الملخص
ان عقد المسابقة هو احد العقود التی حظیت باهتمام الفقهاء المسلمین فتناولوه بالمناقشة والتحلیل وبینوا شروطه وأحکامه وأحوال صحته وبطلانه باعتباره عقدا مستقلا عن غیره من العقود فی حین لم تنظم القوانین المقارنة ومنها القانون العراقی عقد المسابقة فی الأصل وإنما أشارت له ضمنیا فی معرض تنظیمها لأحکام المقامرة والرهان باعتبارهما من العقود الاحتمالیة الباطلة ثم أوردت استثناءات على حکم البطلان وأحد هذه الاستثناءات هو ما أطلق علیه المشـرع العراقی (( رهان المتبارین شخصیا فی الألعاب الریاضیة )) وهذا الاستثناء ما هو فی حقیقة الأمر إلا صورة من صور المسابقات إلا انه لا یغطیها جمیعها وبالتالی فإن التنظیم التشریعی الحالی یستوجب القول أن ما یخرج عن حدود الاستثناء یکون مرجعه للأصل وهو البطلان وهو أمر لا یستقیم مع ما یجری على ارض الواقع ومع ما استقر علیه الفقهاء المسلمون فنجد أحوال تعتبر فیها المسابقات مشروعة وجائزة من وجهة نظر شرعیة وبشروط حددها مجمع الفقه الإسلامی إلا أن التشریعات المقارنة ومنها المشرع العراقی لم تنص علیها ولم تنظمها حیث قصر المشرع العراقی مثلاً صحة المسابقات بما أطلق علیه رهان المتبارین شخصیاً فی الألعاب الریاضیة و أوراق الیانصیب
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
عقد المسابقة "دراسة مقارنة" -(*)-
Competition contract " A comparative study "
ضحى محمد سعید کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Duha Mohammad Saaed College of law / University of Mosul Correspondence: Duha Mohammad Saaed E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 15/4/2010 *** قبل للنشر فی 26/5/2010.
(*) Received on 15/4/2010 *** accepted for publishing on 26/5/2010 .
Doi: 10.33899/alaw.2010.160597
© Authors, 2010, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
الملخص
ان عقد المسابقة هو احد العقود التی حظیت باهتمام الفقهاء المسلمین فتناولوه بالمناقشة والتحلیل وبینوا شروطه وأحکامه وأحوال صحته وبطلانه باعتباره عقدا مستقلا عن غیره من العقود فی حین لم تنظم القوانین المقارنة ومنها القانون العراقی عقد المسابقة فی الأصل وإنما أشارت له ضمنیا فی معرض تنظیمها لأحکام المقامرة والرهان باعتبارهما من العقود الاحتمالیة الباطلة ثم أوردت استثناءات على حکم البطلان وأحد هذه الاستثناءات هو ما أطلق علیه المشـرع العراقی (( رهان المتبارین شخصیا فی الألعاب الریاضیة )) وهذا الاستثناء ما هو فی حقیقة الأمر إلا صورة من صور المسابقات إلا انه لا یغطیها جمیعها وبالتالی فإن التنظیم التشریعی الحالی یستوجب القول أن ما یخرج عن حدود الاستثناء یکون مرجعه للأصل وهو البطلان وهو أمر لا یستقیم مع ما یجری على ارض الواقع ومع ما استقر علیه الفقهاء المسلمون فنجد أحوال تعتبر فیها المسابقات مشروعة وجائزة من وجهة نظر شرعیة وبشروط حددها مجمع الفقه الإسلامی إلا أن التشریعات المقارنة ومنها المشرع العراقی لم تنص علیها ولم تنظمها حیث قصر المشرع العراقی مثلاً صحة المسابقات بما أطلق علیه رهان المتبارین شخصیاً فی الألعاب الریاضیة و أوراق الیانصیب
الکلمات الرئیسة: عقد المسابقة رهان المتبارین الألعاب الریاضیة
الموضوعات: القانون المدنی
Abstract
The competition is one of the contracts that were important Muslim scholars, they take it with discussion and analysis , indicated the conditions and terms truth or void as a separate contract from other contracts, while not organized comparative law, including the Iraqi law, hold a contest in origin but has referred to implicitly in the exhibition organized by the rules of gambling and betting as contracts Probability of false and reported exceptions to the rule of invalidity and one of these exceptions which was named by Iraqi legislator ((bet competitors personally in sports)) This exception is not in fact only a form of competition but it is not covered them all and therefore the organization the current legislative require to say that what comes out of the limits of the exception be due to out of a nullity, which is not compatible with what is happening on the reality with what settled by Muslim jurists, we find the conditions considered its competitions legitimately and the award from the standpoint of the legitimacy and the conditions set by most of Muslim scholars , but the legislation comparison, including the Iraqi legislature did not provide it and did not organized by the Iraqi legislature in limiting the validity of Contests for example a so-called competitors personally bet in sports and lottery..
Keywords: Contract of Competition Bet of competitors Sports Games
Main Subjects: civil law
المقدمة
الحمد لله رب العالمین و الصلاة والسلام على خاتم المرسلین سیدنا محمد و على اله وأصحابه الطیبین الطاهرین وعلى من تبع هدیه بإحسان إلى یوم الدین وبعد
نعرف بمقدمة بحثنا من خلال الفقرات الآتیة :
أولاً: التعریف بموضوع البحث
إن التطور الهائل الذی أحدثته الثورة العلمیة فی مجال الإتصالات ونقل المعلومات والأعلام حاله حال أی شیء فی هذه الحیاة یمکن أن تکون له جوانب ایجابیة إذا استغل الاستغلال السلیم الأمثل وجوانب سلبیة إذا سخر لغایات غیر مفیدة أو غیر مشروعة.
ولعل من المسائل المستحدثة التی یثار التساؤل حول غایاتها ومدى الحاجة إلیها ومدى کونها وجها مشرقا أم مظلماً لهذه الثورة العلمیة هی المسابقات التی نراها على الفضائیات ونقرأها فی الصحف والمجلات وتصلنا عبر رسائل الجوال والجوائز الممنوحة عنها، فقد أصبحت هذه المسابقات ذات صلة بحیاة الناس ودخلت کل المجالات لنجدها فی المجال التجاری والریاضی والفنی والعلمی ، فکان أن لفت انتباهنا کثرة أنواع المسابقات وکثرة إقبال الناس علیها أملاً فی ما یترتب علیها من جوائز وما یرصد لأجلها من مکافآت ، فحاولنا أن نقف عند موقف القوانین منها ومدى انسجامه وتوافقه مع موقف الشریعة الإسلامیة الغراء والتی نظمت ضوابطها وحدودها فأجازتها إذا کان فیها نفع للأمة من خلال إذکاء روح المنافسة ورفع الکفاءات والمهارات الإنسانیة حیث لم یکتف النبی صلى الله علیه وسلم بالتوجیه على السباق بل ثبت عنه علیه الصلاة والسلام انه صارع وراکض وحضر السباق والنضال وکان یجیز أصحابه فی البعث بالغلبة والمصارعة، وبالوقت ذاته نهى رسول الله علیه الصلاة والسلام عن کل سباق یغلب ضرره وتظهر مفسدته ویفوت على المسلم ما أوجبه الله تعالى علیه من واجبات لنفسه وأهله، فی حین وجدنا أن القوانین المقارنة لم تنظم عقود المسابقات فی الأصل وإنما أشارت لها ضمنیا فی معرض تنظیمها لأحکام المقامرة والرهان باعتبارهما من العقود الاحتمالیة الباطلة ثم أوردت استثناءات على حکم البطلان هذا أحد هذه الاستثناءات هو ما أطلق علیه المشـرع العراقی (( رهان المتبارین شخصیا فی الألعاب الریاضیة )) وهذا الاستثناء ما هو فی حقیقة الأمر إلا صورة من صور المسابقات إلا انه لا یغطیها جمیعها وبالتالی یثار التساؤل عن حکم المسابقات الخارجة عن حدود هذا الاستثناء فهل تکون محکومة بالأصل ألا وهو قواعد المقامرة والرهان الباطلین أم أنها غائبة عن التنظیم القانونی أصلا ؟ إن التنظیم التشریعی الحالی لها باعتبارها استثناء یستوجب القول أن ما یخرج عن حدود الاستثناء یکون مرجعه للأصل الأمر الذی یدعونا إلى الإستغراب نظراً للتناقض الحاصل بین ما یجری على ارض الواقع وما تنص علیه القوانین فکیف یکون العقد باطلاً فی الوقت الذی تقوم فیه صحف رسمیة أو قنوات تلفزیونیة رسمیة بإجراء المسابقات ورصد الجوائز لها وهل یعنی هذا أن من یستحق جائزة لن یحصل علیها إذا امتنع منظم المسابقة عن دفعها فراجع القضاء للمطالبة بها.
لکل ما تقدم وجدنا أن هذا الموضوع جدیر بالدراسة والبحث ولم شتاته فی بحث علمی لإبراز خصوصیته کعقد مستقل له أحکامه وشروطه ولبیان صحیحه من باطله داعین المولى عز وجل أن یتقبل عملنا هذا لیضعه فی میزان حسناتنا وان یوفقنا إلى ما فیه خیر لبلدنا وشعبنا انه نعم المولى ونعم النصیر.
ثانیاً: أهمیة الموضوع وسبب اختیاره
إن ملاحظتنا لتعدد وتنوع وانتشار أشکال وصور المسابقات عبر وسائل الأعلام المختلفة من تلفزیون وإذاعة وعبر وسائل الاتصال من خلال رسائل المحمول التی توجهها شرکات الإتصالات للمشترکین معها تدعوهم من خلالها إلى الإجابة على أسئلة معینة تذکرها لهم وتعدهم بشمولهم بقرعة قد یحصلون من خلالها فی حالة فوزهم على جائزة قیمة وبالنظر لما لاحظناه من إقبال من قبل الناس على الإشتراک بمثل هذه المسابقات خاصة تلک التی تنظمها القنوات الفضائیة کل هذا دفعنا إلى تسلیط الضوء على هذه العقود لمعرفة حکم الشرع والقانون منها.
فضلاً عن أن الموضوع لم یحض بأیة دراسة تتناوله من الوجهة القانونیة على حد علمنا إلا أننا وجدنا بعض الدراسات الشرعیة التی تتناوله ولکنها محدودة ومعدودة أیضاً.
ثالثاً: هدف البحث
یکمن هدفنا من بحث هذا الموضوع إلى بیان أحکام عقد المسابقة ومحاولة إبراز أحوال صحته من بطلانه من خلال معرفة حکم هذا العقد من الناحیتین الشرعیة والقانونیة ومدى جواز الإشترک به من عدمه والوقوف عند بعض أشکال التناقض المتمثل بموقف القوانین المقارنة التی تعتبر مثل هذا العقد باطلا فی الوقت الذی تسمح فیه وسائل الأعلام بتنظیم المسابقات علناً على مرأى ومسمع من الجمیع فهل یمکن لمن فاز بهذه المسابقات أن یطالب بالجائزة المرصودة لها وکیف له المطالبة بها إذا کان القانون یعتبرها باطلة وبالتالی هل یمکن لمنظم هذه المسابقات أن یمتنع عن تسلیم الجائزة ویحظى بالحمایة القانونیة. وعلى العکس من ذلک نجد أحوال تعتبر فیها المسابقات مشروعة وجائزة من وجهة نظر شرعیة وبشروط حددها مجمع الفقه الإسلامی إلا أن التشریعات المقارنة ومنها المشرع العراقی لم تنص علیها ولم تنظمها حیث قصر المشرع العراقی مثلاً صحة المسابقات بما أطلق علیه رهان المتبارین شخصیاً فی الألعاب الریاضیة و أوراق الیانصیب.
رابعاً : نطاق البحث
لا یخفى على القارئ أن المسابقة ربما تکون بمقابل عوض أو دون مقابل وان الفقهاء المسلمون والباحثین فی الموضوع من الناحیة الشرعیة ومن حیث مدى الحل من الحرمة تناولوا حکمه فی الحالتین فی حین أننا سنقتصر فی بحثنا لعقد المسابقة على الحالة الأولى فقط أی الحالة التی تکون فیها المسابقة بعوض مادیا کان هذا العوض أم معنویا لأننا نبحث فی الحکم القانونی لعقد المسابقة من الناحیة المدنیة والقانون المدنی کما هو معلوم لا یعنى بأعمال اللهو ولا یرتب علیها حکما.
خامساً: منهجیة البحث
سنعتمد فی بحثنا هذا أن شاء الله الأسلوب التحلیلی المقارن حیث نتناول بالتحلیل والمناقشة أراء الفقهاء المسلمین من الموضوع ثم نقارنها بموقف المشرع العراقی وبعض التشریعات العربیة والأجنبیة وتحدیداً اخترنا منها موقف کل من المشرع السوری والیمنی واللبنانی والفرنسی.
سادساً: هیکلیة البحث
المقدمة
المبحث الأول: التعریف بعقد المسابقة
المطلب الأول: تعریف عقد المسابقة ومشروعیته والغرض منه
أولاً: تعریف عقد المسابقة
ثانیاً: مشروعیة عقد المسابقة
ثالثاً: الغرض من عقد المسابقة
المطلب الثانی: خصائص عقد المسابقة وتکییفه القانونی
الفرع الأول: خصائص عقد المسابقة
الفرع الثانی:التکییف القانونی لعقد المسابقة
المطلب الثالث:أرکان عقد المسابقة وتمییزه عن غیره
الفرع الأول: أرکان عقد المسابقة
الفرع الثانی: تمییز عقد المسابقة عن غیره
1.تمییز عقد المسابقة عن الجعالة
2.تمییز عقد المسابقة عن المقامرة
3.تمییز عقد المسابقة عن الرهان
4.تمییز عقد المسابقة عن الهبة
المبحث الثانی: أحکام عقد المسابقة
المطلب الأول: أحکام صحة عقد المسابقة
الفرع الأول : التزامات المتسابقین
الفرع الثانی: التزامات الحکم ومقدم الجائزة
الفرع الثالث: الصور التشریعیة للمسابقات الصحیحة
المطلب الثانی: أحکام بطلان عقد المسابقة
الفرع الأول: البطلان
الفرع الثانی :عدم الإجبار على الدفع
الفرع الثالث : إسترداد ما دفع
الخاتمة
أولاً: النتائج
ثانیاً: التوصیات
المبحث الأول
التعریف بعقد المسابقة
لغرض التوصل إلى إدراک واضح وجلی لعقد المسابقة یقتضی الأمر تعریف عقد المسابقة وبیان مدى مشروعیته والغرض منه والوقوف عند التکییف القانونی له وتمییزه عن غیره ومن ثم بیان خصائص هذا العقد وأطرافه وأرکانه.علیه وللوقوف عند تفصیلات هذه المسائل سوف نقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب نخصص الأول لتعریف عقد المسابقة ومشروعیته والغرض منه ونخصص الثانی لخصائص عقد المسابقة وتکییفه القانونی ونخصص الثالث لأرکان عقد المسابقة وتمییزه عن غیره و کالأتی:
المطلب الأول
تعریف عقد المسابقة ومشروعیته والغرض منه
نتناول فی هذا المطلب تعریف عقد المسابقة ثم نبین مدى مشروعیته و الغرض منه کل فی فقرة مستقلة.
أولاً: تعریف عقد المسابقة
أن تعریف عقد المسابقة لا یستقیم إلا بالإشارة إلى تعریف المسابقة لغة واصطلاحاً.
والمسابقة لغة مصدر للفعل الرباعی: سابق إلى الشیء، مسابقة وسباقاً أی أسرع وتقدم والسبْق بإسکان الباء : التقدم فی الجری وفی کل شیء ، واستَبق القوم إلى الأمر وتسابقوا: بادروا وأسرعوا، وتقول: له فی کل أمر سبق وسابقة وسبق أوله سابقة فی هذا الأمر:إذا سبق الناس إلیه () ، وفی هذا یقول ابن منظور (( السبق القدم فی الجری وفی کل شیء: وقد سبقه یسبقه، ویسبقه سبقاً: تقدمه... وسابقه مسابقةً وسباقاً.. واستبق القوم وتسابقوا: تخاطروا. وتسابقوا: تناضلوا))() ومنه قوله تعالى (( واستبقا الباب )) و قوله تعالى (( فالسابقات سبقاً )) وقوله تعالى (( ومنهم سابق بالخیرات بإذن الله ))، و أما السبَق (( بفتح الباء )) فیطلق على المال المأخوذ فی المسابقة أو الذی یوضع بین أهل السباق ویسمى الخطر والندی والقرع والرهن والجعل والنوال والوجْب وغیر ذلک.
أما المسابقة اصطلاحاً فعرفها فقهاء الحنفیة بأنها (( هی أن یسابق الرجل صاحبه فی الخیل أو الإبل ونحو ذلک فیقول إن سبقتک فکذا وان سبقتنی فکذا )) کما جاء فی حاشیة رد المحتار (( والسبَق بفتح الباء ما یجعل من المال للسابق على سبقه وبالسکون مصدر سبقت ))
أما عند المالکیة فالمسابقة هی (( المفاعلة من الجانبین باعتبار إرادة کل منهما السبْق )) کما جاء فی حاشیة الخرشی بأن (( السبْق بسکون الباء مصدر سبق إذا تقدم ، وبفتحها المال الذی یوضع بین أهل السباق ))
وعند الحنابلة المسابقة هی (( المجاراة بین حیوان ونحوه کسفن )) قال ابن قدامه (( السبْق بسکون الباء المسابقة والسبًق بفتحها الجعل المخرج فی المسابقة ))
أما الشافعیة فقد اقتصرت تعریفاتهم على التأکید على المعنى اللغوی من ذلک ما جاء فی مغنی المحتاج حیث ذکر الشربینی (( السبق بالسکون مصدر سبق: أی تقدم، وبالتحریک: المال الموضوع بین أهل السباق ))
ویلاحظ على التعاریف السابقة إن معظمها مبنی على التعریف اللغوی للمسابقة کما یؤخذ على تعریف الحنفیة إنهم حصروا المسابقة على السبق الذی یجری بین رجل وصاحبه فماذا عن المسابقة بین فریقین أو أکثر؟ کما یلاحظ على تعریفهم انه تعریف الشیء بنفسه، أما تعریف المالکیة والحنابلة فیلاحظ علیه عدم الوضوح وعدم اشتماله على الضوابط التی تکون بموجبها المسابقة مشروعة کما سنرى لاحقاً.
ویشیر جانب من الباحثین إلى أن للمسابقة معنیان الأول عام حیث:ج عن المعنى اللغوی لها وهی الإسراع إلى الشیء لتحصیل التقدم على الغیر فی الوصول إلیه وهی بلوغ الغایة قبل غیره ومعنى خاص تقتصر فیه على المسابقة بین الناس فی رکوب الخیل والإبل ونحوها، وقد حاول بعض الباحثین المعاصرین صیاغة تعریف للمسابقة استنادا إلى المعنى اللغوی لمصطلح المسابقة واعتدادا بالعناصر الأساسیة التی ینبغی أن تتکون منها المسابقة فعرفها بأنها (( مطلق المنافسة بین شخصین فأکثر على تحصیل شیء ما بلا مقابل أو مقابل جعل للمتقدم منهما ویکون ذلک الجعل من المتسابقین أو من احدهما أو من الأمام أو من طرف ثالث))، ومن خلال المعنى اللغوی و الإصطلاحی للمسابقة ظهرت لدى فقهاء الشریعة المحدثین تعریفات لعقد المسابقة فعرفه البعض بأنه (( عقد بین متعاقدین على عمل یعملونه لمعرفة الأحذق منهم فیه ))، وقیل هو (( عقد بین طرفین أو أکثر یؤدى بألة أو بغیرها لمعرفة الأحذق على مال أو مجاناً ))، ویعرفه أخر بأنه ((عقد بین طرفین أو أکثر على المغالبة بینهما فی المجال الریاضی أو العلمی ونحوه لمعرفة الفائز منهما بعوض أو بدونه)) ، کما یلاحظ أن القوانین المقارنة لم تورد تعریفا لعقد للمسابقة بل اقتصرت على الإشارة إلیه فی النصوص التی أفردتها لأحکام المقامرة والرهان ضمن العقود الاحتمالیة فهذا المشرع العراقی بعد أن نص فی المادة 975 من القانون المدنی على انه (( یقع باطلا کل اتفاق خاص بمقامرة أو رهان )) عاد فی المادة 976 للنص على انه ((1- یستثنى من أحکام المادة السابقة الرهان الذی یعقده فیما بینهم المتبارون شخصیا فی الألعاب الریاضیة ولکن للمحکمة أن تخفض مقدار هذا الرهان إذا کان مبالغا فیه 2- ویستثنى أیضا ما رخص فیه من أوراق النصیب )) وجریا على هذا سار کبار شراح القوانین المدنیة ومنهم الدکتور السنهوری والدکتور محمد کامل مرسی عند شرحهما لعقود الغرر الاحتمالیة فعرفوا المقامرة والرهان وعندما عرجوا للإستثناء الذی أوردته التشریعات تطرقوا إلیه باعتباره إستثناء أیضا من حکم المقامرة والرهان دون الإشارة إلى خصوصیة المسابقات وعدم صحة اعتبارها صورة من صور المقامرة والرهان إلا إنها مستثناة من حکم البطلان.
إلا أن المشرع الیمنی لاحظ هذه الخصوصیة حیث عنون الباب الثانی من القسم الخامس من الکتاب الثالث من قانونه المدنی تحت عنوان السباق (( المسابقة )) فی نصوص مستقلة عن النصوص القانونیة الخاصة بعقد المقامرة والرهان فجاء فی المادة 1105 منه (( یجوز السباق بغیر جعل (( جائزة )) فی الخیل وغیرها، ویجوز بجعل (( جائزة )) فی الخیل و الإبل والرمایة والیات الحرب کالسیارات والطائرات بالشروط المبینة فی المواد التالیة)) ومع أن هذا النص لم یأت بتعریف للمسابقة بشکل صریح إلا انه أشار ضمنیا إلى أن المشرع الیمنی قد تأثر بموقف الفقهاء المسلمین من حیث معرفته وتنظیمه لأحکام عقد المسابقة باعتباره عقداً مستقلاً عن المقامرة والرهان کما انه توسع فی مفهوم المسابقة اعتماداً على الغایة من إباحتها فلم یقصرها على الخیل و الإبل والرمایة.
ومن خلال ما تقدم نلاحظ إن فقهاء الشریعة الإسلامیة الغراء حیث: عقد المسابقة بإعتباره عقداً صحیحاً له خصائصه وضوابطه واستقلالیته عن غیره من العقود وعلى هذا المنهاج سار المشرع الیمنی وانعقد رأی مجمع الفقه الإسلامی والذی اعتبر عقد المسابقة عقداً صحیحا ًمتى انعقد بشروط وضوابط حددها فی قراره المرقم 127 (( 1/14 )) والذی صدر عنه فی دورته الرابعة عشرة المنعقدة فی الدوحة للفترة من 11 -16 کانون الثانی 2003 فعرف عقد المسابقة بأنه (( المعاملة التی تقوم على المنافسة بین شخصین فأکثر فی تحقیق أمر أو القیام بعمل بعوض جائزة أو بغیر عوض (( جائزة)) ))
ومن جمیع ما تقدم ومع إقرارنا بأن التعاریف التی سبق ذکرها لعقد المسابقة قد سلطت الضوء على جانب من جوانب هذا العقد فإننا نعرفه بأنه (( عقد بین طرفین أو أکثر على المنافسة فی عمل یتطلب مهارة بدنیة أو فکریة لیس فیه خطورة على أحد المتسابقین ولا تعتمد الغلبة فیه على مجرد الحظ والصدفة بمقابل جائزة مقدمة من أحدهما أو کلیهم (( بوجود محلل )) أو من الغیر )).
فهذا التعریف ینطوی على الضوابط الأساسیة لعقد المسابقة من حیث :-
انه عقد بین طرفین أو أکثر : إذ انه ینعقد بتوافق إرادتین على الأقل وإرتابطهما ویمکن أن تتعدد أطرافه وتجتمع فیه عدة إرادات.
على المنافسة فی عمل یتطلب مهارة بدنیة أو فکریة: وهذا هو صورتی محل العقد وهو العمل الذی قد یتمثل بالجری أو السباحة أو الرمایة أو الإجابة على أسئلة معینة وفی کل الأحوال یتطلب إنجاز هذا العمل أن یکون لدى المتسابق صفات بدنیة أو قابلیة فکریة تجعله متفوقاً ومتمیزاً على الأخرین.
لیس فیه خطورة على أحد المتسابقین:وهذا هو أحد شروط صحة العمل بإعتباره محلاً للعقد فإذا کان فیه خطورة فإن العمل سیکون غیر مشروع مما یؤدی إلى بطلان العقد.
ولا تعتمد الغلبة فیه على مجرد الحظ والصدفة وهذا هو المعیار الذی تبنى على أساسه مشروعیة عقد المسابقة وتمیزه عن غیره من العقود الباطلة.
فی مقابل جائزة: والجائزة هی الوجه الثانی من أوجه المحل فی هذا العقد والتی قد تکون مبلغاً نقدیاً أو شیئاً عینیاً أو سفرة سیاحیة أو غیر ذلک، مع ملاحظة إن الجائزة إذا انتفت فتسابق الطرفین یکون من باب اللهو ویخرج بالتالی عن میدان المعاملات المالیة.
مقدمة من احدهما أو کلیهما (( بوجود محلل )) أو من الغیر: وهذا ضابط مشروعیة الجائزة والتی یؤدی عدم مشروعیتها إلى بطلان عقد المسابقة. وشروط صحة الجائزة فضلاً عن وجوب کونها شیء موجود أو ممکن الوجود، معین أو قابل للتعین وممکن التعامل فیه، فأن فیها شرطاً أخر من حیث جهة تقدیمها وهی أن تکون مقدمة أما من احد طرفی عقد المسابقة أو من الغیر، أما إذا کانت مقدمة من کلا الطرفین فهنا قد یلتبس عقد المسابقة بالمقامرة فکان أن اشترط العلماء المسلمون للإبتعاد عن هذه الشبهة وجود ولو شخص واحد على الأقل یشترک فی السباق یأخذ الجائزة إذا فاز ولا یلتزم بشیء إذا خسر وهو ما أطلق علیه بالمحلل.
ثانیاً: مشروعیة عقد المسابقة
المسابقات مشروعة فی کل أمر نافع ودلیل مشروعیتها نجده فی الکتاب والسنة والإجماع أما الکتاب:
فقوله تعالى (( قالوا یا أبانا إنا ذهبنا نستبق )) وحول هذا یشیر الفقه إلى أن الآیة الکریمة وان کان فیها شرع من قبلنا إلا أن ذکره فی القران الکریم دون إنکار دلیل على جوازه وهو یدل على مشروعیته . فقوله تعالى على لسان إخوة یوسف علیه السلام (( نستبق )) معناه الجری على الأقدام غلابا، وقیل ننتاضل بالرمی بالسهام کما استند الفقهاءللقول بمشروعیة المسابقة إلى قوله تعالى (( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة )) وقد فسر النبی صلى الله علیه وسلم القوة بالرمی فعن عقبة بن عامر الجهنی رضی الله عنه قال سمعت رسول الله علیه الصلاة والسلام وهو على المنبر یقول (( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة )) إلا أن القوة الرمی إلا أن القوة الرمی إلا أن القوة الرمی.
أما فی السنة النبویة فقد وردت أحادیث نبویة شریفة عدیدة عن رسول الله صلى الله علیه وسلم تدل على مشروعیة المسابقة منها:
ما ورد عن عبد الله بن عمر رضی الله عنه أن رسول الله صلى الله علیه وسلم سابق بین الخیل التی قد أضمرت، من الحفیاء، وکان أمدها ثنیة الوداع، وسابق بین الخیل التی لم تضمر، فأرسلها من ثنیة الوداع، وکان أمدها مسجد بنی زریق وکان ابن عمر فیمن سابق بها.
ففی الحدیث مشروعیة المسابقة وإنها لیست من العبث بل من الریاضة المحمودة الموصلة إلى تحصیل المقاصد.
وعن أنس رضی الله عنه قال: کان للنبی صلى الله علیه وسلم ناقة تسمى العضباء لا تسبق أو لا تکاد تسبق. فجاء أعرابی على قعود له فسبقها، فشق ذلک على المسلمین حتى عرفه النبی صلى الله علیه وسلم فقال (( حق على الله أن لا یرتفع شیء من الدنیا إلا وضعه ))
وعن عائشة رضی الله عنها إنها کانت مع النبی صلى الله علیه وسلم فی سفر قالت فسابقته فسبقته على رجلی فلما حملت اللحم سابقته فسبقنی فقال ))هذه بتلک السبقة))
وقوله صلى الله علیه وسلم ((لا سبق إلا فی نصل أو خف أو حافر)) قال الخطابی الروایة الصحیحة فی هذا الحدیث السبَق (( بفتح الباء )) یرید أن الجعل والعطاء لا یستحق إلا فی سباق الخیل والإبل وما فی معناهما وفی النصل وهو الرمی وذلک لأن هذه الأمور عدة فی القتال وفی بذل الجعل علیها ترغیب فی الجهاد والتحریض علیه
کما روی أن النبی صلى الله علیه وسلم مر على قوم یرفعون حجراً لیعلموا الشدید منهم فلم ینکر علیهم.
کما روی أن النبی صلى الله علیه وسلم صارع رکانة بن یزید فصرعه النبی صلى الله علیه وسلم.
وروى مسلم فی حدیث طویل أن سلمة بن الأکوع رضی الله عنه سابق رجلاً من الأنصار بین یدی النبی صلى الله علیه وسلم فی یوم ذی قرد
وعن أبی لبید لمازة بن زیاد قال (( سألنا انس بن مالک هل کنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله علیه وسلم فقال: نعم لقد راهن على فرس یقال له سبحه فجاءت سابقة فهش لذلک وأعجبه)) والمقصود بالرهان هنا السباق لأنه اسم یشتمل على المسابقة بالخیل حقیقة وعلى المسابقة بالرمی مجازاً ولکل واحد منهما اسم خاص فتختص الخیل بالرهان ویختص الرمی بالنضال. وبعضهم یطلق اسم الرهان على المسابقة إذا کانت بعوض مطلقاً سواء کانت على الخیل أم غیره.
أما فی الإجماع فقد جاء فی المغنی (( واجمع المسلمون على جواز المسابقة فی الجملة )) وبهذا قال ابن قدامه (( وسائر أنواع اللعب إذا لم یتضمن ضرراً ولا شغلاً عن فرض فالأصل إباحته )) ولکن حصل الخلاف بین الفقهاء حول بعض الجزئیات والتفصیلات کما سیتبین لنا لاحقاً من خلال البحث.
أما المسابقات العلمیة والثقافیة والفکریة فما یدل على مشروعیتها أن الرسول صلى الله علیه وسلم طرح على أصحابه مسألة لیختبر ما عندهم من العلم فقال إن من الشجر شجرة لا یسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثونی ما هی؟ قال ابن عمر: فوقع الناس فی شجر البوادی ووقع فی نفسی أنها النخلة فاستحییت، ثم قالوا حدثنا ما هی یا رسول الله قال: هی النخلة. وفی روایة قال عمر لأبنه لأن تکون قلتها أحب إلی من کذا وکذا. قال النووی: فی هذا الحدیث فوائد منها استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه لیختبر إفهامهم، ویرغبهم فی الفکر و الإعتناء.
ونقل عن الشافعی رضی الله عنه: انه کان یسأل أهله مسألة ویقول: من أجاب منکم فیها أعطیته درهما. ولأن المسابقة فی هذا المجال تنمی الروح العلمیة وتحث على طلب العلم و الإستزادة منه.
هذا وقد انتهى مجمع الفقه الإسلامی إلى مشروعیة المسابقات ولکن بضوابط حددها بقراره رقم 27 (( 1/14 )) الذی اتخذه فی دورته الرابعة عشرة والتی انعقدت فی دولة قطر (الدوحة) للفترة من 11-16 کانون الثانی عام 2003 حیث حدد هذا القرار مشروعیة المسابقات بالضوابط الأتیة:-
المسابقة بلا عوض جائزة مشروعة فی کل أمر لم یرد تحریمه نص ولم یترتب علیه ترک واجب أو فعل محرم.
المسابقة بعوض جائزة مشروعة إذا توفرت فیها الضوابط الأتیة:-
أن تکون أهداف المسابقة ووسائلها ومجالاتها مشروعة.
ألا یکون العوض (الجائزة) فیها من جمیع المتسابقین.
أن تحقق المسابقة مقصدا من المقاصد المعتبرة شرعا.
ألا یترتب علیها ترک واجب أو فعل محرم
بطاقات (کوبونات) المسابقات التی تدخل قیمتها أو جزء منها فی مجموع الجوائز لا تجوز شرعاَ لأنها ضرب من ضروب المیسر
المراهنة بین طرفین فأکثر على نتیجة فعل لغیرهم من أمور مادیة أو معنویة حرام لعموم الآیات والأحادیث الواردة فی تحریم المیسر.
دفع مبلغ على المکالمات الهاتفیة للدخول فی المسابقات غیر جائز شرعاً إذا کان ذلک المبلغ أو جزء منه یدخل فی قیمة الجوائز منعاً لأکل أموال الناس بالباطل.
لا مانع من استفادة مقدمی الجوائز من ترویج سلعتهم فقط دون الإستفادة المالیة عن طریق المسابقات المشروعة شریطة أن تکون قیمة الجوائز أو جزء منها من المتسابقین وألا یکون فی الترویج غش أو خداع أو خیانة للمستهلکین.
تصاعد مقدار الجائزة وانخفاضها بالخسارة اللاحقة للفوز غیر جائز شرعاً.
بطاقات الفنادق وشرکات الطیران والمؤسسات التی تمنح نقاطاً تجلب منافع مباحة هی جائزة إذا کانت مجانیة (( بغیر عوض )) و أما إذا کانت بعوض فإنها غیر جائزة لما فیها من الغرر.
فیلاحظ أن مجمع الفقه الإسلامی اخذ بنظر الإعتبار واقع المجتمعات المعاصرة وما شهدته من تنوع أنواع المسابقات فلم یقصر مشروعیة المسابقات على تلک التی وردت الأحادیث النبویة الشریفة بإجازتها بل اعتبر المسابقات عموماً ریاضیة أو علمیة أو ثقافیة أو غیرها جائزة مشروعة متى کانت بدون عوض فی کل أمر لم یرد النص بتحریمه وبضوابط حددها القرار إذا کانت المسابقات بعوض .
ومما تجدر الإشارة إلیه أن المسابقة إذا فقدت بعض ضوابطها الشرعیة تصبح أحیاناً مقامرة وهذه الأخیرة نهى عنها الشارع والأدلة من الکتاب والسنة على عدم مشروعیتها کثیرة فإذا علمنا أن المسابقة قد تنقلب مقامرة إذا فقدت بعض شروطها وضوابطها الشرعیة وان خیط رفیع قد یحولها من أمر مشروع إلى أخر غیر مشروع الأمر الذی یدعونا إلى الوقوف عند الغرض الذی من اجله اعتبرت المسابقة أمراً مشروعاً بهدف الوصول إلى معیار یمکن من خلاله التمییز بین الحالتین وهذا ما سنتناوله فی الفرع القادم الذی خصصناه للبحث فی الغرض من عقد المسابقة ومعیار مشروعیته.
ثالثاً: الغرض من المسابقات ومعیار مشروعیتها
أن الغرض الأساسی من المسابقات التی أجازتها الشریعة الإسلامیة الغراء بما ثبت عن رسول الله صلى الله علیه وسلم وعن الفقهاء المسلمین هو الإستعداد للجهاد فی سبیل الله بتقویة البدن على القتال وزیادة التحدی والغلبة. ففی المسابقة على الخیل تدریب على الکر و الفر وفی المسابقة على الرمی تدریب على نجاح الإصابة و إحراز النصر. قال الشربینی (( لأن فیه ترغیب للإستعداد للجهاد )). وقال ابن رشد (( الغرض من السباق التمرن لقتال العدو ))وبهذا قال ابن القیم(( والفروسیة الشرعیة النبویة التی هی من اشرف عبادات القلوب والأبدان الحاملة لأهلها على عزة الرحمن السائق لهم إلى أعلى غرف الجنان )).
وعلى هذا الأساس حرمت الشریعة الإسلامیة المسابقات التی ینتفی منها هذا الغرض وانعقد الرأی جمهور الفقهاء على حرمتها لوجود النصوص الصریحة التی تنهى عنها وهی:
النرد: ویعرف عند العامة بالطاولة ودلیل حرمته ما ورد عن أبی موسى الأشعری رضی الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله علیه وسلم یقول (( من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله ))، وعن سلیمان بن بریدة عن أبیه أن النبی صلى الله علیه وسلم قال : (( من لعب بالنردشیر فکأنما صبغ یده فی لحم خنزیر ودمه ))، قال النووی : (( ومعنى صبغ یده فی لحم الخنزیر ودمه فی حال أکله منهما، وهو تشبیه لتحریمه بتحریم أکلهما )).
نطاح الکباش ونقار الدیکة:ودلیل حرمته ما ورد عن ابن عباس رضی الله عنه انه قال : (( نهى رسول الله صلى الله علیه وسلم عن التحریش بین البهائم )) لما فیه من تعذیب للحیوان دون أیة حاجة أو منفعة، کما لا یصح اتخاذ الحیوان غرضاً فی الرمایة.
و إذا کان هذا هو هدف الشریعة من إجازة المسابقات فان التغییر الحاصل فی المجتمع وتبدل وسائل الجهاد ومقاتلة العدو یدفعنا إلى البحث عن معیار یمکن من خلاله التمییز بین المسابقات المشروعة وتلک غیر المشروعة.
وبالنظر لتنوع و تعدد أشکال المسابقات فی الوقت الحاضر وبالنظر وبتعمق فی غایة الشریعة الإسلامیة ومقصدها من إجازة بعض أنواع المسابقات نجده یتمثل فی إیجاد مجتمع قوی وشجاع یستطیع الدفاع عن نفسه و إعلاء کلمة الإسلام ولهذا نرى أن الکثیر من المسابقات الریاضیة والفکریة التی تحصل فی الوقت الحاضر متى کانت بضوابط مشروعة فإنها لن تکون هدفاً بحد ذاتها بل وسیلة إلى غایة أسمى و أنبل هی الجهاد فی سبیل الله الذی هو من أفضل الأعمال ولیس فی هذا لا سمح الله مخالفة لأمر الرسول صلى الله علیه وسلم وخروج عن أوامر الشریعة ونواهیها و إنما هو النظر إلى غایات الشریعة ومقاصدها شفیعنا فی هذا قول الفقهاء لا ینکر تغیر الأحکام بتغیر الأزمان، علیه فان الأمر یحتاج إلى معیار یمکن من خلاله إجازة بعض إشکال المسابقات التی تجری فی عصرنا الحاضر هذا المعیار الذی نعتقد انه یتمثل ب(( کل ما من شأنه تقویة المهارات البدنیة والفکریة دون أن یغلب ضرره و دون أن تعتمد الغلبة فیه على مجرد الحظ والصدفة ))، ویمکن بالإعتماد على هذا المعیار استبعاد أیة مسابقة یغلب ضررها کما یمکن من خلاله استبعاد کل مسابقة یعتمد الفوز فیها على مجرد الحظ والصدفة، وبالتأکید هذا ما دفع مجلس الفقه الإسلامی التابع لرابطة العالم الإسلامی إلى تحریم المصارعة الحرة المعروفة بالمصارعة الأمریکیة لما فیها من ضرر حیث اصدر المجلس قراراً بحرمتها فی دورته العاشرة المنعقدة بمکة المکرمة عام 1408هـ وذلک لأنها لا تخلو من الضرر والإیذاء فی الغالب حیث یتقابل فیها لاعبان ویسعى کل واحد منهما للإطاحة بخصمه وإلحاق الضرر به من ضرب ورکل ورمی وذلک من اجل الوصول إلى الفوز والغلبة، وکذلک الملاکمة والتی اصدر مجمع الفقه الإسلامی قراراً بحرمتها أیضاً فی دورته العاشرة ذاتها لما فیها من إلقاء النفس إلى التهلکة وقتل النفس التی حرم الله إلا بالحق، ویمکن بالقیاس القول بعدم مشروعیة کل مسابقة یغلب ضررها وخطورتها على المتسابقین مثل مصارعة الثیران أو الأفاعی وتسلق قمم الجبال الوعرة أو الشاهقة بإستعمال الحبال والقفز بالدراجات الهوائیة فی الهواء ومغامرات التحدی بالسیارة وذلک بقیادتها بسرعة فائقة أو السیر على جانب واحد منها والقفز الحر من الطائرة بحیث لا یفتح المتسابق المظلة إلا عند قربه من الأرض ببضع أمتار، فقد لا تفتح المظلة فینزل المتسابق على الأرض جثة هامدة فضلاً عن الکاراتیه ذلک أنها تقوم أصلاً على ضرب الخصم فی الأماکن الضعیفة والحساسة من جسم الإنسان وغالباً تؤدی إلى الإصابة بالعاهات المستدیمة وقد تفضی إلى الموت أحیاناً، فمثل هذه المسابقات وغیرها مما قد یماثلها ویشابهها یغلب ضررها وخطورتها فتکون بالتالی غیر مشروعة وغیر جائزة، ویمکن بالإعتماد على هذا المعیار أیضاً القول بعدم مشروعیة کل أشکال المسابقات الأخرى التی یغلب ضررها على أحد المتسابقین إذا کان غیر حاذق ولو لم تکن ضارة بحد ذاتها مثل السباحة لمن لا یحسن العوم والمبارزة بالسیوف لغیر الحاذق فیها وغیرها.
ومن خلال استبعاد کل مسابقة یکون السبق فیها معتمدا على مجرد الحظ والصدفة یمکن القول بعدم وجود الغطاء القانونی ولا الحمایة القانونیة لبعض صور المسابقات التی تجری فی الوقت الحاضر ویعتمد الفوز فیها على الحظ والصدفة مثل المسابقات التی تتم من خلال اتصال المشترک بقناة فضائیة للإجابة عن مجموعة من الأسئلة تخوله فی حالة إجابته علیها الدخول فی قرعة للفوز بجائزة مادیة أو سفرة إلى إحدى الدول .
کذلک الأمر بالنسبة لأوراق الیانصیب مهما کانت الغایة منها حتى لو کانت لإغراض خیریة مثل رعایة الأیتام أو بناء المستشفیات والمدارس وذلک عن طریق شراء ورقة بمبلغ معین یذهب إلى إحدى جهات الخیر والبر
وعلى العکس من ذلک فإن العمل بهذا المعیار سوف یسمح بالقول بمشروعیة المسابقات العلمیة والثقافیة ولیس هذا بالجدید فقد اعتبر الشیخان ابن تیمیة وابن القیم المسابقات العلمیة والثقافیة ملحقة بالمسابقات الریاضیة والعسکریة من حیث الجوائز والمشروعیة فقال ابن القیم (( وظاهر ذلک جواز الرهان فی العلم وفاقا للحنفیة لقیام الدین بالجهاد والعلم والله اعلم )) وقال ابن القیم (( لما کان الجلاد بالسیف والسنان والجدال بالحجة والبرهان کالأخوین الشقیقین والقرینین المتصاحبین کانت أحکام کل منهما شبیهة بأحکام الأخر ومستفادة منه فالإصابة فی الرمی والنضال کالإصابة فی الحجة والمقال فالفروسیة فروسیتان : فروسیة العلم والبیان وفروسیة الرمی والطعن))
وهکذا فالتسابق فی کل ما هو نافع فی الدین أو أمور الدنیا التی فیها نفع للأمة جائز محمود وذلک کالتسابق لحفظ القران الکریم أو التسابق لمعرفة أتقن الصناع و أکثر المزارعین إنتاجاً والمسابقات بین الطلبة لمعرفة أکثرهم تفوقا فکل هذا جائز وذلک لان التسابق والتنافس فی أمور الدین محمود شرعا حیث قال تعالى (( وفی ذلک فلیتنافس المتنافسون )) وکذلک التنافس فی أمور الدنیا لما ینفع الأمة والوطن مثل إتقان الصناعات وجودتها حتى تنافس الصناعات الأجنبیة وحتى تستقل الدولة استقلالا ذاتیا یغنیها عن الشراء من الخارج فلا شک أن هذا أمر نافع للفرد والمجتمع .
وعلى العکس من ذلک یکون الغرض من المسابقات العلمیة والثقافیة غیر مشروع وتبطل على أساسه المسابقة إذا اعتمد الفوز فیها على مجرد الحظ والصدفة أو کانت لأمر نهى عنه الشرع وحرمه مثل المسابقات التی تجری لمعرفة أفضل راقص أو راقصة أو أحسن ممثل أو أجمل فتاة أو أعذب صوت.
المطلب الثانی
خصائص عقد المسابقة وتکییفه القانونی
نتناول فی هذا المطلب خصائص عقد المسابقة وتکییفه القانونی کل فی فرع مستقل وکالاتی:
الفرع الأول
خصائص عقد المسابقة
یمکن إجمال خصائص عقد المسابقة فی الأحوال التی تکون فیها المسابقة صحیحة ومشروعة بالأتی:
عقد المسابقة عقد رضائی : یعد عقد المسابقة من العقود الرضائیة التی یکفی لإنعقادها مجرد التراضی وذلک بارتباط إیجاب احد الطرفین بقبول الأخر وتطابقهما فلا یشترط لإنعقاده أی إجراء شکلی ولکن هذا لا یمنع من أن یتفق الطرفان على أن یکون اتفاقهما مکتوبا. کما یلاحظ أن العوض (( الجائزة )) إذا کان مقدماً من طرف ثالث فأن هذا الأخیر یصبح أیضاً من أطراف العقد وتکفی الرضائیة بالنسبة له أیضاً لینعقد العقد صحیحاً.
عقد المسابقة من العقود الملزمة للجانبین : یقسم الفقه بصورة عامة العقد من حیث أثره إلى قسمین الأول عقد ملزم لجانب واحد یکون فیه احد المتعاقدین مدیناً للأخر والأخیر دائناً للأول . والنوع الثانی عقد ملزم للجانبین حیث یکون فیه کل متعاقد دائناً ومدیناً فی الوقت نفسه للمتعاقد الأخر حیث أن هذا العقد ینتج التزامات متبادلة على عاتق طرفیه وهذا ما دعى إلى تسمیته بالعقد التبادلی. وعقد المسابقة من العقود الملزمة للجانبین ذلک انه یلقی على عاتق کل من المتسابقین أو الطرفین ومقدم العوض أن کان طرفاً ثالثاً مجموعة من الألتزامات سوف نبینها فی المبحث الثانی من هذا البحث.
وفضلاً عن هذا فان عقد المسابقة عقد لازم لا یستطیع احد أطرافه الإستبداد فی فسخه والعقد اللازم هو احد أنواع العقود وتقسیماتها فی الفقه الأسلامی ویقابله العقد غیر اللازم فالعقد یکون لازماً إذا لم یکن فی وسع احد الطرفین الإستقلال بفسخه ویکون غیر لازم إذا کان بمقدور احد طرفیه الإستقلال بفسخه کالوکالة والودیعة.
وهنا یلاحظ أن الفقهاء المسلمین قد إختلفوا حول هذه الصفة فی عقد المسابقة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: انه عقد جائز (( أی غیر لازم )) و به قال الحنفیة والحنابلة وهو قول للشافعیة.
القول الثانی: انه عقد لازم و به قال المالکیة وهو قول للشافعیة.
القول الثالث: هو عقد لازم لمن التزم العوض (( الجائزة )) أما من لم یلتزم العوض فغیر لازم فی حقه وهو المذهب عند الشافعیة.
ودلیل القول الأول: انه عقد على مالا تتحقق القدرة على تسلیمه فکان غیر لازم لأن السبق عقد على الإصابة ولا یدخل تحت قدرته.
ودلیل القول الثانی:
انه عقد ومن شروط صحته أن یکون معلوم العوض والمعوض فوجب أن یکون لازماً کالإجارة طرداً والجعالة عکساً،وذلک لأن الإجارة یشترط فیها أن یکون العمل معلوماً بخلاف الجعالة التی یجوز أن یکون العمل فیها مجهولاً وعقد المسابقة یشترط أن یکون العمل فیه معلوماً فناسب أن یکون لازماً کالإجارة.
إن ما أفضى إلى إبطال المعقود بالعقد کان ممنوعاً منه فی العقد وبقاء خیاره فیه مفضٍ إلى إبطاله المقصود به، لأنه إذا توجه السبق على أحدهما فسخ، لم یٌتوصل إلى سبق ولم یستحق فیه عوض، والعقد موضوع لإستقراره وإستحقاقه فنافاه الخیار وضاهاه اللزوم.
أما دلیل القول الثالث : فالقیاس على عقد الرهن فهو عقد لازم من جانب وغیر لازم من جانب أخر ووجه القیاس أن عقد الرهن لازم من جهة الراهن لأن الحظ فیه للمرتهن وکذلک فی عقد المسابقة والذی یجب أن یکون لازماً من جهة من اخرج العوض لأن الحظ سیکون لمن لم یخرج شیئاً لأنه إما أن یربح وإذا لم یربح فلا یخسر شیئاً.
وقد ذهبنا إلى ترجیح القول الثانی لرجاحة دلیله،ذلک أن دلیل القول الأول یؤخذ علیه أن ما ذهبوا إلیه من أن السبق عقد على الإصابة ولا یدخل تحت قدرته أن العمل بإعتباره محلاً للعقد فی کل العقود اللازمة وغیر اللازمة لابد أن یکون ممکناً ولیس مستحیلاً إلا انه لا یشترط أن یکون أکید التحقق.
کما یؤخذ على دلیل القول الثالث أن القیاس الذی جاء به على عقد الرهن هو قیاس مع الفارق ذلک أن ارهن فیه طرفان فقط هما الراهن والمرتهن أما عقد المسابقة فقد یکون فیه ثلاثة أطراف وان الحظ فیه لا یتعلق بأحد الأطراف دون غیره کما فی الرهن وإنما بکلا الطرفین، وبالقول الثانی أخذ المشرع الیمنی حیث جاء فی المادة 1107 من القانون المدنی الیمنی ما نصه: (( إذا تم السباق بجعل على النحو المبین فی المادتین السابقتین کان عقداً لازماً للمتسابقین لا یحل إلا برضاهم )).
عقد المسابقة من عقود المعاوضة بالنسبة للمتسابقین ومن عقود التبرع بالنسبة لمقدم الجائزة أن کان من الغیر: یطلق وصف المعاوضة على کل عقد یأخذ فیه أحد المتعاقدین مقابلاً لما یعطی ویعطی مقابلاً لما أخذ وهنا تدق المسألة بالنسبة لعقد المسابقة، حیث أن العقد بالنسبة للمتسابقین هو عقد معاوضة ذلک أن کلا المتسابقین یبذل جهداً جسمانیاً أو فکریاً فی مقابل الحصول على العوض (( الجائزة )) فیشتمل العطاء بالنسبة له بالعمل أو الجهد البدنی أو الفکری ویتمثل الأخذ بالعوض أی الجائزة و إن کان حصوله علیها محتملاً فلیس فی احتمالیة العوض ما یغیر من وصف العقد بأنه معاوضة شأنه فی ذلک کعقد التامین الذی یعتبر من عقود المعاوضة مع إن الحصول على مبلغ التامین احتمالی فیه.
أما بالنسبة لمقدم العوض إن کان هذا الأخیر من غیر المتسابقین فمقدم العوض سوف یعطی فی کل الأحوال للطرف الفائز من المتسابقین العوض دون إن یأخذ مقابلاً لما یعطی وبالتالی فأن عمله هذا یعد تبرعاً ولیس معاوضة، وقد یقال إن مقدم الجائزة سوف یحصل على مقابل لما یعطی ویتمثل هذا المقابل بالفوز الذی یحققه احد المتسابقین ولکن یرد على هذا القول إن العوض الذی یأخذه المتعاقد فی عقد المعاوضة مقابلاً لما یعطیه یجب إن یکون ذا قیمة مالیة تدخل ذمته المالیة فتزیدها عنصراً موجباً جدیداً.
عقد المسابقة من العقود الاحتمالیة بالنسبة للمتسابقین والمحددة بالنسبة لدافع الجائزة
العقد الإحتمالی هو العقد الذی لا یعرف فیه المتعاقد مقدار ما سیعطی ومقدار ما سوف یأخذ ولا یتحدد ذلک إلا فی المستقبل تبعاً لحدوث أمر غیر محقق وهذا ما یصدق على طرفی عقد المسابقة حیث إن العوض الذی سیحصل علیه احدهما یتوقف على واقعة غیر محققة هی الفوز فی المسابقة فکل منهما یبذل جهداً فی مقابل الحصول على العوض. أما إذا کان العوض مقدم من طرف ثالث من غیر المتسابقین فان العقد بالنسبة لهذا الطرف یعتبر محدداً ذلک انه یعرف مسبقاً ما سوف یعطی وهو الجائزة ولیس هذا بالغریب فالعقد بالنسبة له تبرع واغلب عقود التبرع تکون محددة.
عقد المسابقة من العقود الفوریة التنفیذ: یقسم العقد من حیث دور الزمن فیه إلى عقد فوری التنفیذ وهو العقد الذی تتحدد فیه التزامات أطرافه بمجرد ارتباط الإیجاب بالقبول بدون إن یکون الزمن فیه عنصرا جوهریا بحیث تتحدد به التزامات وحقوق أطرافه.
و عقد المسابقة من العقود الفوریة التنفیذ فصحیح إن الوصول للفوز بالمسابقة یحتاج لفترة من الزمن تمتد لفترة زمنیة معینة قد تکون دقائق أو ساعات أو أکثر من ذلک إلا إن الزمن هنا ثانویاً ولیس جوهریاً.
الفرع الثانی
التکییف القانونی لعقد المسابقة
إن التکییف القانونی لأی وضع یعد من أدق وأصعب ما یواجه المختصین بالقانون حیث یتوقف على هذا التکییف تحدید الأحکام التی تطبق على الأوضاع القانونیة المعروضة
وترجع أهمیة البحث فی التکییف القانونی لعقد المسابقة فی معرفة الأحکام القانونیة لهذا العقد وما یلقیه على عاتق طرفیه من التزامات.
وبهذا الصدد وعند البحث عن التکییف القانونی لعقد المسابقة ومن خلال خصائص هذا العقد نجد انه یندرج تحت مضمون العقود الاحتمالیة والتی نظمها المشرع العراقی فی الباب الرابع من القانون المدنی وبصور ثلاثة هی المقامرة والرهان والمرتب مدى الحیاة والتأمین ، الأمر الذی یعنی إن عقد المسابقة وان کان من العقود الاحتمالیة إلا انه أما إن یکون غائباً عن التنظیم القانونی أو إن المشرع اعتبره من أنواع المقامرة والرهان فاعتبره باطلاً فی الأصل إلا فی أحوال استثنائیة خصصها برهان المتبارین شخصیا فی الألعاب الریاضیة وأوراق النصیب ، والأخذ بهذا الرأی یعنی إن کل أنواع المسابقات التی تجری فی الوقت الحاضر باطلة وما یبنى علیها باطل أیضاَ وبالتالی على المحاکم أن ترد أی دعوى مضمونها تنفیذ الالتزامات الناشئة عن عقد المسابقات.
والواقع إن هذه النظرة لا یمکن إن تکون صحیحة فقد وقفنا عند مشروعیة المسابقات فی الشریعة الإسلامیة ولاحظنا أغراضها وما قد یکون فیها من نفع وخیر للأمة کما لاحظنا إن المسابقات بضوابطها المشروعة تخرج عن نطاق المقامرة والرهان الباطلة وتدخل نطاق العقود الصحیحة المشروعة الأمر الذی یدعونا للقول إن نقص تشریعی یشوب قانوننا المدنی فیما یتعلق بهذا العقد والذی لا تسعف نصوص القانون الأخرى فی إدراجه تحتها فلا یمکن إدراجه تحت نصوص البیع أو الإیجار أو الوکالة أو الکفالة أو غیرها من العقود المسماة الأخرى ذلک انه عقد احتمالی إلا إن غایاته المشروعة وخصوصیته التی تمیزه عن المقامرة والرهان توجب على المشرع إخراجه من نطاق البطلان کما هو الحال بالنسبة للمرتب مدى الحیاة والتأمین.
ولا یختلف الحال فی التشریعات المقارنة عما هو علیه فی التشریع العراقی حیث لم تفرد هذه التشریعات نصوصا قانونیة تستثنی بموجبها المسابقات عن عقود المقامرة الباطلة وتمیزها عنها ولم یشذ عن هذا الموقف سوى المشرع الیمنی الذی وزع القسم الخامس من قانونه المدنی والذی عنونه بعقود الغرر إلى بابین الأول افرده للمقامرة والرهان والثانی للسباق (( المسابقة )) وفی حین اعتبر عقد المقامرة والرهان باطلاً فانه نظم أحکام المسابقة بخمسة نصوص قانونیة دون إن یعتبرها استثناء من أحکام المقامرة وإنما باعتبارها عقد مستقل بذاته له ضوابطه وأحکامه وهذا الموقف جدیر بالتأیید فلا یمکن باعتقادنا إن نعتبر المسابقات صورة من صور المقامرة إلا أنها صورة مشروعة فالباطل یبقى باطلا وحتى لو أخذنا بموقف المشرع العراقی واعتبرنا عقد المسابقة حالة خاصة استثنائیة تصح فیها المقامرة مع تحفظنا على هذا الأمر یبقى هذا الاستثناء خاص فلا یمکن التوسع فیه ولا القیاس علیه وبالتالی یجب الأخذ بعباراته بحرفیتها وهی (( رهان المتبارین شخصیاً فی الألعاب الریاضیة )) الأمر الذی یعنی إن أنواع کثیرة من المسابقات العلمیة والثقافیة والریاضیة عدا رهان المتبارین شخصیا سوف تعتبر باطلة.
علیه ومن خلال ما تقدم نعتقد بضرورة التنظیم القانونی لعقد المسابقة باعتباره احد صور العقود الاحتمالیة الصحیحة وتمییزه عن عقد المقامرة الباطل وعدم اعتباره مجرد استثناء عن هذا الأخیر.
المطلب الثالث
أرکان عقد المسابقة وتمییزه عن غیره
عقد المسابقة کأی عقد أخر له أرکانه التی یقوم کما انه یتمیز عن غیره من النظم القانونیة التی قد تتشابه معه علیه ولغرض معرفة تلک الأرکان والوقوف عند تفصیلات أوجه التمییز التی تمیزه عن غیره سوف نقسم هذا المطلب إلى فرعین وکالأتی:
الفرع الأول
أرکان عقد المسابقة
ینعقد العقد متى توافرت أرکانه من تراضی ومحل وسبب وهذا الأمر یصدق على عقد المسابقة أیضاً. وفی صدد انعقاد هذا العقد نحاول الوقوف عند الجزئیات الخاصة بهذا العقد تارکین البحث فی کل ما لیس له خصوصیة وتکفی القواعد العامة لانطباقها علیه ففیما یتعلق بالتراضی وجدنا إن الأمر یتطلب الوقوف عند أطراف العقد ممن یصدر عنهم الرضا وتحدید أهلیتهم مستبعدین بذلک البحث فی عیوب الإرادة وصیغة الإیجاب والقبول لأنها لا تختلف فی هذا العقد عن حکمها فی العقود الأخرى عموما. وفیما یتعلق بالمحل وجدنا إن الأمر یقتضی الوقوف عند إحدى صورتیه متمثلا بالعوض أو الجائزة لنستبعد البحث فی صورته الأخرى وهو الجهد المبذول من قبل المتسابقین من اجل إحراز الفوز أی الأداء الذی یجب على المتسابقین القیام به لاستحقاق الجائزة لان القواعد العامة تکفی لتشمله بحکمها وکذلک الحال بالنسبة للرکن الثالث وهو السبب ففضلا عن عدم وجود خصوصیة تتعلق به فقد سبق وبینا ما یرتبط به من خلال بحثنا للغرض من المسابقات فی المطلب الأول من هذا البحث . علیه سوف نقسم هذا الفرع إلى فقرتین نخصص الأولى للبحث فی أطراف عقد المسابقة ونخصص الثانیة للبحث فی الجائزة وکالاتی:-
أولا : أطراف عقد المسابقة
یقتضی عقد المسابقة وجود طرفین على الأقل یجری التنافس بینهما معتمدین على المهارة البدنیة أو الفکریة لکل منهما وعلى هذا لو قال شخص لأخر لو قطعت هذه المسافة جریا خلال کذا دقیقة لأعطیتک کذا فهذا یخرج عن نطاق عقد المسابقة وإنما هو من باب التزام الجاعل بإرادته المنفردة وکذلک الحال لو تم الإعلان عن جائزة لکل من حفظ القران الکریم أو لکل من یکتب بحثا فی علم من العلوم على سبیل المثال ففی هذه الأحوال لا یوجد معنى التنافس الذی تقوم علیه المسابقات ، وحیث إن المسابقة قائمة على التنافس فعلى ذلک یشترط فی طرفی عقد المسابقة التقارب فی الجسم والسن وان تکون لکل منهما الأهلیة اللازمة لانعقاد العقد وحیث إن عقد المسابقة کما سبق وبینا من عقود المعاوضات بالنسبة للمتسابقین فالأهلیة المطلوب توفرها فی طرفیه هی أهلیة الأداء الناقصة. ولکن کما سبق وبینا یمکن إن یکون العوض مقدماً من طرف ثالث من غیر المتسابقین سواء کان هذا الطرف شخصا طبیعیا أم معنویا فهنا نکون أمام طرف أخر لعقد المسابقة یشترط فیه أهلیة الأداء الکاملة إن کان شخصا طبیعیا لان العمل بالنسبة له یعد من أعمال التبرع وان یکون العمل داخلا فی حدود الغرض الذی أسس من اجله إن کان شخصا معنویا.
ویلاحظ إن من الفقهاء المسلمین من اشترط فی أطراف عقد المسابقة بعض الشروط من ذلک شرط الذکورة حیث اختلف الفقهاء المسلمین فی جواز المسابقة بالنسبة للنساء فذهب الشافعیة والحنابلة إلى جواز السبق للنساء إن کان بلا عوض أما إن کانت المسابقة بعوض فلا تجوز عندهم ودلیلهم فی هذا إن المسابقة بعوض إنما تجوز تحریضا على إتقان الأسلحة المستعملة فی الجهاد والنساء لسن مأمورات بالجهاد مستندین فی ذلک على قول الرسول صلى الله علیه وسلم (( لا سبق إلا فی خف أو نصل أو حافر )) بتفسیره تفسیرا حرفیا غیر قابل للقیاس.
وبالتأکید فإن إشتراط الذکورة فی طرفی عقد المسابقة محل نظر ولهذا نؤید الفقه الذی فنده بالقول: (( ولنا على هذا الرأی ملاحظتان الأولى تتعلق بالدلیل الذی استند إلیه الفقهاء من انتفاء الغایة من اشتراک النساء فی المسابقات لأنهن لسن مأمورات بالجهاد فنقول إن المرأة تخاطب بالجهاد وعلى رأی الحنفیة والمالکیة وحتى الشافعیة أنفسهم إذا کان الجهاد فرض عین کأن یدخل الکفار بلدة للمسلمین. ولم یخالف هذا الرأی سوى الحنابلة حیث لم یعتبروا المرأة مخاطبة به حتى لو کان فرض عین وبالتالی لاحظ الفقهاء المسلمون إن المرأة قد یتحتم علیها القتال للدفاع عن نفسها ومتى کان الجهاد فرض عین فانه یتعین علیها القتال إن کانت قادرة علیه وحتى لو کان الجهاد فرضا کفائیاً فیجوز لها الخروج للقیام بما یلیق ببنیتها کإسعاف الجرحى وقد یتحتم علیها الدفاع عن نفسها إذا اعتدى علیها احد أفراد العدو لا سمح الله.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فان الغرض من المسابقات ینصرف إلى إیجاد مجتمع قوی بدنیا وفکریا یستطیع إعلاء کلمة الإسلام والوقوف بند مع المجتمعات الأخرى فی مجالات الصناعة والاختراعات بأنواعها وغیرها من المجالات ولا یخفى أن المرأة هی نصف المجتمع وهی التی تنشئ النصف الأخر فکلما صلحت صلح معها سائر المجتمع ولیس فی اشتراکها فی المسابقات مانع شرعی متى کان اشتراکها بضوابطها المشروعة ولم تکن المسابقة فیما لا یتناسب مع طبیعة المرأة مثل المصارعة )).
کما یلاحظ أیضاً أن البلقینی وهو من فقهاء الشافعیة اشترط إسلام المتسابقین ودلیله فی هذا أن الغایة من المسابقات هی الاستعداد للجهاد ولا یخاطب به إلا المسلمون، ولکن یلاحظ أن بقیة الفقهاء لم یتعرضوا لهذا الشرط أصلاً لانتفاء الحکمة منه خاصة فی هذا الزمن الذی اتسع فیه البون بین واقع حال الأمة الإسلامیة وغیرها من الأمم فی میادین التقدم العلمی بل حتى فی المجال الریاضی وفی إجراء المسابقات المشروعة مع هؤلاء قد لا یخلو من فائدة اکتساب الخبرة والمهارة والدلیل على ذلک مصارعة النبی صلى الله علیه وسلم لرکانة ولما یکن مسلما بعد.
ثانیاُ:الجائزة
الجائزة لغة هی العطیة والتحفة.
وعند البحث فی مراجع الفقه لا نجد تعریفاً محدداً للجائزة اصطلاحاً بل نجد مصطلحات أخرى یطلقها الفقه على ما فیه معنى العطیة بدون مقابل، وقد ذکرت الموسوعة الفقهیة إن المعنى الإصطلاحی للجائزة لا یخرج عن المعنى اللغوی وهو أن المراد بالجائزة العطیة، وهذه العطیة تکون من غیر شرط أو مقابل وقد تکون مشروطة بشرط، وهذه الأخیرة هی موضوع بحثنا حیث أن شرط الحصول على الجائزة هو الفوز والغلبة.
وقد لاحظنا أن من الفقهاء من یطلق على جوائز المسابقات الفاظاً أخرى مثل الخطر و الجعل والسبق وأکثر الألفاظ المستخدمة هو العوض ، ولکننا وجدنا أن هذا اللفظ لا یستقیم مع معنى الجوائز التی تقدم فی المسابقات لأن العوض لغة من عاضه و أعاضه وعوضه تعویضاً وهذا اللفظ یستخدم فی میدان القانون فی مجال المسؤولیة المدنیة حیث یدفع المخطئ تعویضاً للغیر عما یسببه له من ضرر، وأما الجعل الذی استخدمه جانب من الفقه فی مجال المسابقات فلا یخفى انه یستخدم فی مجال القانون فی مجال الالتزام بالإرادة المنفردة تحت عنوان الجعالة فهو وان اقترب من حیث المعنى بالجائزة إلا أن لکل منهما نظام قانونی مستقل عن الأخر، وأما السبََق بفتح الباء فإن قلة من الفقهاء استخدموا هذا اللفظ فی مجال المسابقات لما قد یثیره فی ذهن القارئ من إرباک بین ما إذا کان المقصود به الفعل أم النتیجة.
لهذا وقع اختیارنا على لفظ الجائزة لشیوعه وانتشاره فی عصرنا الحاضر على السن الناس فی مجال المسابقات کما أن هذا اللفظ لیس بالجدید فقد ورد على لسان رسول الله صلى الله علیه وسلم حیث قال علیه الصلاة والسلام (( من کان یؤمن بالله والیوم الأخر فلیکرم ضیفه جائزته )) وقد ورد فی تسمیة یوم الفطر انه یوم الجائزة حیث ورد عن رسول الله صلى الله علیه وسلم انه قال (( ویسمى ذلک الیوم فی السماء یوم الجائزة )).
والجوائز من حیث ماهیتها قد تکون جوائز مادیة فیکون لها قیمة مالیة حقیقیة فی ذاتها مثل المبالغ المالیة والأشیاء المادیة المختلفة والکؤوس والمِدالیات المصنعة من الذهب أو غیره من المعادن الثمینة ، وقد تکون جوائز معنویة فلا تعدو أن تکون حافزا معنویا للشخص الذی ینالها ویحتفظ بها کذکرى وشهادة رمزیة مثل الشهادات التقدیریة والکؤوس والمِدالیات إذا لم تکن مصنوعة من معادن لها قیمة مالیة یعتد بها .
وکما سبق وبینا فان الغرض من جوائز المسابقات هو تحفیز المتسابقین على الفوز والحصول على المراکز الأولى ولخلق جو من التنافس بینهم وبذلک یتحقق مقصود السباق فلو فرض أن هذه المسابقات تقام من غیر جوائز لما وجدنا الإثارة والتنافس المطلوب فیها حیث أنها تدفع المتسابقین إلى بذل المزید من الجهد للظفر بالجائزة .
یقول ابن قدامه رحمه الله: (( وفی المسابقة مع العوض مبالغة فی الإجتهاد فی النهایة لها والإحکام لها )).
وهنا نلاحظ أن الفقهاء اختلفوا فی المسابقات التی ترصد من اجلها الجوائز حیث قسموا المسابقات من حیث جواز بذل الجائزة فیها من عدمه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: المسابقات التی نص علیها الحدیث الشریف فی قوله علیه الصلاة والسلام (( لا سبق إلا فی خف أو حافر أو نصل )).
القسم الثانی:المسابقات غیر المنصوص علیها فی الحدیث مما کان فیها نفع وعون على الجهاد والقتال فی سبیل الله.
القسم الثالث:المسابقات التی یراد منها مجرد اللهو واللعب والتی تقع فی دائرة المباح ولیست ذات نفع فیما یتعلق بأمور الجهاد.
أما بالنسبة للقسم الأول من المسابقات التی وردت بها السنة النبویة فی قوله علیه الصلاة والسلام (( لا سبق إلا فی خف أو حافر أو نصل )) وکما سبق وبینا فان السبََق بفتح الباء هو العوض أو الجائزة فی المسابقة ومعنى الخف البعیر والحافر الخیل والنصل السهم فهذه الأنواع الثلاثة التی جاء ذکرها فی الحدیث الشریف الصحیح تجوز الجوائز فیها. والفقهاء مجمعون على هذا الحکم قال ابن قدامه رحمه الله: (( واختصت هذه الثلاثة بتجویز العوض فیها لأنها من ألآت الحرب المأمور بتعلیمها وإحکامها والتفوق فیها وفی المسابقة بها مع العوض مبالغة فی الإجتهاد فی النهایة لها والإحکام لها وقد ورد الشرع بالأمر والترغیب فی فعلها )).
فهذا القسم وهو مسابقات الإبل والخیل والرمی یجوز التسابق فیها مع وجود الجوائز التی تعطى للفائزین بلا خلاف.
أما القسم الثانی غیر المنصوص علیها فی الحدیث مما کان فیها إعانة على الجهاد والقتال فی سبیل الله أو کان فیها نصرة للدین فهذا القسم اختلفت أراء الفقهاء فیه إلى قولین:
الأول انه لا تجوز الجوائز فیها لأنها خارجة عن المسابقات الثلاثة المنصوص علیها فی الحدیث وهذا هو مذهب المالکیة ووجه عند الشافعیة و أکثر الحنابلة وابن حزم الظاهری.
أما القول الثانی فیذهب إلى صحة الجوائز على المسابقات المعینة على الجهاد ومما ینتفع بها فی إقامة الدین وهو مذهب جمهور الحنفیة وبعض الشافعیة وبعض الحنابلة غیر أن أصحاب هذا القول تباینت آراءهم فی أنواع المسابقات التی تصلح أن تکون عدة للجهاد وأوسع هذه المذاهب هو مذهب الحنفیة حیث ذهبوا إلى جواز المسابقات العلمیة التی فیها منفعة دینیة أو دنیویة إذا کان الغرض منها إقامة الدین ونصرته وإظهار صحته، فأصحاب هذا القول استدلوا بالقیاس وتوسعوا فی معنى الخف والحافر والنصل ولم یقتصروا علیها، ورأوا أن الحدیث جاء على سبیل التوکید لا على سبیل الحصر فکما أن فی مسابقة الإبل والخیل تمریناً على الفروسیة والشجاعة فکذلک غیرها من المسابقات البدنیة فان فیها تمرین البدن على الحرکة والخفة والإسراع والنشاط ما یصح قیاسها على المسابقات الواردة فی الحدیث الشریف وإدخالها فی حکمها.
وهذا الرأی هو الراجح لدینا وهو الأقرب لمقاصد الشریعة فی اعتقادنا، وهذا ما استقرت علیه اللجنة الدائمة للبحوث العلمیة والإفتاء بالمملکة العربیة السعودیة فی فتواها التی جاء بها (( المسابقة مشروعة فیما یستعان به على حرب الکفار من الإبل والخیل والسهام وما فی معناها من ألآت الحرب کالطیارات والدبابات والغواصات سواء کان ذلک بجوائز أم بدون جوائز )).
ویمکن أن یجاب عن استدلال أصحاب القول الأول الذین احتجوا بحدیث ((لا سبق إلا فی خف أو حافر أو نصل)) إن المراد بالحدیث: أحق ما بذل به السبق هذه الثلاثة لکمال نفعها ولأنها کانت أدوات الحرب فی عهده علیه الصلاة والسلام، وکذلک إن وسائل الحرب الیوم لیس فیها الخیل والإبل والسهام فقصر المسابقة علیها مع عدم الحاجة إلیها فی الحرب فیه تفریق بین المتماثلات واتهام بالتناقض فی شریعة الله وجعل دین الله صالحاً لذلک الزمان دون زماننا.
أما القسم الثالث وهو المسابقات التی یراد منها مجرد اللهو واللعب والتی تقع فی دائرة المباح ولیست ذات نفع فیما یتعلق بأمور الجهاد والقتال فهذا القسم یکاد الفقهاء المتقدمون یجمعون على منع الجوائز فیها لکونها لیست ذات منفعة ولا فائدة ولا تحقق مصلحةویسوق جانب من الفقهاء المعاصرین لهذا النوع من الأمثلة مسابقات کرة القدم وکرة الطائرة وکرة الید والتنس والبولنج وغیرها، فی حین یرى کثیر من العلماء المعاصرین جواز إعطاء الجائزة فی کل مسابقة مباحة إذا خلت من القمار ومن سائر المحاذیر الشرعیة مستدلین بان الأصل فی هذه المسابقة هو الإباحة ولیس التحریم استناداً إلى القاعدة الأصولیة التی تقرر بان الأصل فی الأشیاء الإباحة ولأن وجود الجوائز فی هذه المسابقات لا یغیر من حقیقتها شیئاً وکذلک لأن هذه المسابقات قد أصبحت واقعاً مفروضاً فی زماننا.
فالمسابقات التی فیها نفع الشباب و أجیال هذه الأمة والتی فیها تقویة ونماء لشخصیتها لکی نجاری ونتفوق على الأمم الأخرى لاشک وإنها تتماشى مع مقاصد الشریعة فکل ما فیه تشجیع على علم نافع أو عمل صالح فهو مقبول وکل ما فیه النیة على تقویة البدن فهو محمود لأن المؤمن القوی أفضل من المؤمن الضعیف لقوله علیه الصلاة والسلام (( المؤمن القوی خیر وأحب إلى الله من المؤمن الضعیف وفی کل خیر )) وعلى هذا یمکن أن تقاس کل مسابقة فیها تقویة للبدن أو تنشیط للفکر وتشجیع للعلم فیجوز رصد الجوائز لها إن کانت بضوابطها المشروعة.
وهذا ما قرره مجمع الفقه الإسلامی المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامی فی دورته الرابعة عشرة المنعقدة فی الدوحة حیث جاء فی قراره: (( 2- المسابقة بعوض جائزة إذا توافرت فیها الضوابط الأتیة: أ. أن تکون أهداف المسابقة ووسائلها ومجالاتها مشروعة. ب. ألا یکون العوض ((الجائزة)) فیها من جمیع المتسابقین ج. أن تحقق المسابقة مقصداً من المقاصد المعتبرة شرعاً د. ألا یترتب علیها ترک واجب أو فعل محرم ))
وبالتالی متى کان الغرض أو الهدف الذی وضعت لأجله الجائزة مشروعاً کانت هی مشروعة أیضاً کالمسابقات العلمیة و مسابقات براءات الإختراع و الإبتکار وکل ما هو مفید ونافع.
یبقى بعد ذلک أن نقول إن الجائزة یجب أن تتضمن جملة من الشروط لتکون صحیحة وهی:
یجب أن تکون مشروعة فی ذاتها فلا یجوز أن تکون من الأشیاء المحرمة والممنوع التعامل بها.
یجب أن تکون الجائزة معلومة الجنس والصفة والقدر قبل إجراء المسابقة فینبغی العلم بالجائزة إما بالمشاهدة أو بالوصف أو ذکر القدر،أی بعبارة أخرى أن تکون الجائزة معینة أو ممکنة التعیین.
أن تکون الجائزة مما یقدر على تسلیمها فلا تصح الجائزة إذا کانت مما لا یقدر على تسلیمها کنحو سیارة مسروقة أو شیء مغصوب وغیرها مما هی فی حکم المعدوم ویتعذر تسلیمها
أن تکون الجائزة مملوکة لمعطیها فیجب أن تکون الجائزة فی ملکیة من التزم بتقدیمها وقت بذلها سواء کان طرفاً فی المسابقة أو کان أجنبیاً غیر مشارک فیها. وهنا ینبغی التوقف عند هذه المسألة قلیلاً لبحث الإحتمالات الواردة فیما یتعلق بمقدم الجائزة والتی لا تخرج عن واحدة من ثلاث:
الأولى أن تکون الجائزة مقدمة من طرف أجنبی عن المتسابقین
الثانیة أن تکون الجائزة مقدمة من احد المتسابقین
الثالثة أن تکون الجائزة مقدمة من کلا المتسابقین
أما بالنسبة للحالة الأولى فان المراد بالأجنبی هنا هو کل طرف خارج عن المسابقة بأن یکون من غیر المتسابقین . والأجنبی أما أن یکون شخص طبیعی أو معنوی ولا خلاف حول صحة تقدیم الجائزة فی هذه الحالة .
أما بالنسبة للحالة الثانیة بان یکون مقدم الجائزة احد المتسابقین فهذه الحالة جائزة عند جمهور الفقهاء من الحنفیة وبعض المالکیة والشافعیة والحنابلة لأنه إذا جاز تقدیم الجائزة من غیر المتسابقین فالأولى انه یجوز من بعضهم ومثال ذلک أن یقول احد المتسابقین للأخر إن سبقتنی فلک منی الجائزة الفلانیة وان سبقتک فلا شیء لی علیک.
وهناک قول فی مذهب المالکیة بأنه إذا أخرج الجائزة احد المتسابقین یشترط أن لا تعود الجائزة علیه إن فاز بالسباق بل تعطى الجائزة فی هذه الحالة لمن حضر السباق من المشاهدین وغیرهم وحجة هذا القول انه لو رجعت الجائزة لمانحها لأصبحت المسابقة مقامرة، وبهذا الرأی اخذ المشرع الیمنی حیث جاء فی المادة ((1105)) من القانون المدنی الیمنی ما نصه (( یجوز السباق بغیر جعل (( جائزة )) فی الخیل وغیرها ویجوز بجعل ((جائزة)) فی الخیل والإبل والرمایة والیات الحرب کالسیارات والطائرات بالشروط المبینة فی المواد التالیة )) وجاء فی المادة ((1106)) منه ما نصه: ((تشترط لصحة السباق المنصوص علیه فی المادة السابقة ما یأتی:-1-أن یکون الجعل (( الجائزة )) من غیر المتسابقین فإذا کان من احدهم وجب أن یشترط علیه أن لا یعود الربح إلیه إذا سبق ویصرف فی المصالح)) والراجح لدینا ما ذهب إلیه الجمهور من جواز أن یکون مقدم الجائزة احد المتسابقین فان سبق اخذ الجائزة واسترجعها وان سبق الأخر ظفر بالجائزة.
أما اشتراط بعض المالکیة أن لا تعود الجائزة إلى مانحها بحجة أن ذلک یعد من القمار فیمکن الإجابة علیه بان حقیقة القمار لا یخلو بها احد الطرفین من أن یغتنم أو یغرم وهذا ما لا ینطبق على هذه الصورة حیث أن مقدم الجائزة إما انه یسلم إذا فاز بالسباق وإما انه یغرم إذا خسر و المتسابق الأخر إما إن یسلم إذا خسر وإما أن یغنم إذا فاز وهذا لا یعد قماراً وإنما تکون هذه الصورة قماراً لو تمت المسابقة على أساس أن قال احد المتسابقین للأخر أن سبقتک فلی علیک کذا وان سبقتنی فلک علی کذا.
أما بالنسبة للحالة الثالثة عندما تکون الجائزة مقدمة من کلا المتسابقین وذلک بان یخرج جمیع المتسابقین الجائزة أی أن یشترک جمیع أطراف المسابقة فی قیمة الجائزة أو الجوائز المخصصة لمن یفوز بالمسابقة فهذه الصورة اختلف الفقهاء فیها على ثلاثة أقوال هی:
الأول : یذهب إلى عدم جواز تقدیم الجائزة من جمیع المتسابقین الا إذا ادخل بینهم محلل فإذا ادخل المحلل جاز بذل الجائزة لمن سبق وهذا مذهب الجمهور من الحنفیة وبعض المالکیة والشافعیة وجمهور الحنابلة واختار هذا القول کذلک ابن حزم من الظاهریة إلا انه خصه بسباق الخیل فقط دون غیره، والمحلل هو طرف یشترک فی المسابقة دون أن یشترک فی قیمة الجائزة ولکنها تعود له فی حالة فوزه.
القول الثانی : یذهب إلى عدم جواز تقدیم الجائزة من جمیع المتسابقین ولو دخل بینهم المحلل وهذا هو المشهور عن مذهب الإمام مالک.
القول الثالث : یذهب إلى جواز تقدیم الجائزة من المتسابقین ولو بدون محلل وهو قول شیخ الإسلام ابن تیمیة وتلمیذه ابن القیم.
ویلاحظ إن أصحاب کل قول استدلوا بمجموعة من الأدلة:
فأستدل أصحاب القول الأول بما روی عن أبی هریرة رضی الله عنه أن رسول الله صلى الله علیه وسلم قال: (( من أدخل فرساً بین فرسین وهو لا یأمن أن یسبق فلا بأس ومن أدخل فرساً بین فرسین وقد أمن أن یسبق فهو قمار ))، کما استدلوا بما رواه ابن عمر رضی الله عنهما من أن النبی صلى الله علیه وسلم سابق بین الخیل وجعل بینهما سبقاً وجعل بینهما محللاً وقال: (( لا سبق إلا فی حافر أو خف أو نصل )) فهذان الحدیثان یدلان على انه لابد من إدخال المحلل فی السباق حتى ینتفی القمار لأن المحلل إن فاز بالسباق غنم بالجائزة وان خسر لم یغرم شیئاً وبذلک تحل المسابقة.
أما أصحاب القول الثانی القائلین بعدم جواز بذل الجائزة من المتسابقین ولو ادخلوا بینهم محلل فإستدلوا بأن معنى القمار یبقى قائماً لأن کل واحد من المتسابقین یحتمل أن یغنم أو یغرم ما عدا المحلل وهذا هو عین القمار.
أما أصحاب القول الثالث ممن أجازوا أن تکون الجائزة من المتسابقین بدون وجود محلل فإستدلوا بقوله تعالى (( یا أیها الذین امنوا أوفوا بالعقود )) وهذا یقتضی الأمر بالوفاء لکل عقد إلا عقد حرمه الله ورسوله أو أجمعت الأمة على تحریمه وعقد المسابقة من الجانبین لیس فیه شیء من ذلک فالمتعاقدان مأموران بالوفاء به، کما إستدلوا بقوله علیه الصلاة والسلام: (( أن من أعظم المسلمین جرماً من سأل عن شیء لم یحرم، فحرم على الناس من أجل مسألته ))، وهذا یدل على أن العقود والمعاملات على الحل حتى یقوم الدلیل من کتاب الله وسنة رسوله صلى الله علیه وسلم على تحریمها فکما انه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله فلا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله والإستدلال بمطلق قول النبی صلى الله علیه وسلم فی جواز أخذ السبق فی الخف والحافر والنصل ولم یقیده بذکر المحلل فلو کان المحلل شرطاً لکان ذکره أهم من ذکر مجالات السباق.
والراجح لدینا ما ذهب إلیه الجمهور من جواز تقدیم الجائزة من جمیع المتسابقین بشرط دخول المحلل الذی إن فاز اخذ الجائزة وان لم یفز لم یغرم شیئا،ففی دخول المحلل یکون هناک طرف یغنم إذا فاز ولا یغرم إذا خسر وبالتالی یخرج العقد عن صورة القمار خاصة أن هذه الحالة لا تخالف الحالة التی یکون فیها تقدیم الجائزة من احد المتسابقین والتی اجمع الفقهاء على جوازها فإذا فاز الذی لم یقدم الجائزة أخذها من الذی قدمها وإذا فاز مقدم الجائزة فانه یحرز الجائزة ولا یغنم شیئا من المسبوق لأن الأخیر لم یقدم شیئاً.
ولکن إذا کان دخول المحلل من شأنه أن یجعل المسابقة صحیحة ویجعل تقدیم الجائزة من بقیة المتسابقین جائزاً فإن مما یجب ملاحظته أن لیس کل دخول لأی شخص یؤدی إلى هذه النتیجة بل یجب ملاحظة أن الفقهاء اشترطوا لدخول المحلل شروطاً هی:
أن یکون المحلل کفأ للمتسابقین فإذا لم یکن کذلک فلا یصح لأن وجوده یصبح کعدمه
أن لا یخرج شیئا من المال وان قل فان اخرج خرج من حکم المحلل وصار فی حکم المتسابق
أن یأخذ الجائزة إن فاز ولا یغرم إن لم یفز فان شرط أن لا یأخذ إذا فاز لم یصح.
وبالتأکید فإن هذه الشروط جدیرة بالتأیید لأن الغایة منها أن لا یکون دخول المحلل وسیلة للتحایل لإضفاء المشروعیة وإعطاء وصف المسابقة على المقامرة الباطلة.
الفرع الثانی
تمییز عقد المسابقة عن غیره
هناک بعض النظم القانونیة التی قد تشتبه بعقد المسابقة مما یقتضی التمییز بینهما ولعل أکثر هذه النظم قرباً من عقد المسابقة هی کل من الجعالة والمقامرة والرهان والهبة، علیه سوف نخصص لکل منها فقرة خاصة وکالاتی:
تمییز المسابقة عن الجعالة
الجعل بضم الجیم وتسکین العین ویطلق علیه الجعل والجعالة والجعیلة وهو فی اللغة ما یجعل للإنسان على أمر یفعله، کمن یلتزم بجعل معین لمن یرد علیه متاعه الضائع أو دابته الشاردة أو غیر ذلک، أما عند الجمهور من المالکیة والشافعیة والحنابلة فالجعالة جائزة مشروعة إذ عرفها المالکیة بأنها (( معارضة على عمل ادمی یجب عوضه بتمامه لا بعضه )) أما الشافعیة فعرفوها بأنها (( التزام عوض معلوم على عمل معین أو مجهول عسر عمله )) فی حین عرفها الحنابلة بأنها (( إن یجعل جعلا لمن یعمل له عملا أو رد ابق أو ضالة أو بناء أو خیاطة وسائر ما یستأجر علیه من الأعمال ))
فی حین لم یعرف الحنفیة الجعالة لأنها غیر مشروعة عندهم وعدوها نوعا من أنواع الإجازات الباطلة إذا لم یعین المجعول له أما إذا عین فالجعالة إجارة فاسدة.
أما القوانین المقارنة فقد عرفت الجعالة إذ عرفها القانون المدنی العراقی فی المادة 185 منه بأنها (( 1- من وعد بجعل یعطیه لمن یقوم بعمل معین التزم بإعطاء الجعل لمن قام بهذا العمل حتى لو قام به دون نظر إلى وعد )) واعتبرها إحدى الحالات التی تلزم فیها الإرادة المنفردة صاحبها.
ویلاحظ أن الجعالة قد تتشابه مع عقد المسابقة إذ أن معنى الجعل قریب من معنى الجائزة التی ترصد للفائز من المتسابقین خاصة وان استحقاق الجعل لا یستحق إلا بإتمام العمل کله، فالمتسابق لا یستحق کامل الجعل (( الجائزة )) إلا إذا کسب المسابقة فإذا لم یسبق لا یستحق شیئاً مهما بذل من الجهد، وکذلک الحال بالنسبة للجعالة حیث لا یستحق الجعل إلا إذا تم العمل الذی رصد الجعل لأجله.
ومن جهة ثانیة فإن العمل فی کل من الجعالة والمسابقة والذی یبذل الجعل من اجل القیام به هو أمر غیر محقق، ففی المسابقة قد یتحقق السبق وقد لا یتحقق وکذلک الحال فی الجعالة.
کما قد تتشابه المسابقة مع الجعالة فی إن الجعل (( الجائزة )) فی المسابقة لابد أن تکون معلومة للمتسابقین ومقدوراً على تسلیمها وکذلک الحال فی الجعالة إذ إن البعض اشترط فی الجعالة إن یکون الجعل معلوماً ظاهراً مقدوراً على تسلیمه ، لکن أبی قدامه من الحنابلة احتمل تجویز الجعالة مع جهالة العوض إذا کانت الجهالة لا تمنع التسلیم نحو أن یقول من رد عبدی الآبق فله نصفه ومن رد ضالتی فله ثلثها لأن الإمام احمد قال: إذا قال الأمیر فی الغزو: من جاء بعشرة رؤوس فله رأس جاز.
ومع هذا التشابه فإن بین عقد المسابقة والجعالة فروق کبیرة لعل أهمها أن العمل فی عقد المسابقة لابد إن یکون معلوما محددا تحدیدا تاما ففی سباق الخیل مثلا لابد إن تحدد مسافة البدء والنهایة وان یعلم المتسابق إن علیه إن یقطع هذه المسافة أسرع من غیره وفی الرمایة لابد إن تحدد عدد الرمیات وفی المسابقات العلمیة لابد إن یعرف المتسابق إن علیه الإجابة على عدد معین من الأسئلة وهکذا، أما فی الجعالة فیجوز إن یکون العمل فیها مجهولا کمن یقول من اکتشف دواء للمرض الفلانی فله کذا فالعمل فی هذه الحالة مجهولا إلا انه یمکن إن یکون العمل فی الجعالة معلوماً أیضاَ کمن یقول من أصلح لی ساعتی فله کذا.
وهناک فرق أخر هو إن العوض یبذل فی الجعالة فیما یعود عادة على دافعه بالنفع من رد ضالة وغیرها أما فی عقد المسابقة فان العوض أما إن یبذل من المتسابق لمن سبقه أو من طرف ثالث لن ینتفع شخصیا من سبق احدهما على الأخر بل یدفع العوض لغایات اجتماعیة أو دینیة من النهوض بواقع الأمة والتشجیع على المنافسة.
ومن جهة أخرى فإن طرفی عقد المسابقة لابد إن یکونان معینین بالذات أما فی الجعالة فکل إنسان یمکن أن یحصل على الجعل إذا قام بالعمل ولو لم تکن الدعوة للقیام بالعمل موجهة له بالذات.
وهناک فرق أخر یتمثل فی أن الجاعل یمکن له الرجوع عن الجعالة قبل الشروع بالعمل أما بعد الشروع فلا یمکن، فی حین أن للمجعول له فی أی وقت أن یتوقف عن إتمام العمل الذی رصد له الجعل، بمعنى أن الجعالة کما رأینا لا تلزم إلا صاحبها باعتبارها صورة من الصور التی یلتزم فیها الشخص بإرادته المنفردة أما المسابقة فهی عقد ومتى ما انعقد بأرکانه صحیحاً کان لازما لا یمکن إلغاؤه بالإرادة المنفردة لأحد المتسابقین أو من قبل الغیر الذی قدم الجائزة إذا کانت الجائزة مقدمة من طرف ثالث غیر المتسابقین.
تمییز المسابقة عن المقامرة
القمار لغة مصدر من قامر یقال قامر الرجل، وتقامروا لعبوا القمار، و قیمرک الذی یقامرک، أما اصطلاحا فعرفه الحنفیة بأنه الذی یستوی فیه الجانبان فی احتمال الغرامة أی أن کل واحد من المقامرین ممن یجوز أن یذهب ماله إلى صاحبه ویجوز أن یستفید من مال صاحبه فیجوز الازدیاد والانتقاص فی کل واحد منهما فصار قمارا.
أما تعریف المالکیة للقمار فهو المغالبة والحیل على أکل أموال الناس بغیر الحق، ویلاحظ إن هذا التعریف عام حیث یدخل فیه الخداع والغصب وجحد الحقوق والسرقة وما لا تطیب به نفس مالکه أو حرمته الشریعة وان طابت به نفس مالکه.
أما تعریف الشافعیة والحنابلة للقمار فهو إن یجتمع فی حق کل واحد خطر الغرم والغنم وهو قریب من تعریف الحنفیة.
أما التشریعات المقارنة فهی وان نظمت أحکام المقامرة إلا أنها لم تضع لها ضوابط أو أرکان مما یقتضی الرجوع إلى مبادئ الشریعة الإسلامیة عملاً بأحکام المادة الأولى من القانون المدنی العراقی لمعرفة متى یکون العمل مقامرة وبالرجوع لها نجد إن الفقهاء المسلمین قد وضعوا رکنین یعد العمل بموجبه مقامرة هما:
وجود عنصر المال بین الطرفین المتقامرین فإذا خرج عنصر المال من العقد لم یکن قمارا لأنه حینئذ لا یکون بینهما غارم ولا غانم.
استواء الطرفین فی احتمال خطر الغرم والغنم حیث إن غرم الطرف الغارم یکون لمصلحة الطرف الغانم وغنم الطرف الغانم یکون من مال الطرف الغارم.
وحیث إن عقد المسابقة قد یکون بعوض (( جائزة )) أو بدون عوض فان کان بغیر عوض فلا یتصور دخول القمار فیه لغیاب الرکن الأول أی عنصر المال کما انه یخرج من نطاق بحثنا هذا لأنه یخرج عن نطاق المعاملات المالیة. أما إن کانت المسابقة بعوض ففی هذه الحالة إذا إستوى الطرفان فی إحتمال خطر الغرم والغنم یتصور عندها وجود المقامرة ویتحقق ذلک فی حالة ما إذا إتفق الطرفان على أن الجائزة سیقدمها الخاسر منهما بأن قال أحدهما للأخر: سابقنی فإن سبقتنی فلک علیّ کذا وإن سبقتک فلی علیک کذا، کذلک فی حالة ما إذا إشترک کلا المتسابقین أو الفریقین بقیمة الجائزة سواءً على سبیل التساوی أم التفاوت ولم یدخلا بینهما محللاً، أو إذا کانت المسابقة مما یعتمد الفوز فیها على مجرد الحظ والصدفة ولیس على المهارة البدنیة أو الفکریة للمتسابقین ففی هذه الأحوال تکون المسابقة فی حقیقتها مقامرة باطلة، وفی هذا الصدد قال الزرکشی (( الفاصل بین المسابقة الشرعیة والقمار إن المقامر یکون على خطر من إن یغنم أو یغرم بخلاف المسابق )).
وهکذا فان المسابقة تختلف عن المقامرة من حیث إن المقامرة غرر محض والمسابقة تخلو من الضرر إذا روعیت فیها الضوابط الشرعیة.
وبالتالی فان التشابه کبیر بین المسابقة والمقامرة والعلاقة بینهما قویة بل إن المقامرة تعد نوعاً من أنواع المسابقات،لأن المسابقة لا تخلو من إن تکون بغیر عوض أو بعوض من المتسابقین بالتساوی أو التفاوت أو بعوض من احدهما أو من طرف ثالث. فإذا کانت المسابقة بعوض من المتسابقین سواء بالتساوی أو بالتفاوت حینئذ تکون مقامرة أما إذا لم تکن بعوض أو کان العوض من غیر المتسابقین أو من احدهما دون الأخر أو من کلیهما ولکن بوجود المحلل فان المسابقة لا تکون فی مثل هذه الحالة مقامرة. وبناءً على هذا یمکننا القول بان کل مقامرة مسابقة ولیس کل مسابقة مقامرة، وان المسابقة أعم من المقامرة والمقامرة اخص من المسابقة وهذا یناقض تماماً ما جاءت به التشریعات المقارنة والتی على العکس من ذلک اعتبرت المقامرة هی الأصل والمسابقة استثناء عنها کما سبق وبینا.
وفضلاً عن هذا فان للمقامرة فی الشرع حکماً خاصاً یختلف عن حکم المسابقة .فالمقامرة حرام فی الإسلام ویفسق فاعلها بوصفها کبیرة من الکبائر التی وردت نصوص کثیرة فی النهی عنها وتحریمها إلى الأبد، بخلاف المسابقة التی وردت النصوص على إجازتها بل والتشجیع علیها إذا کان الهدف منها مشروعاً وروعیت فیها الضوابط الشرعیة.
ومع هذا الفارق بین المقامرة والمسابقة إلا إن هذا لا یعنی إن کل مسابقة صحیحة جائزة بل لابد من الأخذ بمعیار المسابقات المشروعة وهو إن لا تکون المسابقة مما یغلب ضررها وعدم الإعتماد بالسبق على مجرد الحظ أو الصدفة فالمسابقة وإن ابتعدت عن القمار إلا أنها مع ذلک قد تکون غیر مشروعة لعدم مشروعیة الغایة أو الوسیلة.
تمییز المسابقة عن الرهان
الرهان فی اللغة مأخوذ من تراهن القوم إذا اخرج کل واحد منهم رهناً،وجاء فی لسان العرب: إن الرهان والمراهنة هی المسابقة على الخیل وغیر ذلک والرهن: هو الشیء الملزم ویجمع على رهان أما اصطلاحاً فقد عرفه الکاسانی بقوله (( التزام بشرط )) کما جاء فی حاشیة الباجوری بأنه (( المسابقة على الخیل ونحوها ))وقد وردت کلمة الرهان فی خصوص المسابقة على الخیل فی عدة أحادیث نبویة شریفة منها أن أنساً رضی الله عنه سئل: أکنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله علیه وسلم؟ قال: نعم، راهن رسول الله صلى الله علیه وسلم على فرس له فجاءت سابقة فهش لذلک وأعجبه أما فی الإصطلاح القانونی فقد عرفه السنهوری بقوله (( عقد یتعهد بموجبه کل من المراهنین إن یدفع إذا لم یصدق قوله فی واقعة غیر محققة للمتراهن الذی یصدق قوله فیها مبلغاً من النقود أو أی شیء أخر یتفق علیه )) وعرفه أخر بأنه عقد بین اثنین أو أکثر یقتضی التزام بالمال حسب الشرط المتفق علیه.
ویضیف الأستاذ السنهوری (( ویتفق کل من الرهان والمقامرة فی إن حق المتعاقد یتوقف على واقعة غیر محققة وهی إن یصدق قول المتراهن فی الرهان وان یکسب المقامر اللعب فی المقامرة ولکن الرهان یختلف عن المقامرة فی إن المقامر یقوم بدور ایجابی فی محاولة تحقیق الواقعة غیر المحققة أما المراهن فلا یقوم بدور فی تحقیق صدق قوله )).
وبالتالی یلاحظ إن المصطلح القانونی للمراهنة وهو الشائع فی عصرنا یختلف عن مفهومه فی الماضی إذ کان یعنی فی الماضی: من یشارک بنفسه فی السباق مشارکة فعلیة وتحدیداً فی خصوص المسابقة على الخیل بینما یعنی الیوم: من راهن على فوز فرس على غیرها أو فریق من اللاعبین على غیرهم دون إن یشارک بنفسه فی السباق.
کما یلاحظ أیضاً انه لا یوجد فرق فی الحکم القانونی للتشریعات المقارنة بین المقامرة والرهان حیث عالجت هذه التشریعات أحکام الرهان والمقامرة فی النصوص القانونیة ذاتها کما یلاحظ أنها بإستثناء المشرع الیمنی قد أخذت بالمفهومین الشرعی والقانونی للرهان وهذا ما لا یجوز لإختلاف المفهومین بالمعنى کما سبق وبینا،فهی عندما قضت ببطلان کل اتفاق خاص بمقامرة أو رهان أخذت بالمفهوم القانونی للرهان، أما عندما استثنت من حکم البطلان رهان المتبارین شخصیاً فی الألعاب الریاضیة فلأنها أخذت بالمفهوم الشرعی للرهان فالمشرع العراقی مثلاً استثنى من أحکام المقامرة والرهان الباطلة حالة واحدة أطلق علیها رهان المتبارین شخصیاً فی الألعاب الریاضیة، فنلاحظ إن هذه الحالة الإستثنائیة لیست سوى رهان بمفهومه الشرعی الذی وضحناه وبالتالی فهو المسابقة بعینها
أما الرهان بإعتباره أصل أی بمفهومه القانونی فهو وإن إتفق مع المسابقة فی إن حق المتعاقد فی کل منهما یتوقف على واقعة غیر محققة وهی إن یصدق قول المتراهن فی الرهان وان یکسب المتسابق فی المسابقة. إلا إن المتسابق یبذل جهداً لتحقیق السبق والمراهن لا یبذل جهداً لتحقیق صدق قوله.
وإذا کان الرهان محرماً شرعاً وقد ثبتت حرمته بالکتاب والسنة والإجماع فان المسابقة جائزة وصحیحة متى تحققت ضوابطها کما سبق وبینا.
رابعا: تمییز عقد المسابقة عن الهبة
الهبة لغة من وهب یهب ،واصطلاحا هی : تملیک العین فی الحیاة بغیر عوض ، وعرفها المشرع العراقی فی المادة 601 من القانون المدنی بأنها :( 1- الهبة هی تملیک مال لأخر دون عوض ) ، ویدق أمر التمییز بین عقدی المسابقة والهبة إذا ما نظرنا لعقد المسابقة من زاویة مقدم الجائزة عندما یکون هذا الأخیر من الغیر ، حیث یثار التساؤل عن مدى کون التزامه بتقدیم الجائزة من قبیل الهبة المحضة أو کونه من قبیل الهبة المشروطة التی نص علیها المشرع العراقی فی المادة 611 من القانون المدنی العراقی والتی جاء فیها : ( تصح الهبة بشرط العوض ویعتبر الشرط ) - إذا ما اعتبرنا إن الفوز هو الشرط المقصود -خاصة وان تصرف کل من الواهب ومقدم الجائزة یعدان من أعمال التبرع .
ولکن مع هذا التشابه بین التصرف الصادر من مقدم الجائزة وبین عقد الهبة إلا إن هناک أوجه اختلاف کثیرة بینهما تستوجب تمییزهما عن بعضهما واستقلال کل منهما عن الأخر فی الأحکام ، وأول أوجه الاختلاف هذه إن تقدیم الجائزة وان کان من أعمال التبرع لان مقدمها لا یستوفی نظیره عوضا له قیمة مالیة من شانه إن یدخل إلى ذمته المالیة فیزید العناصر الموجبة فیها فانه بذات الوقت لیس تبرعا محضا وإنما مقابل عمل وجهد یبذله الفائز للوصول إلى هذه الجائزة أی إن المتسابق یقوم بدور ایجابی قبل إن یصل إلى الجائزة بخلاف الموهوب له الذی یکون دوره سلبیا فی عقد الهبة .
ومن جهة أخرى فان عدم وجود العوض المالی هو الذی یمیز عقد المسابقة عن الهبة المشروطة فجهد المتسابقین واجتهادهم من اجل الفوز لن یعود على مقدم الجائزة بأیة منفعة مالیة تضاف إلى العناصر الموجبة فی ذمته المالیة بخلاف الهبة المشروطة فالعوض فیها لابد إن یکون له قیمة مالیة ینتفع بها الواهب.
ومن أوجه الاختلاف الأخرى العینیة فی عقد الهبة إذ إن الهبة فی المنقول عقد عینی لا ینعقد إلا بالقبض ، أی إن القبض رکن من أرکان العقد فی حین إن عقد المسابقة عقد رضائی وتسلیم الجائزة للفائز اثر للعقد ولیس رکنا فیه فالعقد ینعقد بتراضی الأطراف ویکون صحیحا مرتبا لالتزاماته ومنها تسلیم الجائزة على من التزم بها والذی لا یمکن له تقدیمها إلا بعد معرفة الفائز من المتسابقین فی نهایة السباق ، ویترتب على هذا الأمر وجود اختلاف أخر بین العقدین حیث یشترط وجود الموهوب وقت الهبة ویلزم إن یکون معینا مملوکا للواهب فی حین إن الجائزة فی عقد المسابقة یکفی إن تکون حین العقد ممکنة الوجود وممکنة التعیین ویجب إن تکون مملوکة لمن التزم بتقدیمها وقت تسلیمها للفائز ولو لم تکن فی ملکه وقت التعاقد .
ومن جهة أخرى فان الواهب لا یضمن استحقاق الموهوب إلا إذا تعمد إخفاء سبب الاستحقاق أو کانت الهبة بعوض بینما سوف نجد إن مقدم الجائزة یضمن استحقاقها للغیر وإلا لن یکون لالتزامه بتقدیمها أی معنى .
ومن أوجه الاختلاف الأخرى أیضاً إن الموهوب له فی عقد الهبة یمکن إن یکون صبی غیر ممیز فی حین إن المتسابق فی عقد المسابقة لا یمکن إن یکون صبی غیر ممیز أبداً .
وفضلاً عن هذا فان للواهب إن یرجع بالهبة عند تحقق سبب مقبولبینما لا یکون لمن التزم بتقدیم الجائزة حق العدول بعد التعاقد لا قبل الفوز ولا بعده.
یبقى إن نقول إن الهبة لا تتشابه مع عقد المسابقة إلا عندما تکون الجائزة فی هذا الأخیر مقدمة من غیر المتسابقین أی من أجنبی عن السباق أما إن کانت الجائزة مقدمة من احدهما أو کلیهما ( بوجود محلل ) فلن یکون هناک ثمة تشابه بین العقدین لانتفاء التبرع فی تصرف المتسابقین وهذا وجه أخر من أوجه الاختلاف.
المبحث الثانی
أحکام عقد المسابقة
متى انعقد عقد المسابقة صحیحاً بأرکانه وضوابطه وشروطه ألقى على عاتق أطرافه جملة من الإلتزامات، کما قد یفتقد العقد لأحد هذه الضوابط والشروط وفی هذه الحالة یصبح عقدا باطلا منتجاً لأثار أخرى مختلفة، وبالتالی فان البحث فی أحکام عقد المسابقة یقتضینا البحث فی أحکام صحة العقد من جهة وفی أحکام صحة بطلانه من جهة أخرى علیه سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبین نخصص أولهما لأحکام صحة عقد المسابقة ونخصص الثانی لأحکام بطلان عقد المسابقة وکالاتی:
المطلب الأول
أحکام صحة عقد المسابقة
یرتب عقد المسابقة إذا انعقد صحیحاً مستوفیا لأرکانه وضوابطه وشروطه أحکاماً تتمثل بالإلتزامات التی یلقیها على عاتق کل من طرفی المسابقة فضلاً عن الإلتزامات الأخرى التی تقع على عاتق مقدم الجائزة إن کان هذا الأخیر من الغیر وأخرى على عاتق من یدیر السباق ألا وهو الحکم، ویلاحظ إن التزامات المشترکین فی المسابقة واحدة بمعنى إن ما یقع على عاتق احد الأطراف هو ذات ما یقع على الطرف الأخر.
کما أن البحث فی أحکام صحة عقد المسابقة یقتضینا الوقوف عند الصور التشریعیة للمسابقات الصحیحة وحکمها وهی الصور التی اعتبرتها التشریعات المقارنة صحیحة جائزة استثناءً من أحکام المقامرة والرهان الباطلة فأجازتها ورتبت علیها أحکامها.
علیه سوف نقسم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع نخصص الأول لالتزامات المتسابقین ونخصص الثانی لالتزامات الحکم ومقدم الجائزة إذا کان من الغیر ونخصص الثالث للصور التشریعیة للمسابقات الصحیحة
الفرع الأول
التزامات المتسابقین
بعد دراستنا لتعریف عقد المسابقة ووقوفنا عند خصائصه والغرض منه نستطیع أن نقول أن التزامات عدیدة تقع على عاتق المتسابقین ترجع إلى الإرادة المشترکة للطرفین أو إلى مبدأ حسن النیة وان لم ینص الاتفاق علیها صراحة وتتمثل بالاتی:
أولا : الالتزام بمراعاة تعلیمات وشروط المسابقة فمن الطبیعی أن المسابقة لن تجری إلا وفقاً لطریقة معینة وان فوز أی متسابق فیها یعتمد على التزام الطرفین بهذه الطریقة مما یقتضی أن یبذل کلا المتسابقین کل الجهود الممکنة للتفاعل مع المسابقة للوصول إلى نهایتها، ویعتبر هذا الالتزام من الالتزامات الهامة التی تقع على عاتق المتسابقین والقول باعتباره احد التزامات المتسابقین یعنی إعطاء الحق لمقدم الجائزة إذا کان من الغیر فی طلب فسخ العقد إذا ثبت لدیه عدم أهلیة احد المتسابقین أو عدم استعداده للمسابقة بصورة حسنة فی حین تنتفی الحکمة من إعطاء حق الفسخ فی حالة ما إذا کانت الجائزة مقدمة من احد المتسابقین أو کلاهما ((بوجود محلل)) حیث أن من ثبت له عدم أهلیة المتسابق الأخر یستطیع أن یبذل جهدا لیفوز هو بالجائزة ولا یمکن له الادعاء بعدم أهلیة الطرف الأخر إذا کان قد فاز هذا الأخیر لان ادعاؤه هذا یؤخذ على انه حجة للتهرب من تقدیم الجائزة.
ثانیا : کما یلتزم المتسابقین من جهة أخرى بعدم الغش والتحایل من اجل الفوز بالمسابقة مثال ذلک تعاطی المنشطات فی المسابقات الریاضیة فإذا ما ثبت غش المتسابق الذی فاز فان الغش یفسد کل شیء ویعتبر فی هذه الحالة خاسرا للسباق ویثبت فوز المتسابق الأخر أو المسابق الذی یلیه بالنتیجة، ولعل فی هذا الأمر خصوصیة لهذا العقد ذلک أن الإخلال بالإلتزامات الناشئة عنه والملقاة على عاتق المتسابقین یحقق نتیجة مفادها خسارة الطرف الذی اخل بالتزاماته وثبوت فوز الطرف الأخر، فی حین أن الإخلال بالإلتزامات العقدیة وفقا للقواعد العامة یرتب المسؤولیة العقدیة وحکمها التعویض و إلتزام الطرف المخل بالتزاماته بتعویض الطرف الأخر.
ثالثا : وأخیراً یلتزم المتسابق بتقدیم الجائزة إذا کان الاتفاق قد تم على أن تقدم الجائزة من احد المتسابقین أو کلیهما على سبیل التساوی أو التفاوت بوجود محلل وهذا الأخیر لا یلتزم بشیء فی حالة خسارته.
الفرع الثانی
التزامات الحکم ومقدم الجائزة
تقتضی معظم المسابقات وجود حکم یدیر المسابقة ویشرف على مدى التزام المتسابقین بتعلیماتها من حیث وقت البدء ووقت الانتهاء وطریقة المسابقة ومدى صحة الإجابة عن الأسئلة إذا کانت المسابقة فکریة وغیر ذلک من الأمور التی تقع على عاتق الحکم والتی تلقی على عاتقه التزام عام بأدائها بدقة وحیادیة وعدم التحیز لأحد الطرفین على حساب الأخر.
کما یقع على عاتق الحکم التزام بحسن إدارة المسابقة وعدم السماح بالإخلال بها لیس من قبل المتسابقین فحسب وإنما من المتفرجین الموجودین إذا صدر منهم ما یؤثر على حسن سیر المسابقة وعلى أداء المتسابقین ، فإذا أراد احد المتسابقین التطویل والتشاغل بما لا حاجة إلیه أو أراد تضییع الوقت بما هو خارج عن إطار المسابقة فان على الحکم منعه من ذلک لما له من سلطة إدارة المسابقة وتوجیه المتسابق، لذا یشترط فیه أن یکون أمینا وعادلا بین الطرفین لا یمیل إلى احد الأطراف على حساب الأخر وینبغی أن یکون توجیه المتسابق بما یؤدی إلى المقصود من دون مبالغة أو زیادة أو تجریح لان کثرة الکلام یؤثر فی ترکیز المتسابقین ونفسیتهم.
کما یلتزم الحکم بمنع التشغیب والذی یمکن أن یکون من احد المتسابقین کان یمدح نفسه عند تحقیق النجاح والتقدم فی جولة من جولات المسابقة أو یذم صاحبه عند الخطأ أو یصدر منه کلام یغیظ المتسابق الأخر وقد اختلف الفقهاء المسلمون فی حکم تشغیب المتسابقین إلى قولین:-
القول الأول وهو قول الشافعیة والحنابلة والذی یقضی بمنع المتسابقین من ذلک کله لان الغرض منه التشویش على الطرف الأخر.
القول الثانی وهو للمالکیة ویقضی بجواز افتخار المتسابقین بالانتساب إلى أب أو قبیلة أو تسمیة للنفس کما أجازوا الصیاح عند السبق لما فیه من التشجیع وإراحة النفس من التعب بشرط إلا یکون فی ذلک فحش أو أذیة للمتسابق الأخر، والراجح والله اعلم قول المالکیة فی جواز افتخار المتسابق بحدود، لما ورد عن مجاهد انه قال رأیت ابن عمر یشتد بین الهدفین فإذا أصاب نصله قال: أنا بها أنا بها.
أما تشغیب المتفرجین أثناء المسابقة بتشجیع ومدح احد المتسابقین وذم الأخر وأذیته بالکلام فذهب الشافعیة والحنابلة فی روایة إلى منع ذلک لأنه یخل بالنشاط ویؤثر فی مجرى المسابقة وذهب الحنابلة فی روایة أخرى إلى کراهة ذلک لما فیه من کسر قلب احدهما وغیظه.
ویذهب رأی من الفقهاء المحدثین إلى جواز مدح المصیب وتشجیعه إذا ظهر منه تفوق لان فیه تحریض له على زیادة الجهد للفوز بالمسابقة قیاساً على جواز مدح المتسابق لنفسه ولان الأمر لا یخلو من وجود أنصار لکل متسابق فعند فوزه بجولة لا یملکون إلا أن یشجعونه ویحثونه على المواصلة للفوز بالمسابقة ولکن یجوز هذا التشجیع بشرط إلا یتعدى ذلک إلى أذیة الطرف الأخر بجمیع أنواع الإیذاء کالاستهزاء أو السخریة حتى لا تحصل الضغینة والتنازع بین المتفرجین والذی یؤدی غالبا إلى المخاصمة.
والواقع أن موضوع التزامات الحکم منظم من قبل المنظمات الریاضیة وتحکمه قواعد ریاضیة عادة وان ما یهمنا من التزاماته هذه هی مدى تأثیر إخلاله بها على عقد المسابقة من الناحیة القانونیة فمتى ما ثبت بموجب القواعد الریاضیة عدم حیادیة الحکم وتأثیره على نتیجة المسابقة فنرى انه یمکن للقاضی أن لا یحکم بالجائزة للطرف الذی فاز فوزا غیر محق.
أما التزامات مقدم الجائزة عندما یکون طرفا ثالثا من غیر المتسابقین، فانه یلتزم بتقدیم الجائزة التی تم الاتفاق علیها للطرف الذی فاز ولیس فی هذا الأمر من غموض فعلیه أن یسلم الجائزة عینها دون نقصان فی القیمة أو النوعیة للطرف الذی فاز أما أن قدم جائزة من نوع أفضل فلیس فی هذا ضیر للفائز .
کما یلتزم مقدم الجائزة بضمان استحقاقها للغیر کلا أو جزءا ، فإذا استحقت الجائزة للغیر فنرى انه یمکن للفائز الرجوع على مقدمها للمطالبة بالتعویض ، ومن باب أولى یلتزم مقدم الجائزة بعدم التعرض الشخصی للفائز بانتفاعه بالجائزة وتملکها تملکا هادئا.
ولعل التساؤل الذی یطرح نفسه هنا هو: ما اثر موت مقدم الجائزة على عقد المسابقة ؟ وللإجابة عن هذا التساؤل نقول أن مقدم الجائزة إذا کان احد المتسابقین فان موته بعد العقد وقبل إجراء المسابقة أو بعده وقبل نهایتها یؤدی إلى انتهاء العقد ولو کان المشترکون فی السباق أکثر من شخصین لأنه لو اشترک فی المسابقة لنهایتها لکان من المحتمل أن یفوز هو وتعود له الجائزة التی التزم بتقدیمها وربما لم یلتزم بها إلا لعلمه انه الأقدر على الفوز والغلبة ، أما أن کان موته بعد فوز غیره من المتسابقین فان التزامه بتقدیم الجائزة یبقى قائما وتؤخذ الجائزة من ترکته .
أما أن کان مقدم الجائزة أجنبی أی من غیر المتسابقین فان موته بعد العقد سواء قبل إجراء المسابقة أو بعدها أم بعد فوز احد المتسابقین ففی کل الأحوال لا یؤثر موته على عقد المسابقة الذی یبقى صحیحا وتؤخذ الجائزة من ترکته .
ومن جهة أخرى یثار التساؤل عن مدى حق مقدم الجائزة فی العدول عن التزامه بتقدیمها ؟ و الأمر لا یخلو فی هذه الحالة أیضا من أن یکون مقدم الجائزة احد المتسابقین أو أن یکون من الغیر ، فإذا کانت الجائزة مقدمة من احد المتسابقین فلا یمکن لهذا الأخیر العدول عن التزامه قبل إجراء السباق من دون مسؤولیة إلا إذا تعرض لسبب أجنبی یمنعه من الاشتراک فی السباق من مرض أو إصابة أو منع سفر للحضور إلى مکان إجراء المسابقة مثلا ومن باب أولى لا یکون له حق العدول عن التزامه بتقدیم الجائزة أثناء السباق أو بعد فوز غیره من المتسابقین .
أما إذا کان مقدم الجائزة من غیر المتسابقین فکما سبق وبینا أن عقد المسابقة عقد رضائی ینعقد بمجرد ارتباط الإیجاب بالقبول وانه عقد لازم لأطرافه ویترتب على هذا الأمر أن مقدم الجائزة متى التزم بتقدیمها فلیس له بعد ذلک العدول عن التزامه هذا سواء قبل إجراء السباق أم بعد نهایته ، وهنا قد یقول قائل ما المانع من إعطاء مقدم الجائزة حق العدول عنها إذا کان العدول عن الالتزام بتقدیمها قبل إجراء السباق فلیس فی عدوله ما یلحق ضررا بالمتسابقین ، هذا المانع الذی نجده یتمثل فی ضرورة استقرار المعاملات وعدم التلاعب بمشاعر الناس بإغلاق الباب أمام کل من تسول له نفسه أن یجعل من الأمر موضوعا للسخریة بالأخرین بتقدیم الوعود الخادعة خاصة وان التزامه کان عن إرادة حرة وواعیة .
یبقى أخیراً أن نقول أن الجائزة فی الفترة ما بین انعقاد العقد إلى حین فوز احد المتسابقین تبقى على ملکیة مقدمها الأمر الذی یجعل تصرفه بها خلال هذه الفترة صحیحا جائزا ، فإذا کانت الجائزة من المثلیات فلیس فی الأمر مشکلة لوجود أمثالها فی الأسواق ، أما أن کانت من القیمیات أی الأشیاء المحددة بالذات کأن تکون فرسا أصیلا معیناً بالاسم أو لوحة فنیة مشهورة لفنان معین فان تصرفه بها یکون صحیحا أیضا إلا انه یقیم مسؤولیته تجاه الفائز الذی یکون له الرجوع على من التزم بتقدیم الجائزة بالتعویض .
الفرع الثالث
الصور التشریعیة للمسابقات الصحیحة
أفردت التشریعات المقارنة نصوصاً ضمنتها أحکاماً خاصة فیما اعتبرته استثناءً من أحکام المقامرة والرهان واعتبرت بموجبه حالات خاصة من المقامرة والرهان جائزة ومشروعة، وعند الوقوف عند هذه الحالات نجد أن منها مالا یمکن اعتباره مقامرة ولا رهان أصلاً بل هو من باب المسابقة الصحیحة التی میزها الفقهاء المسلمون عن المقامرة والرهان کما سبق وبینا ومنها ما یعد بالفعل صورة من صور المقامرة والرهان إلا أن التشریعات المقارنة استثنتها من حکمها و أجازتها لأسباب سوف نقف عندها عند عرضنا لهذه الإستثناءات بالتفصیل من خلال تقسیم هذا الفرع إلى الفقرات الأتیة:
أولاً: رهان المتبارین شخصیاً فی الألعاب الریاضیة
نصت المادة 976 من القانون المدنی العراقی على انه ((1- یستثنى من أحکام المادة السابقة الرهان الذی یعقده فیما بینهم المتبارون شخصیاً فی الألعاب الریاضیة ولکن للمحکمة أن تخفض مقدار هذا الرهان إذا کان مبالغاً فیه )) فبموجب هذا النص استثنى المشرع من أحکام المقامرة والرهان الباطلة (( الرهان الذی یعقده فیما بینهم المتبارون شخصیاً فی الألعاب الریاضیة )) والألعاب الریاضیة هی التی تقوم على المهارة فی ریاضة الجسم، وقد أوردت الفقرة الأولى من المادة 1966 من القانون المدنی الفرنسی أمثلة على هذه الألعاب حیث نصت (( یستثنى من حکم المادة السابقة الألعاب الخاصة باستعمال السلاح وبالجری أو بمسابقات الخیل وبالمسابقة بالعربات وبلعب الکرة ویعتبر ذلک من الألعاب التی تقوم على المهارة وریاضة الجسم )) وبموجب هذا النص یدخل فی مفهوم الألعاب الریاضیة وتکون المسابقة فیها مقابل جائزة مشروعة جمیع العاب الجمباز والألعاب السویدیة والکرة والتنس وتنس الطاولة والجری والقفز وسباق الخیل والمبارزة بالشیش و البلیارد و التجدیف والرمایة وکل مسابقة یعتمد الفوز فیها على المهارة البدنیة، فی حین لا یدخل فی مفهوم الألعاب الریاضیة وتکون المسابقة بجائزة غیر مشروعة فی کل ما لا یعتمد على المهارة البدنیة ولو اعتمد على المهارة الفکریة سواء کان للحظ والصدفة نصیب فی تحقیق الفوز مثل العاب الورق والطاولة والدومینو أم لم یکن مثل المسابقات الفکریة والثقافیة.
وبالرجوع إلى موقف المشرع العراقی نجد انه اشترط لکی یکون العقد صحیحاً أن یکون قد تم بین المتبارین أنفسهم والنص صریح فی هذا المعنى إذ نصت المادة 976على انه (( الرهان الذی یعقده فیما بینهم المتبارون شخصیاً)) ویلاحظ إن کلمة الرهان التی استخدمها المشرع فی هذه الفقرة اعتمدها بمعناها الشرعی الذی یعنی المشارکة الفعلیة بالسباق من قبل المتراهنین فی حین اعتمد المعنى القانونی للرهان فی المادة 975 والذی لا یقوم فیه المتراهنون بأی دور ایجابی لتحقیق الواقعة التی یعلق علیها الرهان.
فی حین إعتبر الأستاذ السنهوری مصطلح الرهان بإعتباره حالة استثنائیة جائزة خطاً من قبل المشرع ذلک أن الرهان من وجهة نظره لا یستخدم إلا عندما لا یقوم المتراهن بأی دور فی تحقیق صدق قوله لذلک فإنه یعتبر هذا الإستثناء مقامرة مباحة بنص القانون. ومع إحترامنا لرأی الأستاذ الدکتور عبد الرحمن السنهوری إلا أننا لا نؤیده لأننا سبق وأن میزنا بین المسابقة والمقامرة ومضمون الإستثناء الذی أوردته التشریعات المقارنة ماهو فی حقیقته إلا صورة من صور عقد المسابقة الذی أجازته الشریعة الإسلامیة الغراء والذی یختلف عن المقامرة الباطلة کما سبق وبینا.
وعلى ذلک لا یکون العقد صحیحاً بل یکون رهاناً غیر مشروع إذا تراهن أشخاص من غیر المتسابقین أنفسهم على فوز المتسابقین أو المتبارین کما أطلق علیهم المشرع ففی سباق الخیل مثلاً إذا تم العقد بین المتسابقین أنفسهم کان صحیحاً أما إذا تراهن غیر المتسابقین على من یفوز من المتسابقین فان العقد یکون رهاناً باطلاً إلا إذا وجد نص یفید بخلاف ذلک.
ویلاحظ أن المشرع أجاز هذه المسابقات واعتبرها صحیحة استثناء من أحکام المقامرة والرهان الباطلة لتشجیع هذه الألعاب وإیجاد حافز من الکسب للإقبال علیها لأن الألعاب کما تقول المذکرة الإیضاحیة للمشروع التمهیدی للقانون المصری (( یکون من شأنها تقویة الجسم واستکمال أسباب الصحة )).
وإذا تم العقد بین المتسابقین صحیحاً فان من خسر المسابقة یلتزم بدفع الجائزة المتفق علیها لمن کسب، إلا أن المشرع ذکر فی العبارة الأخیرة من الفقرة الأولى من المادة 976 مدنی انه (( یمکن لمحکمة أن تخفض مقدار هذا الرهان إذا کان مبالغاً فیه )) فإذا اتفق المتسابقان على جائزة باهضة القیمة تزید فی قیمتها کثیراً عما تقتضیه أهمیة المسابقة بحد ذاتها أو جاوزت حدود ما تفرضه حالة المتسابقین أو ما تفرضه ثروة کل منهما اعتبر هذا مضاربة وکان الجزاء أن تخفض المحکمة قیمة الجائزة إلى الحد المناسب وتقضی بان یدفع الخاسر قیمة اقل من ذلک لمن فاز وهذه السلطة التقدیریة أعطتها التشریعات المقارنة لمحاکمها أیضاً.
أما المشرع الفرنسی فقد نص فی الفقرة الثانیة من المادة 1966 من القانون المدنی على انه (( ومع ذلک یجوز للمحکمة أن ترفض الطلب إذا تبینت أن المبلغ باهض )) فالمشرع الفرنسی اعتبر المسابقة کلها غیر مشروعة ومن باب المضاربة فی حالة ما إذا کان مبلغ الجائزة باهضاً وقضى ببطلان المسابقة أصلاً ومن ثم أعطى للقاضی الحق فی رفض طلب الفائز دون أن یقضی له حتى بمبلغ مخفض.
وهکذا فإن الإستثناء الذی أوردته التشریعات المقارنة ومنها المشرع العراقی رغم أهمیته کونه النص الوحید الذی ینظم أحکام عقد المسابقة إلا أن ما یؤخذ على النص انه اعتبر هذه الصورة من المسابقات حالة إستثنائیة حیث اعتبرها صحیحة إستثناءً عن الأصل وهو المقامرة والرهان الباطلین، والصحیح کما سبق ووضحنا أن المسابقة تختلف عن کل من المقامرة والرهان ولا یمکن بأی حال من الأحوال أن تکون صورة مشروعة عنهما بل أن العکس هو الصحیح فالمسابقة عندما تفقد احد ضوابطها هی التی تتحول إلى مقامرة باطلة.
کما یؤخذ على النص من جهة أخرى أن المشرع لم یضع ضوابط یمکن بموجبها معرفة متى تکون هذه الألعاب الریاضیة صحیحة ولم یحدد جهة تقدیم الجائزة، فماذا لو اشترک کلا المتسابقین فی قیمة الجائزة فهذه الحالة کما سبق وبینا کانت محل جدل الفقهاء المسلمین فمنهم من اعتبرها غیر مشروعة ومنهم من أجازها بدون شرط ومنهم من أجازها بشرط وجود المحلل وهو الرأی الذی أیدناه فی حین لم یبین المشرع العراقی موقفه منها ولم یذکر أیضاً حالة ما إذا کانت الجائزة مقدمة من أجنبی من غیر المتسابقین وهی حالة یعتبرها الفقهاء المسلمون صحیحة وجائزة أیضاً.
ومن جهة أخرى یلاحظ أن الفقهاء المسلمون اخرجوا من حکم المسابقات الجائزة المسابقات التی وإن کان الفوز فیها یعتمد على المهارة البدنیة إلا أن ضررها یغلب على نفعها ومن أمثلتها الیوم الملاکمة والمصارعة الحرة فی حین أن النص العراقی لیس فیه ما یقید هذا الإستثناء ویخرج منه المسابقات الذی یکون من شأنها الإضرار بالمتسابقین ویکون بالتالی ضررها أکثر من نفعها. وأخیراً ما یؤخذ على النص انه قاصر عن استیعاب المسابقات التی یعتمد الفوز فیها على المهارة الفکریة ولیس البدنیة مثل المسابقات الفکریة والبدنیة.
ثانیاً: العاب النصیب
النصیب لعبة یساهم فیها عدد کبیر من الناس کل یدفع مبلغاً صغیراً ابتغاء الکسب، ففی هذه اللعبة یوضع مبلغ أو عدة مبالغ تحت السحب فیکون لکل مساهم رقم معین ویسحب من بین هذه الأرقام عن طریق فحص الحظ الرقم أو الأرقام الفائزة، ولعبة الیانصیب على هذا الوجه تعتبر مقامرة ینطبق علیها تعریف المقامرة الذی أورده الفقهاء المسلمون وتنطبق علیها أرکانها کما أنها تعتبر رهان بمفهومه القانونی لأن کل مساهم فیها یراهن على أن رقمه هو الفائز فان صدق قوله فاز بالنصیب وان لم یصدق خسر المبلغ الذی دفعه دون أن یکون له دور ایجابی فی تحقیق الفوز، وفحص الحظ هو الذی یتحکم فی تعیین من هو الفائز، لذلک فالأصل أن جمیع العاب النصیب لابد أن تکون غیر جائزة وغیر مشروعة ویکون حکمها حکم المقامرة والرهان الباطلین وبالتالی یجوز لکل مساهم فیها أن یسترد ما دفعه ویسترد من الفائز ما کسب إلا أن التشریعات المقارنة على العکس من ذلک اعتبرتها جائزة فقد نصت الفقرة الثانیة من المادة 976 من القانون المدنی العراقی على انه (( 2-یستثنى أیضاً ما رخص فیه من أوراق النصیب )).
وهذا هو الحال فی التشریعات المقارنة أیضاً حیث تستثنى العاب النصیب من حکم البطلان الوارد على المقامرة والرهان. وفی ذلک تذکر المذکرة الإیضاحیة للمشروع التمهیدی للقانون المدنی المصری (( توخیاً لتحقیق بعض الأغراض الخیریة التی تقوم على اقتطاع جزء من الکسب الذی تدره هذه الألعاب )).
هذا وإن أوراق النصیب أکثر ما تکون لحاملها فمن یتقدم بالورقة ذات الرقم الفائز یکون له الحق فی الجائزة المکسوبة ولیس على حامل الورقة أن یثبت ملکیته إیاها فإذا فقدت الورقة جاز لصاحبها أن یثبت ملکیته لها بالرغم من فقدها وفقاً للقواعد العامة فی الإثبات مع ملاحظة أن العبرة فی الورقة الفائزة بقیمة الجائزة المکسوبة لا بثمن الورقة فإذا کانت الجائزة تزید فی قیمتها عن الحد القانونی الذی یتطلب الإثبات بالکتابة لم یجز الإثبات إلا بالکتابة أو بما یقوم مقامها حتى لو کان ثمن الورقة اقل من الحد القانونی، والفائز هو من یملک الورقة وقت السحب لا من یملکها وقت دفع الجائزة فلو کان من یملک الورقة الفائزة وقت السحب لا یعلم بفوزه وباع الورقة بعد السحب إلى غیره جاز له أن یطعن فی البیع بالغلط وکان هو الذی یستحق الجائزة لا المشتری.
والقانون الذی ینظم العاب النصیب فی العراق هو قانون الیانصیبات والإکتتابات رقم 116 لسنة 1969 المعدل حیث عرف الیانصیب فی الفقرة (1) من المادة الأولى منه بأنه (( العملیة التی یسمح للجمهور بالإشتراک فیها لغرض الحصول على نقود أو أی مال أخر بالإقتراع أو الحظ وتشمل کذلک المراهنات التی تجری بالطریقة المعروفة باسم (( توتا لیزیتر )) أی طریقة جمع مبالغ المراهنات وتوزیعها على الرابحین )) فی حین عرف الإکتتاب فی الفقرة (2) من المادة نفسها بأنه (( جمع النقود والأموال من الجمهور طوعاً و اختیاراً لتحقیق منفعة من المنافع العامة أو لمقصد خیری أو دینی أو ثقافی أو ریاضی بطریق التبرع المباشر أو بإقامة حفلات أو العاب أو مباریات أو أسواق خیریة أو توزیع شارات )).
کما منع هذا القانون إقامة یانصیب بدون إستحصال أذن من السلطة المختصة حیث نصت الفقرة (1) من المادة الثانیة على انه ((لا یجوز إقامة یانصیب أو مباشرته قبل إستحصال إذن بذلک من السلطة المختصة بناءً على توصیة لجنة الیانصیبات )) ومن هذا یتضح أن المشرع العراقی أجاز الیانصیب بصورة عامة دون أن یحصره بالأغراض الخیریة یؤید ذلک ما نصت علیه الفقرة الثالثة من المادة الثانیة عشرة من القانون والتی جاء فیها (( 3-لوزیر المالیة أن یعفی جوائز الیانصیب الذی یقام لأغراض خیریة أو وطنیة أو قومیة من حصة الخزینة البالغة (( 10% )) عشرة من المائة من مبلغ الجائزة کلاً أو جزءً )) وهذا یعنی بمفهوم المخالفة أن جوائز الیانصیب یمکن أن تکون لأغراض أخرى غیر خیریة ولا یکون للوزیر صلاحیة إعفائه من هذه النسبة المخصصة لحساب خزینة الدولة.
والحال ذاته فی التشریعین السوری واللبنانی حیث رخص المشرعان السوری واللبنانی بالیانصیب أیاً کان نوعه خیریا کان أم غیر ذلک
فی حین یلاحظ أن المشرع المصری فی قانون الیانصیب رقم 10 لسنة 1905 رخص بالیانصیب فقط إذا کان لأغراض خیریة وبترخیص إداری من الحکومة.
وأیاً کان الأمر سواء کان الیانصیب لأغراض خیریة کما فی التشریع المصری أو لأغراض أخرى فضلاً عن الغرض الخیری کما فی التشریع العراقی والسوری واللبنانی ففی کلتا الحالتین یعتمد الفوز فیه على مجرد الحظ والصدفة لا على المهارة البدنیة أو الفکریة للمتسابقین وبالتالی لا یمکن إعتباره مسابقة مشروعة ونعتقد أنه لا توجد حکمة تقتضی استثناءه من حکم المقامرة والرهان الباطلین فحتى لو کان الغرض منه خیریاً فان الغایة لا تبرر الوسیلة کما أنها تناقض ما نص علیه الدستور العراقی الذی اعتبر الشریعة الإسلامیة مصدر من مصادر التشریع، علیه ندعو المشرع العراقی إلى إلغاء قانون الیانصیبات والإکتتابات رقم 116 لسنة 1969 وتعدیلاته کافة وإلغاء الفقرة الثانیة من المادة 976 من القانون المدنی العراقی .
ثالثاً : المراهنة على سباق الخیل
یعتبر سباق الخیل من الألعاب الریاضیة التی تقوم على المهارة البدنیة ومن ثم تصح المسابقات فیها إذا کان التعاقد بین المتسابقین أو المتبارین أنفسهم. أما إذا کان التعاقد من غیر المتبارین فهنا نکون أمام رهان حکمه البطلان وبموجبه یجوز لمن دفع الرهان أن یسترد ما دفع و یجوز کذلک استرداد الجائزة من الفائز. ومع ذلک فان المشرع العراقی فی قانون الیانصیبات والإکتتابات رقم 116 لسنة 1969 المعدل قضى فی المادة الرابعة عشرة منه بتأسیس نادٍ باسم نادی الفروسیة العراقی وجعل من مهامه الأشراف على المراهنات .کما قضى فی الفقرة (2) من المادة الخامسة عشرة منه على أن تقسم مبالغ مراهنات سباق الخیل کما یلی: (( 6% إلى وزارة المالیة 4% إلى أمانة بغداد 10% إلى نادی الفروسیة وتصرف على الجوائز للخیول الفائزة ولسد نفقات النادی وما تبقى یصرف على المشاریع الخیریة و80% للمتراهنین )). وهنا یثار التساؤل عن أی الحکمین هو الواجب التطبیق هل هو حکم القانون المدنی الذی یعتبر المراهنات من غیر المتسابقین باطلة ولا یجیز المطالبة بالجائزة ویعطی لمن دفع الحق فی استرداد ما دفعه أما الحکم الذی أورده قانون الیانصیبات والإکتتاب باعتباره قانون خاص والذی یعتبر المراهنة على سباق الخیل مشروعة ولا یجوز للمتراهنین أن یستردوا ما دفعوه من رهان ولمن فاز فی المراهنة حق المطالبة بما فاز من مبالغ رهان، بالتأکید أن القاعدة القانونیة تقضی بان الخاص یقید العام وحیث أن قانون الیانصیبات والإکتتابات نص خاص فإنه بالتالی یقید نص القانون المدنی العام ویکون هو الواجب التطبیق إلا أن هذا القانون الخاص مخالف لأحکام الشریعة الإسلامیة الغراء وبالتالی یکون متناقضا مع أحکام الدستور العراقی الذی یعتبر الشریعة الإسلامیة احد مصادر التشریع فالأولى تطبیق حکم المادة 975 من القانون المدنی واعتبار هذه المراهنات باطلة، ویلاحظ أن الأستاذ السنهوری وهو بصدد بحث هذه المسألة فی التشریع المصری الذی یثار فیه التساؤل نفسه بالنظر للتعارض الحاصل بین موقف القانون المدنی الذی یعتبر المراهنات من غیر المتسابقین باطلة وبین موقف قانون الیانصیب المصری الذی أجاز المراهنات على سباق الخیل والرمایة ذهب إلى القول (( ونرى أن المراهنات على سباق الخیل حتى لو کان هناک ترخیص إداری تبقى غیر مشروعة من الناحیة المدنیة مما یترتب علیه أن المراهن من غیر المتبارین فی سباق الخیل لا یجبر على دفع الخسارة وان دفعها یستردها وان الفائز فی المراهنة من غیر المتبارین لا یستطیع المطالبة بما کسب وهذا یجعل وضع السباق المرخص فیه وضعاً غیر مستقر))
المطلب الثانی
أحکام بطلان عقد المسابقة
أن المسابقة تحتاج إلى جملة ضوابط لکی تکون صحیحة جائزة فیجب أن لا یکون فیها ضرر على احد المتسابقین أولا وان لا یکون الفوز فیها معتمدا على مجرد الحظ والصدفة ثانیا وان تکون جهة تقدیم الجائزة مشروعة ثالثا ، وعلى القاضی أن یتأکد من استیفاء عقد المسابقة لهذه الضوابط فإذا ثبت له عدم مشروعیة العمل محل المسابقة بأن کان من الأعمال الخطرة التی من شأنها إلحاق الضرر بأحد المتسابقین أو کلیهما فعلیه أن یقضی ببطلان العقد ، کما أن علیه أن یقضی بالبطلان إذا ما ثبت له أن الفوز فی المسابقة لا یعتمد على المهارة البدنیة أو الفکریة للمتسابقین وإنما على مجرد الحظ والصدفة ، أو إذا ثبت له عدم مشروعیة جهة تقدیم الجائزة بان کان الاتفاق قد انعقد على أن تقدم الجائزة من الخاسر من الطرفین أو کان المتسابقین قد اشترکا فی قیمتها سواء بالتساوی أو بالتفاوت ولم یدخلا بینهما محلا لان العقد فی کلتا الحالتین لم یکن سوى مقامرة حکمها البطلان أیضاً . لهذا فان هذا التقارب الکبیر بین أحکام المسابقة وأحکام المقامرة یدفعنا إلى الوقوف عند أحکام هذه الأخیرة التی تنطبق فی أحوال بطلان عقد المسابقة عموما. وعلى هذا الأساس فان جملة من النتائج تترتب على بطلان عقد المسابقة سوف نقف عند تفصیلاتها من خلال تقسیم هذا المطلب إلى الفروع الأتیة :-
الفرع الأول
البطلان
اتفقت التشریعات المقارنة على بطلان عقد المقامرة لمخالفته للنظام العام والأداب فهو مخالف للنظام العام لان الثروات التی یتداولها المقامرون – وکثیرا ما ینجم عن تداولها خراب البیوت العامرة والعصف بأسر أمنة تلقى فی الحضیض من وهدة الفقر – لیست بالثروات التی یقوم تداولها على العمل والإنتاج فالمقامر لا یعمل ولا ینتج بل یختطف مالا لم یبذل جهدا مشروعا فی کسبه ولو أن مجتمعا انصرف الناس فیه إلى المقامرة دون غیرها من الأعمال لما زادت ثروة هذا المجتمع شیئا ولاقتصر الأمر على أن تنتقل الثروة دون أن تزید من ید إلى ید لا لفضل العمل فیمن کسب بل لمجرد الحظ والمصادفة، والمقامر ینصرف عن العمل المنتج وتتأصل فی نفسه کالمرابی غریزة الجشع وإذا کان المرابی یعتمد على استغلال حاجة الناس فان المقامر یعتمد على حسن طالعه ومواتاة الحظ له، ثم أن المقامرة مخالفة للأداب لان المقامر یقوى فی نفسه الإثراء لا عن طریق العمل والکد بل عن طریق المصادفة.
ویترتب على بطلان عقد المقامرة جزاؤه المدنی وهو إلا ینتج العقد أثراً وهذا من ناحیتین الأولى أن من خسر فی مقامرة لا یلتزم بشیء فلا یجبر على الوفاء لمن فاز وإذا رفع هذا الأخیر علیه دعوى یطالبه فیها بالوفاء کان له أن یدفع هذه الدعوى ببطلان العقد وهذا ما یسمى بدفع المقامرة والناحیة الثانیة هی أن من خسر لو انه دفع خسارته طوعا عن بینة واختیار کان له مع ذلک أن یسترد ما دفع إذ أن العقد باطل لا یلزمه بشیء فیکون قد دفع ما هو غیر مستحق فی ذمته فیسترده بدعوى استرداد ما دفع بغیر حق کما أن المشرع لم یقتصر على الجزاء المدنی بل جاوزه إلى العقوبة الجنائیة حیث خصص المشرع فصل خاص بلعب القمار هو الفصل السابع من الباب الثامن من قانون العقوبات العراقی رقم 111 لسنة 1969 المعدل فنصت المادة 389 منه على انه ((1- یعاقب بالحبس مدة لا تزید على سنة وبغرامة لا تزید على 100 دینار أو بإحدى هاتین العقوبتین کل من فتح أو أدار محلا لألعاب القمار واعده لدخول الناس وکذلک کل من نظم ألعابا من هذا القبیل فی محل عام أو محل مفتوح للجمهور أو فی محل أو منزل اعد لهذا الغرض
2- ویعاقب بالعقوبة ذاتها صیارفة المحل
3- ویعاقب بالحبس مدة لا تزید على شهر أو بغرامة لا تزید على 50 دینار من وجد یلعب القمار فی المحلات المذکورة فی الفقرة (1)
4- تضبط النقود والأدوات التی استعملت فی اللعب ویحکم بمصادرتها
5- وللمحکمة أن تحکم أیضاً بإغلاق المحل لمدة لا تزید على سنة)).
ویلاحظ أن المقامر کثیرا ما قد یقترض حتى یتمکن من المقامرة ولما کانت المقامرة مخالفة للنظام العام والأداب فان القرض فی هذه الحالة یکون سببه غیر مشروع ومن ثم یکون باطلا هو أیضاً ولا یکون المقرض ملتزما بإعطاء المقامر مبلغ القرض وإذا کان قد أعطاه إیاه جاز له أن یسترده منه فی الحال دون مراعاة لأجل القرض ویسترده لا بموجب عقد القرض لان هذا العقد باطل ولکن بموجب قاعدة استرداد ما دفع دون حق، ولکن یجب لبطلان القرض أن یکون المقرض عالما على الأقل بسبب القرض وهو تمکین المقترض من المقامرة فإذا لم یکن عالما بذلک کان القرض صحیحا إذ أن السبب غیر المشروع لا یبطل العقد إلا إذا کان معلوما أو ینبغی أن یکون معلوما من کلا المتعاقدین، أما إذا کان المقرض عالما بسبب القرض وان المقترض إنما اقترض لیتمکن من المقامرة فان القرض یکون باطلا لعدم مشروعیة السبب.
ولیس من الضروری لبطلان القرض اشتراط أن یکون المقرض قد قصد أن یمکن المقترض من المقامرة ومن باب أولى لا یشترط لبطلان القرض أن یکون المقرض هو الذی یقامر مع المقترض وقد اتفقا على القرض حتى یمکن المقرض المقترض من المضی فی المقامرة معه، ولکن إذا کان القرض تالیا للمقامرة وقصد المقترض من الاقتراض أن یسدد خسارته فیذهب الأستاذ السنهوری إلى أن عقد القرض فی هذه الحالة یکون صحیحا مبررا ذلک بالقول انه (( یجوز للمقامر إذا دفع الخسارة أن یسترد ما دفع ولکن لیس هذا معناه فیما نرى أن دفع الخسارة أمر غیر مشروع بل معناه أن هذا الدفع یکون غیر قائم على حق ملزم ومن ثم جاز الاسترداد لهذا نرى انه إذا جاز القول أن الاقتراض للمقامرة باطل لان سبب الاقتراض هو المقامرة وهی أمر غیر مشروع فان القول بان الاقتراض لسداد الخسارة فی المقامرة باطل لا یستند إلى أساس فلیس سداد هذه الخسارة أمراً غیر مشروع کما سبق القول والمقترض إذا سدد بمبلغ القرض خسارته ثم أراد استرداد ما دفعه کان له ذلک وهذا فی العلاقة فیما بین المقترض ومن کسب المقامرة .ولا شان لذلک فی العلاقة فیما بین المقترض والمقرض فهذه العلاقة یحکمها عقد القرض وهذا العقد لم یشبه بطلان فینعقد صحیحا ))، ورأی الأستاذ السنهوری حول هذه المسالة جدیر بالتأیید بالتأکید ففضلا عن استناده على أساس قانونی سلیم فان القول بخلافه سوف یجعل المتسابق المقامر فی موقف لا یحسد علیه فبدلا من أن یکون أمامه شخص واحد هو المقامر الذی کسب والذی یطالبه بقیمة خسارته فی المقامرة سوف ینظم إلیه شخص أخر هو المقرض الذی یطالبه بمبلغ القرض دون انتظار حلول الأجل لأنه سوف یسقط عند القول ببطلان القرض .
وهکذا فان الأحکام السابقة ستکون محلا للتطبیق فی الأحوال التی تفقد المسابقة فیها بعض ضوابطها لتکون فی حقیقتها مقامرة باطلة وتکون محلا للتطبیق أیضاً فی کل حالة یکون فیها عقد المسابقة باطلا لعدم صحة أرکانه بان کان الرضا صادرا من غیر أهله مثلا أو کان العمل محل المسابقة غیر مشروع لخطورته ولما قد یسببه من ضرر بأحد المتسابقین أو کلاهما وخطورة العمل محل المسابقة تستوجب البطلان حتى لو کان العمل قد تم بالفعل سواء الحق ضرر بالمتسابقین أم لم یلحق لما فی ذلک من ردع للغیر على عدم تعریض أنفسهم إلى التهلکة.
الفرع الثانی
عدم الإجبار على الدفع
لما کان عقد المقامرة باطلا فان من خسر لا یلتزم بالخسارة ولا یجبر على دفعها إذ أن العقد الباطل لا یولد التزاما ولا یترتب علیه اثر ویستطیع من خسر أن یرفع دعوى ببطلان العقد، ولکن الغالب هو أن یتربص حتى یرفع علیه من کسب المقامرة دعوى یطالبه فیها بالوفاء وعند ذلک یدفع هذه الدعوى بما یسمى بدفع المقامرة ویتمسک فی هذا الدفع بان الدین دین مقامرة ومن ثم لا یلتزم بدفعه لبطلان العقد.
ولما کان دفع المقامرة یعتبر من النظام العام فانه یمکن التمسک به فی أیة حالة کانت علیها الدعوى ویمکن التمسک به لأول مرة أمام محکمة الاستئناف وأمام محکمة التمییز ویجوز أن تقضی به المحکمة من تلقاء نفسها متى ثبت لها أن العقد فی حقیقته ما هو إلا مقامرة.
ویجوز أن یتمسک بالبطلان وبدفع المقامرة کل من له مصلحة فی ذلک فیجوز هذا للطرف الذی خسر ولخلفه العام من وارث وموصى له بجزء شائع من الترکة ولخلفه الخاص إذا کانت الخسارة واردة على عین انتقلت ملکیتها إلى هذا الخلف الخاص. ویجوز ذلک أیضاً لدائن الخاسر لا بموجب الدعوى غیر المباشرة فقط بل بطریق مباشر أیضاً حتى یقرر بطلان العقد فلا یزاحمه من کسب فی التنفیذ على أموال المدین.
ولما کان بطلان المقامرة من النظام العام فلا یجوز النزول عنه ولا الاتفاق على ما یخالفه کذلک لا یلحق العقد الإجازة ویترتب على ذلک أن من خسر لا یجبر على دفع الخسارة حتى لو أجاز العقد لان الإجازة لا تلحق العقد الباطل . لهذا فان إقرار من خسر بان فی ذمته دینا ناشئا عن هذا العقد أو تعهده بدفع هذا الدین ولو کتابة لا یترتب علیه أی اثر فلا یؤخذ بإقراره ولا یلتزم بالوفاء بتعهده حتى لو صدر الإقرار أو التعهد بعد انقضاء مدة طویلة على المقامرة.
ویکون باطلا أیضاً تحریر الخاسر فی اللعب کمبیالة أو شیکا بالمبلغ الذی خسره لصالح من کسب فإذا حرر کمبیالة أو شیک جاز له أن یدفع الرجوع علیه بهذه الأوراق بدفع المقامرة فلا یجبر على الوفاء بل جاز له أیضاًَ أن یسترد هذه الأوراق بدعوى البطلان ولکن إذا ظهرت هذه الأوراق لشخص حسن النیة لم تجز مواجهته بدفع المقامرة طبقا للقواعد المقررة فی تظهیر الأوراق التجاریة. فإذا اجبر من خسر على الدفع لحامل الورقة حسن النیة کان له أن یرجع بما دفعه على من کسب بل أن له أن یدخل هذا الأخیر ضامنا فی الدعوى المرفوعة علیه من حامل الورقة حسن النیة.
وإذا حرر صکا لصالح من کسب کان هذا الشیک باطلا سواء اعتبرنا الکاسب لم یستوف ما کسب إلا بقبض الشیک أو استوفاه بمجرد تحریر الشیک لصالحه وقبل القبض، ففی الحالة الأولى لا یجوز للکاسب ولما یستوف ما کسب أن یجبر الخاسر على الوفاء ویجوز دفع مطالبته بدفع المقامرة وفی الحالة الثانیة إذا اعتبر الکاسب قد استوفى ما کسبه لم یجز له أن یستبقی ما استوفاه وللخاسر أن یسترده مع ملاحظة أن الأمر یختلف فی فرنسا إذ أن القانون الفرنسی لا یجیز للخاسر أن یسترد ما وفاه ومن ثم لا تجوز مواجهة الخاسر بدفع المقامرة فقد استوفى ما کسبه بمجرد تحریر الشیک لصالحه فلا یرد ما استوفاه.
ومن جهة أخرى لا یجوز إدماج دین المقامرة فی حساب جار والإدماج فی حساب جار یتم بإحدى طریقتین أما بان یدرج الکاسب ما کسب فی الحساب الجاری دینا على الخاسر وأما أن یدرج الخاسر ما خسر فی الحساب الجاری حقا للکاسب وکلتا الطریقتین لا تجوز، ففی الطریقة الأولى إذا أدرج الکاسب ما کسب فی الحساب الجاری دینا على الخاسر یکون بذلک قد اجبره على الوفاء بدین المقامرة وهذا لا یجوز، وفی الطریقة الثانیة إذا أدرج الخاسر ما خسر فی الحساب الجاری حقا للکاسب یمکن القول أیضاً بان مجرد إدماج الخسارة فی الحساب الجاری لا یعتبر وفاء لها فیجوز للخاسر أن یرجع فیما فعل وإذا رجع لم یجبر على الوفاء وفی هذا الصدد یذهب الأستاذ السنهوری إلى القول بأنه (( ومتى لو سلمنا جدلا أن إدراج الخسارة فی الحساب الجاری یعتبر وفاء فان الخاسر یستطیع أن یسترد ما وفاه ومن ثم یجوز له أن یعدل عما أدرج من الخسارة فی الحساب الجاری )).
کما ویلاحظ انه إذا حول الکاسب دین المقامرة للغیر حوالة حق کانت الحوالة باطلة وأمکن للمحال علیه أی الخاسر أن یدفع مطالبة المحال له بدفع المقامرة حتى لو کان قد قبل الحوالة ذلک أن قبوله للحوالة لا یعتبر إجازة للبطلان إذ البطلان لا تلحقه الإجازة . وقد أجاز المشرع للمحال علیه أن یتمسک قبل المحال له بالدفوع التی کان له أن یتمسک بها قبل المحیل وقد کان له أن یتمسک قبل المحیل بدفع المقامرة فیستطیع أذن أن یتمسک بهذا الدفع قبل المحال له حتى لو کان هذا الأخیر حسن النیة لا یعلم أن الحق الذی حول له مصدره المقامرة.
أما إذا حول الخاسر دین المقامرة على الغیر حوالة دین فللمحال علیه أیضاً أن یتمسک قبل الکاسب بالدفوع التی کان للخاسر أن یتمسک بها وقد کان للخاسر أن یتمسک بدفع المقامرة فیجوز کذلک للمحال علیه أن یتمسک بهذا الدفع.
ولما کان عقد المقامرة باطل فان تجدیده یکون غیر ممکن یستوی فی ذلک أن یکون التجدید بتغییر المحل أو بتغییر المصدر أو بتغییر الدائن أو بتغییر المدین:
فإذا کان التجدید بتغییر المحل کما إذا خسر المقامر مبلغا کبیرا من النقود فجدد الدین بان التزم بنقل ملکیة منزل أو شیء أخر غیر النقود فان التجدید یکون باطل لأنه بنی على عقد باطل ومن ثم لا یجبر الخاسر على نقل ملکیة المنزل أو الشیء الأخر بل له أن یدفع مطالبته بذلک بدفع المقامرة.
وإذا کان التجدید بتغییر المصدر کما إذا حرر الخاسر للکاسب سندا وذکر فیه انه قرض وقصد بذلک أن یجدد دین المقامرة فیجعل مصدره قرضا فانه یستطیع أن یدفع مطالبته بمبلغ القرض بدفع المقامرة إذ التجدید وقد بنی على عقد باطل یکون باطلا مثله.
وإذا کان التجدید بتغییر الدائن کما إذا اتفق الکاسب والخاسر وشخص ثالث على تجدید دین المقامرة بان یکون الشخص الثالث هو الدائن مکان الکاسب فالتجدید أیضاً باطل وللخاسر أن یدفع رجوع الدائن الجدید علیه بدفع المقامرة.
وإذا کان التجدید بتغییر المدین کما إذا اتفق الکاسب مع شخص أخر على أن یکون هو المدین مکان الخاسر فان التجدید یکون باطلا أیضاً وللمدین الجدید أن یدفع رجوع الکاسب علیه بدفع المقامرة.
ومن جهة أخرى لا ینقضی دین للخاسر فی ذمته للکاسب بدین المقامرة مقاصة فان دین المقامرة باطل ولا تقع المقاصة بین دین باطل ودین صحیح.
وکذلک لو کان الخاسر وارثا للکاسب ومات الکاسب فان دین المقامرة لا ینقضی باتحاد الذمة لان الذمة لا تتحد فی دین باطل.
کما ولا تجوز کفالة دین المقامرة إذ أن کفالة الدین الباطل تکون باطلة وإذا وفى الکفیل الدین جاز له أن یسترده ممن وفاه إیاه ، کذلک تقدیم رهن سواء کان رهنا حیازیاً أو تامینیاً لضمان دین المقامرة یکون باطلا وللراهن أن یسترد ما رهنه رهن حیازة وان یطلب تقریر بطلان الرهن التأمینی وشطب الرهن من السجلات ، کما أن الصلح الواقع على دین مقامرة یکون باطل فإذا تصالح الخاسر مع الکاسب على أن یدفع له مبلغا من المال هو القیمة التی تصالحا على أن تکون هی مقدار الخسارة کان الصلح باطلا ولا یجوز للکاسب مطالبة الخاسر بمبلغ الصلح ولو دفع الخاسر هذا المبلغ للکاسب جاز له أن یسترده.
وهکذا فإن الأحکام السابقة ستکون محلاً للتطبیق أیضاً عندما یثبت للقاضی بطلان عقد المسابقة فی ذاته أو لأنه فی حقیقته لم یکن سوى مقامرة باطلة أصلاً فلا یجبر من إلتزم بتقدیم الجائزة على أن یسلمها للفائز.
الفرع الثالث
استرداد ما دفع
یجوز للخاسر فی المقامرة طبقا لأحکام القانون المدنی العراقی وبعض التشریعات المقارنة أن یسترد ما دفعه حیث نصت المادة 975 من القانون المدنی العراقی على انه (( 1- یقع باطلا کل اتفاق خاص بمقامرة أو رهان 2- ولمن خسر فی مقامرة أو رهان أن یسترد ما دفعه خلال سنة من الوقت الذی أدى فیه ما خسره ولو کان هناک اتفاق یقضی بغیر ذلک وله أن یثبت ما أداه بجمیع طرق الإثبات القانونیة )) ولیس فی هذا إلا تطبیق سلیم لأحکام البطلان ولقاعدة استرداد ما دفع دون حق فعقد المقامرة باطل لمخالفته للنظام العام و الأداب ویترتب على بطلانه انه لا ینتج أی اثر فإذا دفع الخاسر ما خسره یکون قد دفع ما هو غیر مستحق فی ذمته فیکون له الحق فی استرداد ما دفع دون حق أما القول بأنه لا یجوز الاسترداد على أساس انه لا یجوز لمن وفى بالتزام مخالف للأداب أن یسترد ما دفعه إلا إذا کان هو فی التزامه لم یخالف الأداب ، فان دین المقامرة مستثنى من هذا الحکم الذی لا یتماشى مع منطق البطلان ذلک أن منطق البطلان یقضی فی العقد الباطل أیاً کان سبب البطلان بإعادة کل شیء إلى أصله فإذا کان احد المتعاقدین قد سلم شیئا للأخر تنفیذا للعقد الباطل جاز له استرداده وبذلک فان الحکم الذی یقضی بجواز استرداد الخاسر ما دفعه وفاء لدین مقامرة یکون متماشیا مع القواعد العامة فی نظریة البطلان.
والحکم بجواز الاسترداد یتماشى أیضاً مع قاعدة استرداد ما دفع دون حق وإذا کان الخاسر قد دفع ما خسره وهو عالم ببطلان عقد المقامرة فان علمه بالبطلان لا یمنعه من استرداد ما دفع طبقا للأحکام المقررة فی قاعدة دفع غیر المستحق .
هذا ویلاحظ انه عند رفع دعوى بطلان عقد المقامرة وکذلک عند التمسک بدفع المقامرة فانه یجوز إثبات الدعوى أو الدفع وان الدین دین مقامرة بجمیع طرق الإثبات ومنها البینة والقرائن ولو زادت قیمة الخسارة عن النصاب القانونی للإثبات بالکتابة لان العقد غیر مشروع لمخالفته للنظام العام والأداب فإذا دفع الخاسر ما خسره وأراد استرداد ما دفع فانه یجوز له أن یثبت الدفع بجمیع طرق الإثبات ومنها البینة والقرائن حتى لو کان الذی دفعه یزید عن النصاب القانونی وذلک لنفس اعتبارات النظام العام وهذا ما نص علیه المشرع العراقی صراحة فی المادة 975 والتی جاء فیها (( وله أن یثبت ما أداه بجمیع الطرق)).
وکما أن بطلان عقد المقامرة من النظام العام کذلک جواز استرداد الخاسر ما دفعه من خسارة فهو مقرر للنظام العام ویترتب على ذلک انه لا یجوز الاتفاق على ما یخالف قاعدة جواز الاسترداد ویبقى للخاسر حق استرداد ما دفع حتى لو کان هناک اتفاق بینه وبین من کسب على انه لا یجوز له أن یسترد ما دفع ویعتبر هذا الاتفاق باطلا لمخالفته للنظام العام والنص صریح فی هذا المعنى.
وهکذا تتأکد فکرة الاسترداد إذ أحاطها القانون بضمانات ثلاثة تسد الطریق على التحایل فهو قد أجاز الاسترداد صراحة وحرم الاتفاق على عدم جوازه وأباح إثبات الدفع بجمیع الطرق.
هذا وتتقادم دعوى الاسترداد بانقضاء سنة من الوقت الذی أدى فیه الخاسر ما خسره وتقرر المادة 975 مدنی عراقی هذا الحکم بالنص على انه ((ولمن خسر فی مقامرة أو رهان أن یسترد ما دفعه خلال سنة من الوقت الذی أدى فیه ما خسره ... ))، ویلاحظ أن مدة التقادم هذه لا تتفق مع مدة التقادم المقررة بموجب الأحکام العامة فی دفع غیر المستحق إذ أن مدة الاسترداد طبقا لهذه الأحکام العامة هی ثلاث سنوات من الیوم الذی علم فیه الشخص بحقه فی الرجوع ولا تسمع الدعوى کذلک بعد انقضاء خمس عشرة سنة من الیوم الذی نشأ فیه حق الرجوع.
ومما تجدر الإشارة إلیه أن من التشریعات المقارنة من لم یأخذ بهذه القاعدة ولم یجز لمن دفع استرداد ما دفع وهذا هو موقف کل من القانون المدنی الفرنسی والقانون اللبنانی حیث تقضی المادة 1967 من القانون المدنی الفرنسی بان من خسر لا یجوز له فی أیة حال أن یسترد ما دفعه مختارا ما لم یکن هناک فی جانب من کسب غش أو خداع أو احتیال. کما نصت المادة ((1026)) من القانون اللبنانی على انه ((لا یحق للخاسر أن یسترد ما دفعه إختیاراً فی لعب أو مراهنة خالیین من کل غش))
وهذا یعنی أن الحکم فی القانونین الفرنسی واللبنانی یقضی بعدم جواز استرداد ما دفع إذا توافر شرطان الأول إذا کان من کسب لم یلجأ إلى الغش أو الخداع أو الاحتیال حتى یتمکن من الکسب فإذا کان قد لجأ إلى شیء من ذلک لم یجز له أن یتقاضى کسبا غیر شریف حتى من وجهة نظر المتقامرین فإذا تقاضى هذا الکسب غیر الشریف ولو بمطلق اختیار من خسر وجب علیه رده، والثانی إذا کان من خسر قد دفع مختاراً ما خسره أی دفع وهو على بینة من أمره من انه غیر مجبر على الدفع فإذا وقع فی غلط سواء کان الغلط فی الواقع کما إذا دفع ورثة الخاسر مبلغ سند صادر من مورثهم دون أن یتبینوا أن الدین الثابت بهذا السند هو دین مقامرة أو کان الغلط فی القانون کما إذا دفع الخاسر نفسه ما خسره وهو یعتقد انه مجبر قانوناً على الدفع فانه یستطیع استرداد ما دفعه لأنه لم یدفع مختاراً وعن بینة من الأمر بل دفع لأنه کان یعتقد انه مجبر قانونا على الدفع . کذلک إذا کان الدفع قد جاء عن طریق الإکراه فانه لا یکون دفعا معتبرا إذ لا یمکن القول بان الخاسر قد دفع مختاراً ، ومن ثم یجوز له استرداد ما دفع ویتصل بعیوب الدفع أیضاً نقص الأهلیة فیجب أن یکون الخاسر الذی دفع مختارا ما خسره أهلاً للدفع . أی یجب أن تکون له أهلیة التصرف فیما دفعه من الخسارة وتکون له أهلیة التصرف فیما دفعه إذا کان کامل الأهلیة أی بالغ سن الرشد فإذا لم تکن له أهلیة التصرف فیما دفعه کان الدفع غیر معتبر وجاز للخاسر فی هذه الحالة أن یسترد ما دفع.
فإذا توافر الشرطان المتقدمان ولم یکن الخاسر ضحیة غش فی اللعب ودفع ما خسره مختارا وهو أهل للتصرف فیما دفعه لم یجز له أن یسترد ما دفع. ویبرر جانب من الفقه هذا الأمر بالقول أن ذلک یرجع إلى أن دین المقامرة هو دین طبیعی فیجری علیه حکم هذا الدین وهو إلا یجبر المدین على الدفع ولکن إذا دفع الدین مختارا لم یستطع أن یسترده. ولکن هناک رأی أخر یذهب إلى أن دین المقامرة لا یمکن أن یکون دینا طبیعیا لأنه غیر مشروع لمخالفته للنظام العام ولا یجوز أن یقوم التزام طبیعی یخالف النظام العام ویعلل أصحاب هذا الرأی عدم جواز الاسترداد بان الدین غیر مشروع لمخالفته للنظام العام والأداب فإذا دفع المدین الدین وکان عدم المشروعیة أتیاً من جهته أو هو شریک فیه کما فی المقامرة لم یستطع أن یسترد ما دفع لأنه طرف ( ملوث) فی عدم المشروعیة ولا یجوز له أن یحتج بغش صدر من جانبه.
وهکذا فإن الأحکام السابقة تکون محلاً للتطبیق وتعود الجائزة لمن إلتزم بتقدیمها إذا کان عقد المسابقة باطلاً بحد ذاته أو لکونه مقامرة باطلة.
الخاتمة
من خلال بحثنا فی موضوع عقد المسابقة دراسة مقارنة – توصلنا إلى جملة من النتائج والتوصیات نوردها فیما یأتی:-
أولاً: النتائج
·لم تعالج التشریعات المقارنة ومنها مشرعنا العراقی أحکام عقد المسابقة باعتباره عقد صحیح ومشروع له أحکامه وضوابطه التی تمیزه عن غیره بل أشارت إلیه أثناء معالجتها لأحکام المقامرة والرهان الباطلة وذلک بإیرادها استثناء على هذه الأحکام بما اصطلحت علیه رهان المتبارین شخصیاً فی الألعاب الریاضیة وقد بینا إن هذا الإستثناء لا یسعف فی معالجة الموضوع لکونه استثناء لا یجوز القیاس علیه ولا التوسع فیه من جهة ولأنه لیس من الصحیح اعتبار عقد المسابقة الصحیح استثناء من أحکام المقامرة والرهان الباطلة لاختلافه عنهما من حیث الهدف والمشروعیة والأحکام وهکذا فان نقص تشریعی یشوب تنظیم هذا العقد.
·أورد الفقهاء المسلمون تعریفات کثیرة للمسابقة معتمدة فی اغلبها على المعنى اللغوی لها فی حین لم تورد التشریعات المقارنة تعریفا لعقد المسابقة الأمر الذی دعانا إلى تعریفه بأنه ((عقد بین طرفین أو أکثر على المنافسة فی عمل یتطلب مهارة بدنیة أو فکریة لیس فیه خطورة على احد المتسابقین ولا یعتمد على مجرد الحظ والصدفة بمقابل جائزة مقدمة من احدهما أو کلاهما (بوجود محلل) أو من الغیر) .
·إجراء المسابقات أمر مشروع أجازته الشریعة الإسلامیة بأدلة من الکتاب والسنة وإجماع الفقهاء متى کان الغرض منها تقویة البدن للإستعداد للجهاد وانطلاقاً من هذا الغرض اختلف الفقهاء حول المسابقة المشروعة. وبالنظر لتنوع وسائل الجهاد واختلافها فی الوقت الحاضر الأمر الذی دفع مجمع الفقه الإسلامی إلى التوسع فی مفهوم المسابقات المشروعة فی قراره رقم 27 (1/14) الذی اتخذه فی دورته الرابعة عشرة المنعقدة فی الدوحة للفترة من 11 – 16 کانون الثانی من عام 2003 حیث اخذ بنظر الاعتبار واقع المجتمعات المعاصرة وما شهدته من تنوع أنواع المسابقات فلم یقصر مشروعیة المسابقات على تلک التی وردت الأحادیث النبویة الشریفة بإجازتها بل اعتبر المسابقات عموما ریاضیة أو علمیة أو ثقافیة أو غیرها جائزة مشروعة إذا کانت بدون عوض فی کل أمر لم یرد النص بتحریمه وبضوابط حددها القرار إذا کانت المسابقة بعوض .
·إن الغرض الأساسی من المسابقات التی أجازتها الشریعة الإسلامیة الغراء بما ثبت عن رسول الله صلى الله علیه وسلم وعن الفقهاء المسلمین هو للاستعداد للجهاد فی سبیل الله بتقویة البدن على القتال وزیادة التحدی والغلبة ، وبالنظر لتنوع وتعدد أشکال المسابقات فی الوقت الحاضر وبالنظر بتعمق فی غایة الشریعة الإسلامیة ومقصدها من إجازة بعض أنواع المسابقات والذی نجده یتمثل فی إیجاد مجتمع قوی وشجاع یستطیع الدفاع عن نفسه وإعلاء کلمة الإسلام الأمر الذی دعانا للقول إن الکثیر من المسابقات الریاضیة والفکریة التی تجری فی الوقت الحاضر متى کانت بضوابط مشروعة فإنها لن تکون هدفا بحد ذاتها بل وسیلة إلى غایة أسمى وأنبل هی الجهاد فی سبیل الله ووجدنا إن الأمر یحتاج إلى معیار یمکن من خلاله إجازة بعض أشکال المسابقات التی تجری فی عصرنا الحاضر وهذا المعیار یتمثل باعتقادنا ب ( کل ما من شانه تقویة المهارات البدنیة والفکریة دون إن یغلب ضرره ودون إن تعتمد الغلبة فیه على مجرد الحظ والصدفة ) وبذلک فان ضوابط صحة المسابقات لدینا تتمثل بالاتی: 1-إن لا تکون فیها خطورة على احد المتسابقین 2-إن لا یکون الفوز فیها معتمدا على الحظ والصدفة 3- مشروعیة جهة تقدیم الجائزة.
·عقد المسابقة عقد رضائی ملزم للجانبین له خصوصیة فیما یتعلق بکونه عقد معاوضة بالنسبة للطرفین وعقد تبرع بالنسبة لمقدم الجائزة إن کان من الغیر کما انه من العقود الإحتمالیة بالنسبة للطرفین وعقد محدد بالنسبة لمقدم الجائزة إن کان من الغیر کما وانه عقد فوری وان کان الزمن له دور فی تنفیذ المسابقة إلا انه دور ثانویا ولیس جوهریا کما انه عقد لازم لا یستطیع احد أطرافه الاستبداد بفسخه .
·هناک بعض النظم القانونیة التی قد تشتبه بعقد المسابقة مما اقتضانا تمییزه عنها وهی کل من الجعالة والمقامرة والرهان فوجدنا إن صلات تشابه کثیرة تربط عقد المسابقة بهذه النظم القانونیة إلا إن صلات الاختلاف أکثر الأمر الذی یستوجب عدم إدراج عقد المسابقة تحت نطاق أی من هذه النظم
·یقتضی عقد المسابقة وجود طرفین على الأقل یجری التنافس بینهما وقد یضم العقد طرفا أخر هو مقدم الجائزة إن کان تقدیمها من قبل الغیر وحیث إن العقد معاوضة بالنسبة للمتسابقین وتبرع بالنسبة لمقدم الجائزة إن کان من الغیر فیشترط فی الطرفین أهلیة الأداء الناقصة وفی مقدم الجائزة الأجنبی أهلیة الأداء الکاملة .
·اختلف الفقهاء المسلمون فی المسابقات التی ترصد الجوائز من اجلها فاتفقوا على جواز بذل الجائزة فی المسابقات التی نص الحدیث النبوی الشریف فی قوله علیه الصلاة والسلام ( لا سبق إلا فی خف أو حافر أو نصل ) وکادوا إن یتفقوا على عدم جواز بذلها فی المسابقات التی یراد منها مجرد اللهو واللعب والتی تقع فی دائرة المباح ولکنها لیست ذات نفع للأمة فی حین اختلفوا حول المسابقات غیر المنصوص علیها فی الحدیث الشریف ولکن فیها نفع وعون للأمة فمنهم من أجاز بذل الجائزة فیها ومنهم من لم یجز ذلک وبدورنا أیدنا الرأی الذی یذهب إلى جواز إعطاء الجائزة فی کل مسابقة مباحة فی کل ما فیه تشجیع على علم نافع أو عمل صالح من تقویة للبدن أو تنشیط للفکر وتشجیع للعلم إذا کانت بضوابطها المشروعة .
·اختلف الفقهاء المسلمون حول مشروعیة جهة تقدیم الجائزة فاتفقوا على صحة تقدیمها إذا کانت مقدمة من طرف أجنبی عن المتسابقین کما أنهم اتفقوا (سوى قول فی مذهب المالکیة ) على جواز تقدیم الجائزة من احد المتسابقین بان قال احد المتسابقین للأخر إن سبقتنی فلک منی الجائزة الفلانیة وان سبقتک فلا شیء لی علیک إلا أنهم اختلفوا حول الحالة التی تکون الجائزة فیها مقدمة من کلا المتسابقین بان اشترکا فی قیمتها سواء بالتساوی أم بالتفاوت فمنهم من لم یجز هذه الحالة ومنهم من أجازها مطلقا ومنهم من قیدها بشرط وجود محلل وهو طرف یدخل السباق یأخذ الجائزة إن فاز ولا یکون ملزم بشی إن خسر وهو الرأی الذی أیدناه لرجاحة الأدلة التی استند إلیها مع الأخذ بنظر الاعتبار انه لیس کل دخول لأی شخص یؤدی إلى اعتباره محللا بل لابد إن تتوافر فی المحلل جملة من الشروط تمت الإشارة إلیها خلال البحث.
·أفردت التشریعات المقارنة نصوصا ضمنتها أحکاماً خاصة فیما اعتبرته استثناء من أحکام المقامرة والرهان واعتبرت بموجبه حالات خاصة من المقامرة والرهان جائزة وصحیحة تتمثل هذه الصور التشریعیة برهان المتبارین شخصیا فی الألعاب الریاضیة والعاب النصیب والمراهنة على سباق الخیل وقد وقفنا عند هذه الصور التشریعیة ووجدنا إن الحالة الأولى منها لا یمکن اعتبارها مقامرة ولا رهان أصلاً بل هی من باب المسابقة الصحیحة المشروعة أما الحالتین الأخیرتین فهی بالفعل صور للمقامرة والرهان التی یجب إن تکون باطلة إلا إن التشریعات المقارنة استثنتها من حکم البطلان وأجازتها لأسباب لم نؤیدها.
·إذا لم یستوف عقد المسابقة ضوابطه فانه یکون عقدا باطلا فی ذاته أو یکون فی حقیقته مقامرة حکمها البطلان أیضاً ، فإذا ثبت عدم مشروعیة العمل محل المسابقة بان کان من الأعمال الخطرة التی من شانها إلحاق الضرر بأحد المتسابقین أو کلیهما أو کان التراضی صادرا من غیر أهله فان العقد یکون باطلا ، کما انه یکون باطلا أیضا لکونه مقامرة فی حالة ما إذا کانت المسابقة مما یعتمد الفوز فیها على مجرد الحظ والصدفة أو کانت جهة تقدیم الجائزة غیر مشروعة بان کان الاتفاق قد انعقد على إن تقدم الجائزة من الخاسر من الطرفین أو کان المتسابقین قد اشترکا فی قیمتها سواء بالتساوی أم بالتفاوت ولم یدخلا بینهما محللا وفی کلتا الحالتین سواء کان العقد باطلا فی ذاته أم باطلا لکونه مقامرة فی حقیقته فان ما یترتب على بطلانه انه لا ینتج أثرا وبالتالی فان من التزم بتقدیم الجائزة لا یجبر على الوفاء لمن فاز وإذا کان قد قدم الجائزة طوعا عن بینة واختیار کان له مع ذلک استردادها لان العقد باطل فیکون بذلک قد دفع ما هو غیر مستحق فی ذمته فیسترده بدعوى استرداد ما دفع بغیر حق .
·إذا فقدت المسابقة احد شروطها بان کان الفوز فیها معتمدا على الحظ والصدفة کما فی معظم المسابقات الجاریة فی الوقت الحاضر على شاشات التلفزیون عبر الفضائیات والرسائل القصیرة التی تصل عبر الهواتف الجوالة والتی تدعو المشترکین من خلالها إلى الاشتراک فیها عن طریق الإجابة على أسئلة معینة تخول من یشترک فیها الدخول فی قرعة للفوز بجائزة معینة ففی هذه المسابقات فضلا عن اعتماد الفوز فیها على مجرد الحظ والصدفة ولیس على المهارة البدنیة أو الفکریة فان الجائزة المقدمة تجمع قیمتها من المشترکین جمیعا حیث تعتمد على أجور المکالمات وهذا ما یدخلها میدان المقامرة الباطلة.
ثانیا : التوصیات
·ضرورة التنظیم التشریعی لعقد المسابقة فی فصل مستقل ضمن الباب الرابع المخصص للعقود الاحتمالیة من القانون المدنی العراقی وبصورة مستقلة عن عقدی المقامرة والرهان لاختلافه عنهما .
·إن یأخذ القضاء العراقی بموقف مجمع الفقه الإسلامی فیتوسع فی مفهوم المسابقات المشروعة لتشمل کل المسابقات الریاضیة والعلمیة والثقافیة على حد سواء ما دام النص لم یرد بتحریمها إذا تمت بضوابط مشروعة وعلى جواز بذل الجائزة فی کل ما فیه تشجیع على علم نافع أو عمل صالح من تقویة للبدن أو تنشیط للفکر وتشجیع للعلم .
·إن ینص المشرع على ضوابط صحة المسابقات والتی تتمثل بالاتی : أ-إن لا یکون فی المسابقة خطورة على احد المتسابقین .ب -إلا یکون الفوز فی المسابقة مما یعتمد على مجرد الحظ والصدفة . ج -مشروعیة جهة تقدیم الجائزة بان تکون مقدمة من أجنبی عن المتسابقین أو من احدهما أو من کلیهما بوجود محلل.
·إلغاء قانون الیانصیبات والاکتتابات العراقی رقم 116 لسنة 1969 لتعارضه مع مبادئ الشریعة الإسلامیة وبالتالی مع الدستور العراقی الذی یعتبر الشریعة الإسلامیة احد مصادر التشریع
·إلغاء الفقرة الأولى من المادة 976 من القانون المدنی العراقی لورودها فی غیر محله والذی یجب إن یکون ضمن نصوص عقد المسابقة المقترح
·إلغاء الفقرة (2) من المادة 976 من القانون المدنی العراقی وعدم استثناء العاب النصیب من أحکام البطلان لأنها فی حقیقتها رهان باطل مهما کانت غایتها حتى لو کانت لإغراض خیریة لان الغایة لا تبرر الوسیلة .
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Books:
1. Dr. Mr. Attia Abdel Wahid, Principles and Tax Economies - Comparative Study of Islamic Thought, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 2000.
2. Dr. Adel Falih Al-Ali and Dr. Talal Kaddawi, Economics of Public Finance, Second Book (Public Revenues and State Budget), Dar Al Kutab for Printing and Publishing, Mosul University, Iraq, 1989.
3. Alaa al-Din al-Samarqandi, masterpiece of the fuqaha, Part III, Dar al-Kuttab al-Ulmiyya, Beirut, 1984, p. 318.
4. Al-Mawardi, Ali bin Mohammed bin Habib, Rulings of the Sultan and the Religious States, (Pal-Mat), Cairo, 1960.
5. Mohammed Habib Tijkani, The General Theory of Judiciary and Evidence in Islamic Law with Comparatives of Positive Law, Dar Al-Shala / Afaq Arabiya, Baghdad, (p.
6. Mohammed Mortada al-Husseini al-Zubaidi, Taj al-Arous, part one, the investigation of Abdul Sattar Ahmed Faraj, (Bla-t).
Research and articles:
1. Dr. Mr. Attia Abdel Wahid, Environmental Tax, Journal of Legal and Economic Sciences, Second Issue, Year (43), Faculty of Law, Ain Shams University, Cairo, 2001.
2. Dr. Kamal Raziq, Role of the State in Environmental Protection, published on the World Wide Web www.bbekhi.fr.
3. Swiss Environmental Protection Measures / Swiss News Agency
www. Swiss info. ch
C - University Thesis
1. Salafah Tarek Abdulkarim, International Protection of the Environment from Global Warming, Master Thesis Presented to the Faculty of Law, University of Baghdad, 2003.
International conventions and documents:
1. Rio de Janeiro Declaration on Environment and Development, June 1992.
2. United Nations Convention on Biological Diversity, 2006.
3. Annual Report of the United Nations Environment Program in the Arab Region for 2006 (translated into Arabic). U.N.E.P Post conflict in The Arab region, UN, 2006
Laws and Regulations:
1- Syrian Local Administration Law No. 15 of 1971.
2. The Iraqi Environmental Protection and Improvement Act No. 3 of 1997.
3 - Syrian Environment Law No. 50 of 2002.
4. Legislative Decree No. 42 of 2005 regarding the imposition of environmental charges on the importation of cars.
5. Jordanian Environmental Protection Law No. 52 of 2006.
6- Iraqi Investment Law No. 64 of 2007.
7 - Iraqi investment law for the liquidation of crude oil No. 13 of 2008.
References (English)
Foreign sources:
Books:
1- Cambridge Learners Dictionary, Camb. Univ. Press, UK. 2003.
Research:
1. Christopher st. John, Applying a Green Filter to business subsidies, C.F.E.D, Vol. 2, Num 7, July, 2000.
2. Damon Franz, The environmental Tax shift: polluters pay more so you can pay less-money matters, the Environmental Magazine, March- April, Washington, D.C., Earth Action Network, 2002.
3. Impact of imposition of environmental tax on economy and energy in Japan, http: // criepi. Denken. Or. Jp / en / e-publication / a. 2002.
4. J. Andraw hoerner, harnessing the Tax code for Environmental protection, State note published, Vol. 16, April, Washington, DC. 1998.