الملخص
یتناول البحث دور الإدعاء العام فی هذه المسائل التی تخص العلاقات الأسریة ذات الأثر القانونی. وقد تعتری تلک العلاقات خلافات ومنازعات یرفعها المتداعون أمام القضاء الذی یتولى بدوره النظر والفصل فیها، و یبرز هنا للإدعاء العام دوراً مهماً ومحدداً له فی القانون، وذلک من خلال تدخله فی الدعوى أو المسألة المعروضة لدى محکمة الأحوال الشخصیة ابتداءً وفی مرحلة الطعن لدى محکمة التمییز أیضا
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
الادعاء العام ومهامه فی مسائل الأحوال الشخصیة - دراسة مقارنة -(*)-
Public Prosecution and its Functions in Personal Status Issues - Comparative Study
الیاس سعید منصور کلیة التربیة/ جامعة الموصل Elyas Saeed Mansor College of Education / University of Mosul Correspondence: Elyas Saeed Mansor E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 7/10/2011 *** قبل للنشر فی 3/2/2011.
(*) Received on 7/10/2011 *** accepted for publishing on 3/2/2011.
Doi: 10.33899/alaw.2011.160654
© Authors, 2011, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
الملخص
یتناول البحث دور الإدعاء العام فی هذه المسائل التی تخص العلاقات الأسریة ذات الأثر القانونی. وقد تعتری تلک العلاقات خلافات ومنازعات یرفعها المتداعون أمام القضاء الذی یتولى بدوره النظر والفصل فیها، و یبرز هنا للإدعاء العام دوراً مهماً ومحدداً له فی القانون، وذلک من خلال تدخله فی الدعوى أو المسألة المعروضة لدى محکمة الأحوال الشخصیة ابتداءً وفی مرحلة الطعن لدى محکمة التمییز أیضا
الکلمات الرئیسة: الادعاء العام الأحوال الشخصیة محکمة التمییز
الموضوعات: قانون المرافعات المدنیة والاثبات
Abstract
This research investigates the role of the general allegation in the questions which have close relations to the family relationships that may have remarkable legal effects.
The family relationships may expose to severe differences that may lead the conflicted patties to raise before the specialized court, that have full authorization to deal with this claim and to issue a suitable judgment for it, therefore the general allegation which have its important and fixed role by the law will enact its role here throughout its intervention in the case which has been raised before the court of personal affairs at the beginning afterwards the stage of injuring the judgment the court of cassation too.
Keywords: public prosecution Personal Status Court of Cassation
Main Subjects: civil procedure law and law of evidence
المقدمة
إذا کان عمل القضاء وحکمة وجوده یرتبط بسعیه الى تحقیق العدل الذی ینطوی علیه الحکم أو القرار الصادر من المحکمة الناظرة فی الدعوى أو المسألة، فان مفهوم العدل فی هذا النطاق، هو نتیجة لما توفره وقائع الدعوى مقترنة بالنصوص القانونیة، وما یترجح لدى القاضی من الادلة، لیخلص على أساسها لبناء حکمه أو إصدار قراره بشأنها. ان آمر النظر واصدار الحکم، عادة ما یستقل به قاضی الموضوع فرداً کان أم هیئة قضائیة. وما دام العدل یأتی من خلال القضاء مرجحاً ولیس مطلقاً، أی کونه حقیقة قضائیة ولیست واقعیة، فان الأمر یحتاج إلى جهد وعنایة مهنیة عالیة من لدن القاضی، ولا ضیر من أن یستعین بما یوفره القانون له من ادوات اخرى لاعانته فی بلوغ الحکم العادل قضائیاً. وهنا یأتی دور الادعاء العام لیقدم مثل هذا العون فهو القضاء الواقف ، وللادعاء العام دور تقلیدی بارز فی الدعوى الجزائیة، ولکن بعد صدور قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 النافذ، أتاح له هذا التشریع دوراً مهما فی الدعوى المدنیة ومنها دعوى الأحوال الشخصیة إلى جانب دوره المعروف أمام القضاء الجنائی، لاسیما أن الادعاء العام لیس جسماً غریباً عن القضاء إنما یعد جزءاً متمماً له فی التنظیم القضائی وإجراءاته.
أهمیة موضوع البحث وأسباب اختیاره:
إن أهمیة هذا الموضوع تاتی اولا من اهمیة دور الادعاء العام بوصفه جهازاً قضائیاً متکاملاً ومنظم بقانون خاص فی العراق کی یتصدر ویمارس هذا الدور فی مجال حیوی من مجالات القانون وقضائه وهی دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة التی تعد قانونا من النظام العام. إن هذه المسائل ما زالت اغلب أحکامها تستمد من المصادر الدینیة فی الشریعة الإسلامیة ولدى الدیانات السماویة الأخرى، وهی تتعلق بأهم وأدق علاقات الإنسان الخاصة بأفراد أسرته منذ ولادته وحتى وفاته، مثل الخطبة والزواج وآثاره کالنسب والحضانة والنفقة والعلاقات الزوجیة والطلاق والتفریق والمیراث وغیرها من المسائل التی تندرج تحت مصطلح الأحوال الشخصیة، وذهاب المشرع فی القانون المدنی إلى اعتبار هذه المسائل من النظام العام هو تأکید لأهمیتها على صعید الأسرة کونها النواة الأولى للمجتمع بأسره، وان بناء الأسرة وتماسکها یعنی قیام مجتمعا محصنا معافى، وتنقلب الصورة إذا ما أصاب هذه النواة الضعف والتفکک، ولذلک افرد المشرع فی العراق، کما فی اغلب الدول قواعد خاصة بالأسرة وفی أحوالها الشخصیة وببعض إجراءاتها، فکان من أهم المبادئ التی سعى المشرع إلى تثبیتها وتضمینها فی قانون الادعاء العام هو الإسهام فی حمایة الأسرة والطفولة لیکون ظهیراً إلى جانب القضاء، وذلک من خلال اعطاء مهام للادعاء العام للتدخل فی دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة المعروضة أمام المحاکم المختصة . وقد جاءت تلک الأحکام والقواعد إما فی قانون خاص مستقل نظّم تلک الأحکام فی مواد مختصة أو ضمن القوانین الإجرائیة على الأغلب.
إن أهمیة وخطورة الدور الذی یجب أن یضطلع به الإدعاء العام فی مسائل الأحوال الشخصیة ومحاولة الإحاطة بهذا الدور کان من الأسباب المهمة لاختیارنا موضوع البحث فی واقع ندرة بل غیاب دراسة مستقلة تناولته تحدیداً، وندرک أن هذا الأمر سیبقى قائماً باستمرار للمساهمة فی تطویر أحکام قانون الإدعاء العام وإنضاجها فیما یتعلق بنطاق الأحوال الشخصیة التی تتناول أهم وأدق العلاقات والروابط الأسریة ذات الأثر القانونی بین افرادها لما ینسجم مع أهدافه السامیة لحمایة حقوقهم على صعید التطبیق القضائی والاجتماعی التی تمثل الأسرة نواته والطفل مستقبله.
خطة البحث:
إن تحدید مهام الادعاء العام ومرکزه فی دعاوى الأحوال الشخصیة وسیرها حتى آخر مراحلها هو ما نحاول الوقوف علیه فی القانون العراقی، وبعض القوانین العربیة المقارنة من خلال خطة البحث المتمثلة بالمقدمة والمباحث الثلاثة الآتیة:
المقدمة
المبحث الأول : التعریف بالإدعاء العام وتحدید مرکزه القانونی
المطلب الأول : تعریف الإدعاء العام
المطلب الثانی : تحدید المرکز القانونی للادعاء العام
المبحث الثانی : مهام الادعاء العام فی مسائل الأحوال الشخصیة
المطلب الأول : مهام الادعاء العام أمام محاکم الأحوال الشخصیة
المطلب الثانی : مهام الادعاء العام فی قانون رعایة القاصرین
المطلب الثالث : مهام الادعاء العام فی القانون المقارن
المبحث الثالث: مهام الادعاء العام بمراجعة طرق الطعن فی دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة
المطلب الأول: مهام الادعاء العام بمراجعة طرق الطعن فی القانون العراقی
المطلب الثانی: مهام الادعاء العام بمراجعة طرق الطعن فی القانون المقارن
الخاتمة والتوصیات
المبحث الأول
التعریف بالإدعاء العام وتحدید مرکزه القانونی
یعد الادعاء العام من المصطلحات القانونیة المستحدثة والمتداولةً فی البیئة القانونیة على صعید التشریع والفقه القانونی, اذن لابد من تعریف هذا المصطلح تمهیداًُ للمضی فی دراسة مهامة القضائیة, ویجدر بنا اولاً التعریف بالأدعاء العام فی اللغة ومن ثم تعریفة بوصفه مصطلحاً فی الفقه القانونی, ولابد کذلک من تحدید مرکزة القانونی فی التشریع وفی الاصطلاح الفقهی إستکمالاً لمتطلبات البحث. إن التعریف بالإدعاء العام وتحدید مرکزه أمران متلازمان یمکننا من خلالهما التعرف على معناه اللغوی والإصطلاحی ومعرفة موقعة القانونی فی الدعوى ومجریاتها فی المطلبین الآتیین.
المطلب الأول
تعریف الإدعاء العام
من المتعارف علیه فی الفقه القانونی أن المشرع لدى إعداده أو إصداره القانون غالباً ما یتحاشى تعریف ذلک القانون، لأن هذا الأمر عادة ما یکون من مهام فقهاء وشراح ذلک القانون، وقد صدر قانون الإدعاء العام رقم 59 لسنة 1979 ضمن هذا المعنى، إذ لم یرد تعریف له فی متن القانون أو ما یمکن اعتباره تعریفاً للإدعاء العام، وبناءً على هذا المعطى، لابد من تعریف الادعاء العام بوصفه مصطلحاً فی اللغة ثم فی اصطلاح الفقه القانونی، وسوف نحاول ذلک من خلال الفرعین الآتیین:
الفرع الأول
تعریف الادعاء العام فی الاصطلاح اللغوی
الإدعاء العام هو مصطلح مرکب من کلمتین، فأما الإدعاء فی اللغة ففیها معانٍ کثیرة ومنها، دعاهُ یدعوه دعاءً و- دعوى ناداه و- صاح به، و-رغب الیه، و-استعانه و-إلى الأمر ساقه إلیه... وتداعى العدو تداعیاً أقبل، و-الناس دعا بعضهم تداعوا الشیء ادعوه، وفلان تمنى ومنه قول القرآن(وَلَهُمْ مَا یَدَّعُونَ )أی ما یتمنون.
وفی لسان العرب دعا الرجل دعواً ودعاءً: ناداه، والاسم الدعوة، ودعوت فلاناً أی صحتُ به واستدعیته. ، والتداعی: التحاجی. وداعاه: حاجاه وفاطنه والادعیةُ والأدعُوةُ: ما یتداعون به، وفلان یدعی بکرم فعاله أی یخبر عن نفسه بذلک، والمداعی: نحو المساعی والمکارم یقال: انه لذو مداعٍ ومساعٍ، ... وفلان فی خیر ما ادعّى أی ما تمنى. وفی التنزیل: ولهم ما یدّعون ؛ معناه ما یتمنون وهو راجع إلى معنى الدُّعاء أی ما یدعیه أهل الجنة یأتیهم، وتقول العرب: ادّع علیّ ما شئت, وادعیت الشیء زعمته لی حقاً کان أو باطلاً . وخلاصة المعنى من ذلک ان الادعاء و الزعم والمحاججة والتمنی تمثل دعوى طالب الحق فی أروقة القضاء.
واما العام فمنه: عمَّ الشیء عموماً شمل الجماعة فهو عام. وعممناک امرنا قلدناک ایّاه. والعام اسم فاعل وخلاف الخاص وهو لفظ وضع وضعاً واحداً لکثیر غیر محصور مستغرق جمیع ما یصلح له. وفلان مُعِّمم میمّم أی مسوّد وهو السید الذی یقلده القوم أمورهم ویلجأ إلیه العوام.
وأن بعض ما جاء فی مفردة العام من معانٍ فی لسان العرب منها:عّمهم الأمر یعمّهم عموماً: شملهم, یقال عمّهم بالعطیة. والعامة خلاف الخاصة: یقال رجل عُمّیَّ ورجل قُصریٌّ، فالعُمیُّ العام، والقصری الخاص، ورجلُ مّعمً: یعم القوم بخیره. وقال راع: رجل مُعِمم یُعمّ الناس بمعروفه أی یجمعهم. ویقال: قد عمّمناک أمرنا أی الزمناک، قال والمُعممّ السید الذی یقلده القوم أمورهم ویلجأ الیه العّوام.
ومفاد ما ورد أعلاه، یمکننا القول بأن الادعاء العام بوصفه اصطلاحاً لغویاً یعنی تخویلاً أو تفویضاً من المجتمع لشخص عام یمثلهم فی الدعوى ولا مصلحة خاصة له فیها.
الفرع الثانی
تعریف الادعاء العام فی الفقه القانونی
حاول بعض فقهاء وشراح قانون الإدعاء العام تحدید أو تعریف المعنى الاصطلاحی للإدعاء العام بوصفه جهازاً أو کیاناً معنویاً حدد القانون دوره فی مجال القضاء، فمنهم من یرى بأن الإدعاء العام ذو طبیعة خاصة ومرکز مستقل وإنه یحضر فی الدعوى أو یتدخل فیها لیقوم بمهمة أناطها القانون له بصفته وکیلاً عن الهیئة الاجتماعیة، أوهو جهاز حیوی یساهم بعون القضاء ویسهل مهماته، ویسعى لتحقیق العدالة وإحقاق الحق، ویعرف الإدعاء العام بأنه: هیئة خاصة ومستقلة، تستمد سلطتها من الدستور وتنحصر وظیفتها فی الرقابة على مشروعیة الأعمال والتصرفات القانونیة المختلفة الصادرة من الأشخاص الطبیعیة والمعنویة حمایة للحق العام ونیابة عن المجتمع (الأمة). ویعرف المدعون العمومیون أو النواب بأنهم: "موظفون منصوبون من قبل السلطة لأجل وقایة الحقوق العامة فی الأمور العدلیة، ووظیفتهم الأصلیة هی تأمین حسن مجرى الأحکام القانونیة لأجل حفظ الأمن والحقوق العمومیة"، ونرى بأن تلک التعاریف للإدعاء العام لا تتباعد مع بعضها فی تعریفه ، ولکن نمیل إلى أن التعریف الذی ینسجم مع الإدعاء العام ومهامه: بأنه جهاز أو جهة عدلیة تمارس دوراً عضویاً مع القضاء ممثلاً عن المجتمع أمام القضاء لحمایة المشروعیة وحسن سیر العدالة ومراقبة تطبیق القوانین.
وفیما یتعلق باختلاف تسمیة الإدعاء العام کما ورد فی التشریع العراقی والنیابة العامة لدى التشریعات العربیة موضوع المقارنة، فإن التسمیة لیست الموضوع الرئیسی فی القانون نفسه أو فی مجال البحث به، فضلاً عن ترادف المعنى کما یقول الأستاذ الدکتور محمد معروف عبد الله, ولذا نرى أن الإبقاء على تسمیة الادعاء العام فی القانون العراقی یبقى مناسباً ومرتبطاً بخصوصیة یتمتع بها المشرع العراقی، إذ أصبح یشکل أرثاً قانونیاً وقضائیاً.
المطلب الثانی
تحدید المرکز القانونی للادعاء العام
اختلفت التشریعات العامة التی عنت بتنظیم العمل القضائی وإجراءاته فی تحدید المرکز القانونی للادعاء العام أو تسمیة موقعه فی الدعوى وإجراءاتها أمام القضاء، لاسیما المدنی منه وبشکل خاص قضاء الأحوال الشخصیة فی العراق، فیما جاءت بعض القوانین الاجرائیة المقارنة على تحدید هذا المرکز وهو یمارس دوره بوصفه خصماً فی الدعوى وفی کیفیة تدخله بوصفه طرفاً منضماً، ومن خلال هذا المبحث سنحاول تحدید المرکز القانونی للادعاء العام فی نطاق الدعوى المدنیة ومنها دعوى الأحوال الشخصیة بوجه خاص فی ضوء احکامه فی الاجتهاد القانونی ایضاً، على ان نفرد فرعاً مستقلا لتحدید مرکزه فی القانون العراقی، وفرعاً ثانیاً لتحدید هذا المرکز فی القانون المقارن، وعلى النحو الآتی:
الفرع الأول
تحدید المرکز القانونی للادعاء العام فی القانون العراقی
لم یرد فی قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 المعدل نص صریح یحدد مرکزه القانونی فی الدعوى المدنیة، ومنها دعوى الأحوال الشخصیة، ولم یرد ما یشیر إلى هذا الأمر فی القوانین الأخرى الموضوعیة منها والاجرائیة التی اولت للادعاء العام دوراً معینا فی تلک الدعاوى، فیما اختلف الفقه القانونی أیضاً فی تکییف مرکزه فی العراق. ذلک ما نحاول توضیحه من خلال الفقرتین الاتیین:
أولاً: مرکز الادعاء العام فی القانون:
لم یفصح قانون الادعاء العام أو یشیر فی أحکامه، لاسیما فی المادتین 13 و 14 إلى تقریر مرکزه فی الدعوى المدنیة بشکل عام ودعوى الأحوال الشخصیة بشکل خاص، فابتداء لم یخول القانون له برفع الدعوى، لیکون خصما أصلیاً فیها مثلما أجاز له القانون ذلک فی إقامة الدعوى بالحق العام، ما لم یتطلب تحریکها شکوى أو إذناً من مرجع مختص. اما مجمل ما منحه القانون فی الدعوى المدنیة للادعاء العام هو الحضور أمام المحاکم، فضلاً عن أن هذا الحضور تُرک تقدیره للادعاء العام جوازاًَ لا وجوباً، ویکون ذلک متى ما کانت الدولة طرفاً فی الدعوى المدنیة، أو تکون الدعوى متعلقة بحقوق مدنیة ناشئة للدولة عن دعاوى جزائیة لبیان اقواله ومطالعاته. ویکون کذلک أمام محاکم الأحوال الشخصیة أو المحاکم المدنیة فی الدعاوى المتعلقة بالقاصرین والمحجور علیهم... کلما رأى الادعاء العام ضرورة تدخله فیها لحمایة الاسرة والطفولة. فیما اوجب القانون حضوره امام محاکم العمل ولجنة شؤون القضاة واللجان الاخرى التی لا یمکن تصنیفها من ضمن الدعاوى أو المسائل المدنیة والأحوال الشخصیة، وان عدم حضور الادعاء العام المعین أو المنسب أمام هذه المحاکم أو الهیئات یفقدها صحة جلساتها بسبب عدم دعوته للحضور. ان القانون اذن لم یتحدث فی النصوص المذکورة على تسمیة مرکز الادعاء العام سوى بجوازیة حضوره أمام المحکمة مع أطراف الدعوى أی "الخصوم" فهو لیس أی واحد منهما، ولم یخول له القانون برفع الدعوى المدنیة لیظهر فیها خصماً مدعیا ابتداءً أو خصماً فی مجریاتها، ولسکوت القانون على تحدید دور الادعاء العام فی الدعوى المدنیة أفسح المجال واسعاً للفقه القانونی لتکییف حضوره ومن ثم تحدید مرکزه فیها.
ثانیاً: مرکز الادعاء العام فی الاصطلاح الفقهی:
یوصف حضور الإدعاء العام بانه تدخل انضمامی. والتدخل أو الإدخال فی قانون المرافعات المدنیة یرتبط بالدعوى الحادثة الطارئة على الدعوى الأصلیة ویصبح مدعیها أن کان له مصلحة فیها وطرفاً منضماً فیها إلى احد الخصوم أو طالباً الحکم لمصلحته، وقبولها فی کل الأحوال تستقل فیها المحکمة المختصة الناظرة فی الدعوى الاصلیة. ان احوال الدعوى الحادثة وشروطها لا تنطبق مع حالة تدخل الادعاء العام من خلال حضوره فی الدعوى المدنیة التی نحن بصددها، فلا تنطبق علیه قواعد الدعوى الحادثة لممارسة دوره فیها کما جاء فی قانون الادعاء العام. لذلک یجب ان نبحث عن مرکزه فی هذه الدعوى من خلال آراء وشراحه القانون.
ففی ظل غیاب نص قانونی یحدد أو یشیر إلى تحدید مرکز الادعاء العام فی نطاق الدعوى المدنیة، حاول شراح قانون الادعاء العام رقم 159لسنة 1979، فضلا عن فقهاء قانون المرافعات المدنیة فی العراق التوصل إلى تحدید مرکزه، فمن هولاء من یرى: بان المبادئ والاهداف الأساسیة التی جاء بها القانون تتعدى الدعوى المدنیة، وهولا یتدخل فیها لتحقیق مصلحة شخصیة کما هی لدى الخصوم أو المنضمین إلى الخصومة، ولا یردد طلباتهم على الدوام، بل یسعى إلى تطبیق القانون بشکل سلیم للتوصل إلى تحقیق العدالة وبذلک تنتفی عنه صفة الخصومة. ویرى الآخرون من شراح القانون ان هذا المرکز یبقى ضمن الهدف المرکزی الذی رسمه له القانون، لیشمل الحمایة العامة للمشروعیة ولیس المشروعیة الجزائیة فقط، وذلک من خلال التدخل فی الدعوى المدنیة والأحوال الشخصیة ولکن لیس بصفة خصم لأی من أطراف الدعوى، بل للتثبت والاطمئنان على حقوق الدولة وأموالها فی إطار الدعوى المدنیة وحمایة حقوق الأسرة ووحدتها فی نطاق دعوى الأحوال الشخصیة وحمایة حقوق القاصرین وأموالهم التی تعنی حمایة جانب مهم من جوانب حمایة الطفولة ورعایتها وفی کل ذلک فهو مترفع نزیه عن أیة صفة من صفات الخصومة. بل أن من شراح قانون الادعاء العام من یرى: بان وصف الادعاء العام بأنه خصم فی الدعوى أمر معیب ویخلص إلى اعتباره جزءاً متمماً لهیئة المحکمة. ویذهب من یؤید فی هذا السیاق بان الادعاء العام فی مهامه القضائیة تکون وظیفته اقرب إلى وظیفة القضاة منه إلى کونه خصماً أو طرفاً مطالباً فی الدعوى. ومنهم من یعتقد بان الادعاء العام یتمتع بمرکز خاص ومستقل وذلک لکی ینسجم مع الأهداف السامیة التی یسعى إلى تحقیقها. إن صفة عدم الخصومة فی الدعوى واستقلال دوره فی خضمها، أمر یکاد یجمع علیه شراح قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 المشار إلیهم آنفاً فی مواضع عدیدة من مؤلفاتهم، وذلک لکی یتمکن من الإسهام مع القضاء والجهات المختصة فی سبیل تحقیق المبادئ والأهداف الأساسیة التی شُرع القانون من اجلها، وعلى قاعدة الاستقلال والمساواة مع القاضی لضمان حیادیته وعدم انحیازه فی العمل. وفی ضوء تلک الآراء نرى بأن مرکز الادعاء العام ودوره فی العمل القضائی بشکل عام وفی مجال الدعوى المدنیة بشکل خاص یبقى مرتبطا بالمبادئ الأساسیة التی وردت فی الباب الأول من القانون، وهو احترام المشروعیة ومراقبة تطبیق القانون ومراقبة تنفیذ القرارات والأحکام، مما یعنی لزوم وجود هذا الجهاز کمعین للقضاة والخصوم معاً على وجه الاستقلال والحیاد لأنه المدافع عن تطبیق القانون ومن ثم حسن سیر العدالة، وذلک ما یمکن أن یتمیز به مرکز الادعاء العام فی العراق عن غیره من القوانین لاسیما العربیة منها والتی سنحاول التعریف بمرکزه فی تلک القوانین بشکل مختصر فی الفرع الآتی:
الفرع الثانی
تحدید المرکز القانونی للادعاء العام فی القانون المقارن
فیما یتعلق بالمرکز القانونی للادعاء العام فی هذه التشریعات لم تأت دائماً متطابقة، فقد نصت المادة 87 من القانون رقم 13 لسنة 1968 بإصدار قانون المرافعات المدنیة والتجاریة المعدل بالقانون 76لسنة 2007 فی مصر على أن " للنیابة العامة رفع الدعوى فی الحالات التی ینص علیها القانون ویکون لها فی هذه الحالات ما للخصوم من حقوق". لقد أفاد النص بوضوح حق النیابة العامة فی رفع الدعوى المدنیة ابتداءً وبذلک فإنها ستکون مدعیا فی الدعوى، وأجاب النص فی شطره على أنها احد أطراف الخصومة فیها، وحدد بذلک مرکز النیابة العامة فی مصر باعتبارها خصماً فی الحالات التی ینص القانون على قیامها بهذا الإجراء، وقد منح القانون فی المادة 95 وضعاً آخر للنیابة العامة فی الخصومة باعتبارها طرفاً منضماً. وشدد المشرع المصری فی قانون رقم 3 لسنة 1996 بشان تنظیم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة فی مسائل الأحوال الشخصیة فی المادة الأولى التی تنص على أن "تختص النیابة العامة وحدها دون غیرها برفع الدعوى فی مسائل الأحوال الشخصیة على وجه الحسبة وعلى من یطلب رفع الدعوى ان یتقدم ببلاغ إلى النیابة العامة المختصة یبین فیه موضوع طلبه والأسباب التی یستند إلیها مشفوعة بالمستندات التی تؤیده. وعلى النیابة العامة بعد سماع أقوال أطراف البلاغ وإجراء التحقیقات اللازمة ان تصدر قراراً برفع الدعوى أمام المحکمة الابتدائیة المختصة أو بحفظ البلاغ. ویصدر قرار النیابة العامة المشار إلیه مسبباً من محام عام، وعلیها إعلان هذا القرار لذوی الشأن خلال ثلاثة أیام من تاریخ صدوره". وقد أعطت المادة الثانیة من القانون صلاحیة للنائب العام برفع الدعوى أو بالحفظ خلال ثلاثین یوماً، ویکون قراره فی هذا الشأن نهائیا. .وقرر المشرع فی المادة الثالثة بالنص على انه "إذا قررت النیابة العامة رفع الدعوى على النحو المشار إلیه فی المادتین السابقتین، تکون النیابة العامة هی المدعیة فیها، ویکون لها ما للمدعی من حقوق وواجبات". ویبدو واضحاً إن القانون فی مصر قد حدد مرکز النیابة العامة باعتبارها خصماً أصلیاً أو منضماً فی دعوى الأحوال الشخصیة کما جاء فی نصوص المواد المذکورة أعلاه. وقد جاء المشرع اللبنانی بأحکام مماثلة لما قرره المشرع المصری فیما یتعلق بمرکز الادعاء العام فی الدعوى المدنیة بشکل عام ودعوى الأحوال الشخصیة (الدعوى الشرعیة) على وجه الخصوص، فقد جاء فی نص المادة 75 من قانون أصول المحاکمات المدنیة اللبنانی الصادر بالمرسوم الاشتراعی رقم 90 فی 16/9/1983 على ما یاتی " للنیابة العامة حق إقامة الدعوى فی الحالات المبینة فی المادة 8، ویکون لها فی هذه الحالات ما للخصوم من حقوق". وقد أوضحت المادة 476 من القانون نفسه، بان مرکز النیابة العامة فی الحالات المذکورة تکون خصماً أصلیاً فی النزاع. ونرى ان مذهب المشرع اللبنانی یکاد یتطابق مع ما جاء به المشرع المصری فی تحدید مرکز النیابة العامة کخصم أصلی فی الدعوى، وکذلک کخصم منضم کما ورد فی نص المادة 478 من القانون التی جاء فیها " تبدی النیابة العامة رأیها بوصفها فریقا منظما فی الحالات التالیة: الحالات المبینة فی المادة 8 عندما لا تکون النیابة العامة خصماً أصلیاً فی المحاکمة. وقد جاءت فی هذا السیاق أیضاً ما صرحت به المادة 32 من نصوص المواد التی حددت اختصاصات النائب العام لدى المحاکم الشرعیة العلیا فی القانون اللبنانی الصادر فی 16/7/1962 بحق النیابة العامة الادعاء مباشرة فی الأحوال المنصوص علیها قانونا أو المتعلقة بالنظام العام. وهذا النص أیضاً أعطى للنیابة العامة مرکز الخصم بوصفه مدعیاً فی الدعوى ابتداءً. أما قانون أصول المحاکمات السوری الصادر بالمرسوم التشریعی رقم 84 فی 28/9/1953، فقد ذهب فی نفس اتجاه المشرع المصری واللبنانی حین نص فی المادة 122 من القانون على أن 1. " للنیابة العامة حق الادعاء مباشرة فی الحالات التی ینص علیها القانون وفی قضایا الجنسیة "، 2. "تعتبر النیابة العامة فی هذه الحالات خصما أصلیاً ویحق لها سلوک جمیع طرق الطعن". ومن خلال عرض أحکام القوانین المقارنة تلک بشان المرکز القانونی للادعاء العام ومقارنتها بما ذهب إلیه المشرع العراقی، یبدو واضحا أن الأخیر لم یضع الادعاء العام فی مجال الدعوى المدنیة ودعوى الأحوال الشخصیة بمرکز الخصم بوصفه مدعیاً أو طرفاً منضماً فیها على الرغم من انه نص فی الفقرة أولاً من المادة الثانیة على " إقامة الدعوى بالحق العام، ما لم یتطلب تحریکها شکوى أو إذناً من مرجع مختص". إن هذا النص جاء فی الفصل الأول الذی تناول فیه موضوع التحری وجمع الأدلة أو التحقیق الذی یخص الدعوى العامة فی مجال القانون الجزائی، إذ یمکن أن یکون فیها خصماً، إلا أن الفقه القانونی بدوره حاول إبعاد هذه الصفة عن الادعاء العام لاسیما فی دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة لأن هذا المرکز یبقى ضمن مهامه واختصاصاته فی نطاق المراقبة العامة للمشروعیة، ومنها المشروعیة الجزائیة فی تطبیق القانون وإبداء رأیه بطریقة ایجابیة محایدة وبعیدة عن المیل إلى أی من الطرفین، وفی هذا الاتجاه نرى من یفضل تسمیة مرکزه فی الدعوى العامة بالطرف المباشر لها. وإجمالاً یبقى القانون والفقه فی العراق لا یعد الادعاء العام خصماً فی الدعوى بل یحاول أن ینأى به بعیداً عن هذا المرکز بخلاف الحال فی قوانین الدول العربیة موضوع المقارنة، وذلک کما أشرنا فی موضع سابق یحسب إیجابیاً للمشرع العراقی ویجدر بنا تأییده.
المبحث الثانی
مهام الادعاء العام فی مسائل الأحوال الشخصیة
تعد محکمة الأحوال الشخصیة فی العراق الجهة القضائیة المختصة بالنظر والفصل فی دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة وتصدر قراراتها طبقاً لأحکام قانون الأحوال الشخصیة رقم 188 لسنة 1959، الذی یعتبر القانون الموضوعی الذی ترجع إلیه هذه المحاکم مصدراً تشریعیاً لاختصاصها القضائی فی إصدار أحکامها وقراراتها، وقد أعطى قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 المعدل دوراً مهما وموسعا فی الدعاوى والمسائل المنظورة أمام محاکم الأحوال الشخصیة من خلال حضور الإدعاء العام. وسوف نتناول ذلک فی هذا المبحث على أن نفرد المطلب الأول لدور الادعاء العام فی دعاوى الأحوال الشخصیة، وفی المطلب الثانی لدوره فی قانون رعایة القاصرین الذی تناول مسائل تندرج ضمن مصطلح الأحوال الشخصیة وان لم تکن من طائفة الدعاوى القضائیة فی حکم القواعد الإجرائیة العامة، على ان تتابع هذا الدور فی القانون المقارن وعلى النحو الآتی:
المطلب الأول : تحدید مهام الادعاء العام فی دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة
المطلب الثانی: تحدید مهام الادعاء العام فی قانون رعایة القاصرین.
المطلب الثالث: تحدید مهام الادعاء العام فی دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة فی القانون المقارن.
المطلب الأول
مهام الادعاء العام أمام محاکم الأحوال الشخصیة
إن مهام الادعاء العام فی مسائل الأحوال الشخصیة یقتصر على حضوره أمام المحاکم المختصة بنظرها وهی محاکم الأحوال الشخصیة، ولغرض الإحاطة بهذا الدور وتحدید نطاقه فی القانون، ومن ثم الوقوف على ماهیة هذا الدور أی معرفة فعالیة حضور الادعاء العام فی دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة کما ورد فی القانون. کل ذلک یتطلب بیانه فی الفروع الثلاثة الآتیة:
الفرع الأول
نطاق حضور الادعاء العام فی مسائل الأحوال الشخصیة
حددت المادة 13 / أولاً من قانون الإدعاء العام نطاق ذلک الحضور بالنص على أن "للادعاء العام الحضور أمام محاکم الأحوال الشخصیة أو المحاکم المدنیة فی الدعاوى المتعلقة بالقاصرین والمحجور علیهم والغائبین والمفقودین والطلاق والتفریق والأذن بتعدد الزوجات وهجر الأسرة وتشرید الأطفال، وأیة دعوى أخرى یرى الادعاء العام ضرورة تدخله فیها لحمایة الأسرة والطفولة". ومن خلال قراءة النص نقف على عدة أحکام خص بها المشرع للادعاء العام دوراً یؤدیه فی نطاق دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة وهی:
أولاً: أن تدخل الادعاء العام الذی ورد بصیغة الحضور جاء على سبیل الجواز ولیس الوجوب، أی أن المشرع قد ترک أمر الحضور من عدمه خاضعاً لتقدیر الادعاء العام، لأن القانون لم یلزمه بالحضور، وهذا الجواز جاء فی مطلع الفقرة أعلاه نصاً بعبارة " للادعاء العام الحضور....". وبصراحة النص لم یتح للادعاء العام إمکانیة رفع الدعوى ابتداءً بل أباح له الحضور فی الدعوى أو التدخل فیها باعتباره ممثلاً للهیئة الاجتماعیة ومعنیاً بحمایة مصلحتها ولیس لتحقیق مصلحة ذاتیة. لقد منح المشرع فی هذا النص أفقاً واسعة أمام الادعاء العام للحضور والتدخل فی دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة مطلقا یده للتحرک والمبادرة لتحقیق دوره فی هذا المجال.
ثانیاً: وفی نطاق تدخل الادعاء العام فی دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة طبقا للمادة 13/ أولاً فان دوره یأخذ مساحة واسعة من حیث نوع الدعاوى التی ترفع أمام محاکم الأحوال الشخصیة والمواد الشخصیة، وهی الدعاوى أو المسائل التی تتعلق بالقاصرین والمحجور علیهم والغائبین والتفریق والأذن بتعدد الزوجات وهجر الأسرة وتشرید الأطفال، وأیة دعوى أخرى یرى الادعاء العام ضرورة تدخله فیها لحمایة الأسرة والطفولة. وصراحة النص یؤکد انه جاء على سبیل المثال ولیس على سبیل الحصر، فهو یشمل جمیع المسائل التی یمکن ان تندرج تحت مصطلح الأحوال الشخصیة ولیس الاقتصار على الأحوال التی جاء النص على تعدادها، أو حتى المسائل التی تناولها قانون الأحوال الشخصیة رقم 188 لسنة 1959 النافذ، لأن هذه المسائل التی نظمها القانون المذکور بأحکام محددة هی بدورها لم تشمل کل المسائل التی یغطیها مصطلح الأحوال الشخصیة، إذ جاء نص المادة الأولى/2 من القانون لیوسع من دائرة تلک المسائل التی یمکن ان تنظرها محاکم الأحوال الشخصیة ومحاکم المواد الشخصیة. وأشارت إلى ذلک أیضاً الفقرة "ی" من الأسباب الموجبة لإصدار القانون.
الفرع الثانی
مناط حضور الادعاء العام فی مسائل الأحوال الشخصیة
ونعنی بمناط حضور الادعاء العام هو مناقشة هذا الحضور أو التدخل والسند القانونی الذی یستعین به لتبریر تدخله فی دعوى الأحوال الشخصیة، لاسیما وان المادة 13 من الإدعاء العام لم تضع أمامه أیة قیود بذلک، إلا أن دوره أمام هذا القضاء أی قضاء الأحوال الشخصیة بقی غائباً بشکل ملفت لسببین فی رأینا، یعود أولهما إلى قصور النص من جهة، والسبب الآخر قد یتعلق بتقصیر الادعاء العام ذاته لممارسة هذا الدور، مما سنحاول تأشیر ذلک فی مناقشة أین یکمن هذا القصور، ومتى یحسب علیه ان کان مقصراً، وذلک فی البندین الآتیین:
أولاً: إن عدم ورود حکم فی نص المادة 13 من القانون یوجب على المحکمة أو یجیز لها أخبار المدعی العام بوجود دعوى فی المسائل التی نصت علیها المادة المذکورة، یعد قصوراً فی النص، وعندما أباح النص المذکور للادعاء العام الحضور أمام محاکم الأحوال الشخصیة لم یرسم له إجراء یتمکن من خلاله معرفة وجود مثل تلک الدعاوى التی جاء على تعدادها النص، فان ذلک یعتبر مأخذاً لکل ما منحه له القانون من دور فی نطاق دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة، ویجمع جمیع الباحثین الذین کتبوا فی مجال دور الادعاء العام فی الدعوى المدنیة بشکل عام وفی مجال دعوى الأحوال الشخصیة بضرورة النص على أخبار الادعاء العام. وفی هذا الصدد هناک من یقترح إبلاغ الادعاء العام بوجود الدعاوى من خلال تزویده باستدعاء الدعوى حال تقدیمها متضمنة المستمسکات التی تؤید دعواه کما جاء فی نص المادة 14 من القانون وذلک لأهمیة حضور الادعاء العام فی مسائل الأحوال الشخصیة واستکمالا لنص المادة 13 من القانون. ونؤید فی هذا المجال مقترحاً یقتضی بتنظیم فصل لقواعد مخصصة بکیفیة حضوره وتبلیغه بذلک. ونرى فی هذا الصدد إن أهم أسباب انحسار دور الادعاء العام أمام محاکم الأحوال الشخصیة یعود إلى غیاب النص الذی یتیح له الحضور بشکل منظم وفی النطاق الواسع الذی ورد فی حکم المادة 13من القانون.
ثانیاً: عندما فتح القانون الباب على مصراعیه أمام الادعاء العام للتدخل فی دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة دون أن یلزمه بذلک ودون الإتیان بنص یوجب أخباره أو یعطی للمحکمة وجوب أو حتى الخیار بإخباره من عدمه، إن کل ذلک جعل دور الادعاء العام فی هذه الدعاوى والمسائل عائماً ولیس راسیاً على موقف أو دور قوی یتمکن من أدائه لعدم توافر آلیة یسلکها لتحقیق ذلک، وکان یجدر بالمشرع تدارک ذلک، خاصة وان الأخیر ألقى عبئا کبیرا على الادعاء العام عندما أشار فی نهایة الفقرة أولاً من المادة 13 على ضرورة تدخله کلما رأى ان هذه الضرورة قائمة لأدائها فی نطاق نوعیة الدعاوى والمسائل التی عددها النص على سبیل المثال. ونرى أن هذه المسائل هی لیست ضروریة بتقدیر الادعاء العام فحسب، بل لأن القانون عدّها من النظام العام بنص المادة 130/1 من القانون المدنی العراقی، وإزاء هذا النص فان تدخل الادعاء العام فی مسائل الأحوال الشخصیة لا یجوز ان یکون اختیاریاً وإنما إلزاماً له لحمایة المشروعیة والنظام العام فضلا عن الحقوق الشخصیة للمدعیین بها.
الفرع الثالث
واقع حضور الادعاء العام فی مسائل الأحوال الشخصیة
فی هذه الفقرة من البحث سنحاول الوقوف على واقع حضور الادعاء العام أمام محکمة الأحوال الشخصیة من خلال إیراد بعض التطبیقات القضائیة التی تندرج ضمن حرکة القضاء واتجاهاته فی هذا المجال لاسیما اتجاه محکمة التمییز، وهی تعکس دور الادعاء العام أمام محکمة الأحوال الشخصیة ومستوى هذا الدور بالمقارنة مع الدور الذی حدده قانون الادعاء العام له لکی یمارسه على صعید الواقع العملی أمام القضاء، وإذا أردنا الإشارة إلى الفقرة الثانیة من المادة -13- من قانون الإدعاء العام، وهی تحدد سبیل إظهار دوره لدى قضاء الأحوال الشخصیة حیث نجد أن الفقرة المذکورة تنص على أن "للادعاء العام بیان المطالعة وإبداء الرأی فی الدعاوى المذکورة فی الفقرة أولاً من هذه المادة ".
وبموجب النص فان دور الادعاء العام فی دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة یتمحور حول بیان رأیه بصددها من خلال کتابة مطالعة أو مذکرة یبسط فیها رأیه فی الموضوع المعروض أمامه من قبل محکمة الأحوال الشخصیة أو محکمة المواد الشخصیة، وهو بموجب المادة 13 / أولاً، له ان یمارس هذا النشاط فی جمیع مسائل الأحوال الشخصیة بهدف حمایة الأسرة والطفولة، لاسیما دعاوى التفریق والطلاق من خلال إحضار الطرفین أمام الادعاء العام بعد الوقوف على سیر المرافعة (الحضور) أو الاطلاع على اضبارة الدعوى، وله فی هذا الصدد القول أو الطلب باعتبار الطلاق تعسفیاً عندما یتیقن من وجود ضرر قد لحق بالزوجة وببقاء الأسرة على وضعها والتفریط بوحدتها وقد ینجر الضرر إلى الأولاد استناداً الى ورد بأحکام قانون الأحوال الشخصیة، لاسیما ما جاء فی المادة 39 و 40، ومستنداً فی کل ذلک إلى تقریر البحث الاجتماعی، وکذلک بیان مطالعته فی دعاوى اسقاط الحضانة مثلا وفق نص المادة 57/7 کلما ظهر له وجود مصلحة للصغیر، مقترنا ذلک باستجابة المحاکم إلى ما یقدمه الادعاء العام من طلبات تکون من مسببات القرارات والأحکام التی تصدر من تلک المحاکم، فیکون بذلک عونا للقضاء بغیة تحقیق العدالة فی نطاق هذه الدعاوى وغیرها.
ویرى العدید من شراح قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 المتقدمین منهم بان تدخل الادعاء العام وحضوره فی الدعاوى المدنیة وبشکل خاص فی دعوى الأحوال الشخصیة قد اثبت عملیا جدارة وکفاءة أثمرت فی تعزیز دوره فی بناء الأسرة والحفاظ على کیانها. فیما یرى البعض الآخر منهم أن هذا الدور لیس متحققا بهذا المستوى بل جاء ناقصاً ومتخبطا وعدیم الجدوى، وان اکتفاءه بإبداء المطالعة وبیان الرأی أبقى دوره شکلیا وهامشیا بسبب عدم إلزامه بالحضور أو إعطاء الحق له بإقامة الدعوى. ویبدو لنا ان هذا الاختلاف فی الرأی حول تقییم دور الادعاء العام أمام محاکم الأحوال الشخصیة لدى شراح قانون الادعاء العام فی العراق هو صائب لدى کلیهما إذا ما تم ربطه زمنیاً، فإذا ما تتبعنا هذا الدور فی الفترة الأولى أی بعد صدور القانون والى وقت قریب سنرى انه کان ظاهرا ومتقدما، ثم اخذ بالتراجع بعد ذلک وما زال کذلک الى الیوم، ویورد أصحاب الرأی الأول ان العمل کان قد جرى بإخبار الادعاء العام للحضور والتدخل والقیام بواجباته التی أناطها القانون به لأن نشاطه فی هذا المجال ینطوی على مرونة لا تملکها المحکمة. وعلى الرغم من ان المشرع قد ذهب أخیراً إلى تعزیز دور الادعاء العام على صعید التشریع، لاسیما تعدیل القانون رقم10 لسنة 2006 الذی طال الأمور المتعلقة بالخدمة والراتب، إذ عدّت المادة الأولى أعضاء الادعاء العام بأنهم قضاة ویتمتعون بجمیع حقوق القضاة وامتیازاتهم، واعتدت المادة الثانیة بسنوات خدمة أعضاءه لأغراض تطبیق قانون التنظیم القانونی رقم 60 لسنة 1979، واعتبرتهم المادة السابعة من التعدیل قضاة، إذ جاء فی نص القَسَم عبارة ".. وان "اقضی" بین الناس بالحق والعدل" . فضلا عن ان أعداد أعضاء الادعاء العام قد ازداد بشکل ملحوظ فی هذه الفترة، إلا أن دوره لا یزال متردداً فی هذا المجال أمام محاکم الأحوال الشخصیة ومحاکم المواد الشخصیة، وبحدود اطلاعنا ولقاءاتنا العدیدة مع السادة أعضاء الادعاء العام فی محاکم الأحوال الشخصیة ومحاکم المواد الشخصیة، فان مهامهم ونشاطهم لا یزالان یستحوذ علیهما دورهم التقلیدی لدى قضاء التحقیق أمام محاکم الجنح أو محاکم الجنایات، أما دورهم أمام محاکم الأحوال الشخصیة فلا یکاد الیوم یتعدى إبداء الرأی أو بیان المطالعة فی طلبات الزواج بأکثر من زوجة واحدة بإذن القاضی کما نصت علیه الفقرتان الرابعة والخامسة من المادة الثالثة من قانون الأحوال الشخصیة رقم 188 لسنة 1959 النافذ . وفی ضوء واقع حضور أو تدخل الادعاء العام أمام محاکم الأحوال الشخصیة فإننا نشارک الرأی الذی یؤشر بوضوح إلى تراجع هذا الحضور وضعف دوره حالیا، وتخلفه عن مواکبة وتفعیل القواعد القانونیة التی جاء بها قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 وتعدیلاته على الرغم من قصور تلک القواعد والأحکام، وندعو فی الوقت نفسه إلى سد النقص التشریعی وإزالة مواضع القصور بتشریع یفعل دوره من خلال النص بقواعد تتیح له حضوراً مؤثراً أو یلزم القضاء على إخبار الادعاء العام بوجود الدعوى أو الطلبات التی تتضمن إصدار الحجج القضائیة أو الاذونات، کما فی مسائل إعطاء الإذن بطلبات الزواج بأکثر من زوجة واحدة کما هو جارٍ فی قضاء محاکم الأحوال الشخصیة، حتى وان کانت بمستوى إبداء الرأی أو المطالعة التی لا تحمل قوة الإلزام للقاضی المختص، إلا ان هذا الرأی سیشکل بکل تأکید أهمیة وتأثیراً ایجابیاً فی إجراءات المحکمة، وسیساعد القاضی فی سبیل الوصول إلى القرار الصائب الموافق للقانون، ولیس بالضرورة ان یکون قد اخذ بالرأی الواصل إلیه من المدعی العام المنتدب إلى المحکمة المختصة. کما یمکن ان یفعل هذا الدور على مستوى إصدار تشریع أو نظام یأخذ بمبدأ "الاختصاص" حیث یتحدد بموجبه کیفیة توزیع أعضاء الادعاء العام فی محاکم الأحوال الشخصیة حسب الاختصاص النوعی لهذه المحاکم، بعد تأهیل جزء من هذا الجهاز أمام قضاء الأحوال الشخصیة، وتکون أهم الخطوات فی ذلک هو تأهیل وتسمیة هؤلاء ابتداءً من المعهد القضائی، ونقترح فی سبیل تحقیق ذلک أن یقسم المعهد القضائی إلى قسمین احدهما لتخریج القضاة والقسم الثانی لتخریج أعضاء الادعاء العام، أو إتباع هذا التقسیم على سبیل التخصص فی المرحلة الثانیة من دراسة المعهد ثم لتنمو هذه المؤهلات وتتراکم الخبرات فی خضم العمل القضائی، ونعتقد أن هذا الأمر یمکن ان یکون ممکناً ومطروحاً أمام المشرع فی ظل الوجود العددی المتزاید لأعضاء الادعاء العام حالیاً وتطویر هذا العدد نوعیاً لیتمکن من أداء دوره کما ورد فی المبادئ الأساسیة للقانون. ولا ضیر أن یکون عدد أعضائه بعدد أعضاء القضاة لأنهم من رجال القضاء بحکم القانون أیضا.
المطلب الثانی
مهام الادعاء العام فی قانون رعایة القاصرین رقم 78 لسنه 1980
أولى قانون الإدعاء العام العدید من المهام لهذا الجهاز فی مجال رعایة القاصرین وحمایتهم، وذلک من خلال نص المادة 13 التی عددت المسائل أو الدعاوى المتعلقة بالقاصرین والمحجوز علیهم والغائبین أو المفقودین أو التی تتعلق بحمایة الأسرة والطفولة ویکون بمقدور المدعی العام التدخل أو الحضور أمام المحاکم المختصة بشأنها، وتقع تلک المسائل فی معظمها أیضاً ضمن المبادئ والأحکام التی جاء بها قانون رعایة القاصرین والتی من أهم أهدافه رعایة الصغار ومن فی حکمهم والعنایة بشؤونهم، ویشمل ذلک المحجورین والغائبین والمفقودین، فضلا عن أحکام الولایة والوصایة وکیفیة إدارة أموال القاصرین.
أما إدارة أموال هؤلاء فقد تضمنتها النصوص القانونیة التی وردت فی الفصل الثانی من الباب الرابع، ویکون للادعاء العام دور قانونی واضح فی الإجراءات التی تصاحب تصرفات الولی أو الوصی أو القیم الذی یباشر تلک التصرفات ، لاسیما فی الأحکام التی نصت علیها المواد 43 و54 و 55 و 56 من القانون.
ویتجسد دور الادعاء العام فی هذا الصدد من خلال حکم المادة 57 من القانون التی تنص على ما یاتی " على مدیریات رعایة القاصرین تبلیغ الادعاء العام بما تصدره من موافقات أو رفض لها وفق المواد (43) و(54) و(55) و (56) من هذا القانون وذلک خلال ثلاثة أیام من تاریخ صدورها". ونعتقد أن هذا الحکم جاء متقدماً على قانون الادعاء العام الذی لا یلزم المحکمة المختصة للقیام بهذا الإجراء الذی یعتبر ضروریا لتعزیز دور الادعاء العام فی مثل هذه المسائل، وکان على المشرع الذی سبق وان نظم قانونا خاصا للادعاء العام، ان ینص على أحکام یلزم حضوره أو یلزم المحکمة المختصة بتبلیغه للحضور أمامها فی مثل هذه المسائل، ان تبلیغ الادعاء العام وفق مفهوم المادة 57 یعنی دعوته الى الانضمام والتدخل فی الطلبات أو المسائل التی تقدم إلى مدیریة رعایة القاصرین ، وبذلک یترتب علیه أن یدلی برأیه بما تصدره تلک المدیریات، فإذا جاءت قراراتها موافقة لتلک الطلبات، ورأى ان هذه القرارات موافقة للقانون أیضاً ولحقوق القاصر، فیکون رأیه منسجما ضمنیاً مع تلک القرارات، دون أن یبدی اعتراضا من خلال طرق الطعن التی سنح له القانون بإتباعها، إذ رسمت المادة 58 من القانون هذا الإجراء بالنص على أن " أولاً- للادعاء العام أو الولی أو الوصی أو القیم أو من یتولى شؤون القاصر الطعن بما یصدره مدراء رعایة القاصرین من موافقات أو رفض لها وفق المواد (43) و (54) و (55) و (56) من هذا القانون لدى محکمة الاستئناف المختصة وذلک خلال مدة سبعة أیام من تاریخ التبلیغ بها، ویکون قرار محکمة الاستئناف بهذا الشأن باتاً". وعلى الرغم من أن النص فی هذه المادة جاء حکمه بمستوى اقل من حکم المادة التی سبقتها، إذ ترک للادعاء العام خیار الطعن ولیس لزاما علیه سلوکه کما ورد فی مستهل المادة المذکورة فانه بکل تأکید منحه زخما فی متابعة دوره الذی تضمنته المادة 57 من القانون، ویبقى الأمر مرهونا بنشاطه فی تحقیق هذا الدور وذلک من خلال الطلبات التی تقدم إلى مدیریة رعایة القاصرین من الأولیاء والأوصیاء ومن فی حکمهما، والتی تتضمن الموافقة على مباشرة بعض التصرفات على أموال القاصرین ، ومن ثم تحال هذه الطلبات إلى المدعی العام المنسب إلى تلک المدیریة مشفوعا بموافقتها أو رفضها على أصل تلک الطلبات لکی یبدی رأیه بصددها، ومن ثم أو فی خطوة تالیة ولکی ینفذ رأیه یسلک طریق الطعن المقرر عندما تتجاوز دائرة رعایة القاصرین رأیه حینها یبت القضاء بالأمر ممثلا بمحکمة الاستئناف المختصة مکانیا بصفتها التمییزیة، ویکون قرارها بهذا الشأن باتا کما ورد فی نهایة المادة 58 أولاً من القانون، وعلى الصعید التطبیقی فان الادعاء العام یمارس هذا الدور بشکل معتاد، وتتباین نتائج أو ثمار هذا الدور فی مدى مطابقته لأحکام القانون ولمصلحة القاصر، وفی هذا الجانب سنورد بعض التطبیقات القضائیة التی تؤشر دور الادعاء العام ومدى استجابة محکمة الاستئناف بصفتها التمییزیة لطعونه تأییداً أو رفضاً، وسنمثّل أولاً لبعض القرارات التی أیدت فیه هذه المحکمة لطعونه، ومنها مثلاً قرار لمدیریة رعایة القاصرین فی بعقوبة وافقت فیه على إعطاء الإذن للوصیة والقیمة على القاصرین ببیع الدار الذین یملکون اسهم فیها على الشیوع .. ولعدم قناعة نائب المدعی العام بالقرار المذکور فقد میزه لدى محکمة الاستئناف فی دیالى طالبا تدقیقه ونقضه، فقررت هذه المحکمة نقض قرار المدیریة أعلاه وإعادة الإضبارة إلیها للتثبت مما إذا کانت هناک مصلحة فی بیع اسهم القاصرین من عدمها وفی حالة توفر المصلحة إصدار الإذن. وفی قرار لمدیریة رعایة القاصرین فی نینوى رفضت فیه طلب الولی الجبری المتضمن الموافقة على إجراء التسویة بخصوص قیامه ببیع عقار القاصر وشراء عقار بدلا منه وتسجیله باسم القاصر وبدون موافقة رعایة القاصرین على اعتبار ان تصرفه کان تبرعا، ولعدم قناعة الممیز/ نائب المدعی العام بقرار المدیریة ألمذکور آنفا فقد طعن به بلائحته المؤرخة فی 19/4/2009 طالبا نقضه لأسباب ذکرها فیها لدى محکمة استئناف نینوى بصفتها التمییزیة، فقررت هذه المحکمة نقض القرار وأعادة الأوراق إلى دائرة رعایة القاصرین فی نینوى لعرض الموضوع على مدیر عام القاصرین لإستحصال موافقته على بیع عقار القاصر لتحقق وجود مصلحة ظاهره ونفع کبیر تطبیقا لحکم المادة 55/ ثانیاً من قانون رعایة القاصرین. ویظهر من هذه القرارات استجابة محکمة الاستئناف بصفتها التمییزیة لطعون نائب المدعی العام مما یؤکد دوره الایجابی المطلوب فی مراقبة تطبیق قانون رعایة القاصرین . فیما نجد أن طعونا أخرى فی ذات النطاق غیر موفقة. فقد ذهبت محکمة استئناف نینوى فی قرار لها بناء على طعن نائب الادعاء العام إلى انه " وجد أن القرار المطعون فیه صحیح وموافق للقانون حیث أن السیارة موضوع الطعن تم تقدیر قیمتها من قبل خبیر مختص وجرى بیعها بالمزایدة العلنیة الأصولیة لذلک تقرر تصدیقه ورد الطعن التمییزی". ویفید هذا القرار والقرارات العدیدة فی هذا السیاق بان محکمة الاستئناف بصفتها التمییزیة صادقت على قرار دائرة القاصرین لأن طعن الادعاء العام لم یکن فی محله ولم یحظ بموافقة المحکمة، ویؤکد ذلک أن دور الادعاء العام على الوجه المذکور فی طعونه هذه تشیر إلى شکلیة دوره.
ونعتقد أن هذا الأمر یتعلق بکفاءة الادعاء العام ومؤهلات الشخصیة، ویتطلب ذلک تطویر هذه المؤهلات وإنضاجها من خلال الخبرة، وهذه الأخیرة لا تأتى إلا من خلال إحلال مبدأ "الاختصاص" فی عمل الادعاء العام کما سبق وان نوهنا به فی الفقرة الخاصة بواقع حضور الادعاء العام أمام محاکم الأحوال الشخصیة. ویبقى فی کل الأحوال دوره فی المسائل التی عالجها قانون رعایة القاصرین مهماً ومطلوباً بقدر أهمیة هذه المسائل وخطورتها فی آلیة دوره الذی منحه ایاه هذا القانون، فضلا عن دوره الرئیس فی قانون الادعاء العام فی إطار احترام ومراقبة المشروعیة واحترام تطبیق القانون والإسهام فی حمایة الأسرة والطفولة.
المطلب الثالث
مهام الادعاء العام فی مسائل الأحوال الشخصیة فی القانون المقارن
یتمتع الادعاء العام (النیابة العامة) * فی مسائل الأحوال الشخصیة فی القانون المقارن بدور مهم فی دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة، لاسیما الدور الذی تؤدیه النیابة العامة فی مصر، ففضلا عن دورها التقلیدی والرائد أمام القضاء الجنائی، فإنها تمارس دوراً کبیراً وموسعا فی دعاوى الأحوال الشخصیة وإجراءاتها، وهی تظفر بدور متمیز فی مباشرة دعوى الحسبة فی هذه المسائل، وسوف نستعرض فی هذا المطلب باختصار موقف القانون المقارن فی تنظیم هذا الدور وسنتعرف فی الفرع الأول على أحکام القانون المصری ومن ثم على موقف بعض التشریعات المقارنة فی سوریا ولبنان فی الفرع الثانی وعلى النحو الآتی:
الفرع الأول
أحکام القانون المصری
أولاً: مهام النیابة العامة فی قانون المرافعات المدنیة والتجاریة رقم 13 لسنة 1968 المعدل بالقانون 2007: یأتی مهام النیابة فی قانون المرافعات المدنیة والتجاریة المصری من خلال تدخلها فی دعوى الأحوال الشخصیة، وهذا التدخل جاء على سبیل الجواز فی المسائل التی حددتها المادة 89 من القانون بالنص على ما یاتی: "فیما عدا الدعاوى المستعجلة یجوز للنیابة العامة إن تتدخل فی الحالات الآتیة:
الدعاوى الخاصة بعدیمی الأهلیة وناقصیها والغائبین والمفقودین.
الدعاوى المتعلقة بالأوقاف الخیریة والهبات والوصایا المرصدة للبر.
کل حالة أخرى ینص القانون على جواز تدخلها فیها.
وعلى الرغم من ان هذا التدخل جاء جوازیاً فأن القانون اوجب على المحکمة إخباره بذلک وفق ما جاء فی المادة 92 منه التی تنص على ما یاتی: "فی جمیع الأحوال التی ینص فیها القانون على تدخل النیابة العامة یجب على قلم کتاب المحکمة إخبار النیابة کتابة بمجرد قید الدعوى، فإذا ما عرضت أثناء نظر الدعوى مسألة مما تتدخل فیها النیابة، فیکون أخطارها بناء على أمر من المحکمة المختصة".
ووفق نص المادة 91 " تعتبر النیابة ممثلة فی الدعوى متى قدمت مذکرة برأیها فیها ولا یتعین حضورها إلا إذا نص القانون على ذلک، وفی جمیع الأحوال لا یتعین حضور النیابة عند النطق بالحکم". وتدلی النیابة العامة برأیها وفق هذا النص من خلال حکم المادة -93- التی جاء فیها "تمنح النیابة العامة بناءً على طلبها میعاد سبعة أیام على الأقل لتقدیم مذکرة بأقوالها، ویبدأ هذا المیعاد من الیوم الذی یرسل لها فیه ملف القضیة مشتملا على مستندات الخصوم ومذکراتهم". إن هذه الأحکام هی مجمل ما نظم فیه المشرع لدور النیابة العامة فی قانون المرافعات المصری، وهی فی کل الأحوال جاءت متقدمة عما ورد فی قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 فی العراق، لأن المشرع المصری اوجب على المحکمة ممثلة بقلم الکتاب إخبار النیابة العامة للتدخل فی المسائل المعروضة أمام محکمة الأحوال الشخصیة والتی نصت علیها المادة 89 من خلال الإجراءات التی حددتها المادة 93 بإرسال ملف القضیة إلى النیابة العامة، فیما لم یفصح القانون العراقی عن ماهیة الحضور، هل یکون أمام قاضی محکمة الموضوع أم یکون بوسعه إبداء الرأی فی مذکرة لتربط مع أوراق الدعوى والاکتفاء بذلک، إذ کان الأفضل بتقدیرنا أن یورد المشرع العراقی مثل هذه الأحکام.
ثالنیاً: مهام النیابة العامة فی قانون تنظیم عدد من أوضاع وإجراءات التقاضی فی مسائل الأحوال الشخصیة رقم 1 لسنة 2000.
أورد المشرع المصری فی هذا القانون أحکاماً بعضها مهمة لجهة مهام النیابة العامة فی عدد من مسائل الأحوال الشخصیة، وبعضها الآخر أحکام إجرائیة اعتیادیة، ففی المادة الثانیة أعطی للنیابة العامة دور فی تعیین وصی خصومة ینوب عن عدیم الأهلیة أو ناقصها، فیما نصت المادة 6 حکما جوهریا مهما لهذا الدور بالنص على ما یاتی: " مع عدم الإخلال باختصاص النیابة العامة برفع الدعوى فی مسائل الأحوال الشخصیة على وجه الحسبة المنصوص علیه فی القانون رقم 3 لسنة 1996، للنیابة العامة رفع الدعوى ابتداءً فی مسائل الأحوال الشخصیة إذا تعلق الأمر بالنظام العام والآداب، کما یجوز لها ان تتدخل فی دعاوى الأحوال الشخصیة التی تختص بها المحاکم الجزئیة. وعلى النیابة العامة ان تتدخل فی دعاوى الأحوال الشخصیة والوقف التی تختص بها المحاکم الابتدائیة أو محاکم الاستئناف وإلا کان الحکم باطلا". وهذا النص یحمل أحکاماً عدیدة، فضلا عن الأحکام التی أوردناها فی قانون المرافعات المصری والقانون رقم 3 لسنة 1996 المتعلقة بدعوى الحسبة، فقد أولى للنیابة العامة إمکانیة رفع الدعوى ابتداء فی مسائل الأحوال الشخصیة التی تتعلق بالنظام العام والآداب، واوجب علیها کذلک التدخل بتلک المسائل المعروضة أمام المحاکم الابتدائیة ومحاکم الاستئناف، وقرر جزاء عدم تدخلها فی تلک المسائل بطائلة البطلان، وهذا الحکم لم تصل إلیه التشریعات المقارنة فی هذا البحث ومنها بشکل خاص تشریعنا العراقی. لقد أورد هذا القانون فی مواضع أخرى أحکاماً منها ما یتعلق بتحدید النفقة للزوجة، إذ اوجب على النیابة العامة القیام بالتحقیق بأمر من المحکمة للوصول إلى تحدید ذلک مشفوعا بإجراءات أخرى فی المادة 23 من القانون. وفی سبیل حمایة مصالح عدیمی الأهلیة وناقصیها والغائبین والتحفظ على أموالهم، فقد أورد المشرع المصری فی هذا القانون العدید من الأحکام التی تؤمن هذه الحقوق من خلال دورها أمام قضاء الأحوال الشخصیة . ویمتد دور النیابة العامة فی هذا الصدد حتى مرحلة الطعن فی الأحکام والقرارات لاسیما فی حکم المادة 57 التی تنص على ان "یکون للنیابة العامة فی جمیع الأحوال الطعن بطریق الاستئناف فی الأحکام والقرارات الصادرة فی الدعاوى التی یوجب القانون أو یجیز تدخلها، ویتبع فی الطعن الأحکام المنصوص علیها فی قانون المرافعات المدنیة والتجاریة". وتضمن القانون أحکاماً أخرى تخص تنفیذ الأحکام والقرارات والتی وردت فی الباب الخامس من القانون وفیها تشیر إلى دور مهم للنیابة العامة فی المنازعات التی تتعلق بالحضانة وتسلیم الصغیر إذ نصت المادة7 من القانون على ما یاتی: "یجوز للنیابة العامة، متى عرضت علیها منازعة بشأن حضانة صغیر فی سن حضانة النساء، أو طلبت حضانته مؤقتا من یرجح الحکم لهما بذلک، أن تصدر بعد إجراء التحقیق المناسب قراراً مسببا بتسلیم الصغیر إلى من تتحقق مصلحته معها. ویصدر القرار من رئیس نیابة على الأقل، ویکون واجب التنفیذ فوراً إلى حین صدور حکم من المحکمة المختصة فی موضوع حضانة الصغیر". وقد وردت فی هذا القانون احکام أخرى تخص نشاط النیابة العامة فی مسائل الأحوال الشخصیة، إلا أن ما اقتبسناه من هذا القانون تعتبراهم الأحکام التی أعطى فیها القانون للنیابة العامة دوراً لا یستهان به ، مما یمکننا ان نقول ونؤکد بان دورها یتقدم کثیرا عما هو علیه فی القانون العراقی، لاسیما ان هذا الدور قد تعزز بتشریعات أخرى تنظیمیة لممارسة دوره ومنها مثلا صدور قرار من وزارة العدل بإنشاء "نیابة الأحوال الشخصیة العلیا" برقم 4726 لسنة 2001، إذ جاء فی المادة الأولى منه ما یاتی "تنشأ بمکتب النائب العام نیابة الأحوال الشخصیة العلیا، یرأسها محام عام أول، ویعاونه عدد کاف من المحامین العامین ورؤساء النیابة ووکلاء النیابة من الفئة الممتازة، ویکون اختصاصها شاملا لجمیع أنحاء الجمهوریة" وقد عددت هذه المادة حزمة من المهام التی تتولاها النیابة العامة فی سبیل متابعة الإجراءات والدعاوى التی تخص مسائل الأحوال الشخصیة.
الفرع الثانی
أحکام القانونین السوری واللبنَانی.
أولاً: فی القانون السوری:
جاء تنظیم المشرع السوری لدور النیابة العامة فی مسائل الأحوال الشخصیة فی قانون أصول المحاکمات الصادر بالمرسوم التشریعی رقم 84 فی 28/9/1953 النافذ، وقد ورد ذلک فی الباب الرابع من القانون، واقتصر الأمر فیما یتعلق بمسائل الأحوال الشخصیة فی المادة 123 من القانون، إذ نصت المادة المذکورة على ما یاتی"یجوز للنیابة العامة ان تتدخل فی القضایا المتعلقة بادارة عامة أو بالأحوال الشخصیة وبعدیمی الأهلیة وناقصیها والغائبین وبالأوقاف الخیریة وبالهبات والوصایا المرصدة للبر..." . وبصراحة النص فان تدخل النیابة العامة فی هذه المسائل جاء جوازیا، ولم یوضح هذا النص أو غیره کیف یتسنى للنیابة العامة ان تتدخل فی تلک المسائل، على الرغم من انه أی التدخل جاء جوازیاً ودون ان یلزم المحکمة المختصة أو یجیزلها اخبار النیابة العامة بالدعوى أو المسالة المعروضة امامها، فی حین ان المادة 124 اجازت للمحکمة ارسال ملف القضیة للنیابة العامة إذا کانت المسألة تتعلق بالنظام العام أو الاداب العامة. أما دورها إذا ما علمت أو استدعیت للانضمام فی الدعوى أو المسالة المعروضة امام المحکمة فلا یتعدى سوى تقدیم اقوالها وطلباتها. وبهذه الاحکام التی وردت فی قانون اصول المحاکمات السوری، یبقى دور النیابة العامة السوریة غیر ذات جدوى ومتواضعاً بشکل خاص فی دعاوى الأحوال الشخصیة ومسائلها.
ثانیاً: فی القانون اللبنانی:
لدى حدیثنا عن المرکز القانونی للنیابة العامة فی قانون اصول المحاکمات اللبنانی، رأینا ان القانون فی المادة 8 قد اعطاها حق اقامة الدعوى فی الأحوال التی عینها القانون، ومسائل الأحوال الشخصیة لیست من ضمن هذه الأحوال التی عنتها المادة المذکورة، وحتى فی هذه الأحوال فلا یمثل دورها سوى ابداء الرأی امام محکمة الدرجة الاولى ومحکمة الاستئناف. ونعتقد ان ذلک یعود إلى طبیعة النظام القضائی اللبنانی فی مسائل الأحوال الشخصیة المحکوم بالتعدد المذهبی والطائفی، فکل مذهب وطائفة فی لبنان لها قانون احوالها الشخصیة الخاص بها وکذلک قضاؤها الخاص بتلک الأحوال. وبناء على هذا الواقع فان قوانین الأحوال الشخصیة للطوائف وقضائها، قد عالج دور النیابة العامة تبعا لکل طائفة أو مذهب، وللتمثیل فی هذا المجال نورد عدد من الاحکام التی جاءت فی قانون 26/7/1962 الذی شمل المواد التی حددت اختصاصات النائب العام لدى المحاکم الشرعیة العلیا، ونصت المادة 14 من هذا القانون على ان " یقوم بوظیفة الادعاء العام لدى کل من المحکمتین العلیین(*) قاض مدنی أو إداری من مذهبهما ینتدب بمرسوم ویتناول تعویضا یحدد بمرسوم ایضاً. واعطت المادة 32 من القانون للنیابة العامة حق الادعاء مباشرة فی الأحوال المنصوص علیها قانونا أو المتعلقة بالنظام العام. ودور النیابة العامة فی الأحوال المذکورة اعلاه هی من الأحوال الشخصیة لأن المحاکم الشرعیة لا تنظر الا فی الأحوال الشخصیة. ورسمت المادة 33 الدور الذی یمکن ان تؤدیه النیابة العامة امام القضاء الشرعی فی هذا القانون بالنص على ما یاتی: "فیما خلا الأحوال السابقة ینحصر تدخل النیابة العامة بإبداء الرأی لدى المحکمة الشرعیة العلیا فی دعاوى الزوجیة والنسب والفرقة والوقف وبیت المال وفی الاحکام الصادرة على الصغار وسائر المحجور علیهم وفی النفقات المفروضة لهم فی مالهم.." وقد انتهى النص إلى هذا الحد فیما یتعلق بدعاوى الأحوال الشخصیة لیتناول بعد ذلک مسائل إجرائیة وتنظیمیة". وفی هذا النص تم تحدید الدعاوى التی تنظرها المحکمة المختصة والتی تکون النیابة العامة طرفاً منضماً فیها، وینحصر هذا الدور فی إبداء الرأی وتقدیم المطالعة بالموضوع، وسنورد صورة نصیة من مطالعة النائب العام اللبنانی وموضوعها "مدى اختصاص قاضی حصر الإرث بقبول رفض الوریث لحصته الارثیة ومن ثم تعدیل حصر الإرث فی ضوء الرفض من النائب العام الشرعی.. لدى الاطلاع، تبین ان الملف احیل الینا فقط فی خصوص مدى اختصاص قاضی حصر الإرث..، بناء علیه وحیث ان القاضی الشرعی، المختص بحصر الإرث یبقى مختصا بما یتفرع عنه من أمور إذا توافرت شروط قبول الدعوى بالنسبة الى المدعی.
وبما ان توزیع المیراث على الورثة الشرعیین امر یتعلق بالنظام العام الشرعی فلا یجوز للقاضی الشرعی التعرض له حال توافر شروطه حتى ولو رفض بعض الورثة الحصة الارثیة وأرادوا التنازل عنها. وکل ما یختص به القاضی الشرعی فی حال التقدم منه برفض الإرث أو التنازل هو تدوین هذا النزول أو الرفض والاشارة بذلک على حجة حصر الإرث لینتج ذلک مفاعیله لاحقا لمن شاء التذرع بهذا الامر. لذلک نرى ان القاضی الشرعی المختص بالنظر بحصر الإرث أو الطعون الحاصلة علیه مختص بامر تدوین النزول أو الرفض دون المساس بالحصص الارثیة والتاشیر بالرفض على الحجة الارثیة".
المبحث الثالث
مهام الادعاء العام بمراجعة طرق الطعن فی مسائل الأحوال الشخصیة
تعتبر مرحلة مراجعة طرق الطعن فی العمل القضائی من الإجراءات المهمة والضروریة التی یجب ان تصاحب الدعوى حتى مراحلها النهائیة، ولان طرق الطعن هی من الوسائل القانونیة التی یتیحها المشرع للخصوم فی سبیل نیل حقوقهم وحمایتها من الاخطاء أو الاضرار التی قد تلحق بهم نتیجة اغفال القاضی لوقائع الدعوى أو لأحکام الشرع والقانون، وکما اتاح للمحکوم علیه مثل هذا الحق، فقد اتاح للادعاء العام ذلک لیس بصفته خصماً، وانما لکونه ممثلاً ومدافعاً عن المصالح العلیا للمجتمع فی اطار احترام المشروعیة ومراقبة تنفیذ القرارات والاحکام وفقا للقانون، وهذا الامر اکدت علیه المبادى الاساسیة فی قانون الادعاء العام رقم 159 لسنه 1979، ونصت علیه أیضاً الاحکام التی اوردها القانون المذکور، وسوف نتناول هذه المهام التی منحها القانون للادعاء العام بهدف اتمام دوره فی مسائل الأحوال الشخصیة عبر هذا المبحث من خلال مطلبین، نتطرق فی اولهما على هذا الدور فی القانون العراقی، ثم نتطرق فی المطلب الثانی على دوره فی مراحل الطعن فی الاحکام لدى القانون المقارن، وعلى النحو الاتی :
المطلب الاول: مهام الادعاء العام بمراجعة طرق الطعن فی القانون العراقی
المطلب الثانی: مهام الادعاء العام بمراجعة طرق الطعن فی القانون المقارن
المطلب الأول
مهام الادعاء العام بمراجعة طرق الطعن فی القانون العراقی
ان طرق الطعن فی الاحکام هی محددة فی القانون العراقی بموجب الماده 168 من قانون المرافعات المدنیة رقم 83 لسنه 1969 النافذ، وهی:
الاعتراض على الحکم الغیابی 2. الاستئناف 3. اعادة المحاکمة
4. التمییز 5. تصحیح القرار التمییزی 6. اعتراض الغیر
ان هذه الحالات جاءت ضمن الأحکام العامة فی هذا القانون الذی یعد القانون الاجرائی العام فی العراق، وتعد غیره من القوانین الإجرائیة الأخرى ان وجدت قوانین خاصة. وقد ورد فی قانون الادعاء العام رقم 159 لسنه 1979 الذی یعتبر قانوناً خاصاً فیما یتعلق ببعض إجراءاته، ومنها سلوک طرق الطعن، ومن بین هذه الطرق ما نصت علیه الماده 168 المذکورة آنفا وأحکام اخرى تعد خاصة ومحصورة بالادعاء العام دون غیره . سنحاول عرض هذا الامر على سبیل الإیجاز فی الفرعین الآتیین مستبعدین طعونه وفق قانون رعایة القاصرین فقد تم تناولها فی موضع سابق من هذا البحث، وذلک على النحو الاتی:
الفرع الاول: مهام الادعاء العام بمراجعة طرق الطعن العامة فی مسائل الأحوال الشخصیة
الفرع الثانی: مهام الادعاء العام بمراجعة طرق الطعن لمصلحة القانون فی مسائل الأحوال الشخصیة.
الفرع الاول
مهام الادعاء العام بمراجعة طرق الطعن العامة فی مسائل الأحوال الشخصیة
وردت هذه المهام فی الفقرة ثانیاً من المادة 13 من القانون، التی تنص على ما یاتی:" للادعاء العام بیان المطالعة وابداء الرای فی الدعاوى المذکورة أولاً من هذه المادة ومراجعة طرق الطعن فی القرارات والاحکام الصادرة فیها ومتابعتها". ان الفقرة أولاً من المادة المذکورة تتناول مسائل الأحوال الشخصیة، اما خطوات ومفهوم الفقرة الثانیة فقد جاء شاملا لکل طرق الطعن المنصوص علیها فی المادة 168 من قانون المرافعات المدنیة، وهذا یؤکد ان للادعاء العام ان یسلک جمیع طرق الطعن المذکورة، فهل یمارس ذلک فی نشاطه امام محاکم الأحوال الشخصیة؟
ان الواقع القضائی لعمل الادعاء العام یشیر إلى غیر ذلک، لأن طعونه هنا تنحصر فی طریق واحد وهو طریق الطعن التمییزی، لأن دعاوى الأحوال الشخصیة تمیز وفق نص المادة 309 من قانون المرافعات المدنیة، ولأن واجب المحکمة ارسال الدعوى لغرض إجراء التدقیقات التممیزیة علیها وأن من حق الخصم الخاسر فی الدعوى تمییز الحکم الصادر ضده.. لقد أتاح قانون الإدعاء العام فی الفقرة ثانیاً من المادة 13 الطعن فی المسائل والدعاوى المنظورة امام محکمة الأحوال الشخصیة والتی یکون له حضور فیها کلما رأى ذلک ضروریاً، ویکون کذلک عندما لا تاخذ المحکمة برأیه أو لا تلقى مطالعته قبولاً منها، فیکون الطعن تمییزاً لدى محکمة التمییز أو لدى محکمة الاستئناف بصفتها التمییزیة، لیؤکد دوره فی حمایة المشروعیة القانونیة ومراقبة تطبیق القوانین والاحکام التی أولاها له المشرع فی قانون الادعاء العام، وسنورد هنا عدد من تلک الطعون التی لاقت تاییدا من محکمة التمییز. فقد میز نائب المدعی العام قرار قاضی الأحوال الشخصیة فی بغداد الجدیدة القاضی باحالة طلب المدعی إلى مرکز شرطة الخنساء للتحقیق فی حادثة الولادة، ولعدم قناعة نائب المدعی العام فقد طلب تدقیقه تمییزاً ونقضه، فأصدرت محکمة التمییز قرارها بنقض قرار قاضی محکمة الأحوال الشخصیة مؤیدة بذلک طلب نائب المدعی العام . وقد میز نائب المدعی العام قرار محکمة الأحوال الشخصیة فی دهوک بتصحیح تاریخ الزواج بالنسبة للمدعیة وزوجها المتوفى، ولعدم قناعة نائب المدعی العام فی الحکم فقد طلب تدقیقه ومن ثم نقضه للأسباب التی ذکرها فی لائحته التمییزیة، فاصدرت محکمة التمییز هیئة الأحوال الشخصیة قرارها القاضی بنقض قرار محکمة الأحوال الشخصیة فی دهوک واعادة الدعوى الیها للسیر فیها على الوجه المبین فی القرار التمییزی. وفی قرار لمحکمة التمییز الاتحادیة وبناء على تمییز نائب المدعی العام على قرار محکمة الأحوال الشخصیة فی الموصل المتضمن تصحیح القسام الشرعی للمتوفاة (خ) ابنة المدعی والدها (أ) طالبا ادخالها فی عداد الورثة، إذ اصدرت المحکمة المذکورة قراراً بتصحیح المسألة الارثیة وإدخاله ضمن الورثة والاشعار للمعاون القضائی بتاشیر حکمها فی السجل الخاص بالقسامات، وتحمیل المدعى علیه الرسوم والمصاریف، ومیز هذا الحکم نائب المدعی العام طالبا نقضه بلائحته المورخة فی 5/5/2009، فاصدرت محکمة التمییز قرارها القاضی بنقض قرار تصحیح المسألة الارثیة کونه غیر صحیح ومخالفا لاحکام الشرع والقانون، لأن الواجب تکلیف المدعی اثبات دعواه بالبینة المعتبرة ولا یغنی عن ذلک اقرار المدعى علیه لتعلق الدعوى بحقوق قاصر، لذا قرر نقضه واعادة الاضبارة إلى محکمتها للسیر فیها وفق ماتقدم. ان القرارات التی تم عرضها على سبیل المثال تشیر إلى دور مهم وایجابی للادعاء العام فی مراجعة طرق الطعن التمییزیة فی مسائل تتعلق بحقوق الاسرة لاسیما حقوق القاصرین، وهذا الدور یتطابق ایضا مع الدور الذی رسمه القانون له فی المادة 13/ أولاً من قانون الادعاء العام، ویؤکد ایضا ان اجتهاده فی هذا المجال قد لاقى مصادقة محکمة التمییز مما یعزز الثقة بالدور الذی یمکن له ان یضطلع به، ویعززایضا مسیرة القضاء فی تحقیق العدل والامن القانونی معا.
إن قرارات محکمة التمییز على الرغم من ندرتها تشیر إلى المستوى المتقدم الذی ظهر فیه الادعاء العام، وتستطیع هذه المحکمة ان تفسح المجال له اکثر من ذلک فی هذا الاتجاه، أی فی اتجاه تعزیز دوره فی مراحل الطعن بدعاوى الاحوال الشخصیة، وذلک من خلال اجتهاداتها فی ادخاله وبمراحل متقدمة من اجراءات هذه الدعاوى أی لدى القضاء الابتدائی ایضا ، وقد عبرت عن ذلک فی بعض من قراراتها إذ قضت فی قرار لها بنقض الحکم الممیز الصادر من محکمة الأحوال الشخصیة فی البصرة والتی قضت فیه بالزام مدیر رعایة القاصرین فی البصرة فضلا عن وظیفته باداء نفقة للقاصر من الترکة المودعة فی صندوق الدائرة بصوره مستمرة واذن للمدعیة (أ) الوصیة والحاضنة للقاصر (ف) بقبض النفقه والصرف علیه... وبناء على طعن نائب المدعی العام بهذا الحکم فقد وجدت محکمة التمییز إن هذا الحکم غیر صحیح ومخالف لاحکام الشرع والقانون، ذلک ان المحکمة لم تتأکد من جهة رسمیة کون المتوفی شهید ولم تدخل نائب المدعی العام فی الدعوى ... لذا قررت نقض الحکم الممیز وإعادة الدعوى لمحکمتها للسیر فیها على الوجه المتقدم. وفی الاتجاه نفسه ایضا، قضت المحکمة ذاتها وبناء على طعن المدعى علیها بحکم محکمة الأحوال الشخصیة فی الموصل والمتعلق برفع حضانة المدعی علیها عن الطفل (هـ) وتسلیمه إلى جده المدعی لیقوم بتربیته ورعایته حسب الشرع والعرف ... اذ وجدت محکمة التمییز فی قرار المحکمة بأنه غیر صحیح ذلک أن المحکمة لم تتأکد من جهه رسمیه ذات اختصاص بان الزوج متوفی" کما لم تدخل نائب المدعی العام فی الدعوى للتوسع فی التحقیق فیها، ولما تقدم قررت نقض الحکم وإعادة الاوراق إلى محکمتها للسیر فیها على المنوال المذکور. ان هذین القرارین یشیران إلى اتجاه ایجابی فی اجتهادات محکمة التمییز، واعتبرت فیها عدم ادخال المدعی العام فی الدعوى من أسباب النقض، فبوسعها على هذا الطریق المساهمة فی سد النقص التشریعی الذی لا یلزم المحاکم بإدخاله فی الدعاوى المعروضه امامها، ولایلزمها اخباره بوجود الدعوى، وفی الاجتهاد القضائی ان قرارات محکمة التمییز فی مسائل الأحوال الشخصیة واجبة الإتباع بحکم القانون، ویمکن مثل هذا الاتجاه ان یستقر فی اجتهادات محکمة التمییز ویتحول إلى قواعد قضائیة تعزز دور الادعاء العام فی هذا المجال.
الفرع الثانی
مهام الادعاء بمراجعة طریق الطعن لمصلحة القانون فی مسائل الأحوال الشخصیة
یعد هذا النوع من الطعن طریقاً خاصاً من طرق الطعن المعروفة فی قانون المرافعات المدنیة العراقی والتی جاءت به المادة 168، لذلک فهو نظام حدیث ومن المبادئ الجدیدة التی اخذ بها المشرع العراقی فی قانون الادعاء العام، مشترطا لصحة هذا الإجراء ان یتم من قبل رئیس الادعاء العام حصراً. وقد نظمت المادة -30- من قانون الادعاء العام هذا النوع من الطعن، وحددت الفقرة الثانیة منها الحالات التی یمکن ان تکون سبباً تدعو فیها الادعاء العام لسلوک هذا النوع من طرق الطعن مع توافر شروطه، وتتمحور تلک الحالات حول موضوعة حصول خرق للقانون فی القرارات أو الأحکام، وذلک ما جاء فی الفقرة ثانیاً من المادة المذکورة التی تنص على ما یاتی: "ثانیاً – أ- إذا تبین لرئیس الادعاء العام حصول خرق للقانون فی أی حکم أو قرار صادر عن أیة محکمة، عدا المحاکم الجزائیة، أو فی قرار صادر من مدیر عام رعایة القاصرین أو مدیر رعایة القاصرین المختص أو المنفذ العدل من شانه الإضرار بمصلحة الدولة، أو القاصر، أو أموال أی منهما أو مخالفة النظام العام، یتولى عندها الطعن فی الحکم أو القرار لمصلحة القانون، رغم فوات المدة القانونیة إذا لم یکن احد من ذوی العلاقة قد طعن فیه". ان حصول أو حدوث خرق للقانون فی قرارات المحاکم المذکورة فی هذا النص، هو مناط الطعن لمصلحة القانون إذا تبین ذلک لرئیس الادعاء العام، ویمکننا تحدید عبارة خرق للقانون من خلال تعریف المشرع فی الأسباب الموجبة لإصدار قانون التعدیل رقم 5 لسنة 1987 التی جاء فیها".... إن ما یعتبر خرقا للقانون هو المخالفة للقانون التی ینتج عنها ضرر جسیم یمس المصلحة العامة ویهدد الشعور بالأمن القانونی مثل الإضرار بأموال الدولة ومخالفة النظام العام کمخالفة قانون الأحوال الشخصیة فیما یتعلق بالحل والحرمة،..." فی الأسباب الموجبة هذه اورد المشرع ایضا ما یعتبر انتهاکاً للقانون، وبیّن الشروط الواجب توافرها لیصح عند ذاک الطعن وفق هذا الطریق، وهی فوات مدة محددة وحصر هذا الإجراء برئیس الادعاء العام، وفضلاً عن الشروط الأخرى الواردة فی متن المادة -30- المعدلة بفقراتها وبنودها. ان الفقرة الثانیة من هذه المادة جاءت على ذکر قانون الأحوال الشخصیة باعتبار أحکامه من النظام العام فی معرض تعدادها للاحوال التی تعد خرقاً للقانون، وهذا النص یاتی تاکیدا لحکم الماده 13 /2 من القانون المدنی التی اعتبرت بوجه خاص الأحکام المتعلقة بالأحوال الشخصیة کالأهلیة والمیراث والأحکام المتعلقة بالانتقال والإجراءات اللازمة للتصرف فی الوقف وفی العقار والتصرف فی مال المحجور ومال الوقف وغیرها. ویذهب قضاء محکمة التمییز إلى تطبیق احکام الطعن لمصلحة القانون التی وردت فی الماده 30 من قانون الادعاء العام المعدلة مع ما ورد فیها من الأسباب الموجبة من شروط وأحکام، ومن تلک الاحکام ما یتعلق بالحل والحرمه ، فقد ردت محکمة التمییز الطعن لمصلحة القانون المقدم من رئیس الادعاء العام على قرار محکمة الأحوال الشخصیة فی بغداد الجدیدة والقاضی بثبوت نسب المدعیة من والدها المتوفی ووالدتها المدعی علیها وکان مبدأ الرد الصادر من محکمة التمییز على طعن رئیس الادعاء العام یقوم على ان "لایکون هناک خرق للقانون، اذا کان الحکم المطعون فیه لمصلحة القانون لا علاقة له بأموال الدوله أو الحل والحرمه، وانما هو قرار یرتب حقوقاً شخصیة یعود أمر الطعن فیه للطرفین". وفی قرار تمییزی آخر لمصلحة القانون أصدرته محکمة التمییز بناء على طعن من رئیس الادعاء العام بقرار محکمة الأحوال الشخصیة فی الناصریة قضت فیه بتصدیق طلاق رجعی، ورأى فیه الادعاء العام خرقاً للقانون فطعن فی القرار وفقا لذلک، فأصدرت محکمة التمییز قرارها القاضی بأن " یکون الطعن لمصلحة القانون المقدم من قبل رئیس الادعاء العام، خارج المدة القانونیة المنصوص علیها فی الفقرة (ثانیاً) من المادة 30 من قانون الادعاء العام، إذا کانت قد مضت ثلاثة سنوات على اکتساب الحکم المطعون فیه درجة البتات". وفی ذات السیاق أصدرت المحکمة نفسها قراراً آخر جاء فیه بأنه" وجدت الحکم الصادر بإزالة الشیوع والمطعون فیه لمصلحة القانون لم یحتوی على خرق للقانون من شانه الأضرار بمصلحة القاصرین".
وتعلیقاً على هذه القرارات التی صدرت بناء على طعن من رئیس الادعاء العام فی مسائل الأحوال الشخصیة، ظهر فیها دور الادعاء العام عرضیاً وغیر مجدٍ بهذه الصورة، إذ ردت محکمة التمییز طعونه لمصلحة القانون التی جاءت بها المادة 30 من قانون الادعاء العام، وهذا الامر یحسب على نشاطه سلبا ولیس إیجاباً، وهو ما رأیناه بطعونه فیما یتعلق بدوره فی قانون رعایة القاصرین، وعلى غیر هذا الاتجاه نقرأ له طعوناً موفقة لمصلحة القانون، فقد أیدت محکمة التمییز فی قرار لها ما أبداه الطاعن من أسباب الطعن وقضت بانه "یکون الحکم قد احتوى على خرق للقانون لاعتماده على سند مذیل ببصمة ابهام ولم یقترن بتوقیع شاهدین واعتمادها إقرار القیم علیها بالوقف الذی لا یسری اقراره على القاصرة وان من شان ذلک الخرق للقانون الأضرار بأموال القاصرین". وفی ذات المعنى ایضا قضت محکمة التمییز بأنه "إذا تبین أن القیم قد تجاوز حدود الإذن فلا یکون إقراره نافذ بحق القاصر وان تصرفه هذا یعتبر تجاوز صلاحیة بموجب قیمومته على المفقود، لذلک یکون الحکم فیه خرقاً للقانون من شانه الإضرار بمصلحة المفقود". وفی هذه القرارات ظهر الادعاء العام منسجما مع دوره ومع أحکام القانون، کما رأیناه فی مواضع أخرى من هذا البحث.
المطلب الثانی
مهام الادعاء العام بمراجعة طرق الطعن فی مسائل الأحوال الشخصیة فی القانون المقارن
اولت التشریعات المقارنة للادعاء العام دورا مهما فی مرحلة الطعن بالاحکام الصادرة فی دعاوى ومسائل الأحوال الشخصیة، وهذا الدور نراه متواضعا فی بعض تلک القوانین ویتصاعد هذا الدور فی قوانین اخرى یتقدمها القانون المصری، وسوف نتناول فی الفقرة الأولى مهام النیابة العامة المصریة بمراجعة طرق الطعن فی مسائل الأحوال الشخصیة ومن بینها الطعن الخاص لمصلحة القانون ثم فی فقرة لاحقة نتطرق إلى هذه المهام فی القانونین السوری واللبنانی، وعلى النحو الآتی:
الفرع الأول
مهام النیابة العامة بمراجعة طرق الطعن فی القانون المصری
نظم المشرع المصری أحکام النیابة العامة فی مراجعة طرق الطعن فی عدة قوانین، ومنها قانون المرافعات المدنیة والتجاریة المعدل الذی تضمن عدد من تلک الاحکام ومنها المادة 96 التی تنص على ان "للنیابة العامة الطعن بالحکم فی الأحوال التی یوجب القانون أو یجیز تدخلها فیها إذا خالف الحکم قاعدة من قواعد النظام العام أو إذا نص القانون على ذلک"، فالنص أجاز للنیابة العامة ممارسة اجراءات الطعن فی الأحوال التی اوجب أو اجاز القانون تدخلها، وهذه الأحوال متعددة فی هذا القانون وفی القوانین ذات العلاقة بمهام النیابة العامة. وقد رسم هذا القانون طریقا خاصا أتاحه للنیابة العامة، هو طریق النقض لمصلحة القانون، وفصلت المادة 25 من القانون إجراءات وأحکام هذا النوع من الطعن بالنص على ان "للنائب العام ان یطعن بطریق النقض لمصلحة القانون فی الأحکام الانتهائیة أیا کانت المحکمة التی أصدرتها إذا کان الحکم مبنیاً على مخالفة للقانون أو خطأ فی تطبیقه أو فی تاویله وذلک فی الأحوال الاتیة:
الاحکام التی لا یجیز القانون للخصوم الطعن فیها.
الاحکام التی فوت الخصوم میعاد الطعن فیها أو نزلوا فیها عن الطعن
ویرفع هذا الطعن بصحیفة یوقعها النائب العام، وتنظر المحکمة الطعن فی غرفة المشورة بغیر دعوة الخصوم. ولا یفید الخصوم من هذا الطعن". ومن خلال قراءة هذا النص ومقارنته مع ما جاء فی نص المادة 30 من قانون الادعاء العام رقم159 لسنة 1979، نجد تطابق الفکرة وتشابهاً فی الأحکام، مع اختلاف ما جاء فی القانون العراقی من ارتکاز هذا الطعن على فکرة خرق للقانون أو انتهاکه یقابله فی النص المصری عبارة "مخالفة للقانون أو الخطأ فی تطبیقه"، وهذه من بعض اسباب التمییز فی القانون العراقی، فیما لم ترد فکرة خرق القانون أو انتهاکه فی المادة 250 من القانون المصری. ونعتقد بان النص العراقی اکثر دقة وتماسکا من النص المصری، وان کان الأخیر سابقاً للأول . وقد اعطى المشرع دورا اکبر للنیابة العامة فی مرحلة الطعن بالاحکام عبر قانون تنظیم بعض اوضاع واجراءات التقاضی فی مسائل الأحوال الشخصیة رقم 1 لسنة 2000، وطرق الطعن فی هذا القانون وکما ورد فی نص المادة 56: هی الاستئناف والنقض والتماس اعادة النظر . کما قررت المادة 57 من القانون نطاق هذا الدور بالنص على انه "یکون للنیابة العامة فی جمیع الأحوال الطعن بطریق الاستئناف فی الاحکام والقرارات الصادرة فی الدعاوى التی یوجب القانون أو یجیز تدخلها فیها، ویتبع فی الطعن الاحکام المنصوص علیها فی قانون المرافعات المدنیة والتجاریة"، وقد حددت المادة 62 من القانون نفسه نطاق هذا الدور بالنص الاتی" للخصوم وللنیابة العامة الطعن بالنقض فی الاحکام الصادرة من محاکم الاستئناف، کما یکون لهم الطعن بالنقض فی القرارات الصادرة من هذه المحاکم فی مواد الحجر والغیبة والمساعدة القضائیة وعزل الوصی وسلب الولایة أو وقفها أو الحد منها أو ردها واستمرار الولایة أو الوصایة والحساب".
الفرع الثانی
مهام النیابة العامة بمراجعة طرق الطعن فی القانون السوری
لم یخص المشرع السوری للنیابة العامة بدور یذکر فی هذه المرحلة من مراحل التقاضی التی تنتهی عندها إجراءات الدعوى بشکل عام لاسیما دعوى الأحوال الشخصیة، ولم یکن لهذه النیابة مرکز واضح ومهم فی القانون السوری کما اشرنا إلى ذلک فی هذا البحث. وان الحکم الذی أورده المشرع فی البند 3 من المادة 122 من قانون اصول المحاکمات السوری، والذی اعطى الحق للنیابة العامة بسلوک جمیع طرق الطعن إذا ما کان خصماً اصلیا فی الحالات التی ذکرها فی الفقرتین السابقتین، ولیس من تلک الحالات ما یتعلق بمسائل الأحوال الشخصیة. ولم یرد حکم اخر یمکن الإشارة إلیه فی أحکام النیابة العامة فی هذا القانون، وما جاء فی المادة 250 من القانون نفسه والتی أفردت للنائب العام طریقا لممارسة الطعن لمصلحة القانون، فلیس لها علاقة بدعوى الأحوال الشخصیة التی تنظرها المحاکم الشرعیة فی سوریا، وانما تخص بصریح النص الاحکام المبرمة الصادرة عن جهات القضاء العادی ایا کانت المحکمة التی اصدرتها.
الفرع الثالث
مهام النیابة العامة بمراجعة طرق الطعن فی القانون اللبنانی
اورد المشرع اللبنانی فی قانون اصول المحاکمات المدنیة العدید من الاحکام التی تحدد مهام النیابة العامة بمراجعة طرق الطعن. ولکن هذه الاحکام لا تشمل مسائل الأحوال الشخصیة، لأن النظام القانونی والقضائی فی لبنان فیما یخص هذه المسائل موزعة وفق المذاهب والطوائف فی لبنان، ولایتسع الامر فی هذا البحث تناول ذلک، ولا یمکن ان یتسع لمتابعة الاحکام التی اوردتها القوانین الخاصة بکل تلک المذاهب والطوائف فی مسائل احوالها الشخصیة، لذلک سنورد على سبیل المثال ولبعض الأحکام التی حددت اختصاصات النائب العام لدى المحاکم الشرعیة العلیا فی القانون الصادر فی 26/7/1962 النافذ، فقد جاء فی نص المادة 32 من القانون ما یاتی "للنیابة العامة ... حق الطعن فی الاحکام الصادرة فی هذه الأحوال ولو لم تکن قد مثلت فیها کفریق اصلی". ان الأحوال التی یتحدث عنها النص وردت فی صدر المادة 32 نفسها، وهی الأحوال المنصوص علیها قانونا أو المتعلقة بالنظام العام". ان بعض هذه الأحوال قد تضمنتها المادة 298 من القانون على سبیل المثال لا الحصر کما ورد فی نص المادة المذکورة والتی جاء فیها "ان القرارات والوثائق التی تصدرها المحاکم الشرعیة بناء على الطلب وبدون مخاصمة احد من مسائل حصر الإرث والإذن الشرعی وغیرها لا یمکن استئنافها، وإنما یمکن الطعن فیها بدعوى اصلیة ویسوغ للنائب العام لدى المحکمة العلیا ان یطلب من هذه المحکمة إلغاء القرارات المذکورة إذا کانت مخالفة للأحکام الشرعیة والقانونیة". ووفق هذه القواعد فان النائب العام الشرعی یمارس دوره فی مراجعة طرق الطعن، وعلى سبیل المثال جاء فی مطالعة استئنافیة مرفوعة من النائب العام فی دعوى طلاق: طلب فیها قبول الاستئناف شکلا وفسخ الحکم الابتدائی.. قررت المحکمة باجماع الاراء بعد سماع مطالعة النیابة العامة قبول الاستئناف شکلا ورده اساساً وتصدیق الحکم المستأنف... لعدم توافر سوء النیة". وفی هذا القرار خالفت المحکمة الشرعیة العلیا... ما جاء فی المطالعة لجهة التعلیل والمطالب، وعللت المخالفة بالایة الکریمة(أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَکِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) وصدقت المحکمة القرار المستأنف القاضی بوقوع الطلاق البائن بینونة کبرى...". ویظهر فی قرار المحکمة الاستئنافیة رد طعون النائب العام وتصدیق الحکم، لیؤکد ذلک أن طعونه قد تکون غیر موفقة وقابلة للرد لعدم مطابقتها للقواعد الشرعیة والقانونیة التی وردت فی نص المادة 298 من القانون، وهذا الأمر أیضاً اشرنا إلیه فی المبحث الخاص بمهام الادعاء العام فی قضاء الأحوال الشخصیة على صعید التطبیق العملی لنشاطه فی العراق، مما یمکن أن نؤکد بأن دوره فی مختلف التشریعات المقارنة فی هذا المجال فیه العدید من الملاحظات التی تؤشر بعضها إلى مواطن الضعف فی مهامه لأسباب محدده فی مصادره القانونیة وواقع تطبیق ذلک فی میادین القضاء.
الخاتمة
بعد الانتهاء من البحث فی الادعاء العام ومهامه فی مسائل الأحوال الشخصیة، سوف نعرض عبر هذه الخاتمة ملخصاً لأهم النتائج التی توصلنا الیها، وکذلک التوصیات التی یمکن وضعها أمام المشرع العراقی والأخذ بها وهی على النحو الآتی:
أولاً: النتائج:
ثانیاً: التوصیات:
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: Books Language:
1. Sheikh Al-Ma'lama Ibn Manzoor, The Arabic Language, The Ocean, Vol. I, Volume II, Volume III.
2. Sheikh Abdullah Al-Bustani, Al-Wafi, Dictionary of the Mediator of Arabic Language, Lebanon Library, Beirut, 1980.
First: Legal books and letters:
3. Dr. Adam Wahib al-Nadawi, Civil Proceedings, Ministry of Higher Education and Scientific Research, University of Baghdad, Faculty of Law, 1490H - 1988.
4. Dr. Ahmed Hussein al-Moussawi, Lebanese Civil Procedure Law, Al-Halabi Publications, Beirut, Lebanon, 5, 2000.
5. Elias Said Mansour Hidayat, Judiciary of Non-Muslim Personal Status, Comparative Legal Study, Master Thesis, Mosul University, Faculty of Law, 2006.
6. Dr. Amina Al-Nimr, Laws of Pleadings, First Book, Publisher, Knowledge Establishment, Alexandria, 1982.
7. Dr. Taima Mahmoud Fawzi Al-Sarraf, Role of Public Prosecution in the Civil Case, Comparative Study, PhD Thesis, University of Mosul, Faculty of Law, 1421 H-2002.
8. Dr. Abdul Amir Al-Akeili and Dr. Dhari Khalil Mahmoud, The Legal System of Public Prosecution in Iraq and the Arab States, Yarmouk Press, Baghdad, 1999.
9. Dr. Abdel Fattah Mourad, Laws of Pleadings and Evidence in accordance with the Latest Amendments, I4, Egypt, Alexandria, No Year Printed.
10. Dr. Slave. Fattah Mourad, Family Courts Law No. 10/2004 and Family Insurance Fund No. 11/2004 and its supplementary legislation, Egypt Alexandria, without a year's reprint.
11. Dr. Abdul Fattah Murad, personal status laws and complementary laws according to the latest amendments, I 2, without a year printed.
12. Dr. Adnan Ahmed Badr, Public Prosecution in Shari'a Jurisdiction, Comparative Study, Halabi Human Rights Publications, Lebanon, Beirut, I, 2005.
13. Dr. Ismat Abdul Majid Bakr, Provisions for the Care of Minors, Legal Library, 3, Baghdad, 2007.
14. Ghassan Jameel Al-Waswasi, Public Prosecution, Legal Culture, 6- Baghdad, 1988.
15. Dr. Mohammed Maarouf Abdullah, Public Prosecution Control on Legitimacy, Comparative Study, Al Ma'arif Press, Baghdad, 1981.
16. Mr. Fares Al-Khoury, Jurisprudence of Jurisdiction, The Arab House for Publishing and Distribution, Amman, Jordan, 1407H-1987.
Second: Research:
17. Dr. Saadoun Tawfiq Hussein, The Role of Public Prosecution in the Civil Case in Iraqi and Comparative Law, Research submitted to the Justice Council, Ministry of Justice, June 1986.
18. Dr. Abbas Al-Aboudi, Public Prosecution challenged the interest of the law in civil judgments, research published in the Journal of Comparative Law, No. 31 of 2002.
19. Dr. Fares Ali Omar, Intervention in the Civil Case, Research published in the Rafidain Law Journal, Mosul University, Faculty of Law, Volume 11, Issue 41, Year 14,1430 AH - 2009.
20. Dr. Mohammed Saleh Amin, Legal Center for the Public Prosecution System in Comparative Law and Its Application in Iraqi Law, Comparative Analytical Study, Journal of Judiciary, A1-2, S55, Al-Anam Printing Co., Ltd., 2001.
21. Dr. Mohamed Saleh Amin, The Role of the Public Prosecution before the Civil Court, Comparative Study, Research published in the Judiciary Journal, A1-2-3-4, 1985.
Third: Laws:
22. Iraqi Civil Code No. 40 of 1951.
23. Iraqi Personal Status Law No. 188 of 1959.
24. Iraqi Civil Procedure Law No. 83 of 1969.
25. Iraqi Public Prosecution Law No. 159 of 1979.
26. The Care of Iraqi Minors Act No. 87 of 1980.
27. Syrian Law of Procedure No. 84 of 1952.
28. The texts of the articles defining the terms of reference of the Attorney General before the Supreme Shari'a Courts in Lebanon in the Law of 16/7/1962.
29. Lebanese Code of Procedure No. 90 of 1983.
30. Law No. 3 of 1996 concerning the organization of the proceedings for the directness of the case of Hesba in matters of personal status in Egypt.
31. Law regulating the status and procedures of litigation in Egyptian personal status issues No. 1 of 2000.
32. Egyptian Civil and Commercial Procedural Law No. 13 of 1968 as amended
Law 76/2007.