Strategies for the Use of Nuclear Weapons, Journal of International Politics, No. (164), 2006, Al-Ahram Center for Political and Strategic Studies, Cairo, Egypt, 2006.
11. Dr. Mohamed Abdel Shafie Issa, The Iranian Nuclear Crisis: The Facts of Power and the Options of Conflict, Journal of the Future Arab, No. 346, 2007, Center for Arab Unity Studies, Beirut, Lebanon, 2007.
12. Dr. The American Position on the Iranian Nuclear Program, Journal of Humanities and Social Studies, Vol. (34), 2007, University of Jordan, Deanship of Scientific Research, Amman, Jordan, 2007.
Third: Foreign sources:
1. E schwelb, The nuclear test ban treaty and international law, A.J.I.L, Vol 58, 1964.
2. Fawcett, J.E.S., detourement depouvoir by international organization, B.Y.B.I.L.1957.
3. Fenwich, Charles G, international Law: The old and the new, A.J.I.L. Vol 60, 1966
4. Lord Mac Nair, the Law of Treaties, 1961.
5. Oppenheim, international Law (A tratreatise), Vol.I, 8th, edition.1958.
6. wright Quincy, international law and united nations, 1961.