الملخص
اما الاثار التی یرتبها الحکم الباطل فهی متعددة ، فهو یرتب اثاراً موضوعیة تتمثل بقطع التقادم والتعویض المترتب على بطلان الحکم . واثاراً اجرائیة تتمثل بآثاره على الاجراءات المتخذة فی الدعوى والتی تختلف باختلاف العیب المبطل له فیما اذا کان بسبب عیب ذاتی ، او بسبب اجراء باطل سابق علیه ، وایضاً یؤدی الحکم الباطل الى استنفاذ محکمة الموضوع التی اصدرت الحکم ولایتها بصدده ورفع یدها عنه الا ان هذا الحکم لا یستنفذ ولایة محکمة الاستئناف اذا ما طعن فی الحکم الاستئنافی امام محکمة التمییز وخاصة بعدما تنقض المحکمة الاخیرة الحکم الاستئنافی وتعید الدعوى إلى محکمة الاستئناف لاصدار حکم فیها . واخیراً فأن للحکم الباطل اثاراً عامة حاله حال الاثار التی یرتبها الحکم الصحیح وهی ان الحکم الباطل یعتبـر عنواناً للحقیقة ویتمتع بحجیة الاحکام وان حجیته مقصورة على اطرافه حصرا
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
الآثار القانونیة للحکم الباطل فی قانون المرافعات المدنیة - دراسة مقارنة -(*)-
The Legal Effects of Invalid Judgment in the Code of Civil Procedure
یاسر باسم ذنون صدام خزعل یحیى کلیة الحقوق/ جامعة الموصل کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Saddam Khazaal Yahya Yaser Basim Thanoon College of law / University of Mosul College of law / University of Mosul Correspondence: Saddam Khazaal Yahya E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 4/4/2011*** قبل للنشر فی 4/5/2011.
(*) Received on 4/4/2011 *** accepted for publishing on 4/5/2011.
Doi: 10.33899/alaw.2011.160652
© Authors, 2011, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
الملخص
اما الاثار التی یرتبها الحکم الباطل فهی متعددة ، فهو یرتب اثاراً موضوعیة تتمثل بقطع التقادم والتعویض المترتب على بطلان الحکم . واثاراً اجرائیة تتمثل بآثاره على الاجراءات المتخذة فی الدعوى والتی تختلف باختلاف العیب المبطل له فیما اذا کان بسبب عیب ذاتی ، او بسبب اجراء باطل سابق علیه ، وایضاً یؤدی الحکم الباطل الى استنفاذ محکمة الموضوع التی اصدرت الحکم ولایتها بصدده ورفع یدها عنه الا ان هذا الحکم لا یستنفذ ولایة محکمة الاستئناف اذا ما طعن فی الحکم الاستئنافی امام محکمة التمییز وخاصة بعدما تنقض المحکمة الاخیرة الحکم الاستئنافی وتعید الدعوى إلى محکمة الاستئناف لاصدار حکم فیها . واخیراً فأن للحکم الباطل اثاراً عامة حاله حال الاثار التی یرتبها الحکم الصحیح وهی ان الحکم الباطل یعتبـر عنواناً للحقیقة ویتمتع بحجیة الاحکام وان حجیته مقصورة على اطرافه حصرا
الکلمات الرئیسة: الآثار القانونیة الحکم الباطل قانون المرافعات المدنیة
الموضوعات: قانون المرافعات المدنیة والاثبات
The implications of governance is a multi falsehood, he arranges objective is to cut traces of limitation and the compensation effect of the invalid provision. And traces procedural are its effects on the measures taken in the proceedings and which vary according to the defect rescinds him whether because of defective self, or because of a void former him, and also lead government falsehood to the depletion of the trial court, which issued a government mandate about it and raising her hand with him, but this provision does not exhausted the mandate of the Court of Appeals if the appeal against the ruling to the Court of appeal of discrimination, especially after the recent ruling of the Court overturn the appeal and return the case to the Court of Appeal to rule them. Finally, the traces of the rule of falsehood general case if effectsArranged by the government is correct that the ruling is wrong title for the fact that sentences have greater authority and authoritative exclusively confined to the limbs ً.
Keywords: legal effects Invalid Judgment Code of Civil Procedure
Main Subjects: civil procedure law and law of evidence
المقدمــة
الحمد لله الملک الحق العظیم الکبیر ، المنفرد بالعزة والإرادة والتدبیر ، أحمده مع اعترافی بالعجز والتقصیر وأشکره على ما أعان من قصد ، ویسر من عسیر ، والصلاة والسلام على سیدنا محمد السراج المنیر ، وعلى أصحابه ، ومن سلک طریقهم وأتبع سنتهم إلى یوم الدین ... أما بعد فإن مقتضیات البحث العلمی للموضوع محل الدراسة تحتم علینا تناول الامور الآتیة :
اولاً: مدخل تعریفی بموضوع البحث :
ان من اهم وظائف الدولة الاساسیة هی اقامة العدل بین الناس وهذا لا یتم الا بإقامة مرفق القضاء والذی یعتبر من أهم مرافق الدولة الاساسیة ، والذی یستمد ضرورته من ضرورة وجودها .
وتباشر الدولة وظیفتها هذه بواسطة المحاکم التی تسری ولایتها على جمیع الاشخاص الطبیعیة والمعنویة بما فی ذلک الحکومة ، ولکی تتحقق الوظیفة القضائیة فأن الامر یستلزم صدور احکام قضائیة فی المجتمع یراد منها تحقیق العدالة المنشودة .
وبما ان قانون المرافعات یهتم بدراسة وتناول الاعمال الاجرائیة والخصومة فی الدعوى لهذا فهو یعنی کذلک بدراسة الاحکام القضائیة من حیث ارکانها ، وعناصرها ، وانواعها والاثار المترتبة علیها ، وقد یتبادر الى الذهن ان هذا القانون لا یهتم إلا بالاحکام القضائیة الصحیحة المستوفیة لارکان وجودها ولصحة اجراءات اصدارها وسلامتها بوصفها الاطار الخارجی للعمل القضائی ، الا ان هذا لا یعنی عدم تناول هذا القانون احکاماً قضائیة غیر سلیمة وغیر صحیحة سواء من حیث توافر ارکانها الا انهـا معیبة من حیث اجراءات اصدارها.
فإلى جانب الحکم القضائی الصحیح، برز نوع من الاحکام القضائیة شغلت بال الفقه وحیرت القضاء من حیث مدى اعتبارها احکاماً قضائیة منتجة للمراکز والاثار القانونیة ومعتبرة ام لا، وهذه الاحکام هی الاحکام الباطلة التی بدأت تنتج اثار الاحکام الصحیحة.
ولدراسة الحکم الباطل یحتم علینا ومن خلال ذلک تمییزه من الاحکام القضائیة المعیبة الاخرى التی یصعب ویدق التمییز معها وبالاخص الحکم المعدوم، اذ ان الاخیر هو حکم لا وجود له ویکون جزاءً لمخالفة ارکان الحکم او عدم وجودها او احداها فی حین ان الحکم الباطل یکون جزاءً لمخالفة شروط صحة اجراءات اصداره .
إن تناول الحکم القضائی الباطل من جمیع الجوانب المحیطة به یؤدی بنا الى الوصول إلى معرفة الاثار التی یرتبها والتی قد تکون اثار موضوعیة على حقوق الخصوم وفی مقدمتها قطع التقادم ، او قد تکون اجرائیة تؤدی الى رفع ید المحکمة التی اصدرته واستنفاذ ولایتها بصدده ، وقد تکون آثاراً عامة تتمثل باعتباره حکم قضائی صحیح بالرغم من بطلان إجراءات إصداره ، إذ یرتب المراکز القانونیة شأنه شأن الاحکام القضائیة الصحیحة ، ولکن هذا مرهون بعدم الطعن فیه خلال مدة الطعن .
ثانیاً: اسباب اختیار موضوع البحث
هناک عدة اسباب دعتنا الى اختیار الموضوع وهی :
1- خلو قانون المرافعات المدنیة العراقی رقم 83 لسنة 1969 من نظام قانونی وتنظیم تشریعی للحکم الباطل ، سواء من حیث الا سباب المؤدیة الیه ، ام من حیث آثاره على النقیض من قوانین المرافعات المدنیة المقارنة کالفرنسیة والمصریة واللبنانیة والیمنیة وغیرها.
2- للتمییز بین الحکم الباطل والحکم القضائی الصحیح ، وکذلک الحکم المعدوم وغیرها من الاحکام وذلک لوجود التشابه الکبیر وبالاخص بین الحکم الباطل والمعدوم مع وجود الفرق .
3- عدم استقرار قرارات محاکم التمییز والنقض سواء کانت محکمة تمییز العراق ، ام محکمة النقض المصریة والفرنسیة حول وصف هذه الاحکام واثارها ، حیث تذهب قرارات تلک المحاکم وفی بعض الحالات الى عد الحکم باطلاً فی حین انه معدوم اصلاً ، وفی احیان اخرى الى عده معدوماً فی حین انه باطل .
ثالثاً: منهجیة البحث
تعتمد منهجیة البحث فی هذا البحث على الدراسة أو المنهج التحلیلی بالإضافة إلى المنهج المقارن لقوانین المرافعات المدنیة المقارنة وفی مقدمتها قانون المرافعات الفرنسی والمصری واللبنانی والیمنی ، فضلاً عن تناول موقف القضاء المقارن والعراقی من المسألة موضوع البحث .
رابعاً : هیکلیة البحث
تم تناول موضوع البحث من خلال ما یأتی :
مبحث تمهیدی : التعریف بالحکم الباطل .
المطلب الاول : تعریف الحکم الباطل .
المطلب الثانی : تمییز الحکم الباطل مما یشتبه به من الاحکام القضائیة .
المبحث الاول : الاثار الموضوعیة للحکم الباطل .
المطلب الأول – قطع التقادم .
المطلب الثانی – التعویض المترتب على بطلان الحکم .
المبحث الثانی : الاثار الاجرائیة للحکم الباطل .
المطلب الأول – آثر الحکم الباطل فی الاجراءات المتخذة فی الدعوى .
المطلب الثانی – مدى استنفاذ ولایة المحکمة التی اصدرت الحکم الباطل .
المطلب الثالث – الاثار العامة للحکم الباطل .
الخاتمة .
المبحث التمهیدی
التعریف بالحکم الباطل
یعد البطلان من اهم الجزاءات التی نص علیها القانون الاجرائی او الموضوعی، ولسنا معنیین ها هنا بمعالجة النظریة العامة للبطلان فی مجال قانون المرافعات اذا انها اشبعت بحثاً ودراسة ، وانما تهمنا دراسة بطلان الاحکام فی ظل القانون الاجرائی المدنی ، ولکن لا یعنی تناولها بعیداً عن المبادئ العامة التی تحکم البطلان فی قانون المرافعات بل لابد من الاستعانة بها فی المجالات التی لها علاقة بالدراسة موضوع البحث حتى نستطیع القول اننا امام حالة تشکل حکماً باطلاً لذا سنتناول تعریف الحکم الباطل ومعناه ضمن هذا المبحث من خلال توزیعه الى مطلبین وکما یأتی :
المطلب الاول / تعریف الحکم الباطل .
المطلب الثانی / تمییز الحکم الباطل مما یشتبه به من الاحکام القضائیة .
المطلب الاول
تعریف الحکم الباطل
للحکم القضائی الباطل فی الفقه الاجرائی تعریف خاص له یمیزه من غیره من الاحکام القضائیة الاخرى ، لذا سنبین تعریفه فی اللغة ، وفی اصطلاح الفقه الاسلامی وکذلک فی الاصطلاح القانونی ، واخیراً تعریفه القضائی وهذا کله ضمن فرعین وکما یأتی :
الفرع الاول : تعریف الحکم الباطل لغة وفی اصطلاح الفقه الاسلامی .
الفرع الثانی: تعریف الحکم الباطل فی الفقه الاجرائی وموقف القضاء من الاتجاهات المختلفة للحکم الباطل .
الفرع الاول
تعریف الحکم الباطل لغة وفی اصطلاح الفقه الاسلامی
اولاً : تعریفه لغةً :- الحکم الباطل مصطلح ثنائی مزدوج ذو مقطعین مما یقتضی تعریفه تعریفاً متصلاً ومعاً لکی یستقیم المعنى اللغوی للمصطلح بشکل کامل ، فالحکم کما عرفناه سابقاً هو القضاء ، وقد حکم بینهم یُحکم بالضمِّ حُکماً ، وحَکَم له وحکم علیه ، والحکم هو الحکمةُّ من العلم والحکیم هو العالم وصاحب الحکمة ، والحکیم هو المتقن للامور والمحاکمة هی المخاصمة الى الحاکم . وفی الحدیث (اذا حکم الحاکم فاجتهد فأصاب فله اجران واذا حکم فأجتهد فأخطأ فله اجر ).
والحکم یعنی الفصل واحکم الشیء اتقنه والمحکّم هو الشیخ المجرب ، وقد ورد لفظ الحکم فی القرآن الکریم اذ قال تعالى عز وجل (إِنِ الْحُکْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ) وقال ایضاً : (یَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاکَ خَلِیفَةً فِی الْأَرْضِ فَاحْکُم بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَیُضِلَّکَ عَن سَبِیلِ اللَّهِ ) .
کما ورد لفظ الحکم فی الحدیث النبوی الشریف وذلک بقول الرسول الأمین محمد (r) (اذا جلس القاضی للحکم بعث الله الیه ملکین یسددانه فأن عدل اقاما وان جار عرجاه وترکـاه).
اما تعریف الباطل لغةً فهو (ضد الحق) وجمعه على غیر قیاس کأنهم جمعوا ابطیلا وقد بُطل الشیء من باب دخل وبطلاً ایضاً بوزن صُلح وبطلان بوزن طغیان ، ویعنی ایضاً بطل بُطلاًٍ أی فسد وسقط حکمه وذهب خسراً وضیاعاً فهو باطل.
ثانیاً : تعریفه فی اصطلاح الفقه الاسلامی
قبل بیان تعریف الحکم الباطل فی هذا المجال لابد ان نبین ابتداءً انواع الاحکام الصادرة من القضاء المدنی الاسلامی ، اذ یرى الفقه الاسلامی ان الاحکام القضائیة تقسم الى ثلاثة اقسام وهی کما یأتی :
النوع الاول : ما یصدر عن قاضٍ مشهور بالجور ، فهذه الاحکام کلها مردودة ولو علم ان بها ما هو موافق للحق .
النوع الثانی : ما یصدر عن قاضٍ جاهل ، فهذا ان شاور العلماء ینفذ من احکامه ما یوافق الحق ویرد ما لم یوافقه ، وان لم یشاور یُرد ما صدر عنه من احکام ولو وافقت الحق .
النوع الثالث : ما یصدر عن قاضٍ عادل عالم ، فهذا ان تظلم احد من احکامه اعید النظر فیها، فما کان موافقاً للکتاب والسنة والاجماع والقیاس الجلی یصدق وما کان مخالفاً لها یرد ، وما کان مبنیاً على الاجتهاد الفردی للقضاء یصدق لان الاجتهاد لا ینقض الاجتهاد
لذا وبناءً على ما تقدم فأن تعریف الحکم الباطل وفی ضوء تصور الفقه الاسلامی له هو أنه: (الحکم الذی یصدره القاضی الجاهل الذی لم یستند الى علم العلماء ، وافق الحق ام لم یوافقه، وهو ایضاَ یعنی الحکم الصادر من قاضٍ معروف عنه بالجور ولو وافق الحق ، لان الجـور یسقط عـدالة القاضـی فیصبـح غیر صالح لمزاولة وظیفته للفصل بین المسلمین)، وذهب الجمهور وفی مقدمتهم العلامة الزرکشی الى القول ان الفاسد والباطل مترادفان ، فکل باطل فاسد عندهم والعکس صحیح ، فالمعاملات الفاسدة او الباطلة لا ترتب اثاراً ولا یتولد عنها حقوق . وقال ابن قدامة الباطل هو الذی لا یثمر ، وعرفه ابن العربی بأنه الحکم الذی لا یفید ، وعند السادة الاحناف هو ما لا یکون مشروعاً بأصله ولا بوصفه والفاسد هو ما کان مشروعاً باصله دون وصفه.
الفرع الثانی
تعریف الحکم الباطل فی الفقه الاجرائی وموقف القضاء من الاتجاهات المختلفة للحکم الباطل
اولاً : تعریفه فی الفقه الاجرائی .
لم تورد قوانین المرافعات المدنیة تعریفاً للحکم الباطل بالرغم من انها کانت قد نصت على اسبابه وحالاته فی نصوصها ، وذلک ادراکاً منها ان ایراد التعاریف وصیاغتها هی من صلب عمل الفقهاء .
فالحکم الباطل فی الفقه الاجرائی لم یعرف تعریفاً واحداً ، بل وردت بشأنه العدید من التعریفات التی یمکن ان نتناولها ضمن اتجاهین وهما :
أ- الاتجاه الأول من الفقه :- یرى اصحاب هذا الاتجاه ان الحکم الباطل هو الحکم القضائی الذی شابه عیب لیس من شأنه ان یفقد طبیعته کحکم ، بل لا یعدو الا ان یکون شائبة تصیب صحته دون ان تمتد الى انعقاده وکیانه فیکون باطلاً ، ویورد اصحاب هذا الاتجاه التقلیدی من الفقه امثلة کثیرة ومتعددة على حالات الحکم الباطل واسبابه اذ یذکرون منها :
1- اذا صدر الحکم من اربعة قضاة بدلاً من ثلاثة .
2- اذا صدر الحکم من قاضٍ غیر آهل لنظر الدعوى .
3- اذا صدر الحکم ولم یمثل الادعاء العام فی الحالات التی یوجب القانون حضوره فی الدعوى .
4- اذا صدر الحکم وقد تخلف احد القضاة الذین اشترکوا فی المداولة فیه .
5- اذا صدر دون ان یتم تبلیغ الخصم فی الدعوى .
6- اذا صدرالحکم دون بیان اسبابه .
7- اذا صدر الحکم على متوفى .
8- اذا صدر دون توقیع القاضی .
ویرى اصحاب هذا الاتجاه ان الحکم الباطل یتحصن ویتمتع بحجیة الاحکام الصحیحة اذا لم یطعن فیه خلال مدة الطعن . فالتعریف الذی تبناه هذا الاتجاه من الفقه یبین ان هناک عیوباً مست الحکم الصادر ولم تمس ارکانه ، الا انها اثرت فی صحة وشروط انعقاده وصدوره، بحیث لا تؤدی الى اهداره وعدم الاعتداد به .
ویلاحظ على هذا الاتجاه الفقهی المذکور آنفاً ان هناک عدة انتقادات یمکن توجیهها إلیه وللتعریف الذی تبناه والتی نجملها بما یأتی :
1- انه توسع ببیان حالات الحکم الباطل واسبابه ، وضرب الامثلة علیه دون ان یحدد معیاراً یمیزه من غیره من الاحکام المعیبة غیر السلیمة ، وفی مقدمتها الحکم المعدوم اذ یخلط هذا الاتجاه ما بین هذین النوعین من الاحکام ، وذلک من خلال الامثلة والصور التی ذکرها إذ تمثل الحالة الاولى والسابعة من الحالات المشار الیها آنفاً من حالات او صور الحکم المعدوم ولیس الباطل ، کون هذه الحالات تمس ارکان الحکم ولیس شروط صحة صدوره ، ومن ثم فأن هذه العیوب جسیمة تفقد الحکم وجوده القانونی وتعده بحکم العدم .
2- اعتبر الحالات والاسباب التی تؤدی الى بطلان الاحکام واردة على سبیل المثال ولیس الحصر وهذا یؤدی الى التوسع فی اضافة حالات جدیدة علیها ، مادامت لا توجد نصوص قانونیة محددة لها ، وهذا بدوره سیؤدی الى فتح باب الاجتهاد من قبل الفقه والقضاء لاضافة حالات واسباب جدیدة لبطلان الاحکام .
ب- الاتجاه الثانی من الفقه :- یذهب اصحاب هذا الاتجاه الى القول بأن الحکم الباطل هو الحکم المستوفى لمقوماته والموجود الذی له کیان مستقل ، الا انه یتأثر بالاجراءات التالیة لبدء الخصومة ، متى ما کانت من الاسس التی بنی علیها ، فیکون باطلاً اذا شابها البطلان .
وتکون طبیعة بطلانه من طبیعة بطلانها ، فأن کان بطلانها یتعلق بمصلحة خاصة کان البطلان کذلک ، واذا کان بطلانها متعلقاً بالنظام العام فأن بطلانه متعلقاً بهذا النظام ، والمعیار بتحدید کون البطلان متعلقاً بالنظام العام من عدمه هو ان البطلان کل ما تعلق بأسس التنظیم القضائی وتنظیم عملیة القضاء بالدولة کان بطلاناً متعلقاً بالنظام العام لانه یمس مصلحة علیا ، وعامة فی الدولة وان القانون هو الذی یتکفل بتحدید هذا النوع من البطلان ، اما عدا ذلک فیکون بطلاناً یتعلق بمصلحة الخصوم والذی لابد للخصم الذی شرع البطلان لمصلحته ان یتمسک به .
ویستطرد هذا الاتجاه الفقهی بایراد الامثلة على حالات بطلان الاحکام اذ یعد ان الحکم یکون باطلاً اذا خلت عریضة الدعوى من توقیع محامٍ ، او جاء تبلیغ عریضة الدعوى خالیاً من توقیع المبلغ القضائی ، ویعدون الحکم اذا صدر فی مثل هذه الحالات کان باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام وجاز لمحکمة الاستئناف ان تثیره من تلقاء نفسها ودون حاجة إلى التمسک به فی عریضة الطعن الاستئنافی من قبل الخصم الذی تمسک بالبطلان . ویذهب هذا الاتجاه الى القول ان البطلان المتعلق بمصلحة الخصوم لابد لهم ان یتمسکوا به فی عریضة الطعن الاستئنافی کالحکم الذی یصدر خلال فترة انقطاع المرافعة بسبب الوفاة مثلاً ، فالحکم هنا یکون باطلاً بطلاناً مقرراً لمصلحة الخصوم واذا ما ارادوا التمسک ببطلانه ان یثیروه فی عریضة الطعن ، والا سقط حقهم بذلک ، ذلک لان الحمایة هنا مقررة لمصلحة ورثة المتوفى ، ویضیف اصحاب هذا الاتجاه ان الحکم الباطل المشوب بالعیب المبطل له لا یعدم الحکم حتى وان کان البطلان متعلقاً بالنظام العام ذلک ان حجیة الاحکام واستقرار المراکز والحقوق للخصوم تسمو على البطلان ومن ثم یتطهر الحکم من ذلک .
واذا کان هذا الاتجاه له محاسنه المتمثلة بأنه یهدف الى التأکید على قاعدة حجیة الاحکام وثبات واستقرار المراکز القانونیة حتى وان کان البطلان جوهریاً ویتعلق بمصلحة عامة وانه یتحصن وینشأ المراکز القانونیة اذا لم یطعن فیه ومضت مدة الطعن ، الا انه یلاحظ علیه وجود بعض الانتقادات الموجهة إلیه اذ یقتصر هذا الاتجاه على تقریر بطلان الاحکام للاسباب التالیة لبدء الخصومة أی السابقة على اصدارالحکم فقط دون ان یضیف الیها الاسباب الذاتیة المؤدیة إلى بطلان الحکم والتی منها صدور الحکم من محکمة لم یشترک احد قضاتها فی سماع المرافعة والمداولة فیها او صدور الحکم دون بیان اسبابه الواقعیة ، کذلک عدم ایداع مسودة الحکم والتوقیع علیها فی موعدها المحدد أی ان یلاحظ على هذا الاتجاه اغفاله لهذه الجهة المؤدیة إلى بطلان الحکم بالرغم من ان هذا الاتجاه یقر بوجود اسباب ذاتیة مبطلة للحکم .
ثانیاً : موقف القضاء من الاتجاهات المختلفة للحکم الباطل
عرفت محکمة تمییز العراق الحکم الباطل من خلال تبنی قضاء هذه المحکمة اتجاهین بصدد ذلک ، احدهما یمثل الاتجاه التقلیدی والذی انصب على التمییز بین الحکم الباطل والحکم الصحیح ، والاتجاه الحدیث الذی یذهب إلى التمییز بین الحکم الباطل والحکم المعدوم . إذ کانت هذه المحکمة قد تبنت الاتجاه الاول من خلال ما اذا کان الحکم قد تخلله عیب فی ذاته او وصفه واستمر حال المحکمة على هذا الاتجاه حتى عام 1981 ، اذ بدأ من هذا العام تبنی الاتجاه الحدیث من خلال تمییزها الحکم الباطل من الحکم المعدوم ، اذ ظهر هذا التمییز من خلال نزاع عرض على الهیئة الموسعة لمحکمة التمییز نشب من جراء ادعاء شخص بشرائه بستاناً بعقد خارجی وفقاً لاحکام القرار 1198 لسنة 1977 والصادر من مجلس قیادة الثورة (المنحل) والمتضمن فی الفقرة (ب ) منه (اذا کان المتعد له قد سکن العقار محل التعهد واحدث فیه ابنیة او منشآت اخرى دون معارضة تحریریة من المتعهد فأن ذلک یعد سبباً صحیحاً یبیح للمتعهد له تملک العقار بقیمته المعینة فی التعهد) . إذ طلب تملکه بستاناً فأصدرت محکمة الموضوع قراراً بتملیک العقار ، وقد ظهر من خلال التدقیقات التمییزیة ان البائع المدعى علیه متوفى قبل اقامة الدعوى وحیث ان شخصیة الانسان تبدأ بولادته وتنتهی بوفاته (المادة 34ف 1 مدنی) فقد وجد ان الدعوى مقامة على میت ، الا ان الممیز علیه عمل على تبلیغ المدعى علیه بالصحف المحلیة لکون محل إقامته مجهولاً واستحصل على الحکم المذکور لذا نقضت الهیئة الموسعة القرار المذکور لا باعتباره باطلاً فحسب بل لکونه معدوماً لصدوره من دون خصومة ، إذ لا یجوز ان تقام الدعوى على میت ، ومنذ ذلک التاریخ تزایدت الاحکام التی تصدر من محکمة التمییز التی انقسمت الى قسمین قسم باطل وقسم معدوم ، حیث عرفت الهیئة الموسعة لمحکمة التمییز الحکم الباطل بأنه ( الحکم الذی تلحقه الحصانة ویرتب بعض الاثار القانونیة ویکتسب الدرجة القطعیة اذا لم یطعن به خلال مدة الطعن ).
وبالرغم من کثرة قرارات محکمة التمییز ومحاکم الاستئناف بصفتها التمییزیة بهذا الصدد وذلک بسبب عدم توافر النصوص القانونیة المنظمة لحالات واسباب الحکم الباطل فی قانون المرافعات المدنیة رقم 83 لسنة 1969 ، فان المحاکم المذکورة وقضاؤها یلاحظ علیهما الخلط بین الحکم الباطل والحکم المعدوم عند تبریر وتسبیب احکامهما وقراراتهما ، وما یؤکد صحة ذلک قرار حدیث لمحکمة استئناف نینوى بصفتها التمییزیة والذی جاء فیه ( لدى التدقیق والمداولة وجد ان الطعن التمییزی مقدم ضمن مدته القانونیة فقرر قبوله شکلاً ولدى عطف النظر على الحکم الممیز وجد انه صحیحاً وموافقاً للقانون للاسباب التی استند الیها خاصة فیما یتعلق بالمدعى علیه أ. م. ص شقیق المدعی (المعترض علیها – الممیزة) حیث انها کانت تعلم بوفاته قبل اقامة هذه الدعوى وذلک من خلال الدعوى 1354 / 2003 والتی کانت المدعیة وشقیقها المذکور (المتوفى) مدعى علیها فیها وقد ابرز فی تلک الدعوى المذکورة القسام القانونی 176/2003 والصادر من محکمة بداءة الموصل بتاریخ 20/10/2003 والمتضمن وفاة الموما الیه ادیب بتاریخ 22/10/2002 لذلک تکون التبلیغات الجاریة فی الدعوى من ان المدعى علیه المذکور ( أ ) مجهول محل الاقامة باطلة وبالتالی یکون الحکم المعترض هو الاخر باطل وما بنی على باطل فهو باطل لذا قرر تصدیق الحکم الممیز ورد الطعن التمییزی).
ویلاحظ على الحکم المشار الیه انه وبالرغم من ان محکمة الاستئناف بصفتها التمییزیة قد اشارت إشارة صریحة فیه إلى اعتبار الحکم الذی یصدر على میت اقیمت دعوى علیه مع العلم بوفاته باطل وما بنی على باطل فهو باطل ، فان اتجاه المحکمة وتبریرها لذلک لا یستقیم مع تعریف الحکم الباطل ومفهومه ویتناقض اصلاً مع احکام تمییزیة صادرة من محکمة التمییز باعتبار ان الحکم على میت یؤدی الى انعدام الحکم ، لذا فتسبیب المحکمة المذکورة لقرارها اعلاه غیر سلیم اذ کان علیها ان تعتبر الحکم المشار الیه وعند تصدیقها له لیس باطلاً وانما معدوماً لانتفاء رکن من ارکان الحکم الا وهو انتفاء الخصومة بتلک الدعـوى.
وقد ذهبت بهذا الصدد فی قرار اخر لها الى القول (اذا قررت المحکمة فتح باب المرافعة فیتعین علیها تبلیغ الطرفین بالموعد الذی عینته لنظر الدعوى لیتسنى لهما العلم بقرار المحکمة والمضی فی المرافعة فأذا لم تقم بهذا الاجراء القانونی فأن جمیع القرارات التالیة لقرارها بفتح المرافعة تکون (معدومة قانوناً) لا یترتب علیها اثر قانونی فأذا اتخذت المحکمة قرار بابطال الدعوى فیتعین نقض القرار المذکور لان الحکم المعدوم لا تلحقه حصانة ولا یزول عیبه بفوات میعاد الطعن ولا یغلق بصدده أی سبیل للتمسک بانعدامه ).
ویلاحظ على تبریر هذه المحکمة المذکور آنفاً انه منتقد هو الاخر وبالرغم من انها عرفت الحکم المعدوم ومیزته من غیره ، ذلک لان المحکمة المذکورة نقضت الحکم باعتبار ان قرار ابطال الدعوى هو معدوم لعدم اجراء التبلیغ للطرفین ، فی حین کان من المفترض وانسجاماً مع مفهوم الحکم الباطل ان تعتبر الحکم الممیز وبعد نقضه باطلاً ولیس معدوماً ذلک لان العیب شاب التبلیغ وجزاء ذلک هو البطلان ولیس الانعدام ، وهذا ما اکدته ذات المحکمة بقرار لاحق لها یؤکد صحة انتقادنا لما ورد بالقرار التمییزی المذکور آنفاً اذ جاء بقرار لها (ان التبلیغ شرط اساسی للمباشرة بالمرافعة وفق المادة 51/1 / مرافعات واذا تحقق ان المرافعة قد جرت فی الدعوى وصدر القرار المطعون فیه لمصلحة القانون دون تبلیغ المدعی فأن المرافعات وکذلک القرار المطعون فیه تعتبر کلها باطلة ولا یترتب علیها أی اثر قانونی).
ومن خلال ما تقدم نرى ان افضل تعریف للحکم الباطل والذی یمکن ایراده هنا هو الحکم القضائی المخالف للنموذج القانونی الذی رسمه المشرع ، والذی شابه عیب فی شروط صحة انعقاده وقواعد اصداره،او بسبب اجراء باطل سابق بنی علیه ، یؤثر فیه ولکن لا یعدمه ویحوز حجیة الاحکام حتى وان کان بطلانه متعلقاً بالنظام العام،وذلک عندما لا یطعن فیه.
فعناصر الحکم الباطل تتمثل بوجود عیب اصابه لا یمس ارکانه ، بل قواعد اصداره ، او بسبب اجراء باطل سابق بنی علیه ، وان هذا الحکم یحوز حجیة الاحکام حتى وان کان هناک بطلان مسه متعلق بالنظام العام ، اذ یتحول هذا الحکم من باطل الى حکم صحیح عندما لا یطعن فیه خلال مدة الطعن ، ویرتب الاثار القانونیة التی یر تبها الحکم السلیم الخالی من هذا العیب ، ولا یقبل الطعن فیه بدعوى بطلان اصلیة .
المطلب الثانی
تمییز الحکم الباطل مما یشتبه به من الاحکام القضائیة
یعد الحکم القضائی الباطل نوعاً من انواع الاحکام القضائیة المعیبة وغیر السلیمة إذ یدق ویصعب التمییز بینه وبین بعض الاحکام التی تتشابه معه مما یقتضی بیان ذاتیة وخصوصیة هذا الحکم عن تلک الاحکام والنظم القانونیة الاخرى ، لذا فأن هذا المطلب تم توزیعه الى ثلاثة فروع وکما یأتی :
الفرع الاول / تمییز الحکم الباطل من الحکم الصحیح .
الفرع الثانی / تمییز الحکم الباطل من الحکم المعدوم .
الفرع الثالث / تمییز الحکم الباطل من الحکم الاتفاقی (الصوری ) .
الفرع الاول
تمییز الحکم الباطل من الحکم الصحیح
یعتبر الحکم القضائی المکتوب الصادر من محکمة مختصة وفی خصومة صحیحة والمستوفی لصحة قواعد اجراءات اصداره صحیحاً ، ولا یکفی لأکمال هذه الصحة ما تقدم فقط ، بل لابد ان یتضمن تحدیداً سلیماً لوقائع الدعوى ومن ثم تطبیق القواعد الموضوعیة فی القانون علیها تطبیقاً صحیحاً وسلیماً ، کذلک یجب ان تکون الاجراءات السابقة على اصداره والاخرى المعاصرة لنشوئه والتی استند الیها عند اصداره مطابقة للقانون ، أی بعبارة اخرى یکون الحکم القضائی صحیحاً بتوافـر ارکانه وصحة اجراءاته والتطبیق السلیم للنصوص القانونیة على وقائع الدعوى .
لذا فأن ثمة زاویتین او جهتین ینظر الى الحکم منهما بغیة تقدیر مدى صحته وهما تحدید الوقائع ، وتطبیق القانون بشقیه الموضوعی والاجرائی ، والاخیر یتضمن شقین من القواعد، الشق الأول یخص اجراءات نشوء الحکم ، والشق الثانی یتعلق بتنظیم اجراءات اصداره ، التی یجب ان تکون وفقاً للشکل الذی نص علیه القانون بحیث اذا تمت مخالفة تلک القواعد اصبح الحکم الصادر فی مثل هذه الحالة معیباً ومن ثم یعد باطلاً . لذا یعتبر الحکم صحیحاً اذا کان سلیماً ومتطابقاً من الوجهتین السابقتین کلیهما ، ویعد معیباً وباطلاً اذا اصابه نقص فی احداهما فقط ولو کان سلیماً من الأخرى .
لذا ولما تقدم فأن شروط الصحة اللازمة للحکم یمکن تلخیصها بما یلی :
1- تطبیق المحکمة لقواعد اصول المرافعات تطبیقاً صحیحاً وسلیماً ، فی کافة اجراءات المرافعة ومراحلها وبسط رقابتها علیها ، ابتداءاً من مرحلة التبلیغات المحررة للخصوم ، وانتهاءاً باصدار الحکم الحاسم فی النزاع .
2- تقید المحکمة بنصوص القانون والاجتهاد المستقر واسترشادها بها ، وتطبیقها على واقعة الدعوى تطبیقاً سلیماً وعادلاً .
ویتضح مما تقدم ان الحکم القضائی الصحیح یختلف عن الحکم القضائی الباطل ، من حیث ان الحکم القضائی الصحیح هو الحکم المستوفی لاجراءات قواعد المرافعات ولتطبیق القواعد القانونیة على وقائع الدعوى ، ومن خلال ذلک تبرز اهمیة التمییز ما بین هذین النوعین من الاحکام والتی یمکن ان نحددها بما یأتی :
1- ان الحکم الصحیح السلیم متى ما صدر وفقاً لما بیناه فأنه حتى وان طعن فیه لا یکون هناک وجه للطعن فیه ، اذ انه حتى ولو قبل الطعن شکلاً ، فهو یرد موضوعاً وذلک لصحة انطباق النصوص القانونیة على الوقائع ، ولصحة الحکم من حیث توافر ارکانه وسلامة اجراءاته ، بینما إذا ما تم الطعن فی الحکم الباطل بطریق الطعن المحدد له وخلال مدة الطعن فأن هذا الطعن یقبل شکلاً ، وللمحکمة المختصة للنظر بالطعن فیه ان تتصدى لبطلانه ، وذلک بتقریر العیب الشکلی الذی رافق عملیة اصدار الحکم ، وقبل الدخول بموضوع الدعوى ، اذ یترتب على تقریر بطلانه زواله وزوال جمیع الاثار المترتبة على قیامه ، وبطلان الاجراءات التی بنیت علیه ، واعادة الخصوم للحالة التی کانوا علیها قبل إقامة الدعوى ، ولا یؤثر بطلانـه فی عریضة الدعوى متى ما کانت صحیحة ، وکذلک فی الاجراءات التالیة حتى صدور الحکم الباطل ، کذلک لا یترتب علیه انهاء الخصومة نهائیاً ، اذ یمکن تجدیدها بدعوى وبإجراءات قانونیة سلیمة .
2- یعد الحکم الصحیح عنواناً للحقیقة ، ویحوز حجیة الاحکام ویترتب علیه انهاء الدعوى متى ما اصبح باتاً ، فی حین ان الحکم الباطل لا یتمتع بهذه الحجیة الا اذا مضت مدة الطعن علیه، اذ لا یجوز قبول دعوى بطلان اصلیة ضده وانما یطعن فیه بطرق الطعن الخاصة به .
وبالرغم من هذه الفروقات بین الحکمین السابقین ، فان هناک تساؤلاً یطرح نفسه فی هذا الصدد الا وهو هل ان الحکم الصحیح من ناحیة الشکل یکون قابلاً للالغاء اذا کان قد بنی على اجراء باطل ؟ ان مدى قابلیة الغاء هذا الحکم بالرغم من صحته شکلاً اذا کان قد بنی على اجراء سابق باطل یتوقف على توفر شروط معینة وهی :
1- ان یتخذ فی الدعوى اجراء باطل .
2- ان لا یکون من شرع البطلان لمصلحته قد اسقط حقه فیه .
3- ان لا تکون المحکمة قد حکمت بصحة الاجراء .
4- ان یکون هذا الحکم مبنیاً على لاجراء الباطل نفسه .
5- ان یقتصر الطعن على الخصم نفسه الذی مسه الاجراء الباطل .
6- ان یتمسک الطاعن بالبطلان فی عریضة الطعن ، الا اذا کان البطلان من النظام العام فلا یشترط مثل هذا التمسک ، اذ ان المحکمة لها ان تثیره من تلقاء نفسها .
الفرع الثانی
تمییز الحکم الباطل من الحکم المعدوم
یعد الحکم المعدوم نوعاً من انواع الاحکام القضائیة غیر الصحیحة ، کونه لا یترتب على صدوره أی اثر قانونی فهو والعدم سواء ، والحکم المعدوم هو الحکم الذی مسه عیب جسیم فـی رکن من ارکانه ، بحیث یجرده من مقوماته وارکانه الاساسیة على نحو یفقد کیانه وصفته بوصفه حکماً ، ویزیل ما له من حصانة ویحول دون عده موجوداً منذ صدوره ، فلا یستنفذ سلطة القاضی ، ولا یرتب حجیة الاحکام له ولا یرد علیه التصحیح فهو مجرد واقعة مادیة تحول بین صاحب الحق واقتضاء حقه وتتوافر به العقبة المادیة لصدوره فی شکل حکم قضائی ملزم وبالتالی لا یکسب حقاً او یزیل حقاً ، ویمکن التمسک بهذا الحکم بأی طریق سواء بطریق الدعوى الاصلیة لتقریر انعدامه ، او عن طریق الدفع ، او عن طریق طرق الطعن القانونیة المحددة للتمسک بهذه العیوب ، ویجـوز للقاضی ان یقـرر انعدامه من تلقاء نفسه اذا جرى التمسک بالحکم امامه .
وثمة خلاف حول فکرة الانعدام سواء فی الاجراءات المدنیة التی تخص العملیة القضائیة والخصومة ، او فی الاحکام القضائیة التی هی المجال الاکبر لها، بین مؤید ومعارض لها والسبب فی ذلک یرجع إلى انه لیس هناک سند تشریعی لها .
و مصطلح الانعدام مصطلح اوسع من مصطلح المعدوم ، اذ ان الانعدام یشمل عدم توافر الحکم او الاجراء من الوجهة القانونیة ، فالاجراء حتى وان کان موجوداً من الناحیة المادیة فأنه یعتبر هو والعدم سواء ، من الناحیة القانونیة ، وفی ذلک یختلف عدم التوافر عن عدم الصحة ، فالاجراء الباطل هو اجراء موجود من الوجهة القانونیة ولکنه غیر صالح لانتاج اثاره القانونیة. اما مصطلح الحکم المعدوم فهو مصطلح مقصور على عدم توافر الحکم سواء من الناحیة القانونیة ، او من ناحیة صحته فهو حکم کأنه لم یکن ، لذا یکون مجال التمسک بانعدامه اوسع واشمل من التمسک ببطلان الحکم .
ویرى غالبیة الفقه الاجرائی . ان اساس تقریر کون الحکم معدوماً ، هو وجود عیب جسیم فی رکن من ارکانه ، لا بقواعد واجراءات اصداره ، اذ یتجه هذا الفقه الى بیان حالات وصور لهذا الحکم والتی من خلالها یتضح مدى افتراقه عن الحکم الباطل .
لذا ولکل ما تقدم فأن الحکم المعدوم یکون جزءاً لمخالفة ارکان الحکم القضائی السلیم، وأیضاً فی حالة تخلف أی رکن من ارکانه ، المتمثلة بعدم صدوره من محکمة مختصة لها الولایة فی نظر الدعوى او صدوره فی غیر خصومة صحیحة ، او صدوره دون ان یحرر بصیغة مکتوبة .
وحیث ان فکرة الحکم المعدوم هی ثمرة من ثمرات التطبیقات القضائیة لمحاکم التمییز والنقض لانه لیس هناک تنظیم تشریعی لها ، لذا فقد أدت قرارات هذه المحاکم الدور الاکبر فی اقرار هذا النوع من الاحکام وترسیخه ، ومن ثم الاعتراف بوصفها واقع حال ، إذ نجد ان محکمة التمییز کانت قد عرفت الحکم المعدوم فی العدید من قراراتها بأنه (الحکم الذی لا یرتب أی اثر قانونی ولا تلحقه حصانة ولا یزول عیبه بفوات میعاد الطعن ولا یغلق بصدوره أی سبیل للتمسک بانعدامه ) . وقد قضت هذه المحکمة بهذا النوع المعیب من الاحکام ، کلما فقدت هذه الاحکام لرکن من ارکان وجودها ، اذ اعتبرت الحکم معدوم عند صدوره من محکمة غیر مختصة اذ جاء بقرار لها (اذ نظرت محکمة الاستئناف الدعوى واصدرت حکماً فیها فأن حکمها یعتبر معدوماً لا یرتب أی اثر قانونی لصدوره من محکمة غیر مختصة ) .
لذا وبعد ان تناولنا ماهیة الحکم المعدوم فأننا نبین أوجه تمییز هذا الحکم من الحکم الباطل بما یأتی :
1- الحکم الباطل هو الحکم الذی توافرت فیه الارکان الاساسیة لوجوده ، ولکن شابها او شاب احدها عیب متعلق بشروط صحة قواعد اجراءات اصداره أی ان هذا الحکم یکون جزءاً لمخالفة شروط الصحة لانعقاده کأن یصدر من قاض لم یشترک فی المداولة ولم یسمع المرافعة ، بینما الحکم المعدوم هو الذی یفقد رکناً اساسیاً من ارکان وجوده ، فهو جزاء لتخلف احد ارکانه کأن یصدر من محکمة غیر مختصة او من شخص لیس قاضیاً ، او یصدر على میت او دون کتابته .
2- الحکم الباطل یظل قائماً ومولداً لاثاره کافة منذ لحظة صدوره الى ان یحکم ببطلانه. اما الحکم المعدوم فهو والعدم سواء ، ولا یترتب علیه اثر قانونی منذ لحظة صدوره ایضاً وهذا یرجع إلى سبب العیب الخطیر والجسیم الذی لحقه وامتد الى کیانه .
3- ان معیار التمییز بین هذین النوعین من الاحکام المعیبة غیر السلیمة هو جسامة العیب وفداحته ، فالعیب الذی یصیب الحکم الباطل اقل جسامة وخطورة من العیب الذی یصیب الحکم المعدوم ، فالعیب الاول لا یفقد الحکم قیمته بوصفه حکماً قضائیاً ولا یؤثر فی کیانه بوصفه حکماً ، فی حین ان العیب الذی یصیب الحکم المعدوم هو عیب فی درجة کبیرة من الجسامة ، بحیث یفقده کحکم ، والعیب الجسیم الذی نقصده هنا هو ذلک العیب الاشد تأثیراً على الحکم والذی یصیب ارکان انعقاده ، لا شروط صحته بحیث اذا مس هذا العیب ذلک الحکم أعدمه وازاله .
4- للحکم القضائی الباطل سنده التشریعی المتجسد من خلال النصوص القانونیة لحالاته واسبابه، والتی اشارت الیها قوانین المرافعات المدنیة المقارنة ، إذ اعتبرت تلک القوانین وبنص القانون وعند توافر اسباب معینة ان الحکم الصادر وفقاً لأی منها باطلاً ، کقوانین المرافعات المصریة واللبنانیة والیمنیة والفرنسیة ، بینما لیس للحکم المعدوم سند تشریعی له بل نظریاً ساهمت احکام محاکم التمییز والنقض بترسیخها من اجل التمییز بینه وبین الحکم الباطل، ومع هذا فلا یوجد نص یقر بانعدام الحکم الا نصاً تشریعیاً واحداً نصت علیه مجموعة قوانین المرافعات الایطالی لعام 1942 والتی نصت وفی المادة (161/1) منه على ان (انعدام الحکم اذا لم یکن موقعاً من قبل القاضی الذی أصدره) .
5- بطلان الحکم یعنی عدم صحة الاجراء فقط ، فی حین ان انعدام الحکم یعنی لا وجود فعلیاً وقانونیاً للاجراء والحکم ایضاًَ .
6- الحکم الباطل یتحول الى حکم صحیح فی حین ان الحکم المعدوم لا یتحول إلى ذلک مطلقاً لا بالارادة ولا بمضی المدة کونه قائماً على اساس غیر موجود اصلاً .
7- الحکم الباطل یجوز الطعن فیه باتباع طرق الطعن المحددة له فی القانون ، فأذا ما فات میعاد الطعن لای سبب بقی هذا الحکم ورتب جمیع اثاره کما لو کان صحیحاً ولا یجوز رفع دعوى اصلیة للتمسک ببطلانه ، ولا یجوز التمسک ببطلانه الا من قبل من شرع البطلان لمصلحته . اما الحکم المعدوم فهو لا یتحصن ولا یتمتع بحجیة الاحکام ولا یکون عنواناً للحقیقة حتى وان مضت مدة الطعن علیه ، ویجوز التمسک بانعدامه من کل ذی مصلحة ، وکذلک للقاضی ومن تلقاء نفسه ان یتمسک بهذا الانعدام حتى وان لم یثیره الخصوم ، ویجوز إقامة دعوى بطلان اصلیة لتقریر انعدامه .
8- لابد من صدور حکم قضائی للکشف عن بطلان الحکم وتقریره بینما لا یحتاج الحکم المعدوم إلى مثل هذا الحکم لتقریر انعدامه ، اذ انه یتقرر بحکم القانون .
9- المحکمة المختصة للتمسک ببطلان الحکم امامها هی محاکم الدرجة الثانیة (الاستئناف) اذا کان الحکم المطعون فی بطلانه صادراً من محاکم الدرجة الاولى (البدائیة) ، ومحاکم التمییز اذا کان الحکـم المطعون فیـه صادراً مـن محکمـة الاستئناف ، اما المحکمة المختصة التی یتمسک امامها بانعدام الحکم فهی المحکمة نفسها التی اصدرت الحکم المعدوم ، ولا یجوز لمحکمة اخرى ان تنظر دعوى تقریر الانعدام .
10- لا یجوز إثارة بطلان الحکم والتمسک ببطلانه إلا أمام المحکمة المختصة للنظر بالطعن فیه حصراً ، بینما تجوز اثارة الانعدام امام ایة جهة ، کما یجوز کذلک حتى امام دائرة التنفیذ التی لها ان تمتنع عن تنفیذه تلقائیاً ، وان تثیر الانعدام من تلقاء نفسها دون حاجة إلى الطلب من أی طرف .
الفرع الثالث
تمییز الحکم الباطل من الحکم الاتفاقی (الصوری)
الحکم الاتفاقی هو الحکم الذی تصدره المحکمة بناءً على اتفاق الخصوم لحسم موضوع الدعوى اذ یمکن ان یتصور صدور مثل هذا الحکم عندما یکون هناک نزاع فعلاً بین اطراف الدعوى ویطرح النزاع امام المحکمة کخصومة حقیقیة فعلاً ، الا ان اطراف الخصومة واثناء المرافعة یتفقون على حسم الدعوى طبقاً لاتفاقهم المسبق على ذلک ، اذ یبغی الطرفان تصدیق هذا الاتفاق بواسطة حکم قضائی ملزم ، ومن ثم فأن الحکم الذی یصدره وفقاً لذلک ما هو الا تعبیر عن اتفاق الطرفین متجسداً بحکم قضائی قابل للتنفیذ ، وتدخل ضمن هذا المفهوم وکصورة من صوره النزاع الصوری الذی یفتعله الخصوم ومن ثم یقومون بطرحه امام المحکمة للحصول على حکم بعد ذلک، وهذا ما هو الا تطبیق للصوریة فی نطاق الاحکام القضائیة وهذا جائز و مشروع مادامت لا توجد فیه مخالفة للقانون ، ولعل ابرز مثال على مثل هذه الاحکام الحکم الذی یصدر فی دعوى مواضعه بین اطرافها من اجل الحصول على حکم یمکن ان یستند الیه فی دعوى اخرى.
ویذهب بعض الفقه الى ان من الخطأ تشبیه الحکم بالعقد او الاتفاق لان العقد هو شریعة المتعاقدین ، فی حین ان الحکم لیس ولید ارادة الخصوم .
وقد اختلف الفقه الاجرائی فی فرنسا حول طبیعة هذه الاحکام الاتفاقیة، " حیث اعتبر قسم منهم هذه الاحکام بمثابة عقد قضائی ویمکن استعمال دعاوى البطلان للطعن فیه ، وقسم اخر اعتبروه بمثابة حکم قضائی حاله حال الاحکام القضائیة الاخرى ، وقسم اخر تبنى مذهباً مختلطاً بین الاتجاهین اذ یرون ان کان دور القاضی یقتصر على تصدیق اتفاق الخصوم دون ان یفعل شیء اخر منها یکون الحکم الصادر بمثابة عقد قضائی ولیس حکماً اما اذا کان دوره هو فحص اتفاق الخصوم وتکوین رایه فیه فهو حکم قضائی" .
وتبدو اوجه التمییز بین الحکم الباطل والحکم الاتفاقی بما یأتی :
1- ان الحکم الاتفاقی هو اتفاق لاستصدار حکم قضائی بخصوص المسألة التی یبغی الطرفان حسمها ، لذا فأن الخصومة القضائیة تکون منتفیة وغیر متحققة اذا ما قورنت مع الخصومات الحقیقیة فعلاً بین اطراف الدعوى ، لذا یترتب على ذلک ان الطرفین ملتزمان بالاتفاق ولو قبل صدور الحکم ما لم یکونا قد علقا ابرام اتفاقهم على صدور الحکم بما تضمنه، بینما الحکم الباطل هو حکم یصدر فی خصومة قائمة فعلاً مرتباً ومنشأ للاثار والمراکز القانونیة للخصوم، الا انه مشوب بعیب بإجراءاته ، اذ لا یوجد اتفاق بین اطراف الحکم الباطل على اصداره ، سواء کان ذلک اتفاقاً صریحاً على اصداره ، ام اتفاقاً صوریاً .
2- لا توجد نصوص قانونیة تقرر الحکم الاتفاقی ، فی حین ان الحکم الباطل له نظامه القانونی الذی ینظم حالاته واسبابه وکیفیة التمسک به ، والمحکمة المختصة للنظر بالطعن فیه ، وهذا یظهر جلیاً لدى قوانین المرافعات المدنیة المقارنة .
3- لا یؤثر فی الحکم الاتفاقی اذا ما شابه اخطاء او عیوب رافقت اجراءات اصداره کون الخصوم یبغون من هذا الحکم افراغ اتفاقهم فیه ، لذا فهم غیر مکترثین اذا ما کانت هناک عیوب تمس سلامة اجراءات صدور الحکم ، مادام ان الحکم صدق اتفاقهم فی حین ان الحکم الباطل تؤثر فیه هذه العیوب ویکون معرضاً لتقریر بطلانه بسببها امام محکمة الطعن المختصة .
4- یرى بعض من الفقه ان الحکم الاتفاقی لا یجوز الطعن فیه بطرق الطعن المقررة للأحکام، وانما یکون ذلک بدعوى بطلان اصلیة ویصح ابطاله لسبب من اسباب بطلان العقد، کعیب الرضا ونقص الاهلیة ، ولا یحوز حجیة الاحکام الباتة ، بینما الحکم الباطل لا یطعن فیه الا بطرق الطعن المنصوص علیها قانوناً ، ولا تجوز اقامة دعوى بطلان اصلیة ضده ، وانه یحوز حجیة الاحکام ویکون عنواناً للحقیقة .
المبحث الأول
الاثار الموضوعیة للحکم الباطل
للحکم القضائی وعند تقریر بطلانه آثار موضوعیة تؤثر فی الحقوق الموضوعیة للخصوم شأنه شأن الحکم القضائی الصحیح ، الا ان هذه الاثار تختلف عن تلک التی یرتبها الحکم القضائی السلیم ، إذ ان الأخیر ینتج عنه حسم النزاع وتقویة الحقوق الموضوعیة ، واکتسابه لحجیة الاحکام . فی حین ان اثار الحکم الباطل وعندما یتقرر بطلانه لا یرتب الآثار اعلاه ، حیث إذا کان الحکم باطلاً لعیب ذاتی فیه او لبطلان الاجراءات التی بنی علیها وتمسک الخصم الطاعن فی هذا البطلان ، فان محکمة الطعن تقضی ببطلان الحکم المطعون فیه . ولا شک ان هذا البطلان یؤثر فی الحقوق الموضوعیة للخصوم وهذا ما سنتاوله ضمن مطلبین وکما یأتی :
المطلب الأول – قطع التقادم .
المطلب الثانی – التعویض المترتب على بطلان الحکم .
المطلب الأول
قطــع التقـادم
یترتب على إقامة الدعوى الصحیحة والمطالبة القضائیة السلیمة آثار موضوعیة ولعل أهم هذه الآثار واکثرها تأثیراً ووضوحاً هو قطع التقادم. والمقصود بقطع التقادم هو انه اذا وقع انقطاع بوجه صحیح فی المدة المحددة ، فما مضى من قبل الانقطاع یلغى وتستأنف المدة منه وقت انتهاء العمل القاطع . فالتقادم ینقطع بالمطالبة القضائیة الصحیحة ولو رفعت الدعوى الى محکمة غیر مختصة . ویقصد بالمطالبة القضائیة هو مطالبة المدعی الدائن للمدعى علیه المدین بتأدیة الحق موضوع الدعوى . ولکی تقطع المطالبة القضائیة بالتقادم یجب ان یتوافر فیها معنى الطلب الجازم بالحق الذی یراد اقتضاؤه ، ولهذا لا تعتبر عریضة الدعوى المقامة بحق قاطعة له الا فی خصوص هذا الحق وما یلحقه منه توابع مما یجب بوجوبه او یسقط لسقوطه.
ولا ینقطع التقادم بالمطالبة القضائیة الا التقادم المقرر لمصلحة من رفعت علیه الدعوى وقضت المحکمة علیه فیها ، والمطالبة بجزء من الحق تعتبر قاطعة للتقادم بالنسبة إلى باقی هذا الحق مادامت هذه المطالبة الجزئیة تدل فی ذاتها على قصد صاحب الحق فی التمسک بکامل حقه وکان الحقان غیر متغایرین بل یجمعها فی ذلک مصدر واحد . ونظراً لان المطالبة القضائیة تؤدی دوراً تحفظیاًُ بالنسبة إلى الحق المدعى به فأن التقادم الذی یسری لمصلحة المدعى علیه ینقطع بمجرد المطالبة القضائیة ولا یسری هذا التقادم طوال مدة الخصومة .
ویظل التقادم مقطوعاً مادامت الخصومة قائمة الى ان یصدر حکم نهائی فی الدعوى فإذا صدر حکم لمصلحة المدعی فأن مدة تقادم جدیدة تبدأ لمصلحة المدعى علیه وذلک إذا لم ینفذ المحکوم له ویستحصل حقه . واذا انتهت الخصومة قبل الفصل فی الموضوع کأنقضائها بعدم القبول او السقوط او بالتقادم مثلاً فأن الخصومة تزول والتقادم یعد کأنه لم ینقطع فلا تبدأ ایة مدة جدیدة . واذا صدر الحکم برفض الدعوى وبطلانها فأن ذلک یؤدی الى الغاء عریضة الدعوى وما ترتب علیها من اثار فیزول کل اثر لها فی قطع التقادم ویعتبر الانقطاع کأنه لم یکن ، والتقادم الذی کان قد بدأ قبل رفعها مستمراً فی سریانه.
وإذا کانت المطالبة القضائیة الصحیحة هی التی تقطع مدة التقادم فثمة تساؤل مهم یطرح نفسه فی هذا المجال الا وهو هل ان الحکم ببطلان عریضة الدعوى او المطالبة القضائیة الباطلة یؤدی الى قطع التقادم . وهل ان الحکم الصادر ببطلان الحکم المطعون فیه ما عدا ذلک یؤدی هو الآخر إلى قطع التقادم وزوال مدته ؟
ان الاجابة عن هذا التساؤل هی التی تبین اثر الحکم الباطل فی الحقوق الموضوعیة للخصوم ولغرض الوصول الى ذلک لابد ان نفرق بین حالتین .
الحالة الأولى :
اذا کان الحکم باطلاً لاستناده إلى عریضة دعوى باطلة فی ذاتها ، او انها لم تبلغ الى المدعى علیه اطلاقاً ، ولم یحضر الى المرافعة ، او انها کانت قد اقیمت على شخص متوفى ، فأنه یترتب على تقریر بطلان هذا الحکم فی تلک الاحوال زوال اثر قطع التقادم المترتب على المطالبة القضائیة ، فیعتبر التقادم کأن لم ینقطع ، أی بعبارة اخرى ان الحکم ببطلان عریضة الدعوى لا یقطع التقادم ، والسبب فی ذلک لان عریضة الدعوى غیر صحیحة وغیر مؤهلة منذ البدایة لاحداث هذا الأثر وذلک کونها باطلة فی ذاتهـا ، او انها باطلة نتیجة عدم التبلغ بها، او لبطلانها نتیجة لاقامتها فی خصومة معدومة . فالتقـادم لا ینقطع اذا لم توجه الدعوى الى الخصم الحقیقی او من له صفة فی تمثیله ، فعریضـة الدعوى الموجهة الى من لیس له صفة تمثیل الخصم او الى شخص متوفى لا تقطـع التقادم . ویذهب الفقه . الى انه اذا صدر الحکم برفض طلب المدعی فلا یمکن الکلام على تقادم لان هذا الحکم یعنی انه لم یکن للمدعى حق فی الدعوى یمکن ان یرد علیه تقادم ، إذ ان الحکم برفض الدعوى وعدم قبولها یزیل اثرها فی قطع التقادم ، فیعد الانقطاع کأن لم یکن . والعلة فی انتفاء التقادم وعدم انقطاعه بسبب هذا الرفض ، لان الحکم صدر برفض طلب المدعی ، فلیس له حق موضوعی فتنفی علة قطع التقادم .
اما إذا اقیمت دعوى مبنیة على اجراءات صحیحة ومن ثم ابطلت سواء بناءً على طلب المدعی او المدعى علیه، ای انها لم تستمر لحین صدور حکم بخصوصها فأن إقامة هذه الدعوى لا تقطع التقادم . کذلک الحال بالنسبة إلى الدعوى التی تترک للمراجعة ولم یقدم طلب بشأن السیر فیها ومضت المدة القانونیة على ذلک فأنها لا تقطع التقادم حتى ولو کانت قد اقیمت وفقاً لاجراءات اصولیة صحیحة ، ذلک ان الدعوى ابطلت ولم تستکمل بصدور حکم بشأنها . ویتطابق الحکم المتقدم مع ما یعرف بشطب الدعوى المنصوص علیها فی قانون المرافعات المصری ، إذ انها لا تؤثر فی قطع التقادم اذا لم تجدد فی موعدها المحدد إذ انها تعتبر کأنها لم تکن ومن ثم یزول اثرها فی قطع التقادم . کذلک ان التقدم بطلب القضاء المستعجل لا یقطع مدة التقادم بالنسبة للحق موضوع الدعوى لان الطلب المستعجل لا یعتبر من قبیل المطالبة القضائیة بالحق وانما هو طلب اتخاذ اجراء وقتی لحمایته .
ولا یعد رفضاً لطلب المدعی وانکاراً لحقه الموضوعی الحکم الصادر ببطلان الحکم المطعون فیه سواء لعیب ذاتی فیه ، ام بسبب اجراء باطل سابق علیه ، بل هو تقریر لتعیب الاجراءات لا یمس موضوع الحق المتنازع علیه والدلیل على ذلک ان لصاحبه ان یرفع دعوى جدیدة به. فالوضع هنا یختلف عن الحکم الصادر بانقضاء الخصومة بالسقوط او بالتقادم ذلک ان الخصومة فی هذه الاحوال تنتهی قبل الفصل فی الموضوع . اما فی حالتنا هذه فان حکماً صدر فی الموضوع وقد یکون على حق من ناحیة الموضوع ، وقد یکون صحیحاً فی شکله ولکنه بنی على اجراء باطل فأن ذلک لا یؤدی الى عده انکاراً لحق المدعی . أی بعبارة اخرى انه یترتب على الحکم بسقوط الخصومة الغاء جمیع اجراءاتها بما فی ذلک رفع الدعوى أی ان المشرع یهدر عریضة الدعوى التی قطعت التقادم ومن ثم تزول اثارها ، لان فی السقوط جزاء على اهمال المدعی فکان زوال کل الاجراء عقاباً على اهماله . لـذا فأن قطع التقادم یکون بناءاً على مطالبة قضائیة صحیحة ابتداءاً من إقامة الدعوى ومـروراً باجراءاتها کافة منذ التبلیغ بها حتى صدور حکم فیها . اما المطالبة القضائیة الباطلـة والتی یصدر حکمها بتقریر بطلانها فلا تؤدی الى قطع التقادم إذ انها تعتبر کأن لم تکن. " ولا یلحق التقادم الحکم المعدوم لان التقادم لا یبعث الحیاة فی معدوم لم یولد ولم تتکون له حیاة " .
الحالة الثانیة :
اذا کان الحکم باطلاً لعیب ذاتی فیه او لقیامه على اجراء باطل لیس هذا الاجراء هو عریضة الدعوى الباطلة ، وانما عریضة دعوى صحیحة اقیمت فی خصومة منعقدة ولکن شاب الحکم بطلان فیه ، فان تقریر بطلان الحکم فی مثل هذه الاحوال لا یؤدی الى زوال الاثر المترتب على المطالبة القضائیة ، وهو قطع التقادم أی ان الحکم الباطل فی مثل هذه الحالة یؤدی الى قطع التقادم وتستکمل المدة الباقیة بعد صدور الحکم بالبطلان . فبطلان الحکم لعیب فی شکله ( نقص فی بیاناته الجوهریة او تعیب فی عملیة المداولة او اصداره او التوقیع علیه ) او لبناءً على اجراء باطل ( مثل صدوره بناءً على تبلیغ باطل ، او لعدم اخبار النیابة العامة، بوجود قاصر فی الدعوى ، او لصدوره اثناء انقطاع الخصومة ، او لقصور فی تسبیب او تناقض هذا التسبیب ) فهذا البطلان لایمس عریضة الدعوى التی اقیمت ابتداءً بشکل صحیح ، ومن ثم لا یزول اثر قطع التقادم المترتب علیها ، لان التقادم ینقطع بعریضة صحیحة وهو ما تحقق فعلاً . فبطلان الحکم لا یمتد الى عریضة الدعوى التی تبقى قائمة ، ویجب على محکمة الطعن ان تفصل فی الموضوع بحکم جدید تراعی فیه الاجراء الصحیح وبالتالی لا یزول انقطاع التقادم المترتب علیها کإجراء صحیح . وهذا ما أیدته محکمة النقض المصریة بقرار لها فی هذا الصدد.
ویمکن القول ان اهم اثر یترتب على إقامة عریضة الدعوى هو انقطاع التقادم وان اخطر اثر یترتب على البطلان هو زوال هذا الانقطاع ، فهو یمس حقوق الخصوم الموضوعیة ومن شأنه وفی کثیر من الاحیان أن یؤدی الى ضیاع تلک الحقوق . فالبطلان جزاء خطیر ویجب الحد منه ، والحد من البطلان لا یکون فقط من خلال تقید التمسک به ، وانما یکون کذلک من خلال الحد من اثاره .
ومفاد کل ما تقدم انه یجب الفصل بین حالة کون عریضة الدعوى باطلة فی ذاتها او لعدم التبلغ بها مع عدم الحضور وبین کون العریضة صحیحة . ففی الحالة الاولى یترتب على تقریر بطلان حکم مبنی على عریضة باطلة زوال انقطاع التقادم فیعتبر کأنه لم یکن . اما حالة کون العریضة صحیحة فأن تقریر بطلان الحکم لعیب ذاتی فیه او لسبب آخر لا یؤثر فی انقطاع التقادم کونه قد انقطع بالفعل نتیجة العریضة الصحیحة للدعوى ، ولا یزول بتقریر بطلان الحکم ، وانما یستأنف التقادم الذی انقطعت مدته من تاریخ تقریر بطلان الحکم. ویحتفظ التقادم الذی یستأنف بعد الانقطاع بصفات التقادم الذی قطع ویبقى خاضعاً لنفس القواعد التی تحکمه .
المطلب الثانی
التعویض المترتب على بطلان الحکم
من الآثار الموضوعیة التی یرتبها بطلان الحکم على حقوق الخصوم . هو انه وعند تقریر البطلان من محکمة الطعن ، والقضاء ببطلان الحکم . فأنه یجوز لمن لحقه ضرر من جراء هذا البطلان ان یطالب المتسبب به بالتعویض ولکن هذا التعویض مقصور على حالة من حالات بطلان الحکم وهی عندما لا تودع مسودة الحکم مشتملة على اسبابه موقعة من الرئیس ومن القضاة عند النطق به ، ویکون المتسبب فی البطلان ملزماً بالتعویض أن کان له وجه . وبطلان هذا النوع من الاحکام لهذا العیب هو بطلان من النظام العام ، ویجب على محکمة الطعن ان تثیره من تلقاء نفسها.
وتکون المحکمة دائماً هی المتسبب ببطلان الحکم ان هی اودعت المسودة فی یوم لاحق على یوم النطق بالحکم ، او اودعتها غیر موقعه من جمیع القضاة ، وحینئذٍ یجوز ، إذا صدر حکم بالبطلان لمن لحقه ضرر من هذا البطلان الرجوع على القضاة فی المطالبة بالتعویض له عما ناله من ضرر ولکن وفقاً لاحکام المسؤولیة التقصیریة وذلک بدعوى مخاصمة ، ویعتبر خطأ القاضی فی هذه الحالة خطأً شخصیاً لا خطأ مهنیاً ویکون هو وحده المسؤول عن التعویض الذی یقضی به ، بحیث إذا رجع المتضرر على القاضی الذی تسبب بالضرر کتابع ووزیر العدل کمتبوع ، جاز للأخیر الرجوع على القاضی لما دفعه من تعویض للمتضرر. ولم تنص القوانین الاجرائیة المدنیة المقارنة على مثل هذا الحکم باستثناء قانون المرافعات المصری .
ویلاحظ على النص الذی تضمنه قانون المرافعات المصری بهذا الصدد انه نص متشدد ، ویؤدی الى فتح باب التعویض للمطالبة به من القاضی أو رئیس المحکمة الذی لم یقم بإیداع مسودة الحکم فی وقتها . إذ یطرأ على القاضی من ظروف تمنعه من هذا الایداع والتوقیع علیه فی موعده المحدد کالمرض او السفر او عذر قاهر آخر ، وهذا ما لم یتضمنه هذا النص . لذا فعد خطأ القاضی هنا خطأ شخصیاً لیس له ما یبرره ، کون القاضی وفی زحمة العمل القضائی وکثرة الدعاوى قد یتأخر بإیداع مسودة الحکم فی وقتها ومن ثم یعطی المجال لمن یدعی الضرر ان یقیم دعوى للمطالبة بالتعویض .
المبحث الثانی
الاثار الاجرائیة للحکم الباطل
إن القضاء ببطلان الاجراء یعنی بالضرورة زوال الآثار التی قد یکون رتبها قبل صدور الحکم بذلک عملاً بالقاعدة المعروفة (( ان ما بنی على باطل فهو باطل )) ، إذ یفترض ان الاجراء یعد صحیحاً وهو الأصل تطبیقاً للقاعدة القانونیة القائلة ان الاصل فی الامور الصحة ومن ثم ینتج الاجراء بعض الاثار غیر ان قضاء المحکمة ببطلانه یجعلها کأنها لم تکن . فالبطلان للاجراءات یعنی زوالها وعدم وجود ایة قیمة قانونیة لها . ولبطلان الحکم هو الآخر آثار فی سائر الاجراءات المتخذة فی الدعوى ، وکذلک فی مدى استنفاذ ولایة المحکمة التـی اصدرت الحکم المطعون ببطلانه ومن ثم تقریر بطلانه بموجب حکم صادر من محکمة اعلـى من المحکمة التی اصدرته ابتداءً . لذا سنوزع هذا المبحث على ثلاثة مطالب وکما یأتی :
المطلب الأول – آثر الحکم الباطل فی الاجراءات المتخذة فی الدعوى .
المطلب الثانی – مدى استنفاذ ولایة المحکمة التی اصدرت الحکم الباطل .
المطلب الثالث – الاثار العامة للحکم الباطل .
المطلب الأول
أثر الحکم الباطل فی الاجراءات المتخذة فی الدعوى
لبیان آثار الحکم الباطل فی سائر الاجراءات المتخذة فی الدعوى فان ذلک یستلزم ان نفرق بین حالتین .
الحالة الأولى - إذا کان الحکم باطلاً بعیب ذاتی فیه .
إذا کان الحکم باطلاً لذلک فان الحکم یزول وتبقى اجراءات الدعوى التی صدر فیها هذا الحکم . فإبطال الحکم لوقوع نقص فی بیاناته او عیب فی اصداره لا یعنی سوى ان الحکم فی ذاته باطل ، اما ما سبقه من اجراءات فهی صحیحة ، وتبقى قائمة ، وتکمل علیها المحکمة التی ستعید النظر فی النزاع .
الحالة الثانیة – إذا کان الحکم باطلاً بسبب قیامه على إجراء باطل .
فإن هذا الاجراء هو الذی یزول ، وإذا کان هذا الاجراء باطلاً فی شق فیه فان هذا الشق وحده الذی یبطل . کما تزول جمیع الاجراءات اللاحقة علیه مادامت مبنیة علیه، بینما تبقى الاجراءات السابقة على العمل الباطل قائمة ومعتبرة مادامت صحیحة . فإذا کانت عریضة الدعوى باطلة فانها تزول ولا ترتب أی أثر، فتزول جمیع آثارها ، بما فیها قطع التقادم کذلک تزول جمیع الاجراءات اللاحقة علیها لان عریضة الدعوى هی الاساس بالنسبة إلى تلک الاجراءات . اما إذا لحق البطلان تبلیغ الدعوى ، فان ورقة التبلیغ هی التی تزول ، ولا یمس هذا البطلان العریضة مادامت صحیحة فی ذاتها ، وتبطل کذلک الاجراءات اللاحقة على هذا التبلیغ إذا بنیت علیه . وبطلان أی عمل من اعمال الاثبات لا یؤثر فی عریضة الدعوى ولا فی صحة اعمال التحقیق التی تجریها المحکمة السابقة علیه ، وبطلان تبلیغ الحکم لا یؤثر فی صحة الحکم . اما الاعمال السابقة على الاجراء الباطل فلا تتأثر به ولکن سواء کان الحکم باطلاً لعیب ذاتی فیه ، أم لعیب باجراءاته فأننا نعتقد بانه لا یوجد ما یمنع الخصوم من التمسک باجراءات الاثبات التی قامت بها المحکمة واعمال الخبرة التی تمت فـی الدعوى التی قضی ببطلان الحکم الصادر فیها ما لـم تکن هذه الاجراءات او تلک الاعمـال باطلـة فی ذاتها .
ویذهب بعض من الفقه الى القول بانه تبقى معتبرة الاحکام القطعیة الصادرة فی تلک الدعوى وکذلک الاجراءات السابقة علیها وایضاً الاقرارات الصادرة من الخصوم وکذلک الایمان التی حلفوها ، إذ ان اجراءات التحقیق واعمال الخبرة واقرارات الخصوم مادامت صحیحة فی ذاتها فلا یوجد ما یمنع من التمسک بها ، إذ هی غیر معیبة ، وتوفیراً للوقت والجهد وفی القول بغیر ذلک اهدار لعمل القضاء . ولا أؤید الرأی المتقدم الا فی حالة إذا ما تصدت محکمة الاستئناف لحکم المحکمة ذات الدرجة الاولى وقررت البطلان واستمرت فی نظر الدعوى والسیر فیها فالاجراءات التی سبقت تقریر البطلان معتبرة وجائز الاستناد الیها لان الاستئناف ینقل الدعوى بحالتها من محکمة الدرجة الادنى الى محکمة الاستئناف اما إذا کان البطلان للحکم مس عریضة الدعوى برمتها فان الحکم ببطلانها لا یمکن بسببه الاعتماد على الاجراءات والتحقیق الذی اجرته المحکمة ولا على تقاریر الخبراء ولا حتى على الایمان التی تم حلفها من الخصوم .
وبطلان الحکم لا یمنع من رفع دعوى اخرى للمطالبة بالحق الموضوعی مجدداً ، فتقریر بطلان الحکم یعنی زواله وزوال جمیع آثاره ، ولعل اهم أثر یترتب على صدور الحکم هو اکتسابه لحجیة الاحکام . ولکن بتقریر بطلان الحکم تزول الحجیة عنه ، أی یفقد الحکم حجیته . فإذا أبطل الحکم الابتدائی من محکمة الاستئناف فان هذا الحکم یزول ولا یجوز الاستناد الیه فی شأن التدلیل على ثبوت واقعة معینة . کذلک الحال إذا تم ابطال الحکم الاستئنافی من محکمة التمییز إذ یعتبر هذا الحکم کأن لم یکن ولا یمکن الاستناد إلیه فی خصومة جدیدة بوصفه دلیلاً من أدلة الاثبات ، کذلک لا یجوز تسبیب حکم من الاحکام فی الاحالة فی اسبابه الواقعیة او القانونیة الى حکم صدر بین الخصوم وقضی بعد ذلک بنقضه. کذلک یفقد الحکم قوته التنفیذیة وتبطل جمیع الاجراءات التی اتخذت تنفیذاً له ، فلا یصلح الحکم الذی تم ابطاله ان یکون اساساً لأیة اجراءات تحفظیة او تنفیذیة وتعود الخصومة الى ما کانت علیه قبل صدور الحکم الباطل ، وبطلان الحکم یترتب علیه کذلک بطلان ترتب الحقوق العینیة التی اکتسبها الخصوم على العقار .
المطلب الثانی
مدى استنفاذ ولایة المحکمة التی أصدرت الحکم الباطل
ان تناول هذا الأثر الاجرائی الذی یرتبه الحکم الباطل له علاقة بموضوع سلطة محکمة الطعن عند نظرها فی الحکم المطعون فی بطلانه . إذ ان ابطال حکم محکمة اول درجة من قبل محکمة الاستئناف یوجب على المحکمة المذکورة ان تنظر موضوع الدعوى ، فلیس لها ان تعید الدعوى الى محکمة الدرجة الاولى التی فصلت فی موضوع الدعوى ، ذلک لانها استنفذت ولایتها ، وانما یجب على محکمة الاستئناف ان تفصل فی الموضوع بحکم جدید ، تراعی فیه الاجراءات الصحیحة الواجبة الاتباع فذلک هو مفهوم مبدأ التقاضی على درجتین ، إذ انه ومادامت محکمة أول درجة فصلت فی الموضوع فانها تکون قد استنفذت سلطتها وولایتها بالنسبة إلیه ، کما ان قضاء محکمة الطعن فی بطلان الحکم یتساوى مع قضائها بالغائه إذا ما قررت انه قد أخطأ فی فهم الواقع او فی تطبیق القانون فلا یمنعها من ذلک من نظر الموضوع والفصل فیها .
وتستنفذ محکمة اول درجة ولایتها بخصوص الدعوى التی صدر فیها حکم یشوبه البطلان عندما تصدر تلک المحکمة حکماً دون ان تلاحظ ان هناک بطلاناً شاب عریضة الدعوى ، إذ ان محکمة الاستئناف وعند نظرها للطعن المقدم الیها بخصوص هذا البطلان ، یقتصر دورها على تقریر البطلان والوقوف عند هذا الحد دون ان تفصل بالموضوع ، ولا تعید الدعوى الى المحکمة التی اصدرت هذا الحکم للبت فیها من جدید ، لان العیب شاب عریضة الدعوى التی هی الاصل والاساس فی بدء الخصومة ، ولکن ومع ذلک یجوز رفع دعوى جدیدة بالحق الموضوعی امام هذه المحکمة ، لانه لا یترتب على الحکم السابق والمتضمن بطلان عریضة الدعوى حجیة الحکم ، إذ انها تزول بتقریر بطلانه .
ولمحکمة الاستئناف ان تفصل فی الموضوع ، عندما تکون عریضة الدعوى صحیحة، إذ لها ان تصدر حکماً جدیداً لا تتقید فیه بالحکم الباطل والاجراءات المتخذة فیه ، وان کان علیها ان تراعی الاجراء الصحیح – عریضة الدعوى – وتکمل علیه وهذا ما قررته محکمة النقض المصریة فی قرار لها بهذا الخصوص.
ویذهب بعض الفقه. الى القول بانه اذا رأت محکمة الاستئناف ان حکم اول درجة عادل على الرغم من بطلان ورقة الحکم او اجراءات اصداره ، او الاجراءات المبنی علیها الحکم ، فأن على المحکمة ان تصدر قضاءً مستقلاً عن حکم اول درجة وان کان مطابقاً له ، والا یکون حکم محکمة الاستئناف قد أید حکماً لا وجود له وأحال إلى حکم معدوم مما یبطله .
وإذا کانت ولایة محکمة أول درجة تستنفذ طبقاً لما بیناه آنفاً فثمة تساؤل یطرح نفسه هنا الأ وهو هل ان محکمة الاستئناف إذا کانت قد أصدرت حکماً مشوباً بالبطلان وطعن فی هذا الحکم امام محکمة التمییز او النقض تستنفذ هی الأخرى ولایتها بصدد ذلک ؟
ان الاجابة عن هذا التساؤل یکون عندما یصدر الحکم الباطل عن محکمة الاستئناف وابطلته محکمة التمییز ، فان محکمة التمییز عندئذ لا تتصدى للفصل فی الموضوع ، الا إذا کان صالحاً للفصل فیه ، أو کان الطعن للمرة الثانیة ، ویجب علیها ان تعید الدعوى الى المحکمة التی أصدرت الحکم لتحکم فیه من جدید. أی بعبارة أخرى ان محکمة الاستئناف لا تستنفذ ولایتها إذا شاب حکمها المطعون فیه بطلان ما وعرض الطعن على محکمة التمییز فللأخیرة الحق ان تقرر بطلان الحکم وان تعید الدعوى الى محکمة الاستئناف للسیر بالدعوى واتباع قرار النقض .
ومن الجدیر بالذکر ان قانون المرافعات المدنیة العراقی قد بین فی المادة (214) ان لمحکمة التمییز صلاحیة الفصل فی الموضوع إذا کان صالحاً للفصل فیه بعد ان تقرر نقض الحکم ودعوة الطرفین إلى الحضور امامها.
المطلب الثالث
الآثار العامة للحکم الباطل
للحکم الباطل آثار عامة ، فضلاً عن آثاره الموضوعیة والاجرائیة . وتتجسد هذه الآثار العامة من خلال ان الحکم الباطل ایاً کان سبب ونوع بطلانه إذا انقضت مواعید الطعن فیه او استنفذت اعتبر صحیحاً من کل الوجوه وتحصن ، وتمتع بحجیة الاحکام ، ولا یجوز بأی حال من الاحوال التمسک بای وجه من أوجه بطلانه.
فالاحکام الباطلة یعتبرها القانون موجودة ومنتجة بکل آثارها ما لم یقضِ ببطلانها بعد اللجوء إلى احدى طرق الطعن التی حددها القانون .
فالحکم القضائی الباطل یتحول من حکم شابه بطلان سواءً باجراءات صدوره او باجراءات باطلة سابقة علیه ، الى حکم قضائی یکون عنواناً للحقیقة ومرتباً للمراکز والآثار القانونیة للخصوم .
فعندما یستوفی الحکم أرکان وجوده یظهر الى الوجود ویصبح له کیان ، الا ان هذا الحکم قد تشوب عملیة اصداره اجراءات قضائیة غیر صحیحة تؤدی الى بطلانه ، ولا ینال هذا البطلان من حجیة الحکم الباطل التی تثبت بموجب انتهاء مدة الطعن فیه ، إذ یمتنع على الخصوم وعلى جمیع جهات القضاء العودة الى بحث النزاع من جدید وان کانت هذه الحجیة قبل مضی مدة الطعن فیه مؤقتة لحین الطعن فیه ، فان ذلک لا یمتد الى محکمة الطعن تمکیناً لها من بحث اسباب الطعن . فان لم یطعن فی الحکم وحاز الحجیة المقررة للاحکام أصبح عنواناً للحقیقة ، وواجب الاحترام ، والتنفیذ ، حاله حال الحکم القضائی الصحیح المکتسب درجة البتات . فلا سبیل لاهداره ، ویمتنع رفع دعوى مبتدأه ببطلانه والا قضی بعدم قبولها ، ویتطهر من کل انواع البطلان حتى ولو تعلق ذلک بالنظام العام ، إذ تعلو حجیة الاحکام على اعتبارات النظام العام من أجل تحقیق الاستقرار للمراکز القانونیة والمعاملات . کما لا یجوز الاحتجاج بهذا البطلان امام أیة محکمة غیر المحکمة التی یطعن فیه امامها ، فیمتنع الدفع به او الاحتجاج ببطلانه امام جهات تنفیذ الحکم عند وجود اشکال فی التنفیذ ، لما یترتب على ذلک من التعرض لحجیته وهو غیر جائز.
اما إذا تعلق البطلان بمعوقات الحکم وارکانه الرئیسیة ، فلا یمکن ان یطلق علیه وصف الحکم ولا یترتب علیه الآثار التی یترتبها الحکم الصحیح ، فلا تکون له حجیة ، ولا تنقضی به الخصومة .
لذا ولما ثقدم فالاثر العام المباشر لهذا الحکم القضائی المعیب انه یکون عنواناً للحقیقة التی یهدف الیها الخصوم من ورائه الا ان ذلک مناط بعدم الطعن فیه وتمتعه بخاصیة حجیة الاحکام .
وبذلک یتشابه هذا النوع من الاحکام مع الاحکام القضائیة الصحیحة من حیث نطاق الحجیة المقررة لها، إذ تکون هذه الحجیة مقصورة على اطراف الخصومة التی صدر الحکم بخصوصها حصراً ، اما غیرهم فانه یجوز لهم التمسک بعدم الاعتداد بهذه الحجیة تجاههم ، ودون الحاجة الى التمسک ببطلانه . والعلة بقصر هذه الحجیة على اطراف الحکم الباطل فقط هی ان الدفع بسبق الفصل فی الدعوى لا یکون الا اذا اتحد الاطراف والسبب والموضوع ، وبما ان الغیر لم یکونوا ضمن هذه الخصومة لذا فان حجیته لا تمسهم ولا تؤثر فیهم .
ولکن مع ذلک نجد ان قانون المرافعات المدنیة والتجاریة المصری ، اجاز الطعن فی الحکم بطریق التماس اعادة النظر ، اذا کان الحکم قد صدر على شخص طبیعی او اعتباری لم یکن ممثلاً تمثیلاً صحیحاً فی الدعوى (وذلک فیما عدا حالة النیابة الاتفاقیة ) ویجوزذلک ایضاً لمن یعتبر الحکم الصادر فی الدعوى حجة علیه ، ولم یکن قد ادخل او تدخل فیها ، بشرط اثبات غش من کان یمثله او تواطؤه او اهماله الجسیم .
وبما أن هذه الحجیة المقررة للاحکام الباطلة لیست مطلقة تجاه الغیر ، مادام طریق اعتراض الغیر هو الوسیلة التی یلجأ الیها الخارج عن الخصومة لیقر قاعدة نسبیة الاحکام إذ یتم من خلال هذا الطعن محو القرینة المستفادة من حجیة الاحکام الباتة فی ان تسری على الکافة . أی انه مادام الحکم الباطل یتمتع بالحجیة المقررة للاحکام القضائیة الصحیحة ، لذا نجد ان المشرع اجاز الطعن فی هذا الطریق وبطریق إعادة المحاکمة حتى وان کان الحکم حاز الحجیة المقررة له ، وذلک اذا ظهر ما یستوجب من اسباب لقبول هذه الطعون، ومن ثم فأن مثل هذه الطعون یمکن ان تنال من هذه الحجیة فالحکم لا یحوز حجیة الشیء المحکوم به الا فی مواجهة اطراف الدعوى حصراً وهذه الحجیة هی مطلقة تجاههم اما بالنسبة إلى غیرهم فهی نسبیة وحتى قاعدة نسبیة الاحکام هناک استثناءات علیها، إذ انه بتوافر حالات معینة یکون الحکم الصادر فی الدعوى بمواجهة الکافة (خصوماً وغیر) .
الخاتمــة
بعـد ان انتهینا مـن هـذه الرسالة فأننا یمکن ان نحدد ما توصلنا الیه من نتائج وتوصیات بما یأتی:
اولاً: النتائج
1- الحکم الباطل هو الحکم القضائی المخالف للنموذج القانونی الذی رسمه المشرع ، والذی شابه عیب فی شروط صحة انعقاده وقواعد اصداره او بسبب اجراء باطل سابق بنی علیه یؤثر فیه ولکن لا یعدمه ویحوز حجیة الاحکام حتى وان کان بطلانه متعلقاً بالنظام العام ، وذلک عندما لا یطعن فیه ضمن مدة الطعن .
2- یتمیز الحکم الباطل من العدید من الاحکام القضائیة الاخرى ، إذ یتمیز من الحکم القضائی الصحیح من حیث ان الاخیر یتمتع بهذه الصفة عندما تتوافر ارکانه وصحة اجراءاته والتطبیق السلیم للنصوص القانونیة على وقائع الدعوى واذا ما طعن بهذا الحکم فلا یکون ثمة وجه للطعن فیه ویتعین تصدیقه . ویحوز هذا النوع من الاحکام الحجیة متى ما اصبح باتاً ، بینما الحکـم الباطل لا یحـوز الحجیة المقـررة للاحکام الا بمضی مدة الطعن وعدم الطعن فیه واذا ما طعن فی هذا الحکم ضمن مدة الطعن فأنه یترتب على ذلک بطلانه وازالة اثاره واعادة الخصوم إلى ما کانو علیه قبل الدعوى .
3- ویتمیز الحکم الباطل من الحکم المعدوم من حیث ان الاخیر هو جزاء لمخالفة ارکان الحکم وهو حکم لا وجود له ومتجرد من القیمة القانونیة ویعد کأن لم یکن ولا یتمتع بخاصیة حجیة الاحکام ولا ینشئ المراکز والاثار القانونیة ولا تلحقه الحصانة ، ویجوز التمسک به بطریق الدفع او الطعن ، او باقامة دعوى بطلان اصلیة لتقریر انعدامه ، وهذا الحکم لا سند تشریعی له ، بل هو ثمرة من ثمرات القضاء ، وآثار العدید من الخلافات الفقهیة بشأنه ما بین مؤید ومنکر له . فی حین أن الحکم الباطل هو جزاء لمخالفة شروط اصدار الحکم وعدم اتباع الاجراءات التی ینص علیها المشرع ، ویحوز الحجیة ویتحصن اذا لم یطعن فیه ، ولا یجوز اقامة دعوى اصلیة ببطلانه وانما یطعن فیه بطریق الطعن الخاص به . ومعیار التمییز بین الحکمین هو جسامة المخالفة ، إذ ان المخالفة التی تصیب احد ارکان الحکم تکون اشد وتأثیراً على وجوده فتعدمه، فی حین مخالفة شروط اصدار الحکم وصحة قواعد اقل جسامة منها مما تؤدی الى جعل الحکم باطلاً ولیس منعدماً .
4- ویتمیز الحکم الباطل من الحکم الاتفاقی من حیث ان الحکم الاخیر یصدر بناءً على اتفاق الخصوم لحسم موضوع الدعوى .. وتکاد تکون الخصومة فیه غیر متحققة مقارنة مع الخصومة فی الحکم الباطل الذی یصدر فی خصومة قائمة فعلاً الا انه مشوب بعیب فی إجراءاته ، إذ لا یوجد اتفاق بین الاطراف لاصدار الحکم سواء کان اتفاقهم صریحاً على اصداره ام صوریاً ، واطراف الحکم الاتفاقی او الصوری لا یکونون مکترثین لایة عیوب تشوب عملیة اصدار الحکم مادامت غایتهم تتحقق من الحکم وذلک عند اعطائه قوة تنفیذیة لما تم الاتفاق علیه .
5- للحکم القضائی الباطل آثاراً موضوعیة تتمثل بقطع التقادم والتعویض المترتب على بطلان الحکم ، فبالنسبة إلى قطع التقادم یجب ان نفرق بین حالتین .. اذا کانت عریضة الدعوى فی ذاتها ، او لعدم التبلیغ بها مع عدم حضور المدعى علیه ، فالعریضة الباطلة لا تقطع التقادم ولا یترتب علیها زوال انقطاع التقادم ، اما اذا کانت عریضة الدعوى صحیحة فأن هذه العریضة هی التی تقطع التقادم ، ولا یزول التقادم بتقریر بطلان الحکم وإنما یستأنف التقادم الذی انقطعت مدته من تاریخ تقریر بطلانه ، ویحتفظ التقادم الذی یستأنف بعد الانقطاع التقادم الذی قطع ویبقى خاضعاً لنفس القواعد التی تحکمه .
6 - لا یخضع للتقادم الحکم المعدوم ولا یمکن ان یکون محلاً للانقطاع لان الحکم المعدوم لا وجود له قانوناً ومن ثم لا ینسب إلیه أی حقوق ومنها التقادم .
7 - یترتب على الحکم ببطلان الحکم تعویض من تضرر من هذا البطلان من قبل من کان هو المتسبب بذلک وتقتصر هذه الحالة عندما لا تودع نسخة مسودة الحکم مشتملة على اسبابه فی وقتها المحدد ، والمتسبب بالتعویض قد یکون قاضی المحکمة او کتابها او غیر ذلک من الاعوان الذی یعملون تحت اشراف القاضی . ویکون التعویض وفقاً لقواعد المسؤولیة التقصیریة .
8 - وللحکم الباطل آثار اجرائیة تتمثل بما یأتی :
أ- اثاره الاجرائیة على الاجراءات المتخذة بالدعوى وتکون بحالتین :
1- اذا کان الحکم باطلاً بسبب عیب ذاتی فیه . فأن الحکم یزول وتبقى اجراءات الدعوى التی صدر فیها هذا الحکم ، أی بعبارة اخرى ان الاجراءات التی سبقت صدوره هی اجراءات صحیحة وتبقى معتبرة وقائمة وتکمل علیها المحکمة التی ستعید النظر فی النزاع .
2- اذا کان الحکم باطلاً بسبب اجراء باطل سابق بنی علیه ، فأنه یترتب على بطلان الحکم بطلان هذا الاجراء الباطل وزواله وتزول جمیع الاجراءات اللاحقة علیه مادامت کانت مبنیة علیه ، بینما تبقى الاجراءات السابقة على العمل الباطل قائمة ومعتبرة مادامت صحیحة ، فأذا کانت عریضة الدعوى باطلة مثلا فأنها تزول ولا ترتب أی اثر ، فتزول جمیع اثارها.
ب- مدى استنفاذ ولایة المحکمة التی اصدرت الحکم الباطل حیث ترفع المحکمة التی أصدرت الحکم الباطل یدها عن الدعوى عند صدورها للحکم . اما محکمة الاستئناف فلا تنتهی ولایتها بصدور الحکم الباطل ، وذلک عندما ینقض الحکم الصادر منها ، من محکمة التمییز وتعاد الدعوى الیها من جدید .
9 - وللحکم الباطل اثار عامة تتمثل بما یأتی :
أ- یعد الحکم الباطل عنواناً للحقیقة ومتمتعاً بحجیة الاحکام عندما لا یطعن فیه ضمن مدة الطعن ، اذ یتحصن هذا الحکم ویکون بمنزلة الحکم قضائی الصحیح مرتباً للآثار والمراکز القانونیة للمتقاضین .
ب- ان حجیته مقصورة على اطرافه فقط ، ولا یجوز للغیر ان یتمسکوا بهذه الحجیة ، ذلک کونهم لیس فی الحکم لان الدفع بسبق الفصل فی الدعوى لا یکون ولا یقبل الا اذا اتحد الاطراف والسبب والموضوع ، ولان الغیر لم یکونوا ضمن هذه الخصومة ، لذا فأن حجیته لا تمسهم ولا تؤثر فیهم ونسبیة .
ثانیاً : التوصیات :
نظرا لخلو قانون المرافعات المدنیة رقم 83 لسنة 1969 من نصوص قانونیة تنظم اسباب بطلان الاحکام ، وکیفیة التمسک بها ، والمحکمة المختصة للنظر بالطعن فیها لذا نقترح على المشرع العراقی النصوص الآتیة وفی الفصل الخاص بالاحکام واجراءات اصدارها ما یلی من هذه النصوص: -
1- ( 1- یقع باطلاً الحکم الصادر من محکمة لم تشکل وفقاً للنصاب الذی حدده القانون .
2- الدفع ببطلان التشکیل من النظام العام ، یمکن ابداؤه فی ایة مرحلة من مراحل الدعوى ، ویّجوز اثارته ولأول مرة امام محکمة التمییز ، وللمحکمة ومن تلقاء ذاتها اثارته حتى ولو لم یتم التمسک به من قبل الخصم الذی شرع البطلان لمصلحته) .
2- نقترح المشرع العراقی تعدیل نص المادة (162) من قانون المرافعات المدنیة واضافة فقرات علیها بحیث تقرأ على الوجه الآتی :
(أ - بعد النطق بالحکم ینظم فی مدى خمسة عشر یوماً اعلام یجب ان یبین فیه المحکمة التی اصدرته وتاریخ اصداره واسماء القضاة الذین اصدروه واسماء الخصوم واسماء وکلائهم واثبات الحضور والغیاب وخلاصة الدعوى وموجز ادعاءات الخصوم ودفوعهم ، وما استند الیه من وقائع وحجج قانونیة والقرارات التی سبق صدورها فیها ومنطوق الحکم وما بنی علیه من علل واسباب والمواد القانونیة التی استند الیها ویوقع من قبل القاضی او رئیس الهیئة ویختم بختم المحکمة .
ب - یعد باطلاً الحکم الصادر دون ان یتضمن اسماء الخصوم والقابهم وصفاتهم وکذلک اسماء القضاة الذین حضروا المرافعة وسمعوها وتداولوا فیها واصدروا الحکم .
ج - یزول البطلان اذا ما ثبت عن طریق اوراق او محضر جلسة ان هناک ما یقوم مقام هذه البیانات وبالشکل الذی لا یؤدی الى التجهیل بالخصوم اوالقضاة الذین اصدروا الحکم ) .
3 - نوصی المشرع بتعدیل المادة (157/1) مرافعات مدنیة بحیث تعاد قراءتها وفقاً للنص الآتی : (لا یجوز للمحکمة بعد ان تقرر ختام المرافعة ان تسمع توصیات من احد الخصوم الا بحضور الخصم الاخر ولا ان تقبل مذکرات او مستندات من احد الطرفین والا کان الحکم باطلاً) .
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Firstly . Books Hadith, Islamic Jurisprudence and Arabic Dictionaries.
a. Dictionaries.
1- Louis Maalouf, Al-Munajjid, Dar Al-Shorouk Beirut, 1986.
2- Imam Muhammad Abu Bakr Al-Razi, Mukhtar Al-Sahah, Dar Al-Radwan, Aleppo, 2005.
3 - Mohammed bin Abdullah bin Bahadar, bin Abdullah Zarkshi, the ocean, publications of the Kuwaiti Ministry of Awqaf, without a year printed.
4 - Mohammed bin Abdullah bin Fahad bin Abdullah bin Arabi, crop, Mustafa Babi printing, without place and year printed, the investigation of Mohammed Bejawi.
5 - Nadim and Asama Marashli, Sahah in Language and Science, Renewal of the Sahih al-Jawhari, Volume I, House of Arab Civilization, Beirut, 1974.
B. Books Hadith.
1 - Ahmad Abu Bakr Ahmed bin Al Hussein Bin Ali Al-Bayhaqi, Al-Senan Al-Kubra, c 10, Printing Department of the Ottoman Knowledge, without a year printed.
2- Abu al-Husayn Muslim ibn al-Hajjaj ibn Muslim al-Qusheiri al-Nisaburi, Saheeh Muslim, Dar al-Tarat al-Tarath, Beirut, without a year printed, the investigation of Mohamed Fouad Abdel-Baqi.
3 - Imam Sulayman ibn al-Ash'ath al-Sijistani, Sunan Abi Dawood, the house of revival of the Sunnah of the Prophet, without place and year printed, the realization of Mohiuddin Abdul Hamid.
4- Al-Askalani Ibn Hajar, Fath al-Bari, Sharh Saheeh al-Bukhaari, 31, 3, Dar es Salaam, Riyadh, without a year printed.
C. Books Islamic Jurisprudence.
1- Shams al-Din al-Sarkhasi, Osoel al-Sarkhasi, I 1, Dar al-Maarifah, Beirut, without a year printed, Rafik Al-Lajm.
2 - Mohammed Habib Tijkani: general theory of jurisprudence and evidence in the Islamic Sharia Comparative law positive, and the joint publication project between the House of Arab Horizons, Baghdad, the Moroccan publishing house, Fez, without a year printed.
3 - Mohammed bin Abdul Rahman Al - Hattab: talents of Galilee to explain Khalil Khalil, c 6, Library success, Libya, without a year printed.
4 - Abu Mohammed Muwaffaq al-Din bin Abdullah bin Qudaamah, Kindergarten Al-Nazer, I 5 Al-Rashed library, the investigation of Abdul Karim Nimla.
Second: books, letters and legal researches.
a. Legal books.
1. Ibrahim Al-Mashahdi, Moin Lawyers in Pleadings and Evidence, C1, Al-Jil Al-Arabi Library, Mosul, Iraq, 2004.
2- Dr. Ahmed Abu Al Wafa, Theory of Judgments in the Law of Pleadings, Knowledge Establishment, Alexandria, 1990.
3- Dr. Ahmed Abu Al-Wafa, Theory of defenses in the law of pleadings, I 8, Knowledge facility, Alexandria, 1987.
4- Dr. Ahmed El Sayed El Sawy, The Effect of Judgments for Others, Dar El-Nahda El Arabeya, Cairo, 1979.
5- Dr. Ahmed El Sawy, Mediator in the Civil Judiciary Law, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1990.
6- Dr. Ahmed Sheta, Aging, Fall, Expiration and Non-Hearing, Knowledge Establishment, Alexandria, 1996.
7 - Ahmed Maher Zaghloul, nullity in the law of pleadings, I 2, Modern Printing House, Cairo, 1997.
8- Dr. Ahmed Meligy Encyclopedia of appeals in judgments, C 1, National Center for Legal Publications, Cairo, 2005.
9- Dr. Ahmed Hendi, Effects of the Court of Cassation and Strength, New University Publishing House, 1997.
10- Dr. Ahmed Hendi, Principles of Civil and Commercial Trials, University House, Beirut, 1989.
11- Dr. Ahmed Hendi, adherence to invalidity in the law of pleadings, New University Publishing House, Alexandria, 2005.
12- Dr. Adam Wahib al-Naddawi, Civil Proceedings, Press of the Ministry of Higher Education and Scientific Research, Baghdad, 2006.
13- Dr. Osama Ahmed Shawky Almelegy, Technical classification of the functions and work of the judge, a comparative study, Dar al-Nahda Arab, Cairo, 2005.
14- Dr. Amina Al-Nimr, Jurisdiction and Jurisdiction in Urgent Cases, Al-Ma'aref Establishment, Alexandria, 1967.
15- Counselor Anwar Tolba, The Uncertainty and Absence of Judgments, The Modern University Office, Alexandria, 2006.
16 - Advisor Anwar Tolba, Encyclopedia of Civil and Commercial Proceedings, C3, University Publications House, Alexandria, 1994.
17- Jamal Mouloud Thiban, The Judicial and Judicial Integrity of the Civil Judiciary, Baghdad, House of Public Cultural Affairs, 1992.
18- Jawad Al-Rahimi, The Provisions of the Absence in the Code of Criminal Procedure, Second Edition, Al-Mutanabi Bookstore, Baghdad, 2006.
19- Judge Rahim Hassan al-Ukaili, Objections to the Absentee Judgment, and Objection of Others, Al-Sabah Library, Baghdad, without a printed year.
20- d. Abdel Basset Ghali, Explanation of Civil Procedure Law, Arab Thought House, Cairo, 1965
21- Dr. Abdul Hakim Fouda, Encyclopedia of Judicial Judgment in Civil and Criminal Subjects in the Light of Jurisprudence and the Judgment of the Judiciary (Civil Judgment) Al Ma'aref Establishment, Alexandria, 2003.
22- Dr. Abdulhamid Al-Shawarbi, Civil, Procedural and Objectional Impairment, Modern University Office, Cairo, 2007.
23- Dr.Ghamnam M. Ghannam, The Theory of Absence in Criminal Procedures Compared to Executions in the Civil and Commercial Procedures Law (Study in the Kuwaiti and Egyptian Laws), No Place to Print, 1999.
24- Dr. Fathi Wali, Theory of invalidity in the Law of Pleadings, Knowledge Establishment, Alexandria, 1959.
25- Dr. Fathi Wali and d. Ahmed Maher Zaghloul, theory of invalidity, in the law of pleadings, I 2, Modern Printing House, Cairo, 1997.
26- Dr. Fathi Wali, Mediator in the Law of Civil Justice and Civil Proceedings, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1987, p. 694.
27- Dr. Mohamed Said Abdel Rahman, Judgment and its Rules of Publication, Comparative Analytical Study, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 2002.
28. Mohammed Al-Ashmawi and Dr. Abdul Wahab Ashmawi, Rules of Pleadings in Egyptian Legislation, Comparative Study, C2, The Model Printing Press, Cairo, 1958.
29. Medhat Al-Mahmoud, Explanation of Civil Procedure Law No. 83 of 1969, C1, Baghdad, 2000.
30. Medhat Al-Mahmoud, Explanation of Civil Procedure Law No. 83 of 1969 and its practical applications, C2, Al-Khairat Press, Baghdad, 2005.
31- Mustafa Sakhri, Encyclopedia of Civil, Commercial, Administrative and Criminal Proceedings, Applied Theory Study, Modern University Office, Alexandria, 2005.
32. d. Mufleh Awad Al-Qudah, in Civil Procedure and Judicial Organization, Dar Al-Thaqafa Publishing House, Amman, 1998.
33. d. Nabil Ismail Omar, Principles of Pleadings, Knowledge Establishment, Alexandria, 1986.
34- Nabil Ismail Omar, The General Theory of Challenging Defamation in Civil and Commercial Materials, as set out in the Egyptian and French Code of Jurisprudence, Jurisprudence and Jurisdiction, Alexandria, 1980.
35- Dr. Nabeel Ismail Omar, Problems of Implementation in Civil and Commercial Materials, 1, Al-Ma'aref Establishment, Alexandria, 1982.
36- Dr. Nabeel Ismail Omar, Theoretical Waste, Specialized Study, Egypt, 2000.
37. d. Wagdy Ragheb, Principles of Pleading, Arab Renaissance House, 1986.
38. d. Wagdy Ragheb, The Theory of Judicial Work in Pleadings, The Knowledge Establishment, Alexandria, 1974.
B - Letters and university papers.
1 - Fares Ali Omar Al - Jarjari, Judicial Notifications and their Role in Resolving the Civil Case, Comparative Study, PhD Thesis Presented to the Council of the Faculty of Law, University of Mosul, 2004.
2- Saddam Khazal Yahya, The Legal System of False Judgment in Civil Procedure Law, Comparative Study, Master Thesis Presented to the Council of the Faculty of Law, Mosul University, 2009.
(C) Legal research.
1 - Lawyer Ibrahim al - Hamdani, the impact of the false judgment on the ruling null, research published in the Journal of Judiciary, the first, second, third and fourth, the fifty - fourth year issued by the Bar Association, 2000.
2- Dr. Abdel Moneim Hosni, Appeal in Civil and Commercial Law, Article published in the Egyptian Law Journal, Issue 9, 10 November and December 1989.
3 - Abdul Hadi Abbas, a lawsuit against others in the administrative judiciary, research published in the Syrian lawyers magazine, the ninth issue, the year 48 - 1983.
4- Lawyer Mohamed Bashir Jazairi, The Judicial Ruling of the Right, the False and the False, published in the Syrian Lawyers Magazine, Issue No. 7 and 8 of July, issued by the Syrian Bar Association, 1993.
(D) Research published on the International Information Network.
1- Dr. Maher Abu El-Enein, the original claim of invalidity, published on the Internet on 29/5/2004 and on the website of the legal adviser Ibrahim Khalil
http//groupsyahoo.com/group/[email protected]
2 - Lawyer Nader Samaii, null and void judgment, research published on the Internet on 13/4/2008 on the website of the mass newspaper issued by the Unit of Press, Printing and Publishing, Aleppo and on the website Jamahir @ xhawra .com
III. Collection of unpublished judicial decisions and decisions.
a. Set sentences.
1. Ibrahim Al-Mashahadi, Legal Principles in the Judiciary of the Court of Cassation, Department of Civil Procedure, Al-Jahiz Press, Baghdad, 1990.
2 - Hassan al-Fakahani, the golden encyclopedia of the legal rules decided by the Egyptian Court of Cassation, Civil Version, Annex 6.
B. Periodicals and Journals.
1 - Legal and judicial magazine issued by the Center for Legal and Judicial Studies in the Ministry of Justice in the State of Qatar, the first issue, the year 1429 H 2008.
2 - Journal of Comparative Law, No. 50/2007 issued by the Association of Comparative Law of Iraq, Baghdad.
3 - Journal of Judiciary No. 2, III and IV, the 45th year 1990, issued by the Iraqi Bar Association.
Unpublished judicial decisions.
1- The decision of the Ninewa Court of Appeal in its discriminatory capacity No. 193 / T / 2007 on 22 August 2007 (unpublished).
Fourth: Iraqi legislation according to the sequence of its issuance.
1- Journal of Judicial Judgments.
2. Civil Code No. 40 of 1951.
3- Iraqi Civil Procedure Law No. 83 of 1969.
Fifth - Arab and foreign legislation according to the sequence of issuance.
1- Egyptian Civil Code No. 131 of 1948.
2- Civil and Commercial Procedures Law No. 13 of 1968.