الملخص
یشکو النظام القضائی الدولی من ضعف،لا على المستوى البنیوی فحسب وإنما على المستوى الوظیفی أیضا"،فغیاب التسلسل الهرمی والوحدة العضویة بین المحاکم الدولیة قد ساهم ولحد کبیر فی زیادة ضعف هذا النظام .
وکمحاولة دولیة لتقویة القضاء الدولی فقد تم انشاء المحکمة الجنائیة الدولیة للتأکید على الوحدة الوظیفیة وخاصة فی المجال الجنائی بین القضائین الوطنی والدولی. فتضمن نظامها الأساسی (( مبدأ التکامل )) کان أشارة الى میلاد بدایة الترابط بین هذین النظامین
الموضوعات
أصل المقالة
أثر مبدأ التکامل فی تحدید مفهوم الجریمة الدولیة -(*)-
The impact of the principle of complementarity in defining the concept of international crime
طلعت جیاد لجی الحدیدی کلیة القانون/ جامعة کرکوک Talaat Jiad Ljy Al-Hadidi College of Law - University of Kirkuk Correspondence: Talaat Jiad Ljy Al-Hadidi E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 21/10/2008*** قبل للنشر فی 5/1/2009.
(*) Received on 21/10/2008 *** 5/1/2009 accepted for publishing on .
Doi: 10.33899/alaw.2009.160577
© Authors, 2009, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
الملخص
یشکو النظام القضائی الدولی من ضعف،لا على المستوى البنیوی فحسب وإنما على المستوى الوظیفی أیضا"،فغیاب التسلسل الهرمی والوحدة العضویة بین المحاکم الدولیة قد ساهم ولحد کبیر فی زیادة ضعف هذا النظام . وکمحاولة دولیة لتقویة القضاء الدولی فقد تم انشاء المحکمة الجنائیة الدولیة للتأکید على الوحدة الوظیفیة وخاصة فی المجال الجنائی بین القضائین الوطنی والدولی. فتضمن نظامها الأساسی (( مبدأ التکامل )) کان أشارة الى میلاد بدایة الترابط بین هذین النظامین
الکلمات الرئیسة: تحدید مفهوم الجریمة
الموضوعات: القانون الدولی العام
Abstract
The international judicial system complains of weakness, not only at the structural level but also at the functional level. "The absence of hierarchy and organic unity among international tribunals has greatly contributed to the further weakness of this system. As an international attempt to strengthen the international judiciary, the International Criminal Court was established to emphasize the functional unity, especially in the criminal field between the national and international courts. The incorporation of its statute (the principle of integration) was a reference to the birth of the beginning of interdependence between these two systems.
Keywords: Identify concept Crime
Main Subjects: international public law
المقدمة :
یشکو النظام القضائی الدولی من ضعف،لا على المستوى البنیوی فحسب وإنما على المستوى الوظیفی أیضا"،فغیاب التسلسل الهرمی والوحدة العضویة بین المحاکم الدولیة قد ساهم ولحد کبیر فی زیادة ضعف هذا النظام .
وکمحاولة دولیة لتقویة القضاء الدولی فقد تم انشاء المحکمة الجنائیة الدولیة للتأکید على الوحدة الوظیفیة وخاصة فی المجال الجنائی بین القضائین الوطنی والدولی. فتضمن نظامها الأساسی (( مبدأ التکامل )) کان أشارة الى میلاد بدایة الترابط بین هذین النظامین.أذا ما علمنا أن مبدأ التکامل یقضی بأن الولایة القضائیة لا تنعقد للمحکمة الجنائیة الدولیة ألا أذا کان القضاء الوطنی غیر قادر على ممارسة اختصاصاته القضائیة أو کان راغب فی التنازل عن اختصاصه لصالح المحکمة الجنائیة الدولیة.
فالمحکمة الجنائیة الدولیة عندما تنظر فی قضیة ما وطبقا" لمبدأ التکامل فأن اختصاصها یکون محصوراً بأربعة جرائم حددها نظامها الأساسی على سبیل الحصر، وبالتالی أذا ما ارتکبت جریمة لا تدخل ضمن تصنیف هذه الجرائم الأربع فأن المحکمة لا یحق لها أن تنظر فیها حتى ولو کانت هذه الجرائم ذات صفة دولیة، مما سینعکس على التکییف القانونی لهذه الجرائم، إذ سیکون التفاوت فی تکییفها هو السمة البارزة لعمل المحکمة.
وحیث أن لکل نظام قانونی وقضائی طبیعته الخاصة فی تکییف الجرائم وإعطائها أوصافاً قانونیةً معینة فأن ذلک سینعکس على الجرائم التی یطبق بمقتضاها مبدأ التکامل. فالقضاء الوطنی سیعطیها وصفا" قانونیا" معینا" والقضاء الجنائی الدولی سوف یعطیها وصفا"قانونیا"آخر مغایرا" لما أعطاه سابقه وأن هذه الاختلافات فی التکییفات القانونیة تمثل المشکلة التی أنطلق البحث بصدد حلها. وهذه المشکلة تنحصر فی التساؤلات الآتیة :-
هل أن لمبدأ التکامل أثراً فی تغییر مفهوم الجریمة الدولیة. أی هل أن أوصاف الفعل المجرم ستختلف باختلاف الجهة التی ستقوم بإضفائها على الفعل المجرم ؟وهل ستختلف أوصاف الفعل المجرم باختلاف المصلحة التی یهددها هذا الفعل؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات فقد تم تقسیم هذا البحث على مبحثین:-
الأول / مبدأ التکامل وعلاقته بمفهوم الجریمة .
الثانی / علاقة مبدأ التکامل بالتکییف القانونی للجریمة.
المبحث الأول
مبدأ التکامل وعلاقته بمفهوم الجریمة
یحتل مبدأ التکامل أهمیة کبیرة عند دراسة النظام القضائی للمحکمة الجنائیة الدولیة، کونه یمثل صلة الوصول بین نظامین قضائیین مختلفین من نواحی عدة وخاصة فیما یتعلق بطبیعة القواعد القانونیة التی تحکمهما.
وبالمقابل تعد الجریمة المحور الاساسی الذی بموجبها ینهض مبدأ التکامل، فالارتباط واضح بین واقع الجریمة وإعمال مبدأ التکامل فلا یمکن تصور تطبیق مبدأ التکامل من غیر أن تکون هناک جریمة قد ارتکبت وتدخل ضمن الاختصاص القضائی للمحکمة الجنائیة الدولیة .
وبما أن الجریمة متعددة الأنواع والأشکال وأن مبدأ التکامل لا ینتج آثاره ألا عند ارتکاب الجرائم التی حددها النظام الأساسی للمحکمة فأن البحث فی هذا المضمار یتطلب تمییز الجرائم التی یطبق بمقتضاها مبدأ التکامل عن تلک التی تخرج عن حکم النظام الأساسی للمحکمة ولو ارتکبت فی نطاق دولی.
ولأجل الإحاطة الکافیة لبیان العلاقة ما بین مبدأ التکامل والجریمة فأننا قد قسمنا هذا المبحث إلى مطلبین :-
الأول / التعریف بمبدأ التکامل .
الثانی / أثر اختلاف المصالح فی تحدید مفهوم الجریمة.
المطلب الأول
التعریف بمبدأ التکامل
یقتضی الإلمام قدر الإمکان بمبدأ التکامل الوقوف على تعریفه وصوره والنتائج المترتبة على الأخذ به عند تحدید مفهوم الجریمة ، وهذا ما تم بحثه فی ثلاث فروع مستقلة .
اولا: تعریف مبدأ التکامل
یعد مبدأ التکامل أحد المبادئ الأساسیة التی قام علیها نظام روما الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة لتحقیق العدالة الجنائیة على المستویین الداخلی والدولی لإعطائه الولایة القضائیة للقضاء الدولی وبصفة تکمیلیة عن القضاء الوطنی قد جاء للتوفیق بین التناقض الظاهری بین متطلبات السیادة الوطنیة وضرورات تحقیق العدالة الدولیة الجنائیة .
ولقد جاء النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة خالیا" من أی تعریف محدد لمبدأ التکامل، وهذا مرده إلى أن الصیاغة التی جاءت بها الدیباجة ونص المادة الأولى کانت واضحة حول تحدید مفهوم التکامل فلم تعد هناک حاجة لوضع تعریف لها، غیر أن الباحثین فی المجال الدولی قد عنوا فی وضع تعار یف لمبدأ التکامل ونظرا لاختلاف وجهات النظر فقد جاءت هذه التعاریف متباینة فی صیاغتها متحدة فی مضمونها .
فقد عرف بأنه (( تلک الصیاغة التوفیقیة التی تبنتها الجماعة الدولیة لتکون بمثابة نقطة الارتکاز لحث الدول على محاکمة المتهمین بارتکاب أشد الجرائم جسامة، على أن تکمل المحکمة الجنائیة الدولیة هذا النطاق من الاختصاص فی حالة عدم قدرة القضاء الوطنی على إجراء هذه المحاکمة بسبب عدم اختصاصه أو فشله فی ذلک لانهیار بنیانه الإداری، أو عدم أظهار الجدیة لتقدیم المتهمین للمحاکمة )).
فضلاً عن أنه عرف بـ (( تکامل اختصاص المحکمة الجنائیة الدولیة مع اختصاص القضاء الوطنی للدول الأطراف فی نظام روما من أجل حکم الجرائم المنصوص علیها فی هذا النظام )) .
و یبدو واضحا" ومن خلال الدیباجة والمادة (1) والمادة (17) أن هناک تأکیدا" واضحا" حول انعقاد الاختصاص للقضاء الدولی فی حالة کون القضاء الوطنی ضعیفا" أو کان عاجزا"، هذا التأکید جاء لتلبیة الدعوات القائلة بضرورة عدم إفلات المجرم من العقاب .
لقد وجد مبدأ التکامل بین المحکمة الجنائیة الدولیة والقضاء الجنائی الوطنی تجسیده الفعلی فی المادة (17) وخاصة فی فقرتیها ( 2،3) من النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة، وسمحت هذه المادة للمحکمة تقریر ( عدم المقبولیة ) للدعوى فی حالات ثلاث هی :-
1- أذا کانت الدولة صاحبة الولایة على الدعوى تجری التحقیق أو المقاضاة .
2- أذا کانت الدولة صاحبة الولایة على الدعوى أجرت التحقیق فیها وفضلت عدم مقاضاة الشخص المعنی.
3- أذا کان الشخص المعنی قد حوکم على السلوک ألجرمی موضوع الدعوى .
أن عدم المقبولیة الذی جاءت به المادة (17) من النظام الأساسی للمحکمة لیست مطلقة دون قید فلکی تتنازل المحکمة الجنائیة الدولیة عن النظر فی الدعوى لصالح القضاء الجنائی الوطنی فیجب على الدولة المتنازل لها عن الاختصاص أن لا تقوم بتصرفات غیر مقبولة مثل التستر على الشخص المعنی أو حمایته من المسؤولیة أو عرقلة السیر بإجراءات محاکمة جدیة .
غیر أن هذا التأکید للتکامل فی الاختصاص ما بین القضائیین الوطنی والدولی قد أوجد فجوة کبیرة ما بین واقع التشریعین الوطنی والدولی والذی أنعکس سلبا" على تحدید مفهوم الجریمة وخاصة فیما یتعلق بتحدید الوصف القانونی لها. فالتشریع الوطنی محدد بقاعدة ( لا جریمة ولا عقوبة إلا بنص) فی حین ان هذه الفاعدة لیست موجودة بذات الدقة والتحدید فی نطاق القضاء الدولی الجنائی الدولی , إذ ان التکامل فی الاختصلص یقتضی – من حیث المبدا – التوحید فی الاوصاف القانونیة للافعال المجرمة , الا ان هذا التوحد فی الاوصاف القانونیة لا وجود له فی نطاق التشریعین الداخلی والدولی مما یعنی ان تطبیق مبدا التکامل سینتج عنه تعدد فی الاوصاف القانونیة للافعال المجرمة ولیس الى توحدها الامر الذی سیؤدی الى ان مفهوم الجریمة ذاته سیتعدد تبعا لتعدد الانظمة التی ستحکمها فی حال تطبیق مبدا التکامل .
ثانیا: صور مبدأ التکامل
لقد جاء النظام الأساسی للمحکمة بثلاث صور للتأکید على التکامل ما بین القضائین الوطنی والدولی وهی (( التکامل القانونی والتکامل القضائی والتکامل التنفیذی )) فبالنسبة للتکامل القانونی فیراد به أنه على المحکمة وهی بصدد النظر فی القضایا المعروضة علیها أن تطبق نظامها الأساسی فإذا لم یوجد فی نظامها الأساسی نصا" یعالج القضیة المطروحة طبقت المحکمة المعاهدات واجبة التطبیق ومبادئ القانون الدولی وقواعده فإذا لم تجد نصا" کان للمحکمة أن تستخلص الحکم من المبادئ العامة للنصوص المستخلصة من القوانین الوطنیة للنظم القانونیة فی العالم .
فالتکامل القانونی یبدو واضحا" من خلال إعطاء الحق للمحکمة أن تستعین بالمبادئ العامة للقوانین الوطنیة لإصدار الحکم، غیر أن هذه الصورة من التکامل لیس لها ذلک الأثر الفعال فی تغییر مفهوم الجریمة لأنها تستعین بالمبادئ العامة للنظم القانونیة الوطنیة للنطق بالحکم لا لتوصیف الفعل مما یعنی أن التکامل القانونی لیس له أی أثر فی تغییر الوصف القانونی للفعل المجرم .
أما بخصوص التکامل القضائی فهو یعد الصورة المثلى لمبدأ التکامل الذی جاء به النظام الأساسی للمحکمة.فهذا الأخیر قد أعطى أولویة الاختصاص للقضاء الوطنی للنظر فی الأفعال التی تشکل جرائم، فإذا لم یباشر القضاء الداخلی اختصاصه بسبب عدم الرغبة فی أجراء المحاکمة أو عدم القدرة علیها یصبح اختصاص المحکمة الجنائیة الدولیة منعقد لمحاکمة المتهمین .
وهکذا یعد التکامل القضائی الرکیزة الأساسیة فی النظام الأساسی للمحکمة والذی له أثره البالغ فی تحدید مفهوم الجریمة ، ذلک أن الفعل أو الأفعال التی تشکل جریمة تنظر أمام المحاکم الوطنیة تحت وصف قانونی معین، وإذا نظرت أمام المحکمة الجنائیة الدولیة فأنها تنظر تحت وصف قانونی آخر مع العلم أن الفاعل ذات الفاعل وأن الفعل ذات الفعل. لهذا فأن الفعل المجرم سوف یحمل أکثر من وصف تبعا" لتعدد الجهات التی تنظر فیه وتبعا" لتغیر وصف الحق الذی یهدده هذا الفعل المجرم.
أما التکامل التنفیذی فینشأ عندما تطلب المحکمة من أحدى الدول الأطراف تنفیذ العقوبة کونها تفتقر إلى وسائل تنفیذیة لتنفیذ الحکم .وللتکامل التنفیذی أثره فی تحدید مفهوم الجریمة فی تخفیف العقوبة أو تشدیدها مما له الأثر فی توصیف الجریمة سواء أکانت جنایة أم جنحة أم مخالفة. وحیث أن النظام الأساسی للمحکمة لم یجرم إلا الأفعال التی تشکل جریمة جنائیة فأن هذا یعنی أن الجنحة والمخالفة قد أسقطت من حیث التجریم من قبل النظام الأساسی.
علیه وعلى الرغم من أفراد الجنایة من قبل النظام الأساسی کسلوک مجرم إلا أنه وفی هذه الحالة أیضا" فأن العقوبة القصوى المقدرة على الجنایة ستکون السجن المؤبد، بینما لو أستمر القضاء الوطنی فی نظر هذه الجریمة ستکون العقوبة – وفی غالبیة التشریعات العقابیة للدول – الإعدام .
أذن فالتفاوت فی تقدیر العقوبة ما بین النظام الأساسی للمحکمة وأغلب التشریعات العقابیة للدول أثره فی تحدید الوصف القانونی الدقیق للفعل المجرم. وهکذا یبدو واضحا" أن هناک علاقة واضحة بین مبدأ التکامل والتکییف القانونی للجریمة وهذا ما سنبینه لاحقا".
ثالثا: النتائج المترتبة على مبدأ التکامل فی تحدید مفهوم الجریمة
أن من أهم النتائج المترتبة على الأخذ بمبدأ التکامل هو تخلی القضاء المختص عن ولایته للنظر فی الأفعال التی تشکل جرائم لولایة القضاء الدولی وهذا یعنی أن هناک نظامان قانونیان یحکمان الأفعال التی تشکل جرائم أی أن سیاسة التجریم والعقاب سوف تخضع لنصوص قانونیة تابعة لنظامین قانونیین منفصلین من حیث الطبیعة والمضمون، ولو تتبعنا الأفعال المجرمة منذ خضوعها للقضاء الوطنی ثم تخلیه عن ولایته للنظر فیها لمصلحة القضاء الدولی لأن ینظر فیها سوف یتضح لنا أن مفهوم الجریمة سوف یتجاذبه محددان :-
الأول یتمثل بنصوص التجریم فی القانون الوطنی التی تمس مصلحة وطنیة بغض النظر عن عدد الجناة أو المجنی علیهم وبغض النظر عن نوعیة الجریمة وجنسیة مرتکبیها .
أما المحدد الثانی فهو یتمثل ببسط القضاء الدولی ولایته على الجریمة مما یؤدی بالنهایة إلى أن مفهوم الجریمة سوف یتغیر تلقائیا" من اعتباره مجرد جریمة داخلیة الى أعتبارها جریمة دولیة مما یستتبعه بالمقابل التوسع فی تحدید أرکانها والاختلاف فی طبیعة المصلحة التی تعتدی علیها، فضلا" عن الأختلاف فی العقوبة المقررة لها، أی أن نطاق المصلحة المحمیة سوف تتغیر کونها سترتقی الى جرائم تمس المجتمع الدولی برمته رغم أن الجریمة هی ذاتها بأرکانها وجناتها والتی نظرت مسبقا" من قبل القضاء الوطنی .
المطلب الثانی
أثر اختلاف المصالح فی تحدید مفهوم الجریمة
أن المشرع وهو یصیغ نصوص التجریم إنما یستهدف من خلال ذلک وضع العلامات الممیزة على کل سلوک إنسانی یجده ماسا" بالعلاقات الاجتماعیة السائدة فی المجتمع ومعرقلا" تطورها وازدهارها . وحیث أن الجریمة لا تمثل اعتداءا" على مجموعة القیم الإنسانیة والقانونیة فی المجتمع الداخلی فحسب وإنما تتعدى إلى الاعتداء على هذه القیم على المستوى الدولی ، لهذا فأن تحدید مفهومها – الجریمة – بات أمرا" مهما" ذلک أن الفعل الذی یؤدی إلى إزهاق روح إنسان أو ارتکاب جریمة اغتصاب مثلا" یختلف فی توصیفه القانونی من نظام قانونی لآخر تبعا" لاختلاف المصالح التی یکفلها ذلک النظام القانونی بالحمایة .
ونظرا لأهمیة المصالح التی تهددها الجرائم التی جاءت بها المادة (5) من النظام الأساسی للمحکمة، فأن مبدأ التکامل الذی جاء به النظام الأساسی للمحکمة یعد تجسیدا" لأهمیة هذه المصالح من جهة وتعظیما" لخطورة هذه الأفعال من جهة أخرى .
ولغرض تحدید مفهوم الجریمة تبعا" لأختلاف المصالح لابد من بحثها فی فرعین :
الأول / الجریمة الداخلیة .
الثانی / الجریمة الدولیة .
اولا: الجریمة الداخلیة
لقد جاءت أغلب التشریعات العقابیة للدول خالیة من أی تعریف للجریمة مکتفیة بما أوردته فی قوانینها التی عالجت کل جریمة بنص خاص بها وهذا أمر محمود کون التعریف یجب أن یکون جامعا" ومانعا" وتعریف الجریمة فی متن القانون سوف لن یکون شاملا" لجمیع معانی الجریمة ولن یکون شاملا" لکل ما سیقع الآن وفی المستقبل من أفعال تشکل جرائم فما یصدر من نص قد یکون صالحا" لزمان معین ألا أنه لا یصلح لزمن آخر وکون التعریف مانعا" فهو یعنی منع دخول الأغیار فیه وهذا مستحیل بالنسبة للمتغیرات، والجریمة بوصفها أحدى المتغیرات فمن الصعوبة بمکان أیراد تعریف جامع ومانع لها فی متن القانون لهذا لجأ الفقه الجنائی بوضع تعریف للجریمة، فقد عرفت (( بأنه الفعل أو الأمتناع عن الفعل الذی یتمثل بالأعتداء على العلاقات الأجتماعیة السائدة فی المجتمع ))وعرفت أیضا" بأنها(( کل سلوک أنسانی سواء کان فعل أم أمتناع عن فعل یخالف قاعدة جنائیة ویرتب علیها المشرع جزاءا" جنائیا")) فضلا" عن ذلک فأن هناک العدید من التعاریف التی وضعت للجریمة وجمیعها یتمحور حول أنها سلوک جرمه القانون وقرر له عقابا"، وکل هذه التعاریف تقیم الجریمة على رکنین هما :- الرکن المادی والرکن المعنوی غیر أن هناک جرائم تتطلب رکنا" خاصا" کصفة الموظف فی جریمة الرشوة مثلا".
وعلى أیة حال فأیا" کان مفهوم الجریمة الداخلیة فأن النص القانونی الذی سیحکمها سوف یعطیها وصفا" قانونیا" معینا" تبعا" لخطورة الاعتداء الذی تمثله تلک الجریمة على المصلحة التی یحمیها القانون .وهذه الجرائم أیا" کان حجمها وتعدد أرکانها وامتداد آثارها فلا یعدوا التکییف القانونی لها بأنها جرائم داخلیة تهدد مصلحة وطنیة.
ثانیا: الجریمة الدولیة
لم یتضمن النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة أی تعریف لمفهوم الجریمة الدولیة شأنه شأن الکثیر من التشریعات العقابیة للعدید من دول العالم، وکل ما تضمنه النظام الأساسی للمحکمة حول تحدید مفهوم الجریمة وجوب تأویل مفهوم الجریمة تأویلا" دقیقا" أذ نصت الفقرة (2) من المادة (22) من النظام الأساسی للمحکمة على أن (( یؤول تعریف الجریمة تأویلا" دقیقا" ولا یجوز توسیع نطاقه عن طریق القیاس. وفی حالة الغموض یفسر التعریف لصالح الشخص محل التحقیق أو المقاضاة أو الأدانة )) .
ولقد حاول کتاب القانون الدولی الجنائی وفقهائه وضع تعاریف محددة لمفهوم الجریمة الدولیة، ألا أنهم لم یتفقوا على تعریف جامع ومانع لها مما قاد بالنهایة الى تعدد تعاریفهم ، فجاءت متباینة من حیث مبناها ومعناها.
فقد عرفت بأنها (( فعل غیر مشروع فی القانون الدولی من شخص ذی أرادة معتبرة قانونا" ومتصل على نحو معین بالعلاقة بین دولتین أو أکثر، وله عقوبة توقع من اجله)) .
ویبدو أن هذا التعریف قد رکز على الفعل غیر المشروع والذی یکون متصلاَ بأکثر من دولة أی أن هذا التعریف قد أخذ بنظر الأعتبار الأمتداد المکانی لنطاق الجریمة وذلک لأمتداده لأکثر من دولة .
وعرفت کذلک بأنها (( سلوک أنسانی غیر مشروع صادر من أرادة أجرامیة ، یرتکبه فرد بأسم الدولة أو برضاء منها ، وینطوی على أنتهاک لمصلحة دولیة ، یقرر القانون الدولی حمایتها عن طریق الجزاء الجنائی))، فی حین عرفه آخرون (( بأنها سلوک یمثل عدوانا" على المصلحة الأساسیة للمجتمع الدولی ،تتمتع بحمایة النظام القانونی الدولی من خلال قواعد القانون الدولی الجنائیة )).
ویتضح أن هذین التعریفان قد رکزا على الأعتداء على المصلحة التی یحمیها القانون الدولی العام ، فعلى الرغم من أختلافهما فی الصیاغة الا أنهما متفقان على أن تجریم الفعل جاء نتیجة التهدید أو الأعتداء على المصلحة التی یحمیها النظام القانونی الدولی .
ویذهب د.محمد محیی الدین عوض فی تعریفه للجریمة الدولیة الى أبعد من ذلک أذ أنه رکز على الفعل المخالف للقانون الدولی أیا" کان مصدر تجریم هذا الفعل ما دام أن الفعل یرتکب بتشجیع الدولة أو رضائها .
فهو یعرفها بأنها (( کل مخالفة للقانون الدولی ، سواء کان یحظرها القانون الوطنی أو یقرها، تقع بفعل أو ترک من فرد محتفظ بحریة الأختیار ومسؤول أخلاقیا" عن الأضرار بالأفراد أو بالمجتمع الدولی، بناءا" على طلب الدولة أو تشجیعها أو رضائها فی الغالب ویکون من الممکن مجازاته جنائیا" عنها طبــــــقا" لأحکام ذلک القانون)) .
وعلى الرغم من وجاهة هذه التعریفات وغیرها لتحدید مدلول الجریمة الدولیة ألا أن هناک بعض الجرائم التی قد تتداخل مع الجریمة الدولیة، ومنها الجرائم التی صنفها التشریع العقابی للعدید من الدول ضمن الجرائم الخاضعة للأختصاص العالمی لقانون العقوبات الوطنی .فالقضاء الوطنی ینظر ووفقا" للأختصاص الشامل بجرائم قد تمسها الصفة الدولیة ألا أنها لیست جرائم دولیة وذلک عندما یدخل فی تکوین الجریمة عنصر أجنبی کمکان أرتکاب الجریمة أو جنسیة الجانی أو المجنی علیهم، لهذا فأن تحدید کون الفعل یشکل جریمة دولیة من عدمه وبالتالی خضوعه للنظام القانونی الدولی یتطلب تحدید المعیار الذی یوصف الفعل بأنه جریمة دولیة من عدمه .فهل یجب علینا لتحدید الوصف القانونی الدقیق للجریمة الدولیة أن نأخذ بمعیار وصف الفعل أم بمعیار المصلحة التی یهددها الفعل أم بمعیار الجهة التی تنظر فی القضیة؟
فمعیار وصف الفعل بأنه جریمة دولیة ینبع من طبیعة الجریمة ذاتها. فالفعل المجرم على وفق القانون الداخلی قد یشکل مخالفة أو جنحة أو جنایة فی حین أن الفعل لا یشکل جریمة فی نطاق القانون الدولی الجنائی ألا أذا کان یوصف بأنه جنایة وبالتالی لا یوصف الفعل بأنه جریمة دولیة ألا أذا کان هذا الفعل المجرم یمثل اعتداءً على ذات قیمة علیا یحمیها القانون الدولی العام وهذا سیقودنا الى المعیار الثانی لتحدید الجریمة الدولیة .
ألا وهو معیار المصلحة التی یهددها الفعل، فمثلا" (( أن أضفاء صفة –الجریمة الدولیة- على أفعال الأبادة الجماعیة مستمد من طبیعة المصلحة الجوهریة المعتدى علیها فالمحافظة على الجنس البشری وحمایته من أی عدوان، قد أصبح یمثل هدفا" سیاسیا" للنظام القانونی الدولی، بل وأصبحت حیاة الأفراد تمثل قیمة علیا تحرص علیها القوانین الوطنیة والدولیة على السواء بلا تمییز بینهم بسبب الدین أو العنصر أو الأصل أو غیر ذلک من الأمور)).
وهذا یعنی أن کلا المعیارین مرتبطان ببعضهما أرتباط تلازم فوصف الفعل لا یکون جریمة دولیة ألا أذا هدر مصلحة یحمیها القانون، فالتلازم بدا واضحا"بین المعیارین لتحدید ما هی الجریمة الدولیة . فضلا" عن هذین المعیارین ، هناک معیار ثالث لتحدید الدولیة وهو معیار الجهة التی تنظر بالجریمة، فعلى وفق هذا المعیار أن الجریمة تکون داخلیة أذا نظرت من قبل المحاکم الوطنیة وتکون دولیة أذا نظرت من قبل محکمة دولیة، ولهذا المعیار وجاهته غیر أنه لا یمکن لنا أن نتجاهل هذین المعیارین السابقین، لهذا فأن المعاییر المجتمعة الثلاثة تشکل الأساس الذی یحدد الجریمة الدولیة ویمیزها عن الجریمة الداخلیة .
ویذهب آخرون للتمییز بین الجریمة الداخلیة والجریمة الدولیة هو معیار القصد الجنائی .فمثلا" ما یمیز الجریمة ضد الأنسانیة أذا أخذت طابع القتل عن جریمة القتل العادیة هو القصد الجنائی، أی لو کان القصد الجنائی الخاص هو أزهاق جنس معین أو معتنقی دین معین فأن هذا الفعل لا یکون مجرد جریمة قتل عادیة بل أنه یکون جریمة ضد الأنسانیة، وبالتالی یکون جریمة دولیة فالقصد الجنائی فی هذه الحالة قد تعدى أطار الضرر الفردی لیکون ضرر جماعی یشمل عدد من الأفراد .
وفی ضوء ذلک یمکن تصنیف الجرائم الدولیة بصفة عامة الى ثلاث فئات :-
الفئة الأولى / الجرائم الدولیة التی یرتکبها الأفراد بصفتهم مواطنوا دولة ضد أشخاص القانون الدولی من الدول فقط،مثال جریمة العدوان .
الفئة الثانیة / الجرائم الدولیة التی یرتکبها الأفراد بصفتهم مواطنوا دولة ضد جماعة معینة بدوافع قومیة أو عنصریة أو دینیة مثل جریمة الأبادة الجماعیة وجریمة التمییز العنصری .
الفئة الثالثة / الجرائم الدولیة التی یرتکبها الأفراد بصفتهم الخاصة کجریمة الأتجار بالنساء والرقیق وجریمة تزییف العملة الوطنیة.
غیر أن الجرائم الدولیة التی یرتبط بها مبدأ التکامل وینعقد بمقتضاها الأختصاص للمحکمة الجنائیة الدولیة هی ما نصت علیها المادة(5) من النظام الأساسی للمحکمة وهی ( جریمة الأبادة الجماعیة وجرائم ضد الأنسانیة وجرائم الحرب وجریمة العدوان ) وکل جریمة لا تدخل ضمن هذه الجرائم الأربع فلا یحق للمحکمة أن تنظر بها حتى ولو کانت هذه الجریمة ذات صفة دولیة، ولغرض تحقق الجریمة الدولیة بصورة عامة لا بد من توافر الرکن الدولی فی الفعل أو الأفعال المکونة للجریمة، فضلا" عن ذلک ولأجل تحقق العدالة الجنائیة الدولیة فلا بد من بقاء الفعل مجرما" سواء أکان وراء أرتکابه دولة أو مرتکبه فرد ومن تلقاء نفسه طالما کان الفعل یشکل مساسا" بمصالح دولیة معتبرة. فدولیة الفعل المجرم تنشأ سواء أکان من أقترفه دولة أم فرد ما دام الفعل یهدد مصلحة دولیة معتبرة .
المبحث الثانی
علاقة مبدأ التکامل بالتکییف القانونی للجریمة
بعد أن بینا فیما سبق مبدأ التکامل وعلاقته بتحدید مفهوم الجریمة الدولیة ، فأنه لابد من تسلیط الضوء على أثر هذا المبدأ فی تغییر التکییف القانونی للجریمة وذلک بأبراز علاقته بتکییفها ، فالجریمة باعتبارها أعتداء على مصلحة یحمیها القانون فأن درجة هذه المصلحة وأهمیتها – کما أسلفنا – تختلف باختلاف المجتمع الذی یعمل على تحقیقها . ولما کانت حمایة المصلحة الدولیة تمثل غایة المجتمع الدولی فأن خطورة الفعل المجرم على المصلحة الدولیة یکون أشد جسامة على المصلحة التی تحمیها التشریعات العقابیة الداخلیة مما أنعکس على تحدید مفهوم الجریمة ذاته .
وحیث أن تحدید مفهوم الجریمة بصفة عامة یقوم بالدرجة الأساس على مبدأ الشرعیة الجزائیة لتحدید ما هو مجرم من الأفعال وما هو مباح، وأن المحکمة الجنائیة الدولیة لا ینعقد لها الأختصاص بالدرجة الأساس ألا أذا قمنا بإعمال مبدأ التکامل لیتسنى لها ممارسة الولایة القضائیة وحیث أنها مقیدة بقاعدة شرعیة الجرائم والعقوبات الذی جاء بها نظامها الأساس فأن ذلک انعکس على نطاق مبدئی التکامل والشرعیة الجزائیة على حد سواء ولغرض الأحاطة الکافیة بهذا الموضوع فأننا قد قسمنا المبحث الى مطلبین :-
الأول / تناول مدى الأنسجام بین مبدئی الشرعیة الجزائیة والتکامل وانعکاسه على تحدید مفهوم الجریمة الدولیة .
أما الثانی / فتناول سلطة المحکمة الجنائیة الدولیة فی تغییر الوصف القانونی للجریمة .
المطلب الأول
مدى الأنسجام بین مبدئی الشرعیة الجزائیة والتکامل وأنعکاسه على مفهوم الجریمة
إن من مقتضیات مبدأ التکامل هو وجوب تحقق الشرعیة الجزائیة لتتمکن المحکمة الجنائیة الدولیة من ممارسة أختصاصاتها فهی لا ینعقد لها الأختصاص ما لم یشکل الفعل المؤثم جریمة فی نظرها . ولما کان النظام الأساسی للمحکمة قد قصر الأختصاص على أربعة جرائم فقط فأن شرعیة الجرائم والعقوبات فی ظل هذا النظام لا یتعدى نطاقه الى هذه الجرائم الأربع التی ذکرتها المادة (5) منه ،مما أستتبعه بالمقابل عدم أمکانیة أضفاء الوصف القانونی على جمیع الأفعال المحرمة وخاصة ذات الصفة الدولیة على أنها جرائم دولیة .
وعلى الرغم من التضییق الذی جاءت بها المادة (22) من النظام الأساس للمحکمة فیما یتعلق بالشرعیة الجزائیة ألا أنه کان لها الفضل فی إرساء الخطوات الأولى لرسم تصور قانونی لمبدأ الشرعیة الجزائیة فی النطاق الدولی ومن خلال تطبیق مبدأ التکامل .
وقبل البحث عن مبدأ الشرعیة الجزائیة فی النطاق الدولی فأنه لابد من بیان مرکز هذا المبدأ فی التشریعات العقابیة الداخلیة فمدلول مبدأ الشرعیة الجزائیة فی ظل هذه التشریعات یتمحور حول القول بأنه لا یمکن عد أی سلوک جریمة وأن لا تفرض علیه أیة عقوبة ألا بناءا" على نص أو سند شرعی . وهذا مرده الى أعتبارات عدة منها، ما هو متعلق بحقوق الأفراد وضمان حریاتهم فی تصرفاتهم أو منها ما هو متعلق بضرورات العدالة والمنطق اللذان یستوجبان أن یعرف الأنسان مسبقا" ما هو مجرم من الأفعال کی یتجنبها وأن لا یقع فی المحضور منها .
وأذا کانت صورة مبدأ الشرعیة الجزائیة فی التشریعات العقابیة الداخلیة واضحة تماما" ألا أنها لیست کذلک فی القانون الدولی الجنائی، فهذا الأخیر لا ینکر مبدأ الشرعیة الجزائیة لکونه یؤمن بالأعتبارات التی یستند علیها هذا المبدأ ، غیر أن اختلاف طبیعته فی النطاق الدولی عنه فی النطاق الداخلی یکمن فی الأختلاف الذی یفصل بین طبیعة القواعد الدولیة وطبیعة القواعد الوطنیة ، ذلک أن لهذا المبدأ فی القانون الدولی الجنائی أحکامه الخاصة، مما أستتبعه أن تکون لهذا المبدأ صیاغة خاصة تمیزه عن الصیاغة التی یفرغ فیها فی مجال القانون الوطنی.
وهکذا یتضح أن عدم الوضوح والضبابیة هما اللذان یکتنفان مبدأ الشرعیة الجزائیة فی النطاق الدولی، فکما هو معلوم أن مبدأ الشرعیة الجزائیة یدور وجودا" وعدما" مع القانون المکتوب ، وحیث أن هذه القاعدة لا یمکن أعمالها فی نطاق القانون الدولی الجنائی لخلوه من نصوص قانونیة معده سلفا" على هیئة تشریع لتحدید الجرائم على نحو ما هو موجود فی القانون الجنائی الوطنی ، مما یصعب معه معرفة فعل ما هل هو جریمة معاقب علیه جنائیا" أم لا ؟
وأن هذا النقص فی التشریع یمکن تفسیره بأن القانون الدولی بصفة عامة یفتقر الى المرکزیة فی سلطاته الثلاثة ( التشریعیة والتنفیذیة والقضائیة ) والذی أسهم ولحد کبیر فی ضعف هذا القانون وفروعه وعدم قدرته على التأثیر فی العلاقات الدولیة بصورة فعالة . ولقد حاول فقهاء وکتاب القانون الدولی قبل إنشاء المحکمة الجنائیة الدولیة صیاغة مبدأ الشرعیة الجزائیة بما یتلائم وطبیعة القانون الدولی الجنائی ، ونظرا" لعدم وجود سلطة تشریعیة مرکزیة والذی أدى بدوره الى عدم وجود نص یجسد الشرعیة الجزائیة فی قالب تشریعی قد دفع بالقضاء الجنائی الدولی الى اللجوء للعرف الدولی بالدرجة الأساس لسد النقص التشریعی الدولی بخصوص الشرعیة الجزائیة .
فالقاضی الجنائی فی النطاق الدولی حینما یطلب منه تحدید الصفة الأجرامیة لفعل ما فهو یبحث عن قواعد التجریم فی العرف الدولی أولا" وذلک لعدم وجود نصوص تشریعیة تحدد شرعیة الجرائم والعقوبات فأذا لم یجد ضالته فی العرف الدولی وجب علیه البحث فی مصادر القانون الدولی الأخرى، فأن تأکد له خضوع الفعل لهذه القواعد اعترف له بالصفة الأجرامیة دون أن یعنیه التحقق فیما أذا کانت هذه القواعد قد أفرغت فی شکل نصوص مکتوبة أم لا وذلک لأن الشرعیة الجزائیة لم تتبلور کمفهوم واضح المعالم لدى المشرع الدولی . أما أذا تبین له أن الفعل لا یخضع لهذه القواعد تعین على القاضی أن ینفی عنه کل صفة أجرامیة .
ویتضح من ذلک أن مبدأ الشرعیة الجزائیة قبل تشکیل المحکمة الجنائیة الدولیة کان یتجسد فی قاعدة ( لا جریمة ولا عقوبة ألا بناءا" على قاعدة قانونیة) وعلى وفق هذه القاعدة فقد أعطی للفعل صفة أجرامیة أیا" کان مصدر التجریم سواء کان هذا المصدر نص تشریعی أو عرف أو المبادئ العامة للقانون أو العدالة .غیر أنه بعد أنشاء المحکمة الجنائیة الدولیة، فقد تم ومن خلال نظامها الأساس أفراغ الشرعیة الجزائیة فی قالب تشریعی، مما سد کثیر من النقص الذی کان یعتری مفهوم الشرعیة الجزائیة فی النطاق الدولی .
ومن خلال قراءة نص المادة (22) من النظام الأساسی للمحکمة یظهر جلیا" مدى التلازم بین مبدئی التکامل ومبدأ الشرعیة الجزائیة حیث أنها رکزت على ثلاثة محاور أساسیة . المحور الأول / أنه لا یمکن مسآلة أی شخص جنائیا" ما لم یکن الفعل الذی أقترفه یشکل جریمة تدخل ضمن نطاق المحکمة .المحور الثانی / فهو یتضمن وجوب أن تقوم المحکمة بتأویل تعریف الجریمة تأویلا" دقیقا" مما یعنی أن مبدأ التکامل لا یتم أعماله ما لم یحدد مفهوم الجریمة الدولیة تحدیدا" دقیقا" یدخل هذه وأمثالها فی نطاق الجرائم التی حددتها المادة (5) من النظام الأساسی للمحکمة والتأویل الدقیق لتعریف الجریمة یعنی أن لا یوسع فی تفسیرها بحیث تدخل أفعال فی نطاق التجریم هی فی الحقیقة لیست جرائم وکذلک لا یضیق من نطاقها بحیث یفلت بعض الأشخاص من نطاق التجریم مع العلم أنهم مجرمین . فضلا" عن ذلک فأن للمحکمة أن تطبق قاعدة (( الشک یفسر لصالح المتهم )) سواء أکان فی مرحلة الأتهام أم المحاکمة أو الأدانة .المحور الثالث / قد رکز على أن إعمال مبدأ الشرعیة الجزائیة ینحصر فقط بالنسبة لعمل المحکمة وفی حدود الجرائم التی تضمنتها المادة (5) من النظام الأساسی للمحکمة وکل هذا لا یؤثر على اعتبار فعل ما بأنه جریمة على وفق قواعد القانون الدولی الجنائی الخارج عن أطار النظام الأساسی للمحکمة.
أن المادة (22) من النظام الأساسی للمحکمة توضح لنا مبدأ الشرعیة الجزائیة من حیث التوصیف القانونی لها فی النطاق الدولی وهذا التوصیف القانونی جاء مترابطا" مع المادة (5) من النظام الأساسی للمحکمة ، حیث أنها جاءت بأربع جرائم على سبیل الحصر والتی حدد بموجبهاو الأختصاص الموضوعی للمحکمة وهی(( جریمة الإبادة الجماعیة وجرائم ضد الأنسانیة وجرائم الحرب وجریمة العدوان )) وکل تکییف قانونی لأی فعل مجرم أو واقعة قانونیة مجرمة لا تدخل ضمن هذه الجرائم الأربع فلا یمکن للمحکمة أن تقوم بإعمال مبدأ التکامل للنظر بها حتى ولو کانت على مستوى کبیر من التهدید للمصلحة الدولیة .
وهکذا یتضح أنه على الرغم من أن النظام الأساسی للمحکمة قد نص على مبدأ الشرعیة الجزائیة ألا أنه کان قاصرا" وضیقا" کونه کان مقصورا" على بعض الأفعال المجرمة دون الأخرى . وهذا القصور قد ألقى بضلاله على عدم بلورة مبدأ الشرعیة الجزائیة بلورة واضحة والذی أنعکس بدوره سلبا" على تحدید مفهوم الجریمة بصفة عامة وعلى الجریمة الدولیة بصفة خاصة ، وکل هذا قد أدى بالنهایة الى أن مبدأ التکامل لا ینتج آثاره ألا فی حدود ما نصت علیه المادة (5) من النظام الأساسی للمحکمة .
إن المضمون القانونی لمبدأ الشرعیة الجزائیة – کما هو معلوم – یعنی أنه (( لا جریمة ألا بنص )) وأن هذه القاعدة یکون مجالها الطبیعی- وکما أسلفنا – هو القانون المکتوب ولیس القواعد العرفیة،وحیث أن الأفعال التی تهدد المصلحة الدولیة متعددة ولا تنحصر بالجرائم التی حددتها المادة (5) من النظام الأساسی للمحکمة فحسب فأن وصف أو تکییف فعل بأنه جریمة دولیة یعد فی غایة الصعوبة ، کون العدید من الأفعال المحرمة قد تم تجریمها فی نصوص قانونیة تناثرت فی عدة أتفاقیات دولیة لا تدخل ضمن الولایة القضائیة للمحکمة الجنائیة الدولیة ، مما أدى الى أفراغ قاعدة الشرعیة الجزائیة من محتواها الشمولی للأفعال غیر المباحة .
وهکذا یبدو واضحا" أن هناک ترابط وثیق بین مبدئی الشرعیة الجزائیة والتکامل من جهة وانعکاس هذا الترابط على تحدید مفهوم الجریمة الدولیة على الأقل من وجهة نظر النظام الأساسی للمحکمة من جهة أخرى فالمحکمة لا یمکن لها أن تطبق مبدأ التکامل ما لم تکن مختصة أصلا" بالنظر بالجرائم التی حددها نظامها الأساس على وفق مبدأ الشرعیة الجزائیة .
المطلب الثانی
سلطة المحکمة الجنائیة الدولیة فی تغیر الوصف القانونی للجریمة
لم یتضمن النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة أی نص واضح حول سلطة المحکمة فی تغیر الوصف القانونی للفعل المسند للمتهم ، على عکس الحال فی النظام القضائی الوطنی فالسلطات فیه تختلف فی مباشرة مهام التحقیق فی الفعل المکون للجریمة وأسناد الفعل للمتهم وحسب قانون کل دولة، ففی مصر مثلا" تتولى النیابة العامة مهام التحقیق فی الفعل المکون للجریمة وأسناده للمتهم متى ما رأت أن الأدلة کافیة لأدانته.وفی دول أخرى کالعراق یتولى قاضی التحقیق مهمة التحقیق فی الفعل المکون للجریمة. وهذه السلطات على أختلاف مستویاتها ودرجاتها تتولى مهام التحقیق بغیة الوصول الى تکییف للواقعة الجرمیة ، وهو ما یعنی وصف الواقعة بالجریمة المنسوبة الى المتهم من واقع النصوص القانونیة ، أذ بغیر هذا التکییف القانونی ینعدم الأتهام.
وإذا کانت المحاکم الوطنیة على أختلاف درجاتها تملک حق تغییر الوصف القانونی للفعل المسند الى المتهم فأن الأمر لیس کذلک بالنسبة للمحکمة الجنائیة الدولیة، فنظامها الأساسی لا یتضمن أیة نصوص واضحة حول سلطتها فی تغییر الوصف القانونی للفعل المکون للجریمة، غیر أنه یمکن أستشفاف هذه السلطة من خلال مبدأ التکامل ذاته .
وقد حاول واضعوا النظام الأساسی للمحکمة تقید عملها بجملة أحکام فی مسألة التکییف القانونی الذی یقوم به القضاء الوطنی، منها على سبیل الخصوص النصوص التی استهلت بها مقدمات نصوص المواد (6-7-8) من النظام الأساسی للمحکمة بعبارات تفصل بین السلوک الذی یشکل جریمة على وفق قانون العقوبات الوطنی، وذلک الذی یشکل جریمة وفقا" لأحکام النظام الأساسی للمحکمة.
وهذا الأستهلال أرید به الفصل بین الجرائم التی تنظر بها المحکمة وجرائم القانون العام التی تتضمنها القوانین الجنائیة للدول. وأذا کان النظام الأساسی للمحکمة قد عمل على التمییز بین الجرائم الداخلیة والدولیة باعتبار أن الأخیرة ترتکب فی أطار واسع النطاق ومنهجی موجه ضد أیة مجموعة من السکان المدنیین وعن علم بالهجوم .... وهذا ما أشارت ألیه مقدمات نصوص المواد ( 6-7-8 ) من النظام الأساسی ، وأذا کان واضعوا النظام الأساسی قد تجنبوا التداخل فی الاختصاص فوضعوا هکذا مقدمات لهذه النصوص فأن السؤال الذی یطرح نفسه هنا.هل أن هذه الجرائم التی ستنظر بدایة من قبل القضاء الوطنی تبقى تحمل ذات الوصف أذا انعقد الاختصاص للمحکمة الجنائیة الدولیة طبقا" لمبدأ التکامل، أم أنها ستحمل وصفا" قانونیا" آخر یمیزها عن الوصف الذی أضفاه علیه القضاء الوطنی ؟
یمکن الإجابة عن هذا التساؤل من خلال قراءة مقدمات المواد ( 6-7-8 ) من النظام الأساسی ومقارنتها مع مثیلاتها فی القانون الجنائی الوطنی، فسنجد الفارق واضحاً إذ أن هذه النصوص ستعطى للفعل أو الأفعال المکونة للجریمة وصفا" یختلف تماما" عن ذلک الذی یعطیه إیاه القانون الجنائی الوطنی، وهنا یظهر أثر مبدأ التکامل فی تغییر الوصف القانونی للجریمة .
فالقانون الجنائی الوطنی یضفی علیها وصف جریمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد أو جریمة خطف أو اغتصاب وهکذا فلا یتعدى الوصف القانونی لهذه الأفعال إلى أبعد من ذلک، فی حین لو اعتمدنا على مبدأ التکامل وانعقد الاختصاص بموجبه للمحکمة الجنائیة الدولیة سوف یأخذ الفعل وصف الجریمة الدولیة فتعتبر الجریمة هنا جریمة إبادة جماعیة أو جریمة ضد الإنسانیة متى ما أرتکب على شکل هجوم واسع النطاق ومنهجی یهدد المصلحة الدولیة ویعرض الأمن والسلم الدولیین للخطر وبهذا یختلف التوصیف القانونی لهذه الجرائم بحسب المصلحة التی یهددها والجهة التی تنظر فیها .
ولو عدنا بالقضاء الدولی الجنائی الى عهد محکمتی یوغسلافیا وراوندا المشکلتین بموجب قراری مجلس الأمن لوجدنا أن نظامهما الأساسی یعطیهما الحق فی أعادة النظر بالقضیة محل الدعوى بدلا" من القضاء الوطنی وفی أی مرحلة کانت بها الدعوى على اعتبار أن غایة ما سیصل ألیه تکییف القضاء الوطنی للدعوى هو اعتبارها أحدى جرائم القانون العام فی حین أن محکمتی یوغسلافیا أو راواندا ستکیفانها على أنها جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانیة . فمثلا" أذا أصدر القاضی الوطنی حکمه مؤسسا" على أن الواقعة المعروضة أمامه تمثل جریمة قتل مع سبق الإصرار والترصد فأن هذا الوصف لا یمنع محکمتی یوغسلافیا أو راواندا أن تعید النظر فی القضیة مرة أخرى وتوصف الجرائم بأنها من جرائم الحرب متى ما ارتکبت فی أطار سیاسة ونهج عام القصد منه أهلاک بعض العسکریین.
وبید أن مجلس الأمن عندما أعطى لهذه المحاکم الحق فی ممارسة الاختصاص بالنظر فی جرائم الحرب أو جریمة الإبادة الجماعیة أو ضد الإنسانیة ارتکبت فی یوغسلافیا وراوندا أثناء الحرب أنما أستند الى مبدأ علویة القانون الدولی على القانون الداخلی وبالتالی لا یجوز لأیة دولة أن ترفض تنفیذ قاعدة دولیة أو الألتزام بها بحجة نعارض القاعدة الدولیة مع قواعد قانونها الداخلی لأنه فی حالة التعارض هذه، فأن الأولویة والغلبة ستکون لقواعد القانون الدولی.
إن النص على مبدأ التکامل فی النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة جیء به للتأکید على أحترام مبدأ سیادة الدولة على نظامها القضائی،غیر أن هذا الأحترام ولد صعوبات أمام تحقیق العدالة الجنائیة الدولیة، ولأجل تلطیف حدة التناقض بین أعتبارات السیادة الوطنیة وضرورات تحقیق العدالة الجنائیة الدولیة، فأن النظام الأساسی للمحکمة وعلى الرغم من اعطاء القضاء الوطنی الأختصاص الأصیل بالنظر فی الأفعال المکونة للجرائم ألا أنه وضع على هذا الحق قیود – وکما أسلفنا سابقا"وأن هذه القیود والمحددات قد أثرت بصورة مباشرة وغیر مباشرة فی تحدید الوصف القانونی الدقیق للأفعال المکونة للجرائم، ولأجل توحید الأفعال القانونیة التی تتضمنها نصوص التشریعات الجنائیة الوطنیة والنظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة فأن هناک عدة مقترحات تمثل الحلول للمشاکل التی قد یثیرها تطبیق مبدأ التکامل وخاصة فیما یتعلق بتغییر الوصف القانونی للجرائم .
ولقد وضعت عدة حلول لمعالجة المشاکل التی قد تنجم من التفاوت ما بین التشریعین الداخلی والدولی وخاصة فی ما یتعلق بمسائل التجریم والعقاب ومن هذه الحلول :-
أولا" // اعادة صیاغة القانون الجنائی الوطنی بما یستوعب الجرائم المنصوص علیها فی النظام الأساسی للمحکمة، أذ یجب على الدول أن تسن تشریعات وطنیة تنص على أن هذه الجرائم التی یجرمها القانون الدولی مجرمة فی القانون الوطنی أینما أرتکبت وأیا" کان مرتکبها ومهما کانت جنسیته .(( ولهذا یجب على التشریع الوطنی أن یتضمن بذاته جمیع عناصر الجرائم الدولیة أذا ما أتجه القضاء الوطنی الى فرض ولایته فی محاکمة المتهمین بارتکابها،ویؤدی هذا المسلک الى أزدواج التجریم فی کل من الأتفاقیة الدولیة أذا نصت على الجرائم والعقوبات،والتشریع الوطنی )) .
ویذهب البعض أن أعادة الصیاغة للقانون الجنائی الوطنی أو ما یسمى ((بالتکییف التشریعی)) لا یعد فقط مجرد ألتزام دولی یقع على عاتق الدولة التی تصادق أو تنظم الى النظام الأساسی للمحکمة وأنما یعد کذلک وسیلة قانونیة للدولة الطرف لممارسة اختصاصها القضائی على هذه الجرائم ومرتکبیها وأعمال نصوص قانونها الداخلی علیها
ثانیا" // أجرت جامعة الدول العربیة دراسة بینت فیها مجموعة من الأسالیب لتجریم الانتهاکات وخاصة تلک المتعلقة بالانتهاکات الجسیمة للقانون الدولی الإنسانی وتضمینها فی القانون الوطنی للدول، ومن هــــــــــــذه الأسالیب :-
1- تمکین القضاء الوطنی من تطبیق أحکام النظام الأساسی للمحکمة فی التجریم والعقاب عن طریق الإحالة القانونیة .
2- القیام بعملیة التطبیق بین القانون الجنائی الوطنی والنظام الأساسی للمحکمة عن طریق نقل الجرائم والعقوبات من النظام الأساسی الى القانون الجنائی الوطنی وبإحدى الطریقتین:-
أ- نقل أحکام الجرائم المنصوص علیها فی النظام الأساسی للمحکمة إلى القانون الوطنی وتحدید عقوبة کل منها .
ب- إعادة صیاغة الجرائم المنصوص علیه فی النظام الأساسی للمحکمة وأدراجها فی القانون الوطنی وعلى وفق الصیاغة المعتمدة فیه وتحدید العقوبة المقررة لها.
وعلیه یمکن القول أن على المشرع الوطنی لکی یظفر بأولویته فی محاکمة مرتکبی الجرائم التی حددتها المادة (5) من النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة أن یلتـزم بأمرین : أولهما :- مراعاة الألتزامات الدولیة التی تقع على الدولة بحکم تصدیقها على أتفاقیة أنشاء المحکمة الجنائیة الدولیة وغیرها من الأتفاقیات التی أحال ألیها نظامها الأساسی.
وثانیهما :- أحترام مبدأ الشرعیة الجزائیة بوصفه مبدءا" دستوریا" وحتى یتسنى المشرع الوطنی الوفاء بهذا الألتزام بغیة الوصول الى وحدة التکییف للأوصاف القانونیة علیه أن یلجأ الى أتباع أحد الأسلوبین . الأول / (التکییف بالأدماج) ویعنی هذا الأسلوب أن على السلطة التشریعیة الوطنیة أن تتبنى تعریف الجریمة الدولیة وفقا" للنظام الأساسی للمحکمة فی نص التشریع الوطنی وتدمجه فی بنیانه التشریعی ،فی هذه الحالة یکون هذا النص هو مصدر التجریم والعقاب ویکون أساسا" لمباشرة الأجراءات الجنائیة عن طریق السلطة القضائیة الوطنیة .
أما الأسلوب الثانی / فیسمى ب(التکییف بالأحالة) ویتمثل هذا الأسلوب فی أن تحیل السلطة التشریعیة الوطنیة بنص صریح للنصوص الدولیة المحددة للجرائم والعقوبات.
الخاتمة :
أثر وصولنا نهایة المطاف فی بحثنا الموسوم ب(( أثر مبدأ التکامل فی تغییر مفهوم الجریمة الدولیة )) فاننا قد توصلنا الى جملة نتائج وتوصیات وکالاتی:-
اولا :- النتائج
أن مبدأ التکامل یعد السمة البارزة فی النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة، کونه یهدف الى تحقیق الوحدة الوظیفیة بین القضائین الوطنی والدولی، فانعقاد الأختصاص القضائی للمحکمة الجنائیة الدولیة لا ینهض وفقا" لهذا المبدأ ألا أذا کان القضاء الوطنی ضعیف وغیر قادر على ممارسة اختصاصه أو کان غیر نزیه وما الى ذلک من أسباب تحول دون قیامه بممارسة اختصاصاته وبشکل طبیعی، أذن فالقضاء الدولی الجنائی ممثلا" بالمحکمة الدولیة یکون مکملا" للقضاء الوطنی فی ممارسمة الولایة القضائیة على الجرائم المرتکبة.
أن هذا التکامل فی الأختصاص بین القضائین الوطنی والدولی قد أثر ولحد کبیر فی تحدید مفهوم الجریمة بصفة عامة کون الفعل المجرم سیخضع لأکثر من وصف قانونی فی حالة إعمال مبدأ التکامل، ذلک أن القضاء الوطنی سیعطیها وصفا" قانونیا" لا یتعدى جریمة قتل مع سبق الأصرار أو سرقة بأکراه أو اغتصاب وما الى ذلک من الأفعال التی جرمها القانون الجنائی الوطنی، فی حین أن المحکمة الجنائیة الدولیة ستعطیها وصفا" قانونیا" آخر أو سیکفیها على أنها جریمة أبادة جماعیة وجرائم ضد الأنسانیة متى ما أرتکبت فی أطار وسیاسة منهجیة واسعة النطاق أن هذا الأختلاف فی الأوصاف والتکییفات القانونیة مرده الى الأختلاف فی النظم القانونیة والقضائیة التی یخضع لها الفعل المجرم فی النظامین الوطنی والدولی.
ثانیا:- التوصیات
لأجل توحید التکییفات والأوصاف القانونیة فأننا نوصی بتوحید التشریعات الجنائیة الوطنیة مع النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة للوصول الى وحدة التکییف للفعل المجرم فی النطاقین الوطنی والدولی وهذا یکون بإحدى الطریقتین :-
1 – إعادة صیاغة التشریعات الوطنیة بتضمینها النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة
2 – اعتبار النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة جزء لا یتجزأ من القانون الوطنی على اعتبار ان للقانون الدولی سموا على القانون الوطنی.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First "books
1- Dr. Ahmed Abdel Alim Shaker Ali, International Treaties before the Criminal Court, 1, Legal Books House, Cairo, 2006.
2- Dr. Ahmed Fathy Sorour, The New World between Economics, Politics and Law (Perspectives in a Changing World), 2, Dar Al Shorouk, Cairo, 2005.
3- Dr. Barbara Munther Kamal Abdul Latif, The Judicial System of the International Criminal Court, 1, Dar Al-Hamed, Amman, 2008.
4- Jawad Al-Rihaimi, Legal Adaptation of Criminal Proceedings, 2nd ed., Legal Library, Baghdad, 2006.
5- Dr. Hossam Ali Abdul Khaliq Sheikha, Responsibility and Punishment for War Crimes with an Empirical Study on War Crimes in Bosnia and Herzegovina, New University Publishing House, Alexandria, 2004.
6- Dr. Hussein Al - Sheikh Mohammed Taha Al - Balsani, International Criminal Justice: An Analytical and Evaluation Study in the Light of International Criminal Law, Erbil Culture Press, 2004.
7- Dr. Sami al-Nasrawi, General Principles in the Penal Code, C1, Baghdad, 1977.
8- Dr. Dhari Khalil Mahmoud and Bassil Yousef, International Criminal Court: The Dominance of the Law or the Law of Hegemony, I, House of Wisdom, Baghdad, 2003.
9- Dr. Abdel Rahim Sedqi, International Criminal Law, Cairo, 1986.
10- Dr. Abdel Fattah Bayoumi Hegazi, Basic Rules of the International Criminal Court System, Alexandria, 2006.
11- Dr. Abdul-Fattah M. Siraj, The Principle of Integration in International Criminal Justice (An Analytical and Structural Study), I, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo,
12- Dr. Essam Al-Attiyah, Public International Law, I6, Legal Library, Baghdad, 2006.
13- Dr. Ali Hussein Al-Khalaf and Sultan Abdul Qader Al-Shawi, General Principles in Penal Law, Legal Library, Baghdad, b. T .
14- Dr. Ali Abdel Qader Al-Kahwaji, International Criminal Law (The Most Important International Crimes, International Criminal Tribunals), I 1, Halabi Publications, Beirut, 2001.
15- Dr. Ali Yousef Al-Shukri, International Criminal Law in a Changing World, I, Itrak Publishing and Distribution, Cairo, 2005.
16- Dr. Maher Abdul-Shwaish Al-Durrah, Explanation of the Penal Code (General Section), Dar Al-Hikma for Printing and Publishing, Mosul, 1990
17. Explanation of the Penal Code (Special Section), Dar al-Hikma for Printing and Publishing, Mosul, 1997.
18- Dr. Mohammed Khalil Al-Mousa, Judicial Function of International Organizations, I, Dar Al-Wael Publishing and Distribution, Amman, 2003.
19- Lectures in the Explanation of the Penal Code (General Section), 1, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 2003.
20- d. Mahmoud Saleh Al-Adly, International Crime (Comparative Study), University Thought House, Alexandria, 2004.
21. Dam. Mahmoud Naguib Hosni, Lessons in International Criminal Law, Arab Renaissance House, Cairo, 1960.
22. Hans J. Murmingthau, Politics between Nations The Conflict for Sultan and Peace, Translated by Khairi Hammad, C2, Beirut, 1964.
II "/ magazines
1- Dr. Ben Amer Al-Tunisi, The Relationship between the Criminal Court and the Security Council, Journal of Law and Political Science, No. 4, University Institution for Studies, Publishing and Distribution, Beirut, 2006.
2- Dr. The International Human Rights Law and the International Criminal Court, Research presented to the Annual Conference of the Faculty of Law, Beirut Arab University, entitled "International Human Rights Law - Prospects and Challenges", 2, 1, Halabi Publications, Beirut, 2005.
3- Dr. Mohamed Mohiuddin Awad, Studies in International Criminal Law, Journal of Law and Economics, No. (3), 1965.
Third "/ International Network (Internet)
1. International Criminal Court: A reminder list for effective implementation, research published on the Internet at http://ara.ammesty.org
(Iv) letters and university papers
1- Talal Abdul-Hussein Al-Badrani, Criminal Jurisdiction (Comparative Study), PhD thesis, Faculty of Law, Mosul University, 2002.
Fifthly, "International Instruments"
1. The Statute of the International Criminal Court, issued in 1998