الملخص
یُعد التعدی على العقار أحد أنواع الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی، التی وردت على سبیل الحصر فی قانون الأخطاء المدنیة، وهو قانون غیر مکتوب یستند على السوابق القضائیة للمحاکم الإنکلیزیة، ومن أهم الأخطاء المدنیة الأخرى التی وردت فی هذا القانون: الإهمال والتشهیر والقذف والإزعاج والمضایقة. والتعدی على العقار هو تعرض غیر مسوغ لحیازة عقار معین. أما عناصر التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی فهی:
1- قیام المدعى علیه بعمل یعد تعدیاً.
2- الدخول المتعمد إلى عقار الغیر.
3- وجود علاقة سببیة.
ویستند أساس المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن التعدی فی القانون الإنکلیزی على النظریة الشخصیة للمسؤولیة لاعتماده على الفعل العمدی أو الذی یبنى على العمد أو مسؤولیته، وهو یشبه المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإهمال، إذ ینضوی کلاهما تحت عنوان النظریة الشخصیة للمسؤولیة التی تتمثل بالمسؤولیة الخطئیة
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی -دراسة مقارنة- مع القانون المدنی العراقی-(*)-
قصی سلمان هلال ونس صلاح الدین علی جامعة جیهان الأهلیة جامعة جیهان الأهلیة Qusay Salman Hilal Younis Saladin Ali Cihan National University Cihan National University Correspondence: Qusay Salman Hilal E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 9/4/2013 *** قبل للنشر فی 24/4/2013.
(*) Received on 9/4/2013 *** accepted for publishing on 24/4/2014.
Doi: 10.33899/alaw.2013.160710
© Authors, 2013, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
یُعد التعدی على العقار أحد أنواع الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی، التی وردت على سبیل الحصر فی قانون الأخطاء المدنیة، وهو قانون غیر مکتوب یستند على السوابق القضائیة للمحاکم الإنکلیزیة، ومن أهم الأخطاء المدنیة الأخرى التی وردت فی هذا القانون: الإهمال والتشهیر والقذف والإزعاج والمضایقة. والتعدی على العقار هو تعرض غیر مسوغ لحیازة عقار معین. أما عناصر التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی فهی:
1- قیام المدعى علیه بعمل یعد تعدیاً.
2- الدخول المتعمد إلى عقار الغیر.
3- وجود علاقة سببیة.
ویستند أساس المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن التعدی فی القانون الإنکلیزی على النظریة الشخصیة للمسؤولیة لاعتماده على الفعل العمدی أو الذی یبنى على العمد أو مسؤولیته، وهو یشبه المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإهمال، إذ ینضوی کلاهما تحت عنوان النظریة الشخصیة للمسؤولیة التی تتمثل بالمسؤولیة الخطئیة.
Abstract
Trespass to land is considered as a kind of civil tort in English law.
It is worth-bearing in mind that these civil torts have been included within the law of torts, which is defined as an unwritten law, based on judicial precedents made by English courts.
This law has also contained some other torts, the most important of which are negligence, defamation, and nuisance; trespass to land can be defined as an unjustifiable interference with the possession to land.
The elements of this kind of tort are as follows:
1- The act of trespass.
2- Unlawful entry to land.
3- Causation or causal relationship.
It is to be noted that the basis of civil liability emerged from the trespass to land lies in the subjective theory of liability, because it depends upon the international act, based upon intention and malice, which corresponds the liability for negligence, if can, therefore, be said that both of them come under the title of the strict-liability tort.
المقدمـة
وتتضمن النقاط الآتیة:
أولا- مدخل تعریفی بموضوع البحث.
یعد التعدی على العقار نوعاً من أنواع الخطأ المدنی (Tort) فی القانون الإنکلیزی. وقد جاءت هذه الأخطاء المدنیة فی القانون الإنکلیزی على سبیل الحصر، ضمن إطار ما یعرف بقانون الأخطاء المدنیة (Law of torts) الذی یعنى بفکرة المصالح المحمیة بالقانون، إذ أن جوهر هذا القانون هو وجود مصالح یتمتع بها الإنسان فی المجتمع وتحظى هذه المصالح بحمایة القانون. وتکونت هذه الأخطاء المدنیة التی تضمنها هذا القانون بمرور الزمن بفعل السوابق القضائیة التی دأبت المحاکم الإنکلیزیة على إصدارها لأن قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی هو قانون غیر مکتوب یستند على السوابق القضائیة. ویتمثل هذا النوع من الأخطاء المدنیة بالتعدی على عقار الغیر إما بالدخول غیر المشروع لهذا العقار أو البقاء فیه على غیر وجه حق أو بوضع أشیاء معینة فی العقار أو إقامة محدثات فیه من دون رضا المالک أو الحائز.
ثانیا- أسباب اختیار موضوع البحث.
ثالثا- نطاق البحث.
یهدف البحث إلى دراسة أحد أنواع الأخطاء المدنیة فی القانون الإنکلیزی والترکیز على مسألة الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن هذا الخطأ المدنی المتمثل بالتعدی على عقار الغیر ومقارنتها بفکرة التعدی والغصب فی القانون المدنی العراقی.
رابعا- منهجیة البحث.
سنتبع فی هذه الدراسة منهج البحث القانونی الوصفی المقارن بدراسة فقهیة معمقة لفکرة التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی ومقارنتها بفکرة الغصب فی القانون المدنی العراقی.
خامسا- هیکلیة البحث.
فی ضوء ما تقدم فإن هذه الدراسة سوف تنقسم إلى مبحثین على وفق ما یأتی:
المبحث الأول
التعریف بالتعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی
یعد التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی (Trespass to land) نوعا من أنواع الخطأ المدنی (Tort) والتی تضمنها قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی الذی هو قانون غیر مکتوب یستند على السوابق القضائیة وقد أورد هذا القانون، أی قانون الأخطاء المدنیة (law of torts) عدد من الأخطاء المدنیة على سبیل الحصر ومن ضمنها التعدی على العقار فضلا عن تطبیقات أخرى کالإهمال والتشهیر أو القذف. للتعرف على مفهوم وماهیة التعدی على العقار فسوف نقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب نتناول فی الأول تعریف التعدی على العقار وفی المطلب الثانی أنواع التعدی على العقار وفی المطلب الثالث عناصر التعدی على العقار وخصائصه على وفق التقسیم الآتی:
المطلب الأول
تعریف التعدی على العقار
ذکرنا سابقا بأن التعدی على العقار یعد نوعا من أنواع الأخطاء المدنیة فی القانون الإنکلیزی.
وقد وردت هذه الأخطاء وتطبیقاتها على سبیل الحصر فی قانون الأخطاء
المدنیة الإنکلیزی (law of torts) الذی تضمن عددا کبیرا من السوابق القضائیة
التی جسدت تطبیقات المحاکم الإنکلیزیة لفکرة الخطأ المدنی والمسؤولیة التی تترتب
على ارتکاب مثل هذه الأخطاء وهذه السوابق تکون واجبة الاتباع من بقیة المحاکم
الإنکلیزیة فی الموضوع نفسه ولیس المحکمة التی أصدرت هذه السابقة فحسب لذا فقد عرف جانب من الفقه الإنکلیزی التعدی على العقار بأنه (تعرض غیر مسوغ لحیازة عقار معین)
(unjustifiable interference with the possession to land).
وعرفه جانب آخر من الفقه الإنکلیزی بأنه (دخول متعمد أو عمدی إلى أرض الغیر). ویتبین من التعریف الأول المذکور سلفاً بأن التعدی على العقار کخطأ مدنی فی القانون الإنکلیزی یرتکب ضد أو یمس حیازة العقار ولیست ملکیته. لذا فإن المسؤولیة المترتبة على هذا النوع من الأخطاء المدنیة تکون الغایة منها توفیر الحمایة لمفهوم الحیازة الخالصة فی القانون الإنکلیزی (exclusive possession) أی الحیازة الخالصة للعقار وهی الحیازة الحقیقیة. فأی شخص یتمتع بالحیازة الخالصة أو الحقیقیة للعقار بإمکانه أن یرفع دعوى التعدی على العقار بوصفه مدعیا ولا یستوجب منه أن یکون بالضرورة مالکا للعقار وکل ما یحتاجه أن تتوفر لدیه الحیازة بالوصف الذی أشرنا إلیه فی أعلاه. وتجدر الإشارة أیضا إلى أن جانب من الفقه الإنکلیزی عرف المتجاوز أو المتعدی على العقار (trespasser to land) بأنه (کل شخص یدخل عقارا یکون فی حیازة شخص آخر أو یقیم فیه بعد دخوله ومن دون أیة رخصة أو موافقة تصدر عن الحائز). ویرى هذا الجانب من الفقه أیضا بأن کلمة (تعدی) (trespass) تنطوی على التجاوز المتعمد أو المقصود على عقار شخص آخر. لذا فإن هذا النوع من الأخطاء المدنیة فی القانون الإنکلیزی یمکن أن یصنف أو یکیف بأنه نوع من أنواع الأخطاء المدنیة العمدیة (intentional torts).
المطلب الثانی
أنواع التعدی على العقار
یتخذ التعدی على العقار بوصفه أحد أنواع الأخطاء المدنیة التی ورد ذکرها حصرا فی قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی أشکال عدیدة أو صور ومن أهم هذه الصور أو الأشکال هی التعدی على العقار بالدخول غیر المشروع والتعدی على العقار بالبقاء فیه بعد دخوله والتعدی على العقار بوضع أشیاء معینة فیه والتعدی على العقار بأثر رجعی أو منذ البدء والتعدی الواقع فوق سطح العقار أو ما دونه (أو تحته). وعلى أساس هذا التقسیم فسوف نتناول فی هذا المطلب الأنواع أو الصور المذکور سلفاً على وفق ما یأتی:
الفرع الأول
التعدی على العقار بالدخول غیر المشروع إلیه
ویعد هذا النوع من أنواع التعدی على العقار الأهم والأکثر شیوعا من بین
أنواع وصور التعدی على العقار.
ویعرف فی القانون الإنکلیزی باصطلاح (trespass by wrongful entry) ویتمثل بقیام المدعی علیه بالدخول شخصیا إلى عقار المدعی. ویرى جانب من الفقه الإنکلیزی بأن هذا النوع من التعدی یمکن أن یتحقق بأدنى قدر أو حد من التجاوز أو الاجتیاز لحدود عقار الغیر. یرى هذا الجانب من الفقهبأن مجرد قیام شخص بإدخال یده فی شباک عقار أو بیت شخص آخر یمثل تعدیا قد یرقى إلى درجة التعدی على العقار بالدخول غیر المشروع إلیه. ومن أقدم السوابق القضائیة الإنکلیزیة المتعلقة بهذا النوع من التعدی على العقار هی السابقة القضائیة الإنکلیزیة المعروفة بـ(Entick v. Carrington 1765) التی تتلخص وقائعها بإدعاء المدعی بأن ضباط الملک قاموا باقتحام منزله بحثا عن أوراق ومستندات وقد حصلوا علیها وأخذوها.ودفع المدعى علیهم أمام المحکمة بأنهم کانوا یتمتعون بتفویض رسمی على شکل مذکرة تفتیش صادرة عن السلطات. إلا أن المحکمة اعتبرت فی معرض حکمها بأن السلطات لیس لهااختصاص بإصدار مثل هذه المذکرات وحکمت أو قضت بمسؤولیة المدعى علیهم بالتعدی على عقار الغیر. ویمیز جانب من الفقه الإنکلیزی بین هذا النوع من التعدی وبین ما یعرف بالتعدی الجنائی (criminal trespass). وبموجب هذا النوع الثانی أو الأخیر من التعدی فإن التجاوز أو التعرض یجب أن یتم باستعمال القوة والعنف. الأمر الذی لا یتوفر فی النوع الأول الذی نحن بصدد مناقشته. إلا أن ما یمیز النوعان کلاهما من التعدی هو أن الدخول إلى العقار یکون دخولا غیر مشروع (unlawful or wrongful entry) إذ یقوم المتعدی بدخول عقار لیس له حق دخوله.
ویذهب جانب آخر من الفقه الإنکلیزی بأن هذا النوع من التعدی قد یتحقق أیضا بالتعسف فی استعمال حق الدخول إلى العقار (abuse of right of entry) فالشخص الذی یستخدم الطریق العام لأی غرض آخر غیر المرور فإنه یعد متعدیا (trespass) وفقا لقانون الأحکام العام الإنکلیزی (common law) وقد تعزز هذا الرأی بالسابقة القضائیة (Hickman v. maisey 1900) التی تتلخص وقائعها بقیام شخص باستخدام طریق عام یمر فی أرض شخص آخر لیس لأغراض المرور بل لتجربة حصان لأغراض السباق، لذا فقد قررت المحکمة بأن مالک الجواد قد ارتکب خطأ التعدی على عقار فی حیازة شخص آخر لاستخدامه الطریق لأغراض أخرى غیر المرور.
الفرع الثانی
التعدی على العقار بالبقاء فیه بعد دخوله
ویتحقق هذا النوع من التعدی على العقار عند قیام الشخص بالبقاء فی عقار الغیر بعد أن انتهى أو توقف حق دخوله إلى عقار الغیر الذی دخله بشکل مشروع. ویرى جانب من الفقه الإنکلیزی بأن رفض مغادرة العقار بعد انتهاء الحق فی المکوث فیه یعد تعدیا على العقار الخطأ المرتکب نفسه عند دخوله أصلا دخولا غیر مشروع ومن بدون وجه حق.
ویطلق على هذا النوع من التعدی أیضا بالتعدی المتواصل أو المستمر
(continuing trespass) أی بقاء المتعدی فی عقار یکون مملوکا لشخص آخر أو تحت حیازته.
ومن السوابق القضائیة المعروفة فی هذا النوع من التعدی هی السابقة القضائیة
(Hey v. Moorhouse 1839) التی تتلخص وقائعها بقیام المدعى علیه المستأجر بالبقاء فی عقار المؤجر بعد انقضاء مدة عقد الإیجار. إلا أن المحکمة الإنکلیزیة قضت أیضا ضمن حیثیات هذه السابقة بأن المدعى علیه لا یعد متعدیا إلا بعد تقدیم طلب إلى المحکمة. ومن الأمثلة أیضا على هذا النوع من التعدی سقوط شجرة من دار شخص على دار شخص آخر إذ تتجاوز حدود عقار الشخص الذی سقطت فی عقاره.
الفرع الثالث
التعدی على العقار بوضع أشیاء معینة فیه
ویتم التعدی على العقار بهذه الصورة عندما یقوم المتعدی بوضع أشیاء أو منقولات فی عقار مملوک للغیر أو فی حیازته. ویرى جانب آخر من الفقه الإنکلیزیبأن هذا النوع من التعدی على العقار یمثل صورة أخرى للتعدی المستمر (continuing trespass) إذ سیستمر التعدی أو التجاوز أو التعرض مادام الشیء الذی وضعه المتعدی موجودا فی العقار. وبالذکر أن المحاکم الإنکلیزیة کانت قد ذهبت أیضا إلى تقریر هذا النوع من التعدی فی حالة التجاوز على عقار الغیر لیس فحسب بوضع أشیاء أو منقولات فیه بل عن طریق إقامة أو تشیید بناء علیه مهما کان نوعه ویعد هذا النوع من التعدی یمثل أیضا تعدیا متواصلا أو مستمرا (continuing trespass). ففی السابقة القضائیة المعروفة بـ(Holmes v. Wilson 1839) فقد أقرت المحکمة هذا المبدأ. وتتلخص وقائع هذه السابقة بقیام المدعى علیهم بتشیید دعائم تسند طریقا عائما یغرق فی میاه الأمطار. وقد تسبب تشیید هذه الدعائم فی التعدی على عقار المدعی. وقد قاضى المدعی المدعى علیهم وحصل على تعویض. إلا أن المدعى علیهم لم یقوموا برفع الدعائم وإزالتها لذا فقد قام المدعی بمقاضاتهم مجددا. وقد دفع المدعى علیهم أمام المحکمة بسقوط دعوى المدعی بالتقادم أو مرور الزمان إلا أن المحکمة رفضت ذلک واستندت إلى وجود تعدی متواصل أو مستمر (continuing trespass) الذی یستمر بدوره ما دامت الدعائم أو الرکائز ثابتة فی عقار الغیر. وذکرت المحکمة فی معرض حکمها بأنه بإمکان المدعی رفع دعاوى متعاقبة ومن وقت لآخر إلى حین إزالة العوائق أو الشواغل.
الفرع الرابع
التعدی على العقار بأثر رجعی منذ البدء
وفی هذا النوع من التعدی فإن دخول المدعى علیهم إلى العقار یکون مشروعا بقوة القانون (by authority of law) إلا أن المدعى علیه یتعسف فی استعمال هذا الحق أو یسیء استعماله لاحقا عندئذ یتحقق مفهوم التعدی منذ البدء أو بأثر رجعی ویعرف فی القانون الإنکلیزی باصطلاح (trespass ab initio) ویصبح الشخص المتعدی متعدیا بأثر
رجعی (trespasser ab initio) ولا ینطبق هذا المبدأ إلا فی الحالات التی یمثل فیها
التعسف فی استعمال الحق فعلا غیر مشروع إیجابی ولیس مجرد امتناع عن عمل.
ویطبق القضاء الإنکلیزی فی السابق هذا المبدأ على مذکرات التفتیش التی تصدرها الشرطة (police search warrants) وذلک عندما تقوم الشرطة بالتعسف أو إساءة استعمال حق الدخول والتفتیش فیصیر الدخول المشروع تعدیا منذ لحظة الدخول بأثر رجعی.
إلا أن التطبیقات الحدیثة أو المعاصرة للمحاکم الإنکلیزیة فی هذا الموضوع اعتبرت أن التعسف الجزئی (partial abuse) للشرطة أو إساءتها فی استعمال حقها جزئیا فی الدخول إلى المساکن وتفتیشها لا یجعل دخولها غیر مشروع بأثر رجعی.
وقد اتبعت المحاکم الإنکلیزیة هذا المبدأ الجدید فی السابقة القضائیة المعروفة بـ
(chic fashions (westWales) Ltd, v. Johns, 1968) التی تتلخص وقائعها بقیام الشرطة بإجراء تفتیش فی منزل المدعی بحثا عن مسروقات واستولت على أمتعة لاعتقادها خطأ بأنها مسروقة.وقد اعتبرت المحکمة بأن استیلاء الشرطة على الأمتعة بأنه أمر مشروع لدخولها المنزل بمذکرة تفتیش تخولها الاستیلاء على أی شیء تعتقد بأنه مسروق. وقد أثارت محکمة الاستئناف الشکوک حول صحة أو مشروعیة موضوع التعدی على العقار بأثر رجعی الذی یستند على فکرة أن الأفعال التی تبدأ بشکل مشروع یمکن ان تصیر غیر مشروعة بوقائع لاحقة وأکدت بأن مشروعیة الفعل یجب تقدیره وقت صدوره.
الفرع الخامس
التعدی الواقع فوق سطح العقار أو ما دونه (أو تحته)
إن الفکرة السائدة فی القانون الإنکلیزی هی ان الشخص الذی یملک العقار یعد مالکا للقضاء الذی یعلوه وما تحته من عمق. لذا فإن التعدی على العقار یمکن أن یرتکب من أی شخص یقوم بحفر نفق تحت العقار أو یسیء استعمال الفضاء أو المجال الجوی الذی یعلو العقار.
وقد تجسد هذا المبدأ بوضوح فی السابقة القضائیة (Kelsen v. imperialTobacco co 1957) التی تتلخص وقائعها بقیام المدعى علیهم بتشیید ورفع إعلانات ضخمة تجاوزت المجال الجوی للمدعی بمقدار ثمانیة إنجات وقد قررت المحکمة بتحقق التعدی على العقار. إلا أن السابقة القضائیة المعروفة بـ(Anchor Brewhouse developments Ltd, Berkley House (Docklands developments) Ltd, 1987)
کانت قد میزت بین الطائرات والأشیاء الأخرى التی تتدلى فوق العقار کالرافعات. فلا تعد الطائرات مرتکبة لأی تعد إذا ما حلقت فوق ارتفاع معقول (reasonable height) بعکس الأشیاء الأخرى المتدلیة والرافعات فإن وجودها فوق عقار المدعی یعد تعدیا على عقاره أو العقار الذی هو فی حیازته حتى إن کانت على ارتفاع لا یؤثر على استعمال المدعی لعقاره أو لا یخل بهذا الاستعمال.
المطلب الثالث
عناصر التعدی على العقار وخصائصه
یقوم التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی على عدد من العناصر (أو الأرکان) بعضها یکون ضروریا لقیام وجوده ومن ثم تسببه فی تحقق مسؤولیة المدعى علیه. وفإنه یتمیز ببعض الخصائص التی تمیزه عن أنواع الخطأ المدنی التی وردت فی قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی والمعروف بـ(the law of torts) لذا نقوم بتقسیم هذا المطلب إلى فرعین نبحث فی الأول عناصر التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی وفی الثانی خصائص التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی على وفق ما یأتی:
1- الفرع الأول: عناصر التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی.
2- الفرع الثانی: خصائص التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی.
الفرع الأول
عناصر التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی
أشرنا سابقا إلى أن التعدی على العقار هو أحد صور الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی الذی أورد هذه الأخطاء على سبیل الحصر ودون النص على قاعدة عامة تحدد المسؤولیة عن الفعل الضار وترسم حدودها جریا على عادة قانون الأحکام العام الإنکلیزی (common law) الذی یتضمن سوابق قضائیة وتطبیقات للمحاکم الإنکلیزیة من دون القواعد العامة التی تنطوی علیها تقنینات الدول التی تأخذ بنظام القانون المدنی (civil law) ویتحقق التعدی على العقار بتوفر العناصر الآتیة:
أولا: قیام المدعى علیه بعمل یعد تعدیا. إذ کما أشرنا سابقا فإن هذا العمل یجب أن یکون عملا إیجابیا غیر مشروع ولا یکفی أن یکون مجرد امتناع عن عمل.
فالتعدی هو تعرض أو تجاوز أو تدخل غیر مسوغ أو غیر مشروع ویعرف فی الاصطلاح الإنکلیزی بـ(unjustifiable interference) أو (unlawful interference) أو تطفل (intrusion).
ثانیا: الدخول المتعمد (intentional entry) إلى عقار الغیر أو الذی هو فی حیازته. فالنیة (intention) لدخول العقار تعد شرطا ضروریا لقیام مسؤولیة المتعدی. فالشخص المتعدی یجب أن تتجه نیته لیدخل إلى إلى عقار معین أو لیکون فوقه أو حتى تحته (کما فی حالة حفر نفق). لذا یمیز القانون الإنکلیزی بین حالة تقریر الشخص لدخول عقار الغیر التی تعد تعدیا على عقار الغیر وبین حالة وجوده بشکل تصادفی أو عرضی فی عقار الغیر کما لو کان الوقت لیلا ودخل إلیه بسبب الظلام الدامس المخیم على حدود العقار ففی هذه الحالة الأخیرة ینتفی التعدی على العقار. مما یعنی بأن أساس المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی یبنى على النظریة الشخصیة للمسؤولیة على الرغم من أن أساس المسؤولیة المدنیة فی القانون الإنکلیزی یستند بشکل عام على النظریتین کلتیهما الشخصیة والموضوعیة خلافا للقوانین اللاتینیة وعلى رأسها القانون المدنی الفرنسی الذی تبنى نظریة الخطأ أساساً عاماً للمسؤولیة التقصیریة والنظریة الموضوعیة استثناءً یرد علیها.
ثالثا: وجود علاقة سببیة:یشترط کذلک لتحقق التعدی على العقار أن تتوفر رابطة السببیة بین فعل الشخص المتعدی المبنی على العمد (intentional act) وبین حدوث التدخل أو التجاوز أو التعرض غیر المبرر أو غیر المشروع للعقار. لذا یذهب جانب من الفقه الإنکلیزی إلى أن عدم توفر علاقة السببیة بین الفعل المتعمد المبنی على العمد وبین حدوث التعرض لعقار الغیر لا یؤدی إلى نهوض المسؤولیة عن الخطأ المدنی المبنی على التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی کما لو تم إلقاء شخص ما من دون إرداته أو من دون سابق نیة منه فی عقار مملوک للغیر أو تحت حیازته ففی هذه الحالة ینتفی عنصر مهم من عناصر المسؤولیة التی تنجم عن التعدی على العقار وهو عنصر العمد أو النیة ولا یعد الشخص مرتکبا لخطأ التعدی على العقار. مما یعنی أن النیة یجب أن تتوفر للقیام بالعمل الذی أدى إلى حدوث التعرض ولیس التعدی أو التعرض بحد ذاته. ففی السابقة القضائیة المعروفة بـ(smith v. stone 1647) فقد قام بعض الأشخاص بجلب المدعى علیه ووضعه بالقوة فی عقار المدعی مستخدمین فی ذلک العنف والإکراه لذا قررت المحکمة عدم الحکم على المدعى علیه بالمسؤولیة عن التعدی على عقار المدعی بل قامت بدلا من ذلک بتقریر مسؤولیة الأشخاص الذین قاموا بوضع المدعى علیه فی عقار المدعی وتعدهم مسؤولین عن الخطأ المدنی المبنی على التعدی على عقار الغیر.
رابعا: عدم اشتراط تحقق التضرر إذ لا یشترط فی هذا النوع من أنواع الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی أن یتحقق الضرر للتعرض أو التعدی على عقار الغیر. وعدم اشتراط تحقق الضرر بالعقار المتجاوز علیه یظهر بوضوح الاختلاف بین هذا النوع من أنواع الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی وأنواع أخرى کالإهمال (negligence) والإزعاج (nuisance) فالمسؤولیة المدنیة الناجمة عن الإهمال فی القانون الإنکلیزی یشترط لتحققها توافر ثلاثة شروط وهی واجب الحرص والرعایة وأن یتم الإخلال بهذا الواجب من الشخص المدین به وأن یترتب على هذا الإخلال ضرر یلحق بالمدعی. وکذلک الأمر بالنسبة إلى الإزعاج أو المضایقة، إذ یتطلب نجاح دعوى الإزعاج أو المضایقة إثبات وقوع الضرر نتیجة الإزعاج وهذا غیر مطلوب فی دعوى المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن التعدی على العقار، ویسوق الفقه الإنکلیزی مثالا على ذلک فی قیام شخص بقیادة سیارته بسرعة کبیرة لدى وصوله إلى منعطف مفاجئ انحرف عن الطریق بشکل طارئ ودخل عقار لشخص آخر ولم یترتب على ذلک أضرار إلا أن مسؤولیة سائق السیارة عن الخطأ المدنی التی تنجم عن التعدی على عقار ذلک الشخص تتحقق.
الفرع الثانی
خصائص التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی
یتسم التعدی على العقار بجملة من السمات أو الخصائص ومن هذه الخصائص أو السمات ما یأتی:
أولا: یعد التعدی على العقار نوعا من أنواع الخطأ المدنی والذی تضمنه قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی (law of torts)إذ اشتمل هذا القانون على عدد من الأخطاء المدنیة
التی حددها على سبیل الحصر کالإهمال (negligence) والتعدی على الأشخاص
(trespass to the persons) والتشهیر أو القذف (defamation) والإزعاج أو المضایقة (nuisance) والمسؤولیة عن الحیوانات (liability for animals) مع عدم وجود قاعدة عامة تحکم أساس المسؤولیة عن الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی.
ثانیا: تقوم المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی على أساس النظریة الشخصیة للمسؤولیة لاعتمادها على الفعل العمدی أو المبنی على العمد أو النیة لحدوث التعرض أو التعدی على عقار الغیر، وهی فی هذا الجانب تشبه المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن الإهمال إذ ینضوی کلاهما تحت عنوان النظریة الشخصیة للمسؤولیة والتی تتمثل بالمسؤولیة الخطئیة خلافا للمضایقة أو الإزعاج والذی یندرج تحت مفهوم النظریة الموضوعیة التی تتبنى مبدأ المسؤولیة اللاخطئیة أو ما یعرف فی القانون الإنکلیزی بمصطلح (strict liability) أی المسؤولیة المطلقة أو المسؤولیة الموضوعیة (غیر المبنیة على الخطأ).
ثالثا: إن التعدی على العقار بوصفه خطأً مدنیاً غالبا ما یرتکب ضد حیازة العقار بدلا من ملکیة العقار. کما أشرنا سابقا فإنه یمکن لأی شخص یتمتع بالحیازة الخالصة أو الحقیقیة للعقار (exclusive possession) أن یرفع دعوى التعدی على العقار بوصفه مدعیا ولا یستوجب أن یکون بالضرورة مالکاً للعقار.
المبحث الثانی
الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن التعدی على العقار فی القانونین الإنکلیزی والعراقی
تقترب فکرة التعدی على العقار بوصفها نوعا من أنواع الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی من فکرة التعمد أو التعدی فی القانون المدنی العراقی. وفکرة الغصب کنوع من أنواع الأعمال غیر المشروعة التی تقع على المال والتی تعد تطبیقا من تطبیقات التعدی أو التعمد. إلا انه ومع وجوب هذا التقارب فی المفاهیم بین القانونین الإنکلیزی والمدنی العراقی فیما یتعلق بالتعدی على العقار فإن هناک اختلافات کثیرة بینهما إذ تتناول فی هذا المبحث دراسة الأساس القانون للتعدی على العقار وتحلیله فی قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزیة (law of tort) وفی القانون المدنی العراقی والمقارنة بینهما على وفق ما یأتی:
المطلب الأول
الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن التعدی على العقار فی قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی
أشرنا سابقا إلى أن التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی یعد نوعا من أنواع الأخطاء المدنیة (torts) فی القانون الإنکلیزی التی تضمنها قانون الأخطاء المدنیة الذی یعد قانونا غیر مکتوب مبنی على السوابق القضائیة. فضلا عن أخطاء مدنیة أخرى وردت على سبیل الحصر من دون إیراد قاعدة عامة تحکم أساس المسؤولیة المدنیة التقصیریة فی القانون الإنکلیزی. خلافا لقوانین الدول التی أخذت بنظام القانون المدنی کفرنسا والعراق ومصر لذلک فقد تضمن قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی (the law of torts) الذی یمثل جزءا من قانون الأحکام العامة الإنکلیزی (common law) عددا من الأخطاء المدنیة استعرضناها فی موقع سابق کالإهمال والتعدی على الممتلکات والإزعاج العام والخاص والتشهیر أو القذف والتهدید بالاعتداء على الشخص والاعتداء الجسمانی والاحتجاز غیر القانونی فضلا عن التعدی على العقار. وللتعرف بدقة على الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة الناجمة عن التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی فسوف نتناول دراسة هذا الموضوع فی فرعین نخص الأول لفکرة الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی والثانی للتأصیل الفقهی للمسؤولیة التی تنجم عن التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی على وفق ما یأتی:
الفرع الأول
فکرة الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی
یتضمن قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی عددا من الأخطاء المدنیة التی أدرجها على سبیل الحصر التی کنا قد أشرنا إلیها فی مواضع سابقة من هذه الدراسة وهی قائمة من الأخطاء التی اشتمل علیها هذا القانون غیر المکتوب المبنی على السوابق القضائیة. ویستند هذا القانون على فکرة الخطأ المدنی التی تبلورت بالسوابق القضائیة لعدم وجود قاعدة عامة تحکم أساس المسؤولیة المدنیة فی القانون الإنکلیزی لاعتماده على السوابق القضائیة. إلا أن الفقهاء والقضاة الإنکلیز عکفوا على دراسة هذه الفکرة وتحلیلها فی دراساتهم الفقهیة وتکییفهم للوقائع التی تمثل قوام الدعاوى المرفوعة لغرض النظر فیها وإصدار الأحکام التی تتعلق بها. لذا نرى بأن جانبا من الفقه الإنکلیزی یعرف الخطأ المدنی بأنه (الجرم المدنی الذی یرتکب ضد المصالح المحمیة لشخص ما التی یحمیها القانون) فالمسألة الجوهریة التی یسعى قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی (law of tort) لتحقیقها هی حمایة مصالح معینة یتمتع بها الأشخاص بموجب القانون. ولکی نتمکن من فهم الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی فإنه یجب علینا أن نحلل بدقة الخطأ المدنی لمعرفة أرکانه. إذ یتکون الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی عادة من رکنین هما: الأول مادی والثانی معنوی أو ذهنی أو نفسی.
أولا- الرکن المادی.
وینشأ هذا الرکن إما بالقیام بعمل إیجابی (act) أو الامتناع عن عمل أی الامتناع السلبی عن القیام بعمل (omission) من المدعی علیه الذی یسبب بدوره ضررا للمدعی ویجب أن ینشأ هذا الضرر عن خطأ المدعى علیه وهو نوع من أنواع الأذى التی تصیب هذا الأخیر مما یدل على ضرورة توفر علاقة السببیة بین العمل أو الامتناع عن عمل وبین الضرر.
ثانیا- الرکن المعنوی أو الذهنی أو النفسی.
یعرف جانب من الفقه الإنکلیزی الرکن المعنوی بأنه حالة ذهنیة معینة تنشأ لدى الفاعل. ویرى هذا الجانب من الفقه بأن الطبیعة القانونیة للمسؤولیة فی القانون الإنکلیزی تتوقف على هذا الرکن. إذ أن الرکن المادی الذی یتکون من القیام بعمل أو الامتناع عن عمل فضلا عن علاقة السببیة هی عناصر شائعة أو مشترکة فی أنواع الخطأ المدنی کلها فی القانون الإنکلیزی. إلا أن الاختلاف بین أنواع الأخطاء المدنیة التی تسبب حدوث المسؤولیة المدنیة إنما یکون لوجود الرکن المعنوی أو غیابه عن الخطأ المدنی. فإذا وجد الرکن المعنوی فی الخطأ کانت المسؤولیة خطئیة ومن ثم یجب إثبات هذا الرکن المتمثل بالحالة الذهنیة للفاعل أما إذا غاب الرکن المعنوی فإن المسؤولیة بالتالی تعرف المادیة أو الموضوعیة أو المطلقة (strict liability). ویرى الفقه الإنکلیزیبأن هذه الحالة الذهنیة لها ثلاثة أوجه أو مظاهر بارزة هی العمد وسوء النیة والإهمال. وتتمیز بعض أنواع الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی بوجود هذه المظاهر لذا فإن المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن هذا النوع من الأخطاء تعرف بالمسؤولیة الخطئیة أما فی حالة غیاب هذه المظاهر عن الخطأ فإن المسؤولیة تکون عندئذ مسؤولیة لا خطئیة. ویمکننا فی هذا التحلیل للرکن المعنوی أو الذهنی للخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی أن نتوصل إلى نتیجة مفادها أن الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة فی القانون الإنکلیزی یختلف باختلاف العناصر المکونة للرکن المعنوی. وأن هناک أنواع من الخطأ المدنی فی القانون الإنکلیزی لا تتطلب وجود الرکن المعنوی والعناصر المذکور سلفاً المکونة له ومن ثم فإن المسؤولیة المدنیة التی تترتب علیها تکون مسؤولیة لا خطئیة أو غیر مبنیة على الخطأ وهی تدخل ضمن إطار النظریة الموضوعیة للمسؤولیة فی حین أن هناک أنواعا أخرى من الخطأ المدنی تتطلب وجود الرکن المعنوی وتکون المسؤولیة المدنیة المترتبة علیها مسؤولیة خطئیة أو مبنیة على الخطأ وتدخل ضمن إطار النظریة الشخصیة للمسؤولیة.
الفرع الثانی
التأصیل الفقهی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی
تنشأ المسؤولیة المدنیة التی تنجم عن التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی، کما أشرنا سابقا فی الخصائص القانونیة الممیزة لها، عن الخطأ المدنی الذی یستند على الفعل العمدی أو الفعل الذی یبنی على العمد أو النیة لحدوث التعرض أو التعدی على عقار الغیر. مما یعنی بوضوح بأن الخطأ المدنی المکون للتعدی على العقار یتکون لیس فقط من الرکن المادی، أی العمل الإیجابی الذی یقوم به المتعدی على عقار الغیر بوسیلة من الوسائل التی تمثل أحد أنواع أو صور التعدی على العقار، بل ویتکون أیضا من الرکن المعنوی أو النفسی أو الذهنی وهو الحالة الذهنیة التی یتسم بها الفاعل أو المتعدی فی أثناء القیام بفعل التعدی، ولهذه الحالة الذهنیة ثلاثة أوجه أو مظاهر، کما أشرنا سابقا، وهی العمد والنیة والإهمال، وأن المظهرین الأولین وهما العمد وسوء النیة یتوافران فی الخطأ المدنی المکون للتعدی على عقار الغیر لأن فعل التعدی یتحقق بوجود التعمد وسوء النیة للتجاوز أو التعرض أو التعدی على عقار الغیر لذا تشبه الخطأ المدنی الذی یتسبب فی المسؤولیة المدنیة الناجمة عن الإهمال.
ویرتکب بأن هذا النوع من الأخطاء المدنیة ضد حیازة العقار ولیس تجاه ملکیته فحسب، ویشیر جانب من الفقه الإنکلیزی بأن هذا الخطأ المدنی یصلح لإقامة الدعوى علیه بحد ذاته(actionable perse) ولا یحتاج المدعی إلى إثبات وقوع الضرر على العقار نتیجة لفعل المدعى علیه مما یدل على أن هذا النوع من الأخطاء المدنیة ینضوی تحت مفهوم النظریة الشخصیة للمسؤولیة کما هی الحال بالنسبة للخطأ المدنی المکون للمسؤولیة المدنیة الناجمة عن الإهمال، الذی یتمیز أیضا بتوفر الرکن المعنوی للخطأ والحالة الذهنیة التی تمیزه بمظاهرها الثلاثة المشار إلیها أعلاه وذلک لأن معظم أفعال التعدی (trespass) تتسم بوجود نیة الفاعل الذی تتجه نیته لدخول عقار الغیر أو البقاء فیه بعد دخوله. لذا فإنه إذا ما تم إلقاء شخص ما دون إرادته وبالقوة أو الإکراه أو بدون سابق نیة منه فی عقار مملوک للغیر أو تحت حیازته فإن الرکن المعنوی لخطأ التعدی على العقار ینتفی فی هذه الحالة لانتفاء الحالة الذهنیة المکونة له بمظاهرها الثلاثة ومن ثم لا یشکل دخوله لهذا العقار خطأ مدنیا یؤدی إلى نهوض مسؤولیته المدنیة.
وهذه الحالة تعرف بحالة التعدی اللاارادی (involuntary trespass) وهی غیر قابلة للمقاضاة کما فی السابقة القضائیة (smith v. stone 1647) کما أشرنا إلیها سابقا. ویرى جانب آخر من الفقه الإنکلیزیبأن جوهر التعدی على العقار بوصفه خطأً مدنیاً مدنی لا یکمن فی ضرر یصیب عقار الغیر أو العقار الذی تحت حیازته بل أن الضرر الحقیقی هو ما یصیب حق الغیر فی حیازته ولیس الأضرار المادیة المجردة على الرغم من أن الأضرار المادیة قد تحصل نتیجة قیام المتعدی بفعل التعدی على العقار التی قد تصیب الحائز نفسه أو العقار الذی تحت حیازته أو أفراد أسرته أو أیة أشیاء أخرى. ویصف جانب آخر من الفقه الإنکلیزی التعدی على العقار بأنه خطأ مدنی مبنی على النیة لدخول العقار (intentional tort) فإذا ما کان الدخول إلى جانب العقار الرضا صاحب العقار أو حائزه فلا وجود لهذا الخطأ.
فغیاب الرضاء من مالک العقار او حائزه شرط جوهری لقیام التعدی بخلاف الدخول المسالم للعقار (peaceable entry on land) الذی لا یعد تعدیا. لذلک لذا فإن اشتراط النیة والعمد فی فعل التعدی سیجعل المتعدی مسؤولا عن فعله حتى فی حالة عدم وقوع الضرر مما یؤکد إدراج هذا النوع من الأخطاء المدنیة تحت مفهوم النظریة الشخصیة للمسؤولیة المدنیة.
المطلب الثانی
الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن التعدی على العقار فی القانون المدنی العراقی
لقد وضع القانون العراقی قاعدة عامة تحکم المسؤولیة التقصیریة بموجب نص المادة (204) التی نصت على أن (کل تعد یصیب الغیر بأی ضرر آخر غیر ما ذکر فی المواد السابقة یستوجب التعویض) خلافا لقانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی الذی لم یورد قاعدة عامة تحدد المسؤولیة المدنیة التی تترتب على الخطأ المدنی لأنه وکما أشرنا قانون مبنی على السوابق القضائیة بل أورد أنواعا محددة من الأخطاء المدنیة على سبیل الحصر. ولما کان أساس المسؤولیة التقصیریة (العمل غیر المشروع) فی القانون المدنی العراقی یقوم على فکرة التعدی أو التعمد وأن أحد الأنواع الرئیسة للتعدی تتمثل فی فکرة غصب العقار بوصفه نوع من أنواع الأعمال غیر المشروعة التی تقع على المال. لذا نبحث فی هذا المطلب فکرة التعدی بوصفها أساساً للمسؤولیة عن العمل غیر المشروع فی القانون المدنی العراقی فضلا عن فکرة غصب العقار التی تقابل الخطأ المدنی الذی یمثل بالتعدی على العقار فی قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی فی الفرعین الآتیین على وفق ما یأتی:
الفرع الأول
فکرة التعدی بوصفها أساساً للمسؤولیة عن العمل غیر المشروع فی القانون المدنی العراقی
یقوم أساس المسؤولیة التقصیریة (العمل غیر المشروع) فی القانون المدنی العراقی على فکرة التعدی أو التعمد. إذ لم یؤسس القانون المدنی العراقی المسؤولیة عن العمل غیر المشروع فی الأعمال الشخصیة على فکرة الخطأ بل أسسها على رکن التعدی أو العمد مستمدا أحکامها مع بعض التحویر من الفقه الإسلامی لذا نصت المادة (186) من القانون المدنی العراقی على أنه (1-إذ أتلف أحد مال غیره أو أنقص قیمته مباشرة أو تسببا یکون ضامنا إذا کان فی أحداثه هذا الضرر قد تعمد أو تعدى. 2- وإذا اجتمع المباشر والمتسبب ضمن المتعمد أو المتعدی منهما فلو ضمنا معا کانا متکافلین فی الضمان) ویعرف جانب من فقه القانون المدنی العراقی التعدی بأنه تجاوز الحدود التی یجب على الشخص الالتزام بها فی سلوکه). وقد یکون هذا الانحراف فی السلوک متعمدا أو غیر متعمد. والانحراف المتعمد هو ما یرتبط بقصد الإضرار بالغیر. أما الانحراف غیر المتعمد فهو ما ینبع عن إهمال وتقصیر. ویذهب جانب من فقه القانون المدنی فی العراق إلى تقسیم التعدی إلى نوعین: الأول من حیث القصد والثانی من حیث الفعل. وینقسم التعدی من حیث القصد إلى نوعین أیضا هما:
أولا: التعدی بالعمد: وهو الذی یصدر بقصد الإضرار بالغیر.
ثانیا: التعدی بالخطأ: وهو الذی یشتمل على التقصیر وعدم الاحتراز والإهمال.
أما التعدی من حیث الفعل فینقسم إلى نوعین آخرین وهما:
أولا: التعدی الإیجابی: وهو الذی یقع بفعل إیجابی یؤدی إلى ضیاع مال الغیر أو إلحاق ضرر به (أی بالشخص نفسه) فیتحقق التعدی الإیجابی إذا ألحق الشخص المتعدی بفعله ضررا بالغیر فی نفسه أو ماله ویشمل الأفعال التی تقع تعسفا فی استعمال الحق وأفعال الغصب والإتلاف.
ثانیا: التعدی السلبی: الذی یشمل التقصیر وعدم التحرز وإهمال أمر کان ینبغی القیام به والانتباه إلیه أو الامتناع عن فعل کان من الواجب القیام به.
لذا یعرف جانب من الفقه فی العراق التعدی بأنه (خروج عن نطاق الجواز الشرعی بفعل مادی أو امتناع عن فعل سواء أکان هذا الخروج مقترنا بالإدراک والتمییز أم غیر مقترن).
ویذهب جانب آخر من الفقه فی العراق إلى عدم وجود أی مسوغ للقول بوجود تعارض بین الفقرة الأولى من المادتین (186) و(191) من القانون المدنی العراقی. فالفقرة الأولى من المادة (186) اشترطت التعمد أو التعدی للضمان. أما الفقرة الأولى من المادة (191) فقد ألزمت الصبی ممیزا کان أو غیر ممیز أو من فی حکمهما الضمان من ماله بقولها (1- إذا أتلف صبی ممیز أو غیر ممیز أو من فی حکمهما مال غیره لزمه الضمان من ماله) وهذا النص الأخیر نص قاطع على عدم اشتراط الإدراک أو التمییز. ونصت المادة (204) من القانون المدنی العراقی على أن (کل تعد یصیر الغیر بأی ضرر آخر غیر ما ذکر فی المواد السابقة یستوجب التعویض) بحسب رأی هذا الجانب من الفقه فإن التعدی الوارد فی هذه المادة الأخیرة فضلا عن الفقرة الأولى من المادة (186) لا یمکن تفسیره إلا بالفعل أو الترک المخالف للقانون. فالقانون المدنی العراقی عندما أورد لفظ (التعدی)أراد به الخروج على الالتزام العام بعدم الإضرار بالآخرین سواء أکان هذا الخروج عن إدراک أم عدم إدراک. فالمشرع عندما عطف (التعدی) على (التعمد) بحرف (أو) للدلالة على أن قصد الإضرار بالغیر غیر متوفر فی المعطوف بخلاف المعطوف علیه لذلک فإن (التعدی) لا یستلزم وجود القصد والإدراک. والدلیل على أن (التعدی) یقصد به العمل غیر المشروع مطلقا بغض النظر عن أهلیة الفاعل هو أن القانون فصل بین التعدی والعمد بکلمة (أو) مما یدلل على أن کلمة (التعدی) قسیم التعمد وقسیم الشیء مباین له فإذا ما اشترط توفر العنصر المعنوی فی التعدی فلا یبقى أی فرق بین التعمد والتعدی وهذا خلاف للمنطق اللغوی والمنطق القانونی، لذا فإنه لا یوجد أی مسوغ للقول بوجود التعارض بین المادتین (186) و(191) وعلى الرغم من أن العمد أو التعمد هو القصد أی قصد الإضرار بالغیر فإن هناک جانبا آخر من الفقه فی العراق یحاول إزالة الفرق مطلقا بین (التعمد) و(التعدی) بالقول بأن اشتراط التعمد لا معنى له باشتراط التعدی إذ یستوعب التعدی التعمد ویغنی عن وجوده فالتعمد هو صورة من صور التعدی ولأن القانون المدنی العراقی وتأثرا منه بالفقه الإسلامی اعتمد المذهب الموضوعی فی الضمان ولم یکترث بالعوامل الشخصیة إذ أن معیار التعدی هو معیار موضوعی یعتد بالظروف الخارجیة من دون الظروف الداخلیة أو الشخصیة ویقاس بسلوک الشخص العادی الذی یمثل أواسط الناس فلا هو شدید الذکاء ولا بالغ الغباء فهو معیار موضوعی. لذا فإن (التعدی) هو تجاوز الحدود. أما الخطأ التقصیری فهو إخلال بالتزام قانونی سابق بعدم الإضرار بالغیر یصدر عن إدراک. ویبقى العمد أو التعمد کما أشرنا إلیه سابقا بأنه قصد الإضرار بالغیر. لذا فإن التعدی بوصفه رکناً من أرکان المسؤولیة التقصیریة (العمل غیر المشروع) هو ارتکاب الفعل الضار دون الرجوع فی کنه أو باطن نفسیة الفاعل والتحری عن مدى توافر قصد الإضرار بالغیر أو عدم وجوده. لذا فالتعدی لا یقابل الخطأ بل یقابل الرکن المادی من الخطأ. لأن الخطأ هو الإخلال بواجب قانونی یقترن بالأضرار أو إمکان توقع الضرر منه على الأقل. فالتعدی مطلقا أهم من العمد الخطأ. لذا فإن الخطأ فی الفقه الغربی یختلف عن الخطأ فی القانون المدنی العراقی الذی یؤثر بالفقه الإسلامی. لأن الفقه الغربی ینظر إلى الخطأ بأنه إخلال بواجب قانونی مع إدراک الشخص المخل لهذا الإخلال. مما یعنی أن الخطأ یشترط أن یتوافر فیه عنصران أو رکنان مادی ومعنوی، فالأول هو الإخلال بواجب قانونی والثانی هو إدراک الشخص المخل لإخلاله بهذا الواجب القانونی أما الخطأ فی القانون المدنی العراقی فیتمثل بالرکن المادی فحسب وهو الإخلال بواجب قانونی أی القیام بعمل غیر جائز قانونا سواء أدرک المخل (إخلاله بالواجب القانونی کما هی الحال فی التعمد فی إلحاق الضرر بالغیر أم لم یدرک ذلک بأن لم تکن له الإرادة فی الأصل کالصبی غیر الممیز او المجنون ومن فی حکمهما. ومما یعنی بأن عناصر المسؤولیة التقصیریة فی القانون المدنی العراقی المتأثر بالفقه الإسلامی هی: 1- التعدی أو التعمد+ الضرر + علاقة السببیة فی حین تتکون عناصر المسؤولیة التقصیریة فی الفقه الغربی من: 1-الخطأ + الضرر + العلاقة السببیة.
الفرع الثانی
التأصیل الفقهی لفکرة غصب العقار فی القانون المدنی العراقی
أخذ القانون المدنی العراقی بفکرة الغصب ویعدها من التطبیقات الخاصة للمسؤولیة عن العمل غیر المشروع فضلا عن التعسف فی استعمال الحق والإتلاف وقد عرفه جانب من فقه القانون المدنی فی العراقیبأنه (أخذ مال متقوم محترم مملوک للغیر بطریق التعدی على وجه یزیل یده عن العین). والغصب فی القانون المدنی العراقی یرد على العقار فضلا عن المنقول وهو بذلک یکون قد أخذ برأی الإمامین محمد والشافعی اللذان ذهبا إلى إمکانیة أن یکون المغصوب عقارا أو منقولا بخلاف رأی الإمامین أبی حنیفة وأبی یوسف اللذین ذهبا إلى ضرورة کون المغصوب مالا یقبل النقل والتحویل مما یعنی بأن العقار لا یمکن أن یکون محلا للغصب لعدم إمکان نقله وتحویله. لذا فقد نصت المادة (197) من القانون المدنی العراقی على أن (المغصوب إن کان عقارا یلزم الغاصب رده إلى صاحبه مع أجر مثله وإذا تلف العقار أو طرأ على قیمته نقص ولو بدون تعد من الغاصب لزمه الضمان). کما نصت الفقرة الأولى من المادة (1176) من القانون المدنی العراقی بأنه (إذا غصب أحد أرضا أمیریة فلمتصرف فی هذه الأرض أن یستردها منه وأن یرجع بأجر المثل عن مدة بقائها فی یده). ویستدل من هذه المواد بأن الغصب فی القانون المدنی العراقی هو وضع الید على مال الغیر بدون إذنه وهذا الأمر یمکن تصوره فی العقار کما هو الحال فی المنقول. ومن التطبیقات التی أوردها القانون المدنی العراقی لفکرة غصب العقار هی استمرار المستأجر بالانتفاع بالمأجور بعد التنبیه بالإخلاء إذا اتفق المتعاقدان على تحدید مدة معینة للإیجار واشترطا أن العقد لا ینتهی إلا إذا نبه أحد المتعاقدان الآخر قبل فوات مدة الإیجار بوقت معین. فإذا لم یحصل التنبیه بالإخلاء أصلا أو حصل بعد فوات الوقت المحدد فإن الإیجار یمتمد إلى المدة التی حددها المتعاقدان، أما إذا حصل التنبیه بالإخلاء وبقی المستأجر ینتفع بالمأجور بعد انتهاء الإیجار على الرغم من التنبیه بالإخلاء فإن المستأجر یعتبر غاصبا للعقار ویجبر على الإخلاء ودفع أجر المثل عن المدة التی بقی فیها منتفعا بالمأجور مع دفع التعویض إن کان له مقتضى لذا فقد نصت الفقرة الأولى من المادة (781) من القانون المدنی العراقی بقولها (إذ نبه أحد الطرفین الآخر بالإخلاء واستمر المستأجر مع ذلک منتفعا بالمأجور بعد انتهاء الإیجار فلا یفترض أن الإیجار قد تجدد ما لم یقم الدلیل على عکس ذلک ویجبر المستأجر على الإخلاء ویلزمه أجر المثل عن المدة التی بقی فیها منتفعا بالمأجور مع التعویض إن کان له محل).
وقد جاء فی حکم لمحکمة تمییز العراق بأنه (إذا بقی المستأجر شاغلا للملک المؤجر دون عقد بعد صدور الحکم علیه بالتخلیة یصبح ملزما بأجر المثل عن مدة الإشغال إذ یعتبر فی هذه الحالة غاصبا للعقار وحیث أن المحکمة قدرت أجر المثل بواسطة الخبراء الذین استرشدوا ولاحظوا عند التقدیر بدلات إیجارات العقارات المجاورة وبنوا تقدیرهم على أسس صحیحة). هذا فضلا عن حمایة حق التصرف من الغصب والذی أشارت إلیه الفقرة الأولى من المادة (1176) التی سبق الإشارة إلیها والتی أعطت للمتصرف فی الأرض المغصوبة حق استردادها ومطالبة الغاصب بأجر المثل، فقد أشارت الفقرة الثانیة من المادة نفسها إلى حالة أخرى من حالات غصب العقار والتی تشتبه بالتعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی بوضع أشیاء معینة فیه وهی حالة ما إذا کان الغاصب قد أقام أبنیة أو مغروسات إذ یعامله القانون نفس معاملة البانی أو الغارس سیء النیة فیجیز للمتصرف أن یطلب هدم الأبنیة أو قلع المغروسات وإذا کان الهدم أو القلع مضرا بالأرض فله أن یتملک المنشآت من أبنیة وغراس بحسب قیمتها مستحقة للهدم أو القلع. إذ نصت الفقرة الثانیة من المادة (1176) من القانون المدنی العراقی على أنه (إذا کان فی الأرض عند استردادها غرس أو بناء للغاصب أو إذا کان بغیر حق غرس أشجارا أو کروما فیها وأقام أبنیة علیها، فللمتصرف أن یطلب قلع الأشجار والکروم وهدم الأبنیة فإذا کان القلع أو الهدم یضر بالأرض فله أن یتملک هذه المنشآت بقیمتها مستحقة للقلع أو الهدم). وقد أورد القانون المدنی العراقی نفس الحکم فیما یتعلق بإحدى حالات الالتصاق بالعقار بفعل الإنسان وهی حالة المنشآت أو الغراس التی یقیمها صاحب المواد فی أرض غیره إذ نصت المادة (1119) من القانون المدنی العراقی على أنه (إذا أحدث شخص بناء أو أغراسا أو منشآت أخرى بمواد من عنده على أرض یعلم أنها مملوکة لغیره من دون رضا صاحبها کان لهذا أن یطلب قلع المحدثات على نفقة من أحدثها فإذا کان القلع مضرا بالأرض فله أن یتملک المحدثات بقیمتها مستحقة للقلع). وعلى الرغم من أن هذا النص ینظم إحدى حالات کسب الملکیة ما بین الإحیاء وهی الالتصاق، إلا أنه تضمن الإشارة أیضا إلى حالات أخرى من حالات غصب العقار التی تقترب کما أشرنا سابقا من بعض حالات التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی وهی حالة المنشآت أو الغراس التی یقیمها صاحب المواد فی أرض غیره أی بمواد من عنده فی أرض غیره ویکون البانی أو الغارس سیء النیة ومعیار سوء النیة هو علم هذا البانی أو الغارس بأن الأراضی التی أحدث فیها البناء أو الغراس أو المنشآت الأخرى بمواد من عنده إنما هی أرض تعود ملکیتها لغیره مع عدم رضاء صاحبها بالبناء أو الغراس أو المحدثات الأخرى. لذا فإن البانی أو الغارس یکون غاصبا للعقار لسوء نیته الثابت من عدم رضا صاحب الأرض بالبناء أو الغراس ویجوز لصاحب الأرض أن یطلب قلع هذه المحدثات من بناء أو غراس منشآت أخرى على نفقة من أحدثها فإذا کان القلع یضر بالأرض جاز لصاحب الأرض أن یتملک المنشآت بقیمتها مستحقة القلع إذ لا حرمة فی نظر القانون لأی عمل یقوم به الغاصب. بل یعامله القانون دون تسامح ویلزمه بقلع ما أحدثه من بناء أو غراس ولو کانت قیمتها تفوق قیمة الأرض. ویذهب جانب من فقه القانون المدنی فی العراق إلى الحکم نفسه فی العلاقة ما بین صاحب الأرض والبانی أو الغارس بخصوص المنشآت والغراس التی یقیمها شخص على أرض غیره بمواد مملوکة لیس للبانی أو الغارس بل لشخص ثالث إذا کان البانی أو الغارس سیء النیة فیجوز لصاحب الأرض طلب قلع المواد أو تملکها بقیمتها مستحقة للقلع إذا کان القلع مضرا بالأرض لأن البانی أو الغارس یعد غاصبا لسوء نیته. وأخیرا فإن جانبا من فقه القانون المدنی فی العراق یرى بأن المادة (197) من القانون المدنی العراقی السابق ذکرها لم تأخذ بالقاعدة الفقهیة الإسلامیة المعروفة التی تنص على أن (الأجر والضمان لا یجتمعان) لانها قضت بالزام غاصب العقارلا برد العقار المغصوب فحسب بل بتعویض المالک کذلک عن اجر مثله وهذا یعنی انها لم تأخذ بهذه القاعدة والتی تنص على عدم جواز الجمع بین الاجر والضمان.
ونحن نجد بأن المادة المذکورة لم تخالف القاعدة الفقهیة أعلاه بل جاءت تکریسا لها حیث أن حکم الشطر الأول مستقل تماما عن حکم الشطر الثانی، فحکم الشطر الأول ونصه (المغصوب إن کان عقارا یلزم الغاصب رده إلى صاحبه مع أجر مثله) یلزم الغاصب بأجر المثل ورد العقار المغصوب. فی حین الشطر الثانی ونصه (وإذا تلف العقار أو طرأ على قیمته نقص ولو من دون تعد من الغاصب لزمه الضمان) یلزم الغاصب بالضمان أی التعویض عن الهلاک الکلی أو الجزئی للعقار من دون إلزامه بدفع أجر المثل.
الخاتمـة
وتتضمن النتائج والتوصیات.
أولا: النتائج.
1- یعد التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی أحد أنواع الأخطاء المدنیة التی تضمنها قانون الأخطاء المدنیة.
2- یتخذ التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی أشکال عدیدة منها التعدی على العقار بالدخول غیر المشروع إلى ذلک العقار أو بالبقاء فیه على غیر وجه حق بعد دخوله أو بوضع أشیاء معینة فیه.
3- یقوم التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی على عناصر عدیدة هی: أ- قیام المدعى علیه بعمل یعد تعدیا. ب- الدخول المتعمد إلى عقار الغیر أو الذی هو فی حیازته. ج- وجود علاقة السببیة بین فعل الشخص المتعدی الذی یبنى على العمد وبین حدوث التدخل أو التجاوز أو التعرض غیر المشروع لعقار الغیر. د- عدم اشتراط تحقق الضرر.
4- یستند الأساس القانونی للمسؤولیة المدنیة التی تنجم عن التعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی على فکرة الخطأ المدنی المبنی على الفعل العمدی أو الفعل الذی یبنى على العمد أو النیة لحدوث التعرض أو التعدی على عقار الغیر. الأمر الذی یعنی بأن هذا النوع من الأخطاء المدنیة لا یتکون فحسب من الرکن المادی بل وأیضا من الرکن المعنوی أو الذهنی المتمثل بالعمد والنیة لذا یوصف التعدی على العقار فی الأحیان أغلبها بأنه خطأ مدنی متعمد یقوم على النیة المبیتة لدخول العقار أو ما یعرف بالمصطلح الإنکلیزی بـ(intentional tort).
5- یقوم أساس المسؤولیة التقصیریة (العمل غیر المشروع) فی القانون المدنی العراقی على فکرة التعدی أو التعمد. إذ لم یؤسس القانون المدنی العراقی المسؤولیة عن العمل غیر المشروع فی الأعمال الشخصیة على فکرة الخطأ بل أقامها على رکن التعدی أو العمد.
6- أخذ القانون المدنی العراقی بفکرة الغصب ویعدها من التطبیقات الخاصة للمسؤولیة عن العمل غیر المشروع فضلا عن التعسف فی استعمال الحق والإتلاف والغصب فی القانون المدنی العراقی یرد على العقار فضلا عن المنقول على وفق لنص المادة (197) من القانون المدنی العراقی. ویشتبه غصب العقار فی القانون المدنی العراقی فی کثیر من تطبیقاته بالتعدی على العقار فی القانون الإنکلیزی بوصفه أحد أنواع الأخطاء المدنیة التی تضمنها قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی.
ثانیا: التوصیات.
1- نقترح الأخذ بحالات التعدی أو أنواعه على العقار الواردة فی قانون الأخطاء المدنیة الإنکلیزی وتعدیل نص المادة (197) من القانون المدنی العراقی بالصیغة الآتیة: (1- یتحقق غصب العقار بالدخول غیر المشروع إلیه أو بالبقاء فیه على غیر وجه حق بعد دخوله بشکل مشروع أو بوضع أشیاء معینة فیه من دون رضا المالک أو الحائز أو بإقامة محدثات فیه ).
2- ومنعا للتشکیک بموقف القانون المدنی العراقی للاعتقاد من جانب من الفقه بمخالفته للقاعدة الفقهیة القاضیة بأن (الأجر والضمان لا یجتمعان) نقترح بتخصیص فقرة لحکم حالة غصب العقار مع بقاء العین المغصوبة وتخصیص فقرة أخرى مستقلة لحکم حالة غصب العقار وتعرضها فی أثناء الغصب لحالة هلاک أو تلف إذ تضاف الفقرتان فی أعلاه إلى الفقرة (1) التی تم اقتراحها فی أعلاه بالنص الآتی (2-یلتزم الغاصب برد العقار المغصوب إلى صاحبه مع أجر مثله. 3- إذا تلف العقار أو نقصت قیمته فی أثناء غصبه لزم الغاصب بالضمان).
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English)
Sources in Arabic.
1- Dr. Jafar al-Fadhli, Al-Quiziz in Civil Contracts, Selling, Renting, Contracting, Al-Atak Book, Cairo, 2007.
2- Dr. Hassan Ali Al-Thunon, Principles of Commitment, Al-Ma'arif Press, Baghdad, 1970.
3- Dr. Hassan Ali Al - Thunoun, Al - Mabsout in explaining the Civil Law, fault, part two, Dar Wael Publishing, 2006.
4- Dr. Abdul Majeed al-Hakim, Abdul Baqi al-Bakri and Muhammad Taha al-Bashir, the brief in the theory of commitment in Iraqi civil law, part one, sources of commitment, Ministry of Higher Education, 1980.
5- Dr. Abdul Majid al-Hakim, Summary in Civil Law, Sources of Obligation, Legal Library, 2007.
6- Dr. Essmat Abdul Majid Bakr, The General Theory of Obligations, Part I, Sources of Commitment, Jihan Private University Press, Erbil, 2011.
7- Dr. Fakhri Rashid Muhanna, The Basis of Tort Liability and the Responsibility of Non-Discrimination A comparative study of Islamic law and Anglo-Saxon and Arab laws. Master Thesis submitted to the Faculty of Law and Politics, University of Baghdad, 1974.
8- Dr. Qusay Salman Hilal, In-kind Rights, Jihan Private University Press, Erbil, 2011.
9- Dr. Mohamed Taha Al-Bashir and Dr. Ghani Hassoun Taha, In-kind Rights, Part I, Ministry of Higher Education, 2008.
10- Dr. Mustafa Ibrahim Al-Zalmi, Legal Logic in Perceptions, Comparative Law Research Center, 2009.
Second: Sources in English.
1. Atiyah, P, S. Accidents compensation and the law, fifth edition weidenfield and Nicholson, 1993.
2. Fleming. An introduction to the law of torts, second edition, clarendoon, 1985.
3. John Cooke, law of tort, fourth edition, financial times, pitman publishing, 1999.
4. Michael Jones, textbook on torts, oxford university press, eighth ed. 2005.
5. Ralph Tiernan, tort in nutshells, sweet and Maxwell, 2006.
6. Salmond, on the law of torts, by Huston15th edition, London sweet and Maxwell, 1969.
7. Vera Beringham, Tort in a nutshell, sweet and Maxwell.
8. Williams and Hepple. Foundations of law of tort. 2nd edition, Butterworth's, 1985.