الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
الافتراض القانونی فی قانون المرافعات -(*)-
The legal presumption in the procedures Act
یاسر باسم ذنون جوتیار عبدالله احمد کلیة الحقوق/ جامعة الموصل کلیة القانون / جامعة صلاح الدین Yaser Basim Thanon Jotyar Abdulla Ahmed College of law / University of Mosul College of Law/University of Salahaddin Correspondence: Yaser Basim Thanon E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 20/3/2009 *** قبل للنشر فی 23/3/2009.
(*) Received on 20/3/2009 *** accepted for publishing on 23/3/2009.
Doi: 10.33899/alaw.2010.160600
© Authors, 2010, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
الملخص
الکلمات الرئیسة: الأفتراض القانونی قانون المرافعات
الموضوعات: القانون المدنی
Abstract
A legal presupposition is considered to be a situation put forward by a legislator violating a fact. It aims at marking certain legal consequences at which one can not reach except through the legal presupposition. It helps amend the legal rule without making any change in the wording of the rule. The closest example to this is the text of the article (22) from the civil proceedings in which the legislator stipulates that if the person wanted refrains from receiving the write of notification. The person in charge of notification will fix the writ of notification on the place of residence and this is deemed to be a notification which is considered to be a legal presupposition.
Keywords:
Main Subjects: civil law
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعینه ونستغفره، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اّله وصحبه أجمعین،أما بعد:
ینقسم القانون وفقاً لتصور الفقه الحدیث الى قانون موضوعی وهو یعنی القانون الذی یوضح عناصر الحق وشروط اسنادها الى الأشخاص، فهو قانون غایات ومصالح، وهو بدوره ینقسم الى قانون عام وقانون خاص، وکذلک الى قانون اجرائی ویقصد به تحدید وسیلة الحمایة أو وسیلة اقتضاء الحق ویتربع على قمته قانون المرافعات المدنیة باعتباره المرجع العام لکافة القوانین الإجرائیة.
ومن الوسائل التی یلجأ الیها المشرع، وفی إطار القوانین الإجرائیة، ولغرض تحقیق أکبر قدر ممکن من فعالیة الإجراءات فی إطار الخصومة المدنیة/ هی فکرة الافتراض القانونی التی یواجه من خلالها بعض الصعوبات الفنیة التی تتعلق بصیاغة القواعد الإجرائیة، أو الصعوبات الواقعیة التی تتعلق بتطبیق أحکام هذه القواعد، کما ان فکرة الافتراض القانونی تساعد على مواجهة السلوک السلبی للخصوم حال رکونهم الى الصمت أو السکوت، فضلاً عن مواجهة أی سلوک قد ینحرف بالخصومة واجراءاتها عن الغایة المنشودة لها.
أضف الى ما تقدم، فان المشرع قد یستخدم هذه الفکرة لغرض تدبیر بعض الجزاءات الاجرائیة، مثل جزاء البطلان، والسقوط، وعدم القبول، وتصحیح الاجراء الباطل، فضلاً عن بعض الجزاءات المالیة، فالافتراض القانونی کوسیلة من وسائل الصیاغة التشریعیة، لا یزال یستخدم من قبل القائمین على تطبیق القانون وتفسیره، فهو متحقق فی کثیر من النصوص القانونیة الواردة فی القانون الموضوعی والقانون الإجرائی على حد سواء.
والافتراض القانونی یعنی فی إطار القانون الإجرائی أمراً یفترضه المشرع لیواجه به صعوبات معینة قد تتعلق بصیاغة القاعدة الاجرائیة أو تطبیق أحکامها. بمعنى آخر، أنه فی إطار قانون المرافعات المدنیة، یعنی وسیلة فنیة بمقتضاها یفترض المشرع أمراً معیناً لا یقبل إثبات العکس إلا بعدم الافتراض أصلاً، أیا کانت درجة الاحتمال الذی بنی علیه هذا الافتراض.
أسباب اختیار الموضوع
جملة من الأسباب الموضوعیة، حفزتنا لدراسة هذا الموضوع والتی تندرج فی ندرة الدراسات الفلسفیة المتخصصة فی إطار القوانین الاجرائیة. فکثیراً من الأفکار التی نعرض لها، ونحن بصدد دراسة فکرة أو موضوع قانونی معین، لا تتفق مع الحقیقة سواءً أکانت الحقیقة القضائیة أم الحقیقة الواقعیة، لاسیما الأخیرة دون الأولى، لا بل أن هذه الفکرة القانونیة تخالف الحقیقة الواقعیة إلى حد التقاطع بینهما. ونکتفی بالقول بأن هذا یعتبر من قبیل الافتراض القانونی، وهو ما یصطلح علیه فی فقه الشریعة الإسلامیة الغراء بـ(الحیلة)، فما هو الافتراض القانونی؟
هذا من جانب، ومن جانب آخر، تناول الکثیر من فقهاء القانون المدنی دراسة هذا الموضوع فی القانون الموضوعی، سواءً أکان ذلک على صعید القوانین التاریخیة. أی تاریخ القانون وفلسفته، أم على صعید القوانین الموضوعیة، مثل القانون المدنی. أما بالنسبة للقوانین الاجرائیة، فتکاد أن تکون هذه الدراسات الفلسفیة والعملیة فی آن واحد معدومة أو قلیلة جداً.
فرضیات البحث
إنّ موضوع الدراسة ینصب على الافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة،ویهتم بإیجاد الإجابة للأسئلة الآتیة:
1- تحدید مفهوم الافتراض القانونی فی إطار القوانین الموضوعیة ومن ثم مفهومه فی إطار القوانین الاجرائیة؟
2- تحدید الشروط القانونیة ألواجب توافرها فی الافتراض القانونی لیترتب علیه آثاره القانونیة فی قانون المرافعات المدنیة.
3- ما هی أهم التطبیقات لفکرة الافتراض فی قانون المرافعات المدنیة العراقی والمقارن، وهل ثمة تطبیقات قضائیة تؤکد هذه الفکرة، أم نجده فقط فی النصوص التشریعیة؟
منهجیة البحث
اعتمد البحث على المنهج المقارن بین قانون المرافعات المدنیة العراقی وبین قانونی المرافعات المدنیة المصری والمرافعات الفرنسی بشکل جوهری. مع الاستئناس بموقف بعض القوانین العربیة کلما سنحت الفرصة بذلک. کما اعتمدت الدراسة على المنهج التحلیلی الذی یقوم على أساس تحلیل الفکرة المعروضة ومناقشتها فی ضوء الآراء السدیدة لکی یتم إسنادها إلى النص التشریعی المعالج لها إن وجد، وإلى الرأی الفقهی المنصب علیها. وکذلک اعتمدت الدراسة على المنهج التطبیقی الذی یقوم على أساس بیان موقف القضاء، لاسیما قضاء محکمة التمییز فی العراق وفی إقلیم کوردستان، وقضاء محکمة النقض المصریة والأردنیة، وتحلیل هذه المواقف بتسلیط الضوء على المهم منها ومناقشته لتتم الفائدة من البحث فی موضوع الافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة.
خطة البحث
لقد اعتمدنا الخطة الآتیة فی بحث الموضوع:
المبحث الأول : ماهیة الافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة.
المطلب الأول: التعریف بالافتراض القانونی .
المطلب الثانی: مفهوم الافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة.
المطلب الثالث : تمییز الافتراض القانونی عما یشتبه به من حالات .
المبحث الثانی : شروط الافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة .
المطلب الأول : وجود نص مقرر للافتراض فی القانون الاجرائی .
المطلب الثانی: تحقق مبنى الافتراض وفق الشروط الشکلیة المحددة فی القانون الاجرائی.
المبحث الثالث : تطبیقات للافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة .
المطلب الأول : افتراض العلم بالتبلیغ القضائی .
ألمطلب الثانی : افتراض الحضور فی المرافعة .
الخاتمة.
المبحث الأول
ماهیة الافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة
للوقوف على ماهیة الافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة، رأینا أن نعرض لتعریفه بصورة عامة، ولا شک أن تعریفه بهذا الشکل له فائدته فی تعریف الافتراض فی قانون المرافعات، ویساعد فی الوقوف على أوجه التشابه والاختلاف بین الافتراض القانونی وبین أفکار قانونیة أخرى، بحیث یمکن الوصول إلى ما یمیّز الافتراض محل البحث عن أفکار أخرى، علیه وفی ضوء ما تقدم نقسم هذا المبحث الى ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: التعریف بالافتراض القانونی.
المطلب الثانی: مفهوم الافتراض فی قانون المرافعات المدنیة.
المطلب الثالث: تمییز الافتراض القانونی عما یشتبه به من حالات .
المطلب الأول
التعریف بالافتراض القانونی
إن بحث تعریف الافتراض القانونی کفکرة قانونیة قائمة فی قانون المرافعات یتطلب البدء أولاً بتعریف الافتراض لغة واصطلاحاً، ثم الدخول إلى تعریفه أو تحدید مفهومه فی قانون المرافعات، حتى یتسنى لنا تحدید معناه على وجه الدقة. لذا نقسم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع:
الفرع الأول: الافتراض فی اللغة.
الفرع الثانی: الافتراض فی الاصطلاح الشرعی.
الفرع الثالث: الافتراض فی الاصطلاح القانونی.
الفرع الأول
الافـتـراض فی اللـغـــةً
الفرض فی اللغة هو القطع، أو الحزم فی الشیئ، ویأتی الفرض بمعنى ما أوجبه الله تعالى، وسمی بذلک لأن له معالما وحدودا، وقوله تعالى: )وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِکَ نَصِیبًا مَّفْرُوضًا(، أی مقتطعة محدودة. وفرض الله علینا کذا وافترض أی أوجب والاسم: الفریضة.
والافتراض عند العلماء یطلق على قضیة مسلمة أو موضوعیة للاستدلال بها على غیرها، ویستخدم هذا المصطلح کثیراً وبخاصة لکل مبدأ تستنبط منه نتائج بصرف النظر عن صدقه أو عدم صدقه. والفرض فی المنطق، قضیة أو فکرة توضع ثم یتحقق من صدقها أو خطأها عن طریق الملاحظة والتجربة، فاقرب تعریف لغوی للفظة الافتراض القانونی هو ما عرَفه مجمع اللغة العربیة أنه إفترض الباحث :أی إتخذ فرضا لیصل الى حل مسألة معینة.
الفرع الثانی
الافتراض فی الاصطلاح الشرعی
فی البدایة، لا بد من الإشارة أنه لم نعثر فی مصادر الفقه الإسلامی على لفظ الافتراض، واللفظ المرادف للافتراض فی الشریعة هو (الحیلة)، والحیلة فی اللغة مشتقة من التحول وهی النوع والحالة کالجلسة والقعدة، وهی من ذوات الواو فإنها من التحول من حال یحول، وإنّما انقلبت الواو یاءً لانکسار ما قبلها.
والحیلة بـ(الکسر) اسم من الاحتیال وهو من الواو وکذلک الحیل أو الحول، یقال: لا حیل ولا قوة إلا بالله لغة فی لا حول ولا قوة إلا به تعالى، وفی دعاء یرویه إبن عباس عن النبی صلى الله علیه وسلم: ((اللهم ذا الحیل الشدید)) أی ذا القوة، والاحتیال والتحول والتحیل هو: الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف.
وقد تستعمل بما فیه حکمة، ولهذا وصف الله تعالى ذاته فی کتابه الکریم بقوله: )وَهُوَ شَدِیدُ الْمِحَالِ(، أی الوصول فی خفیة من الناس إلى ما فیه حکمه، وعلى هذا النحو وصف بالمکر والکید لا على الوجه المذموم تعالى الله عن القبیح.
أما الحیلة فی اصطلاح فقهاء المسلمین، فیستخلص من تعریفاتهم لها، أن هناک طائفتان من الفقهاء، الطائفة الأولى تنظر إلى الحیلة نظرة واسعة، بحیث تعتبرها أعم من أن تکون جائزة أو غیر جائزة، فهی عندهم ذلک اللون الفقهی الذی یظهر إذ ما ضاقت الحلول وانقطعت السبل، إذ الحیلة فی هذه الحالة ما هی إلا مخلص شرعی من شدة، ویسر من عسر، ومخرج شرعی لمن ابتلى بحادثة دینیة لا تسعف النصوص فی إیجاد حل لها.وهما فقهاء الحنفیة والشافعیة القائلین بالحیلة ما لم تناقض أصلاً شرعیاً.
بل ما یجدر الاشارة إلیه، أن مذهب الإمام أبو حنیفة یراد بالحیلة :الطرق الخفیة التی یتوصل بها إلى الغرض المحمود، وهذا المعنى هو المشهور فی الفقه الحنفی، والذی وضعوه تحت مسمى (المخارج من المضایق).
أما الطائفة الثانیة من الفقهاء، فقد نظروا إلى الحیلة نظرة ضیقة وأرادوا بها ذلک اللون المذموم الذی یتحدث الناس عنه باعتباره مذموماً، دون إشارة على الوجه المحمود منها. وهؤلاء هم فقهاء من المالکیة والحنابلة.
ویراد بالحیلة عندهم أنها اتباع الطرق الخفیة التی یتوصل بها إلى الغرض المذموم شرعاً أو عقلاً أو عادة.
إلا أن ما یهمنا بعد هذا العرض الموجز، هو معرفة أن فقهاء المسلمین إختلفت عباراتهم فی تعریفهم للحیلة تبعاً لاختلاف الزاویة التی ینظرون منها إلیها، ونؤید بحق ما ذهب إلیه أغلب الفقه، من أن تعریف العلامة إبن قیم الجوزیة یعد من أسلم واشمل وأفضل التعاریف، إذ عرفها بأنها: ((نوع مخصوص من التصرف والعمل الذی یتحول به فاعله من حال إلى حال، ثم غلب علیها بالعرف استعمالها فی سلوک الطرق الخفیة التی یتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه، بحیث لا یتفطن له إلا بنوع من الذکاء والفطنة)).
الفرع الثالث
الافتراض فی الاصطلاح القانونی
یمکن تعریف الافتراض القانونی على أنه ((وسیلة عقلیة لازمة لتطور القانون، یقوم على أساس افتراض أمر مخالف للواقع یترتب علیه تغییر حکم القانون دون تغییر نصوصه)). أو أنه الاستناد إلى واقعة کاذبة باعتبارها واقعة حقیقیة حتى ینطبق القانون على حالة لا ینطبق علیها من قبل، إذ یترتب علیه إخفاء أمر واقعی بأن یفترض أن حکم القاعدة القانونیة القائمة ینطبق على حالة معینة بالرغم من أن القاعدة لا تشملها فی فرضها دون التغییر فی البناء اللفظی للقاعدة. وقد عرفه الفقیه الإلمانی (Ihrering) بأنه: ((کذب فنی إقتضته الضرورة)). کما عرفه الدکتور منصور مصطفى منصور بأنه: "إلباس الخیال ثوب الحقیقة والواقع، لتحقیق أثر قانونی معین، ما کان لیتحقق لولا هذا الافتراض الکاذب". أما الفقیه (Maine) فقد عرفه بأنه: ((افتراض یخفی أو یسعى إلى إخفاء حقیقة أن قاعدة قانونیة قد عدلت وغیّر حکمها دون أن یمس نصها)).
من کل ما تقدم، یتضح لنا أن الافتراض القانونی هو عبارة عن: وضع من صنع المشرع مخالفة للحقیقة یضعه فی اعتباره عند صیاغته للقاعدة القانونیة، ویهدف من خلاله إلى ترتیب آثار قانونیة معینة یتعذر الوصول إلیها إلا من خلاله.
وقد ثار الخلاف بین الفقهاء بشأن ما یقصد بالحقیقة التی یقوم الافتراض على مخالفتها، ولبیان الحدود الحقیقیة للمشکلة قرر الفقه أنه لا یقصد بمخالفة الحقیقة، تلک المخالفة التی تتضمنها کل قاعدة قانونیة، إذ أن کل قاعدة قانونیة تتضمن قدراً من مخالفة الحقیقة نظراً لصیاغتها فی صورة عامة مجردة بعیداً عن ظروف تطبیقها العملیة، ولکن یقصد بمخالفة الحقیقة المخالفة الصریحة المقصودة التی یتضمنها الافتراض.
ولذلک ینبغی ان نستبعد تلک المخالفة للحقیقة، التی تتضمنها کل قاعدة قانونیة نتیجة صیاغتها فی صورة عامة مجردة، کما أن کل وسیلة من وسائل الصیاغة القانونیة تنطوی على شیء من الافتراض، أی شیء عن مخالفة الواقع وتشویهه، لأن الصیاغة القانونیة وهی تحاول ضبط الواقع تؤدی حتماً إلى تشویهه، فمن المعلوم أن الواقع متغیر دائماً وغیر منضبط فیأتی المشرع ویحاول ضبط هذا الواقع وبالتالی یؤدی إلى شیء من تشویهه. ومع ذلک، فإن التشویه یصل درجته القصوى فی الافتراض فهو بحسب تعریفه کذب على الواقع وتزویر له، فالافتراض لا یشوه الواقع من حیث هو یتجه إلى التعبیر عنه، بل هو یشوه الواقع لأنه یتجه أساساً إلى تشویهه وإنکاره ومخالفته.
المطلب الثانی
مفهوم الافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة
إذا کان ما تقدم هو معنى الافتراض القانونی فی القوانین بصورة عامة، فمعناه فی قانون المرافعات لا یخرج عن مفهومه العام، ولابد من ذکر بعض الأمثلة للافتراض فی قانون المرافعات حتى یتسنى لنا تحدید وتوضیح مفهوم الافتراض القانونی فی هذا القانون، والأمثلة على الافتراض فی قانون المرافعات کثیرة ومتعددة ومتنوعة تتخلل مختلف التنظیمات الاجرائیة القائمة فی هذا القانون.
ومن هذه الأمثلة ما یلی:
أولاً: افتراض النزول عن التمسک بالبطلان إذا حضر المدعى علیه بالجلسة المحددة لنظر الدعوى، (المادة 73/3 من قانون المرافعات المدنیة العراقی).
ثانیاً: افتراض التنازل عن دعوى الحیازة برفع دعوى الملکیة (دعوى الحق)، من جانب الحائز (المادة 12/1 من قانون المرافعات المدنیة العراقی) ، إذ إنه لا یحق للمدعی أن یطالب بالحیازة وبالملکیة فی آن واحد، فإن الجمع بینهما یسقط حقه بالحیازة، لأن دعوى الملکیة تعارض دعوى الحیازة لأنها تتضمن تنازل مدعی الملکیة عن الحیازة وتسلیمها بعدها للمدعى علیه.
ثالثاً: افتراض العلم بالتبلیغ بمجرد تسلیم ورقة التبلیغ إلى أحد ممن ذکرتهم المادة (18) من قانون المرافعات المدنیة العراقی، سواء تم التسلیم إلى زوج المطلوب تبلیغه أو إلى من یکون مقیماً معه من أقاربه وأصهاره أو ممن یعملون معه فی خدمته من الممیزین. أو إلى أحد مستخدمیه فی محل عمله.
حیث إنَ القائم بالتبلیغ فی جمیع القوانین المقارنة محل البحث، غیر ملزم بالبحث عن الشخص المطلوب تبلیغه لیتم تسلیم ورقة التبلیغ إلیه، بل خیر المشرع (القائم بالتبلیغ) بین التسلیم الشخصی وبین التسلیم فی محل الإقامة إلى أحد ممن أجاز القانون تسلیم التبلیغ إلیهم.
رابعاً: إفتراض حضور الخصوم جمیع الجلسات إذا کانوا قد حضروا إحدى جلسات المرافعة ثم تغیبوا بعد ذلک. فالمشرع افترض حضور الخصم فی المرافعة إذا حضر هو بنفسه أو بوکیل عنه فی أیة جلسة من جلسات المرافعة ثم تخلف بعدها عن الحضور. بل وحتى یفترض المشرع العراقی حضور الخصم جلسة النطق بالحکم إذا کان قد سبق له الحضور فی إحدى الجلسات (المادة 161) من قانون المرافعات المدنیة العراقی.
خامساً: افتراض التنازل عن الحق فی الطعن فی إسقاط حقه، صراحة وفقاُ للمادة (169) من قانون المرافعات المدنیة العراقی ،أو فی حالة قبول الحکم من المحکوم علیه صراحة أو ضمناً، المادة (211) من قانون المرافعات المدنیة والتجاریة المصری، وهو ما یترتب علیه وجوب رد الدعوى وعدم جواز الطعن المرفوع والامتناع عن نظر موضوعه.
بعد ذلک فقد عرف البعض الافتراض بأنه: ((استخلاص مسألة أو قرینة من وقائع ثابتة قاطعة فی ذاتها، ولکنها لیست قاطعة فیما هو قد افترض على أساسها)).
کما عرّفه البعض الآخر بأنه: ((وسیلة فنیة بمقتضاها یفترض المشرع أمراً معیناً لا یقبل إثبات العکس إلا بهدم الافتراض أصلاً، سواء بنى هذا الافتراض على القطع، أو کان مبناه هو الأحتمال الغالب)). ویرى البعض الأخر، أن الافتراض فی قانون المرافعات هی فکرة صنعها المشرع لیخالف المنطق القانونی ذاته، وذلک بصدد الجزاءات الاجرائیة وأن هذه الفکرة عندما تدخل فی هذا المجال تقلب الأمور رأساً على عقب حیث یرتب المشرع جمیع الآثار القانونیة الصحیحة والمنصوص علیها فی القانون على الاجراء المعیب، بمعنى أن الاجراء رغم عیوبه یبقى ویولد جمیع آثاره کما لو کان صحیحاً لأن المشرع یفترض أمراً معیناً عاصر الاجراء أو سبقه أو أعقبه.
من خلال کل ما تقدم، یلاحظ أن التعریفات الثلاث المتقدمة سلطت الضوء على جانب أو آخر من جوانب الافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة. لذا فان أدق تعریف للافتراض القانونی فی هذا القانون انه یعنی: ((أمر یفترضه المشرع لیواجه به صعوبات معینة قد تتعلق بصیاغة القاعدة الاجرائیة أو بتطبیق أحکامها)).
بمعنى، أنه فی إطار قانون المرافعات المدنیة یعنی وسیلة فنیة بمقتضاها یفترض المشرع أمراً معیناً لا یقبل إثبات العکس إلا بهدم الافتراض أصلاً، أیاً کانت درجة الاحتمال الذی بنی علیه هذا الافتراض، والافتراض کونه وسیلة فنیة لمواجهة صعوبات متعددة، قد تتعلق بالصیاغة الفنیة للقاعدة القانونیة الاجرائیة أو بتطبیق احکام هذه القاعدة، أو فی بعض الأحیان لإثبات أمر من الأمور الاجرائیة، أو لمواجهة سکوت الخصوم عن القیام بواجباتهم الاجرائیة، أو لممارسة حقوقهم الاجرائیة فی الخصومة المدنیة وغیرها من الصعوبات التی یستحیل حلها بغیر الافتراض.
ویمکن القول بأن فکرة الافتراض أیاً کان القانون الذی یستخدمه تعتمد فی المقام الأول، على إمکانیة تحقق الأمر الذی افترضه المشرع وهو ما یسمى بـ(مبنى الافتراض)، لأن المشرع عندما یفترض أمراً من الأمور، فأنه یفترض کذلک على إمکان تحقق هذا الأمر الذی افترضه. وبتعبیر آخر، یقوم الافتراض على واقع ثابت وأکید، وهو الأمر المجری للافتراض (مبنى الافتراض)، فالافتراض وإن کان مجرد تصور ذهنی فإنه یؤسس دائماً على واقع ملموس مؤکد لا خلاف علیه. فافتراض العلم بالتبلیغ بمجرد تسلیمه فی محل الإقامة (الموطن) ولو لغیر المبلغ إلیه نفسه، یبنى على واقعة إجراء التبلیغ فی محل الإقامة أو الموطن، وهذه واقعة ثابتة یقیناً. وهذا هو الحد الأدنى المطلوب والواجب مراعاته عند استخدام المشرع الافتراض فی القانون بصفة عامة، سواء بعد ذلک جاءت دلالة الافتراض مطابقة للواقع أو غیر مطابقة له، أی لا یهم المشرع تحقیق الأمر الذی افترضه من عدمه.
المطلب الثالث
تمییز الافتراض القانونی عما یشتبه به من حالات
إن البحث فی ماهیة الافتراض تستلزم أن نبحث على وجه الدقة تمییزه من بعض الأفکار القانونیة التی قد تشتبه به من زاویة أو أخرى، بحیث یؤدی هذا التشابه إلى الخلط بینهما نظراً لتقارب الأفکار، وعلى هذا الأساس سوف یتناول هذا المطلب تمییز الافتراض القانونی عن کل من القرائن، والصوریة، والغش نحو القانون، والتغریر وذلک کله فی فروع أربع وعلى النحو التالی:
الفرع الأول: الافتراض القانونی والقرینة القانونیة .
الفرع الثانی: الافتراض القانونی والصــوریة .
الفرع الثالث: الافتراض القانونی والغش نحو القانون .
الفرع الرابع: الافتراض القانونی والتغریر مع الغبـن.
الفرع الأول
الافتراض القانونی والقرینة القانونیة
عرّف المشرع العراقی القرینة بأنها: "استنباط المشرع أمراً غیر ثابت من أمر ثابت". کما تعرف بأنها ما یستنطبه المشرع أو القاضی من أمر معلوم للدلالة على أمر مجهول. وبتعبیر آخر هی افتراض قانونی یجعل الشیء المحتمل أو الممکن صحیحاً، وفقاً لما هو مألوف فی الحیاة أو وفقاً لما یرجحه العقل.
وإذا کان المجال الأصلی للقرائن هو فی الاثبات، فإنه یتم إستخدامها کذلک فی مجال القواعد القانونیة الموضوعیة، والقرینة فی مجال الاثبات تنقسم إلى القرینة القانونیة والقضائیة. والأولى دون الأخیرة تنقسم بدورها إلى قرینة قانونیة بسیطة، یجوز اثبات عکسها مثال ذلک الوفاء بقسط من الاجرة یعتبر قرینة على الوفاء بالأقساط السابقة وقرینة قانونیة قاطعة لا یجوز اثبات خلافها إلا بالاقرار أو الیمین، ومثالها اعتبار الضرر الناجم عن تهدم البناء أو بسبب الآلات المیکانیکیة قرینة على خطأ مفترض وتقصیر من حارس المبنى أو الآلة فی القیام بحراستها.
ویلاحظ أن القرینة القانونیة تلعب دوراً هاماً فی مجال القواعد الموضوعیة (کوسیلة معنویة للصیاغة التشریعیة)، حیث تکون الدافع إلى إنشاء القاعدة القانونیة، وینتهی دورها بعد ذلک، ولا یجوز اثبات عکسها، بحیث یبقى حکم القاعدة قائماً ولو اختفت مبرراته أو تخلفت دوافع نشأته فی بعض الحالات، فبلوغ سن الرشد مثلاً تتفاوت فیه الناس، ولکن المشرع لا یسعه أن یحیل سن الرشد إلى الظروف الذاتیة لکل إنسان، فجعل بلوغ الرشد لجمیع الناس عند سن معینة مراعیاً فی ذلک الکثرة الغالبة من الأحوال، هذا مثال للقاعدة الموضوعیة التی أقامها المشرع على فکرة الراجح الغالب (القرینة). وهذه القرینة تشکل العنصر المفترض فی القاعد القانونیة الموضوعیة. وما یهمنا فی هذا الصدد، هو القرینة القانونیة باعتبارها طریقة معنویة من طرق الصیاغة التشریعیة، لأنها من هذه الزاویة تتشابه مع الافتراض القانونی، فکلاهما یلجأ إلیه المشرع فی مرحلة تکوین القاعدة القانونیة بقصد تیسیر الوصول إلى غایات عملیة معینة، وکلاهما أیضاً یقوم على أساس تصور ذهنی للواقع، ومع ذلک یمکن إجمال الفرق بینهما على النحو الآتی:
أولاً: الافتراض القانونی إن صح قیامه فی بعض الأحیان على فکرة الکذب، فإنه فی أحیان أخرى قد یقوم على فکرة المجاز، وذلک نظراً لوجود العلاقة ما بین المفترض والواقع، بمعنى أنه یخالف الحقیقة الطبیعیة، إما على أساس الکذب أو المجاز، فی حین أن القرینة تقوم على أساس فکرة الاحتمال الراجح، وهذه تنطوی على قدر ضئیل من المخالفة للحقیقة الطبیعیة، وهذه المخالفة قائمة على أساس الاحتمال ولیس للمجاز أو الکذب من ذلک فی شیء.
بعبارة أخرى أن القرینة القانونیة عندما تتحول من قاعدة اثبات إلى قاعدة موضوعیة فتصبح هی کالافتراض غیر قابلة لاثبات العکس، لکنها (القرینة) فی کل الأحوال سواءًا کانت قابلة أم غیر قابلة لاثبات العکس تبقى قائمة على فکرة الراجح الغالب الوقوع، أما الافتراض فلا أساس له من الواقع بل هو من صنع المشرع فرصة فرضاً حتمیاً، لذلک فهو أقوى من القرینة ولکنه أشد خطراً.
ثانیاً: یعتبر الافتراض القانونی من طرق الصیاغة التشریعیة، الهدف منه تیسیر تطبیق بعض الأحکام، حیث یلجأ إلیه المشرع عندما یعوزه السند المنطقی لتبریر بعض الحالات القانونیة القائمة، فی حین أن القرائن تدخل فی مجال الاثبات بنوعیه الجنائی والمدنی والهدف منها هو تیسیر الاثبات، فضلاً عن دورها فی صیاغة القواعد القانونیة.
ثالثاً: ذهب البعض، إلى الأخذ بمعیار آخر من التفرقة مقتضاه أن الافتراض یتعلق بالقانون، أما القرینة فتتعلق بالواقع، بمعنى أن القاضی حینما یعرض علیه نزاع معین یقوم بعملیتین أولاهما البحث فی الوقائع المعروضة وهنا قد یستعین بالقرینة، وثانیهما البحث فی القواعد القانونیة، ومدى انطباق حکمها على القواعد المعروضة، وهنا قد یستعین بالافتراض، لکن الرأی الراجح أن هذه التفرقة لا تصدق إلا فی شأن القرائن القضائیة، أما القرائن القانونیة فرکنها القانونی هو نص القانون ولیس الواقع المادی.
الفرع الثانی
الافتراض القانونی والصوریة
تعرف الصوریة بأنها وضع ظاهر غیر حقیقی یستر موقفاً خفیاً حقیقیاً یقوم على اتفاق مستتر، قد یمحو کل أثر للوضع الظاهر وقد یعدل أحکامه، أو أنها تعنی وجود إرادتین إحداهما معلنة، والثانیة مستترة وتعمل الإرادة المستترة بحیث تتولى تعطیل کل أو بعض الآثار المعلنة.
والجدیر بالذکر ان الصوریة لا تقتصر على العقود وحدها، وإنما یتوسع نطاقها لیشمل التصرفات القانونیة الصادرة من جانب واحد وکذلک الأحکام، لاسیما تلک التی تثبت صلحاً بین الخصمین أو تقضی برسو المزاد على شخص معین یکون مشتریاً باسمه لحساب غیره.
بعد هذا العرض الموجز لفکرة الصوریة یبدو واضحاً أنها تتفق مع الافتراض فی أنهما یخالفان الحقیقة، إلا أنه مع ذلک فإن وجه الاختلاف بینهما یظهر فیما یأتی:
أولاً: من حیث المصدر: فالافتراض القانونی، یعتبر من طرق الصیاغة المعنویة المستخدمة فی صیاغة النصوص، یکون مصدره المشرع دائماً، فی حین ان الصوریة یلجأ إلیها المتعاقدان لاصطناع مظهر کاذب لتصرف قانونی معین، یستر وراءه’ تصرفاً حقیقیاً بمعنى ان مصدرها هو اتفاق المتعاقدین.
ثانیاً: من حیث الغرض: فالغرض من الافتراض القانونی عندما یلجأ إلیه المشرع هو إما تطویر أو تفسیر أو تبریر القانون، فی حین أن الغرض من الصوریة هو خدیعة الغیر، باصطناع هذا المظهر الکاذب الذی یخفی تصرفاً حقیقاً آخر لتحقیق غایة معینة.
الفرع الثالث
الافتراض القانونی والغش نحو القانون
یقصد بالغش نحو القانون بأنه: "التدابیر الارادیة لوسائل مشروعة فی ذاتها للوصول بها إلى أغراض تخالف أوامر القانون ونواهیه". من خلال هذا التعریف یتبین بأن الغش نحو القانون هو عبارة عن طریقة یلجأ إلیها الأفراد لاستبعاد تطبیق القانون علیهم فی الوقت الذی یکون هو واجب التطبیق علیهم، أو محاولة تطبیقه علیهم فی الوقت الذی هو غیر واجب التطبیق علیهم.
وإذا کان الغش نحو القانون یتفق مع الافتراض، فی أن کلا منهما ینطوی على مخالفة الحقیقة، إلا أنه مع ذلک ثمة فروقات بینهما:
أولاً: من حیث المصدر: الافتراض القانونی أمر یتعلق بصیاغة القاعدة القانونیة، بینما لا یتصل الغش نحو القانون بالصیاغة، وإنما یتضمن وسائل یتبعها الأفراد لمخالفة الحقیقة.
ثانیاً: من حیث النطاق: الافتراض القانونی یشکل عنصر العلة أو الباعث فی القاعدة القانوینة، فالمشرع ذاته هو الذی یخالف الحقیقة فی الافتراض، بحیث تشکل هذه المخالفة جزءا من القاعدة القانونیة، بینما یقع الغش نحو القانون من الافراد المخاطبین بحکم القاعدة القانونیة.
الفرع الرابع
الافتراض القانونی والتغریر مع الغبن
التغریر وحده لیس سبباً من أسباب توقف العقد، وکذلک الغبن حتى لو کان فاحشاًَ لا یکفی لتوقف العقد وعدم نفاذه إلا فی حالات خاصة، فإذا اجتمع التغریر مع الغبن کان مانعاً من نفاذ العقد وأعتبر عیباً من عیوب الارادة یفسد الرضاء کما یفسده الغلط والاکراه.
والتغریر هو أن یذکر أحد المتعاقدین للآخر أموراً ترغبه فی الإقدام على التعاقد معه أو أن یقوم باجراءات فعلیة تدفعه إلى التعاقد معه.
فجوهر التغریر یکمن فی استخدام طرق احتیالیة تدفع أحد المتعاقدین وهو المتعاقد المغرر به، وتتکون هذه الطرق الاحتیالیة من أعمال مادیة تؤثر على ارادة المتعاقد الآخر فتصور له الأمر على غیر حقیقته، ومن ثم تدفعه إلى التعاقد.
من خلال هذا العرض الموجز لفکرة التغریر یتضح أنها تتفق مع الافتراض القانونی فی أن کلاً منهما یتضمن مخالفة الحقیقة، ومع ذلک یبقى الفرق بینهما من حیث المصدر ومن حیث الأثر.
أولاً: من حیث المصدر: الافتراض القانونی کما هو معلوم مصدره المشرع، فی حین ان التغریر مصدره المتعاقد الآخر، سواءا کان یعلم به أو على الأقل یفترض أن یکون عالماً به.
ثانیاً: من حیث الأثر: الافتراض القانونی فی حالة تحققه لا یؤدی إلى تعطیل حکم القاعدة القانونیة، لا بل أنه یشکل عنصر العلة أو الباعث فیها، فی حین أن العقد المعیب بعیب التغریر یکون موقوفاً على إجازة المتعاقد الذی وقع بهذا العیب، إن شاء أجازه وإن شاء أبطله خلال ثلاثة أشهر من تاریخ اکتشاف العیب.
یتضح من کل ما سبق، أن هناک أوجه تشابه واختلاف بین الافتراض القانونی وبین کل من القرینة والصوریة والغش نحو القانون والتغریر مع الغبن، وأقرب فکرة للافتراض تتمثل فی القرینة القانونیة کونها مثل الافتراض من وسائل الصیاغة المعنویة للقاعدة القانونیة.
المبحث الثانی
شروط الافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة
بما أن الافتراض القانونی یعتبر من الأفکار العامة والهامة فی قانون المرافعات نجد من الضرورة تحدید الشروط التی یجب توفرها للقول بقیام الافتراض وإعمال آثاره.
وتدور شروط الافتراض القانونی حول ضرورة أن یوجد نص یقرر فیه المشرع الافتراض صراحة أو ضمناً،وکذلک قیام موجب أو مبنى الافتراض من خلال الشکل القانونی المقرر فی قانون المرافعات المدنیة، وأخیراً قد یشترط فی حالات خاصة عدم توقف الإجراءات وعدم انقطاع تسلسلها.
وبغیة الإحاطة بکل هذه التفاصیل، ینبغی علینا أن نتطرق إلى هذه الشروط فی مطلبین وعلى الوجه الآتی:
المطلب الأول: وجود نص قانونی مقرر للافتراض فی قانون المرافعات المدنیة.
المطلب الثانی: تحقق مبنى الافتراض وفق الشروط الشکلیة المحددة فی قانون المرافعات المدنیة.
المطلب الأول
وجود نص قانونی مقرر للافتراض فی قانون المرافعات المدنیة
لابد من وجود نص افترض فیه المشرع صراحة أو ضمناً. بتعبیر آخر، لا یکون الافتراض فی قانون المرافعات المدنیة إلا بنص قانونی یقرره المشرع صراحة أو ضمناً، بحیث لو لم یوجد هذا النص، لا یجوز للقاضی أو الخصوم إنشاء الافتراض أو التمسک بآثاره.
علیه فلا یجوز للقاضی تجاوز هذا القید استناداً إلى قیاس أو استنتاج مهما کان منطقه أو مطابقته للواقع أو العدالة، فلا یجوز استنتاج الافتراض من غیر الأمر الذی جعله المشرع أساساً ومبنى لهذا الافتراض أو دلالة على قیامه، کما لا یجوز سحب دلالة الافتراض المقرر بنص على حالات لم یرد بشأنها نص.
والأمثلة کثیرة ومتنوعة، منها افتراض المشرع تأثر حیاد القاضی فی حالات معینة، بحیث إذا أثبت الخصم توفر إحداها جاز له طلب رد القاضی. ففی هذا المثال حدد المشرع حالات معینة وافترض فیها تأثر حیاد القاضی بحیث لا یجوز اثبات عکس هذا الافتراض، حتى ولو کان العکس هو الحقیقة، کما لا یجوز القیاس على هذه الحالات وافتراض عدم حیدة القاضی فی غیرها من الحالات، وبالتالی لا یجوز استنتاج عدم حیدة القاضی من ظروف أومن الحالات غیر المنصوص علیها مهما کانت دلالتها قاطعة.
ومن الأمثلة أیضاً لهذا الشرط، افتراض العلم بالتبلیغ متى تم فی محل إقامة المراد تبلیغه ولو لم یسلم إلیه شخصیاً، فلا یجوز اثبات هذا العلم أو افتراضه بأی واقعة أو إجراء آخر غیر التبلیغ فی محل الاقامة وبشروطه، بحیث لا یغنی عن ذلک إطلاع المراد تبلیغه على ورقة التبلیغ وثبت ذلک ثبوتاً قطعیاً.
ویستخلص من اشتراط وجود نص قانونی یقرر الافتراض فی قانون المرافعات المدنیة، أن القانون هو المصدر الوحید للافتراض القانونی فی هذا القانون الاجرائی، وأنه دائماً هو من عمل المشرع وحده، فلیس للقاضی أن یفترضه فی المجال الإجرائی ما لم یفترضه المشرع.
ویترتب على ذلک ان القاضی علیه تطبیق واعمال حکم الافتراض الوارد بالنص، دون أی سلطة تقدیریة فی شأنه، اللهم إلا التحقق من توفر شروط إعمال هذا الافتراض لکن یجب التنویه إلى أن الفقه قد یکون أحد مصادر الافتراض فی قانون المرافعات المدنیة، حیث یستنبط وجود الافتراض من القواعد القانونیة، لتفسیر أو شرح أو تبریر أحکامها. فالمشرع قد لا یصرح بالافتراض فی القاعدة القانونیة وإنما یستخلصه الفقه والقضاء. لذا من الضروری هنا أن نورد بعض الأمثلة التی تؤکد أن المشرع هو المصدر الوحید للافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة سواءَ صرح به أم لم یصرح به فاستخلصه الفقه.
أولاًَ: التصریح بالافتراض القانونی فی القاعدة القانونیة:
قد یصرح المشرع بالافتراض فی القاعدة القانونیة، عندما یستخدم من الألفاظ والعبارات ما یدل علیه، ومثال ذلک ما نص علیه المشرع فی قانون المرافعات المدنیة العراقی فی المادة (161) أنه: ((یتلى منطوق الحکم علناً بعد تحریر مسودته وکتابة أسبابه الموجبة فی الجلسة المحددة لذلک، (ویعتبر) الطرفان مبلغین به تلقائیاً فی الموعد الذی عین لتلاوة القرار)). ففی عبارة یعتبر أو یفترض المشرع العلم بالحکم القضائی للخصوم حتى فی حالة عدم حضورهم بالجلسة المحددة لتلاوته ما داموا قد حضروا فی إحدى الجلسات السابقة، وکذلک النص فی الفقرة الثانیة من المادة (13) من قانون المرافعات المدنیة والتی تنص على أنه: ((یعتبر تبلیغاً، توقیع الخصم أو وکیله بحضور الموظف المختص، على ورقة التبلیغ أو على عریضة الدعوى للحضور فی الموعد المعین))، حیث یفترض المشرع العراقی هنا صراحة وقوع التبلیغ صحیحاً فی حالة ثبوت علم المطلوب تبلیغه بطریق آخر غیر المتعارف علیه کتوقیع الخصم على عریضة الدعوى أو على ورقة التبلیغ فی داخل المحکمة وأمام الموظف المختص.
کما افترض المشرع العراقی فی المادة (12/1) من قانون المرافعات المدنیة تنازل المدعی بحق الملکیة عن دعوى الحیازة وترتب على ذلک سقوط حقه فی الادعاء بالحیازة، وفی المادة (55/1) من ذات القانون افترض المشرع حضور المدعى علیه فی جمیع الجلسات إذا حضر فی أیة جلسة من جلسات المرافعة ولو تغیب بعد ذلک.
فی الأمثلة السابقة نجد أن المشرع قد صرح بالافتراض فی القاعدة القانونیة وبنی حکم القاعدة على هذا الافتراض، ولا محل بعد ذلک للاجتهاد أو التفسیر.
ثانیاً: عدم التصریح بالافتراض القانونی فی القاعدة القانونیة:
قد لا یصرح المشرع بالافتراض فی القاعدة القانونیة، ولکن الفقه یستخلصه بقصد تفسیره أو تبریر حکمه، ومعنى هذا أن القاعدة القانونیة وإن لم تصرح بالافتراض فإن حکمها یبنى علیه ضمناً، وذلک عند تعرض الفقه بالتأصیل وردها إلى الاساس المنطقی الذی تقوم علیه، ویطلق على هذا الافتراض ((الافتراض المفسر)) بالنظر إلى الدور الذی یؤدیه.
ومن أمثلة الافتراض التی تتضمنه القاعدة القانونیة دون أن یصرح بها المشرع، ولکن الفقه استخلصه، ما یلی:
1- افتراض عدم صلاحیة القاضی فی جمیع الحالات الواردة بالمادة (91) من قانون المرافعات المدنیة العراقی (التنحی الوجوبی)، فالافتراض هنا متى توفرت شروطه، لا یقبل جدلاً أو نقاشاً وینتج أثره القانونی فیقع عمل القاضی باطلاً ولو تمَ بأتفاق الخصوم.
2- افتراض تأثر حیاد القاضی فی جمیع الحالات الواردة بالمادة (93) من قانون المرافعات العراقی بشروطها، ففی هذه الحالات یفترض المشرع قطعاً أن القاضی لابد أن یفقد حیاده، حتى ولو لم یتعمده فی الواقع ومن ثم یکون غیر صالح لنظر القضیة.
3- افتراض صحة الصفة التی یقررها من یتسلم التبلیغ فی محل الاقامة (الموطن) لغیر الشخص المطلوب تبلیغه. استناداً إلى اقامته فی موطن المطلوب تبلیغه.
4- افتراض صحة التبلیغ متى تحققت غایته (المادة 27) من قانون المرافعات المدنیة العراقی. فالمشرع راعى هنا بالافتراض عدم الاغراق فی الشکلیات وذلک بالاقلال من دواعی البطلان، فلم یرتب البطلان کجزاء على مخالفة الاجراء، حتى ولو نص القانون على ذلک صراحة إذا ما ثبت تحقق الغایة من الاجراء المعیب.
5- افتراض النزول عن التمسک ببطلان التبلیغ. فبمجرد حضور الخصم فی الجلسة افترض المشرع تنازله عن حقه فی التمسک ببطلان التبلیغ.
6- افتراض الاستعجال فی کافة أشکال التنفیذ.
نخلص من کل ما سبق، أنه یشترط لتحقیق الافتراض الاجرائی وجود نص قانونی فی قانون المرافعات المدنیة یقرر الافتراض صراحة أو ضمناً، ومن هنا یتبین أن مصدر الافتراض ینحصر فی المشرع وحده ولا یجوز الاستناد إلى قیاس أو استنتاج أی مصدر آخر للقول بوجود الافتراض.
المطلب الثانی
تحقق مبنى الافتراض وفق الشروط الشکلیة المحددة فی
قانون المرافعات المدنیة
لا یکفی لقیام الافتراض القانونی فی قانون المرافعات أن یوجد نص یقرره. فالمشرع الاجرائی لا یأخذ بفکرة الافتراض إلا على أساس تحقق أمر من الأمور اتخذه المشرع مبنى وأساساً لقیام الافتراض القانونی وأن یتحقق هذا المبنى من خلال الاجراءات والاشکال القانونیة المقررة فی قانون المرافعات المدنیة.
ویقصد بـ(مبنى الافتراض)، الأمر الذی إتخذه المشرع أساساً لافتراضه، فهذا الشرط یعنی أن الافتراض القانونی یجب أن یقوم على أمر ثابت ومؤکد، لا یداخله شک أو احتمال، فإذا لم یتحقق مبنى الافتراض وأساسه لا یمکن بأی حال من الأحوال القول بقیام الافتراض، حتى لو کان الواقع یؤکد تحققه، أی تحقق الافتراض القانونی.
ومثال ذلک، افتراض المشرع أن الحکم حضوری طالما حضر الخصم فی أیة جلسة من جلسات نظر الدعوى ولو تغیب بعد ذلک.
فمبنى الافتراض القانونی هنا هو حضور أی جلسة فی القانون العراقی والاردنی، ومبناه فی القانون المصری هو الحضور فی أیة جلسة، أو التقدیم بمذکرة الدفاع، ولا یمکن القول بأن الحکم حضوری فی حق المدعى علیه فی هذا المثال استناداً إلى أی أمر آخر أو واقعة أخرى غیر الحضور. هذا الأمر أو المبنى هو(الحضور الفعلی. أو تقدیم مذکرة الدفاع).
وللقضاء العراقی قرارات عدیدة فی هذا الشأن منها ما قضت به محکمة تمییز العراق فی إحدى قراراتها بأنه: ((لدى التدقیق والمداولة وجد أن المحکمة أصدرت حکمها الممیز حضوریاً رغم ان الممیز (المدعى علیه) لم یحضر أیة جلسة من جلسات المرافعة، کما لم یحضر وکیله وطلب تأجیل الدعوى بعریضة وقدمها إلى المحکمة فی الجلسة المؤرخة 4/4/1970 وقد رفضت المحکمة طلب وکیل الممیز اجراء المرافعة بحق الممیز حضوریاً واستندت فی قرارها إلى المادة (55) من قانون المرافعات وحیث أن المادة المشار إلیها قد نصت فی فقرتها الأولى على أن المرافعة تعتبر حضوریة إذا حضر الخصم فی أیة جلسة ولو تغیب بعد ذلک، ولما کان الممیز قد تخلف عن الحضور رغم تبلغه ولو لم یحضر أیة جلسة من جلسات المرافعة، لذا کان على المحکمة أن تقتنع بطلب وکیل الممیز أن تقرر اجراء المرافعة بحقه غیاباً فلهذه الأسباب قرر نقض الحکم الممیز وإعادة الدعوى إلى محکمتها للسیر فیها وفق ما سبق شرحه على أن تبقى الرسوم تابعة للنتیجة وصدر القرار بالاتفاق فی 30/6/1970)).
ومثال آخر لاشتراط تحقیق مبنى الافتراض القانونی، حالة عدم حضور الخصم فی أیة جلسة من جلسات الدعوى ثم صدور حکم فیها، فیفترض المشرع عدم علم الخصم الغائب بصدور حکم فی الدعوى وضمن له حق الاعتراض على الحکم الغیابی فی حالة تبلیغه بذلک الحکم الغیابی، ویبقى افتراض عدم العلم قائماُ منتجاً لاثره فی عدم سریان میعاد الطعن إلى أن یتم تبلیغه بالحکم تبلیغاً صحیحاً.
ولاشک أن هذه الأمثلة تؤکد أن تحقق مبنى الافتراض القانونی یعد شرطاً جوهریاً لقیام الافتراض فی قانون المرافعات المدنیة وتبریر هذا الشرط أننا لسنا فی مجال القرائن فی القانون المدنی، وإنما فی مجال الافتراض القانونی فی وسط اجرائی، وهو الحضور فی الخصومة المدنیة، بحیث لا تسمح اجراءاتها الشکلیة بالبحث فیما وراء الأمر الذی جعله المشرع مناطاً للافتراض، أی مبنى تحقق الأمر المجری للافتراض فی قانون المرافعات، وإنما وجب ترتیب أثر هذا الافتراض دونما البحث فی أیة مسألة أخرى فیما وراء تحقق هذا المبنى للافتراض.
فالحضور فی أیة جلسة من جلسات المرافعة یعنی إفتراض العلم به ولا یقبل المشرع نقاشاً أو جدلاً فی ذلک، أما فی القرائن فیجوز رغم تحقق مناط الافتراض فی القرینة، إثبات عکس وهدم دلالة الواقعة أو العمل المعتبر مناطاً للافتراض فی القرینة.
ولا یکفی لقیام الافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة تحقق مبنى الافتراض بعد وجود نص یقرره صراحة أو ضمناً، وإنما یلزم أیضاً أن یکون تحقق مبنى الافتراض من خلال الاجراءات والاشکال المقررة فی قانون المرافعات المدنیة، حیث ان المشرع إذا اتخذ من واقعة ما أو إجراء ما أساساً أو مبنى للافتراض القانونی، فإنه یحیط هذا الاجراء على النحو الذی یتطابق مع نموذجه فی قانون المرافعات المدنیة، فتحقق مبنى الافتراض له ضوابط وشروط شکلیة یجب احترامها وإلا لا یعتد بالواقعة أو الإجراء فی قیام الافتراض القانونی.
وتبریر ما سبق ذکره، أن الافتراض کفکرة عامة یعنی الکذب أو المجاز، وقد یدخل فیه معنى الاحتمال، فوجب أن یستند أو یقوم على أمر ثابت وأکید، هذا الثبوت وهذا التأکید ما قصد منه المشرع إلا تحقیق ضمانات فعالة تجعل الافتراض أقرب ما یکون إلى الواقع والحقیقة وقد یقصد المشرع من ذلک، مجرد أن یبنى ما فرضه على ما هو أکید، بحیث لا ینطلق الافتراض إلا من هذا الامر المؤکد، بإعتبار ان الافتراض ذاته کفکرة هو مجرد مجاز.
فعلى سبیل المثال المشرع العراقی، حدد الأشخاص الذین تسلم إلیهم ورقة التبلیغ حتى یکون التبلیغ للمراد إعلامه قد تم وفقا للصورة التی حددها القانون، کما حدد واجبات المبلغ عند تسلیمه الورقة المطلوب تبلیغها واوجب علیه واجبات محددة وإلا یعرّض نفسه للمسؤولیة.
فالمشرع هنا وبوضعه هذه الواجبات للمبلغ، أو الشروط الواجب اتباعها فی حالة إتمام التبلیغ فی محل إقامة المطلوب تبلیغه، یعنی أنه وضع النموذج القانونی للتبلیغ، والذی رتب علیه افتراض علم المراد تبلیغه بمضمون التبلیغ، رغم عدم تسلیم صورة التبلیغ إلى المراد تبلیغه شخصیاً مادام قد تحقق التبلیغ بصورته القانونیة، وبعکسه إذا لم یتطابق مع نموذجه القانونی المقرر فی قانون المرافعات المدنیة، فلا یصح اتخاذه مبنى أو مناطا لافتراض العلم بالاجراء (وهو التبلیغ فی مثالنا)، وبالتالی لا یمکن الاعتداد بالعلم الفعلی الحقیقی الناتج عن تبلیغ لم تراع فیه القواعد المحددة قانوناً.
ومن هنا یمکننا القول، أنَ الشکلیة فی قانون المرافعات المدنیة تعد أساساً فعالاً لالتجاء المشرع للافتراض فی هذا القانون، بحیث لا یقوم الافتراض إذا لم تراع القواعد الشکلیة والاجرائیة فی العمل الاجرائی المجری للافتراض، فقد ساعدت الشکلیة وبدرجة کبیرة فی أن یعتمد المشرع على الافتراض کفکرة عامة فی قانون المرافعات المدنیة، کما أن اللجوء إلى الافتراض القانونی ساعد أیضاً وبدرجة کبیرة فی حل کثیر من العقبات فی هذا القانون، ما کان یمکن للمشرع الاجرائی تخطیها إلا عن طریق الاخذ بفکرة الافتراض.
فإذا تحققت الشروط السابقة، قام الافتراض ورتب کل آثاره، ولکن لابد لنا من التنبیه، أنه لا یکفی لترتیب أثر الافتراض، مجرد قیام الافتراض صحیحاً، وإنما قد یلزم لبقاء الافتراض فی بعض الحالات (خاصة افتراض العلم بالاجراءات) ألا ینقطع تسلسل اجراءات الخصومة، فإذا حدث وإنقطع تسلسل الاجراءات لأی سبب من الاسباب، فإن حالة الافتراض تنقطع هی الاخرى ولا یمکن التعویل علیه فی انتاج أی أثر من آثاره.
ومعنى هذا ان استمرار وبقاء الافتراض (فی بعض الحالات) مرهون بإستمرار الاجراءات دون توقف أو انقطاع، ویترتب على ذلک صحة القول، بأن مبنى الافتراض متى تحقق فأنه لا ینتج أثره إلا فی نطاق محدد، هو الفترة الزمنیة التی تستمر فیها الاجراءات دون انقطاع، فلا یجوز أن یمتد أثر الافتراض أکثر من هذه الفترة أو یتجاوزها.
مثال ذلک، عدم سریان میعاد الطعن فی الحکم إلا من الیوم التالی لتبلیغ ذلک الحکم لمن یقوم مقام المحکوم علیه فی حالة الوفاة أو فقدان الأهلیة أو زوال الصفة، حیث تقضی لمن یقوم مقام هؤلاء مراجعة طرق الطعن القانونیة بالحکم الصادر بعدما تعذر ذلک بسبب من الأسباب الثلاثة مادامت لم تنته مدد الطعن القانونیة قبل حدوث أحد هذه الأسباب التی توقف هذه المدد. أما إذا انتهت قبل حدوث هذه الأسباب فلا یجوز للخلف الطعن بالحکم، لأنه یعتبر هنا سقوطاً للحق فی الطعن من قبل السلف المحکوم علیه.
یتضح من هذه الأمثلة، أنه متى انقطع تسلسل الجلسات فأن العلم باستئناف السیر فی الدعوى وفی الطعن بالحکم لا یثبت إلا بالتبلیغ الصحیح. حیث لا یجدی عن ذلک أی إجراء آخر.
لذا فان افتراض حضور الخصم السابق على الانقطاع، لا یسری فی مواجهته ولا یرتب أثراً فی حقه، وبالتالی لا یمکن افتراض علمه بما یتخذ فی الخصومة من اجراءات بعد انقطاع سیر الخصومة.
وبناءً على ما تقدم نستطیع القول بان عدم انقطاع تسلسل الاجراءات لأی سبب من الأسباب هو أحد شروط قیام الافتراض فی بعض حالاته فی قانون المرافعات المدنیة، ومن ثم ترتیب آثاره القانونیة. وإذا تحققت الشروط السابقة، صح الافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة، ووجب ترتیب الآثار القانونیة له.
وفی النهایة لابد لنا من الاشارة، أنّه متى ما توفرت شروط الافتراض من نص قانونی وتحقق لمبنى الافتراض فی الشکل القانونی المقرر له فی قانون المرافعات المدنیة وعدم انقطاع تسلسل الاجراءات (وذلک فی الحالات التی تقتضیها)، فلا یجوز القول باثبات عکس الافتراض، أو بمعنى أن ما افترضه المشرع لا یقبل اثبات العکس. ذلک أن اثبات العکس فی الغالبیة العظمى من تطبیقات الافتراض فی قانون المرافعات غیر جائز، بل هو محضور وممنوع.
لتوضیح ذلک نضرب مثالاً، أن الحکم متى صدر یکتسب الحجیة فیفترض المشرع عدالة هذا الحکم موضوعیاًَ وصحته شکلاً، وبالتالی لا یجوز اثبات عکس هذا الافتراض، أی لا یجوز قبول دلیل ینقض هذه الحجیة.
والحکمة من عدم جواز اثبات عکس الافتراض فی هذا القانون، تتمثل فی أن فائدة فکرة الافتراض تکمن فی اعتبار أن الامر المفترض هو الحقیقة الوحیدة التی ارادها المشرع دون اعتداد بحقیقة الواقع، ولذلک لا یسمح المشرع باثبات عکس الحقیقة المفترضة، أی باثبات عکس ما افترضه القانون.
المبحث الثالث
تطبیقات للافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة
من المعلوم أن قانون المرافعات المدنیة زاخر بالافتراضات، لکن الالمام بکل تطبیقات الافتراض فی هذا القانون هو أمرُ صعب ویخرج عن نطاق هذا البحث المتواضع، فنکتفی بعرض بعض التطبیقات التشریعیة والقضائیة على أن تکون متنوعة فی اساسها وغایتها.
ولاشک فی أن استخدام المشرع لفکرة الافتراض القانونی فی قانون المرافعات وخاصة فی نطاق الخصومة المدنیة یستند إلى مبررات عدیدة، من هذه المبررات، ان قانون المرافعات هو قانون وسیلی، أی ان قواعده تعد مجرد وسائل للشکلیات القانوینة التی حددها المشرع لحمایة أصل الحق، ویجب أن تکون هذه الشکلیات مهیئة وموصلة لهذه الحمایة والا تؤدی إلى إهدار الحقوق, ومن هذه أیضاً، ان الافتراض القانونی یساعد على تقلیل نفقات الاجراءات وذلک إما بتقلیل عدد الاجراءات التی تتخذ فی الخصومة، وإما بتجنب إعادة إتخاذ الاجراء المعیب بتصحیحها مع المحافظة على الاثار الاجرائیة والموضوعیة التی تتولد من الاجراء المعیب.
فضلا عن ذلک، فقد شجع على استخدام الافتراض القانونی فی هذا القانون، مجموعة المبادئ التی تسود فی الخصومة المدنیة، کمبدأ سیادة الخصومة ومبدأ أن الخصومة ملک للخصوم، فضلاًعن اعتبارات أخرى کالمحافظة على مبدأ المواجهة والعمل على دفع الخصومة لهدفها الأساسی بمواجهة السلوک السلبی للخصوم، وتمکین المحکمة من نظر الدعوى المعروضة علیها على أساس افتراض تحقیق المواجهة بمجرد اتصال الخصوم بالدعوى.
کل هذه المبررات وغیرها أدت إلى تنوع تطبیقات الافتراض القانونی فی قانون المرافعات المدنیة لاسیما فی نطاق الخصومة المدنیة لذلک رأینا أن نعرض بعض التطبیقات للافتراض القانونی فی القانون والقضاء العراقی والمقارن وهی کالتالی:
أولاً: افتراض العلم بالتبلیغ القضائی، باعتباره من أهم تطبیقات الافتراض فی قانون المرافعات.
ثانیاً: افتراض حضور الخصوم أمام القضاء کوسیلة یواجه بها المشرع السلوک السلبی للخصوم.
وبناءً على ما تقدم، نقسم هذا المبحث إلى مطلبین نعرض فیها تطبیقات متنوعة لفکرة الافتراض القانونی، وذلک النحو الاتی:
المطلب الأول: افتراض العلم بالتبلیغ القضائی.
المطلب الثانی: افتراض الحضور فی المرافعات .
المطلب الأول
افتراض العلم بالتبلیغ القضائی
یعرف التبلیغ القضائی. بأنه إعلام الشخص المطلوب تبلیغه بالأوراق القضائیة وبما یتخذ ضده من اجراءات وذلک طبقاً للشکل الذی حدده القانون. أو هو الوسیلة الرئیسة التی رسمها المشرع لتمکین الطرف الآخر من العلم بإجراء معین.
ومن استقراء النصوص القانونیة نجد أن المشرع فی کل القوانین المقارنة محل البحث، یعتمد على العلم الیقینی فی التبلیغ من حیث وصوله إلى علم المطلوب تبلیغه، ولکن هناک حالات لا یمکن فیها تحقیق العلم الیقینی، لذا یکتفی المشرع بالعلم الافتراضی بالتبلیغ، والذی یتحقق فی کل حالة یتم تسلیم ورقة التبلیغ فی محل إقامة المراد تبلیغه إلى أحد ممن یجیز القانون تسلیمه إلیه، أو فی جمیع الحالات الاستثنائیة التی تتم فیها عملیة التبلیغ، افتراضاً من المشرع حصول العلم بالتبلیغ. ولبیان کل هذه التفاصیل نقسم هذا المطلب إلى الفرعیین الآتیین:
الفرع الأول: العلم الیقینی بالتبلیغ القضائی.
الفرع الثانی: العلم الافتراضی بالتبلیغ القضائی.
الفرع الأول
العلم الیقینی بالتبلیغ القضائی
یتحقق العلم الیقینی بالتبلیغ القضائی، إذا سلمت صورته إلى الشخص المطلوب تبلیغه بالذات فی أی مکان یجده القائم بالتبلیغ، فمتى سلمت الورقة إلى المراد تبلیغه یکون علمه قد أتصل بمضمونها، ویکون علمه فی هذه الحالة یقیناً مؤکداً، وهذا ما یتفق مع الغایة الأساسیة للتبلیغ، ومع الهدف من الشکلیات المقررة له.
بعبارة أخرى، التبلیغ للشخص المطلوب من أکثر طرق التبلیغ ضماناً لتحقیق الهدف منه، إذ یفترض أن المبلغ إلیه قد علم یقیناً بمضمون التبلیغ سواءً أکان إنذاراً أو عریضة للدعوى أو حکماً أو قراراً أو غیر ذلک.
وبما أن العلم الیقینی أقوى من العلم المفترض، فإن المشرع یعتمد أساساً على التبلیغ للشخص نفسه کوسیلة لاعلام الخصم بما یجب أن یصل إلى علمه من الاجراءات والأوراق القضائیة، ومع ذلک تتوقف أهمیة وفائدة التبلیغ لشخص المبلغ إلیه على نوع النظام الاجرائی للتبلیغ، والضمانات التی یقررها المشرع، والتی تکفل إیصال التبلیغ للشخص المبلغ إلیه ذاته.
فقد أخذت جمیع القوانین محل البحث بالعلم الیقینی. لکن یلاحظ أن المشرع فی العراق ومصر والاردن، لم یشترط البدء بالتبلیغ للشخص ذاته، حیث تنص المادة (18) من قانون المرافعة المدنیة العراقی، على أنه: ((تسلم الورقة المطلوب تبلیغها إلى الشخص نفسه ولو کان خارج محل إقامته أو تسلم فی محل إقامته إلى زوجه أو من یکون مقیماً معه من أقاربه أو أصهاره أو ممن یعملون فی خدمته من الممیزین وکذلک یجوز تسلم الورقة إلى مستخدمیه فی محل عمله)).
فبناءً على هذا النص الواضح والصریح، تکون القاعدة هی جواز تسلیم ورقة التبلیغ للشخص أو لغیره ممن حددتهم هذه المادة فی موطنه (محل إقامته). لأن هذا النص لم یلزم القائم بالتبلیغ بإجرائه إلى الشخص أولاً، بل أجاز له إجراء التبلیغ مباشرة فی محل إقامته، فالأمر سواء بالنسبة للقائم بالتبلیغ، فله أن یبدأ بتبلیغ الشخص نفسه، أو یبدأ بتسلیم التبلیغ فی محل إقامة المراد تبلیغه، أی أن الخیار متروک للشخص القائم بالتبلیغ. بمعنى أن المشرع قد جمع بین العلم الیقینی والعلم الافتراضی فی هذا النص.
لکن مما تجدر الإشارة إلیه هنا، أنه یجب التفرقة فی أحکام التبلیغات دائماً بین المطلوب تبلیغه وبین من یصح تسلیم ورقه التبلیغ إلیه، إذ أن أحکام وطرق تسلیم ورقة التبلیغ إلى المطلوب تبلیغه تختلف عنها حینما تسلم ورقة التبلیغ إلى من یجیز القانون تسلیمه الیه لیعد ذلک تبلیغاً للمطلوب تبلیغه، فلا یصح تسلیم الورقة إلى أحد ممن ذکرتهم المادة (18) السابقة الذکر، إلا فی حالة عدم وجود المطلوب تبلیغه أو عدم التقاء القائم بالتبلیغ به حین إجراءه التبلیغ.
وبهذا یکون المشرع قد أخذ بأولویة التسلیم لشخص المطلوب تبلیغه إذا تواجد فی محل إقامته لحظة إجراء التبلیغ، ففی هذه الحالة لا یجوز تسلیم ورقة التبلیغ لغیر المبلغ إلیه بالذات.
ومن الجدیر بالملاحظة، أنه لا یفترض فی القائم بالتبلیغ معرفة جمیع الأشخاص الذین یطلب إلیه تبلیغهم، فقد یخطئ القائم بالتبلیغ فیسلم الورقة إلى شخص آخر غیر المطلوب تبلیغه، وهذه الفرضیة محتملة الوقوع کثیراً فی حالة إتمام التبلیغ خارج محل إقامة المطلوب تبلیغه. ومثل هذا الخطأ یرتب مسؤولیة القائم بالتبلیغ عما یصیب المطلوب تبلیغه أو طالب التبلیغ من ضرر، لذا یکاد یجمع الفقه على أنه إذا تم التبلیغ خارج محل إقامة المراد تبلیغه، وجب على القائم بالتبلیغ، التثبیت من شخصیة هذا الأخیر، وإلا تعرض التبلیغ للبطلان والقائم بالتبلیغ للمسؤولیة، وعلیه إذا أخطأ القائم بالتبلیغ فی شخصیة المطلوب تبلیغه وسلم لشخص آخر غیره، کان التبلیغ باطلاً وکان القائم بالتبلیغ مسؤولاً مسؤولیة تأدیبیة، وکان أیضاَ مسؤولاً عن تعویض الاضرار التی سببها لطالب التبلیغ.
وعلى عکس ما سبق ذکره، فإن المتفق علیه فقهاً وقضاءًا، أن الشخص القائم بالتبلیغ غیر مکلف من التحقق والتثبیت من شخصیة من یقرر أمامه أنه هو المطلوب تبلیغه فی حالة وقوع التبلیغ فی محل الاقامة (الموطن)، فإنه أی القائم بالتبلیغ لا یکون مسؤولاً إذا أخطأ فی الشخص المراد تبلیغه حتى لو لم یکن ممن یجیز القانون تسلیم الورقة إلیه مادام أنه إدعى صفة تخول القائم بالتبلیغ تسلیم الورقة إلیه، لأن القانون افترض وصول الورقة إلى المطلوب تبلیغه بمجرد تسلیمها إلى من یصح تسلیم الورقة إلیه، فعد المطلوب تبلیغه مبلغاً بمجرد وقوع ذلک التسلیم وهو فرض غیر قابل لاثبات العکس.
وهناک الکثیر من القرارات القضائیة التی تؤکد القول السابق، منها ما قضت به محکمة النقض المصریة أن: ((المحضر (القائم بالتبلیغ) غیر مکلف بالتحقق من شخصیة المخاطب معه بمحل إقامة المعلن إلیه متى انتقل إلى موطن الشخص المراد إعلانه وذکر أنه سلم الإعلان إلى من قرر أنه من أقاربه أو أصهاره أو المقیمین معه)).
إذن فإن الشخص القائم بالتبلیغ یختار الطریق الأسهل وهو التبلیغ فی محل الاقامة، خاصة إذا علمنا أن المشرع فی کل من العراق ومصر ولبنان، جعل تحقق العلم الیقینی رهناً باختیار الشخص القائم بالتبلیغ، أی لم یشترط علیه حصراً تبلیغ الشخص المطلوب تبلیغه فی کافة الأحوال، بل أجاز المشرع له إما التبلیغ للشخص المراد تبلیغه بالذات أو تبلیغه بواسطة أحد ممن أجاز القانون تبلیغهم نیابة عنه فی الموطن (محل الاقامة).
وهو عادة ما یختار الطریقة الثانیة، أی التبلیغ فی محل الاقامة رغم ما توفره هذه الطریقة من ضمانات أقل فیما یتعلق بوصول ورقة التبلیغ إلى علم المراد تبلیغه، وسبب اختیار القائم بالتبلیغ هذه الطریقة أنه عادة یجهل شخصیة المطلوب تبلیغه، ویوفر على نفسه عناء البحث عنه والتحقق من شخصیته، وإلا ستثور مسؤولیته فیما لو أخطأ فی شخص المبلغ إلیه، بینما هو غیر ملزم بذلک فیما لو أبلغه فی محل الاقامة.
علیه وبعد ذلک یمکننا أن نقرر أن الأصل فی العلم بمضمون ورقة التبلیغ، لیس هو العلم الیقینی، وإنما هو العلم الافتراضی (التبلیغ فی محل الاقامة)، ودلیل ذلک أن الغالب فی الواقع والعمل هو التبلیغ فی محل الاقامة، وکذلک النصوص القانونیة فی قوانین کل من العراق ومصر والاردن لا یتضمن تحدید أیهما الاصل وأیهما الاستثناء، التبلیغ للشخص ذاته (العلم الیقینی)، أم التبلیغ فی محل الاقامة (العلم الافتراضی).
لکن یجب علینا الانتباه، أن هناک حالات محددة حصراً یصح القول فیها أن العلم الیقینی هو الأصل، کما فی حالة التبلیغ فی محل الاقامة، وتواجد المبلغ إلیه نفسه وقت إجراء التبلیغ، وهذه الحالة سبق وأن أشرنا إلیها.
کما أن من المهم الإشارة إلى أن هناک حالة إنفرد بها المشرع العراقی دون غیره من القوانین المقارنة بالأخذ بالعلم الیقینی بالتبلیغ، وذلک عندما نص فی المادة (13/2) من قانون المرافعات المدنیة العراقی على أنه: ((یعتبر تبلیغاً، توقیع الخصم أو وکیله بحضور الموظف المختص، على ورقة التبلیغ أو على عریضة الدعوى للحضور فی الموعد المعین))، کما نصت فی المادة (48/1) من القانون ذاته بأنه: ((یؤشر على العریضة من قبل القاضی ویحدد موعد لنظر الدعوى... ویوقع المدعی على عریضة الدعوى، بما یفید تبلیغه بیوم المرافعة)).
فقد اعتبر المشرع بموجب الفقرة (2) من المادة (13) توقیع الخصم أو وکیله بحضور الموظف المختص على ورقة التبلیغ أو على عریضة الدعوى بالحضور فی الموعد المعین تبلیغاً قانونیاً لأن ذلک یحقق الغایة الأساسیة من التبلیغ وهو علم المطلوب تبلیغه بمضمون الورقة وبموعد المرافعة، وهذا برأینا المتواضع افتراض صریح من المشرع رغم عدم حصول التبلیغ بالإجراءات الشکلیة المحددة قانوناً.
واستفادة من الحکم الوارد فی المادة (13/2) أعلاه، من قانون المرافعات المدنیة العراقی، فقد ذهب البعض وبحق، إلى أن لحوق علم المراد تبلیغه عن طریق آخر بالأمر المراد تبلیغه، کاقراره الصریح على طلب أو عریضة أو محضر رسمی، یعد تبلیغاً قانونیاً، لأن الغرض الرئیس من التبلیغ هو إعلام المراد تبلیغه بما یوجب القانون إعلامه به، ولا یشترط أن یتحقق ذلک بورقة التبلیغ، بل یجوز أن یحصل بطریق آخر، حیث لم تعد لورقة التبلیغ وحدها لها من القدسیة والمکانة بما لها من شکلیات فرضها القانون، مادام القانون قد قبل مبدأ التبلیغ بغیر ورقة التبلیغ.
إلا أن بعض أحکام محکمة تمییز العراق، ومحاکم الاستئناف بصفاتها التمییزیة قد استقر على أن العلم بصدور (الحکم المطلوب تبلیغه) لا یجوز إلا بالتبلیغ به بالطرق الأصولیة، حتى لو أقر المطلوب تبلیغه بعلمه بصدور الحکم، وهذا الرأی نابع من خطورة التبلیغ بالحکم وما یتعلق به من سریان مدد الطعن القانونیة، وبالتالی اکتساب الأحکام درجة البتات، إضافة إلى أن تبلیغ الحکم یتطلب الإطلاع على أسباب الحکم، فقد یعلم الخصم بصدور الحکم ویقر بذلک دون أن یطلع على أسبابه وما بنی علیه، فالعلم بصدور الحکم لا یغنی عن التبلیغ، بل یستوجب التبلیغ بالحکم رسمیاً.
وإذا کان قانون المرافعات المدنیة العراقی قد انفرد باعتباره ما یقوم مقام التبلیغ تبلیغاً صحیحاً ویتحقق فیها العلم الیقینی فی حالة توقیع الورقة من قبل الخصم نفسه، فیجدر بنا أن نشیر إلى أن هناک حالات أوجب فیها کل من القانون المصری والاردنی تحقق العلم الیقینی بالتبلیغ، ولم نجد ما یشابهه فی القانون العراقی، منها ما نصت علیه المادة (66) من قانون المرافعات المدنیة والتجاریة المصری على أن: ((میعاد الحضور فی الدعوى المستعجلة أربع وعشرون ساعة، ویجوز فی حالة الضرورة نقص هذا المیعاد وجعله من ساعة إلى ساعة بشرط أن یحصل الإعلام للخصم نفسه)).
إذن القاعدة العامة أن التبلیغ یجوز إما لشخص المبلغ إلیه بالذات وإما فی محل إقامته، إلا أن القانونین المصری والأردنی قد خرجا من هذه القاعدة وأوجبا فی بعض الحالات التبلیغ للشخص المطلوب تبلیغه بالذات، لیشترطا تحقق العلم الیقینی بالتبلیغ، کما هو الحال فی تبلیغ عریضة الدعوى المستعجلة الواردة فی المادة أعلاه.
وفیما یتعلق بمسألة أهمیة التمییز بین العلم الیقینی والعلم الافتراضی للتبلیغ، نجد هذه الأهمیة واضحة فی قانون المرافعات المدنیة والتجاریة المصری، وذلک خاصة فی اختلاف النتائج المترتبة على تسلیم صورة ورقة التبلیغ إلى الشخص نفسه، عن تلک الحالة التی تترتب على تسلیم الصورة فی محل الاقامة، فإذا أثبت القائم بالتبلیغ أن التبلیغ تم لشخص المدعى علیه نظرت المحکمة فی الدعوى وحکمت فیها رغم عدم حضوره، أما إذا کان التبلیغ قد حصل فی محل الاقامة لغیر المدعى علیه ولم یحظر فی الجلسة الأولى، فإن المحکمة تؤجل النظر فی الدعوى لإعادة تبلیغ المدعى علیه، وهذا فی کافة أنواع الدعاوى ما عدا الدعاوى المستعجلة.
حیث قدّر المشرع المصری مسألة أفضلیة العلم الیقینی على العلم الافتراضی، مصرحاً بالنص على أن المدعى علیه الغائب فی الجلسة الأولى إذا کان قد تبلغ بعریضة الدعوى لشخصه، فتحقق بذلک علمه الیقینی بقیام الدعوى، فلا محل لتأجیلها وإعادة تبلیغه، أما إذا لم تکن عریضة الدعوى قد تم تبلیغها لشخص المدعى علیه نفسه، فیتعین فی حالة غیابه فی الجلسة الأولى تأجیل الدعوى وإعادة تبلیغه للموعد الجدید لاحتمال جهله بقیام الدعوى، وذلک کله إذا لم تکن الدعوى من الدعاوى المستعجلة، حیث أن المحکمة تنظر فی مثل هذه الدعاوى حتى لو تغیب المدعى علیه الذی لم یبلغ لشخصه، لأن هذه الدعاوی لا تحتمل التأخیر.
أما بالنسبة لموقف القانونین الفرنسی واللبنانی، فنستطیع القول أن موقف قانون أصول المحاکمات المدنیة اللبنانی مشابه مع موقف القانون العراقی والمصری والاردنی، لکن یلاحظ أنه الأکثر تشدداً وتمسکاً بحصول العلم الیقینی فی التبلیغات، بدلاً من الطرق الأخرى التی یتحقق فیها العلم الافتراضی بدلیل أن هذا القانون قد خصص مادة مفصلة فیها طریقة تحقق العلم الیقینی.
وبسبب هذا النص من المشرع اللبنانی، ذهب البعض إلى أن الأصل فی التبلیغ هو أن یتم تسلیمه إلى المطلوب تبلیغه بالذات، فی مقامه أو مسکنه أو فی محل عمله، أوفی أی مکان آخر یوجد فیه،لأنها هی الطریقة المثلى فی التبلیغ وتضمن بشکل مؤکد علم الشخص بمضمون الأوراق المبلغة إلیه، ثم إذا تعذر على القائم بالتبلیغ تسلیم الورقة للشخص ذاته جاز له التسلیم فی محل إقامته إلى أحد ممن أجاز القانون تسلیمه إلیهم، أی إذا تعذر الأصل یصار إلى الاستثناء (والتبلیغ فی محل الاقامة) وهو ما یتحقق به العلم الافتراضی.
فی حین یذهب آخرون، ونحن نؤیده من جانبنا، إلى التساوی بین العلم الیقینی والعلم الافتراضی، على أساس ان تبلیغ الأشخاص الطبیعیین إما أن یعرف القائم بالتبلیغ الشخص المطلوب تبلیغه وهنا یصار تبلیغه فی أی مکان، وإما لا یعرف القائم بالتبلیغ هذا الشخص فیقوم بتسلیم التبلیغ إلى أحد من ذکرتهم المادة (400) من قانون أصول المحاکمات المدنیة اللبنانی.
أما بصدد القانون الفرنسی، فقد أخذ موقفاً واضحاً وصریحاً، حیث جعل القاعدة (التبلیغ للشخص أولاً، فإن تعذر فیکون التبلیغ فی محل إقامة المطلوب تبلیغه). وقد تقررت هذه القاعدة فی المادة (654) من قانون الاجراءات المدنیة الفرنسی ، والتی نصت على وجوب التبلیغ للشخص أولاً، ثم أوجبت فی فقرتها الثانیة على أن یتم التبلیغ فی محل الاقامة إذا تعذر التبلیغ للشخص. بل والاکثر من ذلک فإن المادة (677) من القانون ذاته تقضی بأن الأحکام یجب أن تبلغ إلى الأطراف أنفسهم، بحیث یمکن القول، أن تسلیم ورقة تبلیغ الحکم للشخص المطلوب تبلیغه بالذات وهو ما یتحقق به العلم الیقینی، هی الوسیلة الوحیدة لإجراء التبلیغ المطلوب وفقاً للمادة (677) أعلاه.
ولما کانت الأولویة فی التبلیغ أن یتم إلى الشخص المراد تبلیغه بالذات، فقد أوجبت المادة (663) على القائم بالتبلیغ أن یضمن أصل ورقة التبلیغ ببیانات یوضح فیه ما تم بذله من جهد وتحری لتطبیق القواعد الخاصة بالتبلیغ الواردة بالمواد (653 إلى 663) من قانون الاجراءات المدنیة الفرنسی، أی أن هذا القانون قد وضع ضمانات أو شروط عدیدة فی سبیل الوصول إلى تحقیق العلم الیقینی، ولا یصار إلى العلم الافتراضی الا استثناء.
نستنتج من کل ما سبق، أن موقف التشریع العراقی والتشریعات العربیة المقارنه تخالف مبدئیاً القانون الفرنسی، فقد ساوت هذه القوانین بین طریقة التبلیغ الشخصی وطریقة التبلیغ فی محل الاقامة (الموطن)، ولم تجعل الأولویة لاحدهما على الآخر إلا فی حالات محددة نادرة، مع أنه کان ینبغی على المشرع العراقی أن یحذو حذو القانون الفرنسی ویجعل الأولویة للتبلیغ الشخصی، لما توفره هذه الطریقة من ضمانة العلم الیقینی، ولما تحققه من مقتضیات مبدأ الاقتصاد الاجرائی.
الفرع الثانی
العلم الافتراضی بالتبلیغ
یقصد بالعلم الافتراضی للتبلیغ، ذلک العلم الذی یفترضه المشرع افتراضاً فی جانب المطلوب تبلیغه بمضمون ورقة التبلیغ دون اتصال علمه بها فی الواقع، فهو مجاز لا یغنی عن الحقیقة شیئاً.
ویتحقق هذا العلم بصورة عامة فی حالتین أساسیتین: الأولى منها تتمثل فی الحالة التی یتحقق فیها التبلیغ بتسلیم القائم بالتبلیغ الورقة فی محل إقامة المطلوب تبلیغه، حیث رتب المشرع على ذلک افتراض علم المراد تبلیغه بمضمون التبلیغ من وقت تسلیمه فی محل الاقامة، ویکون التبلیغ منتجاً لاثاره القانونیة من هذا الوقت حتى لو لم تصل ورقة التبلیغ للمطلوب تبلیغه أو لم یتصل بها.
أما الحالة الثانیة لتحقق العلم الافتراضی بالتبلیغ، فتکون فی جمیع الأحوال التی تتم فیها اجراءات التبلیغ بالطرق غیر الاعتیادیة بعبارة اخرى، فی جمیع الحالات التی یتعذر تبلیغ الشخص المراد تبلیغه بذاته، أو تبلیغه بواسطة أحد ممن یقیم معه فی محل الاقامة فیتم تحقق العلم الافتراضی بالنشر فی الصحف المحلیة وغیر ذلک من الطرق.
لذا ومن خلال هذا المطلب نشیر إلى الحالتین أعلاه وبقدر ما یتعلق بموضوع العلم الافتراضی دون الدخول فی تفصیلات جزئیة:
الحالة الأولى: التبلیغ فی محل إقامة المطلوب تبلیغه: أجازقانون المرافعات المدنیة العراقی، تسلیم التبلیغ فی محل الاقامة، فی حالة إذا لم یتم تسلیمه إلى المطلوب تبلیغه بالذات، لأن القائم بالتبلیغ غیر ملزم کما ذکرنا فی جمیع القوانین المقارنة محل البحث (ماعدا القانون الفرنسی) بالبحث عن المطلوب تبلیغه لیسلمه ورقة التبلیغ بل خیَّر المشرع فی هذه القوانین القائم بالتبلیغ بین طریقة التسلیم الشخصی وبین هذه الطریقة الأکثر شیوعاً (التسلیم فی محل الاقامة)، عدا القانون الفرنسی الذی جعل التبلیغ فی محل الاقامة طریقة استثنائیة لا یلجأ إلیها إلا بعد تعذر تحقیق العلم الیقینی بالتبلیغ (التبلیغ الشخصی).
لکن یلاحظ أنه یتطلب ضرورة توفر شروط متعددة، وتعتبر هذه الشروط ضمانات فی نفس الوقت لتحقیق العلم الافتراضی بمضمون ورقة التبلیغ، وهذه الشروط (الضمانات) هی:-
أولاً: عدم وجود المطلوب تبلیغه فی محل إقامته وقت التبلیغ:
یشترط لجواز التبلیغ فی محل الاقامة عدم وجود المطلوب تبلیغه فی محل إقامته وقت إجراء التبلیغ، وتتفق جمیع القوانین المقارنة فی وجوب هذا الشرط. وبهذا، لا یجوز فی القانون العراقی ومن سلک مسلکه، تسلیم التبلیغ فی محل الاقامة لمن له الحق فی تسلمه إلا بعد التحقق من عدم وجود المراد تبلیغه فیه، وإذا سلم القائم بالتبلیغ ورقة التبلیغ إلى أحد ممن یجیز القانون تسلیمه فی محل الاقامة، دون أن یتحقق من عدم وجود المراد تبلیغه ودون أن یثبت ذلک فی ورقة التبلیغ، کان التبلیغ باطلاً.
ویلاحظ أنه إذا انتقل القائم بالتبلیغ إلى محل إقامة المطلوب تبلیغه وخاطبه شخصیاً وسلمه أوراق التبلیغ، فإن التبلیغ یعتبرعندئذ قد تم للمطلوب تبلیغه بالذات رغم أنه حصل فی محل إقامته، أی بتعبیر آخر، حصول العلم الیقینی بالتبلیغ فی محل الاقامة.
ولا شک أن هذا الشرط یعمل على تحقیق العلم الیقینی بالتبلیغ، بحیث لا یتحول إلى العلم الافتراضی إلا فی حالة عدم وجود المطلوب تبلیغه وذلک یعنی أن المشرع فی سائر القوانین المقارنة، قد نقص من ارادة القائم بالتبلیغ المتمثل فی منحه الاختیار فی اجراء التبلیغ للشخص المطلوب تبلیغه أو محل إقامته دون إلزامه بالبدء باجراء التبلیغ للمراد تبلیغه أولاً. بمعنى آخر إلزام المشرع القائم بالتبلیغ التحقق من وجود المطلوب تبلیغه فی محل إقامته لیتم تبلیغه أولاً وتقیید لحریة القائم بالتبلیغ فی اختیاره طریقة التبلیغ وأفضلیة من المشرع بتحقیق العلم الیقینی بدلاً من العلم الافتراض للتبلیغ.
ثانیاً: تسلیم التبلیغ فی محل إقامة المطلوب تبلیغه:
یجب على القائم بالتبلیغ تسلیم التبلیغ فی محل الاقامة الحقیقی للمطلوب تبلیغه، ویعرف القائم بالتبلیغ محل الاقامة من أوراق التبلیغ، فلا یجوز تسلیم الورقة لمن أجاز القانون تسلیمه فی محل الاقامة فقط، وهذا الشرط متفق علیه بین جمیع القوانین المقارنة، فإذا تم تسلیم الورقة إلى أحد ممن یسمح لهم القانون بالتسلیم لکن فی خارج محل الاقامة کان التبلیغ باطلاً ولا عبرة برضا هؤلاء.
والعبرة بمحل الاقامة الحقیقی للمطلوب تبلیغ، فإذا تبین أن العنوان الوارد فی أوراق التبلیغ لیس هو محل الاقامة الحقیقی أو أنه عنوان وهمی،وجب على القائم بالتبلیغ التحری عن الموطن الحقیقی له، فإذا فشل فی التوصل إلیه أثبت ذلک فی الأوراق وردها إلى المحکمة، لأن التبلیغ یکون باطلاً إذا سلم فی مکان تبین أنه لیس هو الموطن أو محل الاقامة الحقیقی للمطلوب تبلیغه، ولو کان هذا المکان مذکوراً فی أوراق التبلیغ حتى ولو کان التبلیغ قد سلم إلى ممن لهم الصفة فی استلامه.
ثالثاً: تسلیم التبلیغ لأحد الاشخاص الذین حددهم القانون:
حاول المشرع أن یقیم افتراض العلم فی محل إقامة المطلوب تبلیغه على ضمانات أو شروط، یتحقق فیها العلم الافتراضی بمضمون التبلیغ ومن هذه الضمانات عدم جواز تسلیم صورة ورقة التبلیغ، إلا لاشخاص معینین تربطهم بالمطلوب تبلیغه علاقة أو صلة تجعل وصول الورقة إلیه قریبة الاحتمال.
وتختلف القوانین المقارنة فی تعداد الاشخاص الذین لهم الحق فی استلام التبلیغ فی محل الاقامة، فقد حدد القانون العراقی هؤلاء الاشخاص فی المادة (18) بـ(الزوج والاقارب والاصهار أو ممن یعملون فی خدمته من الممیزین).
فطائفة (الازواج والاقارب والاصهار) دون تحدید درجة القرابة التی تربط هؤلاء بالمطلوب تبلیغه، ذکره أیضاً القانونین المصری واللبنانی. والقریب هو من یجمعه أصل مشترک مع المطلوب تبلیغه، وهو إما أن تکون قرابة مباشرة وهی الصلة ما بین الاصول والفروع، وإما تکون قرابة حواشی وهی الرابطة ما بین اشخاص یجمعهم أصل مشترک دون أن یکون أحدهم فرعاً للآخر.
أما الاصهار فهم أقارب الزوج، حیث یعتبرون فی نفس الدرجة والقرابة بالنسبة للزوج الآخر. فیجوز تسلیم الورقة للقریب أو الصهر مهما بعدت درجة القرابة، وهذا فی القانون العراقی والمصری واللبنانی.
بینما نجد أن القانون الاردنی حدد طائفة من الاقارب على سبیل الحصر وهم (الاصول والفروع والازواج والاخوة والاخوات). فلا یجوز تسلیم التبلیغ لأی شخص آخر حتى لو کان من أقارب المطلوب تبلیغه.
لکن من جانبنا نحن نؤید موقف المشرع العراقی ومن حذا حذوه ولیس المشرع الاردنی، لأن المرونة فی اجراءات التبلیغ مهمة، وتتیح المجال الخصب للقضاء للوصول إلى تبلیغ المخاطب.
ویشترط فی (الأزواج والأقارب والاصهار) المساکنة مع المطلوب تبلیغه، لکن لا یقصد بالمساکنة الاقامة العادیة والمستمرة، بل یکفی السکن ولو لفترة محددة، فالطالب الذی یسکن ویقیم مع قریبه المطلوب تبلیغه أثناء العام الدراسی یجوز استلام التبلیغ من قبله.
کما أجازت سائر القوانین المقارنة تسلیم التبلیغ إلى من (یعمل فی خدمة المطلوب تبلیغه)، ویقصد به هو کل شخص یعمل بأجر مهما کان نوع العمل الذی یباشره، کالکاتب والسکرتیر والسائق والخادم والبواب متى ثبت أن المراد تبلیغه یدفع له أجر، فالعبرة بتوفر رابطة التبعیة بین من تسلم التبلیغ والشخص المطلوب تبلیغه لا بنوع الخدمة التی یؤدیها، ولا یلزم أن یکون العامل فی خدمة المطلوب تبلیغه مقیماً أو ساکناً معه، بل یکفی فقط أن یکون موجوداً فی محل إقامة المطلوب تبلیغه.
ویلاحظ أن کلاً من القانون المصری والاردنی واللبنانی أشاروا إلى (الوکیل) ضمن طائفة الاشخاص الذین یجوز لهم استلام ورقة التبلیغ.
لکن هذا لا یشکل اختلافاً مع موقف المشرع العراقی، لأنه نص فی المادة (21/4) من قانون المرافعات المدنیة على جواز تبلیغ وکیل المطلوب تبلیغه وجعل من موطن هذا الوکیل مکاناً معتبراً فی تبلیغ الأوراق القضائیة فی جمیع مراحل التقاضی، بل والأکثر من ذلک جعل الوکیل ملزماً بالتبلیغ إذا کان قد استعمل وکالته فی ذات الدعوى المطلوب اجراء التبلیغ فیها.
إلا أن الأهم من کل ما سبق، أن التشریعات المقارنة اختلفت أیضاً حول (أهلیة) مستلم التبلیغ، فأشترط القانون الاردنی واللبنانی بلوغ سن الرشد لمستلم التبلیغ فی محل الاقامة، بینما لم یبین القانون المصری ما إذا کان یشترط بلوغ سن الرشد أو سن معین آخر دون سن الرشد.
فی حین نجد أن القانون العراقی أجاز تبلیغ الصغیر الممیز. أی أنه أعطى الحق للزوج والقریب والصهر والعامل فی خدمة المطلوب تبلیغه من الممیزین تسلم التبلیغ. والممیز هو من أکمل السابعة من عمره. ومن المعلوم أن الشخص المحجور لسفه أو غفله أو الشخص المعتوه حکمه حکم الصغیر الممیز، بمعنى أن التبلیغ یقع صحیحاً إذا سلمت إلى معتوه أو المحجور لسفه أو غفله.
ونؤید ما ذهب إلیه البعض، أن المشرع العراقی لم یکن موفقاً فی هذه المسألة، لأن الممیز لا یقدر أهمیة ورقة التبلیغ ولا یعطیها حق قدرها، فقد یتلفها أو یرمیها أو یتصرف بها أو... الخ، ومع ذلک یعد المخاطب بتلک الورقة مبلغاً.
علیه نقترح بأن یسلک المشرع العراقی مسلک القانون الاردنی أو اللبنانی ویجعل من سن بلوغ الرشد شرطاً لاستلام التبلیغ.
ومتى تم تسلیم التبلیغ لأی شخص تقدم ذکره فی محل إقامة المطلوب تبلیغه أنتج التبلیغ أثره من هذا الوقت، ویترتب على ذلک افتراض علم المطلوب تبلیغه بالتبلیغ ، حـتى لو کانت الصفة التی قررها مستلم التبلیغ لیست حقیقیة، لأن القائم بالتبلیغ غیر مکلف بأن یتحقق من شخصیة المطلوب تبلیغه طالماً أن التبلیغ حصل فی محل الاقامة، ویعتبر التبلیغ صحیحاً ولو لم یقیم القریب أو الصهر أو العامل فی الخدمة من الممیزین بتسلیم الورقة إلى المطلوب تبلیغه، لأن القانون افترض وصول الورقة إلى المطلوب تبلیغه بمجرد تسلیمها إلى من یصح تسلیم الورقة إلیه، فعد المطلوب تبلیغه مبلغاً بمجرد وقوع ذلک التسلیم وهو فرض غیر قابل لإثبات العکس.
إذن بعد تحقق هذه الشروط الثلاثة یتحقق العلم الافتراضی بالتبلیغ، لکن أخیراً یجب الإشارة إلى أن قانون المرافعات المدنیة العراقی، وعلى عکس القانونین الاردنی واللبنانی، لم یلتفت أنه حینما یتم التبلیغ فی محل الاقامة، لا یجوز تسلیم التبلیغ فیه إلى من له مصلحة متعارضة مع مصلحة المطلوب تبلیغه فی موضوع الدعوى التی ورد بسببها التبلیغ، فقد یحدث أن یتسلم صورة ورقة التبلیغ نفس طالب التبلیغ أو من ینتمی إلیه، وهذا یحدث کثیراً فی الدعاوى المتعلقة بالارث والترکة، حیث تتعارض مصلحة طالب التبلیغ (المدعی) مع مصلحة المطلوب تبلیغه، وبالتالی قد لا یرید طالب التبلیغ، تبلیغ خصمه تبلیغاً صحیحاً، فنقترح هنا أن یلتفت المشرع العراقی إلى المادة (18) من قانون المرافعات العراقی ویضیف إلیها عبارة (على أن لا تکون مصلحة المطلوب تبلیغه متعارضة مع مصلحتهم)، أی اشتراط عدم تعارض مصلحة المطلوب تبلیغه مع مصلحة الزوج أو القریب أو الصهر أو العامل فی الخدمة، وإلا فاشتراط عدم جواز تبلیغ هؤلاء نیابة عن المطلوب تبلیغه فی محل الإقامة.
وکخلاصة لهذه الحالة، یتوجب علینا الإشارة إلى أن المشرع العراقی قد جمع فی نص المادة (18) السابق الذکر، بین العلم الیقینی وذلک بحصول التبلیغ للمراد تبلیغه ذاته، وبین العلم الافتراضی وحالة مهمة لتحقیقه وهو إتمام التبلیغ فی محل الأقامة وتسلیمه إلى أحد ممن ذکرتهم هذه المادة.
ونعتقد أن المشرع العراقی لم یکن موفقاً بدمجه العلم الیقینی والافتراضی فی مادة قانونیة واحدة، بل یکون من الأحسن اعطاء الافضلیة بتحقیق العلم الیقینی بالتبلیغ، ثم فی حالة تعذر ذلک اللجوء إلى العلم الافتراضی، ویتحقق ذلک بفصل العلم الیقینی عن العلم الافتراضی، وبیان احکام کل منهما فی مادة مستقلة وعلى حدة، فیکون النص المقترح کالاتی: ((تسلم الورقة المطلوب تبلیغها إلى الشخص المطلوب تبلیغه نفسه فی أی مکان وجد)) ثم النص فی مادة أو فقرة أخرى بضرورة اللجوء إلى التبلیغ فی محل الاقامة وتحقق العلم الافتراضی مع إضافة ما اقترحناه سابقاً وذلک بالنص على أنه: ((إذا لم یجد القائم بالتبلیغ المطلوب تبلیغه تسلم ورقة التبلیغ فی محل إقامته إلى زوجه أو من یکون مقیماً معه من أقاربه أو أصهاره أو ممن یعملون فی خدمته إذا کان صبیاً ممیزاً، ویجوز تسلیم الورقة إلى من یعمل فی المحل الذی یعمل فیه المطلوب تبلیغه، على أن لا تکون مصلحة المطلوب تبلیغه متعارضة مع مصلحتهم)).
الحالة الثانیة: التبلیغ بالطرق غیر الاعتیادیة والعلم الافتراضی فیه:
سبق وأن أشرنا، أنه قد یتعذر تبلیغ الشخص المراد تبلیغه بذاته أو تبلیغه بواسطة أحد من یصح تبلیغه فی محل إقامته، فلا یتحقق العلم الیقینی أو الافتراضی الوارد فی المادة (18) من القانون العراقی، ولکن اجراءات التقاضی یجب أن تتابع وتستمر فی سیرها، بید أن هذا الاستمرار والتتابع لا یتحقق إلا إذا علم الخصم بهذه الاجراءات. ولضرورة قیام الاجراءات وبعلم الخصم الآخر أخذ المشرع بالعلم الافتراضی أیضاً متى تمت اجراءات التبلیغ بالطرق غیر الاعتیادیة.
والمقصود بحالات التبلیغ بالطرق غیر الاعتیادیة وتحقق العلم الافتراضی بها، حالة الامتناع عن التبلیغ، وعندما یتم التبلیغ بواسطة النشر فی الصحف المحلیة، وکذلک عندما یتم اجراء التبلیغ للاشخاص المقیمین فی خارج البلد، لذا متى تم التبلیغ وفق أی طریقة من هذه الطرق یمکن القول ان العلم الافتراضی هو المتحقق وفق القانون.
نستنتج من کل ما سبق ذکره فی هذا المطلب، أن التبلیغ القضائی متى تم وفقاً للشکل الذی حدده القانون، لا یجوز الادعاء بعدم العلم، وعدم الجواز هذا مرجعه ان المشرع یفترض العلم القانونی، سواء کان علماً یقینیاً أو افتراضیاًَ، الذی یتحقق عن طریق التبلیغ، وان المشرع لا یعتد بالعلم الفعلی، فلا یجوز للمطلوب تبلیغه الادعاء بعدم العلم ما دام حصل العلم القانونی، وأن الأهم والاولى فی القانون العراقی وجمیع القوانین المقارنة محل البحث هو وصول التبلیغ إلى علم المراد تبلیغه شخصیاً، أی لابد من تحقق العلم الیقینی ولکن لاحظنا أن هناک حالات لا یمکن فیها تحقق العلم الیقینی بالتبلیغ، لذا اکتفى المشرع بالعلم الافتراضی، وکل هذه الأنواع یتحقق فیها العلم القانونی بالتبلیغ، وهو افتراض غیر قابل لاثبات العکس، أی بتحقق أهدافها لا یجوز الادعاء بعدم العلم من قبل الخصوم، وبالعکس فی حالة عدم تحقق أی نوع لا یجوز الادعاء بحصول التبلیغ وتحقق العلم.
المطلب الثانی
افتراض الحضور فی المرافعة
إذا کان الأصل أن یحضر الخصوم بأنفسهم أو بمن یمثلونهم فی جمیع الجلسات وفی الزمان والمکان المحددین لنظر الدعوى المرفوعة، فإنه یتعذر ذلک لسبب أو لاخر کسفر أو مرض أو عاهة أو رغبة احد الاطراف فی الخصومة باتخاذ موقف سلبی فیها، أو بتعمد أحد الخصمین بتعطیل سیر الخصومة وبالتالی تأخیر الحکم فی الدعوى، فعدم الحضور یعد طریقاً سهلاً ووسیلة لمشاکسة الخصم الاخر وتعطیل سیر الخصومة المدنیة.
ولمواجهة هذه العراقیل ولسرعة الفصل فی الخصومات، فقد یفترض المشرع حضور الخصوم أمام القضاء، بحیث تنظر الدعوى ویتم الفصل فیها على أساس حضورهم جمیع جلسات المرافعة بما فیها جلسة النطق بالحکم وذلک رغم عدم الحضور الفعلی للخصوم أمام المحکمة.
لکی نفتح هذا المطلب الخاص بافتراض الحضور، لابد لنا من تحدید مفهوم الحضور فی القانون العراقی والمقارن، ثم تحدید الحالات التی افترض فیها المشرع الحضور رغم الغیاب، علیه نقسم هذا المطلب إلى فرعیین وکالاتی.
الفرع الأول: مفهوم الحضور فی قانون المرافعات المدنیة.
الفرع الثانی: حالات افتراض الحضور فی قانون المرافعات المدنیة.
الفرع الأول
مفهوم الحضور فی قانون المرافعات المدنیة
بصورة عامة، یختلف مفهوم الحضور فی الدعاوى المدنیة بین التشریعات التی تطبق فیها الاجراءات الشفویة عن تلک التی تطبق فیها الاجراءات الکتابیة. ففی النوع الأول من الدعاوى یقوم مفهوم الحضور على وجود الخصوم أی حضورهم فعلاً فی الجلسة المحددة لنظر الدعوى سواءً بأنفسهم أو بواسطة وکلاء عنهم، بمعنى آخر ان حالة الغیاب تثبت عندما لا یمثل الخصم المبلغ بصفة قانونیة أو من ینوب عنه فعلاً فی الجلسة المحددة لنظر الدعوى.
أما فی الدعاوى التی تطبق فیها الاجراءات الکتابیة، فان معیار الحضور فیها لیس هو وجود الخصم فی الجلسة، وإنما المعیار یتحدد فی تقدیمه مستندات خطیة فی الدعوى، فإذا قدم الخصم هذه المستندات اعتبر حاضراً ولو تخلف عن حضور الجلسات کلها أو بعضها المکتوبة وعلى العکس من ذلک، إذا حضر الخصم فی الجلسة ولم یقدم شیئاً مکتوباً اعتبر غائباً رغم حضوره فی الجلسة.
وهذا المعیار الثانی بخلاف ما هو معمول به فی القانون العراقی وفی أغلب التشریعات المقارنة، وبمراجعة نصوص قانون المرافعات العراقی والقانون المقارن، یتضح لنا أن مفهوم الحضور یعطی أحد هذین المعنیین:
المعنى الأول: الحضور الفعلی للخصوم:
ویقصد به حضور الخصوم بأنفسهم أو بواسطة من یمثلهم من المحامین أومن الاقارب الجائز حضورهم قانوناً فی الجلسة أو الجلسات المحددة لنظر الدعوى المدنیة.
والواقع، ان الصورة المثلى للعدالة هی ألا یفصل القاضی فی الخصومة الجاریة أمامه إلا بحضور جمیع أطرافها وبأنفسهم لسماع أقوالهم أو لتمکینهم على الاقل من عرض ما لدیهم من أوجه دفاع، وهذا ما یسمى بالحضور الشخصی للخصوم، إلا أن هذه الصورة النموذجیة قد یتعذر تحقیقها فی جمیع الأحوال، لذا أجازت التشریعات حضور هؤلاء الخصوم بواسطة من یمثلهم وذلک بأن ینیب الخصم وکیلاً عنه فی الحضور أمام المحکمة لیرعى مصالحه ویدافع عنه وهذا ما یسمى بالحضور التمثیلی للخصوم.
وقد أخذت جمیع التشریعات المقارنة بالحضور الفعلی للخصوم، حیث فصل قانون المرافعات المدنیة العراقی فی المواد (51 – 52 – 53) هذا الموضوع. وأجازت للخصوم الحضور إما بأنفسهم فی جلسات المرافعة أو بواسطة من ینوب عنهم من الوکلاء وعلى الأخص المحامین الذین یحصر القانون بهم مبدئیاً أمر التمثیل امام المحاکم.
إذن القانون العراقی یتفق مع جمیع القوانین المقارنة محل البحث فی أن الخصم یعتبر حاضراً إذا حضر بشخصه أو أناب من یمثله أمام المحکمة المختصة، ویعتد المشرع بحضور الخصم فی أیة جلسة من جلسات نظر الدعوى، فإذا حضر المدعى أو المدعى علیه فی أیة جلسة، فان المرافعة تعتبر حضوریة فی حقه ولو تخلف بعد ذلک.
وإذا حضر الخصم فعلاً، فلا یشترط لاعتباره حاضراً أن یتخذ موقفاً إیجابیاً، فیعتبر حاضراً متى حضر الجلسة ولو لم یبدِ دفاعاً أو اقوالاً والتزم الصمت أو طلب التأجیل مثلاً. وهذا هو الرأی الراجح والذی نؤیده بحق فی جعل المرافعة حضوریة فی حق الخصم ولو لاذ بالصمت ما دام قد حضر بنفسه أو بواسطة من ینیب عنه، ولیس فی هذا اخلالاً بحق الدفاع إذا کان فی إمکانه الدفاع ولم یفعل.
المعنى الثانی: الحضور الاعتباری:
ویقصد به تقدیم الخصم لائحة أو مذکرة بدفاعه وعدم حضوره شخصیاً أو بمن یمثله، فایداع مذکرة الدفاع لدى المحکمة یعتبر حضوراً قانونیاً لکونه قد استخدم حقه فی الدفاع.
ویلاحظ أن المشرع العراقی والاردنی والفرنسی لم ینص صراحة على هذا النوع من الحضور لکونه فرض نادر الحدوث، فقلیلاً ما یتحقق بأن یودع الخصم مذکرة بدفاعه قبل الجلسة الأولى وقبل حضوره شخصیاً أو بمن یمثله، إلا أنه یبدو وفق الرأی الراجح، وکما ذهب إلیه البعض کون ان الخصم یعتبر غائباً حتى لو أرسل إلى المحکمة مذکرة بدفاعه وطلباته. وبالتالی لا یعتبر حضوراً قانونیاً حالة إرسال اللوائح والمذکرات بالدفاع دون أن یثبت حضوره فعلاً فی الجلسة الأولى أو الجلسات الأخرى، بمعنى آخر، لا یفترض المشرع العراقی حضور الخصم بتقدیمه مذکرة أو لائحة بدفاعه، ومن ثم لا یجوز اجراء المرافعة حضوریة ولا یکون الحکم حضوریاً إلا إذا حضر الخصم بنفسه أو بمن یمثله فی إحدى الجلسات.
وهذا ما ذهب إلیه القضاء العراقی أیضاً، ویؤکد ذلک قرار محکمة تمییز العراق الذی جاء فیه أنه: ((لدى التدقیق والمداولة، وجد أن المحکمة أصدرت حکمها الممیز حضوریاً رغم أن الممیز (المدعی علیه) لم یحضر أیة جلسة من جلسات المرافعة، کما لم یحضر وکیله وطلب تأجیل الدعوى بعریضة قدمها إلى المحکمة فی الجلسة المؤرخة 4/4/1970 فرفضت المحکمة طلب وکیل الممیز وقررت اجراء المرافعة بحق الممیز حضوریاً وأسندت قرارها إلى المادة (55) من قانون المرافعات، وحیث ان المادة المشار إلیها قد نصت فی فقرتها الأولى على أن المرافعة تعتبر حضوریة إذا حضر الخصم فی أیة جلسة ولو تغیب بعد ذلک، ولما کان الممیز قد تخلف عن الحضور رغم تبلیغه ولما لم یحضر أیة جلسة من جلسات المرافعة، لذا کان على المحکمة أن تقتنع بطلب وکیل الممیز وان تقرر اجراء المرافعة غیاباً.... وصدر القرار بالاتفاق فی 30-6-1970)).
وهذا بخلاف ما ذهب إلیه القانون المصری واللبنانی، حیث یتبین بمراجعة نصوص قانون المرافعات المصری أنه قد وسع من معنى أو مفهوم الحضور کثیراً على عکس المشرع العراقی، فنصت المادة (83) من قانون المرافعات المدنیة والتجاریة المصری. على أنه: ((إذا حضر المدعى علیه فی أیة جلسة أو أودع مذکرة بدفاعه اعتبرت الخصومة حضوریة فی حقه ولو تخلف بعد ذلک)). کما أن هناک نصوص لمواد أخرى کالمادة (65 و174) من القانون نفسه تؤکد على أن مفهوم الحضور القانونی لدى المشرع المصری أشمل من موقف المشرع العراقی والأردنی والفرنسی، ومن ثم یعتبر حضوراً فی حالتین وهی:-
أولاً: إذا حضر المدعى علیه فی جلسة سابقة بنفسه أو بمن یمثله.
ثانیاً: إذا أودع مذکرة بدفاعه قبل الجلسة، لان هذا یعنی علمه الفعلی بالدعوى وتمکینه من الدفاع، فتعتبر المرافعة حضوریة بالنسبة له فی هذه الحالة ولو تخلف عن الحضور.
خلاصة القول، أن القانون العراقی متفق مع جمیع القوانین المقارنة محل البحث فی مفهوم الحضور للخصوم، والذی یعتد به المشرع فی هذه القوانین هو الحضور الشخصی للخصم أو الحضور بواسطة وکیله بموجب أحکام الوکالة بالخصومة، وإن کان هناک اختلاف فی تفصیلات احکام الحضور التمثیلی، إلا ان ما یهمنا هو أن المشرع فی کل القوانین هذه اعتبر الحضور بواسطة الوکلاء حضوراً قانونیاً، لکن یتبین أن المشرعین المصری واللبنانی قد أضافا إلى مفهوم الحضور القانونی حالة الحضور الاعتباری وذلک بتقدیم الخصم مذکرة بالدفاع فضلا عن حالات اخرى، ویستفاد من هذا الفرق بین القوانین، عندما نتناول حالات افتراض الحضور فی الفرع الثانی، حیث تضیق هذه الحالات فی القانون العراقی مقارنة مع القوانین الأخرى.
الفرع الثانی
حالات افتراض الحضور فی قانون المرافعات المدنیة
فی البدایة، نود لفت النظر الى أن المشرع العراقی أفترض حضور الخصوم فی حالة واحدة ورتب على هذا الافتراض آثارا هامة، بخلاف المشرع فی التشریعات المقارنة الذی افترض الحضور فی حالات متعددة ولیست حالة واحدة، فإذا توفرت حالة من هذه الحالات اعتبر الخصم حاضراً فی کل جلساتها وحتى جلسة النطق بالحکم.
فلابد لنا من عرض هذه الحالات وهی:
الحالة الأولى: حضور الخصوم فی إحدى جلسات المرافعة:
نصت الفقرة الأولى من المادة (55) من قانون المرافعات المدنیة العراقی على أنه: ((تعتبر المرافعة حضوریة إذا حضر الخصم فی أیة جلسة ولو تغیب بعد ذلک)). کما نصت المادة (161) من ذات القانون على أنه: ((یتلى منطوق الحکم علناً بعد تحریر مسودته وکتابة أسبابه الموجبة فی الجلسة المحددة لذلک، ویعتبر الطرفان مبلغین به تلقائیاً إذا کانت المرافعة قد جرت حضوریاً، حضر الطرفان أم لم یحضرا فی الموعد الذی عین لتلاوة القرار)).
فوفقاً للمواد أعلاه، یفترض المشرع حضور الخصم إذا حضر بنفسه أو بوکیل عنه فی أیة جلسة من جلسات المرافعة ثم تخلف بعدها عن الحضور. وهذا یعنی أن افتراض الحضور یشمل الخصومة ویحیط بها، بحیث إذا تحقق مبنى الافتراض وهو (الحضور فی احدى الجلسات)، فان المرافعة تکون حضوریة والحکم حضوریاً على خلاف الحقیقة ویؤکد ذلک عبارة ((ولو تغیب بعد ذلک)) الواردة فی المادة (55) أعلاه.
وتتفق جمیع القوانین المقارنة، مع موقف القانون العراقی فی هذا النوع من الافتراض، والحکمة من افتراض المشرع للحضور المخالف للحقیقة هو محاولة التقلیل من الاضرار المترتبة على غیاب الخصوم کلهم أو بعضهم، مستهدفاً التضییق من نطاق الاحکام الغیابیة التی کانت تؤدی إلى الاعتراض على الحکم الغیابی وبالتالی عودة القضیة إلى سیرتها الأولى.
إلا أن القانونین المصری واللبنانی. یوسعان من مفهوم الحضور ومعنى الحضور یشمل اضافة إلى حضور الخصم فی إحدى الجلسات، تقدیمه مذکرة أو لائحة بطلباته ودفاعه، وهذاما لم یأخذ به المشرع العراقی والاردنی والفرنسی بصورة صریحة، وبالتالی افتراض الحضور فی القانون المصری واللبنانی یتسع لیشمل حالة حضور الخصم بإیداعه مذکره بدفاعه.
لذلک نهیب بالمشرع العراقی أن یسلک منهج المشرع المصری ویضیف عبارة: ((أو أودع مذکرة (لائحة) بدفاعه...)) إلى نص المادة (55/1) من قانون المرافعات العراقی المذکور سابقاً، ذلک لأن الغایة والهدف من افتراض الحضور یتحقق بالحضور الاعتباری أی بإیداع الخصم مذکرة أو لائحة بدفاعه إلى قلم المحکمة وربط هذه اللائحة باضبارة الدعوى مثلما یتحقق بحضوره الفعلی وکیف لنا أن نعتبر حضور الخصم فی الجلسة والتزامه بالصمت حضوراً فعلیاً یتحقق به افتراض الحضور، ولا یمکن اعتبار إیداع لائحة الدفوع والطلبات حضوراً قانونیاً، وهذا ما تؤکده أیضاً الاسباب الموجبة لقانون المرافعات المدنیة العراقی فی المادة (55/1) عندما ذکر فیه أنه بوسع الخصم الذی یتخلف عن الحضور ان ینیب عنه غیره أو یقدم لائحة بدفاعه.
ویلاحظ أنه لا یؤثر فی اعتبار المرافعة حضوریة ما یطرأ على الدعوى من احوال طارئه کإیقاف المرافعة وإعتبارها مستأخرة بحکم القانون أو وقفها باتفاق الطرفین على عدم السیر فیها مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. کما لا یؤثر فی ذلک ترک الدعوى للمراجعة وتجدیدها. فإذا جرت المرافعة حضوریة بحق الخصم، فتظل بعد ترک الدعوى للمراجعة وتجدیدها حضوریة (بعد ان یتم تبلیغه طبعاً).
کما تعتبر المرافعة حضوریة بحق الخصم الذی یتغیب عن الحضور فی أیة جلسة من جلسات المرافعة بعد نقض الحکم الصادر فی الدعوى التی کانت تجری بحقه حضوریاً قبل صدور الحکم المنقوض فیها.
وتأکیداً للقول السابق ذکره، فقد قضت محکمة تمییز العراق فی أحدى قراراتها: ((ان وکیل المدعى علیهم قد حضر جلسات المرافعة قبل اتخاذ القرار باعتبار الدعوى مستأخرة، فان المرافعة تعتبر حضوریة بحق موکلیه إذا تغیب بعد ذلک ویکون الحکم فی الدعوى حضوریاً ولا عبرة بالوصف الذی تصف به المحکمة وإنما العبرة لحکم القانون)).
الحالة الثانیة: افتراض الحضور بالتبلیغ الشخصی أو بإعادة التبلیغ:
فی هذا الصدد تنص الفقرة الأولى من المادة (56) من قانون المرافعات المدنیة العراقی أنه: ((إذا حضر المدعی ولم یحضر المدعى علیه رغم تبلیغه فتجری المرافعة بحقه غیاباً....))، ویفهم منهما أن المشرع العراقی لم یفترض حضور المدعى علیه ما دام الحکم الذی یصدر یکون غیابیاً بحقه کما أن المرافعة تعتبر غیابیة.
فالفقرة الأولى من المادة (56) من القانون العراقی تقضی بأنه إذا حضر المدعی ولم یحضر المدعى علیه، فتجری المرافعة بحقه غیاباً، ویفهم منها أن المشرع العراقی لم یفترض حضور المدعى علیه مادام الحکم الذی یصدر یکون غیابیاً بحقه کما أن المرافعة تعتبر غیابیة.
أما الفقرة الثانیة من المادة ذاتها فأنها تنص على أنه: ((إذا لم یحضر المدعی وحضر المدعى علیه فله أن یطلب ابطال عریضة الدعوى أو یطلب النظر فی دفعه للدعوى غیاباً...)).
إذن المادة صریحة فی عدم افتراض الحضور للمدعی أیضاً فی حالة تغیبه بل جعل المشرع غیاب المدعی، بعد تبلغه، متوقفاً على مسلک المدعى علیه، فله أن یطلب من المحکمة إما إبطال عریضة الدعوى أو أن یطلب الحکم فی موضوع الدعوى، وطلب المدعى علیه الخیار الثانی أی الحکم فی موضوع الدعوى یکون حکماً غیابیاً ولیس حضوریاًَ مادام لم یحضر المدعی. والسبب فی ذلک أن المشرع العراقی لم یفترض حضور المدعی لمجرد التبلیغ، بل على العکس من ذلک ضمن حقه فی الدفاع وبالتالی الحکم الذی یصدر بناءً على طلب المدعى علیه یکون غیابیاً وقابلاً للاعتراض على الحکم الغیابی من قبل المدعی.
کما تجدر الاشارة إلى أن احکام الغیاب المشار إلیه أعلاه وفقاً للنظام العراقی مقصور على المرحلة الأولى من التقاضی، أما فی المراحل الاخرى فهی مرحلة الاعتراض والاستئناف، فلم یرتب القانون أثراً على غیاب أحد طرفی الدعوى رغم تبلیغه سواءً أکان معترضاً أو معترضاً علیه أم کان مستأنفاً أم مستأنفاً علیه وتمضی المحکمة فی هذه الاحوال فی نظر الدعوى وإصدار الحکم فیها ولو کان لمصلحة الخصم الغائب. والسبب فی عدم افتراض الحضور من قبل المشرع العراقی هو بقاءه على فکرة الحکم الغیابی وفق الاعتراض على الحکم الغیابی کطریقة من طرق الطعن، وعدم توفیقه القضاء على هذه الطریقة على غرار التشریعات المقارنة الحدیثة، فاغلب القوانین المقارنة تفترض علم (المدعی) بالخصومة لعلمه بالجلسة الاولى لنظر الدعوى، ولا یشترط لاعتباره حاضراً، ان یحضر هو بنفسه أو بمن ینوب عنه، لان حضوره مفترض کونه هو الذی رفع الدعوى وعلم بموعد المرافعة، وبالتالی لا یصدر أی حکم بحق المدعی بصورة غیابیة فی جمیع القوانین بسبب افتراض حضوره من الناحیة القانونیة وان کان غائباً من الناحیة الفعلیة، وهذا بخلاف ما وجدنا فی الفقرة الثانیة من المادة (56) من القانون العراقی المشار إلیه سابقاً. خاصة إذا علمنا أن اعتبار المدعی حاضراً فی الدعوى یکون سهلاً اقراره من قبل المشرع العراقی، لأنه اعتبر توقیع المدعی أو وکیله على عریضة الدعوى تبلیغاً قانونیاً صحیحاً.
أما بخصوص المدعى علیه، نجد أن التشریعات المقارنة قد وضعت طرقاً افترض فیها حضور المدعى علیه فی حالة غیابه، وذلک من أجل عدم اصدار احکام غیابیه ومن ثم عدم فتح طریقة الاعتراض على الحکم الغیابی. فالمادة (84/1) من قانون المرافعات المدنیة والتجاریة المصری تقضی بأنه إذا کان المدعى علیه هو الغائب فی الجلسة الأولى وکان قد تبلغ بعریضة الدعوى بشخصه، وتحقق بذلک علمه الیقینی بقیام الدعوى، فلا محل لتأجیل الدعوى وإعادة تبلیغه، وانما تستمر المحکمة فی نظر الدعوى دون اعتبار لغیاب المدعى علیه، أما إذا لم تکن عریضة الدعوى قد تم تبلیغها لشخص المدعى علیه، فیتعین فی حالة غیابه فی الجلسة الأولى تأجیل الدعوى وإعادة تبلیغه بالجلسة الجدیدة لاحتمال جهله بقیام الدعوى، وذلک ما لم تکن الدعوى من الدعاوی المستعجلة، وإلا فالمحکمة ستنظر فی الدعوى لعدم تحمل هکذا دعاوی للتأخیر، ویعتبر الحکم فی الدعوى فی الحالتین حکماً حضوریاً أی فی حالة التبلیغ الشخصی والسیر فی الدعوى بدون تأجیله وحالة إعادة التبلیغ حتى لغیر الشخص المدعى علیه.
یتضح من ذلک، أنه بحصول التبلیغ لشخص المدعى علیه بالذات أو بإعادة التبلیغ صحیحاً فی حالة عدم تبلیغه شخصیاً، یفترض المشرع المصری حضور المدعى علیه رغم عدم حضوره فی أیة جلسة أو تقدیم مذکرة بدفاعه.
لکن نظراً لاحتمال عدم اتصال المدعى علیه بالخصومة لأی سبب أو ظرف یتعلق بتبلیغ عریضة الدعوى، فقد رتب المشرع المصری نتیجة أخف مما رتبها على الافتراض فی الحالة الأولى (حالة الحضور أو تقدیم مذکرة الدفاع)، حیث اعتبر الحکم الصادر فی الدعوى حضوریاً بالنسبة للمدعى علیه فی الحالة الثانیة هذه رغم عدم حضوره فعلاً ولکن لا یبدأ میعاد الطعن فی الحکم إلا من تاریخ تبلغه بالحکم وذلک وفقاً للمادة (213) من قانون المرافعات المصری.
کما نجد حکماً قریب الشبه للمشرعین اللبنانی والفرنسی، فاعتبر أن الاحکام لا تصدر غیابیاً بحق المدعى علیه إذا کان موعد المرافعة قد تم تبلیغه لشخصه، أو إذا کان الحکم قابلاً للاستئناف، بتعبیر آخر، لا یصدر الحکم غیابیاً إلا فی فرض واحد أنه إذا تغیب المدعى علیه عن حضور جلسات المرافعة ولم یکن قد بلغ بالدعوى لشخصه ولم یقدم لائحة بدفاعه وکان هذا الحکم غیر قابل للطعن بالاستئناف.
أما بخصوص المشرع الاردنی، فیلاحظ أنه لم یتطرق إلى حالة غیاب المدعى علیه کما أورده المشرع المصری واللبنانی لکن یفهم من احکام قانون اصول المحاکمات المدنیة الاردنی ان الحکم لا یصدر بصفة غیابیة فی حق المدعى علیه الغائب ولو لم یحضر أیاً من جلسات الدعوى ولیس له بالتالی الطعن فی الحکم بطریقة الاعتراض على الحکم الغیابی، وهذا یعنی ان المشرع الاردنی أیضاً یفترض الحضور فی جمیع جلسات المرافعة.
نستنتج من کل ما سبق ذکرهُ، أن المشرع العراقی لم یأخذ بافتراض الحضور إلا فی حالة واحدة وهی اعتبار المرافعة حضوریة فی حق الخصم إذا حضر فی أیة جلسة من جلسات المرافعة، ولم یأخذ من سبل تضییق حالات الاعتراض على الحکم الغیابی بما یکفی کما فعلت التشریعات المقارنة، لذا وبغیة التقلیل من حالات الاعتراض على الحکم الغیابی وتحقیق السرعة فی حسم الدعاوی، فإننا نقترح على المشرع العراقی ما یلی:
أولاً: التوسیع من مفهوم الحضور وذلک باضافة تقدیم لائحة أو مذکرة الدفاع إلى معنى الحضور لیشمل اضافة إلى الحضور الشخصی حالة الحضور الاعتباری ویعتبر تقدیم اللائحة حضوراً قانونیاً، وإضافة هذا المفهوم تکون إلى المادة (55/1) من قانون المرافعات المدنیة. علیه نقترح أن یکون تعدیل المادة باضافة عبارة کالاتى: (المادة 55/1) ((تعتبر المرافعة حضوریة إذا حضر الخصم أو أودع مذکرة بدفاعه ولو تغیب بعد ذلک)).
ثانیاً: افتراض حضور المدعی دائماً واعتبار الحکم حضوریاً بحقه، لأنه یستحیل القول بانه یجهل بأن هناک دعوى هو رافعها وأن لهذه الدعوى یوماً معلوماً لنظرها بعد تبلیغه وفق القانون.
ثالثاً: کما ندعوا إلى ضرورة إعادة إدراج المادة (57) من قانون المرافعات المدنیة العراقی الملغی إلى القانون النافذ حالیاً والتی تنص على أنه: ((إذا تعدد المدعون أو المدعى علیهم وتخلف بعضهم عن حضور الجلسة الاولى رغم تبلغهم تؤجل الدعوى وتبلغ المحکمة المتخلفین مرة اخرى فی الحضور فی الجلسة التالیة، ویعتبر الحکم الذی یصدر فی الدعوى بعد ذلک حضوریاً فی حق من تخلف عن الحضور رغم تبلغه)).
فهناک من الفقه من یرى ونؤیده بحق، بأن الأخذ بهذا الافتراض وتأجیل الدعوى لتبلیغ من لم یتم التبلیغ إلیه شخصیاً وبعدها صدور حکم حضوری بحق الجمیع سواء حضروا أو تخلفوا عن الحضور فی الجلسة الجدیدة أو الجلسات السابقة، وذلک منعاً من تعارض الاحکام (بین الحضوریة والغیابیة) فی الدعوى الواحدة، وکذلک لمنع تعلیق الدعوى بین الاعتراض والاستئناف والتمییز.
وإن تعدد المدعین أو المدعى علیهم یجعلهم لا یتنازعون فیما بینهم، وإنما تکون مصالحهم عادة مشترکة فباشتراک عدة أشخاص بصفة مدعین أو مدعى علیهم فی الدعوى الواحدة، لا یتصور أن یوجد تناقض فی طلباتهم ومصالحهم.
وقبل ختام موضوع البحث لابد من الإشارة بأن ثمة خلاف یثور بشأن مسألة اخرى تتعلق بمدى لزوم ووجود الافتراض من عدمه، وما یترتب على ذلک من ضرورة الابقاء علیه أو بعکسه وجوب التخلص منه.
وفی هذا الصدد یمکننا الوقوف على آراء ثلاثة حول هذا الموضوع:
الرأی الأول: الافتراض کذب وتشویه للحقیقة، ینبغی التخلص منه:
یذهب هذا الرأی إلى انه لا ضرورة تدعو إلى الاخذ بالافتراض، فهو کذب وتزویر للحقیقة، بما یتنافى مع طبیعة الاشیاء، ومن ثم فان ضرره أکبر من نفعه، وینبغی التخلص منه والغاءه، وعلى المشرع أن یجتهد فی بناء الاحکام على اساس من الواقع ومحاولة تحقیق الغرض من القاعدة بطریقة مباشرة بدلاً من وضعها فی شکل افتراض أی بطریقة غیر مباشرة وملتویة.
وإذا کان الافتراض قد وجد فی الشرائع القدیمة لظروف خاصة بها ولعل أهمها الجمود والشکلیة، فان وجوده لم یعد مقبولاً فی القوانین الحدیثة بعد زوال هذه الظروف.
الرأی الثانی: ضرورة الإبقاء على الافتراض:
على نقیض الرأی الأول، یذهب أصحاب هذا الرأی إلى ضرورة الابقاء على الافتراض والتمسک به کوسیلة لا غنى عنها من وسائل تطور القانون، حیث تدعو إلیه الضرورات العملیة، وسیظل دوره ولن یختفی أبداً، لأن أسباب بقائه ستظل باقیة، لان الحاجات والضرورات العملیة متجددة دائماً، وبقدر تجددها تکون الحاجة إلى الاستعانة بالافتراض قائمة.
وإذا کان الافتراض قد ادى دوراً بارزاً وهاماً فی الشرائع القدیمة وبصفة خاصة فی القانون الرومانی، فانه مازال یؤدی هذا الدور وان لم یکن على نفس الدرجة فی التشریعات الحدیثة.
ویعد من أهم دواعی بقاء الافتراض فی نظر هذا الرأی أنه وسیلة تیسر الحصول على الحل الملائم فیؤدی إلى الاقتصاد فی الجهد واعمال الذهن.
الرأی الثالث: الافتراض وسیلة ضروریة، لکنها مؤقتة:
وهذا الرأی یتخذ موقفاً وسطاً بین الرأیین السابقین، إذ یذهب إلى أنه وان کان لا یمکن انکار دور الافتراض فی تطور القانون، إلا انه من ناحیة أخرى، لا یمکن تجاهل ما ینطوی علیه من مخاطر تنتج عن مخالفة للحقیقة.
فإذا کان واجباً الایمان بوجوده کوسیلة دعت إلیها الضرورات العملیة، إلا انه یجب القول بانه وسیلة مؤقتة مصیرها إلى الاختفاء، ومما یؤکد هذا النظر، أن الدور البارز الذی کان یؤدیه الافتراض فی تطبیقات عدیدة فی القوانین القدیمة، قد بدأ یتضاءل فی التشریعات الحدیثة، فکثیر من المسائل التی کانت تعتبر من قبیل الافتراض قد اختفت بصورة نهائیة أو أخذ الفقه یجد لها اساساًَ جدیداً یتفق مع الحقیقة، فکلما تقدم الفکر القانونی وکذلک الوسائل التی یستعان بها فی بناء القواعد القانونیة کلما یتضاءل حظ الافتراض وسنصل إلى الیوم الذی یختفی فیه نهائیاَ ولکن بصورة تدریجیة.
أما من جانبنا نحن، فلانشک فی تطرف الرأی الأول القائل بضرورة التخلص من الافتراض والغاءه، حیث أن الافتراض مازال یؤدی دوراً فی القوانین الحدیثة ولا یمکن إنکاره، کما أنه بالرغم مما یبدوا فی الرأی الثانی من مغالاة، حین یؤکد أن الافتراض سیبقى، ولن یزول أبداً ویمکن تفسیره تفسیراً یقربه من الرأی الثالث، إلا أنه یمکن القول ان هذا الرأی یتجه إلى ان فکرة الافتراض ذاتها ستظل باقیة مادامت الحاجات والضرورات العملیة التی تدعو إلى الاخذ بها متجددة، وإن کانت تطبیقات الافتراض فی بعض الحالات قد تختفی، إلا أن هذا لا یمنع القول بوجوده فی تطبیقات اخرى کلما دعت الضرورات العملیة إلى ذلک.
وبهذا یتبین أن الخلاف بین الرأیین الثانی والثالث، لیس کبیراً، وان کان قائماً، فیما یؤکد الرأی الثانی على بقاء فکرة الافتراض ذاتها، نجد أن الرأی الثالث یقرر أنها ستختفی وان کان ذلک سیتم بصورة تدریجیة، لکن یجب علینا الانتباه، ان التطبیقات المشار إلیها فی الفصل الثالث من هذا البحث، ما هو إلا قلیل من کثیر، وتؤکد على ترسیخ وجود هذه الفکرة ولو حالیاً فی کثیر من فروع القانون ومنه قانون المرافعات المدنیة. وان کنا لا نشک فی أفضلیة بناء القواعد القانونیة على الحقیقة بدلاً من انشاءها وصیاغتها على الکذب والمجاز.
مع التأکید، على أن صیاغة القاعدة القانونیة لأی قانون بصیغة عامة مجردة ملزمة قد تستدعی قدر معین من مخالفة الحقیقة، لذا فلا یمکن الاستغناء عن الافتراض کلیاً ودائماً، وإنما یتعین على المشرع الابقاء علیه والاخذ به فی حدود الضرورة فقط.
وبهذا، وبعد الانتهاء من عرض بعض التطبیقات للافتراض القانونی لابد من الاشارة إلى أن للافتراض خطورة فی قانون المرافعات المدنیة، تکمن من خلال النتائج التی یتوصل إلیها المشرع ازاء استخدامه لهذه الفکرة، والنتیجة تتمثل فی ان الاجراء المعیب بعیب یظل باقیاً محملاً بالعیب ولا یوجد هناک أی تصحیح للعمل الاجرائی المعیب، کما لا یوجد أی زوال للعیب. لکن اثار هذا العیب والتی تتکون من الجزاء الاجرائی (البطلان – الانعدام – السقوط وعدم القبول) یظل باقیا. وکما هو وبمنجى عن أی جزاء یهدره، وأکثر من ذلک فهو یولد آثار الاجراء الصحیح، أی انه یعامل معاملة الاجراء الصحیح تماماً ولا یفترق عنه من ناحیة الاثار القانونیة فی أی شیء.
فالدفوع المتعلقة بالاجراءات وغیر المتعلقة بالنظام العام مثلاً، یسقط الحق فی التمسک بها مادام تم الدخول فی موضوع الدعوى أو تقدم دفعاً بعدم القبول من قبل الخصم، والقول بصحة الاجراء ترتیباً على الافتراض القانونی کما فی افتراض صحة الاحکام القضائیة، یعنی عدم إعمال الجزاء الاجرائی المقرر للعیب الذی شاب الاجراء. لکن رغم ما فی فکرة الافتراض من خطورة على قانون المرافعات، وکونها مجافاة للمنطق واداء العدالة، بمعاملة الاجراءات الغیر الصحیحة کونها صحیحة، إلا أنها تعبر عن سیاسة تشریعیة تمیل إلى تغلیب جانب الحقوق الموضوعیة المطلوب حمایتها على جانب الحقوق الشکلیة، کما أنها تعبر عن فهم لفلسفة الاجراءات ووظیفتها تجاه الحقوق ا لموضوعیة.
الخاتمة
توصلنا من خلال هذه الدراسة إلى جملة من الاستنتاجات والتوصیات، وقد تم بیان أغلبها فی المواضع الخاصة لها. وفیما یلی نذکر أهم هذه الاستنتاجات والتوصیات:
أولاً: الاستنتاجات:
1- إنّ الافتراض القانونی هو عبارة عن وضع من صنع المشرع، مخالفة للحقیقة یهدف من خلاله إلى ترتیب آثار قانونیة معینة یتعذر الوصول إلیها إلا من خلاله، فهو یؤدی إلى تعدیل حکم القاعدة القانونیة دون اجراء أی تغییر فی البناء اللفظی للقاعدة.
2- إن للافتراض فی قانون المرافعات المدنیة جملة شروط لتحقیقه وترتیب آثار قانونیة علیه، تتمثل فی وجود نص قانونی یقرر الافتراض، وتحقق مبنى الافتراض من خلال الشکل المقرر له فی قانون المرافعات المدنیة. بالإضافة إلى اشتراط عدم انقطاع تسلسل الاجراءات فی حالات محددة، ومن دراسة هذه الشروط، تم التوصل إلى أن القانون هو المصدر الوحید للافتراض، وأنه متى تحقق الافتراض وفق شروطه یصبح نهائیاً، ولا یجوز إثبات عکس ما افترضه المشرع فی قانون المرافعات المدنیة.
3- اتفقت القوانین المقارنة ومن ضمنها القانون العراقی، أن التبلیغ القضائی متى تم وفقاً للشکل القانونی، یفترض المشرع تحقق علم المراد تبلیغه، سواء أکان هذا العلم یقینیاً والذی یتحقق بوصول التبلیغ إلى المطلوب تبلیغه بالذات، أو علماً افتراضیاً، وذلک فی حالة إتمام التبلیغ فی محل الاقامة وفی جمیع الحالات الغیر الاعتیادیة لحصول التبلیغ، کالتبلیغ باللصق أو بالنشر فی الصحف المحلیة وغیرها.
4- انفرد القانون العراقی عن القوانین المقارنة محل البحث فی اعتبار ما یقوم مقام التبلیغ، کتوقیع الخصم أو وکیله بحضور الموظف المختص على ورقة التبلیغ أو على عریضة الدعوى فی الموعد المعین تبلیغاً قانونیاً (المادة 13/2 والمادة 48/1) من قانون المرافعات المدنیة العراقی، وهو موقف جدیر بالتأیید، ذلک لأن الغرض الرئیس من التبلیغ هو إعلام المراد تبلیغه بما یوجب القانون إعلامه به، وهو ما یتحقق بتوقیع الخصم أو وکیله على ورقة التبلیغ أو على عریضة الدعوى أو غیرها من الأوراق الرسمیة وبه یتم تطبیق مبدأ الاقتصاد الاجرائی.
5- حدد المشرع العراقی أهلیة مستلم التبلیغ بسن التمییز، وأجاز تسلیم ورقة التبلیغ إلى الصغیر الممیز، وهو اتجاه غیر جدیر بالتأیید ولم یکن المشرع موفقاً فی هذه المسألة، لان الممیز لا یقدر أهمیة ورقة التبلیغ ولا یعطیها حق قدرها، ویعتبر المخاطب بتلک الورقة مبلغاً إذا تم تسلیمه لصبی ممیز فی محل إقامته، لذا یکون من الأفضل أن یغیر المشرع العراقی منهجه ویسلک منهج المشرعین الاردنی أو اللبنانی ویجعل من سن بلوغ الرشد شرطاً لاستلام التبلیغ.
6- إتفقت جمیع القوانین المقارنة محل البحث، ومن ضمنها القانون العراقی على مفهوم الحضور القانونی للخصوم فی المرافعات وهو الحضور الشخصی للخصم أو بواسطة وکیله بموجب احکام الوکالة بالخصومة (الحضور الفعلی)، لکن یلاحظ أن القانونین المصری واللبنانی قد أضافا إلى مفهوم الحضور القانونی حالة الحضور الاعتباری وذلک بتقدیم الخصم لائحة بالدفاع، وهو موقف جدیر للأخذ به.
7- لم یأخذ المشرع العراقی بافتراض الحضور، إلا فی حالة واحدة، وهی اعتبار المرافعة حضوریة فی حق الخصم إذا حضر بنفسه أو بمن ینیب عنه فی أیة جلسة من جلسات المرافعة (المادة 55/1 والمادة 161) من قانون المرافعات المدنیة، ولم یأخذ من سبل التضییق على حالات الاعتراض على الحکم الغیابی بما یکفی کما فعلت جمیع التشریعات المقارنة الاخرى.
8- ثبت بأن الافتراض فی قانون المرافعات المدنیة، یمثل فکرة أساسیة وعامة فی هذا القانون، ویصعب الاستغناء عنه الآن أو مستقبلاً. وللافتراض القانونی أهمیته البالغة، ولکنه فی نفس الوقت له خطورته البالغة إذا لجأ إلیه المشرع من أجل غایات لا تتناسب والفائدة المرجوة منها مع ما قد یترتب علیها من مخاطر.
ثانیاً: التوصیات:
نقترح على المشرع العراقی التوصیات الاتیة آملین الأخذ بها:-
1- ندعو المشرع العراقی عند صیاغته للقواعد القانونیة التحری والبحث عن الحقیقة قدر المستطاع، بحیث یکون حکم القاعدة القانونیة متفقاً مع الحقیقة القانونیة والواقعیة على حد سواء.
2- الافتراض القانونی بحسب تعریفه کذبٌ على الواقع وتزویر له، وهو بهذا یعد من أشد وسائل الصیاغة القانونیة تطرفاً. لکن فی مقابل ذلک یجب معرفة أن صیاغة القاعدة القانونیة بصیغة عامة ملزمة مجردة، تستدعی بالضرورة قدر معین من مخالفته الحقیقة، لذا نرى أنه لا یمکن الاستغناء عن الافتراض کلیاً ودائماً، وإنما یتعین على المشرع الإبقاء علیه والأخذ به فی حدود الضرورة فقط.
3- نقترح على القضاء العراقی عندما یعرض لنص قانونی ینطوی على الافتراض القانونی، أن یأخذ بمبدأ التفسیر الضیق ولیس بمبدأ التفسیر الواسع. ویکون ذلک بمعرفة الغرض من الافتراض فی النص، فإذا کان ثمة ضرورة عملیة دعت إلى الأخذ به من قبل المشرع عند صیاغة القاعدة القانونیة، فأن الضرورة تقدر بقدرها ومن ثم یجب الوقوف عند حدود الغرض المقرر من الافتراض، أما النتائج الاخرى العرضیة التی یمکن أن یؤدی إلیها الافتراض، فیجب عدم الأخذ بها، ویتعین الرجوع فی شأنها إلى الحقیقة.
4- نرى من الأفضل أن یفصل المشرع العراقی بین العلم الیقینی للتبلیغ والعلم الافتراضی بدلاً من جمعها فی مادة واحدة (المادة 18 من قانون المرافعات المدنیة العراقی)، ویعطی الأفضلیة لتحقیق العلم الیقینی، ثم فی حالة تعذر ذلک اللجوء إلى العلم الافتراضی بحیث یکون العلم الافتراضی الاستثناء من الاصل.
وعلیه نقترح الفصل بین أحکام العلمین فی المادة (18) المذکورة وذلک من خلال صیاغة النص على النحو الآتی:
((تسلم الورقة المطلوب تبلیغها إلى الشخص المطلوب تبلیغه نفسه فی أی مکان وجد)).
ثم النص فی مادة أو فقرة أخرى: ((إذا لم یجد القائم بالتبلیغ المطلوب تبلیغه تسلم ورقة التبلیغ فی محل إقامته إلى .... )).
5- کما نقترح على المشرع العراقی تعدیل نص المادة (18) من قانون المرافعات المدنیة العراقی، وذلک من خلال إعادة النظر فی الجملة التی نصت على (..... أو ممن یعملون فی خدمته من الممیزین)، والممیز هو من أکمل السابعة من العمر، ومن المعلوم ان الشخص المحجور لسفه أو غفلة أو الشخص المعتوه حکمه حکم الصغیر الممیز، بمعنى أن التبلیغ یقع صحیحاً إذا سلمت إلى معتوه أو محجور لسفه أو غفلة،لذا نقترح على ألمشرع العراقی أن یعدل ألمادة ویجعل من سن بلوغ الرشد شرطاً لاستلام التبلیغ.
وصیاغة النص بالنسبة لهذه العبارة تکون على النحو الآتی:
((... أو ممن یعملون فی خدمته ممن أکمل الثامنة عشر من العمر)).
6- ندعو المشرع العراقی إلى أن یضیف صراحة إلى المادة (18) من قانون المرافعات المدنیة العراقی عبارة (... على أن لا تکون مصلحة المطلوب تبلیغه متعارضة مع مصلحتهم)، ذلک لأنه لا یجوز تسلیم التبلیغ فی محل الاقامة إلى من له مصلحة مع المطلوب تبلیغه فی موضوع الدعوى التی ورد بسببها التبلیغ.
وبهذه الاقتراحات تکون الصیاغة الکاملة لنص المادة (18) على النحو الاتی:
((إذا لم یجد القائم بالتبلیغ المطلوب تبلیغه تسلم ورقة التبلیغ فی محل إقامته إلى زوجته أو من یکون مقیماً معه من أقاربه أو أصهاره أو ممن یعملون فی خدمته ممن أکمل الثامنة عشر من العمر، ویجوز تسلیم الورقة إلى من یعمل فی المحل الذی یعمل فیه المطلوب تبلیغه، على ان لا تکون مصلحة المطلوب تبلیغه متعارضة مع مصلحتهم)).
7- ندعو المشرع العراقی على أن ینص صراحة فی الفقرة الأولى من المادة (55) من قانون المرافعات المدنیة العراقی على مفهوم الحضور الاعتباری للخصم، وذلک بإیداع الخصم لائحة أو مذکرة بالدفاع، لیشمل حالات افتراض الحضور، إضافة إلى حالة الحضور الشخصی أو التمثیلی، حالة الحضور الاعتباری هذه، مادام الغرض من الافتراض یتحقق بالحضور أیاً کان نوعه.علیه نقترح أن یکون تعدیل المادة باضافة عبارة وکالاتی:
المادة (55/1): ((تعتبر المرافعة حضوریة إذا حضر الخصم أو أودع مذکرة(لائحة) بدفاعه ولو تغیب بعد ذلک)).
8- نرى من الضروری أن یفترض المشرع العراقی حضور (المدعی) دائماً فی المرافعات وجریان المرافعة بحقه حضوریاً، واعتبار الحکم حضوریاً بحقه، ذلک لأنه یستحیل القول بأن المدعی یجهل بموعد المرافعة وبما یجری فی الجلسات مادام أنه هو الذی رفع الدعوى، وأنه هو صاحب المصلحة فیها، لکن یستوجب التأکید على أن افتراض المدعی لا یکون إلا بعد أن یعلم بموعد المرافعة قانونیاً، وذلک لا یتم إلا بتبلیغه تبلیغاً صحیحاً سواءً تم تبلیغه أصولیاً أو تم بتوقیعه (من قبله أو من قبل وکیله) على عریضة الدعوى أو غیرها من المستندات لیفید تبلیغه وعلمه بموعد المرافعة (المادة 13/2 والمادة 48) من قانون المرافعات المدنیة العراقی.
9- نرى من الافضل أن یدرج المشرع العراقی المادة (57) من قانون المرافعات المدنیة الملغی إلى القانون النافذ حالیاً المنصوص على أنه: ((إذا تعدد المدعون أو المدعى علیهم وتخلف بعضهم عن حضور الجلسة الأولى رغم تبلغهم، تؤجل الدعوى وتبلغ المحکمة المتخلفین مرة أخرى فی الحضور فی الجلسة التالیة، ویعتبر الحکم الذی یصدر فی الدعوى بعد ذلک حضوریاً فی جق من تخلف عن الحضور رغم تبلغه)).
ذلک لأن الأخذ بافتراض الحضور هذا، یمنع من تعارض الاحکام بین الحضوریة والغیابیة فی الدعوى الواحدة وکذلک یمنع من تعلیق الدعوى بین الاعتراض والاستئناف والتمییز.
وهذا الافتراض یکون بتأجیل الدعوى لتبلیغ من لم یتم التبلیغ إلیه شخصیاً وبعدها صدور حکم حضوری بحق الجمیع سواءَ حضروا أو تخلفوا عن الحضور فی الجلسات الأخرى.
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: Books Language:
1 - Dr. Ibrahim Anis and his companions, the lexicon of the mediator, C 1, I 2, Dar Amwaj, Beirut, 1990.
2- Ibn Masur al-Afri al-Masri (Abu al-Fadil Jamal al-Din Muhammad ibn Makram), San'a al-Arab, 1, Darasdar, Beirut, without a year published.
3 - Nadim Maraashli and Osamah Maraashli, the Sahih in language and science, an intermediate dictionary, Arab civilization, Beirut, 1975.
Second: books of Islamic jurisprudence:
1 - Ibn Qayyim al-Jawziyya, informing the signatories of the Lord of the Worlds, C3, Dara for New Generation Publishing, Distribution and Printing, Beirut, 1973.
2 - Dr. Abdal Salam my mind, the tricks and the project, Cairo, 1946.
Third: Legal Books:
1- Dr. Ibrahim Naguib Saad, Special Judicial Law, C1, Al-Malas Press, Al-Ma'aref Establishment, Alexandria, without publication year.
2- Dr. Abu Zaid Abdalbaki Mustafa, The Assumption and its Role in Legal Evolution (A Theory and Practice Study of Legal Assumption), Darthaliv Press, Alexandria, 1980.
3- Dr. Abu Ali Ali Al-Ali Al-Nimer, Introduction to International Civil Procedures Law, 1, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Ain Shams University, 1999.
4 - Dr. Ahmed Abualova, Civil Procedure, Dar al-Jama'a, Beirut, 1985.
5- Dr. Ahmed Abu Al-Wafa, Commentary on the Law of Pleadings, No. 5, Al-Ma'aref Establishment, Alexandria, without publication year.
6- Dr. Ahmed Abulova, Civil and Commercial Proceedings, I 15, Al-Ma'aref Establishment, Alexandria, 1990.
7- Dr. Ahmedabualova, a pioneer in the new Lebanese Civil Procedure Law, University House, Beirut, 1986.
8- Dr. Ahmed Abu Al-Wafa, Theory of defenses, I 5, Knowledge facility, Alexandria, 1977.
9- Dr. Ahmed Abu El-Wafa, Mohamed Nasr El-Din Kamel and Mohamed Aziz Youssef, Code of Jurisprudence and Jurisprudence in Proceedings, C2, Dar Al-Maaref, Alexandria, 1955.
10- Dr. Ahmed El Sayed Sawi, Waseet in explaining the Civil and Commercial Procedures Law (amended by Law No. 23 of 1992, Law No. 18 of 1996 and Law No. 18 of 1999), Technical Establishment for Printing and Publishing, Cairo, 2004.
11. Ahmed Al-Qatawneh and Waleed Kanakareh, Civil Action Department, 1, Dar Al-Hadhara Publishing and Distribution, Amman, 2003.
12- Dr. Ahmed Meliji, The Comprehensive Encyclopedia in the Commentary on the Law of Pleadings (Jurisprudence, Legal Formations and Judgments), J1, I6, The Judges Club Press, No Place of Publication, 2007.
13- Dr. Ahmed Meliji, The Comprehensive Encyclopedia in Commentary on the Code of Pleadings, C2, I6, The Judges Club Press, No Place of Publication, 2007.
14- Dr. Ahmed Hendi, The Foundations of Civil and Commercial Trials, Dar al-Jama'a, Beirut, 1989.
15- Dr. Ahmed Hendi, write off the suit, (comparative study in Egyptian and French law), Dar al-Nahda al-Arabiya, without publication year.
16- Dr. Adam Wahib al-Nadawi, Explanation of the Law of Evidence, (Comparative Applied Structural Study), I 2, Dar Al-Qadisiya Press, Baghdad, 1986.
17- Dr. Adham Wahib al-Nadawi, Explanation of the Evidence and Procedure Law (Comparative Study between Islamic Jurisprudence, Legislation, Jurisprudence and the Arab and Moroccan Judiciary), 1, Dar Al-Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman, 1988.
18- Dr. Adam Wahib al-Nadawi, The Philosophy of Litigation Proceedings in the Law of Pleadings, I, Higher Education Press, University of Baghdad, 1987.
19- Dr. Adam Wahib al-Nadawi, Civil Proceedings, Dar al-Kutab for Printing and Publishing, Baghdad University Press, Baghdad, 1988.
20- d. Adam Wahib al-Nadawi and Saeed Abdul Karim Mubarak, Explanation of the provisions of the Law of Implementation, I, publications of the Ministry of Higher Education and Scientific Research, University of Baghdad, 1984.
21- Anwar Al-Amroussi, Origins of Legal Proceedings on Personal Status Issues, University Thought House, Alexandria, 2005.
22. Anwar al-Amrozi, The Mirror and the Counter-Law in Civil Law, 2, Dar Mahmoud Publishing and Distribution, 1999.
23- Dr. Ayman Ahmed Ramadan, Procedural Punishment in the Procedural Law, New University Press House, Alexandria, 2005.
24- Dr. Jamal Mouloud Zibian, The Rules of the Health and Justice of the Judiciary in the Civil Case, House of Public Cultural Affairs, Baghdad, 1991.
25- Dr. Hassan Ali Zun, Philosophy of Law, 1, Al-Ani Press, 1975.
26- Dr. Hassan Kira, Introduction to Law, Establishment of Knowledge, Alexandria, without publication year.
27- Rahim Hassan al-Ukaili, Objections (Objection to Absentee Judgment and Objection of Others in Civil Procedure Law), Al-Sabah Library, without publication year.
28- Rahim Hassan al-Ukaili, Studies in Civil Procedure Law, 1, 1, Dar al-Kitab and Al-Tikrit, National Library, Baghdad, 2006.
29. d. Saadoun Naji Al-Qashtini, Explanation of the Rules of Procedure (Analytical Study in the Explanation of Iraqi Civil Procedure Law), 1, 3, Al-Ma'aref Press, Baghdad, 1979.
30- d. Said Saad Abdel Salam, The Introduction to Law Theory, 1, Al-Walaa Modern Printing Press, Monofiya University, 2003.
31. Dr. Al-Saeed Mohammed Al-Azmazi and Dr. Abdul Hamid Najashi Al-Zuhairi, Explanation of Civil and Commercial Procedures Law, I, No Place of Publication, 2003.
32. d. Samir Abdel-Sayed Tanago, General Theory of Law, Al-Ma'aref Establishment, Alexandria, 1986.
33. d. Mr. Abdul Hamid Fouda, Legal Assumption between Theory and Practice, I 1, Al Jalal Printing Company, Arab Thought Publishing House, Alexandria, 2003.
34- Diaa Shit Khattab, Research and Studies in Iraqi Civil Procedure Law No. 83, 1969, Al-Jablawi Press, Baghdad, 1979.
35- Diaa Shit Khattab, Al-Wakiz in explaining the Civil Procedure Law, Al-Ani Press, Baghdad, 1973.
36. d. Talaat Mohammed Dweidar, Judicial Declaration (Between the Time Value of the Case and the Principle of Powers of Competence in Litigation, Comparative Study), Al-Jalal Printing Company, Al-Ma'aref Establishment, Alexandria, 2003.
37- Dr. Ashour Mabrouk, Legal System of Representation of Civil Litigants (Attendance and Absence, Comparative Analytical Study), 1, New Galaa Library, Mansoura University, 1988.
38- Dr. Abbas Al-Abboudi History of Law, 1, Dar Al-Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman, 1998.
39- Dr. Abbass Al-Aboudi, Explanation of the provisions of the Civil Procedure Law, 1, Central Printing House, Dar Al-Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman, 2006.
40- Dr. Abbas Al-Abboudi, Explanation of the Civil Procedure Law, Dar al-Kutub for Printing and Publishing, Mosul University, 2000.
41- Abdul Baqi al-Bakri, Introduction to the Study of Islamic Law and Shari'a (in the Theory of Legal Rule and the Shariah Rule), C1, Al-Adab Press, University of Baghdad, 1972.
42- Abdul Baqi al-Bakri and Dr. Ali Mohamed Bedair and Zuhair al-Bashir, Introduction to the study of law, Dar al-Kutub for printing and publishing, University of Mosul, 1982.
43. d. Abdalhakem Fouda, The Absence in Civil and Commercial Procedure Law, 3, Dar al-Fikr wa al-Lawun, Without Place of Publication, 1999.
44- Abdul Hamid Al-Menshawi, Commentary on the Code of Civil, Commercial and Administrative Proceedings, University Publications House, Alexandria, 2004.
45. d. Abdulhadi Al-Hijazi, Introduction to the Study of Legal Sciences (Law in accordance with Kuwaiti Law), Kuwait University Press, Faculty of Law and Sharia, 1972.
46- Abdulrahman Al-Alam, Explanation of Civil Procedure Law, C1, I 2, Al-Ani Press, Baghdad, 1996.
47. Abdul Rahman Al-Alam, Explanation of Civil Procedure Law, No. 83 of 1969, C2, Al-Ani Press, Baghdad, 1972.
48. d. Abdul Razzaq Ahmed Al-Sanhoury, The Mediator in the Explanation of the New Civil Law, C2, (Evidence-Affecting Commitment), Publishing House of the Egyptian Universities, 1956.
49. d. Abdul Salam Al-Terminani, Mediator in the History of Law and Legal Systems, No. 3, Kuwait University, 1982.
50- Dr. Abdul Ghani Amr Al-Rawaimd, History of the Legal Systems, 1, National Library of Books, Benghazi-Libya, 2004.
51. d. Abdel Fattah Mourad, The Origins of the Work of Recorders in Advertising and Implementation, University Youth Foundation for Printing, Publishing and Distribution, Alexandria, 1989.
52. d. Abdul Majid al-Hakim, Abdul Baqi al-Bakri and Mohamed Taha al-Bashir, Civil Law, C2, provisions of the obligation, the university for printing, publishing and translation, 1980.
53. d. Adly Amir Khalid, the collector in the practical guidance in the procedures of proceedings and evidence in all civil cases, Said Kamel Press, 2, Al-Ma'aref Establishment, Alexandria, 2005.
54. d. Ezzeddin Abdullah, International Private Law (Conflict of Law), C2, I7, No Place of Publication, 1972.
55. d. Esmat Abdul Majid Bakr, al-Wajeez in explaining the law of proof, Al-Zaman Press, Baghdad, 1997.
56. d. Akasha Mohamed Abdel-Aal and Dr. Tarek Majzoub, History of Legal and Social Systems, University Press and Publishing House, Beirut, 2006.
57. d. Ali Mohamed Jaafar, History of Laws, I 1, University Institution for Studies, Publishing and Distribution, Beirut, 1998.
58. d. Awad A. Al-Zu'bi, Principles of Civil Trials, Comparative Study, C2, Dar Wael Publishing, Amman, No Publication Year.
59- Fayez Al-Ali, The Origins of Communication in the Light of the New Lebanese Civil Procedure Law, No. 3, Modern Book Institution, Trabes, 1997.
60. Dr. Mohammed Jaber Al-Douri, Legal Formulas under the Civil Procedure Law, Field Study, Al-Shaab Press, Baghdad, No Publication Year.
61 - Mohammed Habib Tijkani, the general theory of jurisprudence and evidence in Islamic law with comparisons of positive law, the House of Legal Culture of Printing and Publishing, Baghdad, without a publication year.
62. d. Mohamed Hussein Mansour, Law of Evidence, New University Publishing House, Alexandria, 2004.
63. d. Mohamed Said Abdulrahman, The Theory of the Situation in the Law of Pleadings, (Comparative Applied Study), Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 2005.
64. d. Mohamed El Sawy Mostafa, The Idea of Assumption in the Law of Plea, 1, Faculty of Law, Zagazig University, Banha Branch, No Place of Publication, 1998.
65- Mohamed El-Sayed El-Tahiaoui, Attending the Procedural Status, New University Publishing House, Alexandria, 2003.
66- Dr. Mahmoud Abdel-Rahim Al-Deeb, Scams in Civil Law (comparative study of Islamic jurisprudence), New University Publishing House, without publication year.
67- Medhat Al-Mahmoud, Explanation of Civil Procedure Law No. 83 of 1996 and its Practical Applications, C1, Without Place of Printing, Baghdad, 1994.
68- Medhat Al-Mahmoud, Explanation of Civil Procedure Law and its Practical Applications, C2, Al-Khairat Press, Baghdad, 2000.
69- Dr. Maflah Awad Al-Qudah, Civil Procedure and Judicial Organization, 1, Dar Al-Thaqafa Publishing House, Amman, 2004.
70- Dr. Munther Al-Fadl, The Mediator in Explaining the Civil Law (Comparative Study between Islamic Jurisprudence and Arab and Foreign Civil Laws), 1, Dar Ayaras for Printing and Publishing, Erbil, 2006.
71. d. Mansoor Mustafa, Theory of Inland Solutions and its Applications in Egyptian Civil Law, Cairo University Press, Egypt, 1956.
72. d. Nabil Ismail Omar, The Fall of the Right to Take Procedural Sanctions in the Procedural Law, Atlas Press, Al Ma'aref Establishment, Alexandria, 1989.
73- d. Nabil Ismail Omar, The Effectiveness of Procedural Sanctions in the Procedural Law, Al Ma'aref Establishment, Alexandria, No Publication Year.
74. d. Nabil Ismail Omar, Mediator in the Code of Civil and Commercial Procedures, New University House, Alexandria, 2006.
75. d. Wagdy Ragheb, The Principles of Civil Debate (A detailed study of the rules of adversity in the law of pleadings), 1, Arab publishing house, Ain Shams University, 1978.
76. d. Wagdy Ragheb, summarized in the principles of civil justice, the law of pleadings, I 1, the Arab Thought Publishing House, Ain Shams University, 1977.
77. d. Wagdy Ragheb, studies at the discount center, without place, year and publishing.
Fourth: Research:
1 - Dr. Saad Eddin Saleh Dadash, Prevention of tricks and the introduction of the restrictions and its impact on the care of legitimate purposes, research published in the Journal of Sharia and Law, issued by the Faculty of Sharia and Law, United Arab Emirates University, the twentieth edition, 2004.
2- Dr. Yasir Basim, Legal Assumption and its Role in the Evolution of Law, Research published in Tikrit University Journal of Human Sciences, published by the Faculty of Education, Volume 1, Volume 12, 2005.
Fifth: Total sentences:
1. Ibrahim Al-Mashahadi, chosen by the Court of Cassation, Department of Civil Procedure, C2, Al-Zaman Press, Baghdad, 1998.
2 - Said Ahmed Shaala, Court of Cassation in the declaration of the papers of the recorders, I 1, Al-Jalal Printing Company, Knowledge facility, Alexandria, 2000.
Sixth: Laws:
Iraq
1- The Iraqi constitution of the temporary and repealed 1970.
2- The Iraqi constitution in August 2005.
3. Iraqi Civil Code No. 41 of 1951 as amended.
4. Iraqi Civil Procedure Law No. 83 of 1969.
5. Iraqi Evidence Law No. 107 of 1979, as amended.
6 - Law of the Judicial Authority of the Kurdistan Region of Iraq No. 76 on 26/11/2007.
B- Egypt:
1- The Egyptian Evidence Law No. 25 of 1968 as amended.
2- Egyptian Civil and Commercial Procedures Law No. (13) of 1968, as amended by Law No. 18 of 1999.
Jordan:
Jordanian Civil Procedure Law No. (24) of 1988 Amended by Law No. (26) for the year 2002.
D. Lebanon:
Lebanese Civil Procedure Law No. (90) for the year 1983 amended by Decree No. (529) for the year 1996.
E. France:
French Civil Procedure Code No. (1123) for the year 1975 amending.
References ( French )
Sources in French:
1. http: //www.Legifrance.gouve,fr,195,84,1777,9/code/list. phtml: lang = uk8 = 398 = 723 in 13/7/20