کلیة الحقوق - جامعة الموصل - العراق
  • التسجيل في الموقع
  • تسجيل الدخول
  • English

الرافدین للحقوق

Notice

As part of Open Journals’ initiatives, we create website for scholarly open access journals. If you are responsible for this journal and would like to know more about how to use the editorial system, please visit our website at https://ejournalplus.com or
send us an email to info@ejournalplus.com

We will contact you soon

  1. الصفحة الرئيسة
  2. السنة 15، العدد 43
  3. المؤلف

العدد الحالي

حسب أعداد المجلة

حسب الموضوعات

قائمة الكلمات الرئيسة

قائمة المؤلفين

التصدير إلى قاعدة بيانات الفهرسة

حول المجلة

أهداف المجلة

أعضاء هيئة التحرير

الإحصائيات

أخلاقيات النشر

قواعد البيانات المفهرسة

عملية قبول البحوث

الأخبار والإعلانات

الدفع بالنظام العام وأثره

    سلطان عبدالله محمود

الرافدین للحقوق, 2010, السنة 15, العدد 43, الصفحة 85-108
10.33899/alaw.2010.160611

  • مشاهدة المقالة
  • أصل المقالة
  • المراجع والمصادر
  • تحميل
  • إرجاع للمصدر
  • الإحصائيات
  • شارك

الملخص

تعد فکرة النظام العام من الأفکار الأساسیة فی علم القانون عموماً، ففی القانون الداخلی بفروعه المختلفة هناک قواعد قانونیة آمرة لا یجوز للأفراد الاتفاق على مخالفة حکمها لأن هذه القواعد تتعلق بالنظام العام. فالنظام العام یعد قیداً على سلطان إرادة الأطراف ویتلازم مع القاعدة القانونیة لکی تحقق فعالیتها والهدف منها. إن هدف النظام العام هو حمایة المبادئ والأسس العامة الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة التی یقوم علیها المجتمع. أما فی قانون العلاقات الخاصة الدولیة أو القانون الدولی الخاص، یرمی النظام العام إلى إدراک ذات الهدف ولکن بطریقة مختلفة، فالنظام العام فی القانون الداخلی یهتم أکثر بالقاعدة القانونیة الوطنیة، أما فی قانون العلاقات الخاصة الدولیة ونظریة تنازع القوانین، فتحقیق الهدف السابق بیانه یتم عن طریق دفع یعترض به على تطبیق الأحکام الموضوعیة فی القانون الأجنبی الواجب التطبیق بمقتضى قاعدة الإسناد الوطنیة، وذلک عندما تتعارض هذه الأحکام مع الأسس الجوهریة فی دولة القاضی، فالنظام العام هو رقیب على القاعدة القانونیة فی القانون الأجنبی الواجب التطبیق، بینما النظام العام فی القانون الداخلی هو یحمی القاعدة القانونیة الوطنیة، ولهذا سوف ینصب بحثنا على الدفع بالنظام العام وأثره فغی العلاقات الخاصة الدولیة
الكلمات الرئيسة:
    النظام العام القانون الأجنبی
الموضوعات:
  • القانون الدولی الخاص

الدفع بالنظام العام وأثره -(*)-

Objection to public order and its impact

 

       سلطان عبد الله محمود

   کلیة الحقوق/ جامعة الموصل              

Sultan Abdulla Mahmood

College of law / University of  Mosul

Correspondence:

Sultan Abdulla Mahmood

E-mail:

 

(*) أستلم البحث  فی 11/10/2009 *** قبل للنشر فی 17/1/2010

(*) Received on 11/10/2009 ***  accepted for publishing on 17/1/2010.

Doi: 10.33899/alaw.2010.160611

© Authors, 2010, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license

     (http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).

الملخص

تعد فکرة النظام العام من الأفکار الأساسیة فی علم القانون عموماً، ففی القانون الداخلی بفروعه المختلفة هناک قواعد قانونیة آمرة لا یجوز للأفراد الاتفاق على مخالفة حکمها لأن هذه القواعد تتعلق بالنظام العام. فالنظام العام یعد قیداً على سلطان إرادة الأطراف ویتلازم مع القاعدة القانونیة لکی تحقق فعالیتها والهدف منها. إن هدف النظام العام هو حمایة المبادئ والأسس العامة الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة التی یقوم علیها المجتمع. أما فی قانون العلاقات الخاصة الدولیة أو القانون الدولی الخاص، یرمی النظام العام إلى إدراک ذات الهدف ولکن بطریقة مختلفة، فالنظام العام فی القانون الداخلی یهتم أکثر بالقاعدة القانونیة الوطنیة، أما فی قانون العلاقات الخاصة الدولیة ونظریة تنازع القوانین، فتحقیق الهدف السابق بیانه یتم عن طریق دفع یعترض به على تطبیق الأحکام الموضوعیة فی القانون الأجنبی الواجب التطبیق بمقتضى قاعدة الإسناد الوطنیة، وذلک عندما تتعارض هذه الأحکام مع الأسس الجوهریة فی دولة القاضی، فالنظام العام هو رقیب على القاعدة القانونیة فی القانون الأجنبی الواجب التطبیق، بینما النظام العام فی القانون الداخلی هو یحمی القاعدة القانونیة الوطنیة، ولهذا سوف ینصب بحثنا على الدفع بالنظام العام وأثره فغی العلاقات الخاصة الدولیة

الکلمات الرئیسة: النظام العام القانون الأجنبی

الموضوعات: القانون الدولی الخاص

Abstract

The idea of ​​public order is one of the basic ideas in the law. In the internal law of its various branches, there are peremptory rules of law that individuals can not agree to violate because they are related to public order. Public order is a constraint on the will of the parties and is consistent with the legal rule in order to achieve its effectiveness and purpose. The goal of public order is to protect the general economic, social and political principles and foundations on which society is based. In the International Private Relations Act or in private international law, public order aims at recognizing the same objective but in a different way. The general system of domestic law is more concerned with the national legal norm. In the law of international special relations and conflict of law theory, A payment objecting to the application of the substantive provisions of the foreign law applicable under the national attribution rule, when such provisions conflict with the fundamental principles of the State of the judge, the public order is the guardian of the legal rule of the applicable foreign law, Public order in domestic law protects the national legal norm, and therefore our research will focus on advancing public order and its impact on international private relations

Keywords: Public order Foreign Law

Main Subjects: private international law

المقدمة :

نظراً لخصوصیة هذا الموضوع، فإننا سنتناول فی مقدمة هذا الموضوع ما یأتی:

أولاً. مدخل تعریفی بالموضوع

تعد فکرة النظام العام من الأفکار الأساسیة فی علم القانون عموماً، ففی القانون الداخلی بفروعه المختلفة هناک قواعد قانونیة آمرة لا یجوز للأفراد الاتفاق على مخالفة حکمها لأن هذه القواعد تتعلق بالنظام العام. فالنظام العام یعد قیداً على سلطان إرادة الأطراف ویتلازم مع القاعدة القانونیة لکی تحقق فعالیتها والهدف منها. إن هدف النظام العام هو حمایة المبادئ والأسس العامة الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة التی یقوم علیها المجتمع. أما فی قانون العلاقات الخاصة الدولیة أو القانون الدولی الخاص، یرمی النظام العام إلى إدراک ذات الهدف ولکن بطریقة مختلفة، فالنظام العام فی القانون الداخلی یهتم أکثر بالقاعدة القانونیة الوطنیة، أما فی قانون العلاقات الخاصة الدولیة ونظریة تنازع القوانین، فتحقیق الهدف السابق بیانه یتم عن طریق دفع یعترض به على تطبیق الأحکام الموضوعیة فی القانون الأجنبی الواجب التطبیق بمقتضى قاعدة الإسناد الوطنیة، وذلک عندما تتعارض هذه الأحکام مع الأسس الجوهریة فی دولة القاضی، فالنظام العام هو رقیب على القاعدة القانونیة فی القانون الأجنبی الواجب التطبیق، بینما النظام العام فی القانون الداخلی هو یحمی القاعدة القانونیة الوطنیة، ولهذا سوف ینصب بحثنا على الدفع بالنظام العام وأثره فغی العلاقات الخاصة الدولیة.

إذ نص القانون المدنی العراقی فی المادة (32) منه (لا یجوز تطبیق أحکام قانون أجنبی قررته النصوص السابقة إذا کانت هذه الأحکام مخالفة للنظام العام أو الآداب فی العراق)، وقد أخذت تشریعات عدة بهذا الخصوص منها عربیة وأجنبیة.

فالدفع بالنظام العام هو فی حقیقته تعطیل للأعمال الطبیعی لقواعد الإسناد الوطنیة، وبرغم أن هذا الدور سلبی للنظام العام إلا أن له ما یبرره.

فعندما یتعین القانون الواجب التطبیق فی نزاع مشوب بعنصر أجنبی، قد یکون هذا القانون هو قانون القاضی نفسه أو قد یکون قانون دولة أخرى، ویثور التساؤل: هل أن قانون القاضی یلزم بتطبیق القانون الذی تقرره قواعد الإسناد فی قانونه الوطنی فی فض النزاع المشوب بعنصر أجنبی حتى لو کان مخالفاً للنظام العام فی دولته ؟

یتفق أغلبیة الفقه على عدم إمکانیة تطبیق هذا القانون فی حالة مخالفته للنظام العام فی دولة القاضی المرفوع أمامه النزاع، وإنما یطبق القاضی قانونه بدلاً من القانون الأجنبی الذی أشارت إلیه قاعدة الإسناد فی دولته، إذا تبین إن القانون الأجنبی مخالفاً للنظام العام فی دولة القاضی وإن أحکام القانون الأجنبی تصطدم أو تتعارض فی المفاهیم الأساسیة التی یقوم علیها المجتمع فی قانون القاضی.

عندها یرفض القاضی تطبیق القانون الأجنبی حفاظاً على نظامه الوطنی وحمایة له من الأحکام التی تتعارض مع مفاهیمه الأساسیة.

ثانیاً. أسباب اختیار الموضوع

  1. نحاول فی تحدید مفهوم هذا البحث الإجابة على جملة من التساؤلات التی فی مقدمتها النظام العام سیما وأن فکرة النظام العام فکرة نسبیة ومتغیرة بحسب الزمان والمکان، إضافة إلى سکون المشرع العراقی فی بیان مفهوم واضح ومحدد للنظام العام؟
  2. بیان مدى دور النظام العام باعتباره صمام أمان یحمی الأسس الجوهریة فی مجتمع قاضی النزاع، وذلک بمنع تسرب وانفلات القوانین الأجنبیة التی تتعارض جذریاً مع هذه الأسس.
  3. بحث أثر الدفع بالنظام العامة فیما إذا کان یؤدی إلى استبعاد کلی أو جزئی للقانون الأجنبی الواجب التطبیق على النزاع المعروض أمام القاضی.
  4. ممارسة القاضی سلطته التقدیریة فی کون المسألة من النظام العام أم من عدمه، هل تعتبر مسألة واقع أم مسألة قانونیة بحیث یخضع القاضی فی ممارستها لرقابة محکمة التمییز.

ثالثاً. منهجیة البحث

نظراً لخصوصیة الموضوع من حیث أنه سیتناول الدفع بالنظام العام وأثره وتعارض القانونی الواجب التطبیق مع النظام العام، فإن أکثر مناهج الدراسة ملاءمة هو المنهج المقارن، حیث نحاول الوصول إلى القواعد التی تحکم هذا الموضوع من خلال بیان هذا الموقف أو ما جرى علیه العمل فی التشریعات الوطنیة.

رابعاً. هیکلة البحث

لتحقیق أهداف هذه الدراسة ولخصوصیة الموضوع من حیث أنه سیتناول الدفع بالنظام العام وأثره وتعارض القانون الواجب التطبیق مع النظام العام، یتطلب منا بحث موضوع أثر النظام العام کمانع یحول دول تطبیق القانون الأجنبی یقتضی منا الاستعراض أولاً لتطور فکرة النظام العام والأمثلة والتطبیقات التی من خلالها یمکن توضیح فکرة الموضوع، ومن ثم بیان مفهوم فکرة النظام العام وتحدید مضمونها وصولاً لبیان آثار النظام العام، لذلک فإن خطة البحث تقع فی ثلاثة مباحث، نتناول فی المبحث الأول ماهیة الدفع بالنظام العام، ونبین الآثار المترتبة على الدفع بالنظام العام فی المبحث الثانی، ثم نبین أثر الدفع بالنظام العام فی الاختصاص القضائی فی المبحث الثالث.

المبحث الأول

ماهیة الدفع بالنظام العام

لبیان ماهیة الدفع بالنظام العام، یتعین بحث أصول فکرة الدفع بالنظام العام وذلک فی المطلب الأول، ونوضح مفهوم فکرة النظام العام وتحدید مضمونها فی المطلب الثانی، وکما یأتی:

المطلب الأول

أصول فکرة الدفع بالنظام العام

لم یکن دور النظام العام کأداة لاستبعاد القانون الأجنبی الذی أشارت قاعدة الإسناد باختصاصه معروفاً منذ القدم، بل کان دور النظام العام یستخدم أساساً کأداة لتثبیت الاختصاص للقانون الإقلیمی.

إن أصل فکرة الدفع بالنظام العام یرجع إلى عهد نظریة الأحوال عندما لجأ فقهاء مدرسة الحواش اللاحقین فی أوائل القرن الرابع عشر وعلى رأسهم الفقیه بارتول إلى التمییز بین القوانین الملائمة والقوانین البغیضة، فالأحوال الملائمة هی القوانین التی تصاحب الشخص أینما ذهب تطبق علیه ولو غادر الإقلیم، أما الأحوال البغیضة فهی القواعد التی تتعدى آثارها حدود إقلیم البلد الذی أصدرها، فهی تقف عند حدود إقلیم الدولة التی صدرت فیها، ولا یمکن للقاضی الوطنی أن یطبقها لمخالفتها المبادئ والقیم التی یقوم علیها مجتمعه، ولذلک قرر الفقیه بارتول إن الأحوال الملائمة أو المفیدة هی وحدها التی یمکنها الامتداد خارج الإقلیم، أما الأحوال البغیضة فلا یمکن تطبیقها خارج الإقلیم التی صدرت فیه.

وعلى الرغم من أن هذه النظریة لم تشر إلى تعبیر النظام العام، إلا أنها قد أعملت هذه الفکرة حین أرادت أن تؤکد التطبیق الإقلیمی لما أسمته بالأحوال أو التوافیق البغیضة التی لا یجوز امتدادها خارج الإقلیم.

إن النظام العام لم یبرز دوره وفقاً لمفهومه الحدیث، إلا فی القرن التاسع عشر على ید الفقیه الألمانی سافینی، وذلک من خلال عرضه لفکرته فی الاشتراک القانونی، حیث یذهب إلى أن القاضی الوطنی لا یمکن أن یطبق قانوناً أجنبیاً إلا إذا کان یوجد بینه وبین القانون الوطنی اشتراکاً قانونیاً. وهذا الاشتراک القانونی یتحقق فی الدول المسیحیة الوارثة للقانون الرومانی، وفی کل حالة لا یتحقق فیها ذلک الاشتراک یکون هناک تعارضاً بین القانون الأجنبی وقانون القاضی یستوجب استبعاد القانون الأجنبی، ذلک أن فکرة الاشتراک فی ذاتها تقتضی تقارب المبادئ العامة فی القوانین المتزاحمة بحکم العلاقات الخاصة الدولیة.

انتقدت هذه النظریة على أساس أن النظام العام یفرض نفسه ویلعب دوره فی استبعاد تطبیق القانون الأجنبی المختص عندما تتنازع قوانین الدول المتقاربة فی الحضارة ویظهر الاشتراک القانونی بین تشریعاتها بالنسبة لنظام أو أنظمة حصینة، فمثلاً فی فرنسا وإیطالیا لا تختلفان حضاریاً والأسس القانونیة فیهما متقاربة، ومع ذلک فإن نظام الطلاق وإن کان مقبولاً فی فرنسا فإنه حتى وقت قریب کانت المحاکم الإیطالیة تمتنع عن قبوله، لمخالفته للنظام العام فی إیطالیاً، لذلک یستبعد تطبیق القانون الفرنسی فی إیطالیا کلما أشارت قواعد الإسناد الإیطالیة إلى تطبیقه فی مسألة الطلاق بسبب مخالفته للنظام العام فی إیطالیا على الرغم من تقاربهما فی الحضارة.

ولهذا، یذهب أنصار النظریات الحدیثة إلى وجوب إخضاع بعض المسائل لقانون القاضی ورفض أن یطبق فی شأنها قانون آخر فی کافة المسائل التی تمس تنظیم وکیان الدولة الاجتماعی والسیاسی والاقتصادی، کالضمان الاجتماعی والتأمین حتى لو لم تکن من موضوعات القانون العام.

من هنا کانت فکرة القواعد ذات التطبیق الفوری أو المباشر أی القواعد التی تفلت من تنظم التنازع أصلاً، فهی قواعد تنتمی إلى قانون القاضی وتطبق مباشرة على المنازعات المطروحة أمامه لا بمقتضى الإسناد التی تشیر إلى هذا القانون وإنما لما لهذه القواعد من طبیعة خاصة تقتضی تطبیقها مباشرة دون النظر إلى تصنیفها وما إذا کانت تنتمی إلى القانون العام أو إلى القانون الخاص على کل من یقطنون الإقلیم وکذلک دون الحاجة إلى أعمال قواعد الإسناد.

من هذا یتبین إن القواعد ذات التطبیق المباشر هی قواعد قانونیة تتولى بذاتها تحدید مجال تطبیقاتها، ورغم ذلک فإن نظریة التنازع وفقاً لهذا الاتجاه الحدیث تبقى لها فاعلیة کاملة حیث یکون الاعتداد أساساً لتحلیل المسألة المطروحة وإسنادها إلى القانون الأکثر ملائمة لها وطنیاً کان أم أجنبیاً، وفی هذا المجال تلعب فکرة النظام العام وفقاً لمفهومها الحدیث دورها کاملاً کأداة لاستبعاد القانون الأجنبی الذی أشارت قاعدة الإسناد باختصاصه إذا ما تعارض تطبیقه مع الأسس الجوهریة فی قانون القاضی.

المطلب الثانی

مفهوم فکرة النظام العام وتحدید مضمونها

إن البحث فی تحدید النظام العام هو المغامرة فی رمال متحرکة، إذ أن فکرة النظام العام متغیرة تتطور وتختلف من مکان لآخر ومن زمان لزمان، لذا فمن غیر الممکن تبنی تعریف مشترک لفکرة النظام العام وذلک لسعة نطاق النظام العام مما یحول دون تمییزها وتعیینها بشکل ثابت. وهناک تعریفات فی النظام العام بعدد الفقهاء الذین بحثوا هذه المادة، إلا أنهم اتفقوا حول إظهار الکامن فی الفکرة، فقد عرف البعض النظام العام بأنه سلاح للدفاع ضد أی قانون أجنبی یکون تطبیقه لازماً فی الأصل إذا ما ظهر تعارض أحکامه للمفاهیم الوطنیة الجوهریة، حیث أخذت أکثر القوانین بهذا المبدأ ومنها القانون العراقی، والقانون العراقی یعتبر أحد التشریعات التی لم تورد تعریفاً للنظام العام، إذا التزام السکوت فی تعریف النظام العام الدولی، إذ خلت قواعد الإسناد فیه من تعریفه واکتفى فی المادة (32) من القانون المدنی العراقی بإیراد مفهوم عام للنظام العام جاء فیها یمنع تطبیق القانون الأجنبی المختص إذا کانت أحکامه تتعارض مع فکرة النظام العام فنصت على أنه (لا یجوز تطبیق أحکام قانون أجنبی قررته النصوص السابقة إذا کانت هذه الأحکام مخالفة للنظام العام والآداب فی العراق)، واستناداً إلى ذلک النص أعلاه نرى بأن المشرع العراقی لم یحدد المقصود بالنظام العام بل ترک ذلک إلى تقدیر القاضی المرفوع أمامه النزاع.

کذلک النصوص القانونیة الداخلیة خلت من تعریف النظام العام الداخلی، فالمادة (130) أوجبت أن یکون محل الالتزام غیر ممنوع قانوناً ولا مخالفاً للنظام العام والآداب وإلا کان باطلاً، کذلک المادة (132) التی قضت ببطلان العقد إذا التزم المتعاقدون دون سبب أو بسبب ممنوع قانوناً أو مخالفاً للنظام العام أو الآداب.

واکتفت المادة (130) فی الفقرة ثانیاً منها على إیراد المسائل التی اعتبرها المشرع من النظام العام لا یجوز الاتفاق على خلافها وهی (الأحوال الشخصیة المتعلقة بالأهلیة والمیراث والأحکام المتعلقة بالانتقال والإجراءات اللازمة للتصرف فی الوقف والعقار والتصرف فی مال المحجوز ومال الوقف ومال الدولة وقوانین التسعیر الجبری والقوانین التی تصدر لحاجة المستهلکین فی الظروف الاستثنائیة). إذ یبقى الأمر متروکاً للقاضی الذی یتمتع فیه بسلطة تقدیریة واسعة ینظر فی کل واقعة تعرض علیه ما إذا کان حکم القانون الأجنبی فیها یتعارض مع النظام العام فی دولته أو لا یتعارض معه.

ویثار تساؤل فی هذا المجال مفاده، وفق أی مفهوم یقدر القاضی مخالفة القانون لفکرة النظام العام ؟

إن تمتع القاضی بسلطة تحدید مفهوم فکرة النظام العام لا یعنی أن فی مقدوره أن یفرض فی هذا المجال نظرته الشخصیة للأمور بل یجب علیه أن یتقید فی تقدیره للنظام العام بالأفکار السائدة فی مجتمعه والمتمشیة مع مصالح أمته، فتقدیر القاضی فی تحقیق متطلبات النظام العام یعتبر مسألة قانونیة.

وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح النظام العام یرد کثیراً فی دراسة القانون رغم أن مفهومه یصعب منه التحدید الدقیق بحیث لا یتسنى له تعریف جامع یحدد المقصود به، وعلى الرغم من ذلک حاول جانب من الفقه وضع عدة معاییر یمکن بواسطتها تحدید المقصود بهذه الفکرة.

حاول البعض الاستناد على فکرة النظام العام من استبعاد القانون الأجنبی إذا اشتمل على أفکار قانونیة غیر معروفة فی دولة القاضی.

إلا أن هذا الرأی غیر مقبول ومتطرف کونه یؤدی إلى زیادة غیر مقبولة للحالات التی یستبعد فیها تطبیق القانون الأجنبی الذی تشیر بتطبیقه قاعدة الإسناد إضافة إلى أنه مجرد الإتیان بقواعد غیر معروفة فی دولة القاضی لا یستتبع عدم تطبیقها إلا إذا تعلق الأمر بالمصالح العلیا للجماعة سواء کانت متشابهة أو مختلفة فی دولة القاضی.

ویرى البعض الآخر بوجوب استبعاد تطبیق القانون الأجنبی سواءً على فکرة النظام العام إذا کان ینطوی على مساس بمبادئ العدالة الدولیة أو المبادئ العامة المتعارف علیها فی الأمم المتحدة أو القانون الطبیعی أو یترتب على التطبیق إهدار للحقوق الطبیعیة للإنسان لاستبعاد تطبیق القانون الأجنبی، فمثلاً الدکتور هشام علی صادق یرى عدم إمکانیة الاعتماد على فکرة القانون الطبیعی کأساس ومعیار لتحدید مفهوم النظام العام ویذکر أن القانون الطبیعی هو فی الحقیقة أکثر غموضاً من فکرة النظام العام وبالتالی لا یمکن الاعتماد علیه.

وأخذاً بالأفکار السابقة، فإنه یجب استبعاد القوانین الأجنبیة القائمة على التفرقة العنصریة بسبب الجنس أو اللون لمخالفتها لمبادئ العدالة والمبادئ المتعارف علیها فی الأمم المتحضرة، کما یستبعد أیضاً القانون الأجنبی الذی یحرم الأمم من الاعتراف بانتمائها الطبیعی لمساس ذلک بمبادئ القانون الطبیعی والعدالة. ونظراً إلى أن فکرة النظام العام بطبیعتها فکرة وظیفیة تهدف تحقیق غایة معینة وتأتی محاولة ضبطها إلا من خلال تحدید هذه الغایة فتطبیقاتها تختلف تبعاً لاختلاف العلاقات الاجتماعیة بالإضافة إلى مرونتها وتغیرها بتغیر الزمان والمکان، کل ذلک لا یُمکن نجاح أی محاولة لوضعها فی قالب علمی محدد وبالتالی یکون النظام العام محکوماً برقابة المحکمة العلیا فی هذا التقدیر.

لذلک، فإن المعاییر السابقة المقترحة لم تضع تعریف دقیق بالنظام العام ذاته، بل حاولت تعریفه من خلال بیان هدفه، وهذا ما یمکن بیانه بالتعریف السلبی، فالمطلوب تعریف یبرز الأرکان والعناصر لکی نستطیع تسمیته بالتعریف الإیجابی. لذا یمکن تعریف النظام العام وهذا ما نؤیده بأنه مجموعة المصالح الجوهریة الأساسیة والمثل العلیا للدولة وللجماعة التی ترتضیها لنفسها التی یتأسس علیها کیان المجتمع کما یرسمه نظامها القانونی سواء کانت هذه المصالح الأساسیة والمثل العلیا سیاسیة أو اجتماعیة أو اقتصادیة أو خلقیة أم دینیة ویعرض الإخلال بها کیان المجتمع إلى التصدع والانهیار.

وتجدر الإشارة إلى أنه لما کانت فکرة النظام العام متغیرة بتغیر الزمان نظراً لارتباطها بالأفکار السائدة فی وقت معین لمجتمع الدولة، فإن هناک تساؤل یثار مفاده، ماهیة اللحظة التی یجب أن یحدد القاضی فیها مفهوم النظام العام بالرجوع إلیها ؟

هل یتعین على القاضی الرجوع إلى وقت نشوء العلاقة لیتبین مدى معارضتها مع النظام العام ؟ أم هل یجب علیه التقید بالمفهوم السائد للنظام العام وقت طرح النزاع علیه ؟

للإجابة على هذا التساؤل نؤید ما یذهب إلیه الفقه من وجوب تقید القاضی بمفهوم النظام العام السائد فی دولته وقت رفع النزاع إلیه، فإذا ثبت له تعارض القانون الأجنبی مع هذا المفهوم کان علیه استبعاد هذا القانون الأجنبی حتى ولو لم یکن هذا القانون متعارضاً مع النظام العام وقت نشوء العلاقة موضوع النزاع.

المبحث الثانی

الآثار المترتبة على الدفع بالنظام العام

إذا ما أشارت قواعد الإسناد فی القانون العراقی مثلاً إلى تطبیق قانون أجنبی مختص ثم تبین للقاضی العراقی بأن هذا القانون یعارض أو یخالف النظام العام فی الدولة فإنه یستبعده لیحمی بذلک نظامه القانونی إلا أن فراغاً تشریعیاً یحدث نتیجة لاستبعاد القانون الأجنبی هذا الفراغ التشریعی یولد أثراً إما أن یکون أثراً سلبیاً أو یکون أثراً إیجابیاً، علیه یجب البحث عن قانون بدیل لتطبیقه بدلاً من القانون المستبعد لکن هذا الاستبعاد قد یکون کلیاً أو جزئیاً وهذا هو الأثر السلبی، وقد یتمثل بثبوت الاختصاص لقانون القاضی لسد الفراغ التشریعی الناجم عن استبعاد القانون الأجنبی، وهذا هو الأثر الإیجابی.

واستناداً لما تقدم، سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبین، نبین فی الأول الأثر السلبی، ونوضح فی الثانی الأثر الإیجابی، وکما یلی:

المطلب الأول

الأثر السلبی

یترتب على إعمال الدفع بالنظام العام أثراً سلبیاً هو استبعاد تطبیق أحکام القانون الأجنبی المتعارضة مع النظام العام فی دولة القاضی، فالهدف الأساس لإعمال الدفع بالنظام العام هو عدم السماح لقواعد القانون الأجنبی بالاندماج فی النظام القانونی الوطنی، نظراً للتنافر القائم بینهما وبین أساس هذا النظام القانونی.

إن المشکلة التی تثور هو هل نستبعد القانون الأجنبی بجمیع أحکامه کلیاً أم یقتصر الاستبعاد فقط على الجزء المتعارض فعلاً مع النظام العام الوطنی فی هذا القانون ؟

هذا التساؤل ینبغی منا بیان بعض الآراء الفقهیة التی مثلت فی هذا المجال.

یرى جانب من الفقه وجوب استبعاد القانون الأجنبی کلیاً وتطبیق قانون القاضی بدلاً منه إذا ما تعارض أی حکم من أحکامه مع النظام العام الوطنی، ویستند هذا الجانب من الفقه إلى قاعدة معینة قررتها قاعدة الإسناد فی بلد القاضی بحجة التعارض مع النظام العام ویطبق القواعد الأخرى فی القانون الأجنبی المستبعد. والقول بغیر ذلک یؤدی إلى مسح وتشویه القانون الأجنبی وتطبیقه فی غیر الأحوال التی یجب تطبیقه فیها، فضلاً عن أن هذا التطبیق ینطوی على مخالفة لقاعدة الإسناد فی دولة القاضی، حیث تهدف إلى تطبیق القانون الأجنبی برمته ولیس بعض أحکامه دون البعض الآخر.

ونعتقد أن هذا الرأی لا یمکن تأییده فالاستبعاد هو استبعاد جزئی فقط، فالقاضی لا یستبعد من القانون الواجب التطبیق إلا القاعدة القانونیة المخالفة لمقتضیات النظام العام دون باقی القواعد، إذ على القاضی أن لا ینسى دائماً إن الدفع بالنظام العام هو وسیلة استثنائیة لمنع تطبیق القانون الأجنبی المختص، فلا یجب استعماله إلا فی حدود ضیقة.

وتجدر الإشارة فی هذا المجال، إلى أن استبعاد أحکام القانون الأجنبی کلیاً وتطبیق قانون القاضی بدلاً منه یعد الأکثر تعارضاً مع حکمة التشریع، إذ مادام أن القانون الأجنبی هو القانون الواجب التطبیق أصلاً وهو القانون الأکثر القوانین ملائمة للمسألة المعروضة من بین القوانین المتزاحمة فیعتبر هو الأقرب إلى حکمة التشریع هو أن لا تستبعد أحکامه إلا ما تعارض فعلاً مع مقتضیات النظام العام فی دولة القاضی. وهذا ما أکده جانب من الفقه الغالب، على أن الأثر السلبی یتمثل باستبعاد الجزء المخالف للنظام العام فی القانون الأجنبی دون بقیة الأجزاء الأخرى، وبذلک لا یستبعد القانون الأجنبی الواجب التطبیق کلیاً. وعلى القاضی أن یطبق أحکام القانون الأجنبی التی لا تتعارض مع النظام العام الوطنی، وینحصر فقط الأثر بذلک باستبعاد الجزئیة التی تتعارض مع مفهوم فکرة النظام العام فی دولة القاضی.

هذا الاتجاه یتفق مع الإعمال الطبیعی لفکرة النظام العام والتی تذهب إلى أنه لیس القانون الأجنبی فی جملته هو الذی یصطدم عادة بفکرة النظام العام، وإنما فی بعض الأحیان بجزئیة من هذا القانون هی التی تتعارض، فطالما أن قواعد الإسناد الوطنیة فی دولة القاضی هی التی أشارت إلى هذا القانون الأجنبی الواجب التطبیق على العلاقة موضوعة النزاع، فعلى القاضی أن یجتهد فی ذلک قبل استبعاد القانون الأجنبی کلیاً، فمثلاً لو عرضت على القاضی العراقی علاقة تتضمن شرط الدفع بالذهب وکان القانون الأجنبی الذی یحکم هذه العلاقة المتنازع فیها یجیز شرط الدفع بالذهب فإنه یجب استبعاد هذا الشرط وحده لمخالفته للنظام العام وتبقى الشروط الأخرى خاضعة للقانون الأجنبی ما دامت لا تتعارض مع النظام العام فی العراق، وهذا هو الحل الراجح وله تطبیقات عدیدة فی القانون الفرنسی، فقد قضت محکمة النقض الفرنسیة بأنه (إذ لم یکن القانون الأجنبی متعارضاً مع القانون العام الفرنسی فی مسائل النسب الطبیعی فإن استبعاد حکمه یقتصر على تلک المسألة وحدها دون أن یتعداها إلى آثار النسب).

إلا أنه فی بعض الحالات یصعب تطبیق القانون الأجنبی المختص أو استبعاد جزئیة منه للاختلاف الجوهری بأساس النظام العام، ولعدم إمکانیة فصل هذه الجزئیة لارتباطها الوثیق بأحکام القانون الأجنبی مما یقتضی اللجوء إلى استبعاد القانون الأجنبی کلیاً.

المطلب الثانی

الأثر الإیجابی

إذا اصطدم تطبیق القانون الأجنبی بالنظام العام فی دولة القاضی، فعلیه عندئذٍ استبعاد أحکام القانون الأجنبی المخالفة للنظام العام، وهذا هو الأثر السلبی، ولکن التساؤل الذی یثار هنا عن ماهیة القانون الذی سیطبق بعد استبعاد القانون الأجنبی على النزاع المعروض أمام القاضی؟

إن معظم القوانین ومنها العراقی فی المادة (32) من القانون المدنی العراقی والمادة (280) من القانون المدنی المصری لم تنص سوى على الأثر السلبی للنظام العام، وعلیه فقد ظهر الاختلاف فی الجواب على هذا التساؤل، وذهب الفقه إلى عدة اتجاهات، وقبل ذکر الاتجاهات یجب الإشارة إلى أن الأثر السلبی للنظام العام لابد أن یتبعه أثر إیجابی یقتضیه سد الفراغ التشریعی أولاً وعدم اعتبار القاضی منکراً للعدالة عندما لا یحکم فی النزاع المعروض أمامه بحجة عدم إمکان إعمال القانون الأجنبی المختص لتعارضه مع النظام العام، بل علیه أن یلجأ إلى قانون آخر لیتصدى بواسطة أحکامه للنزاع المعروض علیه.

فما هو القانون الذی سیحل محل القانون الأجنبی ؟ هناک عدة اتجاهات.

یرى جانب من الفقه الألمانی عدم وجوب إحلال قانون القاضی محل أحکام القانون الأجنبی التی تم استبعادها، بل یتعین البحث فی القانون الأجنبی نفسه، عن قاعدة أخرى تحل محل القاعدة المستبعدة من نفس القانون تکون غیر مخالفة للنظام العام فی دولة القاضی وهذا ما شأنه فی النهایة أن یحفظ لقاعدة الإسناد وظیفتها لتؤدی دورها الذی وضعت من أجله.

إلا أن هذا الرأی انتقد على أساس أنه یفترض دائماً أن هناک نصوص مماثلة أو مقاربة للنصوص المستعبدة بإسم النظام العام.

وقد ذهب جانب آخر من الفقه إلى وجوب البحث عن أصلح القوانین بالنسبة للطرف الضعیف فی العلاقة وإحلال هذا القانون محل القانون الأجنبی المستبعد، وذلک من الفروض التی یتعذر منها القاضی، غیر أن هذا الرأی منتقد فتحدید الظرف الضعیف متوقف على ما تقضی به القاعدة القانونیة التی ستحکم العلاقة ولا یمکن معرفة الظرف الضعیف فی العلاقة قبل أن تعرف القانون الواجب التطبیق.

یذهب جانب آخر إلى تطبیق قانون القاضی مطلقاً وفی جمیع الفروض سواء کان استبعاد القانون الأجنبی کلیاً أو جزئیاً فهو خیر الحلول الملائمة للاعتبارات العملیة کما یتماشى مع طبیعة فکرة النظام العام بوصفها صمام الأمان لحمایة المصالح العلیا للمجتمع، لکننا نجد أن هذا الرأی منتقد على أساس أنه یسبب إهدار لمتطلبات الحیاة الخاصة الدولیة ذلک أن قانون القاضی قد لا یکون ملائماً لطبیعة العلاقة الدولیة محل البحث وهذا ما جعل مشرع هذا القانون یشیر بقاعدة الإسناد إلى تطبیق القانون الأجنبی.

ونؤید ما یذهب إلیه الرأی الراجح وهو أسلم الحلول، حیث یذهب إلى تطبیق قانون القاضی کمبدأ عام دون أن یقلل من أهمیة ما ذهبت إلیه معظم الآراء السابقة، إذ أنه استبعد القانون الأجنبی الذی أشارت إلیه قواعد الإسناد بإسم النظام العام فإن على القاضی قدر الإمکان أن یراعی أحکام القانون الأجنبی الأخرى غیر المستبعدة فیما إذا کان الاستبعاد جزئیاً.

فإذا لم یجد ما هو ملائم لحکم العلاقة استعان فی حل النزاع المطروح أمامه بقانون آخر یراه مناسباً لحل النزاع وإلا فلأحکام القانون الطبیعی، وکذلک الأمر إذا کان الاستبعاد کلیاً فعلیه الاستعانة بالقانون الأقرب إلى العلاقة المطروحة أمامه إذا کان فی ذلک القانون أحکاماً مخالفاً للنظام العام فی دولته، وقد یکون القانون الأقرب للعلاقة هو قانون القاضی نفسه بشرط أن یفهم بمعنى واسع ومرن بحیث یفتش القاضی عند استبعاد القانون الأجنبی المخالف فی مختلفة نصوص قانونه لإیجاد الحل الملائم والمناسب للعلاقة المطروحة. وتجدر الإشارة إلى أن القاضی یکون أعلم بقانونه من أی قانون آخر. وهذا الحل تأخذ به العدید من القوانین کالقانون العراقی والمصری واللبنانی.

فمثلاً إذا کان النزاع المعروض على القاضی العراقی یتعلق بمیراث بین أجانب وکان القانون الواجب التطبیق یمنع التوارث بسبب اختلاف اللون أو الجنس، فإن القاضی العراقی یستبعد تلک القاعدة فی قانون المواریث ویقضی بجواز الإرث ویطبق الأحکام الأخرى فی ذلک القانون الأجنبی الخاصة بترتیب الورثة ومقدار أنصبتهم، ما لم یکن أحد أطراف النزاع مسلماً ویتعارض حکم القانون الأجنبی الخاص بذلک مع النظام العام العراقی. وهذا الحل تأخذ به القوانین العربیة کالأردنی والمصری.

المبحث الثالث

النظام العام فی مجال الاختصاص القضائی الدولی

استعمل اصطلاح (الاختصاص) فقط فی عدة معانٍ، فأول ما تبادر إلى الذهن بهذا الصدد إلى الاختصاص المقرر للدول بموجب أحکام القانون الدولی العام، وفی هذا المعنى هو سلطة أو أهلیة الدولة الواحدة لأن تصف أن تنفذ قواعد لاحقة لنتائج قانونیة لتصرف ما، أی تحدید الأفعال التی یمکن أن تباشرها الدولة بصورة مشروعة. کما قد یستعمل معنى الاختصاص بإنه صلاحیة أو قوة إحدى السلطات الثلاث فی الدولة الواحدة أی التشریعیة والتنفیذیة والقضائیة، واستعمل أیضاً للدلالة على الصلاحیة أو السلطة المخولة من قبل الدولة لأحد أعضائها أو القائمین على إدارة إحدى السلطات العامة. وبهذا یعنی الاختصاص، السلطة المقررة للمحاکم لسماع أموراً معینة وقد یراد به أیضاً کیفیة استعمال المحاکم لهذه السلطة المقررة.

وإزالة لهذا الالتباس یفضل استعمال اصطلاح الاختصاص القضائی ویقصد به
" مجموعة القواعد التی تتحدد بمعناها ولایة محاکم الدولة بنظر المنازعات التی تتضمن عنصراً أجنبیاً إزاء غیرها من محاکم الدول الأخرى" وتعنی بذلک قوة الدولة أو سلطتها القضائیة على وجه التحدید فی إخضاع أشخاص معینین أو أشیاء أو تصرفات معینة إلى ولایة محاکمها العامة، وتتأثر قوة الدولة القضائیة اعتیادیاً بأحکام الدستور واعتبارات القانون الدولی الطبیعی والوضعی بقسمیه العام والخاص بالإضافة إلى أحکام القوانین الوطنیة، وهذا یعتبر تنفیذاً لمبدأ معروف هو أن تمتد سیادة الدولة إلى کل ما على إقلیمها من أشخاص وأموال وتصرفات، ومع أنه یحق للدولة الواحدة (من الناحیة النظریة على الأقل) أن تفصل فی أیة دعوى وبغض النظر عن وقت حدوثها وأشخاصها وذلک لعدم وجود حدود معینة لنشاط ونفاذ تشریعاتها، إلا أنه مع هذا یبدو من غیر المفید أو المعقول أن تزعج أو ترهق محاکم دولة ما نفسها، لإقرار النظام أو تسویة النزاع الحادث فی دولة أخرى أو حتى لوطنیها فی الخارج، لکن یمکن القول بأن هناک مبررات تفرض نفسها على الدولة عندما تحاول رسم سیاسة الاختصاص القضائی الدولی لمحاکمها حتى تستقیم الأمور وتکون الأحکام منطقیة قابلة للتنفیذ منها مبدأ وجود الدول على قدم المساواة من الناحیة الدولیة، الاعتبارات المتعلقة بالقیود أو الالتزامات التی تقرها المعاهدات والاتفاقیات والأعراف الدولیة، الجنسیة أی الولاء السیاسی لتلک الدولة کذلک فیما یتعلق بالأشخاص من حیث موافقة الأشخاص على اختیار محکمة أجنبیة بإرادتهم الصریحة أو قیام الشخص بأعمال وتصرفات قانونیة أو تجاریة أو غیرها، وقیام الشخص بارتکاب أفعالاً ضارة تثیر مسؤولیة تقصیریة. أیضاً من ناحیة تملک الأشخاص أو حیازتهم أموالاً، أیضاً آثار العقد أو آثار الفعل الضار. کل هذه الأمور التی ذکرناها أعلاه تتطلب تدخل الدولة، بعد هذه المقدمة لابد أن نوضح النظام العام فی مجال الاختصاص القضائی والتی سوف نقسمها إلى مطلبین، نتناول فی مدى حق الأفراد على الخروج عن القواعد المنظمة للاختصاص القضائی الدولی، ثم نتناول فی الثانی تحلیل إمکانیة خروج الأفراد على قواعد الاختصاص القضائی الدولی فی العلاقات الدولیة.

المطلب الأول

مدى حق الأفراد على الخروج عن القواعد المنظمة للاختصاص القضائی الدولی

من الأمور التی تثیر جدلاً شدیداً فی تنازع القوانین هی مسألة تعریف وتحدید مضمون النظام العام. وکما قلنا سابقاً، فقد حاول البعض من الکتّاب التفرقة ما بین مفهوم النظام العام الدولی والنظام العام الداخلی، ویرون أن مجال النظام العام الدولی أضیق من مجال أعمال النظام العام الداخلی، أی أن الحالات التی لا یجوز فیها للأفراد الاتفاق على ما یخالف القاعدة القانونیة نظراً لکونها من القواعد الآمرة فی القانون الداخلی تفوق بکثیر الحالات التی یستبعد فیها تطبیق القانون الأجنبی لمخالفته النظام العام فی الدولة، وسبب هذا أنه فی مجال القانون الدولی الخاص إن اعمال فکرة النظام العام یؤدی إلى نتیجة خطیرة حیث أنها تؤدی إلى إیقاف جریان المعاملات الدولیة وذلک بتعطیلها تطبیق قواعد الإسناد التی تشیر إلى تطبیق القانون الواجب التطبیق، بالإضافة إلى هذا أن الحیاة القانونیة والخاصة للأفراد أکثر سعة وغیر خاضعة أصلاً لنظام قانونی معین وبالتالی یعطی إمکانیة أکثر لأطراف العلاقة لخلق نماذج مختلفة من الالتزامات والتقید بها، إلا إنه من حیث الواقع لا یوجد إلا نظام واحد فی الدولة وإن تنوعت تطبیقاته، وإنما على قاضی محکمة الموضوع عند نظره نزاعاً دولیاً أی ذو أبعاد قانونیة تشمل دولاً متعددة أن یراعی ما یأتی:

أ‌.   ابتعاده قدر المستطاع إذا ما قرر استبعاد القانون الأجنبی عن فکرة النظام العام وعن وجود مبادئ عامة متعارف علیها فی الحیاة الداخلیة لأن مثل هذه الأمور تعجز عن تقدیم المبرر الکافی لمثل ما یقدم علیه.

ب‌.  أن یستخدم القاضی ذکاؤه وفطنته والهدف من القاعدة القانونیة المراد تطبیقها أی أن یتأمل فی المسألة المعروضة أمامه فی نطاقها القانون الأجنبی وما یقارنها بما یقابلها فی قانونه الوطنی على ضوء ارتباطها بالعناصر القانونیة الأخرى المناظرة لها أو المقاربة لها فی ذات القانون الأجنبی. کما أن القانون الوطنی بذاته فی دولة المحکمة لا یجوز اعتباره مثالاً أو نموذجاً مثالیاً واجب الإتباع لأن معنى ذلک نقل المفاهیم الوطنیة وما یرافقها من أمور إلى مستوى العلاقات الدولیة وهذا لا یجوز لأنه لا یوجد قانون کامل یحقق کل مستلزمات ما یتطلبه من عادات وتقالید ومفاهیم فی الدول الأجنبیة الأخرى.

ج. إن فکرة النظام العام معروفة فی القانون الداخلی وهی تستخدم للحد من سلطان الإرادة لضمان عدم خروج الأفراد على أحکام القواعد القانونیة الآمرة فی القانون الداخلی، أما الغرض من النظام العام فی العلاقات ذات العنصر الدولی هو أن یکون قیداً على تطبیق القانون الأجنبی وأداة الاستبعاد، لکن هذا الاستبعاد لا یجوز أن یتم بمجرد اختلاف بسیط فی المضمون أو المحتوى من حیز نظمه فی القانون الداخلی أو من الذی یتأثر منه أشخاص أجانب لا یرتبطون بدولة المحکمة بشیء، إن عدم التساهل فی تحدید النظام العام فی الاعتبارات الدولیة وعما یمیزه عن النظام فی القانون الداخلی یؤدی بالحقیقة والواقع إلى طغیان القانون الوطنی وتراجع القانون الدولی التجاری وبالتالی یؤدی إلى إضرار بالعلاقات القانونیة الاقتصادیة والتجاریة الدولیة.

وبعد هذه المقدمة لابد من معرفة تأثیر النظام العام على قواعد الاختصاص القضائی الدولی للمحاکم، حیث أن الأمر یختلف من دولة لأخرى، إذ نرى أن القانون العراقی والمصری واللبنانی یعطی حلولاً مفصلة لاختصاص المحکمة فی حین إن القانون الفرنسی لا یعطی حلولاً مفصلة لاختصاص المحکمة، إذ یلجأ القضاء فی فرنسا إلى تطبیق قواعد الاختصاص القضائی الداخلی فی المجال الدولی مع مزجها بما یتلاءم وطبیعة العلاقات الدولیة، ولو أن المشرع الفرنسی فی عام 1981 قد خطى خطوة إیجابیة فی مجال الاختصاص القضائی والتحکیم الدولی الذی یجری فی فرنسا والذی سنأتی إلیه فیما بعد بحیث یعتبر بمثابة انطلاقة سیاسیة جدیدة غیرت الکثیر من المفاهیم السائدة فی القانون الفرنسی.

من جراء هذا الوضع تساءل بعض الکتاب عن مدى إمکانیة اعتبار قواعد الاختصاص الدولی متعلقة بالنظام العام أم لا وبسبب الاختلاف فی النظرة والآراء وجد على الأقل إن هناک اتجاهین متعارضین، فالاتجاهان ینظران إلى مدى ما للأفراد من حق الخروج على القواعد المنظمة للاختصاص القضائی الدولی من زاویة النظام العام فی العلاقات الدولیة، ویختلف هذا الرأی فیما بین أنصاره، فهناک فریق یرى إن کلما یخص اختصاص القضاء الدولی قواعد متعلقة بالنظام العام، فی حین یؤکد البعض الآخر على بعض الأمور التی تتعلق بالنظام العام، وهذا ما سنبحثه تباعاً.

الرأی الأول

یذهب هذا الرأی إلى أن قواعد الاختصاص القضائی کلها متعلقة بالنظام العام وبالتالی لا یجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها والخروج على حکمها وهذا یعود برأیهم لأن المشرع یحدد ضوابط اختصاص المحاکم الوطنیة، فهو بذلک یرسم حدود ولایة هذه المحاکم بالنظر فی المنازعات التی تثور على إقلیمه.

وترتبط قواعد الاختصاص الدولی من هذه الوجهة بوظیفة أساسیة للدولة هی وفق العدالة حفاظاً على الأمن والسکینة فیه وهی اعتبارات تمس بالضرورة فیه مبدأ النظام العام.

ویرون أیضاً أن لا غرابة فی هذا الأمر ذلک لأنه إذا اتفق الخصوم على الخضوع لولایة دولة أجنبیة فی حالة من الحالات التی تدخل فی صمیم اختصاص القضاء الوطنی فإن ذلک سوف یتعارض مع ما قرره المشرع من کون المحاکم الوطنیة ودون غیرها هی التی یتعین علیها النظر فی مثل هذا النزاع.

أما إذا اتفق الخصوم على الخضوع لولایة القضاء الوطنی فی غیر الأحوال التی تختص فیها محاکم الدولة بالنزاع وفقاً لضوابط الاختصاص الأخرى، فلیس فی ذلک کمبدأ عام ما یمس سیادة الدولة على إقلیمها، ویمکن القول بأنه مادام المشرع قد سمح لإرادة الخصوم فی هذا الأثر المانح للاختصاص القضائی الوطنی فإن ذلک یعد فی ذاته ضابطاً قانونیاً للاختصاص الدولی للمحاکم، وللمشرع أن یعطی للإرادة هذا الأثر المانح للاختصاص ویجردها على العکس من أثرها السالب لولایة المحاکم الوطنیة نظراً لتعلق قواعد الاختصاص القضائی الدولی بالنظام العام.

یستفاد من هذا أیضاً من لغة قانون المرافعات حیث یستخدم کلمة تختص المحاکم بهذه الکلمة تعنی الأمر وعندما تکون القواعد آمرة لاشک إنها تکون متعلقة بالنظام العام، وبسبب هذا المبدأ فإنه یجوز للمحکمة لا بل یجب علیها أن تقرر من تلقاء نفسها بعدم الاختصاص إذا کان النزاع المعروض علیها یتجاوز حدود ولایتها المرسومة.

الرأی الثانی

أما أنصار هذه النظریة الآخرین الذین یؤکدون على جانب من جوانب الاختصاص القضائی الدولی وتعلقه بالنظام العام حیث یرون أن الاختصاص یکون على نوعین: اختصاص أصلی واختصاص جوازی.

الاختصاص الأصلی، مثاله الاختصاص المبنی على موطن أو محل إقامة المدعى علیه وکذلک بالمتعلقة بالأحوال الشخصیة والعقارات (قانون موقع المال).

ویکون من النوع الثانی أی الاختصاص الجوازی الاختصاص المبنی على ضابط جنسیة المدعى علیه. کما فی المادة (14) من القانون المدنی العراقی والمادة (28) مرافعات مصری، وکذلک الاختصاص المبنی على الخضوع الإرادی والاختصاص المتعلق بالدعاوی المرتبطة.

وفقاً لهذا التمییز أو التصور تکون حالات الاختصاص الوجوبی متعلقة بالنظام العام، أما الاختصاص الجوازی ففیها تثبت للمحاکم الوطنیة ولایة الفصل فی النزاع إلا أنها لیست متعلقة بالنظام العام والفرق بینهما إن الأول قاصر على المحاکم الوطنیة کالعراقیین والمصریین مثلاً، فی حین أن الثانی یکون مشترکاً ما بین المحاکم الوطنیة والمحاکم الأجنبیة الأخرى، أی أن هذه الوجهة الثانیة ترى بأنه ولو أن القواعد المنظمة للاختصاص القضائی الدولی قواعد آمرة إلا أن تعلقها بالنظام العام لیس من درجة واحدة.

وإذا أردنا تقییم هذا الاتجاه فإن الأصل فیه هو منع الخصوم فی المنازعات ذات الطابع الدولی أن یسلبوا بإرادتهم اختصاصاً مقرراً بحکم القانون للمحاکم العراقیة أو المصریة أو الوطنیة عموماً، ولو أن هذا غیر مقنع بصورة تامة لأن ربط الاختصاص القضائی بالنظام العام وسیادة الدولة وتنظیم مرفق القضاء فإن الغرض منه یکون قد فوت أی أن الغرض الأساسی من القضاء إنما هو یهدف إلى حمایة حقوق ومصالح الأفراد الخاصة وإغفاله بهذه الصورة لاشک فیه یؤدی إلى قطع لواقع العلاقات الدولیة الخاصة للأفراد، کما أن الأمر لا یخلو من تناقض آخر لما کانت قواعد الاختصاص القضاء الدولی متعلقة بالنظام العام فکیف یسمح للخصوم من جانب یدور مانح للاختصاص للمحاکم العراقیة أو المصریة بمسألة لم تکن ثابتة لها أصلاً، إنکار هذا الدور إن کان لمثل هذا الاتفاق أثر فی سلب اختصاص المحاکم العراقیة المقرر.

ویرى البعض الآخر أیضاً کیف یمکن قبول الدفع بالإحالة أمام المحاکم الوطنیة لرفع فی نفس الوقت عن ذات النزاع أمام محکمة أخرى فی دولة أجنبیة.

کما أن النظام العام فی ذاته نظام مرن ومتطور ومتغیر ونسبی والتعویل علیه یفتح باباً واسعاً للاختلاف بالحلول لا بل قد یؤدی أحیاناً إلى حالة التحکم حیث یعتبر البعض من القضاة ضابطاً ما من النظام العام ومن ثم لا یجوز للأفراد الاتفاق على خلافه.

المطلب الثانی

تحلیل إمکانیة خروج الأفراد على قواعد الاختصاص القضائی الدولی فی العلاقات الدولیة

یرى الاتجاه الآخر من الفقهاء أنه من حق الأفراد الخروج عن قواعد الاختصاص القضائی الدولی فی العلاقات الدولیة لعدم تعلقه بالنظام العام ویعطی للأفراد کل الحق للاتفاق على خلافه وهذا یصدق على وجه التحدید فی العراق ومصر وفرنسا فی مسألة موطن المدعى علیه واعتباره متعلقاً بالنظام العام فی العراق، بینما لیس کذلک فی فرنسا، وهذا لاشک فیه یؤدی إلى نتائج بالغة الخطورة لاسیما عندما یطلب تنفیذ الحکم فی الخارج، ویذهب البعض الآخر إلى ضرورة التمییز بین النظام العام الداخلی والنظام العام الدولی حیث تفهم فکرة النظام الدولی على الوجه التالی.

إن الهدف الأول والأساس من تنظیم الاختصاص القضائی على مستوى العلاقات الدولیة هو إقامة نوع من الانسجام والتناسق فی توزیع الاختصاصات الدولیة، ونظراً لافتقاد المجتمع الدولی لهیئة علیا لها قوة الالتزام لتنظیم هذا الوضع، قامت بهذه المهمة کل دولة على حدة وهو تحدید لاختصاصها القضائی أحلته کل دولة حالة الضرورة بما یناسبها وهی حالة احتکار للاختصاص، وهی فی الواقع توزیع للمشارکة بحد ذاته حیث أن التشریع الوطنی فی لجوئه إلى هذا التحدید الذاتی سداً لذلک الفراغ، فقد یبین حالات الاختصاص القضائی للدولة للمحاکم الوطنیة وهو بذلک قد جعل فی تقدیره من هذه الحالات حداً أو مستوى عاماً معقولاً لاختصاص المحاکم العراقیة، فمثلاً فی المنازعات الدولیة حیث یمثل الجانب أو الجزء التی تشارک به الدولة العراقیة فی الاختصاص القضائی على نطاق المجتمع الدولی، مما لاشک فیه إن هذه الدولة تتمسک بهذا الاختصاص المقرر، وهذا معناه ألا تسمح للأفراد أن یسلبوا المحاکم الاختصاص الثابت لأن ذلک یؤدی إلى تقلیل فرص مشارکة القضاء الوطنی فی حل المنازعات الدولیة، ولهذا لا یسمح للخصوم بالاتفاق على سلب ما هو ثابت للمحاکم العراقیة. وهناک إمکانیة أخرى متعلقة بتخلی القاضی الوطنی عن الاختصاص الثابت له قانوناً حیث یرى جانب کبیر من الفقه أنه إذا تعلقت قواعد الاختصاص القضائی الدولی بالنظام العام فلا یمکن وهذه الحالة إلا إهدار اتفاق تم ما بین الخصوم على الخضوع لولایة قضاء أجنبی، غیر أن ذلک لا یمنع القاضی مع ذلک من حق التخلی عن اختصاص بنظر الدعوى المرفوعة أمامه إذا دعت إلى ذلک اعتبارات الملاءمة والتیسیر والحصول على الدلیل تنفیذاً لمبدأ قوة النفاذ فی الأحکام، وهناک بعض الحالات تستوجب الإشارة إلیها باعتبارها من الاستثناءات على حالات الاختصاص الثابتة للمحاکم کما استقرت بوضوح فی مصر وسنبینها تباعاً وهی:

أ‌.   قبول الدفع بالإحالة أمام المحاکم المصریة لقیام دعوى عن ذات النزاع أمام محکمة أخرى أجنبیة متى ما کانت هذه المحکمة الأجنبیة الأخرى بنظر القضاء المصری أکثر قدرة على الفصل فی الدعوى بحکم مبدأ النفاذ.

ب‌.  إذا کان اختصاص المحاکم المصریة مبنی على ضابط الجنسیة فإنه یجوز فی هذه الحالة إخراج الدعوى من اختصاص المحکمة المصریة نظراً لضعف ضابط الجنسیة فی تحدید الاختصاص القضائی الدولی للمحاکم.

ت‌.  فی حالة الخضوع الاختیاری لولایة المحاکم المصریة وکذلک إذا ما اعتبرت مصر موطناً مختاراً للمدعى علیه حیث یجوز للمحکمة فی هذه الحالة أن تتخلى عن نظر النزاع حتى یتبین لها أن لیس هناک رابطة قویة تربط النزاع بمحاکم الدولة وبالتالی تبرر الاستمرار فی ثبوت هذا الاختصاص.

ث‌.  إذا کانت الدعوى متعلقة بعقار واقع فی الخارج سواء کانت هذه الدعوى متعلقة بإنشاء أو إحدى أنواع دعاوی الأحوال الشخصیة متى ما کان المدعی مصریاً متوطناً فی مصر وکذلک فی حالة الخضوع الاختیاری وتعدد المدعی علیه.

فی هذه الحالات کل ما تقوم به المحکمة هو الحکم بعدم الاختصاص لأن الحکم فی هذا النمط الأخیر معروف فی العلاقات الدولیة لأنه عدم الاختصاص للمحاکم الوطنیة فی الدعاوی العقاریة المتعلقة بالخارج یعتبر من المبادئ المستقرة والثابتة عالمیاً فی القانون المقارن فقهاً وقضاءً.

بسبب هذا الوضع وهذه الاستثناءات والاختلاف فی الحلول یکون من المفید جداً وضع نظریة عامة للتخلی عن نظر الدعوى من قبل قاضی محکمة الموضوع، تقوم هذه النظریة على أساس الأخذ بمعیار الموضوع فی جوهره وتوافر رابطة حقیقیة أصیلة بین طبیعة النزاع وولایة المحکمة، وعلى ذلک یکون للقاضی أن یتخلى عن نظر النزاع ویطلب من الخصوم مراجعة المحکمة الأجنبیة باعتبارها أقدر منه فی الفصل فی النزاع تحقیقاً للعدالة، ومیزة هذا المعیار الموضوعی أنه یعطی للقاضی حریة الحرکة والتصرف فإذا ثبت الاختصاص مثلاً للمحاکم الوطنیة بناءً على ثبوت موطن المدعى علیه بالعراق فقد یبدو للقاضی العراقی أن الحکم الذی یصدر عنه سوف یتوافر فیه قوة الفاعلیة والنفاذ بما یحقق مصلحة الخصوم والعدالة، وعلى العکس من ذلک قد یبدو له فی حالة أخرى ثبت له الاختصاص لنفس الضابط أن یتخلى عن الدعوى لصالح القاضی الأجنبی المختص، سوف یترتب علیه صدور حکم أکثر فاعلیة ویتمتع بنفاذ أقوى مما قد یحققها القاضی الوطنی کأن تکون جمیع أحوال هذا الشخص موجودة کلها فی تلک الدولة الأجنبیة، أو أن أدلة الإثبات کلها فی تلک الدولة أو إن لهذه الدعوى ارتباط بدعوى أخرى مرفوعة هناک قد وصلت فیها المحکمة إلى وقت إصدار الحکم.

هذه الحالات وغیرها یکون من الأفضل للقاضی الوطنی أن یتخلى عن الدعوى. کما أنه یجوز للأفراد سلب الاختصاص من المحاکم الوطنیة متى ما کانت هناک رابطة جدیة تربط النزاع بالمحکمة الأجنبیة تجعلها أقدر على الفصل بالدعوى وکفالة آثار الحکم الصادر فیها ویکون من الأفضل للمحکمة عندئذٍ أن تتخلى عن نظر هذا النزاع.

من ذلک مثلاً إذا کانت الدعوى متعلقة بأفعال ضارة مثلاً (تصادم سیارات) للبنانی وترکی اللذان یعملان لصالح شرکة واحدة فی عمان بالأردن وبسبب قدومهما للعراق لفترة قصیرة اتفقوا على رفع دعوى أمام محاکم بغداد لفض النزاع بینهما، فهنا على القاضی العراقی أن یوازن بالأمر لاسیما ما یتعلق بأدلة الإثبات والتعویض، وتقدیره وتحصیله آخذاً بنظر الاعتبار الوقت الذی یستغرقه فی إصدار هذا الحکم حیث یطلب منهما الرجوع مباشرة للقضاء الأردنی عوضاً عن صدور حکم عراقی وطلب تنفیذه هناک باعتباره من الأحکام الأجنبیة، أما لو کان أحدهما عراقیاً قد تتحرج المحکمة عن تخلی هذه الدعوى إعمالاً للمادة (14) من القانون المدنی العراقی التی تثبت الاختصاص للمحاکم العراقیة متى ما کان أحد الخصوم عراقیاً حتى بشأن المنازعات والحقوق والالتزامات التی نشأت فی خارج العراق حیث لا اجتهاد فی مورد النص وتکون المحکمة العراقیة ملتزمة بالاستمرار بالدعوى وإصدار قرار الحکم.

الخاتمة :

إن مصطلح النظام العام یرد کثیراً فی دراسة القانون رغم إن مفهومه یصعب فیه التحدید الدقیق بحیث لا یتسنى له تعریف جامع یحدد المقصود به، وقد توصلنا من خلال هذا البحث إلى جملة من النتائج أهمها:

أولاً. النتائج

  1. یمکن تعریف النظام العام تعریفاً یبرز الأرکان والعناصر بأنه مجموعة المصالح الجوهریة الأساسیة والمثل العلیا للدولة وللجماعة التی ترضیها لنفسها التی یتأسس علیها کیان المجتمع کما یرسمه نظامها القانونی سواء کانت هذه المصالح الأساسیة والمثل العلیا سیاسیة أو اجتماعیة أو اقتصادیة أو خلقیة أم دینیة. ویُعرض الإخلال بها کیان المجتمع إلى التصدع والانهیار. والنظام العام بمثابة صمام الأمان الذی یحمی الأسس الجوهریة فی مجتمع قاضی النزاع بمنع تسرب وانقلاب القوانین الأجنبیة التی تتعارض جذریاً مع هذه الأسس.
  2. یترتب على أعمال الدفع بالنظام العام أثراً مهماً وهو وجوب استبعاد أحکام القانون الأجنبی المتعارضة مع النظام العام فی دولة القاضی وهو ما یسمى بالأثر السلبی للنظام العام وهو استبعاد القانونی الأجنبی المختص بحکم النزاع وفقاً لقواعد الإسناد الوطنیة فی حالة تعارضه معها، ولکن هذا لا یعنی بقاء موضوع النزاع معلقاً بلا قانون یحکمه أو یتوقف القاضی عن السیر فی نظر النزاع، وإذا ما تم للقاضی استبعاد هذا القانون فیتوجب علیه أن یسد هذا الفراغ التشریعی بأن یتجه للتفتیش عن قانون آخر للبت فی النزاع.
  3. یترتب على استبعاد القانون الأجنبی ثبوت الاختصاص لقانون القاضی لسد الفراغ التشریعی الناجم عن استبعاد القانون الأجنبی وهو الأثر السلبی.
  4. الاعتراف بالحقوق المکتسبة فی الخارج هو تلطیف لمفعول النظام العام ولا یعنی استبعاد کلی لفکرة الدفع بالنظام العام فی جمیع الأحوال بالنسبة لأی حق اکتسب فی الخارج.
  5. أما عن المفهوم الذی یقدر القاضی فیه من لغة القانون لفکرة النظام العام فإنه یمکن القول بأن تمتع القاضی بسلطة تحدید مفهوم فکرة النظام العام لا یعنی أن فی مقدوره أن یفرض فی هذا المجال نظرته الشخصیة للأمور بل یجب علیه أن یلتزم فی تقدیره للنظام العام بالأفکار السائدة فی مجتمعه والمتمشیة مع مصالح أمنه، لذا نرى بأن تقدیر القاضی فی تحقیق متطلبات النظام العام تعتبر مسألة قانونیة ومن ثم یجب أن تخضع لرقابة المحاکم العلیا.

ثانیاً. التوصیات

على الرغم من بذل محاولات عدة فردیة وجماعیة فی سبیل الوصول إلى تبنی تعریف مشترک لفکرة النظام العام، إلا أن المشرع العراقی التزم السکوت فی تعریف النظام العام الدولی، لذا نقترح على المشرع العراقی إیراد تعریف للنظام العام من خلال بیان أرکانه وعناصره ونقترح إیراد التعریف التالی وهو ما نؤیده وهو الآتی: " مجموعة المصالح الجوهریة الأساسیة والمثل العلیا للدولة وللجماعة التی ترضیها لنفسها التی یتأسس علیها کیان المجتمع کما یرسمه نظامها القانونی سواء کانت هذه المصالح الأساسیة والمثل العلیا سیاسیة أم اجتماعیة أم اقتصادیة أو خلقیة أو دینیة ". 

 

The Author declare That there is no conflict of interest

 

References (Arabic Translated to English)

1. Dr. Ahmed Abdelkarim Salameh, International Conflict of International Civil Law and Proceedings, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, no year printed.
2. Dr. Elias Nassif, International Contracts, I, 2009.
3. Dr. Hassan al-Hadawi, d. Ghaleb Al-Da'idi, Conflict of Laws and Conflict of Jurisdiction and Execution of Foreign Judgments, Part II, Directorate of Dar al-Kutab for Printing and Publishing, Mosul University, 1982.
4. Dr. Sami Badi Mansour and Dr. Akasha Mohamed Abdelali, International Private Law, University House, Beirut, 1997.
5. Dr. Said Youssef Al Bustani, International Private Law, I, Halabi Rights Publications, 2004.
6. Dr. Izz al-Din Abdullah, International Private Law, C2, I 7, 1972.
7. Dr. Akasha Mohamed Abdel-Aal, The Provisions of Lebanese Private International Law, Part I of Conflict of Laws, University Press and Publishing House, 1998.
8. Dr. Ghaleb Ali Al-Da'idi, Jordan's First Special Law, First Book, Second Edition, 1998.
9. Dr. Ghaleb Ali Al-Da'idi, d. Hassan al-Hadawi, International Private Law Conflict of Laws and Conflict of Jurisdiction and Implementation of Foreign Judgments of 2005.
10. Dr. Fouad Abdel Moneim Riad, Dr. Samia Rashed, Conflict of Laws and International Jurisdiction and the Effects of Foreign Judgments, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1998-1999.
11. Philip Mallory, Dissertation on Public Order and Contract, Paris, 1953.
12. Dr. Hisham Ali Sadiq, Conflict of Laws, Knowledge Establishment, Alexandria, No Year Printed.
13. Dcnova. (R.) Conflits de lois et norm Fixantleur propredomaine d'application, in Meianges Maury, Jone 1, 1960.
14. Legarde, recherches sur l'ordre publican droit international prive These, Paris, 1959.
15. Lerbours, Ageonniere et loussouar, précis de droit international prive, 8em edition, Dallo2, 1962.
16. NiBoyet (J. P.), Traite de droit international Prive tomes, III, IV et v, Paris, 1944.
17. Niboyet (J.P.), Trite de droit international prive III, IV, et v, Paris, 1944.

B. Laws
1. The Iraqi Civil Code.
2. Egyptian Civil Law.
3. The Syrian Civil Code.
4. Libyan Civil Law
5. Civil Transactions Law of the United Arab Emirates
6. Spanish Civil Law
7. German law of 1975.
8. Hungarian International Private Law of 1979.
9. Austrian Private International Law of 1979.
10. Turkish Private International Law of 1982.

  • أصل المقالة بشكل PDF
  • XML
. (2010). الدفع بالنظام العام وأثره. الرافدین للحقوق, 15(43), 85-108. doi: 10.33899/alaw.2010.160611
سلطان عبدالله محمود. "الدفع بالنظام العام وأثره". الرافدین للحقوق, 15, 43, 2010, 85-108. doi: 10.33899/alaw.2010.160611
. (2010). 'الدفع بالنظام العام وأثره', الرافدین للحقوق, 15(43), pp. 85-108. doi: 10.33899/alaw.2010.160611
. الدفع بالنظام العام وأثره. الرافدین للحقوق, 2010; 15(43): 85-108. doi: 10.33899/alaw.2010.160611
  • RIS
  • EndNote
  • BibTeX
  • APA
  • MLA
  • Harvard
  • Vancouver

1. د. أحمد عبدالکریم سلامة، التنازع الدولی للقوانین والمرافعات المدنیة الدولیة، دار النهضة العربیة، القاهرة، بدون سنة طبع.
2. د. إلیاس ناصیف، العقود الدولیة، ط1، 2009.
3. د. حسن الهداوی، ود. غالب الداؤدی، تنازع القوانین وتنازع الاختصاص القضائی وتنفیذ الأحکام الأجنبیة، الجزء الثانی، مدیریة دار الکتب للطباعة والنشر فی جامعة الموصل، 1982.
4. د. سامی بدیع منصور ود. عکاشة محمد عبدالعالی، القانون الدولی الخاص، الدار الجامعیة، بیروت، 1997.
5. د. سعید یوسف البستانی، القانون الدولی الخاص، ط1، منشورات الحلبی الحقوقیة، 2004.
6. د. عز الدین عبدالله، القانون الدولی الخاص، ج2، ط7، 1972.
7. د. عکاشة محمد عبدالعال، أحکام القانون الدولی الخاص اللبنانی، الجزء الأول فی تنازع القوانین، الدار الجامعیة للطباعة والنشر، 1998.
8. د. غالب علی الداؤدی، القانون الأولی الخاص الأردنی، الکتاب الأول، الطبعة الثانیة، 1998.
9. د. غالب علی الداؤدی، د. حسن الهداوی، القانون الدولی الخاص تنازع القوانین وتنازع الاختصاص القضائی وتنفیذ الأحکام الأجنبیة لسنة 2005.
10. د. فؤاد عبدالمنعم ریاض، د. سامیة راشد، تنازع القوانین والاختصاص القضائی الدولی وآثار الأحکام الأجنبیة، دار النهضة العربیة، القاهرة، 1998-1999.
11. فیلیب مالوری، أطروحة عن النظام العام والعقد، باریس، 1953.
12. د. هشام علی صادق، تنازع القوانین، منشأة المعارف، الإسکندریة، بدون سنة طبع.
13. Dcnova. (R.) Conflits de lois et norm Fixantleur propredomaine d'application, in Meianges Maury, Jone 1, 1960.
14. Legarde, recherches sur l'ordre publican droit international prive These, Paris, 1959.
15. Lerbours, Ageonniere et loussouar, précis de droit international prive, 8em edition, Dallo2, 1962.
16. NiBoyet (J. P.), Traite de droit international Prive tomes, III, IV et v, Paris, 1944.
17. Niboyet (J.P.), Trite de droit international prive III, IV, et v, Paris, 1944.

 

ب. القوانین
1. القانون المدنی العراقی.
2. القانون المدنی المصری.
3. القانون المدنی السوری.
4. القانون المدنی اللیبی
5. قانون المعاملات المدنیة لدولة الإمارات العربیة
6. القانون المدنی الأسبانی
7. القانون الألمانی لعام 1975.
8. القانون الدولی الخاص المجری لعام 1979.
9. القانون الدولی الخاص النمساوی لعام 1979.
10. القانون الدولی الخاص الترکی لعام 1982.

  • عدد الزيارات للمقالة: 949
  • مرات تحميل الملف الأصلي للمقالة: 741
  • لنكدان
  • تويتر
  • فيسبوك
  • غوغل
  • تيليغرام
  • الصفحة الرئيسة
  • قاموس المصطلحات التخصصية
  • الأخبار والإعلانات
  • أهداف المجلة
  • الحقوق المعنوية
  • خريطة الموقع

 کافة البحوث التی تقدم للمجلة لغرض النشر وتحصل على قبول النشر النهائی تعد ملکا لمجلة الرافدین للحقوق .

وان کافة  حقوق الطبع والتوزیع  تعود ل :

مجلة الرافدین للحقوق -کلیة الحقوق -جامعة الموصل

الموصل - العراق

 

مشغل بواسطة eJournalPlus