الملخص
عند إنتهاء الحرب العالمیة الثانیة وقیام الأمم المتحدة بأهدافها المعروفة وعلى مدار أکثر من أربعة عقود ومنذ نشأة هذه الأخیرة نجد أن هناک سمة أساسیة فی المجتمع الدولی أنذاک تتمثل فی الحرب الباردة بین کتلتین رئیستین فی المجتمع الدولی ، الکتلة الاشتراکیة بقیادة الإتحاد السوفیتی (السابق) ، والکتلة الرأسمالیة بقیادة الولایات المتحدة الأمریکیة ، وخلال فترة الحرب الباردة کانت الولایات المتحدة الأمریکیة تتبع مسلکاً واضحاً لاحتواء التوسع السوفیتی (فی هذه الفترة) فی أی مکان من العالم والعمل طوال الوقت على بناء ترسانة هائلة من الأسلحة النوویة لردع الإتحاد السوفیتی عن إستخدام القوة العسکریة ضد الولایات المتحدة أو حلفائها
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
أسانید الولایات المتحدة بشأن الحرب الاستباقیة -(*)-
محمد یونس یحیى الصائغ کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Muhammad Yunus Yahya Al-Sayegh College of law / University of Mosul Correspondence: Muhammad Yunus Yahya Al-Sayegh E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 11/10/2008 *** قبل للنشر فی 5/1/2009 .
(*) Received on 11/10/2008 *** 5/1/2009 accepted for publishing on .
Doi: 10.33899/alaw.2009.160567
© Authors, 2009, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المقدمة :
عند إنتهاء الحرب العالمیة الثانیة وقیام الأمم المتحدة بأهدافها المعروفة وعلى مدار أکثر من أربعة عقود ومنذ نشأة هذه الأخیرة نجد أن هناک سمة أساسیة فی المجتمع الدولی أنذاک تتمثل فی الحرب الباردة بین کتلتین رئیستین فی المجتمع الدولی ، الکتلة الاشتراکیة بقیادة الإتحاد السوفیتی (السابق) ، والکتلة الرأسمالیة بقیادة الولایات المتحدة الأمریکیة ، وخلال فترة الحرب الباردة کانت الولایات المتحدة الأمریکیة تتبع مسلکاً واضحاً لاحتواء التوسع السوفیتی (فی هذه الفترة) فی أی مکان من العالم والعمل طوال الوقت على بناء ترسانة هائلة من الأسلحة النوویة لردع الإتحاد السوفیتی عن إستخدام القوة العسکریة ضد الولایات المتحدة أو حلفائها( )0
ثم بعد ذلک إنتهت الحرب الباردة من الناحیة العملیة بتفکک الإتحاد السوفیتی (السابق) وذلک فی أوائل التسعینات من القرن المنصرم ( )0
وبالتالی کانت هناک نتیجة مترتبة على إنهیار الإتحاد السوفیتی وإنتهاء الحرب الباردة تتمثل فی قیام الولایات المتحدة الأمریکیة فی إعادة التفکیر فیما یتعرض له الأمن الأمریکی من مخاطر 0
إن الإستراتیجیة الأمنیة – الأمریکیة التی وضعت للتعامل مع أخطار الحرب الباردة لیست ملائمة للتعامل مع ما یتعرض له الأمن الأمریکی من مخاطر فی القرن الحادی والعشرین 0
وبالتالی لابد من صیاغة إستراتیجیة أمن جدیدة مناسبة لهذا العالم الجدید – وذلک بعد إنتهاء الحرب الباردة – وأن تضع السیاسات البرامج الکفیلة لتنفیذ هذه الإستراتیجیة وتتمثل فی إستراتیجیة دفاعیة –
کما یرى وزیر الدفاع الأمریکی ولیم بیری – للولایات المتحدة الأمریکیة فی القرن الحادی والعشرین وهی ما تسمى بالإستراتیجیة الوقائیة وبمجرد انهیار الإتحاد السوفیتی السابق فی بدایة التسعینات وزوال قدرته على مناطحة الولایات المتحدة عسکریاً بادر فریق عمل کان یعمل تحت إمرة (دیک تشینی) بوضع وثیقة عرفت ( بمرشد التخطیط لشؤون الدفاع Defence Aplanning Guidance ) وقد نصت :
الوثیقة على أن الولایات المتحدة الأمریکیة ینبغی أن تکون على إستعداد للجوء الى القوة إذا لزم الأمر ، وإن هذه السیاسة الأمریکیة هدفها أن تظل الأسبقیة للولایات المتحدة على وجه الدوام وأن تکون کفیلة بهزیمة مخططات أیة دولة تسعى لمنافستها 0
إن هذه الوثیقة – السابق ذکرها – لم تجتذب الإنتباه إلا بعد أحداث (11 سبتمبر2001 ) ، فقد شجعت بوش الأبن على وضع ملامح إستراتیجیة جدیدة . وبناء على هذه الإستراتیجیة الجدیدة أصبح بوسع الولایات المتحدة الأمریکیة خوض حرب وقائیة أو إستباقیة دون تعرضها لخطر تلقی ضربات فعلیة فی المقابل0
وهذا ما سوف نحاول أن نقوم بإستبیانه من خلال الهیکلیة التالیة :
المبحث الأول / الحرب الاستباقیة وتطبیقاتها
المطلب الأول / مفهوم الحرب الإستباقیة
المطلب الثانی / تطبیقات الحرب الاستباقیة
المبحث الثانی / شرعیة الحرب الاستباقیة
المطلب الأول / الولایات المتحدة الأمریکیة وشرعیة الحرب الاستباقیة .
الفرع الأول / شرعیة الحرب الاستباقیة فی المفهوم الامریکی
الفرع الثانی / الاسانید التی استندت علیها USA من اجل تبریر الحرب الاستباقیة .
المطلب الثانی / الموقف الدولی من شرعیة الحرب الاستباقیة
الخاتمة
المبحث الأول
الحرب الاستباقیة وتطبیقاتها
من اجل التعریف بالحرب الاستباقیة وأصولها التاریخیة وتطبیقاتها قدیماً وحدیثاً سوف نقسم هذا المبحث الى مطلبین ، نتناول فی الأول ماهیة الحرب الاستباقیة ونستعرض من خلال الثانی تطبیقات لهذه الحرب .
المطلب الأول
مفهوم الحرب الإستباقیة
إن الحرب الإستباقیة war preempitive کفکرة لا تعود الى أحداث 11 سبتمبر 2001 فقط بل قبل ذلک ، فعند نهایة النظام العالمی الثنائی القطبیة الذی رمز له بسقوط حائط برلین فی عام 1989 وتلاه بعد ذلک انهیار المعسکر الإشتراکی بقیادة الإتحاد السوفیتی السابق ، فقد ظهرت الولایات المتحدة الأمریکیة بوصفها الدولة العظمى الوحیدة ، فلم یکن هناک دولة تملک أن تزعم لنفسها الندیة فی التسلح مع أمریکا ( )0
ففی بدایة التسعینات إنهار الإتحاد السوفیتی وترتب على ذلک زوال قدرته على مناطحة أمریکا عسکریاً ، وعلى الجانب الاخر فی الولایات المتحدة الأمریکیة (بالذات فی عهد الرئیس بوش الأب) تکون فریق عمل تحت إمرة دیک تشینی وزیر الدفاع الأمریکی فی تلک الفترة الزمنیة ، وذلک من أجل وضع وثیقة عرفت بإسم (مرشد التخطیط لشؤون الدفاع Defnce Planning Guidance ) وقد نصت هذه الوثیقة على أن الولایات المتحدة ینبغی أن تکون على إستعداد للجوء الى القوة إذا لزم الأمر لمنع إنتشار الأسلحة النوویة وأن هدف السیاسة الأمریکیة أن تظل الأسبقیة للولایات المتحدة على وجه الدوام ( ) .
وعندما تقلد الرئیس بیل کلنتون رئاسة الولایات المتحدة الأمریکیة إنصب الإهتمام على المخاطر الجوهریة على الأمن القومی وعلى الإستراتیجیات ذات القیمة الباقیة ولیس على (( أزمة الیوم )) التی تصنع عناوین الأخبار والواقع أن التمییز بین المخاطر الکبرى والصغرى على الأمن القومی واحد من الأساسیات فی نهج الدفاع الوقائی .
الى جوار ما تقدم نجد أن هناک فی الولایات المتحدة تعاوناً مشترکاً من الناحیة الأکادیمیة بین (جامعة هارفارد وجامعة ستانفورد عام 1997) من أجل انجاز برنامج جامعی مشترک تحت اسم ((مشروع الدفاع الوقائی)) لکل من الدکتور ولیام ج . بیری والدکتور أشتون ب . کارتر بصفة ان الدفاع الوقائی إستراتیجیة دفاعیة ذات خطوط سیاسیة عسکریة عریضة وبالتالی یعتمد على کل أدوات السیاسة الخارجیة المتمثلة فی الإدارات السیاسیة والإقتصادیة والعسکریة ویکون لوزارة الدفاع الأمریکیة الدور المحوری فیها .
فی أعقاب تفجیرات برجی التجارة العالمیین فی نیویورک ووزارة الدفاع الأمریکی (البنتاغون) بواشنطن أعلنت الولایات المتحدة الأمریکیة عن مبدأین أساسیین فی سیاستها الخارجیة ویتمثلان فی :
المبدأ الأول :
إعلان الحرب على الإرهاب فی کل أرجاء العالم والذی کان من نتائجه الهجوم على أفغانستان فی السابع من أکتوبر 2001 ، من جانب التحالف الذی تزعمتهُ الولایات المتحدة الأمریکیة ، وقد کان هناک اجماع دولی على انهاء نظام طالبان وتنظیم القاعدة فی افغانستان ، واستند هجوم الولایات المتحدة الأمریکیة وحلفائها على أفغانستان بزعم أن هذه الأخیرة معقل للإرهاب الدولی ، والذی نلاحظه على هذا الهجوم أن الولایات المتحدة الأمریکیة وحلفاءها لم یقدموا أدلة مادیة حقیقیة تثبت ضلوع أفغانستان فی الإرهاب ، وهذا ما جعل بعض الفقهاء یقولون بعدم شرعیة الهجوم على أفغانستان0
المبدأ الثانی :
ویتعلق بالسیاسة الخارجیة للولایات المتحدة الأمریکیة أعقاب أحداث 11 سبتمبر ویتمثل فیما أعلنه الرئیس بوش الإبن عن (( نظریة الحرب الوقائیة )) .
والتی بمقتضاها یحق للولایات المتحدة الأمریکیة استخدام القوة العسکریة ضد أیة دولة أو منظمة إرهابیة یتوقع أو یخشى أن تشن هجوماً مسلحاً على الولایات المتحدة الأمریکیة دون أن یکون هناک هجوم قد وقع بالفعل أو بدء الأعمال التحضیریة ( ).
وقد لعب المحافظون الجدد بخصوص نظریة الحرب الاستباقیة دوراً مهماً من أجل تنفیذ إستراتیجیة أمریکیة جدیدة تحدث تغییرات دراماتیکیة کبیرة فی السیاسة الخارجیة الأمریکیة التی سارت علیها الولایات المتحدة (لمدة نصف قرن تقریباً) وقد تم صیاغة هذه الإستراتیجیة الجدیدة تحت مسمى ((إستراتیجیة الأمن القومی والتی أعلنها بوش الإبن فی الثامن عشر من سبتمبر 2002 ، وبموجب هذه الإستراتیجیة الأمریکیة الجدیدة ، أصبحت العقیدة الدفاعیة الأمریکیة تقوم على أساس فکرة الضربات الإستباقیة preempitive ، وبذلک تکون ( الولایات المتحدة ) قد تخلت عن سیاسة الإحتواء التی کانت متبعة فی أثناء الحرب الباردة Containment وبذلک تکون الإستراتیجیة الجدیدة الأمریکیة الضربات الإستباقیة وتعنی نشر القوة والنفوذ الأمریکیین حول العالم 0
وفی العاشر من أکتوبر عام 2002 صدر قرار من الکونجرس الأمریکی بالموافقة على تصریح بوش الإبن بإستخدام القوة العسکریة الأمریکیة على أساس الضربات الإستباقیة من أجل الدفاع عن أمن الولایات المتحدة الامریکیة ، وبذلک أصبحت نظریة الحرب الإستباقیة جزءاً أساسیاً ومحوریاً فی السیاسة الخارجیة الأمریکیة ووفقاً لهذه النظریة فإن إستخدام القوة لا یتوقف على صد هجوم مسلح تتعرض له الدولة ، وإنما یکفی توقع أو احتمال أو حتى التعرض لتهدید بوقوعه ، وذلک بعدم انتظار وقوعه فعلاً والرئیس بوش الابن لا یعنی بالإستباق هنا المعنى الضیق للکلمة ، أی استباق هجوم وشیک الحدوث إنما یعنی على وفق مفهوم بوش الإبن شن حرب وقائیة شاملة تجنباً لتهدید وارد حدوثه لیس هو بالضرورة قریباً ونظرة الحرب الوقائیة على هذا النحو تقترب من الرأی الذی إبتدعه بعض الفقهاء الغربیین ، عندما قامت إسرائیل بعدوانها فی عام 1967مع الدول العربیة ( مصر وسوریا والأردن وباقی فلسطین الإنتدابیة ووصف هذا الغزو بمسمى الغزو الدفاعی ، من أجل تبریر عدوانها .
المطلب الثانی
تطبیقات الحرب الإستباقیة
عرفنا ( فی المطلب السابق ) أن الولایات المتحدة الأمریکیة اتبعت إستراتیجیة جدیدة فی علاقاتها الخارجیة وتتمثل هذه الإستراتیجیة فی أن تظل الأسبقیة للولایات المتحدة الأمریکیة على وجه الدوام وأن تکون کفیلة بهزیمة أیة دولة تسعى لمنافستها ، وسوف نقوم بعرض تطبیقین لهذه الإستراتیجیة ( الحرب الإستباقیة ) أحدهما تکون الولایات المتحدة الأمریکیة ضحیة وهذا من العجب طبعاً وثانیهما تکون الولایات المتحدة الأمریکیة هی الجلاد فیه ویتمثل هذان التطبیقان فی :
1- الحرب الأهلیة فی الولایات المتحدة الأمریکیة 1860-1861 م 0
2- الحرب الأمریکیة البریطانیة على العراق (فی مارس 2003 م)0
1- الحرب الأهلیة فی الولایات المتحدة الأمریکیة 1860-1861م0
وتتلخص هذه الحرب فی أن هناک سبع ولایات جنوبیة فی الولایات المتحدة الأمریکیة وتتبع سیاسة العبودیة فی حکم هذه الولایات إذ کان العنصر الأبیض هو الحاکم السائد فی هذه الولایات ، وأن السود ماهم إلا عبید عند هؤلاء البیض ، وقد شعرت الولایات السبع الجنوبیة بأن الإدارة الأمریکیة - الإتحادیة- سوف تحارب سیاسة العبودیة ، وبناءً على ذلک وفی عام 1860-1861 إنشقت سبع ولایات جنوبیة کعمل استباقی لإحباط التهدید المتوقع للعبودیة والسیادة البیضاء (الجنس الأبیض) الذی قدمته إدارة الرئیس الأمریکی ( إبراهام لنکولن ) رئیس الولایات المتحدة فی هذه الحقبة الزمنیة وقد أعلنت صحیفة الأباما إن إنتخاب لینکولن یظهر أن الشمال ینوی تحریر الزنوج من السیاسات المتبعة معهم فی هذه الولایات الجنوبیة السبع والدمج بینهم وبین الجنس الأبیض وبالقوة وأیضاً بین أطفال الرجال الفقراء ونظرائهم الأغنیاء فی الجنوب 0
ولقد حذر انفصالیون من تلک الولایات السبع : إذا ظلت جورجیا فی إتحاد یحکمه لینکولن وطاقمه فسیصبح أطفالنا - على حد قول الإنفصالی – فی غضون عشرة سنوات أو أقل عبید للزنوج 0
حاول المعتدلون الجنوبیون دون جدوى إقناع زملائهم المتسرعین بإعطاء الرئیس الأمریکی وإدارته فرصة لإنجاز ما وعد به من عدم التدخل فی سیاسة العبودیة فی الولایات المتحدة بصفة عامة والولایات السبع الجنوبیة بصفة خاصة ، وناشد المعتدلون الجنوبیون هؤلاء الإنفصالیون بعدم إتخاذ قرار إنفصال الولایات السبع الجنوبیة عن الإتحاد الأمریکی قبل إتخاذ أی فعل سافر ضد الحقوق الجنوبیة من قبل الرئیس لینکولن وإدارته ، وبذلک تتجنب الولایات المتحدة الأمریکیة خطر الحرب الأهلیة التی سوف تندلع نتیجة لمثل هذا الإنفصال ، لکن المنشقون الجنوبیون لم یستمعوا لمثل هذه النصائح ، الأمر الذی جعل أحدهم یقول : إذا ما وجدت أفعى جرسیة ملفوفة فی طریقی هل أنتظر (( فعل سافر )) منها أم أضربها ؟ وبالفعل قام الإنفصالیون فی الجنوب بضرب حصن سومتر فی 12 أبریل 1861 ، على الرغم من أن تعلیمات رئیس الولایات المتحدة الأمریکیة لحاکم کارولینا الجنوبیة فی إعادة تجهیز حامیة الحصن بالأحکام وقد قام الإنفصالیون بالمهاجمة الإستباقیة للحصن ، أولاً واستولوا على هذا الحصن قبل أن تصل إلیه التعزیزات الخاصة بحمایته – الحصن – ونجد أن أحدهم – الإنفصالیون – قال (( إنه لن یضیع أی وقت فی توقع الهجوم الوشیک )) وبالفعل قد حقق جیوش الجنوب إنتصاراً مهماً على الشمالیین وبعد معرکة ماناساس – فی یولیو 1861– أعلنه أحد رجالات الإدارة الأمریکیة : (( بأن الجنس الأمریکی قد تعطل وفشل الإتحاد فی فرض سیادته على الجنوب ))0
ولکنه بعد أقل من أربع سنوات – على إنتصار الجنوبیون ، قد إنقلبت الأوضاع ولقی أکثر من ربع الرجال البیض ذوی العمر العسکری فی الولایات الجنوبیة مصرعهم ، وتم تدمیر ثلثی الثروة الجنوبیة بالإضافة الى تحریر أربعة ملایین عبد وأصبحوا الآن یمتلکون أنفسهم وأصبح الوضع تحت سیطرة جیوش الإتحاد () 0
2- الحرب الأمریکیة البریطانیة على العراق (فی مارس 2003 م):
فی أعقاب أحداث الحادی عشر من سبتمبر 2001 قامت الولایات المتحدة الأمریکیة على وجه السرعة بالإعلان عن مسؤولیة تنظیم القاعدة عن هذه الأحداث وفی أقل من شهر- فی السابع من أکتوبر 2001م قامت بشن الحرب على أفغانستان من أجل الإنتقام من تنظیم القاعدة () 0
والثأر مما حدث فی أحداث الحادی عشر من سبتمبر وبعد الإنتهاء من الحرب على أفغانستان بدء مسلسل جدید من العدوان على دولة أخرى - العراق – من قبل الولایات المتحدة الأمریکیة وبریطانیا فقبل شن الحرب العسکریة على العراق کان هناک حرب دبلوماسیة من أجل محاولة إضفاء صفة الشرعیة الدولیة على هذه الحرب العسکریة التی سوف تشنها على العراق تروج فیها – الولایات المتحدة الأمریکیة – لثلاث ذرائع أطلقتها فرادى على أمل أن توفق إحداهم فی تبریر شنها الحرب على العراق أولى هذه الذرائع یتمثل فی نزع أسلحة الدمار الشامل العراقیة على حسب زعمهم وقد راهنت الولایات المتحدة الأمریکیة على هذه الذریعة ودارت معرکة دبلوماسیة ضاریة فی مجلس الأمن ، انتهت الى صدور القرار رقم (1441) عن مجلس الأمن فی نوفمبر 2002 وبالإجماع على أساس فهم واحد مشترک بین جمیع الأعضاء الدائمین فی مجلس الأمن وفی مقدمتهم الولایات المتحدة ، وهذا الفهم المشترک یقوم على أساس أن هناک فرضیة أمریکیة تتمثل فی وجود أسلحة للدمار الشامل فی العراق ، کما نص القرار على أن مجلس الأمن نفسه الذی سیتأکد من صحة هذا الإدعاء وبالفعل قبل العراق عملیة التفتیش من خلال لجان خاصة بکل أنواع أسلحة الدمار الشامل ، بل أن العراق قبل هذا القرار وخارج القرار ما لا یمکن لدولة ذات سیادة أن تقبله وقد أظهر تعاوناً مشهوداً مع فرق التفتیش والتی قدمت تقاریرها الى مجلس الأمن بتبرئة ساحة العراق من إمتلاکه أسلحة للدمار الشامل 0
والذریعة الثانیة هی تخلیص العراق من النظام الدیکتاتوری فی العراق ، أما الذریعة الثالثة التی سرعان ما تلاشت وأصبحت لا أثر لها نظراً لعدم وجودها على أرض الواقع – فتتمثل فی علاقة النظام العراقی بتنظیم القاعدة ()0
لقد کان العراق متعاوناً تعاوناً جدیاً مع القرار رقم 1441 الصادر عن مجلس الأمن ، وعلى وفق هذا القرار قدم العراق التقریر المطلوب منه عن الحالة الراهنة بکل جوانبه والرامیة الى تطور أسلحة کیمیاویة وبیولوجیة ونوویة وغیرها ، وقد أعقب هذه الخطوة قیام کل من الوکالة الدولیة للطاقة الذریة ولجنة انموفیک بإتخاذ الإجراءات اللازمة للعودة للعراق وکان الأخیر یبدی تعاونا وإلتزاماً مع هؤلاء المفتشین على وفق نصوص القرار رقم 1441 بشهادة هؤلاء المفتشین والأمین العام للأمم المتحدة الذین أشادوا بتعاون العراق وإلتزامه ، إلا أن الولایات المتحدة الأمریکیة کان لها رأی آخر على الرغم من نصوص القرار 1441 المجحفة فی المسألة العراقیة ، فنجدها فی إطار الحرب النفسیة فقد قامت بإلقاء ملایین المنشورات على العسکریین والمدنیین لتحریضهم على النظام العراقی ، وقامت أیضا الولایات المتحدة ، بتکثیف الغارات الجویة الیومیة المضادة على الأهداف العراقیة فی منطقتی الحظر الجوی وحاولت إستصدار قرار داخل مجلس الأمن یبیح لها إستخدام القوة ضد العراق ، ولکنها فشلت فی تحقیق ذلک بسبب وقوف کل من فرنسا وروسیا وألمانیا وبمساعدة الصین للحیلولة دون إستصدار هذا القرار وفی یوم 17 من مارس 2003 عقدت الولایات المتحدة الأمریکیة – الرئیس الأمریکی – إجتماعاً فی جزر الأزور بأسبانیا ضم رئیس وزراء کل من إسبانیا وبریطانیا ، طالبوا الأمم المتحدة بإصدار قرار یتیح لهم إستخدام القوة ضد العراق ، وإلا فإنهم سیضطرون للذهاب الى العراق مستخدمین القوة ضده دون تفویض من الأمم المتحدة ، وفی مساء ذات الیوم 17/3/2003 وجه الرئیس الأمریکی إنذاراً نهائیاً لرئیس العراق یطالبه فیه مغادرة العراق مع نجلیه خلال 48 ساعة ، کما طالب فی نفس الخطاب العسکریون ورجال المخابرات والأمن العراقیین بألا یقاتلوا من أجل نظام فی سبیله للفناء وقد قوبل هذا الإنذار بإستیاء شدید من قادة معظم دول العالم الذین أبدوا أسفهم لصدوره 0
وفی تمام الساعة الخامسة والنصف من صباح 20 مارس 2003 بتوقیت بغداد بدأ الهجوم الأمریکی البریطانی بهجوم صاروخی مکثف على العراق وترتب علیه ما ترتب من إنتهاکات قامت بها هذه القوات () وقد قامت – الولایات المتحدة – بهذه الحرب الإستباقیة مدعیة على خلاف الحقیقة – أن القرار 1441 الصادر من مجلس الأمن یرخص لها منفردة بإستخدام القوة ، ضد العراق من طرف واحد – على الرغم من التأکید فی القرار 1441 ینص بأن التفتیش ونتائجه یفصل فیها مجلس الأمن وحده وهو الذی یحدد الخطوة التالیة ، والتأکید فی القرار نفسه أن إستخدام القوة ضد العراق لیس وارداً مطلقاً حتى ولو وجدت لدیه أسلحة للدمار الشامل مما یعکس سطوة القوة الأمریکیة حتى أجبرت الأمم المتحدة على التخلی عن مسؤولیتها فی حفظ السلم والأمن الدولیین فلم تدین العدوان ولم تعلق علیه وقد زعمت – الولایات المتحدة الأمریکیة – وأشاعت على غیر الحقیقة تضخیم الخطر الذی یمثله العراق وذلک من أجل تبریر الحرب الإستباقیة علیها بزعم أن أسلحة الدمار الشامل التی یمتلکها العراق تحتاج الى قوة بریة کبیرة على الأرض حتى یمکنه البحث عن هذه الأسلحة على نطاق واسع خاصة أن العراق یجید حسب – زعم الولایات المتحدة – إخفاء ما لدیه من أسلحة من هذا النوع وقد زاد الأمر سوءاً فی هذا المضمار – أنه بعد مرور عدة أشهر بعد غزو العراق من جانب القوات الأمریکیة والبریطانیة لم یعثر على تلک الأسلحة على الرغم من الإستعانة بخبراء عدیدین من جهات مختلفة وذی تجارب سابقة فی هذا المجال وقد اعترفت کل من الولایات المتحدة الأمریکیة وبریطانیا بخطأ
تقاریر المخابرات التی تسلمتها کل من الحکومتین – الأمریکیة والبریطانیة – قبل قیامهما بحربها الإستباقیة على العراق فیما یتعلق بأسلحة الدمار الشامل 0
مما سبق یتضح لنا أن الخطر الذی کانت تدعی الولایات المتحدة الخشیة منه وأنها قامت على أساسه بشن حربها الإستباقیة لتفادی خطر هذه الأسلحة وحمایة أمنها القومی وأمن المجتمع الدولی لم یکن مؤکدًا على الأقل وبالتالی لم یکن مبرر الحرب موجوداً فعلاً کحقیقة واقعة 0، لقد کان الغزو الأمریکی المنفرد على العراق بعیداً کل البعد عن منظمة الأمم المتحدة وبالتخطی لمجلس الأمن ، الجهة الدولیة المعنیة باستخدام القوة فی العلاقات الدولیة طبقا للفصل السابع ونظام الأمن الجماعی المنصوص علیها فی میثاق الأمم المتحدة ویمکننا القول بأن الغزو الأمریکی البریطانی للعراق – بمفهومه الاستباقی – بمثابة لطمة على مصداقیة الأمم المتحدة ومأزق کبیر لدورها فی حفظ الأمن والسلم الدولیین 0
المبحث الثانی
شرعیة الحرب الاستباقیة
عندما ننظر الى المادة (51) من میثاق الأمم المتحدة التی تبیح حق الدفاع الشرعی الفردی والجماعی وذلک على وفق شروط وقیود بینتها هذه المادة – وبناءً على ذلک إذا قامت دولة ما بإستخدام القوة العسکریة وفقاً لهذه الشروط والقیود التی وضحتها هذه المادة یکون إستخدام القوة منى قبل هذه الدولة إستخداماً مشروعاً وفقاً لأحکام المادة (51) من المیثاق أما إذا کان إستخدام هذه القوة لم یکن على وفق شروط وقیود المادة (51) من المیثاق نکون هنا أمام حالة من حالات العدوان غیر المشروع الذی یمکن إستخدام ضده أحکام الدفاع الشرعی الفردی والجماعی 0
ففی شهر سبتمبر 2002 قد أعلن الرئیس بوش الإبن عن وثیقة تسمى (( إستراتیجیة الأمن القومی للولایات المتحدة )) ، وقد جاء فی مقدمتها أن الولایات المتحدة ستتخذ الخطوات المناسبة لوقف (( تهدیدات متصاعدة قبل أن یکتمل بناؤها )) وهذا الکلام یکون له معنى واحداً مفاده أن الولایات المتحدة الأمریکیة منذ تاریخ هذه الوثیقة لها إستراتیجیة جیدة فی العلاقات الدولیة ، تتمثل فی الضربات الإستباقیة إذا ما شعرت بخطورة تهدد أمنها القومی على وفق هذه الوثیقة وبناءً على ذلک تکون الولایات المتحدة الأمریکیة قد إنتهجت نهجاً جدیداً فی علاقاتها الدولیة بدلاً من سیاسة الأحتواء یعتمد على الردع وسوف نقسم هذا المبحث الى مطلبین أولهما : یتحدث عن شرعیة الحرب الاستباقیة عند الولایات المتحدة الأمریکیة ، وفی المطلب الثانی نستعرض الموقف الدولی من هذه الحرب ویتمثل الموقف الدولی هذا فی موقف الأمم المتحدة .
المطلب الأول : الولایات المتحدة الأمریکیة وشرعیة الحرب الإستباقیة 0
المطلب الثانی : الموقف الدولی من شرعیة الحرب الإستباقیة 0
المطلب الأول
الولایات المتحدة الأمریکیة وشرعیة الحرب الإستباقیة
وفی هذا المطلب سوف نستعرض موقف الولایات المتحدة الأمریکیة من شرعیة الحرب الاستباقیة – فی الفرع الأول – والاسانید التی استندت علیها الولایات المتحدة ، من أجل أن تبرر هذه الحرب – وفی الفرع الثانی – وبناءاً على ذلک سوف نقوم بتقسیم هذا المطلب الى فرعین :
الفرع الأول
فی المفهوم الامریکی والحرب الاستباقیة
هناک من قال بأن الهجوم الاستباقی لکی یتمتع بالشرعیة لابد من توافر فی هذا الهجوم الإستباقی أربعة شروط :-
أولاً: الدولة التی ستتبع مذهب الإستباق لا بد أن یکون لدیها مفهوم ضیق للدفاع عن الذات حتى یتم الدفاع عنها فی ظل ظروف الدفاع عن النفس .
فالإستباق لم یبرر لحمایة مصالح أو أصول الإمبراطوریة التی تم الإستیلاء علیها فی حرب العدوان .
ثانیاً: لابد وأن یکون هناک دلیل قوی على حتمیة الحرب وإحتمال حدوثها فی المستقبل القریب وأن تکون التهدیدات الوشیکة هی تلک التهدیدات التی یمکن وضع بیان رسمی بأهدافها فی غضون أیام أو أسابیع مالم یتم عمل أی شئ لمقاومتها وهذا یتطلب إستخبارات واضحة لتظهر أن المعتدی المحتمل لدیه الإمکانیة ، بالإضافة الى النیة للإیذاء فی المستقبل القریب والقدرة على الإیذاء (بمفردها) لیست مبرراً.
ثالثاً: أن یکون احتمالیة نجاح الهجوم الاستباقی کبیرة فی إضعاف التهدید وبالأخص مصدر التهدید العسکری ، وأن الدمار الذی کاد أن یوشک أن یسببه هذا التهدید یمکن التخلص منه أو تقلیله بدرجة کبیرة من خلال هجوم إستباقی ویضاف الى ذلک إذا کان هناک احتمالیة فشل الهجوم الاستباقی فلا یجب الإقدام علیه .
رابعاً: اللجوء الى القوة العسکریة فی العمل الإستباقی یکون فقط فی أحوال الضرورة ولا یکون هناک وقت لإتباع أو إمکانیة العمل بأسالیب أخرى.
وکنا قد عرفنا فی المبحث السابق مفهوم الحرب الإستباقیة Preempitive war وأن فکرة الحرب الإستباقیة لا تعود الى أحداث الحادی عشر من سبتمبر وإنما قبل ذلک بکثیر فعندما تفکک الإتحاد السوفیتی (السابق) وانتهاء الحرب الباردة بین الکتلتین الإشتراکیة – بقیادة الإتحاد السوفیتی السابق – والرأسمالیة بقیادة – الولایات المتحدة الأمریکیة - وأصبحت الولایات المتحدة الأمریکیة القوة العظمى فی المجتمع الدولی المعاصر 0
فعند إنتهاء حرب الخلیج الثانیة مباشرة أشرف کل من دیک تشینی ولفوفیتز على إعداد عدة خطوط إرشادیة سمیت (( دلیل تخطیط الدفاع )) ADefence Planning Guiadance تضمنت أسلوب التعامل مع الرئیس العراقی الراحل صدام حسین وبقیة العالم فی عصر ما بعد الحرب الباردة وقد تسربت هذه الأفکار الى وسائل الإعلام فی عام 1992 ، ویعتقد ولفوفیتز أن سیاسة الإحتواء التی کانت تتبعها الولایات المتحدة الأمریکیة خلال الحرب الباردة قد ولت ولا تصلح مع النظام الجدید أحادی القطبیة ، وأن الولایات المتحدة الأمریکیة ینبغی أن تستخدم قواتها العسکریة الضاربة بصورة إستباقیة 0
أی لا تنتظر حدوث فعل مادی معین ضدها وأن تلجأ إلیها بمفردها إذا إحتاج الأمر ، وأن واشنطن یجب أن تمنع الآخرین من إستعمال الأسلحة النوویة والکیمیاویة أو البیولوجیة ، وبالتالی تکون الأسبقیة – دائماً- للولایات المتحدة على صفة الدوام 0
وقد کانت الفرصة سانحة بعد هجمات الحادی عشر من سبتمبر 2001م ضد الولایات المتحدة لتعطی هذه الأفکار قوة دفع هائلة ، وعرفنا أیضاً أن أعقاب هذه الهجمات السابقة قد أعلنت الولایات المتحدة الأمریکیة – على لسان الرئیس بوش الإبن – عن محورین أساسیین فی السیاسة الخارجیة الأمریکیة ویتمثل هذان المحوران فی المحور الأول إعلان الحرب على الإرهاب فی کل أنحاء العالم والتی کان من نتائجها الهجوم على أفغانستان معتبرة أن الأخیرة راعیة للإرهاب الدولی- بدون أسباب حقیقیة – وهذا ما جعل الکثیر من فقهاء القانون الدولی القول بعدم شرعیة هذه الحرب ، والمحور الثانی : وهو ما یطلق علیه (( نظریة الحرب الوقائیة أو الإستباقیة )) ،
وقد أعلن الرئیس بوش الإبن عن مضمون هذه النظریة أعقاب أحداث الحادی عشر من سبتمبر عام 2001 وبالتحدید فی شهر سبتمبر عام 2002 ، وتم صیاغتها بمسمى (( إستراتیجیة الأمن القومی )) ، وهی ما عرفت بعد ذلک بمذهب بوش حول الحرب الوقائیة والتی بمقتضاها تقوم الولایات المتحدة الأمریکیة بإستخدام القوة العسکریة ضد أیة دولة أو منظمة إرهابیة یتوقع أو یخشى أن تقوم بشن هجوم على الولایات المتحدة الأمریکیة أو على مصالحها الخارجیة ، ولا یشترط – ومن وجهة نظر الولایات المتحدة – أن یکون هناک هجوم قد وقع بالفعل أو هناک تحضیر فعلی له ، حتى یتسنى لها أن تستخدم القوة من أجل صد هذا الهجوم أو إحباط هذه الأعمال التحضیریة ، وإنما یکفی – وفقاً للإستراتیجیة الأمریکیة الجدیدة – توقع أو إحتمال أو حتى التعرض لتهدید بوقوعه 0
وعرفنا أیضاً أن الرئیس بوش الإبن عندما أعلن عن هذه النظریة لم یکن بقصد المعنى الضیق للإستباق وإنما امتد هذا المعنى الى معنى أوسع بکثیر من إستباق هجوم وشیک الحدوث ، ویتمثل فی – المعنى الأوسع – شن حرب وقائیة تجنباً لتهدید وارد فی المستقبل ولیس بالضرورة أن یکون قریباً 0
وقد صدر قرار من الکونجرس الأمریکی بالموافقة على التصریح الذی ألقاه الرئیس بوش عقب أحداث الحادی عشر من سبتمبر وذلک بإستخدام القوة المسلحة على أساس نظریة الإستباق ، مما سبق یتضح لنا أن الضربات الإستباقیـــة أصبحت جزءاً من السیاسة الخارجیة الأمریکیـــة الجدیدة () فی عالم أحادی القطبیة0
لقد قمنا بعرض موجز لنظریة الحرب الوقائیة أو الاستباقیة – لیس من أجل تکرارماورد فی المبحث الأول وانما – من أجل استبیان أمر فی غایة الأهمیة یتمثل فی العلاقة بین هذه النظریة الوقائیة أو الاستباقیة والمحافظون الجدد الذین هم على سدة الحکم فی الولایات المتحدة الأمریکیة وأنهم منذ أحداث 11 سبتمبر قد فعلوا أسس ومبادئ هذه النظریة حتى أصبحت جزءاً لا یتجزأ من السیاسة الخارجیة الأمریکیة 0
وقد عرفنا – أیضا- أن نظریة الحرب الإستباقیة أو الوقائیة من فکرة هؤلاء المحافظین الجدد وقد نجحوا فی تطبیق هذه النظریة بعد أحداث سبتمبر 2001 ، على وفق تخطیط هؤلاء فی إطار هذه النظریة ، فإنهم قد وضعوا نوعین للأعداء ونوعین للحروب : الأول العدو الشرعی الذی یقاتل قتالاً نظیفاً وفی هذه الحالة یجب مواجهته بنفس الطریقة ، أما الثانی فهو عدو شریر یقاتل بحرب قذرة ، وهنا یجب البحث عن هذا العدو وسحقه بدون الإلتزام بقواعد الحرب ، وهؤلاء یحتکرون لأنفسهم وضع معاییر التفرقة الأمریکیة بین هذا وذاک – النوع الأول من العدو والنوع الثانی منه – ویؤمنون بمذهب الحرب الوقائیة أو الإستباقیة – یرجع إلیهم السبق فی تطبیقها تطبیقاً عملیاً وعسکریاً والهدف من هذا کله أن تظل الولایات المتحدة الأمریکیة – وفقاً للنظریة الإستباقیة هی القوة العظمى الوحیدة فی العالم والمهیمنة علیه وقد لاقت هذه الإستراتیجیة الجدیدة – الحرب الإستباقیة – قبولاً فی الأوساط السیاسیة الأمریکیة 0
مما سبق یتضح لنا أن هؤلاء الأشخاص – المحافظون الجدد – هم المسیطرون على الإدارة الأمریکیة ، وترتب على ذلک أن مفهوم الحرب الوقائیة أو الإستباقیة أصبح جزء لا یتجزأ من الإستراتیجیة الرسمیة للإدارة الأمریکیة الحالیة وعلى العکس مما سبق نجد أن المؤرخ الأمریکی (( آرلرشلنرنجر )) بین لنا أن الرؤساء الأمریکیین السابقین إبتداءاً من ترومان ومروراً بآیزنهاور ونیکسون وکارتر وریجان مع بعض التعدیلات جورج بوش الأب وکلینتون إعتمدوا على مبادئ الإحتواء والردع ورفضوا تماماً مبدأ
الحرب الوقائیة بل ذهبوا الى إعتبار من یدعو إلیها على أنهم حمقى Loonies وعد ترومان وکما ذکر فی مذکراته أنه من السئ للجمیع أن یظن أن الحرب ممکن أن توقف بالحرب ، وفی رده على سؤال عن الحرب الوقائیة أجاب الرئیس آیزنهاور أن الحرب الوقائیة فی نظره شئ مستحیل وأنه لن یستمع لأی شخص یتحدث بشکل جاد عن هذا الموضوع ، کذلک رفض جون کنیدی وهو معالج أزمة الصواریخ الکوبیة توصیات رئاسة الأرکان الأمریکیة بإزالة هذه الصواریخ عن طریق حرب وقائیة وإذا کانت هذه هی مواقف رؤوساء وإدارات أمریکیة سابقة تجاه مفهوم الحرب الوقائیة أو الحرب الإستباقیة والنظر الى من یدعو إلیها فإن الأمور قد تطورت فی الولایات المتحدة الأمریکیة بحیث أصبح من یدعون لمثل هذه الحرب هم شخصیات مسیطرة داخل الإدارة الأمریکیة وأصبح مفهوم الحرب الوقائیة یمثل النظریة الإستراتیجیة الرسمیة للإدارة الأمریکیة الحالیة 0
إن الخوف من إمکانیة حدوث هجوم فی المستقبل لیس کافیاً لتبریر الهجوم الإستباقی – حتى هذه لا یمکن القول أن العراق کان عنده النیة لمهاجمة الولایات المتحدة – وأیضا النیة العدوانیة وحدها لا تعطی الحق فی الضربات الإستباقیة کان هذا هو موقف الولایات المتحدة الأمریکیة من الحرب الإستباقیة على الأدق موقف الإدارة الأمریکیة الحالیة والتی جعلتها أحد الأدوات الرئیسیة لإستراتیجیة أمریکا الخارجیة وقد إستندت – من أجل تبریر العمل الإستباقی ، وهذا ما سوف نتعرض له بالشرح فی الفرع القادم 0
الفرع الثانی
أسانید التی استندت علیها الولایات المتحدة الأمریکیة
من اجل تبریر الحرب الإستباقیة
أطلقت الولایات المتحدة الأمریکیة وبریطانیا على الهجوم الذی قاما به على العراق فی العشرین من مارس 2003م إسما رمزیا هو : ((حرب تحریر العراق )) بما یوحی بأن الهدف منها هو تحقیقه لهذا البلد 0 على أن الکثیرین قد اختلفوا فی تحدید الحقیقة وراء هذا الهجوم الذی قادته هاتان الدولتان إضافة الى مشارکة عدد من الدول مثل– إسبانیا وإسترالیا – بأعداد قلیلة من القوات وأطلق علیه إسم ( التحالف الدولی ) 0
إن الأسباب التی استندت علیها کل من الولایات المتحدة الأمریکیة وبریطانیا- من أجل تبریر غزوها للعراق – تتمثل فی سببین رئیسیین :
أولاً: حیازة العراق أسلحة دمار شامل 0
ثانیاً : تغییر نظام الحکم فی العراق 0
وسوف نقوم بشرح هذین السببین شرحاً وافیاً حتى نبین حقیقة هذین السببین اللذین استندت علیهما – الولایات المتحدة الأمریکیة وبریطانیا – فی غزوها للعراق 0
أولاً : حیازة العراق أسلحة دمار شامل
منذ دخول الجیش العراقی الى الکویت وظهرت على السطح مشکلة أسلحة الدمار الشامل حیث توالت الأحداث الدولیة أعقاب ذلک ، والتی اقترنت بالفشل والمؤسف أن قادة العرب لم یتمکنوا من تسویة المشکلة واقناع العراق بالإنسحاب من الکویت لسد الذرائع أمام التدخل الخارجی أیا کانت صورته ، ولقد صدر عن مجلس الأمن العدید من القرارات لمواجهة هذا الوضع ومن أهم هذه القرارات القرار رقم (678) الصادر عن مجلس الأمن فی 29/11/1990م ، وقد نص على الإذن للدول المشارکــة فی التحالف الدولـی بقیادة الولایات المتحدة الأمریکیة بإستخـدام القوة لتحریر الکویت ، ولکن الجیش العراقی لم یخرج من الکویت إلا بتدخل قوات التحالف بقیادة الولایات المتحدة الأمریکیة بعملیة عاصفة الصحراء فی 17/1/1991 من أجل تحریر الکویت ، ولکن القتال لم یتوقف رسمیاً الا بعد قبول العراق لقرار مجلس الأمن رقم (687) الذی صدر فی الثالث من أبریل عام 1991 والذی یتعهد العراق بمقتضاه بتدمیر أسلحة الدمار الشامل التی کان یملکها ویدفع التعویضات اللازمة وبتخطیط ورسم الحدود مع الکویت فی واقع الأمر لم تظهر أیة آثار لمشکلة حیازة العراق لأسلحة دمار شامل قبل قیامه بغزو الکویت فی أغسطس 1990 ، فإذا رجعنا بالذاکرة الى ما قبل التاریخ السابق – احتلال العراق للکویت – نجد أن العراق کان یحتل أهمیة إستراتیجیة کبیرة فی نظر الولایات المتحدة الأمریکیة بصفة عامة بإعتبارها – العراق – منطقة عازلة لخطر قادم من إیران – کما یفکر الغرب والولایات المتحدة – وذلک بعد قیام الثورة الإسلامیة الإیرانیة 0
ولکن الأوضاع تغیرت بعد توقف هذه الحرب وقیام العراق بغزو الکویت فبدأ ظهور مشکلة حیازة العراق لأسلحة الدمار الشامل والتی بلغ تصاعدها الى حد الهجوم المسلح الذی شنته الولایات المتحدة الأمریکیة وبریطانیا على العراق وهذا ما سوف نقوم بتفصیله فی السطور القادمة 0
حیث بعد إنتهاء الحرب العراقیة الإیرانیة فی عام 1988 ظهر العراق بقوة عسکریة لا یستهان بها من ناحیة التسلیح الحدیث والتدریب والخبرة فی ممارسة القتال ، ومن هنا جاءت نظرة دول الغرب – على رأسها الولایات المتحدة – الى العراق على اعتبارها قوة لا یستهان بها تهدد مصالح هذه الدول فی منطقة الخلیج علاوة على خطرها على دولة إسرائیل ، حیث أن نظرتهم للعراق فی هذه الأزمة على أنها قوة تؤدی الى خلل فی التوازن العسکری بین العرب وإسرائیل الذی کان ولا یزال لصالح هذه الأخیرة ، ولذلک فإنه بغض النظر عن الإشارات والإیماءات المختلفة والمتضاربة التی صدرت عن الولایات المتحدة الأمریکیة آنذاک وربما تکون قد شجعت العراق – نتیجة الفهم الخاطئ والحسابات غیر السلیمة على الأقل – على غزو الکویت 0
وبعد غزو العراق للکویت نجحت الولایات المتحدة فی إستصدار عدة قرارات متتالیة من مجلس الأمن تنطوی على الإجراءات التی إتخذتها المنظمة ضد الغزو ولتأیید التحرکات الدولیة فی هذا الصدد ومن أهم هذه القرارات القرار رقم 687 الصادر فی أبریل 1991 الذی عل أساسه قبل العراق الشروط والتعهدات التی ینص علیها هذا القرار من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء الوجود العسکری للتحالف فی العراق وأیضاً الإعتراف بکافة قرارات مجلس الأمن السابقة ، ولکن التعهد أو الشرط الأهم من هذا کله یتمثل فی موافقة العراق – دون قید أو شرط – على عدم حیازة أو إنتاج أسلحة نوویة أو مواد یمکن إستعمالها لإنتاج أسلحة نوویة أو أی منظومة فعلیة أو مکونات أو أی مرافق بحث أو تطوییر وتصنیع تتصل بما ذکر() وبهذه الموافقة من قبل العراق على الشروط السابقة ، والتی یدخل فی إطارها شروط أسلحة الدمار الشامل ، وبهذه الموافقة وضعت الأساس القانونی للمهمة التی أخذها مجلس الأمن على عاتقه وذلک بخصوص نزع أسلحة الدمار الشامل العراقیة وکان هذا نتیجة الضغوط الأمریکیة 0
وبعد تحریر الکویت نجد إستمرار العقوبات الدولیة على العراق دون تصریح من الأمم المتحدة وإن أسوأ ما فی هذا الموضوع هو الإصرار على التمسک – من قبل الولایات المتحدة وحلفائها – بإستمرار تطبیق نظام العقوبات دون تعدیل مع الربط بینها وبین التزام العراق بتنفیذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بتصفیة الإمکانیات العراقیة فی مجال أسلحة الدمار الشامل على الرغم من أن المجلس لم یربط بین تنفیذ هذه القرارات وإستمرار سریــان العقوبات () 0
إن الولایات المتحدة الأمریکیــــة قد استفادت من تقاریر لجنة الأمم المتحــدة والتی کانت تسمــى (أونسکوم) والمسؤولة عن نزع (( أسلحة الدمار الشامل )) آنذاک وهذه اللجنة برئاسة (( رالف إیکیوس )) ، وفی بدایة عمل هذه اللجنة قدم رئیسها تقریر یفید بأن العراق یماطل فی الکشف عن برامجه الخاصة بتطویر أسلحة الدمار الشامل الأمر الذی جعل الولایات المتحدة الأمریکیة تقوم بإستخدام هذه التقاریر کوسیلة لعرقلة أی جهود یمکن أن تصدر من مجلس الأمن لرفع العقوبات 0
واستمر هذا الوضع طوال فترة التسعینات ، ولم یشفع للعراق أنه أتم خلال عام 1994م حصر وتدمیر البرنامج النووی ، وأنه فی أبریل عام 1995م أیضاً بدأ فی برنامج مراقبة طویل الأمد لبرامج التسلح العراقیة 0
وإستمرت عملیة الشد والجذب بین العراق من جهة و رئیس اللجنة الدولیة ((أونسکوم)) والولایات المتحدة الأمریکیة من جهة أخرى ، نجد رئیس اللجنة الدولیة یتهم العراق بالمماطلة فی الکشف عن برامج تسلیمها وفی نفس الوقت یرد العراق على هذه الإتهامات الموجهة الیه بإتهام اللجنة ورئیسها بالتواطؤ مع الولایات المتحدة الأمریکیة لإعاقة رفع العقوبات الدولیة عنها – العراق – وصل الأمر الى ذروته فی عام 1998 إذ کان هناک مؤشر لإنفجار أزمة بین العراق والأمم المتحدة فی هذا الصدد ، إستغلتها الولایات المتحدة الأمریکیة لتهیئة الأجواء الدولیة لتوجیه ضربة عسکریة جدیدة الى العراق ، وأعد عملیة عسکریة لهذا الغرض أطلق علیها (( رعد الصحراء )) وإعتزمت تنفیذها بدون قرار من مجلس الأمن الدولی ولکن الفشل فی بناء تحالف دولی کالذی شکل فی أعقاب غزو الکویت جعل الولایات المتحدة فی عزلة أعاقتها عن الإقدام على مهاجمة العراق 0
واستمر هذا الشد والجذب بین الأطراف السابقة وصدور قرارات من مجلس الأمن وفی السادس عشر من دیسمبر 1998 قامت الولایات المتحدة الأمریکیة بشن هجوم على العراق تحت مسمى (ثعلب الصحراء) وکان سببه أن رئیس لجنة أونسکوم کتب فی تقریره أن العراق لم یکن متعاوناً تعاوناً کاملاً ، وقد إستمرت هذه العملیة أربعة أیام من قیامها فی 20/12/1998 .
ومن المؤکد أن الهجوم الأمریکی قد حقق أهدافه 0
وبعد هذا الهجوم رفض العراق استئناف عملیة التفتیش متعللاً بأن القصف دمر المواقع التی کانت محل التفتیش 0
وقد کان هناک محاولة لإیجاد صیغة لعودة التفتیش مرة أخرى إلا أن أحداث الحادی عشر من سبتمبر غیرت الأوضاع الدولیة کلها 0
وقد کان التشدد الأمریکی ضد العراق فی أعقاب الحادی عشر من سبتمبر کبیراً وأصبح للسیاسة الأمریکیة لون جدید وذلک بترک سیاسة الاحتواء التی کانت متبعة من قبل الولایات المتحدة الأمریکیة خلال الحرب الباردة على مدار نصف قرن تقریباً وإحلال محلها سیاسة جدیدة تتمثل فی الضربات الإستباقیة – وعرفنا ذلک تفصیلاً من خطاب الرئیس الأمریکی بوش الإبن عن حالة الإتحاد الذی ألقاه فی 29/1/2002 التی سوف تطول دول محور الشر والدول التی تفکر مجرد التفکیر فی الإرهاب من وجهة نظر بوش الإبن وقد إستمرت الجهود الدولیة المبذولة بعد أزمة التفتیش على أسلحة الدمار الشامل بالعراق – على الرغم من نجاح الولایات المتحدة فی تمریر العقوبات الذکیة إلا أن العراق قد قدم عرضاً فی أغسطس من نفس عام 2002 یعلن فیه صراحة قبول عودة المفتشین الدولیین وإستئناف نشاطهم شریطة فک الحصار الذی فرض علیه لما یزید على عشرة أعوام 0
غیر أن الولایات المتحدة الأمریکیة رفضت العرض وأحبطت عملیة عودة المفتشین وأصرت ألا تبدأ هذه العملیة – التفتیش – إلا بناءً على قرار جدید من مجلس الأمن یعزز سلطات لجان التفتیش وفی عام 2002م أصر الرئیس بوش – الإبن – فی خطابه أمام الجمعیة العامة للأمم المتحدة فی إستصدار قرار جدید بشأن عملیة التفتیش العراقیة ، وبالفعل صدر قرار مجلس الأمن رقم 1441 لسنة 2002م وفی واقع الأمر لم یکن غرض الولایات المتحدة الأمریکیة من استصدار قرار جدید من مجلس الأمن سوى إیجاد مبرر قانونی شرعی للهجوم على العراق وغزو وإحتلال أراضیه وکان قرار مجلس الأمن رقم 1441 قد اشتمل على عدد من البنود التی احتوت على التزامات فرضت على عاتق العراق ، ولا تشکل فقط مساساً بسیادته وإنما إنتهاک للکرامة الى حد الإذلال ومع ذلک وافق العراق على القرار رسمیاً فی 15 نوفمبر 2002 ، على الرغم من رفض المجلس الوطنی العراقی لهذا القرار بالإجماع ، مخولاً مجلس قیادة الثورة العراقی إتخاذ القرار المناسب وبناءً على ذلک قدم العراق التقریر المطلوب منه على وفق القرار عن الحالة الراهنة لکافة جوانب برامجه الرامیة الى تطور أسلحة کیمیاویة وبیولوجیة ونوویة وقذائف تسیاریة وغیرها من نظم الإتصال بما فیها الطائرات التی تعمل بدون طیار وقد بلغ هذا التقریر المشار الیه إثنتی عشرة الف صفحة إضافة الى أقراص مدمجة بها معلومات سعتها الإجمالیة (529) میجا بیت وفی هذا الصدد ذکر مدیر وکالة الطاقة الذریة للوهلة الأولى أن تقریراً بهذا الحجم یحتاج لبضعة أشهر کی یمکن للوکالة أن تصل الى نتائج محددة بشأن برامج العراق التسلیحیة وقد أعقب هذه الخطوات قیام الوکالة الدولیة للطاقة الذریة ولجنة انموفیک – UNMOVIC بإتخاذ الإجراءات اللازمة للعودة الى العراق ، حیث توافرت أعداد کبیرة ومتزایدة من المفتشین من أجل السرعة فی إنجاز المهمة المکلفین بها وکان العراق یبدی تعاوناً وإلتزاماً مع أولئک المفتشین على وفق نصوص القرار 1441 حتى أن المفتشین أنفسهم والأمین العام للأمم المتحدة أعلنوا إشادتهم بتعاون العراق وإلتزامه وفی 24/12/2002 بدء إستجواب العلماء العراقیین عن برامج التسلیح النووی وخاصة إذا کان قد طرأ أی تطورات على هذه البرامج منذ عام 1998م أعقاب عملیة التفتیش إلا أن الأزمة أکبر من أن یحتویها مجرد قیام العراق بتنفیذ إلتزاماته على وفق القرار 1441 مهما کانت قاسیة فی إذلالها وما تنطوی علیه إنتهاکاً لسیادته فقد أصبحت عملیة تنفیذ القرار 1441 تبادل للإتهامات بین الولایات المتحدة الأمریکیة والعراق .
وفی إطار الحرب النفسیة فقد جرى إلقاء ملایین المنشورات – خلال الفترة السابق ذکرها – على العسکریین والمدنیین لتحریضهم على النظام الوطنی العراقی ، وقامت الولایات المتحدة الأمریکیة بتکثیف الغارات الجویة الیومیة المضادة على الأهداف العراقیة فی منطقة الحظر الجوی وحاولت الولایات المتحدة إستصدار قرار داخل مجلس الأمن یبیح لها إستخدام القوة ضد العراق ولکنها فشلت فی تحقیق ذلک .
وفی یوم 17 مارس 2003 عقدت الولایات المتحدة اجتماعاً فی جزر الأزور بإسبانیا ضم رئیس الوزراء الإسبانی والبریطانی الى جوار الرئیس الأمریکی وقد انتهى الإجتماع الى توجیه إنذار الى الأمم المتحدة – من الدول الثلاثة السابق ذکرها – طالبوها بإصدار قرار یتیح لهم استخدام القوة ضد العراق وإلا فإنهم سیضطرون الذهاب الى العراق مستخدمین القوة ضده دون تفویض من الأمم المتحدة ، وفی مساء ذات الیوم- 17/3/2003 – وجه الرئیس الأمریکی بوش الإبن إنذاراً نهائیاً لصدام حسین رئیس جمهوریة العراق قبل احتلاله یطالبه فیه بمغادرة العراق مع نجلیه خلال 48 ساعة ، کما طالب فی نفس الخطاب العسکریین ورجال المخابرات والأمن العراقیین بألا یقاتلوا من أجل نظام فی سبیله للفناء ، وقد قوبل هذا الإنذار باستیاء شدید من قادة معظم دول العالم الذین أبدوا أسفهم لصدوره ، وفی تمام الساعة الخامسة والنصف من صباح یوم 20 مارس بتوقیت بغداد بدأ الهجوم الأمریکی البریطانی بهجوم صاروخی مکثف على العراق ، وترتب عیه – هذا الهجوم – احتلال العراق ، وأصبح العراق تحت أیدیهم - بعد أن حل الجیش العراقی – دون أن یعثروا على أیة آثار لأسلحة الدمار الشامل وبدأوا یتذرعون بذریعة أخرى تتمثل فی أنهم دخلوا العراق من أجل القضاء على نظام الحکم فی العراق وهذا ما سوف نحاول أن نستعرضه فی السطور القادمة .
ثانیاً : القضاء على نظام الحکم فی العراق
قبل عدة شهور من غزو العراق من قبل الولایات المتحدة الأمریکیة وبریطانیا أعلنتا أن الإطاحة بنظام الحکم العراقی هی أحد الأهداف الرئیسة وذلک من أجل جعله بلداً دیمقراطیاً أی إستبدال نظام الحکم الإستبدادی فی العراق بنظام یکون هذا النظام الجدید – فی العراق – نموذجاً لمنطقة الشرق الأوسط وتحتذی به الدول فی المنطقة.
وبعد إحتلال العراق من قبل قوات التحالف بقیادة الولایات المتحدة ، فقد أکد رئیس الوزراء البریطانی بلیر على أن المجتمع الدولی من حقه التدخل فی حمایة الشعوب المهددة والتی عجزت حکوماتها عن تفادی أوضاع داخلیة وخارجیة تثقل تلک الشعوب بکثیر من المعاناة ، وبذلک – ما زال الکلام من الوزراء البریطانی – یکون التخلی عن مبدأ عدم التدخل فی الشؤون الداخلیة للدول ضرورة من أجل حمایة الشعوب من حکومات غیر قادرة على حل مشاکل شعوبها ثم أعلن رئیس الوزراء البریطانی أیضاً أنه فی حالة لو لم نعثر على أسلحة دمار شامل فی العراق فإن التاریخ سوف یغفر لنا ولمن قادوا الحرب على العراق لأننا خلصنا العراقیین من أسوأ الأنظمة الإستبدادیة 0
وبعد مرور عدة شهور على إحتلال العراق من قبل ما یسمى بدول التحالف بقیادة الولایات المتحدة ، بل مر الوقت ، عدد من السنوات على احتلال العراق ولم یتم العثور على أسلحة الدمار الشامل ، الأمر الذی جعل کل من بوش الإبن وبلیر فی ورطة حقیقیة ، وقد ترتب على ذلک ضغوط سیاسیة وشعبیة جعلتهما – کل على حدة – أن یشکل لجنة مستقلة تکون مهمتها التحقیق فی المعلومات الإستخباراتیة بِشأن أسلحة الدمار الشامل العراقیة وعملیة تقویم هذه المعلومات على ضوء عدم العثور على تلک الأسلحة بعد احتلال العراق 0
ورغم ذلک نجد أن کلاً من رئیس الولایات المتحدة ورئیس وزراء بریطانیا تمسکا فی تصریحات علنیة أمام الإعلام العالمی بأن الحرب على العراق کانت مبررة بالنظر الى أن النظام العراقی کان یمثل خطراً على العالم وعلى الأمن القومی الأمریکی البریطانی دون أن یبینا کیف یکون هذا النظام العراقی خطیراً دون أن یکون فی حیازته أسلحة دمار شامل 0
ویزید على ما سبق حینما نجد المسؤولین فی کل من الولایات المتحدة الأمریکیة وبریطانیا یتبعان النهج السابق نفسه – تصریحات بوش الإبن وبلیر – فی أن نظام الحکم فی العراق إستبدادی وقمعی ولهذا کان واجباً على قوات التحالف بقیادة الولایات المتحدة أن تخلص الشعب العراقی من هذا النظام – وکان ذلک بعد مرور عام من غزو العراق – وفی هذا الصدد نجد أن الرئیس بوش الإبن قال فی إحدى خطبه أن قوات التحالف قد دخلت العراق من أجل تحریره من حکم الطاغیة ومن أجل الشعب العراقی ویفهم من هذا الکلام والتصریحات السابقة أن مبرر الهجوم العسکری على العراق فی 20/3/2003 هو القضاء على النظام الإستبدادی فی العراق وإستبداله بنظام دیمقراطی آخر یکون نموذجاً لدول منطقة الشرق الأوسط ویفتح الباب أمام إحداث تغیرات واسعة على خریطة المنطقة بما یحقق مصالح الولایات المتحدة الإستراتیجیة ، ولا یوجد أدنى شک أن مبرر الهجوم على العراق یتعارض تعارضاً تاماً مع مبدأ من أهم مبادئ القانون الدولی العام والذی أکد علیه میثاق الأمم المتحدة بین نصوصه وهو مبدأ عدم التدخل فی الشؤون الداخلیة لأی دولة وذلک سواء کان التدخل بطریقة مباشرة أو غیر مباشرة ، وقد تم تأیید مبدأ عدم التدخل فی میثاق الأمم المتحدة والعدید من قراراتها الدولیة وفی مواثیق الجامعة العربیة ومنظمة الوحدة الأفریقیة ومنظمة الدول الأمریکیة وغیر ذلک من المنظمات الدولیة 0
ولا جدال فی أن التدخل العسکری للتغییر أو للقضاء على نظام الحکم فی أی دولة من الدول هی أکثر صور التدخل غیر المشروع الذی یتعارض مع مبادئ القانون الدولی ومیثاق الأمم المتحدة تحت أی زعم وعند النظر لتصریحات رئیس وزراء بریطانیا السابقة – فی نفس هذا المطلب – والخاصة بالتخلی عن مبدأ عدم التدخل فی الشؤون الداخلیة للدول یصبح ضرورة فی تلک الحالة لحمایة الشعوب من حکومات غیر قادرة على حل مشکلات شعوبها – فواجب علینا أن نرد على هذه التصریحات – مما لا شک فیه أن هذا المبدأ قد طرأ علیه بعض القیود عند تطبیقه فی عصرنا الحالی وذلک لتتمکن من التوسع فی حالات التدخل للإعتبارات الإنسانیة بغرض حمایة حقوق الأقلیات وإحترام حقوق الإنسان وحریاته الأساسیة کما حدث فی جنوب أفریقیا العنصریة ، البوسنة والهرسک وبعض الحالات المماثلة الى أن التدخل الذی أقره المجتمع الدولی تحت لواء الشرعیة الدولیة التی مثلتها الأمم المتحدة بمعنى أن یکون التدخل مشروع من قبل الأمم المتحدة فی حالة إتساع نطاق النزاع ووقوع أعمال تهدد السلم والأمن الدولیین وذلک عن طریق تطبیق أحکام الفصل السابع فی میثاق الأمم المتحدة أما التدخل الذی یکون خارج نطاق المنظمة الدولیة وبما لا یتفق مع مبادئ القانون الدولی فإنه بلا شک سوف یکون مجرداً من أی شرعیة ، وأمثلة کثیرة منها حالات التدخل الذی تمت من جانب الإتحاد السوفیتی السابق فی شؤون دول أوربا الشرقیة وأفغانستان وأیضاً حالات التدخل من قبل الولایات المتحدة فی شؤون کثیر من دول أمریکا اللاتینیة وأیضاً التدخل العسکری الذی قامت به کل من فرنسا وإنجلترا وإسرائیل فی شؤون مصر عام 1956 أعقاب تأمیم قناة السویس وعلى ضوء ما سبق فقد أصبح من المستقر علیه ومن الأمور المسلم بها عدم جواز التدخل فی الشؤون الداخلیة للدول إلا فی أضیق حدود ممکنة وفقاً لقیود وضوابط لاقت الإجماع الدولی من أهمها :
1- أن تکون حالة کل التدخل الدولی منطویة على أشیاء من شأنها أن تهدد السلم والأمن الدولیین
2- أن یکون هذا التدخل لإعتبارات إنسانیة بحتة – بعیداً عن تحقیق أی مصلحة ومن أهمها حمایة الأقلیات ومناهضة العنصریة 0
3- ألا یتم اتخاذ أی إجراء من إجراءات التدخل إلا فی إطار الشرعیة الدولیة والتی تتمثل فی الأمم المتحدة أو أی من المنظمات الأقلیمیة التی تعهد إلیها إتخاذ إجراءات فی مثل هذه الأمور 0
4- أن یکون التدخل على وفق أحکام القانون الدولی 0
5- عند صدور قرار بالتدخل من قبل المنظمات الشرعیة یجب أن یکون – قرار التدخل – واضحاً ومحدداً لا ریب فیه وأیضاً کیفیة تنفیذه 0
6- أن یکون قرار التدخل متدرجاً مع الوسائل السلمیة فرفض المنازعات الدولیة کالوسائل الدبلوماسیة والإقتصادیة وتطبیق ما سبق على ما حصل فی 20/3/2003 وذلک بغزو العراق من قبل الولایات المتحدة وبریطانیا یکون هذا الغزو باطلاً لأنه یتم خارج نطاق الشرعیة الدولیة حتى ولو کانت الدولة التی قامت بهذا الغزو هی أقوى دولة فی العالم ، ونحن نعرف أن غزو العراق تم دون موافقة الأمم المتحدة وبالتالی یکون هذا الغزو غیر شرعی وفی حالة إذا ما صدر من الأمم المتحدة قرار بالتدخل فی العراق فیمکن هنا أن نقول إن هذا التدخل على وفق الشرعیة الدولیة ، أما ما قامت به الولایات المتحدة وبریطانیا فی 20/3/2003 فیفتح الباب أمام الفوضى وشریعة الغاب فی المجتمع الدولی ویترتب على ذلک أن الدولة الضعیفة لیس لها مکان فی هذا المجتمع 0
المطلب الثانی
الموقف الدولی من شرعیة الحرب الإستباقیة
لقد تمکنت الولایات المتحدة من فرض إرادتها وشروطها على الأمم المتحدة ، ومجلس الأمن الذراع التنفیذی للمنظمة الدولیة فی قضایا عربیة کثیرة مثل الأزمة اللیبیة والسودان والعراق إبان حرب الخلیج الثانیة ونجحت فی شن عدوان وحشی وفرض الإحتلال على العراق ، ثم فرضت غالبیة شروطها على الدول الرئیسة فی مجلس الأمن ( فرنسا وروسیا والصین الى جانب ألمانیا ) ووضعتهم أمام أمر واقع جدید بل هددت علناً بحرمان هذه الدول التی عارضت الحرب بقوة من أیة إستثمارات وأی دور فی إعادة بناء العراق بل هددت بأکثر من ذلک بإلغاء العقود السابقة فی مجال إستثمارات النفط العراقی والتی أبرمت مع النظام العراقی السابق ، ونجحت فی ذلک وفرضت على هذه الدولة أن تفوز ببعض العقود ولکن تحت سیطرة وإشراف سلطة الإحتلال الأمریکی للعراق التی من المنتظر أن تستمر طویلاً فی العراق 0
ولقد عرفنا فیما سبق أن الولایات المتحدة قد خاضت معرکة عنیفة وشرسة داخل أروقة الأمم المتحدة وبالتحدید فی مجلس الأمن من أجل استصدار قرار یتیح لها استخدام القوة ضد العراق إلا أنها فشلت فی الحصول على الموافقة من قبل مجلس الأمن ، وذلک بسبب وقوف کل من ( الصین وفرنسا وروسیا إضافة الى ألمانیا ) أعضاء المجلس ضد الطموح الأمریکی فی استخدام هذا القرار وإستخدام حق الفیتو لمنع صدور قرار بهذا المضمون إلا أن الولایات المتحدة أصرت على ضرب العراق باستخدام القوة العسکریة وبالفعل قامت کل من الولایات المتحدة الأمریکیة وبریطانیا فی 20/3/2003 بشن هجوم وحشی على العراق إستناداً الى مفهوم الحرب الإستباقیة ،ومن هنا یبرز السؤالین التالیین ، ماهو موقف میثاق الأمم المتحدة من هذه الحرب ؟ وأیضاً ماهو موقف الأمم المتحدة من هذه الحرب ؟ وللإجابة عن هذین السؤالین ستکون عبر الفرعین الاتیین :
الفرع الأول
أولاً: میثاق الأمم المتحدة والحرب الإستباقیة
فی البدایة یجب علینا أولاً أن نبین ماهیة أهداف وأسس کل من القانون الدولی والأمم المتحدة ، وهل هذه الأهداف تتعارض مع مفهوم الحرب الإستباقیة ، هذا ما سوف نحاول شرحه فی السطور القادمة 0
الأهداف والأسس التی تقوم علیها العلاقات الدولیة :
إن العلاقات الدولیة بین الدول تترکز على أسس وأهداف ینص علیها کل من القانون الدولی ومیثاق الأمم المتحدة ویمکن لنا أن نلخصها فی الآتی :
أ- حظر استخدام القوة فی العلاقات الدولیة 0
ب- تسویة المنازعات الدولیة وبالطرق السلمیة 0
ج- تشجیع وتعزیز التعاون ما بین الدول فی المجالات الإقتصادیة والإجتماعیة والثقافیة 0
د- تشجیع قیام العلاقات الدولیة من خلال المنظمات الدولیة 0
ویمکن لنا القول إن الأهداف وراء هذه الأسس السابقة هی من أجل تحقیق السلم والأمن الدولیین فی المجتمع الدولی بأسره وبذلک نلاحظ أن العلاقات الدولیة بین الدول ترتکز على رکیزتین أساسیتین :
الرکیزة الأولى : السلم السلبی ، والرکیزة الثانیة : السلم الإیجابی
السلم السلبی :
وهو مفهوم عام للسلم والمقصود منه منع الحروب وتحریم إستخدام القوة فی العلاقات الدولیة 0
وفی نص المادة 2/4 من میثاق الأمم المتحدة نجد أنها حرمت استخدام القوة فی العلاقات الدولیة وکذلک التهدید بإستخدام القوة وإن إستخدام القوة فی العلاقات الدولیة یتعارض مع مبادئ القانون الدولی – والأمم المتحدة إلا فی حالتین :
الحالة الأولى : تدابیر الأمن الجماعی التی یتخذها المجتمع الدولی عن طریق الأمم المتحدة ضد المعتدى .
الحالة الثانیة : الدفاع الشرعی الفردی أو الجماعی على وفق المادة 51 من میثاق الأمم المتحدة .
السلم الإیجابی :
إن المجتمع الدولی عانى من ویلات الحروب وخاصة الحرب العالمیة الأولى والثانیة حیث راح أکثر من عشرات الملایین ضحایا لمثل هذه الحروب التی لا تفرق بین محارب وغیر محارب وأکلت الأخضر والیابس ولذلک ترتب على مثل هذه الحروب نتیجة فی غایة الأهمیة ن والتی تتمثل فی محاولة المجتمع الدولی الإتجاه الى طریق التعاون والتضامن والمودة فیما بینهم بدلاً من العداء والتصارع والإستقطاب ، وکان من ثمار هذا التعاون إنشاء منظمة ( عصبة الأمم ) ثم بعد ذلک منظمة الأمم المتحدة ، التی تحاول – رغم الصعوبات والتی تواجهها – جاهدة من أجل القضاء على أسباب المشکلات التی تهدد البشریة فی أمنها وسلمها .
وعند النظر الى المادة من میثاق الأمم المتحدة قد قرنت الأمن بالسلم ، فإن المقصود بالسلم هو ذلک السلم السلبی – السابق شرحه – أما الأمن هنا المقصود به السلم بالمعنى الواسع أی السلم الإیجابی 0
وعند النظر الى مقدمة میثاق الأمم المتحدة نجد أن هناک تعهداً بین الشعوب لا یقتصر فقط على السلم من أجل إزالة أسباب المنازعات الدولیة وإنما یمتد الى التعهد بتحقیق العدالة وإحترام الإلتزامات الناشئة عن المعاهدات وغیرها ، حتى یتمکن المجتمع الدولی من إزالة أسباب المنازعات الدولیة إن البشریة قد حققت علاقات – بعد معاناة طویلة من الحروب وویلاتها –وذلک عن طریق تطبیق السلم العام – السلبی – والسلم الإیجابی – الذی یتمثل فی الأمن وما سبق هو أسس العلاقات الدولیة فی عصر التنظیم الدولی المعاصر – على الرغم من الإنتقادات الموجهة إلیه – والسؤال الذی یطرح نفسه فی هذا الشأن : هل تتعارض نظریة الحرب الإستباقیة مع هذه الأسس – أسس العلاقات الدولیة – الحالیة فی التنظیم الدولی المعاصر ؟
1- إن الحرب الإستباقیة – التی أعلن عنها الرئیس بوش الإبن بعد أحداث سبتمبر کإستراتیجیة جدیدة للولایات المتحدة فی علاقاتها الخارجیة – لا تعتمد على سیاسة رد الفعل وإنما تعتمد على الهجوم أولاً – وفقاً لنظریة بوش فی مفهوم الضربات الإستباقیة – من أجل منع الهجوم والمتوقع حدوثه عند إتخاذ تدابیر الأمن الجماعی – فی الفصل السابع من المیثاق – والحالة الثانیة تنص علیها المادة (51) من المیثاق وهی حالة الدفاع الشرعی الفردی والجماعی ، ویترتب على ذلک أن الحرب الإستباقیة حرب عدوانیة غیر شرعیة لا تتوافق مع أحکام القانون الدولی ومیثاق الأمم المتحدة 0
2- فی حق الدفاع الشرعی – ما نصت علیه المادة (51) من المیثاق – نجد أن الدولة الضحیة للعدوان من حقها صد هذا الهجوم وفی نفس الوقت تقوم هذه الدولة بإخطار مجلس الأمن من أجل القیام بمهامه حتى یحافظ على السلم والأمن الدولیین أما فی الحرب الاستباقیة فلا تستلزم إخطار الأمم المتحدة بل تکون خارج نطاق الأمم المتحدة 0
3- إن القرن الـ 20 شهد محاولات من رجال القانون الدولی والسیاسة من أجل القضاء على سیاسة استخدام القوة فی العلاقات الدولیة وقیام الدول القویة بشن الحروب من أجل تحقیق مصالحها القومیة وکانت النتائج المترتبة على هذه الجهود قیام منظمة الأمم المتحدة والنص فی میثاقها على تحریم إستخدام القوة أو التهدید بها – م2/4 – وبعد أحداث سبتمبر نجد أن الولایات المتحدة الأمریکیة ترید أن تعتمد نظریة الحرب الإستباقیة وبذلک ترید أن تهدم کل الجهود السابقة
4- إن اعتماد نظریة الحرب الإستباقیة فی التنظیم الدولی المعاصر سوف یؤدی الى نتائج بالغة السوء تتمثل فی الفوضى الدولیة ، فیمکن للدولة القویة استخدام هذه النظریة – فی حالة إعتمادها فی النظام الدولی – من أجل الهجوم على دولة أخرى متعللة بأن أمنها القومی یتعرض للخطر من قبل هذه الدولة وهذا ما نجده فی تصریح وزیر الدفاع الروسی الذی نشر فی الحیاة اللندنیة من أن (( بلاده لا تستبعد توجیه ضربة عسکریة وقائیة الى أی دولة فی العالم إذا تطلبت مصالحها ذلک )) 0
5- نجد أن بعض اصحاب هذه النظریة – الإستباقیة – یعتمدون فی تبریرها بصفتها نوعاً من أنواع الدفاع الشرعی وهذا کلام خاطئ لسببین :
أولاً : إن إستخدام القوة فی إطارها لا یتوقف – فقط – على وقوع هجوم من قبل دولة أخرى وإنما یکفل لذلک توقع خطر الهجوم أو الإعتداء مستقبلاً حتى ولو کان هذا المستقبل لیس بقریب 0
ثانیاً : إن ممارسة حق الدفاع الشرعی من قبل الدول یکون وفقاً لشروط وضوابط معینة معروفة ومحددة تمنع الدول التی تقوم بحق الدفاع الشرعی أن تتجاوز هذه الشروط والضوابط – فی إستخدام القوة – من أجل صد هذا العدوان ، أما فی حالة الحرب الإستباقیة فإن إستخدام القوة فیها لیس لها حدود فالدولة التی تقوم بهذه الحرب الإستباقیة تستمر فی إستخدام القوة ضد الدولة التی تهاجمها حتى تضمن أنها سوف لا تفکر أن تهاجمها.
وبناء على ما تقدم من أسباب یمکن أن نقول إن الحرب الإستباقیة حرب غیر شرعیة بل هی حرب عدوانیة.
الفرع الثانی
موقف الأمم المتحدة من هذه الحرب والتکییف القانونی لها
من الناحیة العملیة للأمم المتحدة نجد أن الولایات المتحدة الأمریکیة فی أحیان کثیرة قد فرضت هیمنتها على الأمم المتحدة عن طریق فرض شروطها وإرادتها على الأمم المتحدة عامة ومجلس الأمن خاصة الذراع التنفیذی لهذه المنظمة فی قضایا کثیرة 0
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 نجد أن هناک تحولاً کبیراً قد طرأ على السیاسة الخارجیة الأمریکیة فبعد أن أعلنت الولایات المتحدة على لسان رئیسها – بوش الإبن – نظریة جدیدة فی علاقاتها الدولیة من أجل مکافحة الإرهاب – کما تعتقد الولایات المتحدة – تسمى بنظریة الحرب الإستباقیة 0
فأرادت أن تضفی صفة الشرعیة الدولیة على هذه النظریة ، فبعد تطور الأحداث بخصوص العراق فی الفترة ما بین 11 سبتمبر 2001 وقبل الهجوم على العراق فی آذار 2003 وتصنیف الرئیس الأمریکی – بوش الإبن – العراق من دول الشر ، أرادت الولایات المتحدة أن تذهب الى مجلس الأمن من أجل أن تأخذ صفة الشرعیة الدولیة على الهجوم الذی سوف تقوم به على العراق آنذاک – کما فعلت سابقاً – إلا أنها قد لاقت فشلاً ذریعاً داخل أروقة الأمم المتحدة وذلک بسبب معارضة بعض الدول الکبرى أمثال ( روسیا وفرنسا والصین وألمانیا ) ، وبالفعل قد نجحت هذه الدول فی منع الولایات المتحدة من الحصول على قرار یضفی صفة الشرعیة فی ضرب العراق 0
ولکن لم یستمر هذا الوضع کثیراً ، وسرعان ما تحول هذا النجاح – من قبل التنظیم الدولی عندما اعترضت هذه الدول على الولایات المتحدة فی محاولة استصدار قرار من مجلس الأمن یبیح لها غزو العراق – الى فشل جدید فی مواجهة الإستباقیة ، لقد تحدت الولایات المتحدة وبریطانیا الشرعیة الدولیة عندما غزت العراق وقامت بإحتلاله هی ومن یعاونها ، وحرمت الدول التی عارضتها فی هذا الغزو ( روسیا وفرنسا والصین وألمانیا ) من عقود الإستثمار التی کانت أبرمتها مع الحکومة العراقیة قبل الغزو 0
لقد تمکنت الولایات المتحدة الأمریکیة من سیطرتها على الأمم المتحدة بعد غزوها للعراق من استصدار قرارات من مجلس الأمن لکی تضفی على غزوها للعراق صفة الشرعیة الدولیة ، ومن أمثلة هذه القرارات: القرار رقم (1483) الصادر من مجلس الأمن فی الثانی والعشرین من مایو 2003 وهذا القرار لم یتغیر فی جوهره عن مشروع القرار الذی تقدمت به الولایات المتحدة الأمریکیة فی الخامس من مایو إلا فی رتوش بسیطة 0
ومن المثیر للسخریة فی مشروع القرار الأمریکی – الذی یبین لنا مدى فشل الأمم المتحدة الذریع فی مواجهة الحرب الإستباقیة – أنه یتحدث عن (( سلطة )) یزمع إقامتها فی العراق المحتل سوف یعهد إلیها (( ضمان مصالح شعبه )) و (( یصادق )) لاحظ ودقق فی کلمة یصادق – مجلس الأمن على قیام السلطة بالمسؤولیات ، أی أن الأمم المتحدة لا تحدد بالضبط ماهیة طبیعة هذه السلطة ولا توقیت قیامها ولا سبل تشکیلها ولا صلاحیاتها بل ترکت الأمر لإدارة الولایات المتحدة المنفردة ولا یتحدث عمن یمثل العراق فی الأمم المتحدة – بعد أن علقت عضویة العراق فی الأمم المتحدة وذلک بسبب احتلال الولایات المتحدة له ، وهذا أمر معقد ومفهوم منه أن الولایات المتحدة هی التی سوف تمثل العراق فی الأمم المتحدة لمدة عام قابلة للتجدید 000 وأیضاً قد دعا هذا القرار الأمین العام للأمم المتحدة بتعیین منسق خاص – ما بعد الاحتلال – من أجل التنسیق بین المنظمة الدولیة ووکالات الإغاثة الدولیة وإعادة الإعمار 0
وقد شمل – القرار – رفع کل أنواع الحظر الدولی باستثناء الحظر على بیع أسلحة للعراق ودعا الى إنشاء صندوق مساعدة العراق وإن هذا القرار یدلنا دلالة واضحة على سیطرة الولایات المتحدة على الأمم المتحدة وبخاصة على الذراع الرئیسی للأمم المتحدة – مجلس الأمن – وبذلک یمکن للولایات المتحدة أن تقوم وتفعل ما ترید فی المجتمع الدولی وبما یتوافق مع مصالحها وأطماعها الشخصیة وفی نفس الوقت تقوم بتغلیف هذه الأطماع الإستعماریة بغلاف الشرعیة الدولیة وهذا یثبت لنا – بدون أی شک – مدى فشل الأمم المتحدة فی مواجهة الحرب الإستباقیة وبالتالی یمکن أن تقول إن التکیف القانونی للحرب الإستباقیة یتمثل فی أنها حرب عدوانیة وذلک للأسباب الآتیة :
أولاً : إنها تتعارض تعارضاً تاماً مع نص المادة 2/4 ، إذ إن الدولة التی تقوم بمثل هذه الحروب – الاستباقیة – یکون عندها النیة المسبقة للهجوم على دولة أخرى وأن الذی یلی هذه النیة هو القیام باستخدام القوة المسلحة – الفعل – ضد هذه الدولة وفی کلتا الحالتین – نیة إستخدام القوة ، واستخدام القوة فعلاً – حرمتها نص المادة 2/4 0
ثانیاً : الحرب الاستباقیة لیست من الحالات التی یبیح فیها القانون الدولی استخدام القوة : نلاحظ أن میثاق الأمم المتحدة – کما عرفنا مسبقاً – قد أباح استخدام حق الدفاع الشرعی الفردی والجماعی على وفق شروط وضوابط نص المادة (51) من المیثاق الجماعی – وأیضاً – قد أباح میثاق الأمم المتحدة على وفق الفصل السابع من المیثاق استخدام القوة تدابیر الأمن الجماعی التی یصدر بها قرار من مجلس الأمن 0
ثالثاً : الحرب الإستباقیة حرب عدوانیة على وفق قرار الجمعیة العامة للأمم المتحدة رقم (3314) لسنة1974 الخاص بتعریف العدوان 0
الخاتمة :
توصلنا من خلال فقرات البحث الى أن نظریة الحرب الاستباقیة قد اصابت التنظیم الدولی المعاصر باضرار بالغة السوء بل – الأسوء من ذلک – ارجعته الى عصور الظلام والهمجیة التی کانت سائدة قبل ذلک والتی کانت تعتمد اعتماداً کلیاً على استخدام القوة بصفتها اداة شرعیة فی العلاقات الدولیة وهذا ما انتهجته USA کاسلوب لها فی سیاستها وفرضت على المجتمع الدولی أن یکون تحت أمرها وطاعتها ، وقد ظهر ذلک جلیاً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ، فقد اعلنت عن مبادئ جدیدة لسیاستها الخارجیة ، فنجد أن من أهم هذه المبادئ الجدیدة تتمثل فی الحرب الاستباقیة والتی بمقتضاها تقوم الولایات المتحدة الأمریکیة باستخدام القوة العسکریة ضد أیة دولة أو منظمة ارهابیة – حسب المفهوم الامریکی – یتوقع أو یخشى أن تقوم بشن هجوم على الولایات المتحدة الأمریکیة أو على مصالحها الخارجیة ، ولایشترط – من وجهة نظر الولایات المتحدة – أن یکون هناک هجوم قد وقع بالفعل أو هناک تحضیر فعلی له حتى یتثنى لها أن تستخدم القوة من أجل صد هذا الهجوم أو احباط هذه الأعمال التحریضیة ، وانما یکفى- وفقاً لهذه السیاسة الاستباقیة – توقع أو احتمال أو حتى لتهدید بوقوعه . وعرفنا أن هذه النظریة عندما أعلنها الرئیس الأمریکی لم یکن یقصد منها المعنى الضیق للاستباق وإنما امتد هذا المعنى إلى معنى أوسع بکثیر من استباق هجوم وشیک الحدوث ویتمثل فی – المعنى الأوسع – شن حرب استباقیة أو وقائیة تجنباً لتهدید وارد فی المستقبل ولیس بالضرورة أن یکون قریباً .
وللأسف الشدید نجد أن الکونجرس الأمریکی قد وافق على هذه السیاسة الاستباقیة الجدیدة .
وقد اثبتنا أن هذه الحرب غیر شرعیة ولا تتماشى مع التنظیم الدولی المعاصر للأسباب الآتیة :
السبب الأول : إن استخدام القوة فی اطارها لا یتوقف – فقط- على وقوع هجوم من قبل دولة أخرى ، وانما یکفی لذلک توقع خطر الهجوم أو الاعتداء مستقبلاً حتى ولو کان هذا المستقبل لیس بقریب .
السبب الثانی : إن ممارسة حق الدفاع الشرعی من قبل الدول یکون على وفق شروط وضوابط معینة معروفة ومحددة تمنع الدول التی تقوم بحق الدفاع الشرعی أن تتجاوز هذه الشروط والضوابط – فی استخدام القوة – من اجل صد هذا العدوان ، أما فی حالة الحرب الاستباقیة فان استخدام القوة فیها لیس لها حدود فالدولة التی تقوم بهذه الحرب الاستباقیة تستمر فی استخدام القوة ضد الدولة التی تهاجمها حتى تضمن أنها سوف لا تفکر أن تهاجمها.
وبناء على ماتقدم یمکن القول بأن الحرب الاستباقیة حرب غیر شرعیة عدوانیة من الدرجة الأولى یترتب علیها عدم مشروعیة اکتساب الأراضی وتحقیق مغانم کثیرة نتیجة لهذه الحرب وایضاً أنها - الحرب الاستباقیة – ضد السلم الدولی وتحدید المسئولیة الدولیة على عاتق الدولة أو الدول التی تنتهج سیاسة الاستباق غیر المشروع .
وقد توصلنا الى نتیجة – فی غایة الأهمیة – عملیة من أجل مواجهة أصحاب نظریة الحرب الاستباقیة ، هذه النتیجة تتشعب إلى أمرین : أولهما یتمثل فی تفعیل مبدأ التضامن الدولی بین الدول فی المجتمع الدولی من أجل الوقوف فی وجه الاستعمار الجدید – أصحاب نظریة الاستباقیة – وثانیهما یتمثل فی تحدیث الأمم المتحدة من اجل مواکبة التطورات الدولیة . وخاصة – هذا التحدیث – مجلس الأمن الدولی حتى یتحرر من سطوة وسیطرة حق الفیتو للدول الخمس دائمة العضویة . التی تبحث عن مصالحها الخاصة أولاً وأخیرا
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: References in Arabic:
International conventions:
1. The Charter of the United Nations
2. The era of the League of Nations
B- Reports, articles and research:
1. Ashton B 0 Carrh 0 And Dr. William 0 C - Perry Former US Defense Secretary 0 Preventive Defense New US Security Strategy 0 Translated Asaad Halim, First Edition 2001 0 0 Al Ahram Foundation 0
2. Dr. Amin Shabi, Is the theory of proactive strikes a future, Al-Ahram, 28/5/2004, No. 42907.
3. Major General Hossam Sweilem, Preventive Strikes in the US Security Strategy / International Politics Magazine, October 2002.
4. Dr. Salah Al-Bassiouni, Between International Legitimacy and American Legitimacy, Al-Ahram, October 16, 2002, No. 42317
5. Professor Mohamed Sayed Ahmed 0 Modern dilemmas The doctrine of pre-emptive war, Al-Ahram, No. 42431 on 7/2/2003
6. The Arab Strategic Report 2002/2003 The Iraqi-American Crisis, p. 28 and beyond
7. The Arab Strategic Report, published by the Center for Political Studies and Strategy in Al-Ahram newspaper, 1995, Cairo, III. The Iraqi-Western Crisis, Continuation of Sanctions, p.154
8. Proceedings, United Nations Journal, December 1991, p. 14 and beyond.
9. International Strategic Report 1995
10. The Arab Strategic Report, 1998, The American Predicament in Iraq, pp. 87 et seq.
11. Egyptian Al-Ahram, issues issued on February 4, 7, 8, 2004.
12. Al-Hayat newspaper published on October 4, 2003.
C - Books:
1. Dr. Ahmed Thabet, Khalil Al-Anani, The Arabs and American Imperialism, The Egyptian General Book Organization, 2005
2. Piper Sallinger, Eric Laurent, Gulf War - Secret Files, Sphinx Publishing and Publishing, Azmi Makhlouf's Translation.
3. Dr. Hassan Nafaa, the United Nations for the international organization or tool for hegemony, the aggression on Iraq, the Faculty of Economics and Political Science.
4. Major General Hassanein Al-Mohammadi in Wadi, The Invasion of Iraq between International Law and International Politics, Knowledge Establishment in Alexandria, 2004.
5. Prof. Salah Eddin Amer, International Organization Law, General Theory, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 2000-2001.
6. Prof. Dr. Abdul Aziz Sarhan, United Nations, The Choice of Destiny, Legitimacy or American Colonialism, Dar al-Nahda al-Arabiya, 2005.
7. Professor Fahmi Howaidi, Egypt, Tilda Hala, Dar Al-Shorouk, Cairo, second edition, 2002
8. Dr. Mohsen Ali Gad, American-British attack on Iraq from the point of view of international law - Egyptian General Book Authority, 2005.
9. Dr. Massad Abdel Rahman Zeidan Kassem, United Nations Intervention in Armed Conflict of an International Character, Cairo, 2001.
10. Dr. Mohamed Hafez Ghanem, Principles of Public International Law, Cairo, Dar al-Nahda al-Arabia 1972.
أسانید الولایات المتحدة بشأن الحرب الاستباقیة