الملخص
نحمده تعالى على کل حال سوى الکفر والضلال ، ونسأله أن ینفعنا بالعلم ، ویزیننا بالحلم ، ویکرمنا بالتقوى ، ویتوجنا بالعافیة ، وینعَم علینا بالمغفرة والرضوان ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمین سیدنا محمد وعلى آله واصحابه ومن تبعهم بإحسان الى یوم الدین
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
الأحکام الشرعیة والقانونیة لإثبات النسب بالبصمة الوراثیة -(*)-
legitimate and legal provisions to prove the proportions of DNA
شکر محمود داؤد السلیم أحمد حمید سعید النعیمی کلیة الحقوق/ جامعة الموصل کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Shuker Mahmoud Daoud AlSaleem Ahmad Hameed Saeed Al-Naimi College of law / University of Mosul College of law / University of Mosul Correspondence: Shuker Mahmoud Daoud AlSaleem E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 16/2/2009*** قبل للنشر فی3/6/2009.
(*) Received on 16/2/2009 *** accepted for publishing on 3/6/2009 .
Doi: 10.33899/alaw.2010.160614
© Authors, 2010, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
الملخص
نحمده تعالى على کل حال سوى الکفر والضلال ، ونسأله أن ینفعنا بالعلم ، ویزیننا بالحلم ، ویکرمنا بالتقوى ، ویتوجنا بالعافیة ، وینعَم علینا بالمغفرة والرضوان ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمین سیدنا محمد وعلى آله واصحابه ومن تبعهم بإحسان الى یوم الدین
الکلمات الرئیسة: الأحکام الشرعیة البصمة الوراثیة
الموضوعات: قانون الاحوال الشخصیة
Abstract
Praise be to Allah for everything except disbelief and misguidance. We ask Allah to benefit us with knowledge, to adorn us with the dream, to honour us with piety, to guide us with wellness, and to grant us forgiveness and compassion.
Keywords: legal provisions DNA
Main Subjects: family law
المقدمة :
نحمده تعالى على کل حال سوى الکفر والضلال ، ونسأله أن ینفعنا بالعلم ، ویزیننا بالحلم ، ویکرمنا بالتقوى ، ویتوجنا بالعافیة ، وینعَم علینا بالمغفرة والرضوان ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمین سیدنا محمد r وعلى آله واصحابه ومن تبعهم بإحسان الى یوم الدین . وبعد :
أولا. مدخل تعریفی بموضوع البحث :
یقصد بمصطلح البصمة الوراثیة ، بصمة الحمض النووی ، أی الخصائص الوراثیة ویرمز لها (D.N.A) وهو اختصار لعبارة (Deoxy ribo nucleic acid) إذ یحتوی الحمض النووی على الصفات الوراثیة للإنسان التی اکتسبها من أسلافه والتی سیورّثها لأولاده وأحفاده من بعده ، إذ ثبت علمیاً أن کل خلیة من خلایا الجسم تحتوی على نواة فیها (46) کروموسوماً ، إلا الحیوان المنوی للذکر وبویضة الأنثى فإنهما یحتویان على (23) کروموسوماً فقط ، منها (22) کروموسوماً یحدد الصفات الوراثیة وکروموسوماً واحداً یحدد الجنس وهو کروموسوم (xy) للذکر وکروموسوم (x) للأُنثى ، وعلى هذا فان المولود الذی یأتی من عملیة الإخصاب یحمل صفات وراثیة مشترکة نصفها من الأب والنصف الآخر من الأم ، وعلیه أصبح ممکناً من خلال فحص الحمض النووی معرفة ان کان المولود من نسل شخص معین أم لم یکن .
لقد تم الاستعانة بهذا الاکتشاف العلمی الحدیث فی العدید من مجالات الحیاة ومنها الإثبات فی القضایا الجنائیة وقضایا النسب .
ثانیا. أسباب اختیار موضوع البحث :
لقد أولت الشریعة الإسلامیة والدراسات الفقهیة والقوانین الوضعیة اهتماماً کبیراً لموضوع النسب ، ونظراً لتعلق الموضوع فی بعض الحالات بواقعتی القذف والزنا اللتین تدخل أحکامهما ضمن الثوابت الخالدة للشریعة الإسلامیة المتمثل فی جانب المثل والقیم الأخلاقیة العلیا ، إذ حذر الإسلام أشد التحذیر من الزنا وقذف المحصنات ووضع لذلک أحکاماً قطعیة الثبوت والدلالة لا یصح مخالفتها ، وإذ أن أغلب القوانین الوضعیة تتعارض أحکامها مع أحکام الشریعة الإسلامیة فی هذا الجانب ، فقد بدا لنا البحث فی هذا الموضوع لبیان جانب من جوانب القصور فی التشریعات الوضعیة وإبراز توافق الحقائق العلمیة مع مقاصد الشریعة الإسلامیة الغراء لما فیه خیر الإنسان الذی کرمه الله سبحانه وتعالى .
ثالثا. منهج البحث :
نهجنا فی بحثنا طریق البحث المقارن بین الأحکام الشرعیة المستمدة من المصادر الأصلیة والکاشفة والأحکام الوضعیة التی لها مساس بموضوع البحث فی جانبیه المدنی والجنائی فی التشریع العراقی مع عرض لموقف القضاء العراقی من التعارض الواضح بین الأحکام الشرعیة والقواعد القانونیة .
رابعا. هیکلیة البحث : ستکون خطة البحث على النحو الآتی :
المبحث الأول : ماهیة البصمة الوراثیة .
المطلب الأول : التعریف بالبصمة الوراثیة .
المطلب الثانی : التکییف القانونی والفقهی للإثبات بالبصمة الوراثیة .
المبحث الثانی : نطاق إثبات النسب بالبصمة الوراثیة .
المطلب الأول : نطاق إثبات النسب بالبصمة الوراثیة فی الفقه الإسلامی .
المطلب الثانی : نطاق إثبات النسب بالبصمة الوراثیة فی التشریع العراقی .
الخاتمة والنتائج .
التأصیل التاریخی لإثبات النسب بالبصمة الوراثیة
یعد علم الوراثة من العلوم الحدیثة النشأة إذ بدأت الدراسات الدقیقة والموضحة لقواعد هذا العلم فی العقد الرابع من القرن الماضی والتی تعد البصمة الوراثیة احد دراساته ، واستأثرت باهتمام الکثیر من رجال العلم فی شتى صنوف المعرفة ، اذ لم یقتصر أمر الاهتمام بعلم الوراثة ومعرفة الخصائص الجینیة للإنسان على الاختصاصیین فی علوم الحیاة والطب والکیمیاء ، بل نال هذا العلم إهتماماً کبیراً من قبل رجال الفقه والقانون ،ورغم حداثة هذا العلم فان مسألة انتقال صفات الآباء الى الأبناء والاهتمام بأوجه الشبه بین الجیل السابق والجیل اللاحق تعُد من المسائل المعهودة منذ عصور قدیمة ، فقد عرفها العرب قبل الاسلام وأطلقوا علیها تسمیة القیافة. واشتهرت بها بعض قبائل العرب کقبیلة بنی أسد وقبیلة مدلج والعرب تعترف لهم بذلک ولم ینکر الاسلام الأخذ بهذا الجانب من المعرفة .
ولعل اوضح مثال على ذلک ما روى عن أُم المؤمنین السیدة عائشة (رضی الله عنها) أن رسول الله r دخل علیها مسروراً ، تبرق أساریر وجهه فقال : ((الم تسمعی ما قال المدلجی لزید وأُسامة ورأى أقدامهما: أن بعض هذه الأقدام من بعض)) ، فقد نُقل عن أهل النسب أنهم کانوا فی الجاهلیة یقدحون فی نسب أسامة لأنه کان أسود شدید السواد وکان أبوه زید ابیض من القطن ، فلما قال القائف ما قال سُرَّ النبی r بذلک لکونه کف عنهم الطعن فیه لاعتقادهم ذلک .
المبحث الأول
ماهیة البصمة الوراثیة
إن معرفة البنیة الجینیة للانسان عن طریق وسائل التقدم العلمی واستخدام الاجهزة المختبریة المستحدثة لإثبات النسب تمثل وسیلة علمیة معاصرة عوضا عن القیافة وما قد یعتری الاحتکام الى القیافة من عیب فی التشخیص أحیاناً وتعذر معرفة النسب فی أحیان أُخرى ، وفی کتب الفقه وقائع لإشکالات عدیدة فی هذا الجانب ، فقد ینسب القافة المولود الى رجلین او ینسبونه الى غیر أبیه أو قد یتعذر علیهم معرفة النسب ، وعلیه فإن اللجوء الى إثبات النسب عن طریق فحص الجینات أو ما یطلق علیه بالبصمة الوراثیة أصبح امراً ضروریاً ، مما یدعو الى المزید من البحث فی هذا الموضوع لمعرفة الأحکام الشرعیة والقانونیة الخاصة به .
نتناول فی هذا المبحث دراسة ماهیة البصمة الوراثیة فی مطلبین . نبحث فی المطلب الاول تعریف البصمة الوراثیة فیما نبحث فی المطلب الثانی التکییف القانونی والفقهی للإثبات بالبصمة الوراثیة .
المطلب الأول
التعریف بالبصمة الوراثیة (D.N.A)
لقد عُرّفتْ البصمة الوراثیة بعدة تعاریف منها "انها المادة الوراثیة الموجودة فی خلایا جمیع الکائنات الحیة وهی التی تجعل الشخص مختلفاً عن غیره" او "انها وسیلة من وسائل التعرف على الشخص عن طریق مقارنة مقاطع (D.N.A) وتسمى فی بعض الاحیان الطبعة الوراثیة بـ (D.N.A. typing) وعُرّفتْ کذلک "انها عبارة عن بیان بالخصائص والصفات الوراثیة التی تسمح بالتعرّف على الفرد ، وهی تشبه بطاقة الهویة الشخصیة ، ولکنها لا تبین عناصر الحالة المدنیة للشخص -الاسم ، الکنیة ، الموطن ، الأهلیة- وإنما تحدد صفاته الوراثیة ، فهی إذاً عبارة عن هویة شخصیة وراثیة للفرد". فی حین إعتمد مجلس المجمع الفقهی الاسلامی فی دورته الخامسة عشرة المنعقدة فی مکة المکرمة عام (1988) التعریف الآتی للبصمة الوراثیة "انها البنیة الجینیة نسبة الى الجینات ، أی الموروثات التی تدل على هویة کل انسان بعینه ، وأفادت البحوث والدراسات العلمیة انها من الناحیة العلمیة وسیلة تمتاز بالدقة ، لتسهیل مهمة الطب الشرعی ، ویمکن أخذها من أی خلیة (بشریة) من الدم او اللعاب ، او المنی ، او البول ، او غیره" .
وعلیه فان البصمة الوراثیة هی إحدى دراسات علم الوراثة التی تتناول دراسة توارث الصفات والعناصر الممیزة للکائنات الحیة والبحث فی سبب الاختلاف او التباین فی هذه الصفات بین الکائنات ، حیث أن عملیة إستقرار واستمرار الصفات الموروثة من جیل الى آخر تأتی تحت تأثیر الجینات -أی العناصر الوراثیة للخلایا- ویتمثل الجین عادة بقطعة من الحامض النووی للخلیة (deoxy ribo nucleic acid) .
لقد اکتشفت البصمة الوراثیة فی اربعینات وخمسینات القرن الماضی إذ أثبتت الأبحاث العلمیة أن لکل انسان رمزاً وراثیاً -أی شفرة وراثیة- یختلف عن غیره من البشر ، وأن من غیر المحتمل تطابق الرمز الوراثی عند شخصین باستثناء حالة التوائم المتماثلة الناتجة عن حدوث إنشطار فی البویضة المخصبة ، وعلیه فإن الرمز الوراثی شبیه ببصمة الأصابع فی هذه الصفة.
ویمکننا أن نعرف البصمة الوراثیة انها "البنیة الجینیة للإنسان والتی تکشف عن خصائص الصفات الوراثیة التی یحملها ویتم من خلالها التعرف على هویته الوراثیة" . هذا وقد قدر العلماء عدد الجینات التی تحمل الصفات الوراثیة بمائة الف جین تقریبا واستطاعوا بعد جهود مضنیة الوصول الى (اربعة آلاف وخمسمائة) منها.
ویمکن ملاحظة بعض مظاهر الصفات الوراثیة بالفراسة والتبصر الدقیق کلون العینین، ولون البشرة ، وطول الجسم ، وصفات الأعضاء ، وحدة الذکاء ، وبالإمکان التوصل الى کافة الصفات الوراثیة عن طریق التحلیل المختبری لعینات مأخوذة من الدم ، أو اللعاب ، او العرق ، او البول ، او المنی ، او الشعر ، او الجلد ، وغیرها من الخلایا الأخرى وذلک باستخدام جهاز (Polymerase chain Reaction) الذی یرمز له بالرمز (P.C.R) .
تمثل البصمة الوراثیة آیة من آیات الله سبحانه وتعالى التی أودعها فی خلقه مصداقا لقوله عزَّ وجل ] سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الآفَاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّى یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ یَکْفِ بِرَبِّکَ أَنَّهُ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ شَهِیدٌ[ ، فالجنین یتکون فی رحم الأُم من التقاء ماء الرجل مع ماء المرأة لتتم عملیة الاخصاب ثم تبدأ مراحل التکوین ، ولقاء ماء الرجل مع بویضة المرأة یعنی التقاء خلیة تناسلیة مذکرة مع خلیة تناسلیة مؤنثة وإندماجهما معا ثم تبدأ بعدها عملیة الانقسام ، حیث تنقسم الخلیة الجدیدة الى خلیتین ، ثم الى اربع ، ثم الى ثمان ، ثم الى ست عشرة .. وهکذا یتم الانقسام على شکل متوالیة هندسیة رائعة .
ومن المعلوم ان کل خلیة فی جسم الکائن الحی تتکون من غشاء او غلاف خارجی یحتوی بداخله على مادة سائلة یطلق علیها تسمیة (السایتوبلازما) وفی وسط السائل جسم صغیر یُدعى النواة ، وفیها یکمن سرَّ الوراثة إذ تحتوی النواة على جسیمات صغیرة خیطیة الشکل تسمى (الکروموسومات) وتوجد فی نواة کل خلیة حیة (46) کروموسوماً باستثناء الخلیة التناسلیة فان نواتها تحتوی على (23) کروموسوماً ، وبإتحاد الخلیة الذکریة مع الخلیة الأُنثویة یُصبح عدد الکروموسومات (46) کروموسوماً ، وبهذا فإن الصفات الوراثیة تنتقل نصفها من الأب ونصفها الآخر من الأم ، وهذا تصدیقا لقوله تبارک وتعالى ] وَهُوَ الَّذِی خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَکَانَ رَبُّکَ قَدِیرًا[ ولقوله سبحانه وتعالى ]سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الآفَاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّى یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ[ .
ان اکتشاف البنیة الجینیة للانسان أسهم بشکل فعّالْ فی إثبات النسب فضلاً عن الاستعانة به فی العدید من مجالات الطب الشرعی ، إذ ان احتمال الخطأ فی اثبات النسب او نفیه لیس وارداً ، وإن حدث خطأ ما فإن سبب ذلک هو وقوع خطأ فی الجهد البشری او نتیجة عوامل التلوث التی قد تحدث اثناء أخذ العینة المراد فحصها او جرّاء عملیة انتحال الصفة.
المطلب الثانی
التکییف القانونی والفقهی للإثبات بالبصمة الوراثیة
ان اکتشاف البصمة الوراثیة یشکل فتحا مبینا وجدیدا فی علم الوراثة وان اللجوء الى البصمة الوراثیة لإثبات النسب یعد من المستحدثات المعاصرة ، فما هو التکییف القانونی والفقهی لإثبات النسب بالبصمة الوارثة بإعتبارها دلیل إثبات علمی أثبتت التجارب العلمیة والوقائع العملیة الفائدة الکبیرة لاعتمادها فی العدید من مجالات الحیاة، الامر الذی سوف نوضحه من خلال الفرعین الاتیین .
الفرع الأول
التکییف القانونی للإثبات بالبصمة الوراثیة
لابد لمعرفة التکییف القانونی للإثبات بالبصمة الوراثیة من الرجوع الى قانون الاثبات العراقی ذی الرقم (107) لسنة (1979) لمعرفة أدلة الاثبات المعتمدة من قِبل المشرع العراقی ، ومن ثم معرفة التکییف القانونی للاثبات بالبصمة الوراثیة . وقد حصر قانون الاثبات العراقی آنف الذکر فی الباب الثانی منه أدلة الاثبات فی ثمانیة أدلة هی الدلیل الکتابی، والاقرار ، والاستجواب ، والشهادة ، والقرائن ، والیمین ، والمعاینة ، وأخیرا الخبرة . فتحت أی من هذه الأدلة یقع موضوع الإثبات بالبصمة الوراثیة ؟ ان معرفة هذا الامر یُمکننا من الوصول الى الاحکام القانونیة الواجبة التطبیق من قبل القضاء عند الاستعانة بها فی الاثبات .
تتسم البصمة الوراثیة بأنها دلیل علمی قاطع لا تقبل فی ذاتها الخطأ فی اثبات النسب او نفیه ، وهی بصفتها هذه تعد حجة علمیة یجب الاعتداد بها کما انها حجة متعدیة على غیر اطراف الدعوى فموضوع الاثبات بها لا یخص المتداعیین فحسب ، بل یمس الأغیار ممن تربطهم صلة القربى بأطراف الدعوى ، والبصمة الوراثیة بصفاتها هذه تخرج عن ان تکون دلیل اثبات بالکتابة او الشهادة او الاقرار او الاستجواب ، وإنما هی دلیل یستند الى وسائل التقدم العلمی ، فهل ان الإثبات بالبصمة الوراثیة هو خبرة ام معاینة ام قرینة؟
تعد الخبرة إجراءً تحقیقاً واستشارة فنیة یلجأ الیها القضاء بغیة الوصول الى معلومات علمیة او فنیة تتعلق بموضوع النزاع المرفوع أمام القضاء وذلک عن طریق الاستعانة بأصحاب الاختصاص ممن لهم مران واسع ومعرفة کبیرة فی علم او فن او صنعة یستطیعون معها إبداء الرأی فیما یعرض علیهم من أُمور تدخل ضمن معارفهم . وقد نظم المشرع احکام الخبرة فی المواد (132 - 146) إذ نصت المادة (132) على ما یأتی : "تتناول الخبرة الامور العلمیة والفنیة وغیرها من الامور اللازمة للفصل فی الدعوى دون المسائل القانونیة" ، اما بقیة المواد فقد نظمت اسلوب انتخاب الخبراء وردهم ، وأُجورهم ، وکیفیة مباشرتهم لعملهم ، ومناقشتهم ، وقد اعطى القانون للمحکمة سلطة تقدیریة فیما یتعلق برأی الخبیر فبین ان رأی الخبیر لا یقید المحکمة ، واذا قضت بخلاف رأیه ان تُضّمن حکمها الاسباب التی اوجبت عدم الأخذ برأی الخبیر کلاً او بعضاً ، وهذا یستوجب ان یکون القاضی فطناً ، عالماً بالاحکام القانونیة ، ممتلکاً لمؤهلات القضاء.
وعلى ذلک فإن الإثبات بالبصمة الوراثیة یحتاج الى خبرة علمیة لا یمتلکها القاضی مما یوجب علیه الاستعانة بذوی الاختصاص ، إلاّ أن أحکام الخبرة لا تنطبق جمیعها على موضوع الاثبات بالبصمة الوراثیة خاصة ما یتعلق منها بکیفیة إنتخاب الخبراء وتحدید أُجورهم وکیفیة مناقشتهم ، وعلیه فإننا نستبعد ان یکون الاثبات بالبصمة الوراثیة هو اثبات بدلیل الخبرة .
اما المعاینة فقد نظم المشرع احکامها فی المواد (125 - 131) وأجاز فی المادة (125) للمحکمة من تلقاء نفسها او بناءً على طلب الخصوم ان تقرر الانتقال لمعاینة المتنازع فیه او تنتدب لذلک احد قضاتها لمعاینته او احضاره لدیها فی جلسة تعینها لذلک متى رأت فی هذا مصلحة لتحقیق العدالة ، وبین القانون فی المادة (126) ان المعاینة ترد على الاموال والاشخاص مع الاخذ بنظر الاعتبار ما یأتی:
"1. ان معاینة الشخص یجب ان تتم مع کل الاحتیاط الواجب لضمان احترام الشخص المطلوب معاینته.
2- على المحکمة ان تستعین بخبیر لمعاینة الشخص اذا کان تقدیر المعاینة یتطلب معرفة علمیة او فنیة خاصة" .
وقد اجاز القانون للمحکمة العدول عن قرارها بإجراء المعاینة اذا وجدت فی عناصر الدعوى ما یکفیها لتکوین رأیها على ان تعلل قرار الرجوع عن المعاینة فی محضر الجلسة.
ومن استعراض أحکام المعاینة فإننا نرى أن الاستعانة بالبصمة الوراثیة فی الاثبات فیه بعض أحکام المعاینة ، إلاّ أن الإثبات بالبصمة الوراثیة لا یعد معاینة لعدم انطباق کافة أحکام المعاینة علیها، فالمحکمة عند نظرها دعوى إثبات النسب أو نفیه مستعینة بالبصمة الوراثیة لابد من ان تقوم بمعاینة أطراف النزاع والاحتفاظ بصور لهم وتنظم محضراً بالمعاینة تبین فیه جمیع ملاحظاتها ودون ان تثبت من طباعاتها عن المعاینة أو رأیها ، إلا أن المحکمة لاتستطیع الحکم فی موضوع النزاع بمجرد المعاینة فهذه الإجراءات إنما هی مقدمات ضروریة للإثبات عن طریق الاستعانة بوسائل التقدم العلمی، فالمعاینة فی هذه الحالة لایصح أن تکون سبباً للحکم وإنما هی تمهید لعملیة إرسال الخصوم إلى الفحص ألمختبری لإجراء تحلیل الحمض النووی لهم، وعلیه فان لجوء القضاء إلى البصمة الوراثیة لغرض الإثبات لایمکن تکییفه على انه إثبات بدلیل المعاینة.
البصمة الوراثیة قرینة قضائیة :
بعد أن استبعدنا ان یکون الاثبات بالبصمة الوراثیة هو إثبات بالادلة السابقة التی اشرنا الیها لم یبق لنا الا دلیل القرائن .
والقرینة : هی استنباط أمرٍ غیر ثابت من امر ثابت ، وتنقسم القرائن الى صنفین هما القرائن القانونیة والقرائن القضائیة ، ویقصد بالقرائن القانونیة القرائن المعدة سلفاً من قبل المشرع ، فهی تعنی استنباط المشرع أمر غیر ثابت من امر ثابت ، أما القرینة القضائیة فهی استنباط القاضی أمراً غیر ثابت من امر ثابت لدیه فی الدعوى المنظورة ، هذا وقد نظم المشرع العراقی الاحکام الخاصة بالقرائن فی المواد (98 - 104) من قانون الاثبات وأجاز للقاضی إستنباط کل قرینة یقررها القانون وذلک فی نطاق ما یجوز إثباته بالشهادة ، کما اتاح له إمکانیة الاستفادة من وسائل التقدم العلمی فی استنباط القرائن القضائیة .
ان الصلاحیات التی اعطاها المشرع للقاضی فی هذا المجال إنما هی تطبیق عملی للوصول الى أهداف قانون الإثبات التی ترمی الى توسیع صلاحیة القاضی فی توجیه الدعوى وما یتعلق بها من أدلة بما یکفل التطبیق السلیم لأحکام القانون وصولاً الى الحکم العادل فی القضایا المنظورة ، وفیها الزام للقاضی بتحری الوقائع لاستکمال قناعته ، وبإتباع التفسیر المتطور للقانون ومراعاة الحکمة من التشریع عند تطبیقه ولیس الوقوف عند حدود النصوص المکتوبة وتطبیقاتها على الامکانیات المتاحة عند تشریع القانون ، وهذا یتطلب من القاضی ان یکون عالماً بزمانه وبالأحکام القانونیة والفقهیة وما وصل الیه العلم من تقدُم فی الأُمور التی تمس مجال عمله وإلاّ أورد الناس موارد الهلاک وافسد علیهم عیشهم . وان من وسائل التقدم العلمی لابل من اهم هذه الوسائل العلمیة المعاصرة التی وصل الیها العلماء هی فحص الحمض النووی (D.N.A) ، اذ یتمکن القاضی من خلال النتائج الدقیقة والثابتة التی یعطیها الفحص المختبری للحمض النووی باستعمال جهاز (Polymerase chain reaction) ان یستنبط امراً غیر ثابت لدیه وهو مدى صحة اثبات النسب أو نفیه ، وعلیه فان نتائج الفحصوصات المختبریة للبصمة الوراثیة هی امر ثابت یرقى إلى درجة الیقین ویمکن للقضاء ان یستنتج امراً کان مجهولاً لدیه الا وهو مدى صحة ثبوت النسب أو نفیه.
یُستنتج من کل ما تقدم أن إثبات النسب بالبصمة الوراثیة إنما هو اثبات عن طریق القرینة القضائیة . أما ثبوت النسب بسبب الزواج فهو إثبات للنسب عن طریق القرینة القانونیة .
الفرع الثانی
التکییف الفقهی للإثبات بالبصمة الوراثیة
لا یختلف التکییف الفقهی للإثبات بالبصمة الوراثیة عن التکییف القانونی ، فالاحتکام الى البصمة الوراثیة او ما یعرف بالبنیة الجینیة إنما هو فی حقیقته احتکام الى قرینة الشبه ، وقد أولتْ الشریعة الاسلامیة الأخذ بقرینة الشبه وبالخزین الوراثی -وهو ما یعرف بنزع العرق- اهتماماً کبیراً ، فالرسول الکریم محمد r قد إعتبر قرینة الشبه فی نسب أُسامة وزید، فقد روى عن أُم المؤمنین السیدة عائشة (رضی الله عنها) قالت : دخل علیَّ رسول الله r ذات یوم وهو مسرور فقال : ((یا عائشة الم تری ان مجززاً المدلجی دخل علیَّ فرأى أُسامة وزیدا وعلیهما قطیفة قد غطیا رؤوسهما وبدت اقدامهما فقال ان هذه الاقدام بعضها من بعض)) کما ان الرسول المصطفى r اعتبر قرینة الشبه فی ولد الملاعنة ، ففی واقعة هلال بن أُمیة، وبعد ان تلاعنا هلال وزوجته، رُوى عن الرسول الکریم r قوله: ((اُبصروها فإن جاءت به أکحل العینین ، سابغ الالیتین ، خدلج الساقین ، فهو لشریک بن سحماء)) فجاءت به کذلک فقال النبی r : ((لولا ما مضى من کتاب الله ، لکان لی ولها شأن)) .
ان مما یؤکد اعتداد الشریعة الاسلامیة اخذ بقرینة الشبه وعدم إهمالها هو أن الرسول الکریم r أمر أُم المؤمنین سؤدة بنت زمعة ان تحتجب من إبن أبیها الذی ولد على فراشه ، وادعاه سعد بن ابی وقاص لاخیه عتبة رغم انه قضى به لعبد بن زمعة . ونظراً لاهمیة الموضوع وبغیه تجنب الفهم الخاطئ للحدیث نورد نص الحدیث کاملا کما ورد فی صحیح البخاری ، فقد روى عن أُم المؤمنین السیدة عائشة (رضی الله عنها) قالت کان عتبة بن أبی وقاص عهد الى أخیه سعد بن أبی وقاص أن ابن ولیدة زمعة مِنّی فاقبضه ، قالت : فلما کان عام الفتح أخذه سعد بن ابی وقاص وقال : ابن اخی وقد عهد الی فیه فقام عبد بن زمعة فقال : اخی وابن ولیدة ابی ولد على فراشه فتساوقا الى النبی r فقال سعد : یا رسول الله ابن اخی کان قد عهد الی فیه ، فقال عبد بن زمعة : أخی وابن ولیدة ابی ، ولد على فراشه ، فقال رسول الله r ((هو لک یا عبد بن زمعة)) ثم قال النبی r ((الولد للفراش وللعاهر الحجر)) ثم قال لسؤدة بنت زمعة زوج النبی r ((احتجبی منه)) لما رأى من شبههِ بعتبة ، فما رأها حتى لقی الله.
ومن التأمل فی الحدیث الشریف نرى ان رسول الله r قد قضى بالولد للفراش واعتبر الزواج قرینة شرعیة فی إثبات النسب لا یجوز نقضها متى تمسک بها صاحب الفراش، ولم یهمل قرینة الشبه التی رجح علیها قرینة الفراش وانما اعتبرها ، فأمر زوجه سؤدة (رضی الله عنها) ان تحتجب عن ابن ابیها ، فلو لم یکن هناک اعتبار لصاحب الماء لما أمرها بالاحتجاب .
ومن هذا نستنتج ان قضاء القاضی لا یحل حراما ولا یحرم حلالا ، ولو ان الشریعة الاسلامیة قد اهملت قرینة الشبه -أی البنیة الجینیة او الترکیب البیولوجی- لما امر الرسول الکریم r زوجه من الاحتجاب عن اخیها من ابیها الذی ثبت نسبه بقرینة الفراش والتی تعارضت مع قرینة الشبه او قرینة البصمة الوراثیة کما یطلق علیها فی عصرنا هذا ، وهنا تکمن اهمیة الموضوع وعظمته ، فالشریعة الاسلامیة لم تهمل قرینة الشبه فی حالة الحکم للولد بالفراش ، وعلى هذا تترتب امور عظیمة وخطیرة ، فالرسول الکریم قد أمر زوجه بالاحتجاب عن ابن ابیها ، وعلى هذا نقول ، تترتب على ذلک احکام عظیمة منها حرمة المصاهرة ما بین الاصول والفروع وکذلک الحواشی حتى الدرجة الرابعة واعتبار مانع المصاهرة کما هو الحال فی النسب الشرعی ، أی وبعبارة أدق اخذ النسب الجینی بنظر الاعتبار فی هذه الامور اسوة بالنسب الشرعی ، فالبنیة الجینیة وما یترتب علیها من امور هی أشدُ عظمة وأشد اعتباراً فی التحریم من الرضاعة ، ولعل هذا الامر هو محور الاهتمام فی بحثنا ، وعلیه فإننا نرى وجوب ان یولی العلماء والباحثون هذا الامر اهتماماً کبیراً وان یمعنوا فی دراسة الحدیث النبوی الشریف وان لا یقفوا عند مجرد قوله r ((الولد للفراش)) وإنما یجب اخذ الحدیث بوقائعه متکاملا ومعرفة الاسباب الشرعیة الکامنة وراء ترجیح بینة الفراش على بینة الشبه فی واقعة ابن ولیدة زمعة ألا وهی أن لا حجة للعاهر فی اثبات عهره وابتغاء نسب من جریمة الزنا .
اما عن الاخذ بنزع العرق او ما یعرف بالخزین الجینی -او الوراثی- أی الوراثة من الاجداد عن مختلف الدرجات ، فقد تنتقل الى المولود بعض صفات کانت ظاهرة فی احد اجداده او جداته من جهة الاب او من جهة الام من الدرجة الاولى او من الدرجات الاخرى وان هذه الصفات لم تکن ظاهرة فی اصله المباشر أی فی احد ابویه ، والحقیقة هی ان هذه الصفات ورثها عن اصله البعید والذی لا دخل له فی تکوینه ، اذ ان المولود انما خلق من ماء الاب والام -أی من الاصل المباشر له- ، ولکن هذه الصفات مع عدم ظهورها فی الاصل المباشر الا انها موجودة لدیه فی صورة مستکنة قابلة للانتقال الى الفرع ، وهذا ما أُطلقَ علیه فی الشریعة الاسلامیة نزع العرق ، والدلیل على ذلک ما رواه ابو هریرة t ان رجلا اتى النبی r فقال : یا رسول الله ولد لی غلام اسود ّ فقال : ((هل لک من ابل ؟)) قال : نعم ، قال ((ما ألوانُها ؟)) قال : حُمر ، قال : ((هل فیها اروق ؟)) قال : نعم ، قال : ((فانى ذلک ؟)) قال : لعله نزعه عرق ، قال : ((فلعل ابنک هذا نزعه)).
وعلى هذا فقد رأى جمهور الفقهاء ، وهم الامام مالک والشافعی واحمد بن حنبل (رضی الله عنهم) انه یحکم بالقیافة واستشهدوا فی ذلک بواقعة أُسامة وزید (رضی الله عنهما) وخالفهم فقهاء الاحناف ، فلم یرى الامام ابو حنیفة ولا اصحابه الحکم بالقیافة ، واحتجوا فی ذلک بأنه حکم بالظن ، ورأوا ان الاصل ان لا یحکم لأحد المتنازعین فی الولد الا ان یکون هناک فراش فان عدم الفراش کان الولد بینهما ولا یعمل بقرینة الشبه او قول القائف ، بل یحکم بالولد الذی ادعاه اثنان لهما جمیعا.
ومما یجب ذکره فی هذا الباب ما اورده الامام ابن القیم الجوزیة بقوله : (حکم رسول الله r وخلفائه من بعده (رضی الله عنهم) بالقافة وجعلها دلیلا من ادلة ثبوت النسب ، ولیس هاهنا الا مجرد الامارات والعلامات). وعلى ذلک نخلص الى القول ان التکییف الفقهی لاثبات النسب بالبصمة الوراثیة انما هو حکم بالقرینة القضائیة التی یستنبطها الحاکم او القاضی مستعینا فی ذلک بما تقدمه له وسائل العلم والمعرفة وعلیه فاننا نرى ان التکییف القانونی لاثبات النسب بالبصمة الوراثیة یستند فی مصدره التاریخی الى احکام الشریعة الاسلامیة وما ذهب الیه جمهور الفقهاء .
المبحث الثانی
نطاق اثبات النسب بالبصمة الوراثیة
نتناول فی هذا المبحث نطاق الاثبات بالبصمة الوراثیة وبیان الحالات التی یجوز فیها الاستعانة بالبصمة الوراثیة لاثبات النسب والحالات التی لا یجوز فیها الاستعانة بالبصمة الوراثیة لاثبات النسب ، وقد قسمنا المبحث الى مطلبین خصصنا المطلب الاول لبیان موقف الفقه الاسلامی من اثبات النسب بالبصمة الوراثیة ، اما المطلب الثانی فقد جاء لبیان موقف المشرع العراقی من اثبات النسب بالبصمة الوراثیة .
المطلب الأول
نطاق اثبات النسب بالبصمة الوراثیة فی الفقه الإسلامی
من المعلوم ان ائمة الفقه الاسلامی لم یعرفوا البصمة الوراثیة بمفهومها المعاصر الحدیث کدلیل من ادلة اثبات النسب ، واجمعوا على ان النسب یثبت باحدى الطرق الثلاثة : اولها : الزواج ، ویدخل ضمن موضوع الزواج النکاح الفاسد والدخول بشبهة ، ثم الإقرار واخیرا الشهادة ، واختلفوا فی موضوع اثبات النسب عن طریق القیافة ، وحیث ان القیافة والتی یقصد بها تتبع الاثر والمعرفة بفصول تشابه النسب هی قرینة قضائیة او امارة کما اطلق علیها بعض الفقهاء ، وان اثبات النسب بالبصمة الوراثیة هو ایضا اثبات بالقرینة القضائیة لذا فان الاحکام الفقهیة لاثبات النسب بالقیافة تطبق على اثبات النسب بالبصمة الوراثیة لاشتراکهما فی العلة ، الا وهی الشبه بین الابناء والآباء -أی تشابه الصفات الوراثیة- وهو ما یطلق علیه بالموروثات الجینیة .
لقد دل على الحکم بالقیافة سنة رسول الله r وسبق ان اشرنا الى ذلک وذکرنا الحدیث الذی روته أُم المؤمنین السیدة عائشة (رضی الله عنها) عن سرور النبی r بقول القائف فی اقدام زید وابنه أُسامة (رضی الله عنهما) (ان هذه الاقدام بعضها من بعض) وقد حکم الخلفاء الراشدون والصحابة من بعدهم بالقیافة ، فقد حکم بها الخلیفة عمر بن الخطاب t والخلیفة علی بن ابی طالب t کما عمل بها أبو موسى الاشعری وابن عباس وأنس بن مالک دون ان یخالفهم فی ذلک احد من الصحابة ، وقال بها من التابعین سعید بن المسیب وعطاء بن ابی رباح والزهری وأیاس بن معاویة وقتادة وکعب بن سوار ، ومن تابعی التابعین اللیث بن سعد، ومالک بن أنس واصحابه ، ومن بعدهم الامام الشافعی واصحابه ، واسحاق وابو ثور والامام ابن حزم الاندلسی حیث اعتبروا القیافة علم صحیح یجب القضاء به فی الانساب والآثار .
الا ان الامام الفقیه ابو حنیفة واصحابه ذهبوا خلاف ذلک واحتجوا بان الحکم بالقیافة هو حکم بالظن ، وقد یقع الشبه بین الاجانب وینتفی بین المشترکین فیه ، وبنوا على ذلک ان اللقیط اذا ادعاه اثنان وتساویا فی البینة -أی الدلیل- او انعدم الدلیل لدیهما فان نسب اللقیط یلحق بهما معا ، ولا یؤخذ بقول القائف . وقد رد الامام ابن حزم الاندلسی على آراء الاحناف فی هذا الامر بقوله ان الاحناف یلحقون الولد بامرأتین یجعلون کل واحدة منهما أُمه التی ولدته ویورثونه میراث الابن من الام ویورثونهما میراث الام من الولد ویحرمون علیه اخواتهما جمیعا ، ولا یحکمون بما حکم به رسول الله r .
ورغم اقرار جمهور فقهاء الامة الى الأخذ بالقیافة -أی القرینة- فی اثبات النسب الا انهم اجمعوا على عدم جواز نفی النسب الثابت بالفراش الا عن طریق اللعان ، فلا یجوز اللجوء الى قرینة الشبه -البصمة الوراثیة- لنفی نسب الولد من ابیه الذی ولد على فراشه مستندین فی ذلک الى الحدیث الذی روته ام المؤمنین السیدة عائشة (رضی الله عنها) حیث قالت : اختصم سعد بن ابی وقاص وعبد بن زمعة فی غلام فقال سعد هذا یا رسول الله ابن اخی عتبة بن ابی وقاص ، عهد الی انه ابنه ، انظر الى شبهه ، فنظر رسول الله r الى شبهه فرأى شبهاً بیناً بعتبة ، فقال ((هو لک یا عبد ، الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبی منه یا سؤدة بنت زمعة)) قالت فلم یر سؤدة قط .
ومما یروى فی هذا الباب قصة زیاد الذی یُدعى زیاد بن سمیة وهی أمة کانت للحارث بن کلدة زوًّجها لمولى عبید فأتت بزیاد على فراشه وهم بالطائف قبل ان یسلم اهل الطائف ، فلما کانت فی خلافة عمر سمع ابو سفیان بن حرب کلام زیاد عند عمر ، وکان بلیغاً فأعجبه فقال : إنی لأعرِفُ من وضعه فی أُمه ولو شئت لسمیته ولکن اخاف من عمر ، فلما ولی معاویة الخلافة کان زیاد على فارس من قِبل علی فاراد مداراته فأطمعه فی ان یلحقه بأبی سفیان فاصغى زیاد الى ذلک وجرت فی ذلک خطوب الى ان ادعاه معاویة فأمرُّه على البصرة ثم على الکوفة واکرمه .. فکان کثیر من الصحابة والتابعین ینکرون على معاویة ذلک محتجین بحدیث (الولد للفراش)).
ان فقه حدیث رسول الله r وادراک مقاصده امر ضروری لتأصیل الأحکام الفقهیة ، فالرسول الکریم حکم بالولد لصاحب الفراش الذی ادعاه وتمسک به ولم ینکره ، وذلک اخذاً بالاصل وهو براءة الانسان وصلاحه من جهة ، ودرءاً للمفاسد وعدم اشاعة الفاحشة من جهة أُخرى ، ولکن الرسول محمد r أمر زوجته أُم المؤمنین السیدة سؤدة (رضی الله عنها) بالاحتجاب عن الغلام فلم یرها قط ، فحُکم رسول الله r لم یحلل حراما ولم یحرم حلالا فهو قد الحق الولد بالفراش ، واعمل الشبه فی الاحتجاب وفی هذا دلیل على عدم الاخذ بالبینة الجینیة -أی الشبه- متى ادى الاخذ بها الى امر غیر مشروع أی الحاق ولد الزنى بالزانی ، فاذا ما تعارضت مفسدتان رُوعی أعظمهما ضرراً ، فإلحاق ولد الزنا بالزانی مخالف لثوابت الشریعة الاسلامیة التی حرمت الزنا وأوجبت إقامة الحد على الزانی متى ثبت ارتکابه لجریمة الزنا بالدلیل الشرعی . وقد قرر مجلس المجمع الفقهی الاسلامی فی دورته السادسة عشرة المنعقدة فی مکة المکرمة عام 2002 ان استعمال البصمة الوراثیة فی مجال اثبات النسب لابد ان یحاط بمنتهى الحیطة والحذر والسریة ووجوب تقدیم النصوص والقواعد الشرعیة على البصمة الوراثیة ولا یجوز شرعا الاعتماد على البصمة الوراثیة فی نفی النسب ولا یجوز تقدیمها على اللعان ولکنه اجاز الاعتماد على البصمة الوراثیة فی مجال اثبات النسب فی الحالات الآتیة :
1- یجوز الاعتماد على البصمة الوراثیة فی مجال اثبات النسب فی حالات التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الادلة او تساویها ام کان بسبب الاشتراک فی وطء الشبهة ونحوه .
2- حالات الاشتباه فی الموالید فی المستشفیات ومراکز رعایة الاطفال ونحوها ، وکذا الاشتباه فی اطفال الانابیب .
3- حالات ضیاع الاطفال واختلاطهم بسبب الحوادث او الکوارث او الحروب وتعذر معرفة اهلهم ، او وجود جثث لم یمکن التعرف على هویتها ، او بقصد التحقیق من هویات اسرى الحروب والمفقودین.
اما ما یخص نفی النسب فقد اتفق جمهور الفقهاء المعاصرین على عدم الاستجابة لطلب الزوج الاحتکام الى البصمة الوراثیة لنفی النسب اذ ان ذلک یفوت على المرأة ما یوفره لها اللعان من الستر علیها وعلى ولدها ، ولکن اختلفوا فیما اذا طلبت المرأة الاحتکام الى البصمة الوراثیة لاثبات براءتها من تهمة الزنا الموجهة الیها ولاثبات حق ولدها فی نسبه الى ابیه ولاطمئنان الزوج من صحة نسب الولد الیه ، وعلى هذا فقد ذهب بعض الفقهاء الى القول بوجوب الاستجابة الى طلب المرأة فی الاحتکام الى البصمة الوراثیة اذ ان هذا الامر یتطابق مع مقاصد الشریعة الاسلامیة .
ان من الامور التی بالامکان إثارتها فی هذا الصدد هی ما الحکم اذا تمت الملاعنة ونفى الزوج نسب الحمل او المولود واثبت فحص البصمة الوراثیة ان المولود ینتسب الى الزوج ، فهل ینسب الولد الى ابیه ام یبقى منتسبا الى أُمه فقط ؟ وماذا لو تلاعن الزوجان واثبت فحص البصمة الوراثیة بعد ذلک ان المولود لا ینتسب الى الزوج وان الزوجة قد حملت من غیر زوجها ؟ فهل یقام الحد علیها ؟
ان الله سبحانه وتعالى قد شرع حکم اللعان فی کتابه الکریم اذا رمى رجل امرأته بالزنا ولم تقر هی بذلک ولم یرجع عن رمیه ، بقوله تعالى ]وَالَّذِینَ یَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ یَکُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِینَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَیْهِ إِنْ کَانَ مِنْ الْکَاذِبِینَ * وَیَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْکَاذِبِینَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَیْهَا إِنْ کَانَ مِنْ الصَّادِقِینَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَکِیمٌ[ .
ان اکتشاف البصمة الوراثیة هی دلیل الاعجاز القرآنی ، ودلیل على حکمة الخالق فی خلقه ، فاللعان انما شرع لدرء الحد عن الزوج الذی یرمی زوجته بالزنا ولاثبات دعواه فیما رمى به زوجته عند فقدان الدلیل الشرعی ، فقد قررت سنة رسول الله r ان للزوج ان یلاعن لنفی نسب المولود متى تیقن ان زوجته زنت ، وان ولدها الذی جاءت به لیس من صلبه لان ترک اللعان ونفی النسب یستلزم استلحاقه للولد واستلحاق الرجل لولد لیس من صلبه حرام متى علم ذلک کأن لم یطأ زوجته ، اما ان لاعن الزوج زوجته وهو یعلم انه کاذب فی لعانه او انه لاعن بناء على ظن فاسد فإن لعانه حرام وانکار ولده الذی من صلبه أشد حرمةً ، واذا
ما لاعنت الزوجة فان لعانها یدرء عنها الحد وهو الرجم ان کانت محصنة ، والجلد ان کانت غیر محصنة ، وفی ذلک حکمة قدرها الله سبحانه وتعالى فی کتابه العظیم وسنة رسوله الکریم، فیها العدل والحق حتى یرث الله الارض ومن علیها ، قال تعالى : ] إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَیْکَ الْکِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْکُمَ بَیْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاکَ اللَّهُ[ .
لقد اثبتت الابحاث العلمیة والتجارب العملیة والوقائع أن بالامکان ان تحمل المرأة من زوجها أو من غیر زوجها عن طریق التلقیح الاصطناعی کما أن من الممکن ان تحمل المرأة جنیناً ینسب لزوجها او لغیر زوجها ولا ینتسب الیها بأن تکون البویضة الملقحة لا تعود لها .
ان الابحاث العلمیة والوقائع العملیة تلزمنا العمل بما شرّعهُ الله سبحانه وتعالى فشرعه لا یعارضه حسٌ ولا عقل ، وعلیه فان الزوجة التی لا عنت لا یقام علیها حد الزنا حتى لو ثبت بعد اجراء الفحص المختبری للبنیة الجینیة أن المولود الذی أتتْ به لا ینتسب الى زوجها، وهذا ما قضى به رسول الله r فی واقعة هلال بن امیة فبعد ان تمت الملاعنة قال الرسول محمد r ((أبصروها فإن جاءت به اکحل العینین سابغ الالیتین ، خدلج الساقین ، فهو لشریک بن سحماء)) فجاءت به کذلک فقال النبی r ((لولا ما مضى من کتاب الله لکان لی ولها شأن)) .
وفی ذلک ما یثبت ان ما شرّعهُ الله سبحانه وتعالى صالح لکل زمان ومکان وان ما قضى به الله سبحانه وتعالى هو الحق مهما تعاقبت العصور وتطورت العلوم .
اما لو تمت الملاعنة ونفى الزوج نسب المولود وثبت بالفحص الجینی ان المولود من صلب الزوج فان الولد ینسب الى الزوج ، فقد اثبت العلم ان المولود لا یمکن ان ینسب إلاّ الى رجل واحد ، فهو انما یخلق من حیمن ذکری واحد فقط وبویضة انثویة واحدة ، وهذا مصداق قوله تعالى : ]وَقَضَى رَبُّکَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ وَبِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَانًا إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَکَ الْکِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ کِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا کَرِیمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا کَمَا رَبَّیَانِی صَغِیرًا[ .
وفی ذلک اشارة الى ان للمولود أُباً واحداً وأُماً واحدة لا اکثر من ذلک ، وعلى هذا فمتى ما ثبت نسب الولد الى ابیه عن طریق البصمة الوراثیة حتى ولو بعد اللعان فإن على الزوج ان یلحقه به والا اقیمت علیه الدعوى من قبل الزوجة او المولود او ولی الامر لاستصدار حکم بإثبات النسب ، فجحدُ النسب حرام فقد صح عن رسول الله r قوله : ((ایما امرأة ادخلت على قوم من لیس منهم فلیست من الله فی شیء ولن یدخلها الله جنته ، وایما رجل جحد ولده وهو ینظر الیه احتجب الله تعالى منه وفضحه على رؤوس الاولین والآخرین یوم القیامة)) .
ان نسب الولد الى ابیه فیه حق للزوج وللزوجة وللولد وفیه حق لله تعالى فإن لاعن الزوج زوجته ونفى نسب ولده منه ثم ثبت بالادلة الشرعیة المعتبرة ومنها البصمة الوراثیة ان المولود ینتسب الى الزوج الملاعن فان نسب الولد من ابیه یثبت اما بإستلحاقه له او باقامة الدعوى ضده ، حیث ان اثبات النسب لا یسقط شرعا وفی ذلک اقامة للعدل وإحقاق للحق واعمال لشرع الله تعالى ، وبهذا نخلص الى القول ان اللعان یمنع من اقامة حد القذف بحق الزوج وحد الزنا بحق الزوجة بعد تمامه ولکن ذلک لا یمنع من اللجوء الى البصمة الوراثیة لاثبات نسب الولد الى ابیه الذی نفاه عن فراشه ، فالاقسط عند الله ان یلحق المولود بابیه الذی هو من صلبه.
المطلب الثانی
نطاق اثبات النسب بالبصمة الوراثیة فی التشریع العراقی
بعد ان بینا موقف الفقه الاسلامی من اثبات النسب بالبصمة الوراثیة وعدم جواز لجوء الزوج الى البصمة الوراثیة لنفی النسب وان الطریق الوحید لنفی نسب الولد من فراش الزوجیة هو اللعان ، نأتی على بیان موقف المشرع العراقی من البصمة الوراثیة فی اثبات النسب او نفیه .
یتطلب بیان موقف المشرع العراقی من البصمة الوراثیة فی اثبات النسب او نفیه ان نأتی على ذکر اهم النصوص القانونیة المتعلقة باثبات النسب واحکام جریمة الزنا فی التشریع العراقی ومدى التوافق والاختلاف فی الاحکام بین الشریعة الاسلامیة والقانون.
فقد جاء فی المادة الاولى من قانون الاحوال الشخصیة العراقی رقم 188 لسنة 1959 ما یأتی :
"1- تسری النصوص التشریعیة فی هذا القانون على جمیع المسائل التی تتناولها هذه النصوص فی لفظها او فی فحواها .
2- اذا لم یوجد نص تشریعی یمکن تطبیقه فیحکم بمبادئ الشریعة الاسلامیة الاکثر ملاءمة لنصوص هذا القانون .
3- تسترشد المحاکم فی کل ذلک بالاحکام التی اقرها القضاء والفقه الاسلامی فی العراق وفی البلاد الاسلامیة الأُخرى التی تتقارب قوانینها مع القوانین العراقیة" .
وقد نظم القانون المذکور احکام النسب فی الفصل الاول من الباب السادس وذلک فی المواد (51 - 54) إذ جاء فی المادة الحادیة والخمسین الآتی :
"ینسب ولد کل زوجة الى زوجها بالشرطین الآتیین :
1- ان یمضی على عقد الزواج اقل مدة الحمل .
2- ان یکون التلاقی بین الزوجین ممکنا" .
اما المواد الاخرى فقد تضمنت احکام الاقرار بالنسب وکما یأتی :
المادة الثانیة والخمسون :
"1- الاقرار بالبنوة ولو فی مرض الموت لمجهول النسب یثبت به نسب المقر له ان کان یولد مثله لمثله .
2- اذا کان المقر امرأة متزوجة او معتدة فلا یثبت نسب الولد من زوجها الا بتصدیقه او بالبینة".
المادة الثالثة والخمسون :
إقرار مجهول النسب بالابوة او الأُمومة یثبت به النسب اذا صدقه المقر له وکان یولد مثله لمثله.
المادة الرابعة والخمسون :
"الاقرار بالنسب فی غیر البنوة والابوة والأُمومة لا یسری على غیر المقر الا بتصدیقه".
واذا امعنا النظر فی المواد القانونیة الآنفة الذکر نجد ان المشرع العراقی قد اخذ باحکام المادة الاولى من القانون المدنی ذی الرقم 40 لسنة 1951 بعد ان صاغها بشکل یتفق ومبادئ الشریعة الاسلامیة اذا جعلت المادة الاولى من قانون الاحوال الشخصیة العراقی رقم 188 لسنة 1959 النصوص القانونیة الواردة فیه واجبة التطبیق على المسائل التی تتناولها فی لفظها او فحواها فاذا لم یوجد نص حکم القاضی بمقتضى مبادئ الشریعة الاسلامیة الأکثر ملائمة لنصوص القانون ولو عدنا الى الاحکام الخاصة بالنسب لوجدنا ان المشرع العراقی ذکر اهم المبادئ العامة لاحکام النسب فی المواد (51 - 54) تارکاً للقضاء الرجوع الى المطولات الاکثر ملائمة لاحکام القانون بعد ان وجد المشرع ان من المتعذر علیه وضع قانون یجمع الاحکام لکافة المسائل الکلیة والجزئیة .
ونظراً لتعلق إثبات النسب بقانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979فلابد لنا من الإشارة الى المادة الحادیة عشرة من القانون المذکور والتی وردت فی الفصل الثالث تحت عنوان نطاق سریان القانون إذ جاءت على الشکل الآتی :
المادة (11) یسری هذا القانون على :
"اولا. القضایا المدنیة والتجاریة .
ثانیا. المسائل المالیة المتعلقة بالأحوال الشخصیة .
ثالثا. المسائل غیر المالیة المتعلقة بالاحوال الشخصیة ما لم یوجد دلیل شرعی خاص او نص فی قانون الاحوال الشخصیة یقضی بخلاف ما ورد فی هذا القانون" . ونظرا لتعلق نفی النسب بواقعة الزنا فلابد لنا من العودة الى قانون الاحوال الشخصیة لمعرفة موقف المشرع من کیفیة اثبات هذه الواقعة ومدى انسجام موقف المشرع مع احکام الشریعة الاسلامیة ، فقد اعتبر المشرع العراقی جریمة الزنا سبباً من اسباب التفریق حیث ورد فی المادة الاربعین ما یأتی :
"لکل من الزوجین طلب التفریق عند توافر احد الاسباب الآتیة : اذا ارتکب الزوج الآخر الخیانة الزوجیة ، ویکون من قبیل الخیانة الزوجیة ، ممارسة الزوج فعل اللواط بأی وجه من الوجوه".
هذا وقد اجاز المشرع العراقی فی قانون الاحوال الشخصیة إثبات التفریق بکافة وسائل الاثبات حیث جاء فی المادة الرابعة والاربعین الآتی :
"یجوز اثبات اسباب التفریق بکافة وسائل الاثبات بما فی ذلک الشهادات الواردة على السماع اذا کانت متواترة ، ویعود تقدیرها الى المحکمة وذلک باستثناء الحالات التی حدد القانون وسائل معینة لاثباتها".
وبهذا نستنتج ان المشرع قد اجاز اثبات جریمة الزنا بکافة وسائل الاثبات ، فیجوز الاثبات عن طریق الفحوصات الطبیة بأخذ مسحة من الفرج ، کما یجوز اثبات الجریمة عن طریق الشهادات الواردة على السماع او الاقرار ، او عن طریق فحص الحمض النووی للجنین، فالمشرع لم ینص على وسیلة معینة لاثبات واقعة الزنا ، وانما نص على وسیلة معینة للاثبات فی حالات خاصة منها ما ورد فی الفقرة أولا / 4 من المادة الثالثة والأربعین والتی حددت اثبات عنة الزوج او ابتلاءه بما لا یستطیع معه القیام بالواجبات الزوجیة بتقریر طبی صادر عن لجنة طبیة رسمیة مختصة ، فالقانون قد حدد الإثبات هنا بشکل صریح وذلک عن طریق التقریر الطبی الصادر من لجنة طبیة رسمیة مختصة ، أما فی جریمة الزنا فان المشرع لم ینص على طریق معین لاثباتها ولا یمکن الاحتجاج بالمادة 11 / ثالثا من قانون الاثبات والتی نصت على ان قانون الاثبات یسری على المسائل غیر المالیة المتعلقة بالاحوال الشخصیة ما لم یوجد دلیل شرعی خاص او نص فی قانون الاحوال الشخصیة یقضی بخلاف ما ورد فی هذا القانون .
فرغم ان جریمة الزنا لها دلیل شرعی خاص فی اثباتها وذلک بنص القرآن الکریم فی قوله تعالى : ]وَالَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ یَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِینَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِکَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * إِلا الَّذِینَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِکَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ[ . وقوله تعالى فی حق الازواج ]وَالَّذِینَ یَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ یَکُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِینَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَیْهِ إِنْ کَانَ مِنْ الْکَاذِبِینَ * وَیَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْکَاذِبِینَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَیْهَا إِنْ کَانَ مِنْ الصَّادِقِینَ[ .
إلاّ ان أدلة اثبات هذه الجریمة فی التشریع العراقی غیر مقیدة بالاحکام الخاصة التی وردت فی القرآن الکریم ، وهذا ما یمکن التوثق منه بالاطلاع على قانون اصول المحاکمات الجزائیة رقم (23) لسنة 1971 ، المعدل ومن خلال استقراء الوقائع القضائیة ، اضافة الى ذلک فان الاحکام المترتبة على ثبوت واقعة الزنا فی التشریع العراقی تتناقض کلیا مع الاحکام المترتبة على ثبوت واقعة الزنا فی الشریعة الاسلامیة ، فقانون العقوبات العراقی رقم (111) لسنة 1969 ، نص فی المادة -1- "لا عقاب على فعل او امتناع الا بناء على قانون ینص على تجریمه وقت اقترافه ولا یجوز توقیع عقوبات او تدابیر احترازیة لم ینص علیها القانون"، فقانونیة الجریمة والعقاب محددة بالنصوص العقابیة الواردة فی القانون الوضعی وهی من النظام العام وعلى القضاء الالتزام بها .
وعلى الرغم من اعتبار المشرع جریمة الزنا نوعاً من انواع الجرائم الوسطیة فی جسامتها ، اذ اعتبرها جنحة تختص بنظرها محکمة الجنح، فان المشرع قد وضع طرقا عدیدة لانقضاء الدعوى ، فقد جاء فی المادة 279 ما یأتی :
1- تنقضی دعوى الزنا ویسقط الحق المدنی بوفاة الزوج الشاکی او تنازله عن محاکمة الزوج الزانی او برضاء الشاکی بالعودة الى معاشرة الزوج الزانی قبل صدور حکم نهائی فی الدعوى ، ویعتبر تنازل الزوج عن محاکمة زوجته الزانیة تنازلا عن محاکمة من زنا بها.
2- وللزوج کذلک ان یمنع السیر فی تنفیذ الحکم الصادر على زوجه ، واذا توفی الشاکی یکون لکل من اولاده من الزوج المشکو منه او الوصی علیهم ان یمنع السیر فی تنفیذ الحکم .
ولابد من الاشارة الى ان المشرع قد عاقب الزوج اذا حرّض زوجته على ارتکاب جریمة الزنا ، ولکن لم یشر الى عقوبة جریمة الزوجة التی قد تُحرض زوجها على الزنا فقد جاء فی المادة 380 الآتی :
"کل زوج حرّض زوجته على الزنا فزنت بناء على هذا التحریض یعاقب بالحبس".
ان التامل فی النصوص القانونیة واستقراء الوقائع القضائیة یؤدی الى القول بعدم امکانیة اللجوء الى اللعان لاثبات واقعة الزنا او لنفی نسب الحمل او المولود ، فالاحکام الشرعیة المترتبة على اللعان لا یمکن اقامتها ، ومنها اقامة حد القذف على الزوج الذی یرمی زوجته بالزنا ویمتنع من الملاعنة، او اقامة حد الزنا على الزوجة التی رماها زوجها بالزنا ولاعنها على ذلک ونفى حملها وامتنعت هی عن الملاعنة ، فلیس امام القضاء الا الالتزام بالنصوص القانونیة الواردة فی التشریع العراقی .
ورغم ذلک فان القضاء العراقی قد اخذ بجانب من احکام الشریعة الاسلامیة فی اثبات النسب فاعتمد حدیث ((الولد للفراش)) مجتزءا ، واعتمد رأی الاحناف فی تحدیده لاقصى فترة الحمل وهی سنتان رغم ان ما ذهب الیه الاحناف لا یستند الى دلیل شرعی من کتاب او سنة وإنما استندوا الى قول أُم المؤمنین السیدة عائشة (رضی الله عنها) (ان الولد لا یبقى فی بطن أُمه اکثر من سنتین ولو بفلکة مغزل) ، وان العلم الحدیث قد اثبت عدم صحة هذا الرأی ، کما ان القضاء العراقی إعتمد نتائج الفحوصات الطبیة لغرض اثبات النسب للزوج ولم یعتمدها فی نفی النسب وهذا اتجاه معیب من قبل القضاء العراقی ربما اضطر الیه قاصداً التوفیق بین رأی المذهب الحنفی واحکام القانون الوضعی فی هذا الموضوع .
ان تطبیق النصوص القانونیة الواردة بالتشریع العراقی وخاصة الجزائیة منها یستلزم القول بوجوب الاخذ بنتیجة فحص البصمة الوراثیة فی اثبات النسب او نفیه متى حدث نزاع حول ذلک بغیة ان تتطابق الحقیقة القضائیة مع الحقائق العلمیة التی توصل الیها العلم الحدیث، اذ ان المشرع العراقی لم یستند الى الاحکام الشرعیة لجریمة الزنا والقذف التی وردت فی القرآن الکریم والسنة النبویة المطهرة .
وبخلافه فان على المشرع اعادة النظر فی النظام القانونی لاحکام جریمتی الزنا والقذف وبما یتطابق مع احکام الشریعة الاسلامیة عندها یصبح بإمکان القضاء الاستعانة بنتائج البصمة الوراثیة فی اثبات النسب ونفیه وبشکل یتفق واحکام الشریعة الاسلامیة المتعلقة باثبات النسب حیث تتطابق الحقیقة القضائیة مع الحقائق العلمیة وبما یحقق مقاصد الشریعة الاسلامیة فی حفظ الضروریات من دین ، وعقل ، ونفس ، وعرض ، ونسب ، ومال اذ لا یمکن القول بالاخذ بحدیث ((الولد للفراش)) وعدم الاعتداد بالاحکام الشرعیة المتعلقة بجریمتی الزنا والقذف المنصوص علیها فی القرآن الکریم والسنة النبویة المطهرة ، ومنها اقامة حد الزنا وحد القذف بإعتبارهما من ثوابت الشریعة الاسلامیة التی لا یمکن تجاوزها ، علما ان المشرع العراقی لا یقبل من القاذف إقامة الدلیل الا اذا کان القذف موجهاً الى موظف او مکلف بخدمة عامة او الى شخص ذی صفة نیابیة عامة او کان یتولى عملا یتعلق بمصالح الجمهور وکان ما اسنده القاذف متصلا بوظیفة المقذوف او عمله .
الخاتمة :
اولاً: النتائج
1- ان النتائج الحتمیة لتطور الابحاث العلمیة وتراکم العبر والدروس وتعاقب الدهور تثبت ان الشریعة الاسلامیة شریعة متطورة بذاتها لا یعارض احکامها حسٌ ولا عقل ، فالله سبحانه وتعالى هو الخالق لعباده والمشرع العدل العالم الخبیر بأحوالهم ، قال تعالى : ] أَلا یَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ[ ، وقد امر الله سبحانه وتعالى عباده بطلب العلم والاخذ بالاسباب فقال وقوله الحق : ] اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِی خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّکَ الأَکْرَمُ * الَّذِی عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ یَعْلَمْ [ ، فالعلم عبادة فیها طاعة لله عز جلاله والعبادة علم رفع الله شانه قال تعالــى : ]ِنَّمَا یَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[ .
2- أثبتت الأبحاث العلمیة والوقائع العملیة فی موضوع البصمة الوراثیة وبشکل قاطع یصل إلى مرتبة الیقین أن لکل إنسان بنیة جینیة ینفرد بها یرث نصفها من أُمه والنصف الآخر من أبیه ، وان فحص الموروثات الجینیة یبین بشکل قاطع لا لبس فیه نسب المولود الى ابویه فی حالتی الاثبات والنفی ، فالبصمة الوراثیة ما هی إلاّ قرینة قضائیة معاصرة تستند الى العلم والوسائل التقنیة الحدیثة فی مجالات علم الوراثة والعلوم المرتبطة به .
3- ان التکییف القانونی للبصمة الوراثیة کدلیل من ادلة الاثبات المعتبرة لا یختلف عن التکییف الفقهی ، فهی دلیل من ادلة الاثبات غیر المباشرة ، وهی دلیل قاطع لا تقبل الشک بحد ذاتها کوسیلة علمیة معتبرة فی اثبات النسب وهذا ما یمیزها عن غیرها من الأدلة الاخرى مثل اعتماد فصیلة فحص الدم او القیافة .
4- على الرغم ما تمتاز به البصمة الوراثیة من دقة الاثبات فان اعتماد البصمة الوراثیة لاثبات النسب مقید فی حالات معینة وهی الحالات التی تتفق مع مقاصد الشریعة الاسلامیة فی حفظ الدین والنفس والنسب والعقل والمال ، وهی ذات الحالات التی یجوز فیها اعتماد القیافة حسبما بینت ذلک مصادر الاحکام الشرعیة .
5- لا مجال لاعمال البصمة الوراثیة لاثبات واقعة الزنا واقامة الحد ، وقد اثبت العلم الحدیث والوقائع العملیة ان من الممکن ان تحمل المرأة بمولود شرعی او غیر شرعی دون اتصال جنسی مباشرة ، ویتم ذلک الحمل عن طریق التلقیح الاصطناعی ، لا بل قد تعمد امرأة الى ان تضع فی رحمها بیضة ملقحة لا تعود لها لتحمل مولودا لحسابها او لحساب غیرها ، وقد تعمد امرأة الى تلقیح بویضتها بحیمن رجل اجنبی محرم علیها الاتصال به متوسلة فی ذلک بالطرق المختبریة الحدیثة دون ان ترتکب جریمة الزنا بوصفها الشرعی الذی حددته الشریعة الاسلامیة .
6- ان عظمة الشریعة الاسلامیة تتجلى فی الکتاب الکریم واعجازه العلمی إذ اوجبت آیات القرآن الحکیم الاتیان باربعة شهود لاثبات واقعة الزنا بغیة ایقاع الحد وهذا ما لم تصل الى ادراکه وفهمه والعمل به کافة التشریعات الوضعیة التی وضعها البشر منذ خلق الله سبحانه وتعالى الأرض ومن علیها وحتى تاریخ اکتشاف البصمة الوراثیة ووسائل التلقیح الاصطناعی فی النصف الثانی من القرن الماضی ، فلو ان الشریعة الاسلامیة اجازت اقامة (حد الزنا) معتمدة فی ذلک قرینة الشبه (القیافة) لوجب القول باقامة حد الزنا متى ثبت باختبار البصمة الوراثیة ان المولود لا ینتسب الى الزوج ، وهذا یتعارض مع احتمالیة حمل المرأة عن طریق عقد انتفاع او ایجار لرحمها او ان الزوجة قد حملت عن طریق زرع بویضة ملقحة تعود لها او لغیرها ولکنها ملقحة بحیمن رجل اجنبی بواسطة المختبرات العلمیة وهو ما یجری العمل به فی بعض البلدان التی فتحت فیها العدید من العیادات التجاریة لهذا الشأن ، وعلى هذا فقد قضى رسول الله r بما ورد فی القرآن الکریم فی قضیة هلال بن أُمیة بقوله ((لولا ما مضى من کتاب الله لکان لی ولها شأن)) وبهذا أَرسى الرسول الکریم r قاعدة شرعیة مفادها ان قرینة الشبه المستندة الى القیافة (البصمة الوراثیة) لا تعتمد کدلیل لاثبات واقعة الزنا ، ولو ان الرسول r قضى بخلاف ذلک لتعارض شرع الله مع ما توصل الیه العلم الحدیث والامر محال وفی ذلک دلیل على ان علم الله وقضائه وعدله هو رحمة احاطت بعباده قبل ان تحیط عقولهم بها .
7- اما بالنسبة للمشرع العراقی فقد اخذ فی قانون العقوبات وقانون الاحوال الشخصیة وقانون الاثبات باحکام تتعارض مع ثوابت الشریعة الاسلامیة فهو قد وضع قواعد لاثبات واقعة الزنا واحکاما موضوعیة لا تتفق واحکام الشریعة الاسلامیة ، فاجاز فی قانون الاحوال الشخصیة اثبات جریمة الزنا بکافة الادلة ومنها الشهادة على السماع کما ان المشرع العراقی والقضاء العراقی لم یأخذ باللعان کطریق لنفی النسب من قبل الزوج طالما ان اللعان یصل به الى نتائج تتعارض مع قواعد قانونیة اعتبرها المشرع من النظام العام والزم القضاء العمل بها .
8- على الرغم من تمکن الزوجة او المولود طلب اللجوء الى البصمة الوراثیة لاثبات النسب ولکن لیس بامکان الزوج طلب اللجوء الى اللعان لنفی النسب وهذا ما اوقع القضاء العراقی فی حرج کبیر لتعارض الادلة الشرعیة الخاصة مع النصوص القانونیة الملزمة.
ثانیاً: المقترحات
بما ان الدستور العراقی لا یجیز سن قانون یتعارض مع ثوابت احکام الاسلام ، وهذا بالضرورة یعنی عدم جواز العمل بالاحکام القانونیة المتعارضة مع احکام الشریعة الاسلامیة ووجوب تغلیب الاحکام الشرعیة على النصوص القانونیة عند تعارضهما وذلک لعدم دستوریة النصوص القانونیة المخالفة للاحکام الشرعیة وتحقیقا لمبدأ وحدة التشریع ووضوحه . لذا نقترح على المشرع العمل لوضع احکام خاصة لاثبات النسب او نفیه عن طریق البصمة الوراثیة واللعان مستمدة من المصادر الاصلیة للأحکام الشرعیة وما اجمع علیه فقهاء الأُمة وهذا یستلزم استبدال العدید من النصوص القانونیة التی لها صلة بالموضوع اذ ان الکثیر من النصوص القانونیة والتی اشرنا الیها فی بحثنا تتعارض مع ثوابت الشریعة الاسلامیة .
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Firstly. Books Language:
1 - Ahmed bin Fares bin Zakaria, dictionary of the standards of language, the investigation of Abdul Salam Mohammed Harun, scientific book house, Iran,
2 - Ibn Manzoor, the tongue of the Arabs, the house of revival of the Arab heritage.
3- Dr. Mohammed Rawas Qalaah Jd. Hamid Sadeq Quneibi, Dictionary of the Language of Jurists, II, Dar al-Nafais, Beirut (1408 - 1988).
Second. Books Interpretation:
4- Sulaiman bin Ahmad bin Ayoub al-Tabarani, the great lexicon, investigation Hamdi bin Abdul Majid Salafi, I 2, Library of the House of Science and Governance, Mosul, (1404 H - 1983).
Third. Hadith books:
5 - Ahmed bin Abi Bakr bin Ismail al-Kanani, lamp bottle, the investigation of Mohammed al-Muntaki Qashnawi, I 2, the Arab House, Beirut, 1403 e.
6 - Ahmad ibn Hajar al - Askalani, Fath al - Bari explain Sahih Bukhari, 1, Safa Library, Cairo, 1424 - 2003.
7- Ahmed bin al-Hussein bin Ali bin Musa Abu Bakr al-Bayhaqi, Sinan al-Bayhaqi al-Kubra, the investigation of Muhammad Abdul Qader Atta - Dar al-Baz Library - Mecca (1414H - 1994).
8. Ahmed bin Shu'ayb al-Nasa'i, Sunan al-Nasabi (al-Mujtaba), investigation by Abdul-Fattah Abu Ghada, 1, Islamic Publications Office, Aleppo (1406 H-1986).
9 - Ali bin Abi Bakr al-Haythmi, resources of silence, the investigation of Mohammed Abdul Razzaq Hamza, i, the House of Scientific Books.
10 - Mohammed bin Ismail Bukhari, Sahih Bukhari, 1, the House of Scientific Books, Beirut (2002 - 2002).
11- Mohammed Bin Habban, Saheeh Ibn Habban, The Investigation of Shuaib Al-Arnaout, Al-Resala Foundation, 2, Beirut, Lebanon, (1414H-1993).
12 - Mohammed bin Issa al-Tirmidhi, Sunan al-Tirmidhi, investigation Ahmed Mohammed Shaker and others, the House of Revival of Arab heritage, Beirut.
Fourthly. Books Principles of Fiqh:
13- Ibraheem Ibn Musa Al-Lakhmi Al-Shatiibi (790 AH), Approvals in the Origins of the Shari'a, I 1, The Tawfiqia Library, Cairo,
14- Ibn al-Qayyim al-Jawziyya, al-Fafra, Salah Ahmad al-Samarrai, Baghdad, 1986.
15 - Hossam El-Din Omar bin Abdul Aziz bin Mazza al-Bukhari, explaining the literature of the judge of the Khazaf (v. Mohie Hilal Al-Sarhan, 1, Al-Irshad Press, Baghdad (1337 AH - 1977 AD).
16 - Sharaf al-Din Musa al-Hijawi al-Maqdisi, persuasion in the jurisprudence of Imam Ahmad ibn Hanbal, Egyptian printing press, Cairo.
17. d. Abd al-Karim Zaidan, Al-Wajeez in the Principles of Jurisprudence, I 3, Al-Resala Foundation, (1405 H-1985).
18- Alaa al-Din al-Kasani, Bada'id al-Sana'a, 2, Dar al-Kitab al-Arabi, Beirut, 1982.
19- Ali bin Ahmed bin Saeed bin Hazem Al-Dhahiri, local, administration, printing press, Egypt, (1352 e).
20 - Kamal al-Din Ibn al-Hamam, explaining the opening of Qadeer with the completion of the results of ideas in the detection of symbols and secrets, to Mullah Shams al-Din Qazi Zadeh, and guidance explain the beginning of the beginner, Burhanuddin Marghani. And explained the care on the guidance of Imam Ekmeleddin Mohammed bin Mahmoud al-Babarti. And the footnote of the researcher Mawla Saadallah bin Issa famous singer Saadi Halabi, the largest commercial library in Egypt.
21- Muhammad ibn Abi Suhail al-Sarkhasi, al-Mabsout, 1, Dar al-Ma'arefah, Beirut, 1406 AH.
22- Mohammed bin Idris al-Shafi'i, Musnad al-Shafei, 1, Dar al-Kuttab al-Alami, Beirut, 1996.
23- Dr. Muhammad Taqiyya, The Manual in the Principles of Jurisprudence, I 1, The Cultural Writers Foundation (1421 - 2000 AD).
24- Muhammad Qadri Pasha and his commentary to Ahmad Zaid Al-Abiani, Shari'a Rulings in Personal Status with the Annex of the Personal Status Laws of Arabia, Study and Investigation of the Center for Economic Jurisprudence Studies, 1, Dar Al-Salam for Printing, Publishing and Distribution, Cairo (2006).
25- Dr. Hashem Jameel Abdullah, Issues of Comparative Jurisprudence, II, Higher Education Press (1999).
26- Dr. Wahba Al-Zuhaili, Islamic Jurisprudence and its Equivalence, I 9, Dar Al-Fikr, Damascus, 9 (1427 - 2006).
Fifthly. Law books:
27- Dr. Ahmed Muslim, Principles of Civil Procedure, Dar al-Fikr, Cairo, 1968.
28. d. Adour Eid, Rules of Evidence in Civil and Commercial Cases in Lebanese Law, Beirut, Starko Press, 1962.
29. a. Dia Shit Khattab, Research and Studies in the Iraqi Civil Procedure Law, Institute of Arab Research and Studies, Cairo, 1970.
30- d. Hosny Mahmoud Abdel - Dayem Abdel - Samad, the genetic fingerprint and the extent of its evidence in evidence, I 1, University Thought House, Alexandria, 2008.
31. Dr. Mohamed Abdel Latif, Law of Evidence in Civil and Commercial Law, I 2, Publishing House of the Egyptian Universities, 1973.
32. d. Mahmoud Abdel Aziz Khalifa, General Theory of Evidence in Criminal Evidence in Egyptian and Comparative Legislation, Egypt 1987.
VI. Medical Books:
33. d. Pure Kengo, Medicine Mihrab for Faith, I 1, Damascus, 1391 e - 1971 m.
34- Abdul Nasser Abu Al-Basal et al., Jurisprudence Studies in Contemporary Medical Issues, 1, Dar Al-Nafais Publishing and Distribution, Jordan, (2001).
35- Dr. Mohamed Ali Al-Barr, Mutilated fetus and genetic diseases, I 1, Dar Al-Qalam, Beirut, 1991.
36. d. Nateq Muhammad Jawad Al Nuaimi, The Quranic Miracles, Research of the First Conference of Quranic Miracles, Matching Embryology to the Qur'an and Sunnah (1410H - 1990).
Seventh. Theses:
37. a. Adam Wahib al-Nadawi, Role of the Civil Ruler in Evidence, Master Thesis submitted to the Faculty of Law and Politics, University of Baghdad, 1972.
38. a. Nada Salem Hamdoun Mulla Alo, Attitude of the Born in Islamic Law and Iraqi Legislation, Master Thesis Presented to the Faculty of Law, University of Mosul, 1997.
39. a. Nadia Khairuddin Aziz Al - Hatem, Methods of proof in personal status cases on non - financial issues, PhD thesis submitted to the Faculty of Law, Mosul University 2002.
Eighth. Scientific encyclopedias:
40- Encyclopedia of Scientific Miracles in the Holy Quran and the Sunnah of the Noble Prophet, Ibn Hajar Library, Damascus (2007).
41- Gamal Abdel Nasser Encyclopedia, Al-Ahram Press, Cairo, 1390 AH.
42- Encyclopedia of Contemporary Jurisprudence Issues and Islamic Economics, I 10, Dar Al-Thaqafa, Qatar, (1427 H-2008).
Ninth. Research and Fatwas:
43. d. Ali Abdul Wahid Wafi, Jurisdiction, Laws and Western Phenomenons and Their Observations in Jahiliyya and Islam, Al-Azhar Magazine, Cairo, 36th Year (1384H-1964G).
44. d. Fawaz Saleh: Authentic fingerprint in proving descent, Journal of Sharia and Law, University of the United Arab Emirates, the ninth issue (1424 - 2003).
45. d. Yusuf al - Qaradawi, proven descent is a right for women, not for men, fatwa published in the Journal of Medical Ethics, Volume VI, No. 12 (1429 - 2008).
X. Iraqi laws:
46. Constitution of the Republic of Iraq, 2005.
47 - Civil Code, No. (40) for the year 1951 amending.
48 - Personal Status Law, No. (188) for the year 1959 amending.
49. Penal Code, No. (111) of 1969 Amended.
50. The Code of Criminal Procedure, No. (23) of 1971 amending.
Evidence Law No. 107 of 1979 Amended.
eleven. Internet:
52. Jamal Al-Hossabi, DNA and Prosthesis, article published at www.nooran.arg