الملخص
استهدف المجتمع الدولی نموذج " التنظیم " بین وحداته القانونیة کغایة مثلى لیتحقق فی ظله أمن واستقرار ذلک المجتمع فی کافة مجالات الحیاة ، وبما یجنب سکان هذا الکوکب تلک المآسی والویلات التی أحاطت به نتیجة لتنافر وتنازع أعضاء هذا المجتمع الدولی الى حد الإقتتال ، وکمحصلة حتمیة لتمسکهم بالمفهوم المطلق لسیادة الدولة وما یشمله من مؤثرات متباینة کان من أهمها اختلاف المصالح وتصارع الفلسفات العقائدیة والتنافس فی ظل الخلل الخطیر فی موازین القوى والذی أغرى الأقویاء من هذه الدول بتبنی مفاهیم استعماریة واستیطانیة کان الطرف الأضعف فی هذه المعادلة المختلة هو الضحیة والفریسة دون عون أو نصیر ، سوى ما انعم به هذا الطرف المنتصر على ضحیته بلقب " العالم الثالث
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
نزع أسلحة الدولة کوسیلة لتحقیق الأمن الجماعی -(*)-
Disarmament of the State as a means of achieving collective security
محمد یونس یحیى الصائغ کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Mohammed Younis Yahya Al – Sayegh College of law / University of Mosul Correspondence: Mohammed Younis Yahya Al – Sayegh E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 11/10/2008 *** قبل للنشر فی 5/1/2009.
(*) Received on 11/10/2008 *** 5/1/2009 accepted for publishing on .
Doi: 10.33899/alaw.2009.160555
© Authors, 2009, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
الملخص
استهدف المجتمع الدولی نموذج " التنظیم " بین وحداته القانونیة کغایة مثلى لیتحقق فی ظله أمن واستقرار ذلک المجتمع فی کافة مجالات الحیاة ، وبما یجنب سکان هذا الکوکب تلک المآسی والویلات التی أحاطت به نتیجة لتنافر وتنازع أعضاء هذا المجتمع الدولی الى حد الإقتتال ، وکمحصلة حتمیة لتمسکهم بالمفهوم المطلق لسیادة الدولة وما یشمله من مؤثرات متباینة کان من أهمها اختلاف المصالح وتصارع الفلسفات العقائدیة والتنافس فی ظل الخلل الخطیر فی موازین القوى والذی أغرى الأقویاء من هذه الدول بتبنی مفاهیم استعماریة واستیطانیة کان الطرف الأضعف فی هذه المعادلة المختلة هو الضحیة والفریسة دون عون أو نصیر ، سوى ما انعم به هذا الطرف المنتصر على ضحیته بلقب " العالم الثالث
الکلمات الرئیسة: نزع أسلحة الأمن الجماعی
الموضوعات: القانون الدولی العام
Abstract
The international community has targeted the model of "organization" among its legal units as an ideal for achieving the security and stability of that society in all spheres of life. This will avoid the tragedies and ambiguities surrounding this planet as a result of the conflict and conflict among the members of this international community to the point of infighting and as an inevitable outcome of their adherence to the concept the most important of which is the difference of interests and the conflict of doctrinal philosophies and competition in light of the serious imbalance in the balance of power which enticed the powerful of these countries to adopt colonial and settlement concepts. The weakest party in this twisted equation was the victim and the prey without any help or support, except for the victory of this victorious party over his victim by the title of "Third World"
Keywords: Disarmament Collective security
Main Subjects: international public law
المقدمة :
استهدف المجتمع الدولی نموذج " التنظیم " بین وحداته القانونیة کغایة مثلى لیتحقق فی ظله أمن واستقرار ذلک المجتمع فی کافة مجالات الحیاة ، وبما یجنب سکان هذا الکوکب تلک المآسی والویلات التی أحاطت به نتیجة لتنافر وتنازع أعضاء هذا المجتمع الدولی الى حد الإقتتال ، وکمحصلة حتمیة لتمسکهم بالمفهوم المطلق لسیادة الدولة وما یشمله من مؤثرات متباینة کان من أهمها اختلاف المصالح وتصارع الفلسفات العقائدیة والتنافس فی ظل الخلل الخطیر فی موازین القوى والذی أغرى الأقویاء من هذه الدول بتبنی مفاهیم استعماریة واستیطانیة کان الطرف الأضعف فی هذه المعادلة المختلة هو الضحیة والفریسة دون عون أو نصیر ، سوى ما انعم به هذا الطرف المنتصر على ضحیته بلقب " العالم الثالث " ! .
وتأثرت محاولات الجماعة الدولیة فی الوصول إلى هذا الهدف _التنظیم الدولی _ بتلک العوامل والمؤثرات السابقة، حتى فشلت عصبة الأمم فی منع نشوب حرب عالمیة ثانیة مدمرة ، على الرغم من کون تلک المنظمة کانت تستهدف ، على وجه الخصوص ، تجنب مآسی الحرب العالمیة الأولى التی سبقتها .
لذا ، کان من أهم أهداف منظمة الأمم المتحدة _التی سعى المنتصرون إلى إنشائها_ هو تحقیق الأمن والسلم والمحافظة على استقرار المجتمع الدولی .
ولما کان میثاق منظمة الأمم المتحدة یجسد _ بحق _ دستورها وقاعدتها القانونیة الأصلیة ، وقد ارتکز على مبدأین أساسیین فی سبیل تحقیق الأمن والسلم الدولیین وهما : نبذ استخدام القوة وتسویة المنازعات الدولیة بالطرق السلمیة ، فقد عمد واضعو المیثاق الى وضع مناهج عملیة تحدد مسار وخطى هذه المنظمة فی واقع العلاقات الدولیة المعاصرة ، ولقد تبلورت هذه المناهج فیما یلی :
1- منهج الأمن الجماعی : ومؤدى هذا المنهج أن تضطلع الجماعة الدولیة من خلال مجلس الأمن بالحفاظ على السلم والأمن الدولیین ، وردع أیة محاولة أو عمل یکون من شانه انتهاک أو الإخلال به .
2- منهج التسویة السلمیة للمنازعات : والذی یتطلب من الدول أن تسوی ما قد ینشا بینها من منازعات بالطرق السلیمة کالمفاوضات والوساطة والتوفیق والتحکیم والتقاضی أمام محکمة العدل الدولیة ، أو اللجوء إلى المنظمات الدولیة والإقلیمیة .
3- المنهج الوظیفی : ومفاده ضرورة قیام الجماعة الدولیة بمعالجة أوجه الخلل القائم فی النواحی الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة بصفة ذلک شرطاً لازما وضروریاً لتحقیق السلم والأمن والتعاون بین الدول ، وما یستوجبه ذلک من أعمال مبدأ حق تقریر المصیر وصیانة حقوق الإنسان .
4- منهج نزع السلاح : تأسیساً على کونه أحد السبل الرئیسة فی تحقیق السلام الدولی ، والنهوض بالمستوى الاقتصادی والاجتماعی لشعوب العالم . وإذا کان منع وتحریم اللجوء الى القوة فی العلاقات الدولیة هو الهدف الأسمى لهذه المنظمة الدولیة ، فلا شک أن نزع السلاح یحرم الدول من الوسائل التی تدفعها إلى استخدام القوة کأسلوب حل فی نزاعاتها الدولیة .
ولما کان تمسک کل دولة بسیادتها وعدم وجود سلطة مرکزیة علیا فی المجتمع الدولی تستطیع کبح جماح حالات العدوان أو انتهاک السلم الدولی حتى الآن ، یصبح نزع السلاح بشکل مطلق من الأمور المستحلیة ، ویکون قصر منهج نزع السلاح على تحریم ونزع أسلحة الدمار الشامل _ إلى جانب تنظیم أوجه حالات الاستخدام المشروع للأسلحة التقلیدیة _ هو أنسب الوسائل لتخفیف حدة التوتر فی المجتمع الدولی وتجنب المزید من ویلات الحروب ومآسیها المدمرة .
وحیث أن أزمة الثانی من أغسطس 1990 _ الغزو العراقی للکویت _ قد جسدت انعطافة خطیرة فی مسار العلاقات الدولیة .
ولما کان مجلس الأمن أول من تصدى لهذه الأزمة بمجموعة من القرارات والإجراءات الصارمة ، والتی تضمنت مجموعة من التدابیر القسریة ، وقد أسسها المجلس على أحکام الفصل السابع من المیثاق وما تمنحه له من صلاحیات وسلطات فی هذا الشأن .
لذا یجب الکشف عن مدى مشروعیة هذه القرارات وتلک الإجراءات فی ضوء نظریة الأمن الجماعی وسلطات واختصاصات مجلس الأمن الهادفة إلى حفظ أو استعادة السلم والأمن عند الإخلال بهما، وصولاً الى معرفة مدى مصداقیة التنظیم الدولی المعاصر فی بلوغ هذه الغایة وذلک من خلال الهیکلیة التالیة :
المقدمة
المطلب الأول / أهلیة واختصاصات مجلس الأمن .
الفرع الأول / دور مجلس الأمن فی ضوء نظریة الأمن الجماعی .
الفرع الثانی / أهلیة واختصاصات مجلس الأمن وفق أحکام المیثاق .
المطلب الثانی / الطبیعة القانونیة لنزع اسلحة الدمار الشامل العراقیة فی ضوء فکرة الجزاء .
الفرع الأول / الطبیعة القانونیة لنزع السلاح فی ضوء ما استقر علیه التنظیم الدولی المعاصر .
الفرع الثانی / سلطة مجلس الأمن فی نزع السلاح بین نظریة الجزاء وتدابیر الأمن الجماعی .
الخاتمة .
المطلب الأول
أهلیة واختصاصات مجلس الأمن
لما کان واقع الحیاة الدولیة وما یکتنفها من منازعات مسلحة ، نتیجة لتعارض المصالح وتناقض الرؤى السیاسیة ، قد جسد عقبه کنود أمام الجهود الدولیة الساعیة نحو استعمال الوسائل السلمیة فی تسویة المنازعات وتحریم اللجوء إلى القوة فی العلاقات الدولیة .
ولما کان حلم الإنسانیة بوجود تنظیم جماعی بهدف توقیع الجزاء على الخارجین على أحکام القانون الدولی ، عن طریق جهاز یعلو الدول ویختص باتخاذ القرارات الخاصة باستعمال القوة ، هو حلم یصعب تصوره فی ظل تمسک کل دولة بسیادتها المطلقة وحداثة المجتمع الدولی والذی یحکمه قانون لم یصل بعد إلى درجة التطور التی بلغها القانون الداخلی فی حکم مجتمع الدولة .
فان إنشاء جهاز یتولى تحقیق أکبر قدر من الأمن الجماعی الدولی ، متذرعاً بمجموعة من التدابیر ووسائل الضبط القهری ومجسداً لنواة السلطة التنفیذیة فی المجتمع الدولی تعمل على فرض إحترام مبدأ عدم إستعمال القوة فی العلاقات الدولیة ، کان هو الهدف الأساسی من النص على أن یکون مجلس الأمن جزءاً أصیلاً وجهازاً رئیسیاً من أجهزة الأمم المتحدة وقد زوده المیثاق بمجموعة من السلطات والاختصاصات یستهدف باستخدامها المحافظة على السلم والأمن الدولیین فی اطار فکرة الأمن الجماعی .
لذا ، سیکون هذا المطلب منقسماً على فرعین ، یتم فی الأول تناول (دور مجلس الأمن فی اطار نظریة الأمن الجماعی)، وفی الثانی نتعرض (لأهم سلطات واختصاصات مجلس الأمن على وفق احکام میثاق الأمم المتحدة).
الفرع الأول
دور مجلس الأمن فی ضوء نظریة الأمن الجماعی
أولا ً : مفهوم نظریة الأمن الجماعی :
یعد تحقیق الأمن الجماعی أحد اقدم أهداف التنظیم الدولی المعاصر، وذلک بصفته تجسد القوة الدافعة لإیجاد حل وسط ما بین الفوضى الدولیة والحکومة العالمیة ، وهو الحل الذی یقف بنا على منتصف الطریق بین نظام العدالة الخاصة ونظام السلطة العامة وذلک بما یعرف بنظام الاجراءات الجماعیة .
ویعد ظهور فکرة الأمن الجماعی فی واقع الحیاة الدولیة نتاجاً مباشراً وحتمیة لازمة لتلک العلاقة الوثیقة بین مبدأ تحریم إستخدام القوة او التهدید باستخدامها فی العلاقات الدولیة وبین مبدأ وجوب تسویة المنازعات الدولیة بالوسائل والاسالیب السلمیة .
کما یرجع البعض ظهور هذه الفکرة الی فشل نظام توازن القوى فی المحافظة على السلم إذ لم یکن موضوع المحافظة على السلم هدفاً اساسیاً لدى الدول الکبرى ، وکانت حالات السلم التی تحققت أحیاناً لا تشکل سوى امراً عارضاً فی مسار العلاقات الدولیة .
ثانیاً : مفهوم الأمن الجماعی الدولی فی ضوء میثاق الأمم المتحدة :
جدیر بالذکر أن مصطلح الأمن الجماعی ، لم یستخدم على الإطلاق فی میثاق منظمة الأمم المتحدة ، وترتب على ذلک إن امتنع وجود تعریف من قبل المنظمة الدولیة یحدد اطر ومعالم الأمن الجماعی ، وإن کان المیثاق قد أشار فحسب إلى عبارة " التدابیر المشترکة " .
لذا ، کان على الفقه الدولی ان یدلی بدلوه فی هذا الشأن ، فرأى بعض الفقه الغربی أن الأمن الجماعی یجسد خط الدفاع عن الدولة فی مواجهة العدوان بصفته مرحلة وسطى بین فکرة الدفاع الشرعی الفردی والجماعی عن النفس وفکرة الأمن العام ، وقد وجد هذا الاتجاه صدا لدى بعض الفقه العربی حتى استعیض عن مصطلح الأمن الجماعی بمصطلح " التضامن فی مواجهة العدوان " ، وقریب من هذا الاتجاه ، ذلک عرف الأمن الجماعی بأنه " النظام الذی تعتمد فیه الدولة فی حمایة حقوقها إذا ما تعرضت لخطر خارجی _ لیس على وسائلها الدفاعیة الخاصة أو مساعدة حلفائها _ وإنما على أساس من التضامن والتعاون المتمثل فی تنظیم دولی مزود بالوسائل الکافیة والفعالة لتحقیق هذه الحمایة " .
وعلى حین رکز الاتجاه السابق على وظیفة الأمن الجماعی الدفاعیة لحمایة الدولة من مخاطر الاعتداء الخارجی ، فقد عمد البعض إلى توسیع معنی ذلک الأمن ونطاق وظیفته دون تحدید لنوع الاعتداء ، فعرف الأمن الجماعی بأنه " النظام الذی تتحمل فیه الجماعة الدولیة المنظمة مسئولیة حمایة لها عضو فیها والسهر على امنه من الاعتداء " ( ).
ولقد ربطه البعض بأصل نشاته والهدف من ایجاده کوسیلة لتحقیق السلم وردع العدوان ، فقیل فی ذلک أنه : " صیغه تضمن التوفیق بین مقتضیات الدفاع عن الحقوق ومستلزمات المحافظة على السلم تأسیساً على مبدأین أساسین مترابطین لهما طابع القواعد الدولیة الآمرة هما : تحریم إستعمال القوة والحل السلمی للمنازعات الدولیة " ( ).
نرى لما کان السلم الدولی فی حدهِ الأدنى یعنی عدم الحروب وانتفائها ، کما یعنی فی حدهِ الأقصى توافر العلاقات الودیة بین الدول ، فان ذلک لا یودی بالضرورة وکنتیجة حتمیة الى توافر الأمن الدولی ؛ ان یهدف الأمن إلى منع التهدیدات الداخلیة والخارجیة الموجهة إلى کیان الدولة السیاسی وتکاملها الإقلیمی ؛ وحیث انه من الممکن أن تکون هناک حالة من السلم بین دولتین فی ظل وضع تهدد فیه إحداهما الأخرى ، فقد فرق میثاق الأمم المتحدة بین السلم والأمن حتى یکون توافر الأمن شرطاً ضروریاً لتحقیق السلم ، ولکنه لیس أمنا قومیاً خاصاً بدولة معینة أو بمجموعة من الدول ، بل هو الأمن الجماعی الذی یرجى توافره فی اطار هیئة عالمیة تضمنه وتصونه وتحمیه .
ولما کان الأمن یخرج عن إطار التحدید بصفته شاناً معنویاً قیاسیاً لبعده عن المدرکات المادیة ، وذلک بصفة أن الأمن أحد المشاعر التی یقتصر دور القیاس فیها على مجموعة من المؤشرات قد یصدقها الشعور عندما یتفق الإحساس مع الواقع .
ولما کان الأمن الشامل أحد المثالیات غیر القابلة للتطبیق طالما بقى اخر فی أی مجتمع غیر آمن بذات القدر ، وهو ما یجعل أعضاء الجماعة یأملون فقط فی تحقیق الأمن النسبی القائم على التوازن المعقول والمقبول فیما بینهم ، ویترتب على نسبیة مفهوم الأمن ان یقاس بحجم ونوع وکفاءة قوة کل دولة على حده ، فقد تتمتع الدولة بأمن قومی کامل بالنسبة لاتجاه استراتیجی معین ، بینما تفتقر تماماً الى الأمن القومی بالنسبة لاتجاه آخر .
لذا ، کان على الجماعة الدولیة المنظمة العمل على توفیر ما یمکن تسمیته بالأمن التکاملی ، ویصبح ذلک الأمن التکاملی أو الأمن الجماعی هو "ذلک النظام الهادف الى تحقیق أمن الجماعة الدولیة عن طریق آلیات مشترکة وإجراءات تزن مابین الأمن القومی للعضو الدولی وامن المجتمع الدولی ککل" .
ثالثاًً : مدى انعکاس مفهوم الأمن الجماعی على دور مجلس الأمن فی حفظ السلم والأمن الدولیین :
من بین مجموعة النصوص القانونیة التی حددت اهداف ومقاصد منظمة الأمم المتحدة یتضح ان حفظ السلم والأمن الدولیین یمثل غایة وجود الأمم المتحدة ذاتها ، وعلى الرغم من أن المیثاق قد جعل مسؤولیة حفظ السلم والأمن الدولیین منوطة بجهازین رئیسین وهما الجمعیة العامة ومجلس الأمن ، الإ ان اختصاصات الجمعیة العامة فی هذا الشأن تبدو عامة وثانویة إذا ما قورنت بمسؤولیة واختصاصات المجلس وسلطاته التی قررها المیثاق ، خاصة فی أحکام الفصل السابع منه .
ولما کان الأمن الجماعی _ کنظام وهدف للأمم المتحدة _ یقوم على رکیزتین أساسیتین ، الأولى : حظر استخدام القوة أو التهدید باستعمالها فی العلاقات الدولیة والثانیة : هی رد الفعل الجماعی من جانب الجماعة الدولیة ممثلة فی مجلس الأمن فی حالات تهدید السلم أو الإخلال به أو وقوع عدوان ، فان انعکاس مفهوم الأمن الجماعی على دور مجلس الأمن فی حفظ السلم والأمن الدولیین لابد وان یتحدد بأهلیة واختصاصات المجلس على وفق نصوص المیثاق ، إضافة الى تأثره بحرکة المجتمع الدولی التی لابد وان یکون القانون الذی یحکمه مرآة تعکس تلک التغییرات من خلال المؤسسات الفاعلة على الساحة الدولیة .
فلقد لعبت الظروف والمتغیرات الدولیة المتمثلة فی استقلال العدید من الدول التی کانت تحت سیطرة الاستعمار واهتزاز مفاهیم الفواصل والحدود الجغرافیة أمام طوفان وسائل النقل والاتصال وتطور الاهتمامات الدولیة المشترکة إلى اتساع مفهوم الأمن الجماعی الدولی وظهور مجموعة من الالتزامات الدولیة القانونیة تتجاوز فکرة الأحلاف المقدسة أو فکرة توازن القوى .
ونتیجة لذلک ، ذهب البعض إلى المناداة بعدم إقصار دور مجلس الأمن فی ردع العدوان المسلح واستقرار الأمن الدولی . والحد من المنازعات المسلحة إلى ضرورة تجاوز ذلک باتجاه التعامل مع مسائل مثل حقوق الإنسان ولإرساء مفاهیم الدیمقراطیة فی النظم الداخلیة للدول أعضاء المجتمع الدولی والذی یتبلور فی کون السلم الحقیقی لا یکمن فی تجمید الأوضاع الظالمة ، وإنما ینبثق من توفیر الظروف والأحوال المناسبة له ، من احترام لحقوق الدول والشعوب والأفراد ، واضطلاع أعضاء العائلة الدولیة _ التی أصبحت ذات طابع عالمی _ بمسئولیاتها وتبعاتها من اجل المصلحة المشترکة .
ولما کان الرأی قد انقسم بشأن دور مجلس الأمن فی ضوء مفهوم الأمن الجماعی إلى فریقین : ذهب أولهما _ أنصار المفهوم الضیق _ إلى ان الأمن الجماعی مجرد وسیلة واداة متخصصة من ادوات السیاسة الدولیة ، ویقتصر فقط على تحریم الاستعمال التعسفی او العدوانی للقوة ، وعلیه فلا یتدخل مجلس الأمن على وفق نصوص الفصل السابع الا فی حالات تهدید السلم أو الإخلال به ، أو وقوع العدوان ، ولا یمکن استخدام تدابیر الأمن الجماعی لضمان احترام کل الالتزامات القانونیة التی یفرضها میثاق الأمم المتحدة على الدول ، فهی تقتصر على مواجهة الأعمال العسکریة التی تلجأ إلیها الدول بالمخالفة للالتزامات التی یفرضها علیها المیثاق ، ولیس مراقبة سلوک الدول فی سائر وجوانب العلاقات الدولیة .
فی حین یذهب الفریق الثانی ، إلى أن دور مجلس الأمن لابد وان یتسع لیشمل تلک الآلیات التی تساعد فی إقرار السلم والأمن الدولیین بما یتناسب مع التطورات الدولیة المعاصرة والدور الأساسی الجدید الذی اتخذه مفهوم السلم والأمن الدولیین فی ظل المنظمات الدولیة المعاصرة .
ولکن التطور المستمر فی مفهوم الأمن الدولی لم یواکبه فی نفس الوقت تطور مماثل فی الأدوات اللازمة لمواجهة هذه المتغیرات الدولیة ، ولم یصادف تطوراً مماثلاً فی الإدراک العام لدى الدول بأهمیته تحقیق المصالح المشترکة ، بل ان غالبیة الدول تؤثر تحقیق مصالحها وأمنها القومی على ما عداها ، وهو الأمر الذی أقر به أصحاب المفهوم الموسع للأمن الجماعی.
لذا ، ومع رجحان المفهوم الضیق للأمن الجماعی _ على الأقل فی هذه اللحظة القلقة فی تاریخ العلاقات الدولیة وما تشهدهُ من تغیرات عمیقة فی میثاق المجتمع الدولی وما یعکسه ذلک على المرکز القانونی للدولة داخل هذا المجتمع _ فیبقى ما حدده المیثاق لمجلس الأمن من سلطات واختصاصات هو المعیار فی تبیان الدور المنوط به فی حفظ السلم والأمن الدولیین.
الفرع الثانی
أهلیة واختصاصات مجلس الأمن على وفق أحکام المیثاق
أولا : الطبیعة القانونیة لأهلیة مجلس الأمن :
من الثابت فی فقه القانون ، بشکل عام ، أن الأهلیة یقصد بها صلاحیة الشخص لکسب الحقوق والتحمل بالالتزامات ومباشرة التصرفات القانونیة التی یکون من شانها أن ترتب له هذا الأمر او ذاک .
ولما کان النظام القانونی الدولی یتطلب ، حتى یعترف لوحده ما بالشخصیة القانونیة الدولیة ، توافر عنصرین أساسیین هما :
1- قدرة هذه الوحدة على إنشاء قواعد دولیة ، بالتراضی مع مثیلاتها من الوحدات الأخرى.
2- أن هذه الوحدات محل خطاب أحکام القانون الدولی ، بما یعنی للتمتع بالحقوق والتحمل بالالتزامات .
وحیث ان مجلس الأمن یعد " جهازاً" من أجهزة منظمة الأمم المتحدة الرئیسیة ، ولا یتوافر فی شانه العنصرین السابقین کی یثبت له وصف شخص القانون الدولی وهو ما ینتج عدم تمتعه بالأهلیة القانونیة بالمعنى الموضح سلفاً ، الأمر الذی یدعو إلى التساؤل عن طبیعة وأهلیة مجلس الأمن فی مباشرة المهام والتصرفات والتدابیر التی تمس امن وسلم هذا المجتمع الدولی والمبینة صراحة فی صلب المیثاق ؟ وتتحدد الإجابة على هذا التساؤل فی حقیقتین :
1- أن منظمة الأمم المتحدة تتمتع ، باتفاق غالبیة الفقه الدولی وما استقر علیه رأی محکمة العدل الدولیة ، بوصف الشخص القانونی الدولی _ فی الحدود التی یتضمنها الاتفاق المنشى للمنظمة _ وتتمتع بذلک بأهلیة تقر لها مجموعة من الحقوق وتحملها بالالتزامات کوحدة قادرة على إنشاء قواعد دولیة ومخاطبة للقانون الدولی ، وهو ما أکدته المادة 104 من المیثاق .
2- أنابت منظمة الأمم المتحدة ، باسم أعضاءها ، الموافقین على ذلک ، الى مجلس الأمن فی القیام بالواجبات التی تفرضها علیها التبعات الرئیسة فی أمر حفظ السلم والأمن الدولیین ، وعهدت إلیه بأداء هذه الواجبات وفق مقاصد ومبادئ المنظمة وبمجموعة من السلطات التی تم تبیانها حصراً فی الفصول (6) ، (7) ، (8) ، (12) من المیثاق وألزمته ، إذا اقتضى الحال ، أن یرفع إلى الجمعیة العامة للأمم المتحدة تقاریر سنویة ، وأخرى خاصة لتنظر فیها .
ومما سبق یتضح أن منظمة الأمم المتحدة بصفتها شخصاً قانونیاً من أشخاص القانون الدولی قد أنابت " مجلس الأمن " _ أحد أجهزتها الرئیسیة _ فی القیام بمهامها المنوطة بها فی أمر حفظ السلم والأمن الدولی رغبة منها فی سرعة وفعالیة الأداء فی هذا الشأن ، الأمرالذی یترتب علیه ما یلی :
1- أن أهلیة مجلس الأمن فی أداء المهام الموکولة إلیه قاصرة على ما یمکن تسمیته بالأهلیة الوظیفیة وفی حدود علاقة النیابة فیما بینه وبین منظمة الأمم المتحدة .
2- عدم مشروعیة خروج مجلس الأمن عن إطار المهام المعهود بها إلیه ، اضافة إلى عدم مشروعیة تجاوزه صلاحیات وسلطات منظمة الأمم المتحدة ذاتها تطبیقاً لنظریة النیابة التی استقر علیها فقهاء القانون فی عموم الدول المتمدنة .
ولا تخفى أهمیة هذه النتیجة عند تناول الطبیعة القانونیة لسلطات مجلس الأمن خلال المطلب الثانی من هذا المبحث بعد تناول أهم اختصاصات مجلس الأمن فی هذا الشأن .
ثانیاً : اختصاصات مجلس الأمن فی حفظ السلم والأمن الدولیین :
بعد أن أوضحت المادة 24 من المیثاق إنابة منظمة الأمم المتحدة مجلس الأمن فی القیام بالمهام والتبعات الرئیسیة فی حفظ السلم والأمن الدولیین رغبة منها فی سرعة وفعالیة أداء المنظمة لتلک المهام ، وقد تعهد أعضاء المنظمة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفیذها بحسن نیه بموجب نص المادة 25 من المیثاق (1) ، فقد أوضحت مواد المیثاق فی فصلیه السادس والسابع اختصاصات مجلس الأمن فی حل المنازعات سلمیاً وما یتخذه من الأعمال فی حالات تهدید السلم والإخلال به ووقوع العدوان .ولما کانت مواد الفصل السادس من المیثاق قد تناولت اختصاصات مجلس الأمن بشان الحل السلمی للمنازعات الدولیة التی یؤدی استمرارها إلى تهدید السلم والأمن الدولیین أو تلک التی لا تکون لها هذه الطبیعة .
وحیث أن الفصل السابع من المیثاق یتعرض مباشرة لاختصاصات وسلطات مجلس الأمن إزاء ما قد یجسد بوقوعه تهدیداً أو إخلالاً بالسلم والأمن الدولی أو یشکل اعتداء ، إضافة على ما للمجلس ان یتخذه فی هذا الشأن من تدابیر وإجراءات .
لذا سیتحدد نطاق البحث فی اختصاصات مجلس الأمن باحکام الفصل السابع من المیثاق لارتباطها الوثیق بالواقعة محل البحث _ الغزو العراقی للکویت وموقف مجلس الأمن منها _ خاصة وقد اسند المجلس معظم قراراته فی هذه الأزمة إلى أحکام هذا الفصل والتی یمکن إجمالها فیما یلی :
فی بدایة الفصل السابع من المیثاق ، منح مجلس الأمن سلطة تقریر ما إذا کان قد وقع تهدید للسلم أو إخلال به أو عمل من أعمال العدوان وان یقدم ذلک توصیاته أو یقرر ما یجب اتخاذه من التدابیر طبقاً لأحکام المادتین (41 و 42 ) لحفظ السلم والأمن الدولی أو إعادته إلى نصابه ، ولکن لمجلس الأمن ، قبل ان یقدم توصیاته أو یتخذ تلک التدابیر ، أن یدعو المتنازعین للأخذ بما یراه ضروریاً أو متمشیاً من تدابیر مؤقته والتی لا تخل بحقوق المتنازعین ومطالبهم أو بمرکزهم وعلیه مراعاة عدم أخذ المتنازعین بهذه التدابیر المؤقتة ، وذلک حرصاً من المیثاق على عدم تفاقم الموقف .
ثم تناولت المادتین (41 و 42 ) الإجراءات والتدابیر على الترتیب التالی :
" لمجلس الأمن أن یقرر ما یجب اتخاذه من التدابیر التی لا تتطلب استخدام القوة لتنفیذ قراراته . وله أن یطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبیق هذه التدابیر ویجوز أن یکون من بینها وقف الصلات الاقتصادیة والمواصلات الحدیدیة والبحریة والجویة والبریدیة والبرقیة واللاسلکیة وغیرهما من وسائل المواصلات وقفا جزئیاً أو کلیاً وقطع العلاقات الدبلوماسیة " .
فإذا تبین المجلس أن الإجراءات التی أشارت إلیها المادة (41) لا تفی بالغرض ، أو ثبت أنها لم تف به فعلاً ، جاز له " أن یتخذ بطریق القوات الجویة والبحریة والبریة من الأعمال ما یلزم لحفظ السلم والأمن الدولی أو لا عادته إلى نصابه ، ویجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصار والعملیات الأخرى بطریقة القوات الجویة والبحریة التابعة لأعضاء الأمم المتحدة ".
أما تشکیل وکیفیة إعداد القوات المسلحة التی یحتاج إلیها مجلس الأمن فی المحافظة على السلم والأمن الدولیین ، فقد بینتها المواد 43 و 44 و 45 و 46 و 47 من المیثاق .
ویقوم جمیع أعضاء الأمم المتحدة او بعضهم بالأعمال اللازمة لتنفیذ قرارات مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدولی ، وحسبما یقرره المجلس وذلک مباشرة أو عن طریق العمل فی الوکالات الدولیة المتخصصة التی یکون أعضاء فیها ، کما ینبغی على أعضاء الأمم المتحدة تقدیم المعونة المتبادلة لتنفیذ التدابیر التی قررها مجلس الأمن وقد منحت کل دولة تواجه مشاکل اقتصادیة خاصة تنشأ عن تنفیذ هذه التدابیر حق التشاور مع المجلس لدراسة الحل لهذه المشاکل .
واخیراً ، والى ان یتخذ مجلس المن التدابیر اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولی ، فلا ینتقص هذا المیثاق او یضعف من الحق الطبیعی للدول فردی أو جماعات ، فی الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على احد أعضاء الأمم المتحدة .
ولکن ینبغی ان یبلغ الأعضاء مجلس الأمن فوراً بالتدابیر التی اتخذوها ، غیر ان تلک التدابیر لا تؤثر بأی حال فیما للمجلس _ بمقتضى سلطته ومسؤلیاته المستمدة من أحکام هذا المیثاق _ من الحق فی أن یتخذ فی أی وقت ما یرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولی أو إعادته إلى نصابه .
ولقد أثارت هذه الإجراءات وتلک السلطات التی منحت لمجلس الأمن ، مجموعة من التساؤلات لا تخفی أهمیة الإجابة علیها وأثرها على تقییم مشروعیة ما اتخذه من تدابیر فی هذا الشأن ، خاصة ، وقد استاثرت الدول الکبرى _ بعضویة دائمة وحقها فی إنفاذ أو تعطیل آلیات المجلس فی أداء الدور المنوط به .
ثالثاً : المرکز القانونی للدول الکبرى فی مجلس الأمن :
لقد حرصت الدول الکبرى ، فی أعقاب الحرب العالمیة الثانیة ، وفی أثناء الإعداد والتحضیر لإنشاء منظمة الأمم المتحدة على أن یکون لها مرکزاً متمیزاً داخل ذلک الجهاز المنوط به حفظ السلم والأمن الدولی ، تاسیساً على أنها هی التی یقع على عاتقها مسئولیة القیام بهذا الأمر بما لها من قوة عسکریة واقتصادیة تؤهلها لأداء هذه المهام ، وکان أن نتج عن ذلک تمتع الدول الکبرى بمیزتین هامتین فی کل من تشکیل مجلس الأمن وعملیة التصویت ، الأمر الذی یتضح فیما یلی :-
أ- تشکیل مجلس الأمن :
تم النص على تشکیل مجلس الأمن من احد عشر عضواً من أعضاء الأمم المتحدة ، على أن تکون الدول الخمسة الکبرى ، الصین وفرنسا واتحاد الجمهوریات السوفیتیة الاشتراکیة والمملکة المتحدة لبریطانیا العظمى وشمال ایرلندا والولایات المتحدة الأمریکیة ، أعضاء دائمین فیه ، وأن یتم انتخاب الأعضاء الستة غیر الدائمتین بحسب التوزیع الجغرافی ولمدة سنتین .
ولقد وجه غالبیة الفقه الدولی نقداً واضحاً لما تمیزت به الدول الکبرى من وضعیة خاصة داخل مجلس الأمن ، على حین قبل بعضهم بذلک وفق شروط معینة وکان أبرز ما وجه من نقد ما یتعلق بذکر الدول دائمة العضویة وتحدیدها بالاسم على اعتبار کونها تشکل مجموعة الدول الکبرى فی المجتمع الدولی ، رغم أن معیار تحدید کون دولة ما تدخل فی عداد الدول الکبرى أم لا غیر ثابت لتعلقه بتقلب الظروف الدولیة التی تجعل من دولة تعتبر الیوم فی حکم الدول الکبرى من الدول الخارجة عن هذا الوصف فی وقت لاحق أو العکس .
وکذلک حدد المیثاق عدد الأعضاء غیر الدائمین فی مجلس الأمن تحدیداً عددیاً ثابتاً ، غیر إن الأولى فی هذا الشأن أن یکون ذلک التحدید نسبیاً مرناً حتى یمکن أن یتماشى مع الزیادة فی عدد أعضاء الأمم المتحدة دون اللجوء إلى إجراءات تعدیل المیثاق حتى یتوافق مع هذا الأمر .
على حین رأى البعض أن تلک الدول الکبرى ، التی تقع علیها فی الأصل العبء الأکبر فی العمل على استتباب السلم والأمن الدولی ، وقد خولها المیثاق إمتیازات خاصة لیست من قبیل الترف ، ولکنه تحقیقاً للجمع بین عاملی القوة والمسؤولیة .
ب-حق الاعتراض ( الفیتو ) :
کانت مسالة " التصویت " على قرارات مجلس الأمن من المسائل الدقیقة التی واجهت عملیة إعداد المیثاق ، وذلک بعد ان تقدمت الدول الأربعة الکبرى ( الولایات المتحدة والمملکة المتحدة وفرنسا والاتحاد السوفیتی ) بمشروع هو نتاج اجتماعها فی "یالتا " سنة 1945 ، والذی تجسد فی شرط صدور قرارات مجلس الأمن بأغلبیة سبع أصوات من إحدى عشر عضواً ، على أن یکون من بینهم أصوات الأعضاء الدائمین ، وذلک فی المسائل الموضوعیة غیر الإجرائیة .
ولقد کانت الولایات المتحدة الأمریکیة صاحبت مشروع " حق الاعتراض " والمدافعة عنه بقوة ، حیث أعلن وزیر خارجیتها أثناء مناقشة مشروع المیثاق التمهیدی مع مجموعة من أعضاء مجلس الشیوخ فی شهر مایو سنة 1944 ، قوله : " إن مبدأ حق الاعتراض قد تم تضمنه فی المشروع بادئ ذی بدء من قبل الولایات المتحدة .. وأن الحکومة الأمریکیة لن تبقى هناک یوماً واحداً دون الاحتفاظ بحقها فی سلطة الفیتو " ( ) .
ولقد تم تبریر هذا الحق من قبل الولایات المتحدة ومؤیدیها بأن قاعدة إجماع الدول الکبرى قصد بها تلافی فشل الجماعة الدولیة فی التصدی للعدوان ، وأن هذا الإجماع یوفر ضماناً لنجاح أی عمل مباشر من قبل الأمم المتحدة ، نتیجة لتأیید ومساندة الدول التی بیدها مقالید القوة الاقتصادیة والعسکریة والسیاسیة ( ) .
ولکن هذا التبریر لم یقنع غالبیة الفقه الدولی ، الذی راح یوجه الکثیر من النقد لهذا الحق الذی استأثرت به تلک الدول ، وقیل فی ذلک " أن اصطناع الخمسة الکبار للوحدة کحجر أساسی لیس سوى طریقة أقحمت زورا ومکرا لکی تشکل حکومة من القلة تستأثر بالسیطرة على بقیة الدول ، فإن عمالقة الأرض دبروا مؤامرة لینصبوا من أنفسهم حکاماً مستبدین على الکرة الأرضیة فی الوقت الذی کان فی العالم یتطلع بشوق إلى بزوغ فجر یوم جدید من المساواة والعدل الدولی " .
کما أشار البعض الى امکانیة إساءة تلک الدول دائمة العضویة لاستخدام هذا الحق تحقیقاً لمصلحتها الذاتیة .
وعلى الرغم من النقد الشدید الذی وجه إلى استئثار تلک الدول الکبرى بهذا الامتیاز دون غیرها ، إلا أن رغبة الدول جمیعها فی الوصول إلى إقامة صرح هذه المنظمة دون عوائق ، إضافة إلى شعورها بأن ذلک الاستئثار یجسد انعکاساً واضحاً للأمر الواقع والسیاسة الدولیة ، کانت وراء قبول تلک الدول _ إن لم یکن رضوخها _ بذلک الامتیاز للدول الکبرى ، خاصة وقد أصدرت الأخیرة تصریحاً مشترکاً أکدت فیه حدود ونطاق التصویت الوارد فی مشروع المیثاق ، وأنها فی استعمالها لحقوقها فی هذا الصدد سیحدوها دائماً الإحساس بتبعاتها نحو الدول الصغرى وأنها لن تستعمل حقها فی الاعتراض إلا فی أضیق مدى.
ولما کان مناط الأمم المتحدة یعتمد اعتماداً کاملاً على ما ترتئیه الدول الأعضاء ، بحیث أن مجال العمل الذاتی أو الانفرادی لأجهزة هذه المنظمة ذو نطاق ضیق وثانوی ( )، ویظهر ذلک جلیاً فی سلطة الدول الخمس الکبرى داخل مجلس الأمن ، فکان لابد وأن ینعکس هذا الأمر على مدى نجاح المنظمة الدولیة فی أداء المهام المنوطة بها ، خاصة وقد أنابت مجلس الأمن فی القیام بها وقد استأثرت تلک الدول الکبرى بامتیاز فی مجال حفظ السلم والأمن الدولیین ، حیث أن العضویة الدائمة للدول الخمس الکبرى فضلاً عن تمتعهم بحق النقض (الفیتو) عمل على تبدید مبدأ المساواة بین الدول فی القانون الدولی .
المطلب الثانی
الطبیعة القانونیة لنزع أسلحة الدمار الشامل العراقیة فی ضوء فکرة الجزاء
اذا کانت معظم الأحکام الواردة بنص القرار 687 (1991) قد وجدت خلافاً بین أعضاء مجلس الأمن حول مبرر وجودها مثل فرض العقوبات الاقتصادیة على العراق واستمرارها ، أو حول مدى اختصاص مجلس الأمن بکل من مسألتی التفتیش المفروضة على العراق وتخطیط الحدود ، وقد امتد هذا الخلاف إلى الفقه الدولی الذی انتقد مجمل هذه الأحکام إلى حد وصفها بأنها أشبه بمعاهدات التسلیم التی یفرضها المنتصر فی حروب ما قبل التنظیم الدولی ، الا أن ما ورد بأحکام القسم (جیم ) من هذا القرار _ والخاصة بنزع أسلحة الدمار الشامل العراقیة _ والتی استند مجلس الأمن بشأنها إلى سلطته على وفق أحکام الفصل السابع من المیثاق ، قد أثارت مجموعة من المسائل القانونیة التی لم تقف عند تناول مبررات تلک الأحکام ومدى مشروعیتها وطبیعتها القانونیة ، ولکن تجاوزتها إلى البحث عن موقع إجراء نزع السلاح بین فکرة الجزاء فی القانون الدولی وتدابیر حفظ السلم والأمن الدولیین وما منحه المیثاق لمجلس الأمن فی هذا الشأن من سلطات ، الأمر الذی نسعى إلى مناقشته فیما یلی :
الفرع الأول
الطبیعة القانونیة لنزع السلاح فی ضوء ما استقر علیه التنظیم الدولی المعاصر
نبذة موجزة عن تاریخ حرکة نزع السلاح :
اذا کانت بعض الکتابات تعود بحرکة نزع السلاح إلى عام 600 قبل المیلاد عندما عقدت اتفاقیة " الیا تجتس " بین حکام الدول الصینیة بهدف نزع أسلحتها وترتب على ذلک أن سادت فترة من السلام والاستقرار بین تلک الدول استمرت قرابة قرن کامل ، الا أن البعض الآخر قد ربط بدایة هذه الحرکة بزیادة القوة التدمیریة للأسلحة الأکثر خطورة فی عام 1860 وانتشار تلک الأسلحة بین العدید من الدول ، الأمر الذی أدى إلى نشوب الحرب بینها فی الفترة من 1866 حتى 1870 ( ).
ولقد کانت آراء الفلاسفة ورجال الدین عاملاً أساسیاً فی تثبیت دعائم هذه الحرکة منذ بدایاتها الأولى ، حتى أن القس " سن بییر" جعل فکرة تحدید الأسلحة و القوات المسلحة أحد رکائز مشروعة المقترح لإقامة سلام دائم فی القارة الأوربیة والذی وضع برنامجه سنة 1723، بل ذهب الفیلسوف " کانت" إلى ضرورة تسریح الجیوش المنظمة لأنها _ فی نظره_ تحط من قدر الإنسان وکرامته باعتبارها رمز للقتال وتدمیر الحیاة .
وفی مؤتمر السلام الأول الذی عقد فی باریس سنة 1814 ، قدم وزیر خارجیة فرنسا مشروعاً إلى الدول الأعضاء فی هذا المؤتمر ، طالبهم فیه بتخفیض عدد قواتهم الموجودة فی وقت السلم وان یتم ذلک بالتناسب مع مساحة وعدد سکان کل دولة وموقعها الجغرافی .
واذا کان کان الخلاف قد ظهر بشأن تحدید بدایات حرکة نزع السلاح على نحو حاسم ، فان معظم الکتابات فی هذا الشأن تتفق على أن مؤتمرا " لاهای" لسنة 1899 کان بدایة جادة نحو إرساء معالم طریق نزع السلاح ولم یقعدها عن النجاح سوى تنافس الدول الاستعماریة الذی انعکس على درجة التنافس فی التسلح وحجم الجیوش الأوربیة التی تعکس قوة هذه الدول ( ).
وعلى الرغم من أن المحاولات السابقة لاتجاه نزع السلاح قد اتصفت بالطبیعة الرضائیة أو التعاقدیة ما بین الدول ، الإ أن هزیمة المانیا ودول المحور فی الحرب العالمیة الأولى کانت وراء إتجاه الحلفاء المنتصرین فی تلک الحرب إلى إملاء شروط المنتصر على الدول المنهزمة ، وهو ما تحقق فی معاهدة " فرسای" سنة 1919 إذ تم تحدید عدد قوات المانیا بمائة ألف جندی وهنجاریا بـ 35 ألف جندی والنمسا بـ 30 الف جندی مع تحدید الأسلحة والذخیرة بالکمیة اللازمة لهذه القوات .
ثم فرض الجزء الخامس من هذه المعاهدة قیوداً شدیدة على المانیا فی شأن التسلیح وإلغاء التجنید الإجباری والتطوع الاختیاری وإلغاء هیئة أرکان الحرب الألمانیة و مصانع الذخیرة ومنع استیراد أو تصدیر أو تصنیع الأسلحة إضافة إلى نزع سلاح مناطق معینة داخل ألمانیا .
ومن هذا العرض السابق والموجز لحرکة نزع السلاح فی فترة ما قبل التنظیم الدولی یتضح ما یلی :
1- أن الدافع الرئیسی وراء نشأة حرکة نزع السلاح کان شدة سباق التسلح وتطوره ومحاولة الدول التقلیل من حدته لدرء مخاطر الحروب ، خاصة فی ظل الوضع التنافسی للسیاسات الاستعماریة فی تلک المرحلة .
2- عدم وجود مفهوم واضح لطبیعة نزع السلاح ، إذ ظهرت فی تلک الفترة ثلاث مصطلحات أساسیة ، تم استخدامها من منطلق اختلاف الرؤیة السیاسیة لکل دولة لمفهوم نزع السلاح ، وهذه المصطلحات هی : نزع السلاح Dissrmament ، وتخفیض السلاح Reduction of Armaments ، وتحدید السلاح Limitation of Armaments ، ونتج عن ذلک احتفاظ کل دولة بمفهومها الخاص لنزع السلاح.
3- أن آلیة نزع السلاح فی مرحلة ما قبل التنظیم الدولی لم تخرج عن أمرین لا ثالث لهما وهما :
أ – اتفاقات أن معاهدات ذات طبیعة تعاقدیة إرادیة لا تقدم فیها الدول المشارکة حریة اتخاذ القرار فی شأن درجة تسلیحها ودون إلزام مطلق بأحکام هذه المعاهدات .
ب – معاهدات الصلح والتسلیم التی یتم فیها فرض شروط من قبل المنتصر على المهزوم وأبرزها تحدید أو تخفیض درجة تسلحه ومن أشهرها معاهدة فرسای سنة 1919 حین تم فرض قیود على التسلح من قبل الحلفاء المنتصرون على دول المحور المنهزمین فی الحرب العالمیة الأولى .
واذا کانت هذه أهم خصائص وسمات حرکة نزع السلاح فیما قبل عصر التنظیم الدولی ، فماذا کان علیه أمر هذه الحرکة فی ظل الدور الذی قامت به کل من عصبة الأمم المتحدة مع بدایة هذا العصر ؟ هذا ما نسعى إلى تناوله فیما یلی :
أولا : منظمة عصبة الأمم ومفهوم نزع السلاح :
لقد کان المنتصرون فی الحرب العالمیة الأولى هم مؤسسو هذه المنظمة الرئیسیین ، وقد وضعت لجنة "هیرست وملیر" المشروع النهائی لعهد هذه المنظمة فی نفس الوقت الذی کان هؤلاء المنتصرون یضعون شروط معاهدة الصلح ( فرسای) مع دول المحور المهزومة ، حیث کان من ابرز هذه الشروط ما یتعلق بمسألة نزع أو تحدید تسلیح هذه الدول .
لذا ، کان من الطبیعی أن تتعرض تلک اللجنة لمسالة تخفیض التسلح کأحد أهم أهداف هذه المنظمة الولیدة ، والتی نذکر منها حل المنازعات بالطرق السلیمة _ تخفیض التسلح _ الاتفاق على ضمان جماعی متبادل _ تطبیق العقوبات على الدول المخالفة لأحکام العصبة . وتم التوقیع على عهد هذه المنظمة من قبل هذه الدول فی 13 فبرایر 1919 .
ثم تواصلت جهود عصبة الأمم فی سعیها نحو تحقیق السلم الدولی وتجنب مآسی الحرب العالمیة الأولى انطلاقاً من أحکام عهد العصبة ذاتها ، الأمر الذی یوجب التعرض لأهم تلک الأحکام ، ثم نتبعها بعرض موجز لأهم جهود هذه المنظمة الدولیة فی هذا الشأن .
أ- موقف عهد عصبة الأمم من حرکة نزع السلاح :
تاکیداً على ما جاء بدیباجة عهد عصبة الأمم ، من الحرص على جعل تخفیض التسلح أحد دعائم تحقیق السلام حتى یکون من السهل على الدول عدم اللجوء إلى الحرب لفقدانها أحد العوامل المحرضة على ذلک ، اشترطت المادة الأولى من العهد موافقة الدول على نظام العصبة فیما یتعلق بقواتهم وأسلحتهم (الدولیة والبحریة والجویة ) حتى یتم قبولهم کأعضاء فی هذه المنظمة وکان البدء فی ذلک بالدول المهزومة التی وقعت على معاهدة فرسای وقدمت بیانا بمرکزها الحربی ، وتعذر ذلک على غیر هذه الدول لعدم وضع نظام العصبة الخاص فی هذا الشأن .
ثم جاء حکم المادة الثانیة متضمناً أهم المستلزمات الضروریة بشأن تخفیض التسلح والتی یجب على الدول الأعضاء مراعاتها تحقیقاً لأهداف العصبة ولقد جاء نص هذه المادة فی شأن عملیة تخفیض التسلح واضحاً وصریحاًَ بل ومفصلاً بعض الشیء .
وضماناً لإعمال حکم المادتین الأولى والثانیة من عهد العصبة جاءت المادة التاسعة وقد نصت على انشاء لجنة دائمة لتقدیم المشورة للمجلس فی جمیع ما یتعلق بتنفیذ شروط هاتین المادتین ، وفیما یختص بالمسائل الدولیة والبحریة والجویة على وجه العموم ، لذا أنشأ مجلس العصبة " اللجنة الاستشاریة الدائمة " فی عام 1920 ثم " اللجنة المختلطة المؤقتة " سنة 1921 لإعداد البحوث وتقدیم التوصیات الخاصة بمشکلة تخفیض التسلح .
ب- جهود عصبة الأمم فی مجال نزع السلاح :
إذا کان المقام لا یسع للوقوف على تفصیل جهود عصبة الأمم فی مجال نزع السلاح ، فلیس أقل من الإشارة إلى أن اختلاف المواقف السیاسیة للدول أعضاء عصبة الأمم کان وراء تباین التفسیرات بشأن نصوص عهد العصبة الخاصة حول فکرة تحدید وتخفیض التسلیح ، لذا ترکزت أهم الجهود تلک المنظمة فی هذا المجال حول فعالیات مؤتمری جنیف 1925 و 1932 بغرض تحقیق أکبر قدر من النجاح فی مجال تخفیض التسلح مع توحید الرؤیة السیاسیة للدول أعضاء تلافیاً لاختلاف وجهات النظر ونتائجه المثبطة لهذه الجهود ، ویمکن إلقاء الضوء على هذین المؤتمرین فیما یلی :
1- مؤتمر جنیف لتخفیض الأسلحة سنة 1925 :
عقد هذا المؤتمر فی الفترة من 4 مایو إلى 17 یونیو سنة 1925 فی مدینة جنیف بسویسرا ، وقد هدف إلى تطبیق أحکام المادة الثامنة من عهد العصبة وتکلیف مجلس المنظمة باتخاذ ما یلزم من إجراءات لمنع النتائج السئیة التی ترتبت على قیام الأفراد بصناعة الأسلحة والذخائر ومعدات الحرب ، کما حرص المؤتمر على مناقشة مسالة الرقابة على حرکة مرور الأسلحة والذخائر بین الدول ، ونقلها من مجال القانون الخاص الى نطاق القانون الدولی ، غیر أن هذا الأمر لم یلق استجابة واسعة من الدول المشارکة ، وهو ما جعل جهود المؤتمر تترکز فی انجاح بروتوکول تحریم الاستخدام الحربی للغازات الخانقة أو السامة ، حیث تم التوقیع علیة من غالبیة تلک الدول وذلک فی 17 یونیو سنة 1920 .
کما رأت اللجنة التحضیریة لمؤتمر نزع السلاح أن وضع تعریفات لکل من تحدید الأسلحة وتخفیض التسلح ونزع السلاح ، فکان أن رأت فی تحدید الأسلحة أنه بمثابة تعهد الدول بأن لاتزید من اسلحتها أو قواتها المسلحة ، وهی المرحلة الأولى من مراحل نزع السلاح . والتخفیض یقصد به قیام الدول بتخفیض أسلحتها وقواتها بنسب متساویة ، وهی المرحلة الثانیة ، أما نزع السلاح فیقصد به ما ورد فی المادة الثامنة من عهد العصبة ، أی تخفیض التسلح الى الحد الأدنى الذی یتناسب مع الأمن القومی " .
2- مؤتمر جنیف لنزع السلاح سنة 1932 :
کانت اللجنة التحضیریة لمؤتمر نزع السلاح التی أنشأها مجلس العصبة سنة 1925 على اجتماع شبه متصل طیلة ستة أعوام بهدف التوفیق بین وجهات النظر المتعارضة للدول أعضاء العصبة حول مسألة سریان تخفیض الأسلحة على کل الدول ، خاصة وأن موقف کل من روسیا والولایات المتحدة قد آثار ریبة فی نفوس الدول الأعضاء إزاء خروج هاتین الدولتین عن نطاق العصبة رغم قوتهما الدولیة الکبیرة ، ثم کان أن انتهت أعمال تلک اللجنة التحضریة الى ضرورة عقد مؤتمر دولی لنزع السلاح لبحث کل ما توصلت إلیه من مناقشات وما اسفرت عنه جهودها فی هذا المجال .
لذا انعقد هذا المؤتمر فی 2 فبرایر سنة 1932 وکانت أهم قراراته ما یلی :
واذا کان هذا العرض الموجز لأهم جهود عصبة الأمم نحو تدعیم حرکة نزع السلاح والسعی الى تحقیق هدف العصبة فی احلال السلام ودرء مخاطر الحروب محاولة لإلقاء الضوء على طبیعة نزع السلاح فی ظل أحکام عهد العصبة ، والتی تمیزت باحترام إدارة الدول الأعضاء فی مجال الالتزامات الخاصة بمسألة نزع السلاح دون فرض تلک الالتزامات ، مع الحرص على توفیر الحد الأدنى من التسلح لکل دولة بالقدر اللازم لحمایة أمنها القومی والدفاع عنه ، الا أن وقوف المصالح السیاسیة المتعارضة بین هذه الدول کان حائلا دون نجاح محاولات العصبة فی هذا المجال ثم نشوب الحرب العالمیة الثانیة ، التی استخدمت فیها أبشع أسلحة الدمار الشامل التی عرفتها البشریة على الإطلاق من قبل الولایات المتحدة الأمریکیة ، کان لابد وأن یجعل مواصلة السعی الجاد نحو تدعیم حرکة نزع السلاح کأحد أهم أهداف منظمة الأمم المتحدة وهو ما نسعى الى تناوله بایجاز فیما یلی :
ثانیاً : منظمة الأمم المتحدة ومفهوم نزع السلاح :
اذا کانت جهود عصبة الأمم وسعیها نحو تدعیم حرکة ومفهوم نزع السلاح لم یکتب لها النجاح بسبب مجموعة من العوامل ذات الطبیعة السیاسیة کان أبرزها ظهور الحرکتین "النازیة والفاشیة" والتحول الایدیولوجی فی الشرق من القارة الأوربیة باتجاه بریق العقیدة الشیوعیة ، إلا أن هذه العوامل ذاتها قد شکلت أسباباً رئیسیة فی اشتعال الحرب العالمیة الثانیة ، والتی دفعت القائمین على وضع میثاق المنظمة الدولیة الولیدة التی أعقبت إنهیار وفشل عصبة الأمم ، إلى اعتبار نزع السلاح أحد أهم مناهج العمل وفق أحکام ذلک المیثاق بهدف تحقیق السلم والأمن الدولیین ، خاصة وان الحرب العالمیة الثانیة قد انتهت باستخدام ابشع ما توصلت الیه ید البشریة من أسلحة التدمیر والفناء وهو القنبلة الذریة والتی استخدمتها الولایات المتحدة الأمریکیة ضد الیابان لتضع العالم کله أمام خطورة هذا السلاح الرهیب .
ولقد کان أهم تحول فی منهج التعامل مع قضیة الأمن والسلم الدولیین ، منذ بدایة الإعداد لمیثاق منظمة الأمم المتحدة ، یتمثل فی إحلال فکرة الأمن الجماعی بدیلا ًعن نظریة الأمن فی ظل توازن القوی ( ),التی کانت تعتمد على فکرة قوامها ان تسلح مجموعة من الدول ضد مجموعة أخرى تتمتع أیضاً بنفس الحریة فی التسلح, یمنع نشوب الحرب کنتیجة حتمیة للتوازن فیما بینها.
أما فکرة أو منهج الأمن الجماعی فیعتمد على وجود منظمة دولیة تعمل على تحریم استخدام القوة والعدوان ، وتدعیم الأمن والسلام بوسائل أساسیة ، منها الحل السلمی للمنازعات ونزع السلاح وتحمل الدول الأعضاء بمسئولیاتهم ، مع إمکانیة توقیع الجزاءات علیهم عند مخالفة أحکام وقواعد قانون هذه المنظمة .
وفی ضوء هذا التحول فی منهج الحفاظ على الأمن والسلم الدولیین ، نتعرف على رؤیة میثاق منظمة الأمم المتحدة لمفهوم نزع السلاح ، کأحد أهم الوسائل لتحقیق هذا الهدف ، الأمر الذی نتعرض له فیما یلی :
نزع السلاح فی میثاق الأمم المتحدة :
على الرغم من أن دیباجة میثاق الأمم المتحدة وما جاء ضمن مقاصد الأمم المتحدة الأساسیة فی الفصل الأول منه ، یحمل فی طیاته دلالة ناطقة على أن نزع السلاح لابد وأن یکون وسیلة حاسمة نحو تقلیل مخاطر النزاعات المسلحة وماتسفر عنه الحروب من مآسی ودمار فی المجتمع الدولی ، الإ أن ثمة مجموعة من المواد ضمن فصول هذا المیثاق کانت صریحة فی هذا المجال وهی المواد التالیة :
و یتضح من قراءة هذه النصوص ، أن المیثاق قد استخدم عبارتین أو مصطلحین أساسیین فی هذا الشأن ، وهما : تنظیم التسلیح ونزع السلاح ، حیث أثار المصطلح الأخیر خلافاً بین الفقه الدولی حول رؤیة المیثاق للعلاقة بین نزع السلاح وتحقیق الأمن الجماعی لأعضاء المجتمع الدولی ، وقد تحدد هذا الخلاف بین اتجاهین : -
أما الاتجاه الأول : فقد ذهب الى اعتبار أن المیثاق لم یربط بین نزع السلاح وتحقیق الأمن الجماعی ربطاً کافیاً ، ولأن النصوص التی تناولت مسالة نزع السلاح کانت ضعیفة فی هذا الشأن ، وقد استند هذا الاتجاه فی تأیید مذهبه على ما یلی :
1- لم یتضمن المیثاق معالجة موضوعیة لمشکلة الطاقة النوویة والأسلحة الذریة .
2- عدم النص صراحة على نزع السلاح کهدف أساسی من أهداف الأمم المتحدة أو من مبادئ المیثاق .
3- اهتم المیثاق بفکرة تنظیم التسلیح أکثر من اهتمامه بفکرة نزع السلاح ، وهو ما یتضح من قراءة الفقرة الرابعة من المادة التاسعة بشأن مبادئ الأمم المتحدة ، والتی تشیر إلى ضرورة امتناع أعضاء الهیئة جمیعاً فی علاقاتهم الدولیة عن التهدید باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضی أو الاستقلال السیاسی لأیة دولة أو على أی وجه آخر لا یتفق مع مقاصد الأمم المتحدة ، الأمر الذی یفهم منه حق هذه الدول فی الاحتفاظ بأسلحتها بالقدر الذی لا یحرمها حق الدفاع عن النفس .
4- تحدید سلطة مجلس الأمن فی مسألة السعی نحو تحقیق وتوطید السلم والأمن الدولی باستشارة لجنة الأرکان العسکریة فی وضع مناهج تنظیم التسلح _ ولیس نزعه_ وعرضها على أعضاء الأمم المتحدة لإقرارها ، وهو ما یتضح من نص المادة (26) من المیثاق ، الأمر الذی ینزع عن المجلس أیة سلطة جبریة فی هذا المجال .
5- إنتفاء وجود آلیات أن قواعد عامة فی نصوص المیثاق للرقابة والتفتیش التی لابد منها لتحقیق فاعلیة إجراءات عملیة نزع السلاح .
أما الاتجاه الثانی : فیرى أن المیثاق قد ربط ربطاً وثیقاً بین نزع السلاح وتحقیق الأمن الجماعی ، وذلک عن طریق إلزام الدول الأعضاء فی المنظمة الدولیة بالامتناع عن التهدید بالقوة او استخدامها فی العلاقات الدولیة ، وإلزامها باتخاذ الحل السلمی للمنازعات الدولیة أسلوبا أساسیا فی تسویة تلک المنازعات ، ونبذ استخدام القوة ، وان المادتین (21 و 26 ) من المیثاق قد تناولتا مسالة تنظیم التسلیح ، بمعنى العمل على تخفیض التسلح کخطوة فی سبیل تحقیق نزع السلاح الجزئی ، وذلک وصولا الى الهدف الأساسی والخیر وهو نزع السلاح العام والکامل فی المستقبل .
کما یؤکد هذا الاتجاه على انه إذا کانت المادة (11) من المیثاق قد نصت على قیام الجمعیة العامة للأمم المتحدة ببحث المبادئ الرئیسیة التی تحکم نزع السلاح ، وإصدار التوصیات فی هذا الشأن ، فان مجلس الأمن یتحمل مسئولیة وضع هذه التوصیات ومناهج تنظیم التسلیح موضع التطبیق بعد عرضها على أعضاء المنظمة الدولیة .
ومن العرض السابق لهذین الاتجاهین حول مفهوم نزع السلاح ، فی ضوء نصوص المیثاق وعلاقته بنظریة الأمن الجماعی ، تتضح سلامة وقوة الاتجاه الأول الذی کشف عن ضعف العلاقة بی نزع السلاح وتحقیق الأمن الجماعی وفق نص دیباجة المیثاق والمواد الخاصة بهذا الشأن ، لاسیما فیما یتعلق بتقید اختصاصات وسلطة مجلس الأمن فی مسالة نزع السلاح وربطها بدور کل من لجنة الأرکان العسکریة وعرض ما یراه المجلس من خطط ومناهج لتنظیم التسلیح على أعضاء المنظمة الدولیة ، وهو الأمر الذی اثبت الواقع السیاسی والدولی صعوبته والذی انعکس على آلیات العمل داخل أجهزة الأمم المتحدة واثر على دورها فی مسالة نزع السلاح ، وهو ما یتضح فیما یلی :
أ- فشل المنظمة الدولیة فی تطبیق نص المادة (43 ) من المیثاق والخاصة بإنشاء قوات دولیة لحفظ السلم والأمن الدولیین وانتهاء دور لجنة أرکان الحرب فی مسالة تنظیم التسلیح ونزع السلاح قبل أن یبدأ .
ب- کان لفقدان مجلس الأمن أهم آلیاته الأساسیة والفاعلة فی مجال حفظ السلم والأمن الدولیین ونزع السلاح والمتمثلة فی لجنة الأرکان العسکریة ، أکبر الأثر فی عجز هذا المجلس عن القیام بواجباته المنصوص علیها فی المیثاق ، فلم یشترک فی مناقشات لجنــة الطاقة الذریـة أو لجنة نـزع السلاح ، وقد تأثر عمله بتنافر أعضاءه الدائمین وعدم اتفاقهم ، نتیجة التنافس فیما بینهم حیث لم تخف أی من الدول دائمة العضویة رغبتها الأکیدة فی کسر احتکار السلاح النووی ، الأمر الذی أعجز مجلس الأمن عن القیام بالدور المنوط به .
ج- انفردت الجمعیة العامة للأمم المتحدة بمناقشة مسالة نزع السلاح بشکل عام وإصدار القرارات ذات الصلة والتوصیات فی مجال تنظیم ونزع السلاح ، إضافة المرجع تشجیع الخط العام لحرکة نزع السلاح .
د- تحول التفاوض بین الدول بشأن مسألة تخفیض نزع السلاح ، خاصة فی ظل الحرب الباردة والتنافس فی مجال التسلح النووی ، إلى خارج المنظمة الدولیة ، وإن کانت توصیات الجمعیة العامة للأمم المتحدة وقراراتها فی هذا الشأن مرشداً وهادیاً لتلک الدول وهی بصدد وضع معاهدات تخفیض ونزع السلاح والتی نذکر منها :
1- معاهدة نزع سلاح القطب الجنوبی سنة 1959 .
2- معاهدة موسکو للحظر الجزئی للتجارب النوویة سنة 1963 .
3- معاهدة إنشاء الخط الساخن بین موسکو وواشنطن سنة 1963 .
4- معاهدة المبادئ المنظمة لنشاط للدول فی میدان استکشاف واستخدام الفضاء الخارجی فی سنة 1966 ، والتی تحظر وضع أیة أجسام تحمل أسلحة نوویة أن أسلحة التدمیر الشامل فی الفضاء الخارجی أو أی مدار حول الأرض .
5- معاهدة حظر الأسلحة النوویة فی أمریکا اللاتینیة سنة 1967 .
6- معاهدة حظر انتشار الأسلحة النوویة سنة 1968 .
7- معاهدة حظر وضع الأسلحة النوویة وأسلحة التدمیر الشامل فی قاع البحار والمحیطات باطن تربتهما سنة 1971 .
مما سبق یتضح ، أن الصلة بین أحکام ومواد المیثاق من جهة وبین دور نزع السلاح فی تحقیق الأمن الجماعی لم تکن بالقدر الکافی واللازم کی تتمکن أجهزة المنظمة الدولی من أداء دورها بفعالیة فی شان دفع حرکة نزع السلاح او تنظیمه وهو ما یرجع إلى تأثیر العوامل السیاسیة والعلاقة السیاسیة فی مجال التسلیح بین الدول دائمة العضویة فی مجلس الأمن ، إضافة إلى ضعف النصوص التی تناولت مسالة تنظیم ونزع السلاح ، کما أن مجلس الأمن _ رغم انه الجهاز القائم على حفظ واستقرار السلم والأمن الدولیین _ لم یجد فی نصوص المیثاق ، التی تناولت مسألتی نزع السلاح وتنظیم التسلیح ، مجالا واسعاً واختصاصا منفردا فی هذا الشأن ، بل ان المادة (26 ) قد حددت سلطته فی هذا المجال بوضع الخطط التی تعرض على أعضاء الأمم المتحدة بشأن مناهج تنظیم التسلیح ولیس نزعة وقیدت ذلک بمسئولیته المعتمدة على مشورة لجنة الأرکان العسکریة المشار الیها فی المادة(47)من المیثاق ( ).
فاذا کان العمل بهذه الآلیة فی مجال تنظیم التسلیح قد تعطل لعجز المجلس عن أداء هذا الدور فی ظل سیاسة الحرب الباردة التی اشتعلت بین قطبی المجتمع الدولی والتی انعکست على العلاقة فیما بین الأعضاء دائمی العضویة بهذا المجلس ، إضافة الى استحالة الأخذ بمشورة لجنة الأرکان العسکریة فی مجال تنظیم التسلیح ونزع السلاح لعدم إعمال حکم المادة (43 ) من المیثاق ، التی تعد الأساس فی نشأت تلک اللجنة ، الأمر الذی یقعد مجلس الأمن عن أداء أی دور فی مجالی تنظیم التسلیح او نزع السلاح على السواء ، ولا یتمتع فی ذلک بأی سلطة أو اختصاص منفرد فی هذا الشأن . وترتیباً على ما سبق ، یبرز التساؤل الأتی :
" هل یجد مجلس الأمن فی تدابیر الأمن الجماعی و (فکرة الجزاء ) سندا قانونیا ومبررا مشروعاً لنزع أسلحة دولة عضو فی المنظمة الدولیة ؟ على الرغم من تقید سلطته واختصاصاته بموجب المواد التی تناولت مسألتی تنظیم التسلیح ونزع السلاح بموجب میثاق الأمم المتحدة .. هذا ما سنسعى الى مناقشته فی الفرع التالی من هذا المطلب .
الفرع الثانی
سلطة مجلس الأمن فی نزع السلاح بین نظریة الجزاء وتدابیر الأمن الجماعی
اذا کانت مواد المیثاق التی تناولت أحکام تنظیم ونزع السلاح لم تقض بمنح مجلس الأمن أیة سلطة جبریة فی مجال نزع السلاح ضمن ما یتمتع به ذلک المجلس من اختصاصات فی مجال حفظ السلم والأمن الدولیین ، فان قرار مجلس الأمن رقم 687 (1991) الذی قضى بنزع أسلحة الدمار الشامل العراقیة بموجب أحکام القسم (جیم) منه یحتم مناقشة مدى مشروعیة ذلک ، خاصة وقد استند المجلس الى أحکام الفصل السابع من المیثاق وما یتمتع به من سلطة فی اتخاذ تدابیر الأمن الجماعی لإضفاء المشروعیة على إجراء نزع أسلحة الدمار الشامل العراقیة .
لذا ، ستکون مناقشة نظریة الجزاء فی القانون الدولی وموقعها من تدابیر الأمن الجماعی ، بمقتضى أحکام میثاق الأمم المتحدة ، خطوة أساسیة فی بحث مدى مشروعیة ما قضى به مجلس الأمن من نزع أسلحة الدمار الشامل العراقیة . ویکاد یجمع الفقه الدولی على أن الأمن الجماعی یجسد نظاما یقوم على مبدأ أساسی، وهو تحریم استخدام القوة فی العلاقات الدولیة فی محاولة جادة الى التخلص من نظام العدالة الخاصة الذی تقوم الدول فی ظله بالقصاص لنفسها من المعتدی ، وذلک بغیة الوصول إلى تحقیق نظام السلطة العامة من خلال مجموعة من التدابیر أو الإجراءات الجماعیة التــی یقوم علیها جهاز من أجهزة المنظمـــة الدولیة ، إذ تتمیز هذه التدابیر بخاصتین أساسیتین : الأولى وقائیة تهدف إلى الحیلولة دون وقوع العدوان ، والثانیة علاجیة تهدف إلى إیقاف العدوان وتوقیع الجزاء على المعتدی ( ).
فإلى أی مدى یمکن تطبیق مفهوم نظریة الجزاء على اجراءات وتدابیر الأمن الجماعی ؟ وهل یمکن اعتبار نزع أسلحة الدمار الشامل العراقیة نوعا من الجزاء تم توقیعه على العراق فی إطار تدابیر الأمن الجماعی الهادفة إلى حفظ السلم والأمن الدولیین ؟ وفیما یلی محاولة للإجابة على هذین السؤالین .
أولا : موقع تدابیر الأمن الجماعی من نظریة الجزاء فی القانون الدولی :
لقد أثارت فکرة الجزاء SANCTIONS خلافا وجدلا فقهیا شدیداً فی معظم المؤلفات التی تناولت نظریة القانون بشکل عام وتلک المعنیة بالقانون الدولی على وجه الخصوص ، حیث رأى بعض فلاسفة القانون أمثال ( کانت ، وهیجل ، وهوبز ) أن خصائص القانون الدولی لا تضفی على أحکامه صفة القواعد القانونیة بالمعنى الصحیح ، وقد استند هذا الرأی إلى أن هذا القانون یفتقد وجود السلطة التشریعیة والسلطة القضائیة والجزاء الذی یحمی أحکام القاعدة القانونیة ویوفر ضمان احترامها ویوقع على من یخالفها .
وقد تم التعبیر عن ذلک بالعبارة الشهیرة "ni code , ni juge , ni gendarme " . بل ان الرواد الأوائل للقانون الدولی ، أمثال (Gentilis, Puffendorf , Vitaria ) ، قد نظروا الى هذا القانون باعتباره أقرب الى مجموعة القواعد الطبیعیة منه الى القواعد الوضیعة الملزمة .
وعلى حین اتجه أصحاب مدرسة القانون الطبیعی نحو النظر إلى القانون کموجود بذاته ویتمیز بطبیعته الاستقلالیة عن أیة إرادة إنسانیة ، فان أصحاب مدرسة القانون الوضعی قد وجدوا أن القانون هو مجموعة قواعد السلوک العامة المجردة ، الساریة أو المطبقة فعلاً فی مجتمع معین ، بالنظر لإلزامها المرتکز على اقترانها بجزاء مادی ملموس ، ویتفق فی ذلک کل من أصحاب الوضعیة القانونیة أمثال "کلسن" و " فردروس " وأصحاب الوضعیة الاجتماعیة أمثال " دیجی " و " وجیز " .
ولقد کان عنصر الجزاء احد أهم العناصر الأساسیة لإکساب القاعدة القانونیة هذه الصفة فی رأی فقهاء مدرسة القانون الوضعی ، لذا ذهب أحد فقهاء هذه المدرسة القانون الوضعی ، لذا ذهب احد فقهاء هذه المدرسة وهو الفقیه " JOHN AUSTIN " الى إنکار وضعیة القانون الدولی استناداً الى نظرته للقانون باعتباره مجموعة القواعد الصادرة عن سلطة سیاسیة ذات سیادة تستطیع العمل على ضمان احترام أوامرها بتوقیع الجزاء على المخالف لتلک الأوامر ، وانتهى هذا الفقیه الى أن ما اصطلح على تسمیته بالقانون الدولی العام لیس فی حقیقته سوى مجموعة من قواعد الأخلاق الدولیة الوضعیة .
ولقد تأثر العدید من الفقهاء اللذین تصدوا لدراسة " نظریة القانون" بهذه الراء وقد تشککوا فی وضعیة القانون الدولی العام لعدم احتواء قواعده على عنصر الجزاء والذی رأوه قاسماً وأصیلا فی عناصر القاعدة القانونیة ، واتفق فی ذلک کل من أصحاب المدرسة الواقعیة وأصحاب المدرسة الجبریة ، حیث ذهب الواقعیون فی نظرتهم للقانون الى اعتباره " واقعة" لا باعتباره " قیمة" وأن القانون بذلک یعد بمثابة " صیغة اجتماعیة قوامها حمل الأفراد على أن یسلکوا المسلک المرغوب فیه ، وذلک عن طریق التهدید باتخاذ إجراء قهری یطبق فی حالة وقوع مسلک مخالف " .
أما أصحاب النزعة الجبریة فیرو ان القانون هو "مجموعة القواعد الجبریة التی تصدر عن ارادة الدولة وتنظیم سلوک الأشخاص الخاضعین لهذه الدولة أو الداخلین فی تکوینها" .
وبین هاتین المدرستین ذهب جمهور الفقه _ فی باب نظریة القانون _ الى تعریف القانون بأنه " مجموعة القواعد العامة المجردة التی تنظم سلوک الأفراد الخارجی فی المجتمع وتقوم على احترامها سلطة عامة توقع الجزاء على من یخالفها " .
ولقد کانت أهم نتائج هذه الآراء الفقهیة أن تبلور اتجاه قوی یجحد تمتع القانون الدولی العام بالوضعیة القانونیة ، استناداً الى عدم وجود جزاء أو سلطة علیا أو دولة فوق الدول تستطیع توقیع الجزاء الملزم على المخالفین ، الأمر الذی یؤدی _ عند هذا الاتجاه _ الى فقدان القاعدة القانونیة أهم خصائصها وهو وجود تنظیم قانونی وجزاءات تضمن احترامها ، لذا کان لزاما على فقهاء القانون الدولی العام التصدی لهذا الاتجاه .
ولقد کانت نقطة انطلاق غالبیة الفقهاء الرافضین لهذا الاتجاه هی التأکید على أن وجود القاعدة القانونیة لا یتوقف على توافر کل من السلطة التشریعیة والسلطة القضائیة ووجود الجزاء ، وان توافرها یساعد على دعم القاعدة القانونیة ( )، إضافة الى تأکید غالبیة هذا الفقه المؤید لوضعیة قواعد القانون الدولی على ما یلی :
1- ضرورة مراعاة اختلاف البناء القانونی الخاص بالمجتمع الدولی الذی یتکون أساسا من دول مستقلة ذات سیادة عن ذلک البناء القانونی الذی یحکم مجتمع الأفراد داخل الدولة ، إضافة الى اختلاف طبیعة المخاطبین ، الأمر الذی یجعل من العبث أن یتم القیاس دون مراعاة هذه الفوارق الجوهریة .
2- عدم إرتهان وصف قواعد القانون الدولی بالقواعد القانونیة بضرورة وجود سلطة تشریعیة ، لان الدول فی المجتمع الدولی تقوم بممارسة هذا الأمر على غرار نظام الدیموقراطیة المباشرة .
3- ضرورة عدم الخلط بین " تقویم القانون " و " تکوین القانون " استناداً الى حتمیة توافر مجموعة من العناصر لتکوین القاعدة القانونیة ومجموعة من الشروط اللازمة لتوافر حسن تطبیق تلک القاعدة _ بعد أن تتکون وتنشا _ مثل وجود القضاء والجزاء( )، وان القانون الدولی العام یعرف الجزاءات التی تکفل احترام أحکامه ولکنها جزاءات تتفق مع تکوین المجتمع الدولی ومع طبیعة العلاقات الدولیة .
4- ثبوت وضعیة القانون الدولی باعتراف الدول المخاطبة بأحکامه بوجوده وإلزامه لها ومحاولة هذه الدول إضفاء المشروعیة على تصرفاتها التی تعد مخالفة لا حکام قواعد ذلک القانون ، وفی ذلک لا تختلف انتهاکات هذه الدول لتلک القواعد عن موقف الأفراد داخل مجتمع الدولة إذا ما قاموا بمخالفة أحکام القانون الداخلی ( ).
ومما سبق یتضح ، أن جمهور الفقه الدولی قد ذهب الى توافر عنصر الجزاء فی القاعدة القانونیة الدولیة وإن إختلفت طبیعة هذا الجزاء وبنائه القانونی عن طبیعة ومفهوم الجزاء فی القانون الداخلی . ولکن ما هو مضمون فکرة الجزاء ومدلولها فی ضوء قواعد القانون الدولی ؟ هذا ما نسعى الى مناقشة فیما یلی :
أ- معنى الجزاء فی قواعد القانون الدولی :
کلمة جزاء فی اللغة العربیة تعنی المکافأة بالعقاب أو الثواب أو بأی منهما بحسب فعل الشخص المکافأ وکمقابل لهذا الفعل ( ).
ففی المعنی الأول ، أی المکافأة بالعقاب ، نجده فی قوله تعالى : " لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وکذلک نجزی الظالمین " ( الأعراف / 41 ).
أما المعنی الثانی ، أی المکافأة بالثواب ، نجده فی قوله تعالى : " إن للمتقین مفازاً حدائق وأعناباً وکواعب اترابا وکاسا دهاقا لا یسمعون فیها لغوا ولا کذابا جزاءاً من ربک عطاءاً حساباً (المنازعات /36 ).
أما فی المعنى الثالث ، الجامع بین الثواب والعقاب ، فنجده فی قوله تعالى : " ولله ما فی السماوات وما فی الأرض لیجزی الذین أساءوا بما عملوا ویجزی الذین أحسنوا بالحسنى " (الفجر /31 ) صدق الله العظیم .
أما فی اللغات الأجنبیة فتعنی کلمة sanctions ذلک الإجراء الذی تتخذه السلطة المختصة دستوریا للتطبیق ، وتعنی فی مجال القانون الدولی الإجراء الذی یتخذ فی حالة انتهاک قاعدة قانونیة ( )، أو هو رد الفعل المؤید أن المعارض الذی یهدف المرجع تأکید احترام قواعد القانون الدولی .
ویمیل معظم الفقه الى تغلیب المعنی العقابی لکلمة جزاء من الناحیة القانونیة ، حیث یختلط الجزاء بمعنى العقوبة ، خاصة حین یتخذ صورة القسر المادی رغم ان العقوبة لیست سوى إحدى صور الجزاء ، لاسیما وان هذا الجزاء قد یشمل العقاب على فعل تم ثبوته کما یمکن ان یکون تدبیراً احترازیاً ، وذلک یعنی أن جمعه بین معاملة الوقائع الحالیة والمستقبلیة.
غیر أن هناک من الفقه من یرى أن یکون الجزاء بمعنى المکافأة التی تدعو الأفراد الى عمل للحصول علیها ، وهو ما یتحقق بطاعتهم واحترامهم للقاعدة القانونیة .
أما الفقه الغربی فیغلب علیه رؤیة الجانب السلبی فی الجزاء أی بمعنى العقاب ، خاصة وأن هذا المعنى یماثل الآلم فی اللغة اللاتینیة ، کما یجد هذا الاتجاه تأییداً واسعاً فی الفقه القانون الداخلی .
ب- هدف الجزاء وأهمیته فی القانون الدولی :
یکاد یجمع الفقه الدولی الغربی على أن الجزاء ذو طبیعة وظیفیة لا تهدف إلى زجر وإیلام الدولة المخالفة لأحکام القاعدة القانونیة ، ولکن بهدف ردها الى جادة الصواب والامتثال لهذا القانون حتى یستقر أمن وسلام المجتمع الدولی ( ). وهو ما ذهب الیه غالبیة الفقهاء العرب ، وقد أکد على ذلک الأستاذ الدکتور عبد العزیز سرحان ، فی تعریفه للجزاء تعریفاً وظیفیاً بصفته "رد الفعل الاجتماعی الذی یعبر عن استیاء المجتمع تجاه أحد أعضائه الذی ارتکب ما یخالف مضمون إحدى القواعد القانونیة الساریة فی هذا المجتمع"( )
ویلتقی الاتجاه الوظیفی فی تعریف الجزاء مع نظریات الردع فی فقه قانون العقوبات ، والذی یرى أن العقوبة تنحصر وظیفتها فی الوقایة والمنع من ارتکاب جرائم مستقبلیة ویتحقق ذلک عن طریق ردع الآخرین وتهدیهم بإنزال العقوبة بهم اذا ما خالفوا النص التجریمی تماما کما لحق بالجانی الذی ارتکب فعلا مجرما وثبتت مسئولیته عنه وبذلک تحول دون ارتکاب جرائم مستقبلیة ( ).
ورغم أن الجزاء ، فی کافة النظم القانونیة ، یهدف إلى تحقیق وظیفتین أساسیتین الأولى : هی توقیع العقوبة على المخالفین لحملهم على الالتزام بأحکام وأوامر القاعدة القانونیة . والثانیة : هی ردع المخاطبین بهذه القاعدة بما یحول دون إتیانهم هذا السلوک المخالف الذی تمت معاقبة مرتکبة وإلغاء تتحقق الغایة الوقائیة من الجزاء ، إلا أن غالبیة الفقه الدولی لا تذهب إلى ضرورة أن یسعى الجزاء إلى إیلام وزجر الدولة المخالفة وعقابها بالمعنى الدقیق لاصطلاح العقاب فی علم قانون العقوبات داخل الدولة ، ولکن بما یعنى فقط وقف المخالفة والانتهاک الذی أقدمت علیه الدولة واعتدائها على قواعد النظام الجماعی الدولی .
بل أن الفقیه CAVARE قد ذهب الى انه من المستحیل أن یوجد فی المجتمع الدولی جزاء عقابی _ بمعنى إشعار المعاقب بالالم _ لان ذلک یتطلب مجموعة من الشروط ، منها تحدید أنواع الجرائم ودرجة المخالفات وهی شروط تخضع لتأثیر العوامل السیاسیة وإجراءات معینة ومعقدة جداً .
کما یرى البعض توافر مجموعة من النتائج المترتبة على ثبوت الطبیعة الوظیفیة للجزاء ، وکرد فعل من الدولة أو المجتمع بهدف إعادة الشیء إلى حاله ، والتی نذکر منها :
ج- مدى اعتبار تدابیر الأمن الجماعی بمثابة جزاءات
لا تخفى مدى أهمیة مناقشة اعتبار تدابیر الأمن الجماعی بمثابة جزاء یقوم باتخاذه مجلس الأمن ویوقعه على احد أعضاء المجتمع الدولی اللذین یقومون بانتهاک أو الإخلال بالسلم والأمن الدولیین أو عمل من أعمال العدوان ، خاصة وان المجتمع الدولی مثله فی ذلک مثل أی مجتمع یتألف من مجموعة من الأشخاص تتداخل مصالحهم أو تتنازع مما یستوجب ضبط وتنظیم العلاقات القائمة فیما بینهم وبما یتفق مع الصالح العام لأعضاء هذا المجتمع من خلال احترام القواعد القانونیة التی یشکل الجزاء عنصراً أصیلا وأساسیا من عناصرها وان اختلف مفهوم هذا الجزاء وطبیعته القانونیة وطریقة توقیعه على العضو المخالف لأحکام القانون .
واذا کان العدید من مؤلفات القانون الدولی قد استخدمت مصطلح الجزاء ، الا أن میثاق أهم منظمة دولیة وهی الأمم المتحدة لم یرد فیه مطلقاً هذا المصطلح ، وإن کان قد ورد أثناء مراحل إعداد ذلک المیثاق ، الأمر الذی جعل العودة إلى آراء الفقة الدولی _ لبیان ما إذا کانت تدابیر الأمن الجماعی فی الفصل السابع من المیثاق بمثابة جزاءات أم لا – هی الفیصل والحکم ، خاصة وقد رأى بعض الفقهاء أن مشکلة الجزاء فی القانون الدولی تکمن فی کیفیة إلزام الدول أو حملها على الوفاء بالتزاماتها ( ) . فهل تقوم تدابیر الأمن الجماعی بهذا الدور ؟ هذا ما نسعى الى مناقشته فی ضوء آراء الفقه الدولی الذی انقسم فی هذا الشأن الى ثلاث اتجاهات رئیسیة :
أما الاتجاه الأول : فیذهب الى نفی صفة الجزاء عن تدابیر الأمن الجماعی ، ویستند فی ذلک الى أن هذه التدابیر ذات صفة سیاسیة وتطبیقها مرهون بتقدیر مجلس الأمن وهو ما یتفق مع المیل العام نحو ترجیح الصفة السیاسیة لنصوص المیثاق على صفتها القانونیة خاصة وان الجزاء لا یقوم الا عند انتهاک إلتزام قانونی .
ویؤکد هذا الاتجاه ، على أن غلبة المعاییر السیاسیة وسلطة مجلس الأمن الواسعة فی تقدیر وقوع تهدید للسلم أو انتهاکه أو عمل ، من أعمال العدوان لا یجعل ثمة ضابط فی تحری مدى عدالة تقریر المجلس فی هذا الشأن ، وأن المادة 39 من المیثاق هی مفتاح تقریر وقوع أی من هذه الحالات الثلاث ، وهو أمر بید مجلس الأمن وحده وله ترتیباً على ذلک اتخاذ هذه التدابیر أو تعطیلها .
وفی ذات الاتجاه ذهبت الأستاذة ROSALYN HIGGINS الى أن الدول دائمة العضویة بمجلس الأمن تعمد الى وصف الموقف بأنه مهدد للسلم والأمن الدولی وفق المعاییر السیاسیة إذا کانت عازمة على توقیع التدابیر ضد دولة ما .
ولقد وجد هذا الاتجاه تأییدا لدى بعض الفقه العربی ، حیث رأت الأستاذة الدکتورة عائشة راتب " أن لفظ جزاءات لم یستخدم للدلالة على تلک التدابیر الجماعیة ، وإنما یستخدم لفظ ( اجراءات ) الذی یوحی بمعانی إجرائیة ، سواء أکانت وقائیة أم علاجیة أکثر من إیمانه الى معنى الجزاء "
وأما الاتجاه الثانی : فیرى أصحابه ضرورة التفرقة بین التدابیر المؤقتة التی یحث مجلس المن بموجبها أطراف النزاع الدولی الى إتباعها ، وتلک التدابیر المباشرة التی یتخذها المجلس ولها طابع القسر وتکون دون سواها صاحبة وصف " الجزاء " ، وهی التدابیر غیر العسکریة ، والتدابیر العسکریة .
ویستند هذا الاتجاه الى أن مجلس الأمن قد یوصی بالإجراءات المؤقتة قبل أن یتبین له أی من الأطراف قد تسبب بخطئه فی تهدید السلم أو انتهاکه ، أما فی حالة اتخاذ المجلس التدابیر (القمعیة ) فلابد أن یوجهها ضد الطرف المخطئ وحده لوقف الخطأ أو العدوان من ناحیة وعلى سبیل العقاب من ناحیة أخرى .
اما الاتجاه الثالث : فرغم عدم إنکار أصحابه أن المعاییر السیاسیة هی الغالبة على تقریر مجلس الأمن للمواقف الدولیة ، بما ینعکس على تقدیره لکل موقف بموجب المادة 39 من المیثاق ، بصفته أن المجلس لیس سلطة قضائیة وانما جهاز سیاسی ، لأمر الذی یجعل احتمال الخطأ فی قراره أمرا واردا ، الا أن هذا الاتجاه یرى اتصاف تدابیر الأمن الجماعی بوصف الجزاءات ( ).
ولکن اذا کان بعض الفقهاء ، ضمن هذا الاتجاه ، لم یقید هذا الوصف بأی قید أو شرط مثل الفقه _ "جوجنهیم" الذی لم یخف تأییده لوصف اجراءات القمع الواردة بأحکام الفصل السابع من المیثاق بأنها بمثابة جزاءات ( )، فان البعض الأخر _ وأن أید هذا الوصف _ قد قیده بما یمکن اعتباره التزامات یجب على مجلس الأمن مراعاتها ، حیث رأى الفقیه " هانز کلسن " انه اذا اعتبرت اجراءات القمع بمثابة جزاء ، یکون مجلس الأمن ملزم حینئذ بتحدید المعتدى ، وآلا یوجه اجراءات القمع ضد دولة لیست مخطئة رغم أن صیاغة المادة 39 لا تلزم مجلس الأمن بذلک بصراحة .
کما ذهب الفقه " عبد العزیز سرحان" الى اعتبار تدابیر الأمن الجماعی التی تقوم بها المنظمات الدولیة فی مواجهة الدولة التی ترتکب ما یخالف القانون الدولی بمثابة جزاءات جماعیة ، الا أن سیادته قد رهن هذا الوصف بتقریر مجلس الأمن الذی یحدد بموجبه مسئولیة الدول المخالفة والذی یعتبر نوعا من الجزاء تلیه تدابیر المن الجماعی التی یجوز للمجلس اتخاذها فی هذا الشأن ، وقد استند فی ذلک الى ان المجتمع الدولی یعترف بجانب الجزاءات التأدیبیة بنوعیها ( التنظیمیة والتدابیر الجماعیة ) مجموعة من الجزاءات الجنائیة والأدبیة والقانونیة .
وإذا کان قد أتضح لنا من العرض السابق ، کیف أن بعض الفقه قد أنکر على تدابیر الأمن الجماعی التمتع بوصف الجزاء ، وقصر البعض هنا الوصف على تدابیر الأمن الجماعی القهریة فقط ، على حین أقر البعض لتدابیر الأمن الجماعی بهذه الصفة الجزائیة ولکن بعد أن یحدد مجلس الأمن الطرف المخالف بموجب نص المادة 39 من الفصل السابع من المیثاق ، فما هی حدود سلطة مجلس الأمن فی توقیع الجزاء ؟ هذا ما نسعى الى بحثه فیما یلی :
ثانیاً : مدى تطبیق مجلس الأمن لمبدأ شرعیة الجرائم والعقاب ؟
یقوم مبدأ " الشرعیة العقابیة " فی قانون العقوبات ، على اعتبار أن التشریع هو المصدر المباشر لقانون العقاب ویعد نتیجة منطقیة للمبدأ الذی ترسخ فی فقه الجریمة والعقاب والذی تبلور فی قاعدة " لا جریمة ولا عقوبة الا بقانون " .
واذا کان هذا المبدأ _ شرعیة الجرائم والعقاب _ قد وجد تطبیقاً واقعیاً مع أفکار الثورة الفرنسیة التی حرصت على الحد من السلطان الواسع للقضاء الذی أدى الى التحکم ، خاصة فی القرون السابقة على عصر التنویر ، الا إن الشریعة الإسلامیة الغراء قد وجدت تطبیقاً لهذا المبدأ فی جرائم الحدود والقصاص ، إذ تم تقیید حریة ولی الأمر فی التجریم والعقاب بما یتفق ونصوص الشریعة ومبادئها العامة ( ).
بل أن البحث فی الشرائع السابقة على الشریعة الإسلامیة لا تعدم وجود هذا المبدأ ، وهو الأمر الذی أشار إلیه القرآن العظیم فی قصة النبی " یوسف " علیه السلام ، وذلک فی الآیة الکریمة التی جاء فیها _ على لسان أخوة یوسف _ " قالوا تالله لقد علمت ما جئنا لنفسد فی الأرض وما کنا سارقین . قالوا فما جزاؤه إن کنتم کاذبین . قالوا جزاؤه من وجد فی رحله فهو جزاؤه کذلک نجزی الظالمین " صدق الله العظیم .
ومؤدى هذا المبدأ ، أنه لا یجوز تجریم فعل لم ینص القانون الساری وقت وقوعه صراحة على تجریمه ، کما لا یجوز توقیع عقوبة على مرتکب الجریمة خلاف تلک المقررة قانونا ؛ وذلک حتى یکون هذا المبدأ بمثابة ضمانه لأشخاص المخاطبین بالقاعدة العقابیة ، وعدم توقیع عقوبه غیر تلک المنصوص علیها ، إضافة الى تکییف سلوکهم بما یتفق وأوامر القاعدة القانونیة ونواهیها .
ولقد لاقت قاعدة شرعیة الجریمة والعقاب تأییدا من الفقه الدولی ، حیث ذهب الأستاذ الدکتور عبد العزیز سرحان ، الى أن هذه القاعدة وإن لم تجد نصاً مماثلاً فی القانون الدولی العام ، أی نص یقتضی بانه لا جریمة ولا عقوبة إلا بنص ، " فان هذه القاعدة مسلمة من جانب جمیع القوانین الداخلیة ، بحیث لا یمکن لأی شخص أن یشک فی أنها تعد من المبادئ الأساسیة للقانون المعترف بها من جمیع النظم القانونیة الداخلیة ، وهی بهذا المعنى _ وبالرغم من عدم النص علیها فی أی قاعدة قانونیة دولیة اتفاقیة أو عرفیة اجبة الاحترام فی القانون الدولی العام ، وذلک حسبما جاء فی المادة 38 من النظام الأساسی لمحکمة العدل الدولیة .
وترتیباً على ما سبق ، یصبح من الضروری الإجابة على ذلک التساؤل الذی یفرض نفسه فی هذه النقطة من هذا البحث ، الا وهو " مدى انطباق مبدأ شرعیة الجریمة والعقاب على تلک الجزاءات التی یوقعها مجلس الأمن " ؟
هذا ما نسعى الى مناقشته فیما یلی :
ثالثاً : مجلس الأمن ومبدأ شرعیة الجرائم والعقاب :
اذا کان مبدأ شرعیة الجرائم والعقاب یرتکز على کون التشریع هو المصدر المباشر لقانون العقوبات بوجه عام ، وذلک حتى یکون الأفراد فی مجتمع الدولة بمأمن من توقیع عقاب دون نص ودون تحدید لنطاق هذا العقاب ، فلا یتفق مع مبدأ الشرعیة القانونیة بشکل عام والشرعیة العقابیة على وجه الخصوص أن یکون لمجلس الأمن مطلق الحریة فی تقریر أی عقوبة یراها ضد الدولة المخالفة لقواعد القانون الدولی وأحکام المیثاق .
وعلى الرغم من أن فکرة الجزاء تختلف فی خصائصها ومجال أعمالها باختلاف المجتمع داخل الدولة عن مجتمع الجماعة الدولیة ، الا أن المرکز القانونی للدولة ، بما یتضمنه من حقوقها وعناصر سیادتها ، لا یمکن أن یکون فی مرتبة أقل من تلک التی علیها المرکز القانونی للفرد وما یتمتع به من حقوق داخل مجتمع الدولة .
فاذا کان المیثاق یجسد _ بحق _ قانون منظمة الأمم المتحدة الأعلى والأساسی ، وقد تضمن مجموعة من التدابیر المختلفة فی مجال حفظ السلم والأمن الدولی ، فان قبول الدول الأعضاء فی هذه المنظمة لإحکام المیثاق فی هذا الشأن یجعل مجلس الأمن مقید بتلک التدابیر المنصوص علیها بموجب هذه الأحکام ، والتی تراضت الدول على الامتثال لها بحسبانها تدابیر عقابیة ستوقع علیها إن هی خالفت أحکام ومبادئ هذا المیثاق .
ولما کان الفقه الدولی یکاد یجمع على أن " الردع العام " هو الهدف الأساسی من الجزاء ولیس " الزجر والإیلام " ، فانه لا یتصور وجود ذلک الردع العام اذا لم تکن الأفعال المجرمة والعقوبات المقررة لها محددة سلفاً ویبقى لمجلس الأمن السلطة فی تقریر اتخاذ التدابیر المناسبة إزاء الواقعة التی یقرر بشأنها ما اذا کانت تمثل تهدیداً وإنتهاکاً للسلم ، أو عمل من أعمال العدوان ، وتنحصر بعد ذلک سلطاته فی اختیار أی التدابیر أکثر ملائمة لمواجهة هذا الموقف من بین مجموعة التدابیر التی نص علیها هذا الفصل من المیثاق ، والمرجع فی ذلک عدة اعتبارات نذکر منها ما یلی :
1- أن أی توسیع فی نطاق سلطات واختصاصات مجلس الأمن العقابیة فی مجال حفظ السلم والأمن الدولی یستلزم _ فیما عدا ما تقضی به قواعد التفسیر الموضوعیة کقاعدة إعمال النص _ تعدیل المیثاق وفقاً للطریقة التی اتفق علیها واضعوه ، وفی ذلک ذهب الأستاذ الدکتور عبد العزیز سرحان الى " أن الجزاءات لا یمکن التوسع فیها او القیاس علیها لأنها عقوبات لابد لها من النص الصریح والوضع هنا یشبه بالکامل الوضع فی القانون الجنائی " ( ).
2- عدم وجود ضابط لمدى عدالة مجلس الأمن فی تقریره بشأن الموقف محل البحث ، والتدابیر التی یمکن اتخاذها إزاء الدولة التی قد یثبت انتهاک تصرفها او إخلاله بالسلم والأمن الدولی أو یعتبر عدواناً ، الأمر الذی یتعارض مع إعطاء المجلس سلطة توسیع نطاق الجزاء عما هو موضح فی المیثاق تجنباً لتأثیر الاعتبارات السیاسیة الناتجة عن سیطرة الدول دائمة العضویة على اتجاهات وقرارات المجلس، خاصة اذا علمنا أن بعض الفقه یعترف بأن أساس إلزام القانون الدولی العام ینحصر فی صدوره عن إرادة الفئة المسیطرة وهی الدول دائمة العضویة فی مجلس الأمن واستئثارها بتوقیع الجزاء ، والتی تباشر هذه الوظیفة على غرار الحکومة الواقعیة ، الأمر الذی یعتبر معه التسلیم لمجلس المن _ الذی تسیطر علیه وعلى المنظمة الدولیة تلک الدول الکبرى _ بمثابة إعلان صریح بإنهیار شرعیة نظام العقوبات الدولیة ونظریة الأمن الجماعی الدولی .
3- أن بقاء القوة عنصراً أساسیاً _ لدى بعض الفقه _ فی الجزاء کضامن لتفعیل دور القانون الدولی فی الحیاة الدولیة ، وبدون هذه القوة لا یمکن تحقیق ذلک ، یجعل الغالبیة من الفقه الدولی تتشکک فی مصداقیة تلک الدول المتمتعة بامتلاک هذه القوة فی استخدامها دون انحراف او تحقیق أهدافها الخاصة ودون مراعاة المصلحة العامة للمجتمع الدولی ( )، الأمر الذی یجعل من مبدأ شرعیة الجریمة والعقاب قیدا هاماً على حریة مجلس الأمن ، أو بالآحرى على حریة هذه الدول الکبرى فی الانحراف بسلطة العقاب .
4- أن الهدف الأساسی لنظام الأمن الجماعی هو العمل على استقرار الوضع الدولی وعدم تغییره او الاخلال به فی الاتجاه الذی یخدم مصلحة إحدى الدول على حساب غیرها ، وذلک عن طریق اتخاذ اجراءات وتدابیر دولیة جماعیة تحول دون ذلک ، وأن شعور أی دولة تفکر فی العدوان بانها ستواجه بهذه التدابیر سیجعلها تحجم عن هذه السلوک ، فإذا أطلقت ید مجلس الأمن _ الذی تسیطر علیه الدول الکبرى دائمة العضویة _ فی توسیع نوع وحجم التدابیر الجماعیة فلن یتحقق هذا الاستقرار المنشود للمجتمع الدولی فی ظل طغیان معاییر القوة والبطش والانتقام ، خاصة وان الدول التی عرف عنها مسلکها العدوانی الدائم _ مثل اسرائیل _ لن تعدم الوسیلة فی تجنب توقیع الجزاء علیها استناداً لما تتمتع به من حمایة خاصة من أحد أهم الدول دائمة العضویة فی مجلس الأمن وهی الولایات المتحدة الأمریکیة والذی یشکل وقوفها بجانب المواقف الاسرائیلیة العدوانیة عدواناً آخر ولکن بشکل غیر مباشر ، الأمر الذی تنعدم فی ظله أیة معاییر موضوعیة فی توقیع الجزاء اذا ما أطلقت سلطة مجلس الأمن من کل قید ، خاصة وهو یخضع حالیاً لهذه الدولة العظمى ذات النهج العدوانی
فقد جوبه العراق جراء انزلاقه فی الکویت بعدوان مسلح مستمر دام أکثر من ثلاثة عشرعاماً وانتهى بتدمیر هذا البلد واحتلاله وکان أغلب هذه الاجراءات مستندة الى قرارات صادرة عن مجلس الأمن
الخاتمة :
اذا کان من الواجب أن یتقید مجلس الأمن فی شأن ما یتخذه من تدابیر وإجراءات فی إطار اختصاصاته بحفظ السلم والأمن الدولیین بمیثاق منظمة الأمم المتحدة ،باعتباره القانون الأعلى والتشریع الأساسی المنظم لقواعد وآلیات عمل تلک المنظمة وأجهزتها الرئیسیة ،فأن سلطة مجلس الأمن التقدیریة فی مدى ملائمة التدبیر المتخذ وتقدیر الواقعة محل ذلک التدبیر ،لابد وان تخضع لرقابة المشروعیة فی ضوء الهدف الذی من اجله اتخذ هذا التدبیر ، ووجوب انصرافه الى تحقیق الصالح العام للجماعة الدولیة فی اطار المحافظة على السلم والأمن الدولیین ، والا کان معیباً بعیب الانحراف بالسلطة اذا کان قد استهدف تحقیق غرض آخر .
وفی ظل غلبة المعاییر السیاسیة على أداء مجلس الأمن ، نظرا للوضعیة الخاصة بالدول الکبرى دائمة العضویة التی تستأثر بفصل الخطاب فی شان اتخاذ الجزاءات أو تدابیر الأمن الجماعی ، فان إخضاع سلطة مجلس الأمن فی تقریر الجزاء لمبدأ شرعیة الجرائم والعقاب یعصم باقی الدول _ على الأقل من الناحیة القانونیة النظریة _ من سیطرة واستبداد الدول الکبرى فی توقیع الجزاء ضد من تشاء ومتى وکیف ترید ذلک الأمر الذی یؤذن بانهیار شرعیة قرارات مجلس الأمن بل والنظام الدولی باسره .
ولما کان مجلس الأمن لا یتمتع بسلطة خاصة فی ضوء اختصاصاته التی حددتها مواد المیثاق بشأن تنظیم التسلیح ونزع السلاح .
وحیث ان نزع السلاح قسراً وجبراً عن إرادة الدولة ، وکأسلوب من أسالیب العقاب أو تدابیر الأمن الجماعی ، یجسد خروجاً على مبدأ شرعیة الجرائم والعقاب ، خاصة فی ظل انعدام النص العقابی بشأن هذا الجزاء فی مواد المیثاق ، کما لا توجد أی سابقة فی عهد التنظیم الدولی مارس بموجبها المجتمع الدولی هذا الجزاء ضد دولة خالفت القانون المنظم للعلاقات الدولیة فی هذا المجتمع .
فان مجلس الأمن یکون قد خرج عن حدود أحکام الشرعیة الدولیة عندما نص فی القسم (جیم) من قراره رقم 687 (1991) على نزع أسلحة الدمار الشامل العراقیة ، الأمر الذی لم یؤیده نص فی القانون الدولی أو سابقه من سوابق التنظیم الدولی المعاصر فی هذا الشأن .
ولا یعدو قرار نزع أسلحة الدمار الشامل العراقیة سوى أن یکون نوعاً من شروط التسلیم التی فرضها التحالف المنتصر فی حرب الخلیج الثانیة ضد العراق .
وإذا کان ذلک کذلک ، خاصة وأن مجلس الأمن لم یستند فی تبریر نزع أسلحة الدمار الشامل العراقیة الى نص عقابی ثابت فی نصوص المیثاق ، أو سابقة دولیة مماثلة ، لکنه ساق مجموعة من التبریرات ذات طبیعة السیاسیة ، وقد حاول بها أن یبرهن على مشروعیة ما قضى به فی هذا الشأن . وهی :
أولاً : انتهاک العراق لاحکام بروتوکول جنیف لسنة 1925 ومعاهدة حظر انتشار الأسلحة النوویة لسنة 1968 .
ثانیاً : استخدام العراق لقذائف تایساریة لم سبقها استفزاز وهی لاتمت للواقع بصلة وبعید کل البعد عن الوقائع کما بیناه فی صلب بحثنا هذا
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: In Arabic:
The Holy Quran.
B- Charters:
1. The era of the League of Nations.
2. Charter of the United Nations.
C - Messages:
Dr. Abdel Fattah Mohamed Ismail, United Nations Disarmament Efforts, PhD thesis, submitted to the Faculty of Law, Cairo University, 1972.
D) Periodicals:
1. Dr. Ibrahim Al Anani, The Middle East War and the Collective Security System, Journal of Legal and Economic Sciences, 1974.
2. Dr. Ahmad Jalal Izz al-Din, Security and the time of crisis, Al-Ahram newspaper on 26/1/1991.
3. The essence of security, Al-Ahram newspaper, 11/1/1997.
4. Dr. Ahmed Al-Rashidi, Development of the sanctions regime in the League of Arab States, Journal of Arab Affairs, No. (71) September 1992.
5. Dr. Salah al-Din Amer, Law of International Organization - General Theory, Dar al-Nahda al-Arabiya, 1984.
6. Dr. Abdullah Al-Arian, The Concept of the Rights and Duties of States, Journal of International Politics, No. (55), July 1978.
E) Specialized books:
1. Dr. Ahmed Al-Rashidi, The Security Council Powers in the Field of Sanctions: A Study of the General Provisions and the Implementation of the Libyan Crisis Situation, The Future of the Islamic World, Center for Islamic World Studies, Malta, 1991.
2. Anis l. Claude. The international order and world peace, translated by: Dr. Abdullah Al-Arian, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1964
3. Dr. Ismail Sabri Mikled, International Political Relations - A Study in the Theory and Principles of the University of Kuwait, 1971.
4. International Strategy and Policy, Arab Research Foundation, Beirut, 1985.
5. Dr. Boutros Ghali, International Organization, Cairo, 1956.
6. Paul Kennedy, The Rise and Fall of the Great Patriotic, translated by Malik Al-Bariri, Al-Ahlia for Publishing and Distribution, Amman-Jordan, I 1 1994.
7. Dr. Tawfiq Hassan Faraj, The Entrance to Legal Sciences, Cairo, 1976.
8. Dr. Hamid Sultan, Public International Law in Times of Peace, II, Dar al-Nahda al-Arabiya, 1965.
9. Hamdi Hafez and Mahmoud Al-Sharqawi, Disarmament and World Peace, Series of Political Books, Dar Al-Watania for Printing and Publishing, No. (225) March 1962.
10. Donald Brennan, Disarmament and Nuclear Test Ban, translation: d. Rashed Al-Barawi, First Edition, Cairo, 1968.
11. Dr. Samir Abdel-Sayed Tannago, The General Theory of Law, Cairo, 1973.
12. Dr. Suleiman Markus, The Entrance to Legal Sciences, Cairo, 1967.
13. Dr. Shams al-Din al-Wakil, Law courses, Cairo, 1966.
14. Dr. Talaat al-Ghunaimi, General Provisions of the Law of the Nations - Study in both Contemporary Thought and Islamic Thought, Alexandria, 1971.
15. Dr. AbdulRazaq Al-Senhoury and Dr. Ahmed Heshmat Abu Setit, Origins of Law, Cairo, 1953.
16. Dr. Abdul Aziz Sarhan, Role of the International Court of Justice in the Settlement of International Disputes and the Establishment of Principles of Public International Law with Application to the Middle East Problem, II, Cairo, 1986.
17., International Public Law, Cairo.
18. Some Legal Margins of the Contemporary Gulf Crisis in the Light of Security Council Resolutions, Arab Renaissance House, Cairo, 1997
19. Crisis of Arab and Islamic Organizations in the Age of American-Israeli Hegemony, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1998.
20. Dr. A Study in the Scope of the Theory of International Relations and International Disputes from the Official Documents in Practice on the Arab-Israeli Conflict, Dar al-Nahda al-Arabiya, 1997.
21. Dr. Abdel Fattah Abdel Baqi, Theory of Truth, Second Edition, Nahdet Misr Press, 1965.
22. Dr. Abdullah Al-Ash'al, The General Theory of Non-Military Sanctions in the United Nations, Arab Renaissance House, Cairo, 1997.
23. Dr. Abdel Moneim El Sada, Origins of Law, Cairo 1972.
24. Dr. Abdel Nasser Al-Attar, Principles of Law, Cairo 1970.
25. Dr. Ali Sadeq Abu Hafez, International Public Law - International Relations - International Organization - International Disputes - War and Neutrality, Part II 2, 1975, Alexandria. Knowledge facility.
26. Dr. Mamoun Salama, Penal Code - General Department, Arab Thought House, 4th Edition, 1983-1984.
27. Dr. Muhammad Al - Rajhi, The Theory of the Right of Objection in the Council of Man, 1, New Culture House 1990.
28. Dr. Mohammed Abdul Aziz Shukri, International International Organization between Theory and Reality, Dar Al-Fikr, Damascus, 1973.
29. Dr. Mamdouh Shawki Mustafa Kamel, National Security and International Collective Security, I, Cairo University Press 1985.
30. Dr. Mustafa Salameh Hussein, United Nations, University Press House, Alexandria, 1986.
31., Dual Treatment in Public International Law, Arab Renaissance House, 1987.
32. Dr. Nazih al-Mahdi, General Theory of Law, Dar al-Nahda al-Arabiya, 1982.
And - Language Books:
1. Sanan Al-Arab - Ibn Manzoor - First Edition, the Amiri Printing Press in May, 1304 H.
2. The Arabic Alphabet, First Edition, Orient House, Beirut, 1967.
3. Mukhtar al-Sahah of Sheikh Imam Muhammad ibn Abi Bakr al-Razi, Amiri printing press in Cairo, 1926.
References (English)
Second: In English:
1. ANZILOTTI, "Cours de droit international Public", Paris, 1929
2. BOWETT (D.W.) The Law of International Institutions, London, Sweet & Maxwell 1982
3. BRIERLY (U.L) "The covenant and the charter, B.Y..B.I ... L., 1946.
4. CAVARE (L), "I.idee des sanctions et sa mis en oeuver en droit international public, 1937, tome XI
5. CAVARE (L.), "les sanctions dans le pacte de la S.D. N. et dams la charter de l.O.NU. ", R.G.D.I. P., 1950
6. COMBACAU (J.), "le pouvoir de sanctions deI -O.N.U., etude theorize de la coeritionnon- militaire, paris: pedone, 1974.
7. Dictionnaire de la Terminologie du Droit International, sirey, 1960.
8. HIGGINS (R), "International Law, Rhodesia and The UN", world today, March, 1967.
9. JACQUE (BALL), L, O.N.U.et les ope, ration de la maintien de la paix. paris, 1971
10. KEISEN (HANS), "general theory of law and state" N.Y, 1945
11. KUNZ (J.), Sanctions in international law, A.J.I.L., vol.54, 1960.
12. LAW BLACKS DICTIONARY, 4th ed., 1957, west publishing company.
13. NORMAN D. PALMER and HOWARD C-PERHINS, International Relations the Riverside Press Cambridge Basin 2nd edition, 1957
14. REISMAN (W..M), "The Enforcement of international Judgments", A.J.I.L. ,