الملخص
إن إثبات عقد الإیجار یختلف بحسب ما إذا کان خاضعاً فی أحکامه للقانون المدنی، إذ یتم إثباته على وفق القواعد العامة فی قانون الإثبات، أو فیما إذا کان خاضعاً لأحکام قانون إیجار العقار، إذ یخضع للقواعد الخاصة التی بنص علیها هذا القانون لإثبات العقد
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
إثبات عقد الإیجار -(*)-
Proof of lease
تیماء محمود فوزی کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Taymaa Mahmood Fawzi College of law / University of Mosul Correspondence: Taymaa Mahmood Fawzi E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 12/3/2009 *** قبل للنشر فی 5/4/2009.
(*) Received on 12/3/2009 *** accepted for publishing on 5/4/2009.
Doi: 10.33899/alaw.2010.160610
© Authors, 2010, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
الملخص
إن إثبات عقد الإیجار یختلف بحسب ما إذا کان خاضعاً فی أحکامه للقانون المدنی، إذ یتم إثباته على وفق القواعد العامة فی قانون الإثبات، أو فیما إذا کان خاضعاً لأحکام قانون إیجار العقار، إذ یخضع للقواعد الخاصة التی بنص علیها هذا القانون لإثبات العقد
الکلمات الرئیسة: عقد الإیجار عقود إیجار الکترونیة المستندات الإلکترونیة
الموضوعات: قانون المرافعات المدنیة والاثبات
Abstract
The proof of the lease contract varies according to whether it is subject to the provisions of the Civil Code, as it is proved in accordance with the general rules of the law of proof, or if it is subject to the provisions of real estate rent law, subject to the special rules stipulated in this law to prove the contract
Keywords: Lease Electronic leases؛ Electronic Documents
Main Subjects: civil procedure law and law of evidence
المقدمة :
أولاً: التعریف بموضوع البحث
إن إثبات عقد الإیجار یختلف بحسب ما إذا کان خاضعاً فی أحکامه للقانون المدنی، إذ یتم إثباته على وفق القواعد العامة فی قانون الإثبات، أو فیما إذا کان خاضعاً لأحکام قانون إیجار العقار، إذ یخضع للقواعد الخاصة التی بنص علیها هذا القانون لإثبات العقد.
وقد حاول المشرع العراقی القضاء على المشاکل التی ظهرت فی إثبات عقد الإیجار من خلا إجازته لإثبات العقد بکافة طرق الإثبات والتی نص علیها فی قانون إیجار العقار رقم (56) لسنة 2000، إلا أنه لم یشر إلى التحدیات الجدیدة التی أفرزها التطور التکنولوجی فی هذا المجال.
فالصیغة الخطیة الورقیة التقلیدیة لا تمثل الشکل الوحید لهذا العقد، فالتقدم الهائل الذی صاحب ظهور الإنترنت أدى إلى ظهور عقود إیجار الکترونیة.
لکن غیاب الصیغة الخطیة فی المستندات الإلکترونیة أدى لإفراز صعوبات جدیدة لإثبات هذا العقد، ناتجة عن إمکانیة تطبیق القواعد التقلیدیة من کتابة وتوقیع على هذه المستندات، فقد شاع استخدام الوسائل الإلکترونیة أسلوباً لعرض السلع والمنتجات والخدمات، وأصبح إجراء البیع والشراء والإیجار عن طریق الإنترنت أسلوباً شائعاً لما توفره هذه الطرق من اختصار للوقت والجهد والتکالیف، وفتح باب المنافسة فی عرض مزایا السلع والعقارات سواء أکانت للبیع أم للإیجار.
وقد أدى ذلک إلى إفراز مشاکل جدیدة تتعلق بإثبات عقد الإیجار من جهة کما أدى إلى ظهور الخلاف حول الاختیار بین محاولة تطویع القواعد القانونیة التقلیدیة للإثبات لتنسجم مع هذه المتطلبات الجدیدة، وبین إیجاد الحلول التشریعیة الملائمة لهذا النوع من الإثبات من جهة أخرى، فضلاً عن محاولة الاستعانة بعناصر تعزز من الأمان والموثوقیة أثناء إبرام هذا النوع من العقود سواء أکانت عن طریق استخدام التشفیر أم آلیات مصادقة الشخص الثالث.
ثانیاً: أهمیة الموضوع
یحتل إثبات عقد الإیجار أهمیة کبیرة من حیث الواقع العملی وذلک لمحاولة المؤجر التهرب من تحریر العقد لإلزام المستأجر فی المستقبل لإخلاء الدار بعد الادعاء بأنه غاصب للعقار أو الخضوع لرغباته فی زیادة الأجرة، فضلاً عن تأثیر التغیرات الاقتصادیة والاجتماعیة وزیادة عدد السکان على مسألة إیجار العقار ومحاولة المؤجر استغلال حاجة المستأجر لذلک، وقد حاول المشرع العراقی معالجة ذلک من خلال القانون رقم (56) لسنة 2000 إلا أنه بدلاً من ذلک جعل المستأجر هو الطرف الأقوى فی العلاقة الإیجاریة من خلال إمکانیة إثبات العقد بجمیع طرق الإثبات عند توافر شروط معینة.
فضلاً عن ذلک فإن أهمیة الموضوع تتزاید فی الوقت الحالی مع انتشار ظاهرة إبرام العقود عبر الشبکة الدولیة للإنترنت وما تثیره هذه المسألة من مشاکل فی الإثبات ولاسیما بالنسبة للتشریع العراقی الذی یخلو من ضمانات تشریعیة تعالج هذه المسألة التی أصبحت بشکل أو بآخر تطبق فی العراق على الرغم من مخاطرها وغیاب الضمانات التشریعیة الخاصة بها، فهناک الکثیر من الشرکات تبرم العقود والصفقات عبر الإنترنت، وهذا یؤدی إلى التساؤل حول ماهیة الضمان وماهو الحل المقترح.
ثالثاً: تساؤلات البحث
یهدف البحث إلى الإجابة عن التساؤلات الآتیة:
رابعاً: نطاق البحث
اقتصر هذا البحث على إثبات عقد الإیجار سواء أتم إبرامه بصورة إلکترونیة أم تقلیدیة لذلک یخرج من نطاقه کل ما یتعلق بمسألة إبرام العقود الإلکترونیة وتوافر أرکان العقد وشروطه فیها ومدى صحتها أو عدم صحتها.
خامساً: صعوبات البحث
واجهتنی العدید من الصعوبات التی برزت أثناء کتابة البحث منها قلة القرارات القضائیة المتعلقة بأحکام القانون رقم (56) لسنة 2000 فضلاً عن انعدام المصادر التی تتحدث عن عقد الإیجار الإلکترونی مما استلزم بالتالی الرجوع إلى القواعد القانونیة ومحاولة تحلیلها وتفسیرها.
سادساً: منهجیة البحث
اعتمد هذا البحث على الأسلوب التحلیلی من خلال عرض الآراء والنصوص القانونیة ومحاولة تحلیلها والخروج بالقواعد القانونیة المفیدة منها، کما اعتمد هذا البحث أسلوب المقارنة بین التشریع العراقی من جهة والتشریع الأردنی والسوری اللذین تمیزا عن بقیة القوانین العربیة بالنص على أحکام جدیدة فیما یتعلق بإثبات العقد الإلکترونی عموماً وعقد الإیجار الإلکترونی خصوصاً، وتم إضافة قانون الأونسترال النموذجی الخاص بالتوقیعات الإلکترونیة فی المبحث الثانی بوصفه القانون العام الذی تستعین به التشریعات فی صیاغة قوانینها فی المجال الإلکترونی.
سابعاً: هیکلیة البحث
قسمنا هذا البحث حسب الخطة التالیة:
المبحث الأول: إثبات عقد الإیجار التقلیدی.
المطلب الأول: الغایة من تنظیم عقد الإیجار وإثباته.
المطلب الثانی: أحکام إثبات عقد الإیجار التقلیدی.
المبحث الثانی: تحدیات الإثبات لعقد الإیجار الإلکترونی.
المطلب الأول: مشکلة إثبات عقد الإیجار الإلکترونی.
المطلب الثانی: الحجیة القانونیة لعقد الإیجار الإلکترونی.
المبحث الأول
إثبات عقد الإیجار التقلیدی
إن إثبات عقد الإیجار یختلف بحسب ما إذا کان خاضعاً فی أحکامه للقانون المدنی أو لقانون إیجار العقار وهذا ما أخذ به القانون العراقی والقوانین المقارنة، وقد جاء المشرع العراقی بأحکام جدیدة ومهمة فی إثبات عقد الإیجار الخاضع لقانون إیجار العقار، إلا أنه قبل بیان هذه الأمور لابد أولاً من التعرف على الفلسفة التی قصدها المشرع العراقی وتبناها فی إثبات العقد وتنظیمه سواء أکانت فی القانون القدیم أم القانون الجدید، ولإلقاء الضوء على هذه الأمور فقد قسمنا هذا المبحث إلى المطلبین الآتیین:
المطلب الأول: الغایة من تنظیم عقد الإیجار وإثباته.
المطلب الثانی: أحکام إثبات عقد الإیجار التقلیدی
المطلب الأول
الغایة من تنظیم عقد الإیجار وإثباته
إن عقد إیجار العقار یخضع فی إثباته أما للقواعد العامة فی الإثبات أو للنصوص الخاصة التی وردت فی قانون إیجار العقار، وهذا ما نهجت علیه کافة القوانین المقارنة.
فإذا ما علمنا أن عقد الإیجار من العقود الرضائیة فإن التساؤل یثور عن سبب تدخل المشرع فی القوانین الخاصة لتنظیم أحکامه وتحدید مسألة إثباته.
فقد جاء فی المذکرة الإیضاحیة لقانون إیجار العقار العراقی ما یأتی: "وقد وجد أن الضرورة تقضی بإعادة النظر فی القواعد التی بنیت علیها القواعد السابقة تحقیقاً لأهداف الثورة فی القضاء على الاستغلال وحل المشاکل الاجتماعیة طبقاً لقواعد العدالة، فوضع هذا القانون الذی بنی على أساس تحدید حقوق المؤجر والمستأجر وتحدید التزاماتهما تحدیداً واضحاً، کما بنی على الموازنة بینهما فألزم کل طرف بعدم المساس بحقوق الطرف الآخر، ومنع استغلال المؤجر حاجة المستأجر الملحة للسکن ومنع استغلال المأجور استغلالاً یثرى به على حساب المؤجر".
ومن خلال ما أورده المشرع العراقی فی الأسباب الموجبة المذکورة سلفاً یتبین لنا أنه یهدف إلى تحقیق الأمور الآتیة:
وهذا ما سنحاول بیانه من خلال الفرعین الآتیین:
الفرع الأول
القضاء على الاستغلال وحل المشاکل الاجتماعیة طبقاً لقواعد العدالة
إن تغیر الظروف الاقتصادیة والاجتماعیة التی کانت سائدة عند تشریع قانون إیجار العقار، أجبرت المشرع على الاستجابة لهذه التغیرات وإلا سیصبح هذا التشریع عدیم الجدوى.
ولا یعنی ذلک ضرورة أن تکون القواعد القانونیة التی یضعها المشرع مرآة عاکسة للواقع، بل ینبغی أن ترصد هذه الوقائع، ثم یجری تقییمها من المشرع عن طریق الاستفادة من الصالح منها، وعلى المشرع أن یأخذ بنظر الاعتبار الظروف الاقتصادیة التی تلعب الدور الأکبر فی تشریع القانون وتبرز بصورة خاصة فی إطار العلاقات الخاصة بین الأفراد، ونجد أن الدول التی تأخذ بالنظم الاشتراکیة یزداد لدى مشرعها هذا العامل لدى التشریع، فعلیه الأخذ بنظر الاعتبار متطلبات الحیاة والسکن ووسائل النقل وتکالیف المعیشة ... الخ، فضلاً عن ذلک فعلى المشرع الأخذ بنظر الاعتبار، العوامل الدینیة والأخلاقیة فی المجتمع من أجل التعرف على الحاجات الجدیدة للجماعة ومن ثم التوصل للتنظیم القانونی الأمثل لها.
وعلیه أن یترجم تلک المفاهیم إلى صیاغة قانونیة صحیحة ودقیقة لتحقق القاعدة القانونیة الغرض منها (أی تحویل القیم التی تکون مادة القانون إلى قواعد قانونیة صالحة للتطبیق فی العمل)، فالقاعدة القانونیة تتکون من عنصرین المضمون والشکل الذی یعد الوسیلة لإدراک هذا المضمون والذی یتحقق عن طریق الصیاغة القانونیة.
لذلک کان لابد للمشرع أن یتدخل فی العلاقة الإیجاریة فی ضوء تزاید الحاجة للسکن وکثرة السکان وتزایدها فضلاً عن تغیر طبیعة الإنسان (المؤجر) ومحاولته استغلال الطرف الآخر (المستأجر) الطرف الضعیف.
الفرع الثانی
الموازنة بین مصلحة الطرفین
الموازنة هنا تکون بین أمرین:
1. الموازنة بین مصلحة الطرفین:
إن فکرة الموازنة التی یبتغی المشرع تحقیقها عند تنظیمه لأحکام الإثبات تقوم على أساس خلق نوع من العدالة بینهما لأن مصلحة المؤجر والمستأجر متعارضة، إن الإنصاف بین الطرفین أمر مطلوب فی هذه الحالة فإذا سمحنا لأحد الأطراف أن یغتنم من الطرف الآخر بدون وجه حق فإن ذلک سیعود بالوبال على واقع الحیاة الاجتماعیة، لذلک إذا ما رغبنا بتحقیق هذا التوازن یجب أن یکون ذلک بفرض نص قانونی غیر معلق على شرط.
وهذه الفکرة لیست حدیثة العهد بل هی قدیمة، سبق أن نادى بها الفقیه أرسطو، إذ تقوم العدالة لدیه على مبدأ المساواة فی حقوق والتزامات الطرفین.
والحقیقة أن فکرة الموازنة یجب أن لا تقتصر على مصلحة المؤجر والمستأجر، کما نصت على ذلک المذکرة الإیضاحیة لقانون إیجار العقار، بل تتعداها إلى ما هو أوسع وأعم أی الموازنة بین المصلحة الخاصة (والتی تکون هنا مصلحة المؤجر والمستأجر) وانعکاس ذلک على المصلحة العامة مصلحة المجتمع.
فالفرد بطبیعته یؤثر مصلحته الذاتیة على المصلحة العامة، وعلى المجتمع المحافظة على المصلحة الخاصة من الاعتداء وکل ذلک یکون بالموازنة بین المصلحتین عن طریق سن القوانین وتجریم الأفعال، أی تدخل المشرع.
2. الموازنة بین طبیعة الإنسان والمواقف:
إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار النظریات القدیمة التی نادى بها أرسطو نجد أن طبیعة الإنسان (الفرد) بغض النظر إذا ما کان مؤجر أو مستأجر، إذا لم یوضع لها مساراً أو منهجاً معیناً فی الحیاة والتصرفات فإن حیاته الأخلاقیة تتلاشى فإذا ما سمحنا للإنسان أن یکون مستغلاً أو باحثاً عن مصالحه على حساب الطرف الآخر، فإنه سیفقد معنى العدالة، فضلاً عن ذلک فإن طبیعة هذا الإنسان تقتضی عیشه فی مجتمع، لذلک یجب أخذ کافة الاحتیاطات حتى تکون هذه الحیاة منظمة وخالیة من الاستغلال، لکن من جهة أخرى یجب أن لا تتعارض هذه الحقیقة مع مصلحة أفراد المجتمع فمن هنا تبرز طبیعة الأشیاء، (إذ ثمة حالات تستدعی طبیعتها وضع قاعدة إذا ما أردنا صیانة الأهداف المطلوبة).
فعلى سبیل المثال أن تنمیة التجارة وتنظیمها فی بلد ما تتأثر حتماً إذا کان هذا التاجر مؤجراً والأذى الذی سیلحقه العقد الإلزامی (عقد الإیجار) بمصالح الطرف الآخر (المستأجر) إذا ترکناه دون تنظیم، والعکس مقبول أی الأذى المتصور بحقوق المالک (المؤجر) الذی سیلحقه المستأجر إذا ما تجاهلنا فکرة العدالة والمساواة بین مصلحة الطرفین.
لذلک نجد أن غایة المشرع عند تنظیمه لأحکام الإثبات، هی تحقیق هذه الأمور أو القضاء على هذه المشاکل من خلال محاولة إیجاد تنظیم قانونی لعقد الإیجار یمنع کل طرف من الإضرار بالآخر، وأحیاناً یمنح الإثبات لمصلحة طرف ویسهله له کعامل ردع أو عقوبة للطرف المسیء، مثال ذلک أباح المشرع للمستأجر إثبات عقد الإیجار بجمیع طرق الإثبات إذا فی حالة عدم تحریر عقد الإیجار بعد توافر شروط أخرى نص علیها القانون.
فضلاً عن کل ما تقدم فإن التساؤل یثور عن سبب تفرقة المشرع العراقی فی تنظیمه لقواعد الإیجار بین القانون المدنی وقانون إیجار العقار وانعکاس ذلک على إثباته.
نصت م(1) من قانون إیجار العقار على ما یأتی "1-أ- تسری أحکام القانون على العقارات المبنیة المؤجرة لأغراض السکنى للعراقیین الواقعة ضمن حدود أمانة بغداد والبلدیات ... 2- تستثنى العقارات الآتیة من أحکام الفقرة (1) من هذه المادة وتخضع فی إیجارها إلى أحکام القانون المدنی أو القوانین الخاصة بها:
أ. العقارات المعدة للسکنى التی تؤجرها الدولة أو الأشخاص المعنویة العامة للعاملین فیها.
ب. العقارات المعدة للسکنى التی تؤجرها الدولة أو الأشخاص المعنویة العامة التی یصدر وزیر المالیة بیاناً باستثنائها.
ج. العقارات المؤجرة لغیر العراقیین أشخاصاً أو هیئات".
ومن هذا المنطلق تبنى المشرع العراقی فلسفته الخاصة فی الإثبات، فبالنسبة للقانون المدنی لم ینص لا هو ولا قانون الإیجار ولا قانون الإثبات على أی نص خاص فی الإثبات، وجعلها بذلک تخضع للقواعد العامة فی الإثبات.
ولعل السبب فی ذلک، أن العقارات المشمولة بأحکام القانون المدنی المؤجرة من الدولة للأشخاص أو حسب ما یصدره وزیر المالیة، تکون الدولة فیها طرف فی العقد وبذلک تقل مسألة التخوف من استغلال الطرف القوی للطرف الضعیف.
أما العقارات المعدة للسکن والمؤجرة للعراقیین فستخضع لأحکام قانون إیجار العقار وقد جاء المشرع العراقی بأحکام جدیدة فی الإثبات فی القانون المعدل له، وجاء فی الأسباب الموجبة لهذا التعدیل "بغیة تحقیق التوازن بین طرفی عقد الإیجار بنظرة عادلة تقوم على أساس المساواة، ومراعاة الظروف الاجتماعیة والاقتصادیة وتعزیز الروابط العائلیة فقد شرع هذا القانون".
المطلب الثانی
أحکام إثبات عقد الإیجار التقلیدی
سنبین فی هذا المطلب القواعد العامة لإثبات عقد الإیجار المنظم على وفق القانون المدنی، والقواعد الخاصة التی نص علیها قانون إیجار العقار والتعدیلات الواردة على هذا القانون بشأن الإثبات وذلک من خلال الفرعین الآتیین:
الفرع الأول
إثبات عقد الإیجار الخاضع لأحکام القانون المدنی
اقتصر القانون المدنی العراقی على تنظیم أحکام عقد الإیجار فی المواد (722-863) دون أن یشیر إلى نص خاص لإثباته والأمر کذلک بالنسبة لقانون الإثبات العراقی إذ لم یرد نص خاص یتعلق بإثبات عقد الإیجار، لذلک فطبقاً للـ (ف/1/م11) من قانون الإثبات العراقی التی تنص "یسری هذا القانون على أولاً: القضایا المدنیة والتجاریة..."، لذلک یتم إثبات العقد وفقاً للقواعد العامة الواردة فی هذا القانون.
نصت م(77) من قانون الإثبات العراقی على ما یأتی "أولاً – یجوز إثبات وجود التصرف القانونی أو انقضائه بالشهادة إذا کانت قیمته لا تزید على (5000) خمسة آلاف دینار. ثانیاً – إذا کان التصرف القانونی تزید قیمته على (5000) خمسة آلاف دینار أو کان غیر محدد القیمة، فلا یجوز إثبات هذا التصرف أو انقضائه بالشهادة ما لم یوجد اتفاق أو قانون ینص على خلاف ذلک".
وکذلک الحال بالنسبة للقانون المدنی الأردنی إذ اقتصرت المواد (658-722) على تنظیم أحکامه دون إشارة خاصة لإثباته، لذلک یتم اللجوء للقواعد العامة فی الإثبات إذ نصت (ف1/م28) من قانون البینات الأردنی "إذا کان الالتزام التعاقدی فی غیر المواد التجاریة تزید قیمته على عشرة دنانیر أو کان غیر محدد القیمة فلا تجوز الشهادة فی إثبات وجود الالتزام أو البراءة منه ما لم یوجد اتفاق أو نص یقضی بخلاف ذلک...".
وکذلک الحال بالنسبة للقانون السوری إذ اقتصر القانون المدنی فی المواد (526-601) على تنظیم أحکام عقد الإیجار دون الإشارة إلى إثباته لذلک یتم اللجوء إلى القواعد العامة لقانون الإثبات السوری، إذ تنص ف(1/م54) من قانون البینات السوری "1- إذا کان الالتزام التعاقدی فی غیر المواد التجاریة تزید قیمته على خمسمائة لیرة أو کان غیر محدد القیمة فلا تجوز الشهادة فی إثبات وجود الالتزام أو البراءة منه، ما لم یوجد اتفاق أو نص یقضی بغیر ذلک، أما فی الالتزامات التجاریة إطلاقاً وفی الالتزامات المدنیة التی لا تزید قیمتها على خمسمائة لیرة فیجوز الإثبات بالشهادة...".
من خلال ما تقدم یتبین أن عقد الإیجار یتم إثباته عن طریق الإقرار والاستجواب والیمین والدلیل الکتابی. وسیتم الترکیز على الدلیل الکتابی لکونه الطریق الأکثر شیوعاً فی الإثبات ولکونه الغایة التی قصدها المشرع من تعدیل قانون الإیجار أی تحریر العقد.
وقد اتفقت القوانین المقارنة على الإثبات بالدلیل الکتابی فی حالتین:
1. إذا تجاوزت قیمة عقد الإیجار مبلغاً محدداً:
اختلفت القوانین المقارنة فی تحدید هذه القیمة، فبالنسبة للقانون العراقی حددها بـ 5000 دینار وحددها الأردنی بـ (10) دنانیر، أما القانون السوری فحددها بـ (500) لیرة سوریة فإذا تجاوز العقد هذه القیم وجب إثباته عن طریق الدلیل الکتابی.
وذهب رأی إلى أن عقد الإیجار إذا تجاوز هذه القیم یجوز إثباته بالنسبة للقانون العراقی عن طریق الدلیل الکتابی والیمین والإقرار.
ونجد أن ذلک محل نظر فی الوقت الحالی بعد صدور القانون رقم (46) لسنة 2000 القانون المعدل لقانون الإثبات العراقی الذی أزال الحجة القاطعة للإقرار وأصبح فقط حجة قاصرة، فسابقاً کان الإقرار یوازی الدلیل الکتابی فی القوة ولکن بموجب هذا النص أصبح أقل منه مرتبة.
ویلاحظ أن القانون العراقی والأردنی والسوری لم یجعل قاعدة وجوب الإثبات بالدلیل الکتابی من النظام العام بل أجاز للأطراف الاتفاق على مخالفتها.
2. إذا کان العقد غیر محدد القیمة:
تقدر قیمة الإیجار بالأجرة التی یُلزم المستأجر بدفعها عن کل مدة الإیجار، فإذا لم یکن هنالک اتفاق بالأجرة على المدة یصبح غیر محدد القیمة فیتم إثباته بالدلیل الکتابی أو ما یقوم مقامه وهذا ما اتفقت علیه القوانین المقارنة.
وقد نصت م(77) من قانون الإثبات العراقی على مجموعة من القواعد لتحدید قیمة الالتزام، وتتلخص هذه القواعد بما یأتی:
کما یتم إثبات عقد الإیجار عن طریق الشهادة طبقاً للقواعد العامة فی الإثبات وهذا ما أخذت به القوانین المقارنة إذ نصت (ف أولاً/م77) من قانون الإثبات العراقی على ما یأتی: "أولاً- یجوز إثبات وجود التصرف القانونی أو انقضائه بالشهادة إذا کانت قیمته لا تزید على (5000) آلاف دینار ...". وهذا النص من الناحیة العملیة لا یطبق على عقد الإیجار إذ لا یوجد عقد أقل من هذا المبلغ.
أما القانون الأردنی فنصت م(27) "یجوز الإثبات بالشهادة فی الالتزامات الغیر تعاقدیة". ونصت (ف1/م28) من نفس القانون على "... الالتزامات المدنیة التی لا تزید قیمتها على عشرة دنانیر فیجوز الإثبات بالشهادة ...".
أما فی قانون البینات السوری فقد أجاز الإثبات بالشهادة فی الالتزامات غیر التعاقدیة، أما الالتزامات التعاقدیة فلا یجوز الإثبات بالشهادة إلا فی الالتزامات المدنیة والتجاریة التی لا تزید عن 500 لیرة، وندعوا المشرع العراقی إلى زیادة نصاب الشهادة لأنه لا یعقل إبرام عقد أقل من هذا المبلغ، ومن جهة أخرى فإنه یجوز إثبات عقد الإیجار بکافة طرق الإثبات ومن بینها الشهادة حتى لو تجاوزت قیمة العقد المبلغ المحدد، استثناءً على القاعدة العامة وهذا ما نصت علیه القوانین المقارنة، إذ نص المشرع العراقی فی م(18) منه على ما یأتی "یجوز أن یثبت بجمیع طرق الإثبات ما کان یجب إثباته بالکتابة فی حالتین أولاً: إذا فقد السند الکتابی بسبب لا دخل لإرادة صاحبه فیه. ثانیاً: إذا وجد مانع مادی أو أدبی حال دون الحصول على دلیل کتابی" ونصت م(78) منه على الإثبات بالشهادة إذا وجد مبدأ بثبوت الکتابة وهذا ما أخذ به القانون الأردنی والسوری، إلا أنهم أضافوا حالة أخرى وهی إذا طعن بالعقد بأنه ممنوع بالقانون أو مخالف للنظام العام والآداب.
علیه فإن الحالات التی یجوز إثبات عقد الإیجار فیها بالشهادة استثناءاً هی:
1. مبدأ الثبوت بالکتابة:
عرفت م(78) من قانون الإثبات العراقی، مبدأ الثبوت بالکتابة بأنها (کل کتابة تصدر من الخصم یکون من شأنها أن تجعل الحق المدعى به قریب الاحتمال) وهذا ما أخذ به القانون الأردنی فی (ف2/م30): "مبدأ الثبوت بالکتابة هو کل کتابة تصدر عن الخصم ویکون من شأنها أن تجعل وجود العقد المدعى به قریب الاحتمال".
وهذا ما أخذ به القانون السوری أیضاً، ویلاحظ أن القانون الأردنی والسوری اختلف عن القانون العراقی لأنه ذکر عبارة (من شانها أن تجعل العقد المدعى به) ونجد أن المشرع العراقی کان أفضل فی تعریفه وإیراده بعبارة للحق لأنه سیکون أعم ویشمل الحقوق کافة.
ولا یکفی مبدأ الثبوت بالکتابة لوحده بل یجب أن یکمل بالشهادة أو القرائن وهناک شروط یجب توافرها لنکون أمام مبدأ الثبوت وهی:
2. فقدان عقد الإیجار من دون إرادة صاحبه:
یفترض فی هذه الحالة أن عقد الإیجار صحیح من الناحیة القانونیة ولکن لا یمکن الإثبات بالدلیل الکتابی بسبب فقدانه لذلک یشترط تحقق أمرین الأول وجود عقد إیجار کامل وصحیح ومستوفی لشروطه، والثانی أن یفقد هذا العقد لسبب أجنبی. ولم یتم تحدید معنى السبب الأجنبی بل أطلق المعنى لیشمل کل حالة تدخل فی مفهومه فقد یکون سبب العقد حادثاً أو قوة قاهرة أو فعل الغیر ... الخ.
3. وجود المانع المادی أو الأدبی:
قد یوجد الشخص فی ظرف تحول بینه وبین الحصول على الدلیل الکتابی لذلک تقدیراً لهذه الضرورة یجوز الإثبات بالشهادة وما کان یجب إثباته کتابةً ومن الأمثلة على المانع المادی کما إذا تم إبرام العقد وقت الحروب أو الکوارث الطبیعیة إذ لا یتوفر الوقت الکافی لتحریر الدلیل الکتابی.
أما المانع الأدبی فیتحقق عندما یصاحب التصرف اعتبارات اجتماعیة أو ظروف نفسیة تحول دون الحصول على الدلیل الکتابی، ومن الأمثلة على ذلک رابطة الزوجیة تمنع أن یأخذ أحد الطرفین سنداً ضد الآخر، وکذلک البنوة والأبوة والزوجة ووالد زوجها ... الخ.
4. الطعن بالعقد بأنه مخالف للنظام العام والقانون:
وهذا ما نص علیه القانون السوری والاردنی، ونجد أن ذلک محل نظر فلا یوجد أی وجه لقبول الإثبات بالشهادة فی حالة الطعن بالعقد، لأن ذلک قد یسمح بالتحایل على القانون وإبرام عقود مخالفة للنظام العام ومن ثم إثباتها عن طریق الشهادة.
5. وجود اتفاق أو نص قانونی:
إذا کان عقد الإیجار یتجاوز فی قیمته النصاب القانونی فإنه یجوز إثباته بالشهادة استثناءاً الى القواعد العامة إذا وجد نص قانونی. یشیر إلى ذلک. أو اتفقت الأطراف فیما بینهم على الشهادة لإثبات عقد الإیجار. فیجب على القاضی أن یأخذ بهذا الاتفاق لأن القاعدة التی تقرر وجوب الإثبات بالدلیل الکتابی لا تعد من النظام العام ویجوز الاتفاق على مخالفتها.
الفرع الثانی
إثبات عقد الإیجار فی ظل أحکام قانون إیجار العقار
نظمت قوانین إیجار العقار مسألة إثبات العقد، وقد جاء القانون العراقی بمبادئ جدیدة تتعلق بإثباته وذلک فی التعدیل الأخیر للقانون إذ نصت (ف4/م7) منه على "أ- على المؤجر والمستأجر تحریر عقد الإیجار کتابة وإیداع نسخة منه لدى ضریبة العقار ومکتب المعلومات أو مرکز الشرطة عند عدم وجود المکتب فی مدة لا تتجاوز (30) یوم من تاریخ إبرامه. ب- إذا لم یحرر عقد الإیجار أو لم تودع نسخة منه وفق البند (أ) من هذه الفقرة، ومضت مدة سنة فأکثر على الاتفاق على عقد الإیجار وإشغال المستأجر للمأجور دون منازعة تحریریة من المالک، وکان المالک أو من یمثله مقیماً فی العراق خلال المدة المذکورة فللمستأجر إثبات عقد الإیجار وشروطه بجمیع طرق الإثبات".
لقد زادت المشاکل الناجمة عن إثبات عقد الإیجار فی الآونة الأخیرة نظراً لارتفاع الأسعار وتزاید الطلب وانتشار ظاهرة غصب العقار وعدم تحریر العقد للتهرب من أحکام قانون ضریبة العقار وإیجار العقار.
وقد یبدو للوهلة الأولى أن النص فی أعلاه قد عالج المشاکل التی کانت موجودة فی (ف4/م7) من القانون قبل إلغائها والتی اقتصرت على إلزام المؤجر بإیداع نسخة من العقد لدى دائرة ضریبة العقار وفرض غرامة مالیة أو الحبس فی حال مخالفة ذلک.
وبذلک فقد ألزم النص الجدید الطرفین بتحریر العقد، لأنه سابقاً کان الأمر بید المؤجر فقد یتهرب من تحریر العقد أو یحرره خالیاً من التاریخ أو فی أی وقت آخر یراه مناسباً إذا ما اقیمت دعوى جزائیة ضده، فیؤدی ذلک لإقامة دعوى الغصب على المستأجر لإجباره إما على التخلیة وترک المأجور أو الاستجابة لزیادة الأجرة.
إلا أنه على الرغم من ذلک فإن النص الجدید لا یخلو من الانتقادات والتی یمکن تلخیصها بما یأتی:
1. لقد أجاز النص الجدید للمستأجر إثبات عقد الإیجار بجمیع طرائق الإثبات وذلک عند توافر شروط معینة، وهی عدم تحریر العقد، أو تحریره وعدم إیداع نسخة منه لدى دائرة ضریبة العقار ومکتب المعلومات أو مرکز الشرطة خلال 30 یوم، مضی مدة سنة فأکثر على الاتفاق، إشغال المأجور من قبل المستأجر لمدة سنة فأکثر دون منازعة تحریریة من المالک، وجود المالک أو من یمثله مقیماً فی العراق.
وتجدر الإشارة إلى أن الإثبات بالشهادة فی هذه الحالة یجب أن لا یتعارض مع ما نص علیه قانون الإثبات العراقی فی (ف1/م79) إذ لا یجوز الإثبات بالشهادة فی التصرفات القانونیة حتى لو کانت أقل من 5 آلاف إذا کانت الغایة منها إثبات ما یجاوز أو یخالف ما اشتمل علیه دلیل کتابی. لذلک فإن الإثبات بالشهادة لا یکون إلا إذا کان عقد الإیجار شفویاً بین الطرفین.
کما یؤخذ على هذا النص أنه اشترط أن تکون المنازعة التحریریة من المالک دون أن یأخذ بنظر الاعتبار احتمالیة تأجیره من الباطن، أو فی حالة خضوعه للرهن قد یقوم الدائن المرتهن بتأجیره، لذلک کان الأفضل إیراد عبارة المؤجر، فضلاً عن ذلک فإن هذا النص یشمل فقط العقارات المخصصة بالسکن أما الصناعیة والتجاریة والعقارات السکنیة التی تؤجرها الدولة للعاملین فیها. والعقارات السکنیة التی یصدر وزیر المالیة بیان باستثنائها والعقارات المؤجرة لغیر العراقیین فتبقى خاضعة لأحکام القانون المدنی والأفضل تعمیم النص لتتحقق الغایة منه.
فضلاً عن أن هذا النص لم یأخذ بنظر الاعتبار التوازن فی العلاقة الإیجاریة ما بین المؤجر والمستأجر إذ جاء النص لمصلحة المستأجر بالکامل، إضافةً لذلک إن إعطاء الحق للمستأجر بالإثبات بجمیع طرق الإثبات یعد فی الحقیقة من الأمور الخطیرة، فهذا یعنی إمکانیة الإثبات بالشهادة، وهذا ما أخذ به القضاء العراقی إذ جاء فی قرار لمحکمة استئناف نینوى الاتحادیة "... استناداً إلى المادة 7/ف 4 من قانون إیجار العقار فقد استمعت المحکمة إلى أقوال الشهود الذین أحضرهما المدعى علیهما لإثبات دفوعهما کما استمعت لأقوال الشهود الذین أحضرتهم المدعیة..." وقد أصبحت ذمم الشهود فی الوقت الحاضر تباع وتشترى بکل سهولة، لذلک کان الأفضل تحدید هذه الطرق فی الإثبات وعدم إطلاقها.
کما أن هذه الخطورة لا تقللها الشروط التی وضعها المشرع والتی قید بها حق المستأجر بالإثبات بکافة الطرق، لأنها محل نظر، وغیر کافیة فمثلاً اشتراط إقامة المالک لمدة سنة فی العراق تؤدی إلى التحایل بعدم الإقامة فی العراق وذلک للتهرب من القانون، واشتراط مضی مدة سنة فأکثر على إشغال المأجور من قبل المستأجر نجد أنها فترة طویلة، أیضاً تسمح للطرف السیء النیة باستغلالها ضد مصلحة الطرف الآخر.
2. لم یراع هذا النص التطور التقنی الذی أصبح مفروضاً إذ لم یعالج عقد الإیجار الإلکترونی، ولاسیما وأنه صدر مواکباً لتعدیل قانون الإثبات، إلا أن کلا القانونین لم یتضمنا أیة إشارة للسندات الإلکترونیة، ویعد ذلک محل نظر. فإذا تم إبرام العقد عبر الإنترنت ولاسیما مع انتشار المواقع التی تروج لإیجار شقق أو دور مؤثثة وبأسعار تنافسیة، فلو تم إبرام العقد عبر الإنترنت وحصل أی خلاف فکیف یتم إثباته مع غیاب النص الذی یعالج مسألة الاعتراف بالحجیة القانونیة للسندات الإلکترونیة وهذا ما سنحاول الإجابة علیه فی المبحث الثانی من هذه الدراسة.
أما القوانین المقارنة فقد نص القانون الأردنی فی م(4) منه على ما یأتی "یجوز للمستأجر إثبات الأجارة بجمیع طرق الإثبات فی العقود اللاحقة التی تجری بعد نفاذ هذا القانون...".
یتبین من النص فی أعلاه أن المشرع الأردنی أعطى هذا الحق فی الإثبات للمستأجر فقط دون المؤجر، وذلک لحمایته فی الحالات التی یستأجر فیها عقاراً دون أن یتمکن من الحصول على عقد مکتوب، إلا أنه لغرض تطبیق هذه المادة یجب أن لا تتعارض مع ما جاء من م(29) من قانون البینات الأردنی من أنه لا یجوز الإثبات بالشهادة فی الالتزامات التعاقدیة حتى لو کان المطلوب إثباته لا یزید على (عشرة دنانیر) حینما یخالف أو یجاوز ما اشتمل علیه دلیل کتابی، لذلک إذا وجد عقد مکتوب لا یجوز إثبات خلافه عن طریق الشهادة أو القرائن إلا فی حالة الغش والإکراه، ونحن لا نؤید کل من التشریع العراقی والأردنی فی مسألة إطلاق الإثبات لأنه کما وضحنا هذا الأمر سیجعل المستأجر هو صاحب المرکز الأقوى، فنقترح بدلاً من ذلک إلزام المؤجر بدفع غرامات تأخیریة فی حالة مضی مدة زمنیة معینة على إبرام العقد دون تسجیله.
أما بالنسبة للقانون السوری، فیلاحظ أنه عد المؤجر هو الطرف الضعیف فی العقد لذلک فقد أسبغ حمایة خاصة له تتیح استرداد العقار عند انتهاء مدة الإیجار، إذ فرقت م(1) من القانون السوری بین نوعین من العقارات الأولى تتعلق بالعقارات المعدة للسکن أو الاصطیاف أو السیاحة أو العقارات المأجورة من الجهات الرسمیة سواء أکانت أحزاب الجبهة الوطنیة أو دوائر الدولة ومؤسساتها، وجعلتها خاضعة لإرادة المتعاقدین.
والثانیة: العقارات المؤجرة فی ظل القانون رقم (111) لسنة 1952 والجاری تأجیرها بعد نفاذ قانون الإیجارات رقم (6) وتتعلق بالأعمال التجاریة أو الصناعیة أو الحرفیة، فتخضع لأحکام التمدید الحکمی وتحدید بدل الإیجار، أی أنها فرقت بین نوعین من عقود الإیجار وجعلت قسم یخضع للقانون المدنی والآخر لقانون الإیجار.
ثم نصت م(4) من نفس القانون على ما یأتی "أ- یعد عقد الإیجار المشمول بأحکام الفقرة (أ) من المادة الأولى المسجل وفق المادة (3) سنداً تنفیذیاً ... ویحق للمؤجر استرداد عقاره عند انتهاء المدة المحدودة فی عقد الإیجار عن طریق دائرة التنفیذ.
ب- أما العقود المبرمة فی ظل أحکام هذا القانون الغیر مسجلة، فتخضع فی إثباتها للقواعد القانونیة النافذة وتسری علیها أحکام الفقرة (أ) أو (ب) من المادة الأولى من هذا القانون".
یتضح من النص أعلاه أنه فرق فی الإثبات بین نوعین من عقود الإیجار إذ جعل عقود الإیجار المسجلة سنداً تنفیذی بید صاحبها بحیث یسمح باستردادها عند انتهاء العقد، وکأن ذلک مکافئة من المشرع السوری للمؤجر الذی التزم بتحریر العقد وتسجیله، أما الغیر مسجلة فنفرق فی الإثبات بین خضوعها لأحکام القانون المدنی أو قانون الإیجار بحسب نوعها إذا کانت سکنیة أو صناعیة ... الخ.
ونجد أن المشرع السوری قد عالج مسألة عدم تحریر العقد بإعطاء ضمانات قویة للمؤجر فی حالة تسجیله للعقد أما فی حالة عدم تسجیله فیخضع للأحکام العامة للإثبات دون أی تمیز أو ضمان. ونجد أن ذلک أمر جدیر بالتقدیر ندعو المشرع العراقی للأخذ به.
المبحث الثانی
اثبات عقد الایجار الالکترونی
ان الاثبات هو عنصر رئیسی یرتبط بکل الانظمة القانونیة ، وقد أصبح عالم المعلوماتیة أمراً واقعیاً یفرض نفسه فی التعامل الیومی ، وقد فرض علینا التطور التکنولوجی ضرورة البحث فی الحمایة القانونیة لما یتم إبرامه من عقود بالوسائل الالکترونیة ، فضلاً عن الحجیة القانونیة لهذا العقد فی حالة عرضه على القضاء مما یتطلب بحث اهم الصعوبات التی تعترض الاثبات الالکترونی ومدى حجیة هذه السندات فی الاثبات الامر الذی سنبحثه فی المطلبین الاتیین:
المطلب الاول تحدیات الاثبات لعقد الایجار الالکترونی
المطلب الثانی : الحجیة القانونیة لعقد الایجار الالکترونی
المطلب الأول
تحدیات الإثبات لعقد الایجار الالکترونی
قبل الدخول فی تحدیات الاثبات ، لا بد لنا من تعریف عقد الایجار الالکترونی ، إلا ان القوانین المنظمة للمعاملات الالکترونیة اقتصرت على تعریف العقد الالکترونی .
لم یعرف قانون الاونسترال النموذجی العقد الإلکترونی، أما القانون الاردنی فقد عرفه فی م(2) بأنه ((الاتفاق الذی یتم انعقاده بوسائل الکترونیة کلیاً او جزئیاً)) . فی حین ان القانون السوری لم یتناوله بالتعریف .
أما على صعید القانون فهناک من عرفهبانه ((اتفاق یتلاقى فیه الایجاب بالقبول على شبکة دولیة مفتوحة للاتصال عن بعد بوسیلة مسموعة مرئیة بفضل التفاعل بین القابل والموجب)) .
وعرفه رأی اخربانه ((ذلک العقد الذی یتم بمجرد اتفاق الاطراف أی صدور الایجاب والقبول باستخدام تلک التقنیات من الانترنیت وما توفره من البرید الالکترونی وإمکانیة التحاور عن بعد وخدمات الویب ، سواء أکانت تلک الاجهزة مبرمجة لغرض التعاقد نیابة عن الاطراف أم احداهما)) .
من خلال ما تقدم نلاحظ ان هذه القوانین لم تعرف عقد الایجار الالکترونی حتى بالنسبة للقانون الاردنی والسوری إذ أشار کل منهما وبشکل صریح الى تطبیق احکام هذا القانون على عقد الایجار الالکترونی ، إلا انه مع ذلک لم یورد تعریف له .
علیه یمکننا ان نعرف عقد الایجار الالکترونی بانه ((العقد الذی یتم إبرامه باستخدام التقنیات الحدیثة ، ویتم بموجبه الانتفاع بشیء معین لقاء أجر ولمدة معلومة)) . وتجدر الاشارة الى ان التطور السریع للمعاملات الالکترونیة وسهولة وسرعة استخدامها افرزت من الناحیة العملیة ، وفیما یتعلق بعقد الایجار الالکترونی ، نوعین من المشکلات القانونیة ، الاولى کانت على صعید مصداقیة التوقیع والتأکد من هویة الاطراف وصحة المعلومات ، والثانیة تتعلق بمشکلة اثبات العقد ومدى توافر شروط الاثبات من حیث الکتابة والتوقیع ، الامر الذی سنوضحه من خلال الفرعین الاتیین :
الفرع الأول
مصداقیة التوقیع الالکترونی والتأکد من هویة الاطراف
یقوم عقد الایجار من حیث صحته کعقد على مجموعة من الارکان ، سواء أکان فی المجال التقلیدی أم الالکترونی ، وهذه الارکان تتعلق بالرضا والمحل والسبب ، فیجب ان تکون الارادة خالیة من العیوب وان یتوافق الایجاب مع القبول وان یتمتع الاطراف بالاهلیة اللازمة لذلک . فضلاً عن ورود العقد على محل معین ومشروع وغیر مخالف للنظام العام فمثلاً لا یجوز إیجار المدافن لغرض السکن.
إلا ان ظهور الانترنیت والحاسب الالی ادى الى ظهور ادوات جدیدة لا توفر هذا الدلیل المادی التقلیدی ، ففی مجال إبرام العقود یمکننا تصور الاتی :
1- أما إرسال رسالة من المستأجر الى المؤجر عبر الحاسب الالی لطلب ایجار دار او شقة … الخ .
2- او وجود مجموعة من المواقع الجاهزة التی تعرض خدماتها على الجهاز الآلی والتی تدلل على وجود شقق او أماکن للإیجار وبأسعار تنافسیة وفی کلا الحالتین ، یتم الامر عبر الحاسب الآلی فکیف یتم الوثوق بهذه المواقع فقد تکون وهیمة او تمثل شرکات لا وجود لها ، فضلاً عن مدى صحة المعلومات المعروضة على الجهاز ، فقد یکون هذا الایجار من الباطن أی ان المؤجر ، هو لیس المالک الحقیقی ، فضلاً عن صعوبة التأکد من هویة الطرفین.
وتظهر مشکلة اخرى تتعلق بحمایة أمن المعلومات وإمکانیة التجسس على الشبکة وتزویر التوقیع فکیف یمکن التأکد من هویة الاطراف وان هذا التوقیع من صاحب الطلب.
وأمام هذه المشاکل العملیة ، کان لا بد من وجود جهات وشبکات محایدة تقوم بعملیة التصدیق والتأکد من هویة الاطراف بما یضمن امان الصفقة ، هذه الجهات اصطلح على تسمیتها بـ (مقدم خدمات التصدیق) او الشخص الثالث المصادق والذی یعرف بأنه (جهة او منظمة عامة او خاصة تصدر شهادة الکترونیة ، هی سجل معلوماتی یحتوی على مجموعة معلومات تعریفیة منها اسم المستخدم طالب الشهادة واسم سلطة المصادقة وتاریخ صلاحیة الشهادة). وهذه الشهادة تؤمن صلاحیة الموّقع وحجیة توقیعه والتأکد من هویته . وتوقع من قبل شخص له الحق فی مزاولة العمل وبالتالی یمکن اعتبارها (بطاقة هویة الکترونیة) وضعت من قبل طرف ثالث محاید عن العقد .
فضلاً عن ذلک فإنه بموجب الشهادة التی یصدرها مزود خدمات التصدیق یتم التأکد من شخصیة الموّقع وأهلیته وسلطاته واختصاصه الوظیفی ، فعلى سبیل المثال یمکن التأکد اذا کان هذا الشخص محل الصفقة مقاوّل او محامی …الخ.
وقد حرصت القوانین المنظمة للمعاملات الالکترونیة ، على تعریف وتنظیم عمل مزود خدمات التصدیق کمحاولة للحد من المخاطر او المشکلات السابق الاشارة الیها . فقد عرفه قانون الاونسترال النموذجی بأنه (شخصاً یصدر الشهادات ، ویجوز ان یقدم خدمات اخرى ذات صلة بالتوقیعات الالکترونیة)، أما القانون الاردنی فلم یعرفه إنما أشار الى عمله من خلال الاجراءات التی نص علیها إذ نصت م(2) منه على تعریف إجراءات التوثیق بأنها (الاجراءات المتبعة من ان التوقیع الالکترونی او السجل الالکترونی قد تم تنفیذه من شخص معین او لتتبع التغیرات والاخطاء التی حدثت فی سجل الکترونی بعد انشائه بما فی ذلک استخدام وسائل التحلیل للتعرف على الرموز والکلمات والارقام وفک التشفیر والاستعادة العکسیة وأی وسیلة او إجراءات اخرى تحقق الغرض المقصود) . کما عرفت نفس المادة شهادة التوثیق (الشهادة التی تصدر عن جهة مرخصة او معتمدة لاثبات نسبة توقیع الکترونی الى شخص معین استناداً الى اجراءات توثیق معتمدة) .
أما القانون السوری فعرف مزود خدمات التصدیق بأنه (جهة مرخصة مخول لها إصدار شهادات التصدیق الالکترونی وتقدیم أیة خدمات اخرى تتعلق بذلک).
وبذلک نجد ان القانون السوری اعتمد نهج قانون الاونسترال النموذجی فی تعریفه لمزود خدمات التصدیق ، ومن خلال ما تقدم فإن هذه الجهة هی جهة توثیق مهمتها التأکد من هویات الاطراف وتواقیعهم وهناک سؤال یطرح نفسها . هل یکفی وجود هذه الجهة کضمان لحل المشاکل السابق الاشارة الیها .
نجد ان وجود جهة محایدة تأخذ على عاتقها التأکد من هویات الاطراف وتواقیعهم أمر جدیر بالتقدیر ، لا سیما وانه منظم وفق جهات حکومیة ویخضع للرقابة والاشراف ویستخدم فی عمله تقنیات عالیة من التشفیر.
وتجدر الإشارة إلى أن القوانین المنظمة للتعاملات الإلکترونیة، لم تجعل عمل مزود خدمات التصدیق مقتصراً على الدولة التی شرعت هذا النظام، فأجازت اعتماد شهادات التوثیق الأجنبیة وهذا ما أخذ به قانون الأونسترال النموذجی إذ نص "..2- تکون للشهادة التی تصدر (خارج الدولة المشترکة) المفعول القانونی نفسه فی (الدولة المشترکة) ... إذا کانت تتیح مستوى مکافئ من الموثوقیة".
أما القانون الأردنی فقد اشترط أن تکون هذه الشهادات صادرة عن سلطة مختصة ومعترف بها بالدولة الأجنبیة. فی حین اشترط القانون السوری للاعتراف بهذه الشهادة أن لا یتعارض ذلک مع الاتفاقیات الدولیة التی تبرمها سوریا فی هذا المجال، وخول الوزیر المختص بإصدار التعلیمات والضمانات الخاصة باعتماد هذا النوع من الشهادات.
وبذلک نلاحظ أن الاعتماد على شهادات التوثیق الأجنبیة لا یکون إلا بعد توافر شروط معینة نصت علیها القوانین المقارنة.
لذلک ندعو المشرع العراقی الى الاخذ بهذا النظام ، بعد اعترافه بالسندات الالکترونیة أسوة بباقی الدول العربیة والاجنبیة ، فمن الناحیة العملیة تبرم الشرکات والمعامل العراقیة العدید من العقود الالکترونیة – وان کانت فی غالبیتها عقود بیع مثل الشرکة العامة للأدویة –(*) من دون أی ضمان او حمایة للجانب العراقی .
وبذلک نجد ان مزود خدمات التصدیق هو بمثابة طرف ثالث محاید وجهة توثیق وتصدیق، لذلک فان التساؤل یثور عن طبیعة او تکییف العمل الذی یقوم به مزود خدمات التصدیق . هل یکون بمنزلة الکاتب العدل التقلیدی نفسه ؟
ذهب البعض ، الى ان مزود خدمات التصدیق والذی یطلق علیه فی بعض الاحیان الکاتب العدل الالکترونی ، یختلف فی عمله عن الکاتب العدل التقلیدی . إذ ان هذه الوظفیة برزت کنتیجة للتطور الهائل فی المجال المعلوماتی والذی انتج صفقات غیر مادیة لا تعتمد على الدعامات الورقیة التقلیدیة فی مجال الاثبات . فی حین ذهب رأی، الى المساواة بین عمل الکاتب العدل التقلیدی ومزود خدمات التصدیق وذلک لمصادقته وتأکیده على هویة الاطراف وتواقیعهم وبصماتهم والشفرات الراغبین باستخدامها .
ونجد ان هذا الرأی جدیر بالتأیید ولا سیما إذا کانت شهادة التوثیق صادرة عن جهة مرخصة او دائرة حکومیة او مؤسسة او هیئة مفوضة قانوناً بذلک .
وتجدر الإشارة إلى أن بعض القوانین المقارنة أجازت الاعتماد على شهادات التوثیق إذا کانت صادرة من جهة غیر حکومیة إذ نص قانون الأونسترال النموذجی "إذا اتفق الأطراف فیما بینهم ... على استخدام أنواع معینة من التوقیعات الإلکترونیة أو الشهادات یتعین الاعتراف بذلک الاتفاق ...".
أما القانون الأردنی فقد أشار إلى اعتماد شهادات التوثیق إذا کانت "... د- صادرة عن جهة وافق أطراف المعاملة اعتمادها".
علیه تتزاید ضمانات الاعتماد علیه والثقة بعمله فیما اذا کان عمله مرخص من جهة حکومیة هذا یدفعنا للتساؤل إلا یعتبر موظف وبالتالی توثیقه على العقود الالکترونیة لتکون بمثابة السندات الرسمیة ولیست العادیة هذا ما نحاول مناقشته فی المطلب الثانی من هذه الدراسة.
الفرع الثانی
مشکلة إثبات العقد الالکترونی
ان عقد الایجار المبرم عیر الشبکة الدولیة للمعلومات یثیر تحدیات اخرى فی مجال إثباته وهی توفر شرطی الکتابة والتوقیع ، ولا سیما وان الدلیل الکتابی بالمفهوم التقلیدی یقوم على هذین الشرطین ، والاتجاه المعاصر للقوانین کما سنرى فی المطلب الثانی من هذا المبحث یذهب الى المساواة فی الحجیة بینهما خاصة بعد ان شاع استخدام السندات الالکترونیة ، فهل ینطبق مفهوم الکتابة والتوقیع على هذه السندات ، وهل تکفی القوانین القائمة فی معالجة هذا الاشکال ام یفضل ان یترک الامر للقضاء ، الامر الذی سنحاول الاجابة عنه بعد مناقشة کل شرط من هذه الشروط.
1- الکتابة :
یعد الدلیل الکتابی من أقوى الادلة فی الاثبات وذلک لما توفره الکتابة من ضمانات للتصرفات القانونیة ویؤمن المحافظة علیها واستقرارها لانه یعد دلیل قبل قیام النزاع لذلک یکون خالی من شبهة التوهم او التحیز او النسیان.
والعبرة فی ان تؤدی الکتابة الغرض المقصود منها دون التقید بطریقة او شکل معین ، وهذه تختلف من زمان الى آخر ، فأول ما بدأت الکتابة کانت بالرسم على الرقم الطینیة ثم تطورت لتأخذ شکل الورق ثم تطورت لتأخذ شکلاً جدیداً افرزه التقدم التکنولوجی والمتمثل بالکتابة الواردة فی المحررات الالکترونیة . علیه فان التوسع بالاخذ بمفهوم الکتابة او الاخذ بالتفسیر الواسع لها ، لیشمل کل کتابة ورقیة او إلکترونیة ، قد یمثل حلاً لمشکلة الاثبات الالکترونی عموماً. ولمشکلة إثبات عقد الایجار ولاسیما بعد ان تزایدت المخاوف من استخدام هذه المحررات فی الاثبات لاحتمال احتوائها على الاخطاء وتعرضها للتزویر، فالومضات الالکترونیة وحساسیة الدعامات المادیة للاجهزة المستخدمة فیها، تتناقض مع شرط الاستمراریة والثبات فی المحررات الکتابیة.
علیه فإن کافة اشکال الکتابة تعد صحیحة سواء أکانت بالقلم أم الطابعة أم الحاسب الآلی حسب المفهوم الحدیث او الواسع للکتابة ، لکن مع ذلک فهذا الامر لا یکفی إذ یجب ان تکون هذه الکتابة الالکترونیة واضحة وقابلة للقراءة وبالتالی إذا کانت مشفرة فلا یمکن ان تثبت لها الحجیة إلا بعد فک هذا التشفیر.
ونجد ان هذا الحل جدیر بالتأیید فإذا تم إبرام عقد الایجار عبر الانترنیت فالکتابة الناتجة ستکون کتابة الکترونیة بعد الاخذ بالمفهوم الواسع لها وفقاً لما تقدم ، وبذلک یتحقق اول شرط من شروط الاثبات وهو الکتابة . وتجدر الاشارة الى ان قانون الاونسترال النموذجی وباقی القوانین المقارنة لم تعرف الکتابة باستثناء القانون السوری إذ عرفنا بأنها (الکتابة الالکترونیة : حروف او أرقام او رموز او أی علامات اخرى لا تثبت على حامل الکترونی وتعطی دلالة قابلة للادراک) .
2- التوقیع :
یعد التوقیع من أهم المشاکل التی تواجه الإثبات الالکترونی فمن المعلوم ان اسالیب التوقیع التقلیدیة تکون اما بطریق الامضاء الکتابی او ختم او بصمة الابهام بغض النظر عن التشریعات واختلافها فی ذلک .
فهل یمکن ان یتوفر التوقیع بالمعنى المتقدم بالنسبة للسندات الالکترونیة فبعد ان یتفق الطرفان على ابرام عقد الایجار کیف یتم توقیعه لیکون سنداً ذات حجیة فی الاثبات .
ان القوانین المنظمة للمعاملات الالکترونیة والتی سنأتی على ذکرها لم تنص على شروط خاصة بعقد الایجار مما یعنی خضوعه للقواعد العامة التی تخضع لها السندات الالکترونیة، والتی تقضی بأن الاخذ بالمفهوم الواسع للتوقیع بحیث لا یقتصر على التوقیع التقلیدی إنما یشمل التوقیع الالکترونی بالختم او الرمز او التثقیب او ایة وسیلة الکترونیة اخرى.
وهذا التغییر استلزمته طبیعة المعاملات الالکترونیة إذ دخل الحاسوب فی مجالات الحیاة الواسعة لذلک فان السندات المستخرجة کان لا بد لها ان تکون موقعة وذلک لحمایة الخصوصیة وتوفیر الامن على شبکة الانترنیت أثناء إبرام العقود المختلفة وتداولها إذ یتزاید القلق بشأنها لاحتمال تغییرها او سرقتها لذلک یوفر التوقیع صمام الامان إذ یمکن بواسطته الحفاظ على سریة المعلومات أثناء تبادلها على الشبکة . إلا انه على الرغم من قدرة هذه الطریقة على توفیر الامان فان المخاوف تتزاید من تعرضه للسرقة والضیاع وسهولة تزویده على الشبکة کذلک فان التوقیع الرقمی الذی یتم تسجیله على البطاقة الممغنطة (البطاقة الذکیة) کما إذ تم دفع القسط الشهری للایجار عن طریق التعامل مع مصرف یحدده المالک ، یمکن تقلیده بسهولة فضلاً عن انه لا یکون بحرکة ید الموقع کما فی التوقیع التقلیدی (الخطی).
لذلک تنوعت اسالیب التوقیع الالکترونی بین التوقیع باستخدام الخواص الذاتیة والتوقیع الرقمی والتوقیع باستخدام القلم الالکترونی ، ویتم ذلک باستخدام قلم الکترونی حسابی یتم الکتابة به على شاشة الکمبیوتر وذلک عن طریق استخدام برنامج خاص یقوم بتسجیل التوقیع والتحقق من صحته وذلک عن طریق أخذ بیانات المستخدم التی یدرجها فی بطاقته الخاصة وتظهر تعلیمات على الشاشة یتبعها الشخص ثم رسالة ثانیة تطالب بالتوقیع داخل مربع على الشاشة ، ویقوم البرنامج بقیاس ابعاد التوقیع من حیث الحجم والشکل والنقاط والانحناءات ثم یظهر خیار على الشاشة اذا کان موافقاً أم لا فإذا تمت الموافقة یتم تشفیر البیانات الخاصة بالتوقیع وتخزینها فی البرنامج ثم یقوم البرنامج بفک رموزها ومقارنتها مع التوقیع المخزن ومن ثم إرسالها الى برنامج الکمبیوتر لیتم التأشیر اذا کانت صحیحة اولاً.
من خلال ما تقدم نجد ان التقدم التکنولوجی قد عالج مشکلة التوقیع من خلال ابتکار هذه الطرق والتی وان تعرضت للانتقاد إلا انها تمثل خطوة لتذلیل الصعوبات امام استخدام المحررات الالکترونیة فی الاثبات والتی فرضت نفسها فی التعامل الیومی .
وقد عرف القانون الاردنی التوقیع الالکترونی بأنه "البیانات التی تتخذ هیئة حروف او ارقام او رموز او إشارات او غیرها وتکون مدرجة بشکل الکترونی او رقمی او ضوئی او أیة وسیلة اخرى مماثلة فی رسالة معلومات او مضافة علیها او مرتبطة بها ولها طابع یسمح بتحدد هویة الشخص الذی وقعها ویمیزه عن غیره من اجل توقیعه وبغرض الموافقة على توقیعه".
اما القانون السوری فقد عرف التوقیع الإلکترونی بأنه (جملة بیانات تدرج بوسیلة الکترونیة على وثیقة الکترونیة وترتبط بها وتتخذ شکل حروف او أرقام او رموز او إشارات او أی شکل آخر مشابه ویکون لها طابع متفرد یسمح بتحدید شخص الموّقع ویمیزه عن غیره وینسب الیه وثیقة الکترونیة بعینها) . وقد قیدت القوانین التی اعترفت بالتوقیع الالکترونی التوقیع بشروط معینة .
وقبل الدخول فی ذلک لا بد من الاشارة الى ان القانون العراقی قد أقر بالمفهوم الواسع للتوقیع عندما أجازت (ف4/م142) من قانون النقل العراقی ، توقیع سند الشحن بخط الید او بأیة طریقة اخرى مقبولة وذلک محاولة منه لمسایرة التطورات التقنیة التی أجازت إصدار سند الشحن بطریق الکترونی.
أما قانون الاونسترال النموذجی فقد اشترط لصحة التوقیع : 1- ان تکون بیانات انشاء التوقیع مرتبطة بالموّقع . 2- ان تکون خاضعة لسیطرته وقت إنشائها. 3- أی تغییر یجری فی التوقیع بعد حدوثه یجب ان یکون قابلاً للاکتشاف .
فی حین اشترطت م (10) من القانون الاردنی "أ- اذا استوجب تشریعاً نافذاً توقیعاً على المستند او نصاً على ترتیب أثر خلوه من التوقیع فان التوقیع الالکترونی على السجل الالکترونی یفی بمتطلبات ذلک التشریع . ب- یتم إثبات صحة التوقیع الالکترونی ونسبته الى صاحبه إذا توافرت طریقة لتحدید هویته والدلالة على موافقته على المعلومات الواردة فی السجل الالکترونی الذی یحمل توقیعه اذا کانت تلک الطریقة مما یعول علیها لهذه الغایة فی ضوء الظروف المتعلقة بالمعاملة بما فی ذلک اتفاق الاطراف على استخدام تلک الطریقة".
أما القانون السوری فنصت م (3) منه "بعد التوقیع الالکترونی المصدق المدرج على وثیقة الکترونیة ، مستجمعاً للشروط المطلوبة للحجة فی الإثبات وهی : 1- ارتباط التوقیع بالموقّع وحده دون غیره ، وکفایته للتعریف بشخص الموّقع . 2- ارتباط التوقیع الالکترونی بالوثیقة الالکترونیة ارتباط لا یمکن بعد إحداث أی تعدیل او تبدیل على الوثیقة دون ظهور أثر قابل للتدقیق والکشف".
ویلاحظ ان هذا النص مأخوذ من قانون الاونسترال النموذجی ، ومن خلال ما تقدم نجد ان التوقیع الالکترونی بأیة وسیلة کانت لا یکون صحیحاً إلا اذا کان دالاً بشکل واضح على صاحبه وموافقته على المستند الالکترونی دون التقید بطریقة معینة لاستنتاج ذلک إی یمکن الاتفاق بین الطرفین على ذلک . ونجد ان ذلک أمراً جدیراً بالتأیید فهو من جهة یقضی على المخاوف الناشئة من التوقیع الالکترونی السابق عرضها ومن جهة اخرى جاء هذا الشرط بشکل واسع مما یسمح باستیعاب أیة طریقة جدیدة للتوقیع یفرزهما التطور التکنولوجی .
المطلب الثانی
الحجیة القانونیة لعقد الإیجار الالکترونی
بعد ان اثبتنا ان السندات الالکترونیة المنظمة لعقود الایجار وباقی المعاملات الاخرى یتوفر فیها شرطی الکتابة والتوقیع فإن التساؤل یثور حول الحجیة القانونیة لهذه السندات فی الاثبات فی حالة تقدیمها للقضاء . وما هو موقف القوانین المقارنة من ذلک ، هذا ما سنحاول الاجابة عنه فی هذا المطلب .
بالنسبة للتشریع العراقی فقد نص قانون الاثبات العراقی (للقاضی ان یستفید من وسائل التقدم العلمی فی استنباط القرائن القضائیة) یتبین لنا من خلال النص اعلاه انه توجد إشارة من المشرع العراقی للأخذ بوسائل التقدم العلمی فی الاثبات والتی لم یحددهما النص بصورة معینة مما یجعلها قابلة للتفسیر بحیث تشمل السندات الالکترونیة .
ویعد ذلک التفاتة جیدة من المشرع العراقی لأهمیة التقدم العلمی والسعی لتوظیفه بحیث یفید العملیة القضائیة ویسهل عملیة الاثبات وصولاً لإحقاق الحق.
إلا انه مع ذلک یعد هذا النص قاصراً لقبول السندات الالکترونیة کدلیل لإثبات التعاقد الالکترونی سواء أکان فی صورة إیجار ام صور أخرى وذلک للاسباب الآتیة :
1- ان نطاق تطبیق هذا النص مقید بالحالات التی یجوز الاثبات فیها بالقرائن وهی نفسها حالات الاثبات بالشهادة ، لذلک اذا تجاوزت قیمة العقد الخمسة الاف دینار فلا یجوز تطبیق هذا النص. لذلک فان هذا النص یعد معطلاً فی الواقع العلمی إذ لا یعقل فی ظل الظروف الراهنة إبرام عقد إیجار بأقل من خمسة الآلاف دینار لذلک فقد عزف القضاء العراقی عن تطبیق هذا النص، لذلک ندعو المشرع العراقی لتعدیل هذا النص بحیث یمکن الاستفادة من وسائل التقدم العلمی فی الإثبات.
2- ان الاخذ بالقرینة القضائیة فی حالة المحرر الالکترونی امر جوازی یعود تقدیره للقاضی فلا یوجد أی إلزام بأخذه ، وبذلک سوف نحصل على قرارات قضائیة متناقضة لان الامر اصبح خاضعاً لاجتهاد القاضی.
وفی ضوء هذه الانتقادات لا یزال التشریع العراقی بحاجة الى الکثیر من الخطوات للاعتراف بحجیة السندات الالکترونیة اسوة بباقی التشریعات إذ اصبح التعامل الالکترونی یفرض نفسه فی الواقع العملی ویقف القانون والقضاء العراقی عاجزاً مع غیاب النص التشریعی
وقد بدأ المشرع العراقی یستجیب لهذه المتطلبات فأجاز فی قانون المصارف عام 2002 للبنک المرکزی العراقی استحداث نظام الکترونی لتحویل الاموال ویجوز الاثبات فی القضایا المصرفیة بجمیع طرق الاثبات بما فی ذلک السندات الالکترونیة او البیانات الصادرة عن اجهزة الحاسوب، إلا أن هذه النصوص لا تکفی، لذلک ندعو المشرع العراقی لتنظیم السندات الإلکترونیة وحجیتها فی الإثبات وإصدار تشریع متکامل فی هذا المجال.
أما قانون الاونسترال النموذجی لم یذکر حجیة السندات الالکترونیة إلا انه أشار فی م(6) منه الأنفة الذکر الى الشروط الواجب توافرها فی التوقیع الالکترونی لکی یکتسب حجیة فی الاثبات .
أما القانون الاردنی فقد ساوى فی الحجیة بین السندات الالکترونیة والسندات العادیة إذ نصت م(7) منه (أ- یعد السجل الالکترونی والعقد الالکترونی والرسالة الالکترونیة والتوقیع الالکترونی منتجاً للآثار القانونیة ذاتها المترتبة على الوثائق والمستندات الخطیة والتوقیع الخطی بموجب احکام التشریعات النافذة من حیث إلزامها لأطرافها او صلاحیتها للإثبات) .
یتبین من النص فی أعلاه ان المشرع الاردنی یساوی بین العقود الالکترونیة والعقود الکتابیة من حیث الحجیة فی الاثبات ، ولقد جاء لفظ العقود هنا عاماً ، لم یحدد شکل او نوع معین منها ، وبالتالی یسری هذا النص على عقد الایجار الالکترونی ، ویعد ذات حجة مساویة لعقد الایجار التقلیدی .
وهذا ما أخذ به القانون السوری کذلک اذ نص (للتوقیع الالکترونی المصدق ، المدرج على وثیقة الکترونیة ، فی نطاق المعاملات المدنیة والتجاریة والاداریة ذات الحجیة المقررة للادلة الکتابیة فی احکام قانون البینات إذ روعی فی إنشائه واتمامه الاحکام المنصوص علیها فی هذا القانون والنواظم والضوابط التی یصدرها الوزیر بناء على قرار من مجلس إدارة الهیئة…) .
ونجد ان القانون السوری کان أوضح فی بیان حجیة السند الالکترونی من القانون الاردنی اذ نص صراحة على مساواتها بالسندات العادیة ، فضلاً عن مرونة هذا النص الذی أجاز للوزیر ان یصدر فی المستقبل أیة شروط او ضوابط جدیدة قد یفرزها الواقع العملی .
وتجدر الاشارة الى ان القانون الاردنی والسوری قد انفردا من بین قوانین الدولة العربیة فی الاشارة صراحةً الى تطبیق احکام المعاملات الالکترونیة على عقود الایجار . إذ نصت (ف3/م2) من القانون الاردنی ( لا تسری احکام هذا القانون على ما یلی … 3- معاملات التصرف بالاموال الغیر منقولة بما فی ذلک الوکالات المتعلقة بها وسندات ملکیتها وإنشاء الحقوق العینیة علیها باستثناء عقود الایجار الخاصة بهذه الاموال …) .
وکان الافضل تخصیص نص عن أحکام عقد الایجار الالکترونی وذلک لتمیزها عن العقود الاخرى بکونها مستمرة التنفیذ .
من خلال ما تقدم نستنتج ان القوانین المقارنة ساوت بین السند العادی والسند الالکترونی على أساس توفر شرطی الکتابة والتوقیع – السابق الاشارة الیهم – فیهما ، لکن لو تدخل مزود خدمات التصدیق فی توثیق هذا السند إلا یمکن ان یعد بمنزلة السند الرسمی لاسیما اذا کانت الجهة التی یمثلها جهة رسمیة ، فإن شرط الرسمیة یکون قد تحقق إضافة للکتابة والتوقیع ، لذلک فإننا ندعو الى الاخذ بهذه الفکرة بعد إصدار تشریع متکامل للسندات الإلکترونیة، إذ قد یمثل ذلک زیادة فی الثقة الممنوحة للسندات الالکترونیة وبالتالی تعدیل النصوص القانونیة لیصبح السند الالکترونی بمنزلة السند الرسمی بعد فرض شروط جدیدة تتناسب معه لیکتسب نفس الحجیة فی الاثبات سواء أکان یمثل عقد إیجار أم عقد بیع ام غیرهما من التصرفات القانونیة . ویثور التساؤل عن حجیة صورة السند الالکترونی بالنسبة للقانون العراقی الذی اعتمد على السندات الإلکترونیة فی قانون النقل وقانون المصارف، أو بالنسبة للقوانین المقارنة، فمن المعلوم ان أصل السند المحرر من کتابة وتوقیع یکون محفوظاً على الحاسب الآلی او القرص المدمج ، وعند النزاع یتم تقدیم الورقة المسحوبة من الحاسب الآلی الى القضاء ولیس الحاسب الآلی او القرص . لذلک فإن ما نتعامل معه یکون صورة فهل یکون لها حجیة فی الاثبات.
انفرد القانون السوری من بین القوانین المقارنة فی معالجة هذه المسألة إذ نصت (ف ب/م2) منه (للصورة المنسوخة على الورق من الوثیقة الالکترونیة ذات الحجیة فی الاثبات المقررة لهذه الوثیقة بالقدر الذی تکون فیه مطابقة للأصل ما دامت الوثیقة الالکترونیة والتوقیع الالکترونی المصدق المدرج علیها موجود على الحامل الالکترونی الذی أخذت عنه الصورة المنسوخة).
وبذلک فقد عد المشرع السوری ما یخرج من الحاسب صورة منسوخة وساوى بینها وبین الحجیة فی الاثبات ولکن بشروط ، أن تبقى المعلومات مخزونة على الحاسب الآلی وان تکون مذیلة بالتوقیع ، فضلاً عن ذلک یجب ان تکون هذه الصورة مطابقة لهذا الاصل حتى یتم الاعتماد علیها فی الاثبات . والحقیقة ان القانون السوری تمیز بهذا النص لیس عن بقیة القوانین المقارنة فحسب بل عن بقیة القوانین العربیة الأخرى مثل القانون المصری(*)، الذی عالج هذه المسألة أیضاً .
إذ نصت م(16) من القانون المصری (الصور الممنوحة على الورق من المحرر الالکترونی الرسمیة حجة على الکافة بالقدر الذی تکون فیه مطابقة لأصل هذا المحرر ، وذلک ما دام المحرر الالکترونی الرسمی والتوقیع الالکترونی موجود على الدعامة الالکترونیة) .
ویقصد بالمحرر الالکترونی الرسمی ، (کل کتابة الکترونیة مثبتة لواقعة قانونیة هی تصرف قانونی تترتب علیه أثار قانونیة معینة تدخل فی تحریها موظف عام مختص وبالتالی تثبت لها حجیة قبل الکافة)، ومثالها المحررات الرسمیة المتداولة عبر الادارات فی وزارة واحدة عن طریق شبکة الانترنیت الداخلیة ویعد ذلک تطبیقاً لفکرة الحکومة الالکترونیة.
علیه فأن هذه الحجیة لا تثبت إلا للمحررات الالکترونیة الرسمیة ونجد ان هذا النص لا یطبق على عقد الایجار الالکترونی لانه عقد الکترونی عرفی ینشأ بین الاطراف دون تدخل موظف رسمی بتحریره . إلا انه فی ضوء ما طرحناه سابقاً فإن التساؤل یبقى مطروحاً فی حالة توثیق عقد الایجار من مزود خدمات التصدیق إلا یعد فی هذه الحالة محرر إلکترونی رسمی، فضلاً عن ذلک فإنه فی ضوء هذه الرؤیة الجدیدة لحجیة السندات الالکترونیة سنکون بحاجة الى تعدیل النصوص القانونیة لیس فقط بالنسبة للتشریع العراقی الذی لم یخطُ الخطوات الاولى فی هذا النطاق ، بل بالنسبة للقوانین المقارنة ذاتها التی خلت من معالجة هذه المسألة . فضلاً عن ذلک فإننا ندعو کافة التشریعات الى تبنی الاتجاه الذی أخذ به القانون السوری فی تنظیم حجة صورة السند الرسمی، کما ندعو المشرع العراقی إلى النص فی قانون إیجار العقار على حجیة السند الإلکترونی وصورته.
ویلاحظ ان المشرع الاردنی على الرغم من عدم تنظیمه لأحکام صورة السند الالکترونی، إلا انه أعتبر ان المعلومات المثبتة على الحاسب الآلی نسخة أصلیة فی حالة توفر شروط معینة إذ نصت م (8) منه (یستمد السجل الالکترونی أثره القانونی ویکون له صفة النسخة الاصلیة إذا توافرت فیه مجتمعة الشروط التالیة : 1- ان تکون المعلومات الواردة فی ذلک السجل قابلة للاحتفاظ بها وتخزینها بحیث یمکن فی أی وقت الرجوع الیها 2- إمکانیة الاحتفاظ بالسجل الالکترونی بالشکل الذی تم به إنشاؤه او ارساله او تسلیمه أو بأی شکل یسهل به إثبات دقة المعلومات التی وردت عند إنشائه او إرساله او تسلمه 3- دلالة المعلومات الواردة فی السجل على من ینشأه او یتسلمه وتاریخ ووقت إرساله وتسلمه…) .
علیه اذا لم تتوفر الشروط فی أعلاه لا تعد الکتابة او العقد المثبت على الدعامة الالکترونیة نسخة اصلیة یتم اللجوء الیها ، ونحن نؤید المشرع الاردنی فی موقفه هذا ، وذلک تعزیزاً وزیادة فی الضمانات المقترحة للسندات الالکترونیة لاعتبارها ذات حجیة فی الاثبات لذلک نجد موقفه هنا أفضل من المشرع السوری لان مجرد وجودها على الحاسب الالی لا ینفی شبهة التغییر فیها او احتمالات المحو او الازالة او تعرضها لفایروس لذلک کان لا بد من تقیدها بهذه الشروط لیتم الرجوع الیها فی حالة الشک کأصل، ویلاحظ ان المشرع الاردنی استخدم لفظ (نسخة اصلیة) ولیس الاصل . أی ان المعلومات المدونة على الحاسب الالی نسخة فعلى الرغم من توفر شرطی الکتابة والتوقیع لکن تبقى للورقة التقلیدیة ضمانات اقوى فی ثبات المعلومات الواردة فیها.
الخاتمة :
بعد أن انتهینا من هذا البحث توصلنا إلى مجموعة من النتائج والتوصیات ندرجها کما یأتی:
أولاً: النتائج
10. ثار الخلاف فی الفقه حول طبیعة عمل مزود خدمات التصدیق فذهب البعض إلى مساواته بالکاتب العدل التقلیدی لقیامه بنفس المهام والقسم الآخر رفض هذه المساواة ونجد أن الرأی الأول أمر جدیر بالتأیید لاسیما إذا کانت جهة المصادقة جهة رسمیة إذ سیؤدی ذلک إلى مساواة السندات الإلکترونیة بالسندات الرسمیة من حیث الحجیة.
11. أجازت القوانین المقارنة الاعتماد على شهادات التوثیق الإلکترونیة حتى لو کانت صادرة من مزود خدمات أجنبی إذ سارت بینها وبین شهاداتها الوطنیة تسهیلاً للتعاملات الإلکترونیة.
12. على الرغم من أن التشریع العراقی لم ینظم السندات الإلکترونیة إلا أنه أجاز فی قانون النقل توقیع وإصدار سندات الشحن بطریقة إلکترونیة، کما أجاز قانون المصارف العراقی الجدید الإثبات فی القضایا المصرفیة بجمیع طرق الإثبات ویعد ذلک التفاتة جیدة من التشریع العراقی، أما بالنسبة للمادة (104) من قانون الإثبات العراقی فهی من الناحیة العملیة غیر مطبقة وذلک لأن حالات الإثبات بالقرینة نفس حالات الإثبات بالشهادة لذلک نقترح تعدیلها بما یمّکن القاضی العراقی من الاستفادة من السندات الإلکترونیة.
13. أعطى القانون الأردنی والسوری للسندات الإلکترونیة حجیة مساویة لحجیة السندات العادیة بعد توفر شرطی الکتابة والتوقیع وندعو إلى إعطاء حجیة السندات الرسمیة للسندات الإلکترونیة إذا تمت مصادقتها من مزود خدمات التصدیق إذا کان یمثل جهة رسمیة فی الدول، الأمر الذی ندعو التشریعات العربیة للأخذ به.
14. انفرد القانون السوری والمصری من بین القوانین المقارنة على معالجة صورة السند الإلکترونی، ونجد أن موقف القانون السوری أفضل من موقف القانون المصری لأنه عدها ذات حجیة مساویة للأصل بشرط بقاء الکتابة والتوقیع على الحامل الإلکترونی أما القانون المصری اقتصر بإعطاء الحجیة على صور السندات الإلکترونیة الرسمیة أی الوثائق المتبادلة بین دوائر الدولة الرسمیة عبر الإنترنت، إلا أن القانون الأردنی تمیز عن القانون السوری والمصری باشتراط شروط معینة بالکتابة المسجلة على الحامل الإلکترونی لتعتبر سنداً أصلیاً ونجد أن هذا الأمر جدیر بالتقدیر وندعو المشرع العراقی للأخذ به.
ثانیاً: التوصیات
وذلک لأن من الناحیة العملیة لا یوجد عقد أقل من مبلغ 5000 دینار سواء أکان عقد بیع أو إیجار وحتى إن وجد لا یدون لقلة قیمته.
تضاف الفقرة الآتیة إلى ف أ (من هذه المادة) لتصبح بالشکل الآتی: "... لا تتجاوز (30) یوماً من تاریخ إبرامه. وعند مخالفة ذلک یلتزم المتخلف بدفع غرامات تأخیریة عن کل یوم تأخیر.
ویتم تعدیل الفقرة (ب) من المادة نفسها لتصبح ما یأتی:
"یعد عقد الإیجار المسجل سنداً تنفیذیاً بید صاحبه یمکنه من استرداد العقار عند انتهاء مدته ما لم یتم الاتفاق على تجدید العقد. أما العقد غیر المسجل فیتم إثباته عن طریق الیمین".
والغایة من ذلک هی تجنب الشروط التی نصت علیها هذه المادة والتی تعرضت للانتقاد وبدلاً من إعطاء الحق للمستأجر بالإثبات بکافة الطرق عند عدم تسجیل العقد، إلزام الطرفین بتسجیله وألا یعترض الطرف المتخلف لدفع الغرامات التأخیریة، وأن اعتبار العقد المسجل من قبل المؤجر سنداً تنفیذیاً یشکل ضمانة لحقوقه تشجعه على تسجیل العقد.
"أ- یکون لعقود الإیجار الإلکترونیة الحجیة الکاملة فی الإثبات إذا توافر فیها شرطی الکتابة والتوقیع، وکان أصل السند لا یزال موجوداً على الحاسب الآلی".
وذلک انسجاماً مع موقف المشرع العراقی فی قانون المصارف والنقل فی النص على حالات معینة یقبل فیها التعامل الإلکترونی وذلک لشیوعها.
"ب- یکون لصورة عقد الإیجار الإلکترونی حجیة الأصل بقدر مطابقتها للأصل بشرط بقاء الکتابة والتوقیع على الحاسب الآلی".
وذلک لأن ما یقدم فی الإثبات هو الورقة المستخرجة من الحاسب ولیس الحاسب ذاته لذلک کان لابد من تنظیم حجیته القانونیة.
"للقاضی أن یقبل وسائل التقدم العلمی الحدیث فی الإثبات القضائی".
وذلک لأن تقیید النص السابق بجعله قرینة یستفید منها القاضی جعلت النص من الناحیة العملیة غیر مطبق إذ من النادر فی الوقت الحالی إبرام عقد إیجار أقل من 5000 دینار لأن ما یجوز إثباته بالشهادة یجوز إثباته بالقرائن.
"یکون للسندات الإلکترونیة حجیة مساویة لحجیة السندات الرسمیة إذا توفرت فیها الشروط الآتیة: 1. الکتابة والتوقیع. 2. إذا تم توثیقها من جهة مصادقة إلکترونیة رسمیة".
جهة رسمیة تصادق على صحة المعلومات المدونة فی السند الإلکترونی.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
I. Legal books:
1- Dr. Adam Wahib al-Nadawi, Summary in the Evidence Law, June Industrial Preparatory School, Baghdad, 1990.
2- Dr. Ahmed Shawki Mohamed Abdel Rahman, General Theory of Obligation, Evidence and Obligation in Jurisprudence and the Judgment of the Cassation, Knowledge Establishment - Alexandria, 2004.
3 - Ahmed Nashat, letter of proof, C 1, I 7, Dar Al-Fikr Al Arabi - Cairo, without a year printed.
4- Dr. Barham Mohamed Attallah, the mediator in the Rent of Places Law, University Culture Foundation, Alexandria, 1982.
5- Dr. Tawfiq Hassan Faraj, Rules of Evidence (Evidence) in Civil and Commercial Materials, Without a Handbook, Without a Year Printed.
6- Dr. Jafar al-Fadhli, al-Wajiz in the named contracts, I 2, Ibn al-Atheer Publishing House, Mosul, 2005.
7- Dr. Hossam El-Batoush Jafar Al Maghraby, AUTHORITY OF E - MAIL IN PROOF IN JORDAN LAW, 2004.
8- Dr. Hassan Ali Al-Dinon, Philosophy of Law, 1, Al-Ani Press, Baghdad, 1975.
9- Dr. Said Sayed Qandil, Electronic Signature What is his proof in the proof between circulation and quote, University House Publishing, Alexandria, 2006.
10- Dr. Suhhi Extraordinary, Law, I, Uydat Publications, Lebanon, 1972.
11 - Saleh Ahmed Abtan, Formality in Electronic Contracts, 1, 2006.
12- Dr. Abdul Fattah Bayoumi Hijazi, Electronic Signature in Comparative Legal Systems, University Thought House - Alexandria, 2004.
13- Abdul Qadir Al-Sheikhli, The art of legal drafting legislation and jurisprudence, Library House of Culture for publication and distribution, Amman, 1995.
14- Dr. Esmat Abdel Meguid Bakr, The New Provisions in Law No. 56 of 2000, I, Al Khairat Press, Baghdad, 2001.
15- Dr. Essmat Abdul Majid Bakr, Explanation of the provisions of the lease, Al-Zaher Company, Baghdad, 2003.
16- Dr. Ali Hadi Obeidi, Explanation of the provisions of the contracts of sale and rent, I 1, National Center for Publishing, Jordan, 2000.
17- Mohamed Munir Hamad Al-Genihi and Mamdouh Omar Al-Genihi, Electronic Signature and Proof in Evidence, University Thought House, 2005.
18. Mustafa Magdy Maharja, Law of Evidence in the City and Commercial Materials, C2, University Publications House, Alexandria, 1987.
19- Dr. Munther al-Shawi, Doctrine of Law, Dar al-Hikma for Printing and Publishing, 1990.
Second:
1 - Amanj Rahim Ahmad, Consent in Electronic Contracts, Master Thesis submitted to the Faculty of Law, University of Sulaymaniyah, 2003.
2 - Jawad Kazem Jawad Smisem, Legal Balance in the Rental Relationship - Comparative Analytical Study, PhD Thesis Presented to the Faculty of Law - Mosul University.
3 - Talal Abdul Hussain Al-Badrani, Interest in Moral Crimes, Master Thesis submitted to the Faculty of Law - Mosul University, 1998.
4- Hadi Muslim Younis Al-Bashkani, Legal Organization of Electronic Commerce, Comparative Study, PhD Thesis Presented to the Faculty of Law, Mosul University, 2002.
Research published in periodicals:
1 - Bassil Youssef, Legal Recognition of Documents and Electronic Signatures in Comparative Legislation, Research published in Journal of Legal Studies, p2, p3, 2001.
2- Dr. Esmat Abdel Majid Bakr, The Problem of Evidence by means of Scientific Techniques, Research published in the Journal of Judiciary, No. (1,2), Q 56, 2002.
Unpublished decisions:
1- The decision of the Ninewa Court of Appeal No. 9/28/2006 on 6/9/2006.
V. Internet and field visits:
1- An article entitled Legal challenges of electronic commerce published on the Internet and on the Internet. Opendirecttory site. Info / e-commerce / 04.htm.
2- Field visit to the pharmaceutical lab / legal affairs department in 12/2007.
Sixth: Legal Matron:
1 - Iraqi Civil Code No. (40) for the year 1951 amending.
2. Iraqi Evidence Law No. 107 of 1970. As amended by Law No. 6 of 2000.
3 - Law of Renting Iraqi Property No. (87) for the year 1979 amended by Law No. 56 of 2000.
4- Jordanian Civil Law No. (43) for the year 1976
5- The Jordanian Evidence Law No. (72) for the year 1951.
6. Jordanian Landlords and Tenants Law No. 11 of 1994 as amended by Law No. (30) for the year 2000.
7. Jordanian Electronic Transactions Law No. 85 of 2001.
8. The Syrian Civil Code No. (84) of 1949 in force.
9- The Evidence Law in Syrian Civil and Commercial Articles No. (359) in 1947.
10. Syrian Rent Law No. 6 of 2001.
11. Electronic signature law and the Syrian network services for the year 2009.
12. Electronic Signature Law No. 85 of 2004.
13. UNCITRAL Model Law on Electronic Signatures of 2001.