الملخص
تثیر الملکیة الشائعة العدید من المنازعات بین الشرکاء وذلک لخصوصیة هذا النوع من الملکیة، إذ أن کل شریک یملک حصته ملکاً تاماً وهذه الحصة تتعلق بکل جزئیة من المال الشائع، وفی الوقت نفسه یعد أجنبیاً عن حصص الشرکاء الآخرین. هذه المعادلة جعلت من الصعوبة انتفاع الشرکاء بالمال الشائع، لذلک وجدت عدة طرق للانتفاع بالمال الشائع تضمن تحقیق العدالة والمساواة بین الشرکاء، وکانت المهایأة إحدى هذه الطرق بل أکثرها تحقیقا للعدالة، إذ یقتسم الشرکاء منفعة المال الشائع مع بقاء ملکیة الرقبة مشاعة بینهم لمدد معینة تتناسب مع حصصهم، وقد اهتم الفقهاء المسلمون بالمهایأة ووضعوا لها أحکاماً خاصة، کذلک أخذت القوانین المدنیة بالمهایأة کأحد طرق الانتفاع بالمال الشائع، فقد نظم المشرع العراقی أحکامها فی المواد (1078-1080) من القانون المدنی العراقی، کذلک نظمها المشرع المصری والسوری والیمنی ومشرع دولة الإمارات العربیة المتحدة لأنها تعد الصورة الأکثر شیوعاً بین الشرکاء للتخلص من التداخل الذی یثیره هذا النوع من الملکیة. ومع ذلک نجد أن القوانین المدنیة قد أغفلت عدداً من الجوانب المهمة التی أخذ بها الفقه الإسلامی عندما نظمت المهایأة، لذلک أردنا فی هذه الدراسة تسلیط الضوء على هذه الجوانب وبیان موقف الفقه الإسلامی والقوانین المقارنة من المهایأة وخاصةً الأحکام المتعلقة بمفهوم المهایأة وتکییفها
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
مفهوم المهایأة وتکییفها -(*)-
The concept of shared ownership and its adaptation
ندى سالم حمدون ملا علو کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Nada Salim Hamdon Malla Alow College of law / University of Mosul Correspondence: Nada Salim Hamdon Malla Alow E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 22/10/2008 *** قبل للنشر فی 3/11/2008.
(*) Received on 22/10/2008 *** 3/11/2008 accepted for publishing on .
Doi: 10.33899/alaw.2009.160545
© Authors, 2009, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
الملخص
تثیر الملکیة الشائعة العدید من المنازعات بین الشرکاء وذلک لخصوصیة هذا النوع من الملکیة، إذ أن کل شریک یملک حصته ملکاً تاماً وهذه الحصة تتعلق بکل جزئیة من المال الشائع، وفی الوقت نفسه یعد أجنبیاً عن حصص الشرکاء الآخرین. هذه المعادلة جعلت من الصعوبة انتفاع الشرکاء بالمال الشائع، لذلک وجدت عدة طرق للانتفاع بالمال الشائع تضمن تحقیق العدالة والمساواة بین الشرکاء، وکانت المهایأة إحدى هذه الطرق بل أکثرها تحقیقا للعدالة، إذ یقتسم الشرکاء منفعة المال الشائع مع بقاء ملکیة الرقبة مشاعة بینهم لمدد معینة تتناسب مع حصصهم، وقد اهتم الفقهاء المسلمون بالمهایأة ووضعوا لها أحکاماً خاصة، کذلک أخذت القوانین المدنیة بالمهایأة کأحد طرق الانتفاع بالمال الشائع، فقد نظم المشرع العراقی أحکامها فی المواد (1078-1080) من القانون المدنی العراقی، کذلک نظمها المشرع المصری والسوری والیمنی ومشرع دولة الإمارات العربیة المتحدة لأنها تعد الصورة الأکثر شیوعاً بین الشرکاء للتخلص من التداخل الذی یثیره هذا النوع من الملکیة. ومع ذلک نجد أن القوانین المدنیة قد أغفلت عدداً من الجوانب المهمة التی أخذ بها الفقه الإسلامی عندما نظمت المهایأة، لذلک أردنا فی هذه الدراسة تسلیط الضوء على هذه الجوانب وبیان موقف الفقه الإسلامی والقوانین المقارنة من المهایأة وخاصةً الأحکام المتعلقة بمفهوم المهایأة وتکییفها
الکلمات الرئیسة: المهایأة الملکیة الشائعة
الموضوعات: القانون المدنی
Abstract
Shared ownership raises many disputes between partners because of the specificity of this type of ownership. Each partner has a full share, and this share relates to every part of the shared money and at the same time is considered as a foreign to the shares of other partners. This equation has made it difficult for partners to use shared money, so there are several ways to use shared money to ensure equity and equality among partners, and the beneficiary is one of these methods, but the most justice. The partners share the shared benefit of money, The Iraqi legislators organized their provisions in articles 1078-1080 of the Iraqi Civil Code, as well as by the Egyptian, Syrian, Yemeni and Egyptian legislators, and the United Arab Emirates legislator because it is the most common picture among partners to eliminate the overlap that this type of ownership raises. However, civil law has overlooked a number of important aspects of Islamic jurisprudence when organizing joint ownership. In this study, we wish to shed light on these aspects and to clarify the position of Islamic jurisprudence and the comparative laws of shared ownership,
Keywords: Shared ownership
Main Subjects: civil law
المقدمة :
الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام على سیدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعین.
أولاً. أهمیة البحث:
تثیر الملکیة الشائعة العدید من المنازعات بین الشرکاء وذلک لخصوصیة هذا النوع من الملکیة، إذ أن کل شریک یملک حصته ملکاً تاماً وهذه الحصة تتعلق بکل جزئیة من المال الشائع، وفی الوقت نفسه یعد أجنبیاً عن حصص الشرکاء الآخرین. هذه المعادلة جعلت من الصعوبة انتفاع الشرکاء بالمال الشائع، لذلک وجدت عدة طرق للانتفاع بالمال الشائع تضمن تحقیق العدالة والمساواة بین الشرکاء، وکانت المهایأة إحدى هذه الطرق بل أکثرها تحقیقا للعدالة، إذ یقتسم الشرکاء منفعة المال الشائع مع بقاء ملکیة الرقبة مشاعة بینهم لمدد معینة تتناسب مع حصصهم، وقد اهتم الفقهاء المسلمون بالمهایأة ووضعوا لها أحکاماً خاصة، کذلک أخذت القوانین المدنیة بالمهایأة کأحد طرق الانتفاع بالمال الشائع، فقد نظم المشرع العراقی أحکامها فی المواد (178-18) من القانون المدنی العراقی، کذلک نظمها المشرع المصری والسوری والیمنی ومشرع دولة الإمارات العربیة المتحدة لأنها تعد الصورة الأکثر شیوعاً بین الشرکاء للتخلص من التداخل الذی یثیره هذا النوع من الملکیة. ومع ذلک نجد أن القوانین المدنیة قد أغفلت عدداً من الجوانب المهمة التی أخذ بها الفقه الإسلامی عندما نظمت المهایأة، لذلک أردنا فی هذه الدراسة تسلیط الضوء على هذه الجوانب وبیان موقف الفقه الإسلامی والقوانین المقارنة من المهایأة وخاصةً الأحکام المتعلقة بمفهوم المهایأة وتکییفها.
ثانیاً. نطاق البحث:
المهایأة تکون بین المالکین للرقبة وقد تکون بین المالکین للمنفعة فیجوز أن تجری بین المستأجرین، وفضلاً عن ذلک فقد تجوز المهایأة بالوقف وتجری کذلک بین أصحاب حقوق التصرف أو ممکن أن تجری بین مالک الرقبة ومالک المنفعة کالمستأجر، إلا أننا سنتناول فی هذه الدراسة فقط المهایأة التی تجری بین الشرکاء على الشیوع، وبالتحدید مفهوم المهایأة وتکییفها، ولن نتطرق الى حقوق والتزامات الشرکاء المتهایئین وذلک لسعة الموضوع ولأن مشکلة المهایأة فی القوانین تکمن فی مفهومها وتکییفها.
ثالثاً. منهجیة البحث:
اخترنا نماذج من القوانین المدنیة العربیة للمقارنة مع القانون المدنی العراقی، لأن مواقف هذه القوانین کانت متباینة فی تنظیم المهایأة ووجود نقاط اتفاق بینها فی بعض الأحیان، وحاولنا مقارنة هذه المواقف بآراء الفقهاء المسلمون اللذین نظموا المهایأة وتطرقوا الى تفاصیلها، وبالإضافة الى أسلوب المقارنة مع القوانین المدنیة والفقه الإسلامی اعتمدنا المنهج التحلیلی فی المواضع التی لم یتم تنظیمها أو فی ترجیح آراء الفقهاء المسلمون والقوانین.
رابعاً. هیکلیة البحث:
قسمنا البحث على مبحثین بعد المقدمة.
المبحث الأول: مفهوم المهایأة ومصادرها.
المطلب الأول: مفهوم المهایأة.
المطلب الثانی: مصادر ونشوء المهایأة.
المطلب الثالث: أنواع المهایأة.
المبحث الثانی: تکییف المهایأة.
المطلب الأول: تکییف المهایأة إعارة.
المطلب الثانی: تکییف المهایأة اجارة.
المطلب الثالث: تکییف المهایأة قسمة.
المبحث الأول
مفهوم المهایأة ومصادرها
ان بیان مفهوم المهایأة، یقتضی تعریفها أولاً، وهذا ما سنتعرف علیه فی المطلب الأول، ثم نتناول مصادر نشوء المهایأة فی المطلب الثانی، وخصصنا المطلب الثالث لبیان أنواع المهایأة.
المطلب الأول
تعریف المهایأة
المهایأة لغةً مأخوذة من الفعل هیأ، یقال هاء یهوء ویهیء، والهیئة الحالة الظاهرة، وتهایأت للشیء أخذت له اهبته وتفرغت له، وتهایأ القوم جعلوا لکل واحد هیئة معلومة والمراد بها النوبة().
أما اصطلاحاً فتعرف المهایأة بأنها "قسمة المنافع على التعاقب والتناوب"()، وتعرف کذلک بأنها "قسمة انتفاع تتم عن طریق اتفاق مؤقت یراد به تنظیم الانتفاع بالمال الشائع"().
وهناک من اقتصر على تعریفها بأنها عبارة عن "قسمة منافع"()، أو هی "قسمة منافع الشیء مع بقاء ملکیته شائعة"().
وتسمى المهایأة القسمة المؤقتة کما ورد فی تسمیة الباب الرابع من القانون المدنی الیمنی رقم (19) لسنة 1992.
من خلال التعریفات السابقة یتبین أن المهایأة هی قسمة لکن محلها المنفعة
وبهذا تختلف عن القسمة النهائیة التی هی قسمة أعیان تنهی حالة الشیوع،
ونلاحظ أن التعریف الأول رکز على أن المهایأة قسمة منافع على التعاقب والتناوب،
وهذا التعریف حصر المهایأة بنوع واحد هو المهایأة الزمانیة فقط، فی حین أن المهایأة قد تکون زمانیة وقد تکون مکانیة –کما سنرى ذلک لاحقاً- لأن مصطلحی التعاقب والتناوب یقتضیان الترتیب الزمنی (کل شیء جاء عقب شیء فقد عاقبه)()، و (تناوبوا الشیء تداولوه بینهم)().
أما التعریف الثانی فقد عدها قسمة منفعة یراد بها تنظیم الانتفاع بالمال الشائع بین الشرکاء، وأن المهایأة تتم عن طریق الاتفاق المؤقت بین الشرکاء، ونلاحظ أن هذا المصطلح غیر دقیق، وذلک لأنه الحق صفة المؤقت بالاتفاق الذی تنشأ به المهایأة والمقصود به هنا العقد المبرم بین الشرکاء، ولا یوجد هناک ما یسمى بالاتفاق المؤقت والاتفاق الدائم، لکن المهایأة التی أطلق علیها البعض القسمة المؤقتة تمییزاً لها عن القسمة النهائیة التی تنهی الشیوع، فصفة الوقتیة تلحق المهایأة نفسها ولیس العقد أو الاتفاق.
إن للمهایأة تعریفان: تعریف عام وهو (قسمة المنافع) یشمل کل الحالات التی تجوز فیها المهایأة وهی المهایأة بین المالکین لرقبة المال مثل الشرکاء، أو التی تجری بین المالکین للمنفعة کالمستأجرین، وکذلک تجوز المهایأة بالوقف وبین أصحاب حقوق التصرف والمهایأة بین المستأجر والمالک().
وتعریف خاص هو موضوع بحثنا حیث یمکن أن تعرف المهایأة بأنها "طریقة لتنظیم الانتفاع بالمال الشائع بین الشرکاء عن طریق الاتفاق بینهم على قسمة منفعة المال الشائع بینهم وحسب طبیعة هذا المال".
المطلب الثانی
مصادر نشوء المهایأة
بما أن المهایأة طریقة لتنظیم الانتفاع بالمال الشائع بین الشرکاء، لذلک وجب أن تنشأ برضاء الشرکاء وموافقتهم، فالأصل فی المهایأة أنها عقد، إلا أنه فی حالات خاصة قد یکون مصدر نشوء المهایأة القضاء فی حالة امتناع الشرکاء عن الاتفاق علیها، وهذا ما سنتناوله فی هذا المطلب الذی قسمناه على فرعین، الفرع الأول إرادة الشرکاء، الفرع الثانی القضاء.
الفرع الأول
إرادة الشرکاء (المهایأة الرضائیة)
ان القاعدة التی تقوم علیها الملکیة الشائعة هی أن الشریک یملک حصته ملکاً تاماً، وبالمقابل یعد أجنبیاً عن حصص الشرکاء الآخرین()، فأی انتفاع من قبل الشریک بحصته التی تعد حقاً له یؤدی بالضرورة الى وضع یده على حصص الشرکاء الآخرین، لذلک یجب أن یکون هذا الانتفاع برضاهم، وبالمقابل یکون لباقی الشرکاء مثلما لهذا الشریک من حق الانتفاع، وبما ان المهایأة هی أحد طرق الانتفاع بالمال الشائع وهی تستوجب وضع الشریک یده على حصص الشرکاء الآخرین عند انتفاعه، لذلک یجب أن یکون ذلک بارادتهم
وموافقتهم، فالمهایأة الأصل فیها أن تنشأ بعقد، وسنبین فیما یأتی خصائص هذا العقد أولاً، ثم أرکانه ثانیاً.
أولاً. خصائص عقد المهایأة:
1. ان عقد المهایأة هو عقد رضائی یقوم على رضا ومحل وسبب ولا یحتاج الى شکلیة معینة لإبرامه.
2. ان عقد المهایأة من عقود المعاوضة، حیث أن کل متعاقد (شریک) یأخذ مقابلاً لما أعطى ویعطی مقابلاً لما یأخذ()، إذ ینتفع الشریک بالمال الشائع فی مقابل انتفاع الشریک الآخر به لمدة أخرى إذا کانت المهایأة زمانیة، أو بجزء مفرز من المال الشائع إذا کانت المهایأة مکانیة.
3. ان عقد المهایأة من العقود الملزمة للجانبین، فهذا العقد ینشئ التزامات على عاتق کل من المتعاقدین فیکون کل منهما دائناً للآخر ومدیناً له()، فکل شریک تقع علیه التزامات عند انتفاعه بالمال الشائع مهایأةً وبالمقابل له حقوق على الشریک الآخر.
ثانیاً. أرکان عقد المهایأة:
ان عقد المهایأة عقد رضائی قائم على رضا ومحل وسبب، إذ یبرم هذا العقد بین الشرکاء بالمال الشائع وینصب على منفعة هذا المال التی یتقاسمها الشرکاء إما زمانیاً أو مکانیاً والسبب هو تنظیم الانتفاع بالمال الشائع بین الشرکاء، ونتناول فیما یأتی أطراف عقد المهایأة، ثم نبین محل هذا العقد وسببه.
1. أطراف عقد المهایأة:
ذکرنا عند تعریفنا للمهایأة أنها عقد یبرم بین الشرکاء لتنظیم الانتفاع بالمال الشائع، لذلک حتى یکون العقد صحیحاً یجب أن یکون العاقدین شرکاء على الشیوع فلا یجوز أن یکون العاقدین أو أحدهم أجنبیاً عن المال الشائع أو أن یکون شریکاً ولکنه فقد هذه الصفة لأی سبب کان سواءً تصرف بحصته من المال الشائع بالبیع أو الهبة أو أی تصرف آخر ناقل للملکیة، لأنه بذلک یکون قد خرج من الشیوع ولا حاجة له لتنظیم الانتفاع به، المهم أن یکون العاقد (شریکاً) عند ابرام عقد المهایأة، فاذا کان کذلک تکون المهایأة صحیحة، أما إذا فقد هذه الصفة بعد إجراء المهایأة فانه یترتب علیه انتهاء المهایأة.
وقد أکد القانون المدنی العراقی على أن العاقد یجب أن یکون شریکاًُ عندما نص فی المادة (178) على "1. یجوز الاتفاق ما بین الشرکاء على قسمة المال الشائع مهایأة ....." وهذا أیضاً الموقف نفسه الذی أکدت علیه القوانین محل المقارنة().
لکن یثار تساؤل ما الحکم لو أن الشریک نقل ملکیة منفعة حصته الشائعة الى الغیر (المستأجر أو المستعیر أو المنتفع أو صاحب حق الاستعمال والسکنى) أو نقل حیازة الحصة الشائعة الى الغیر (المرتهن فی الرهن الحیازی) وأراد باقی الشرکاء الاتفاق على المهایأة، فهل یعد تصرف الشریک بحصته بهذه التصرفات مانعاً من الاتفاق علیها ؟ أم ممکن أن تجرى المهایأة بین المستأجر أو المنتفع أو المستعیر أو صاحب حق الاستعمال والسکنى أو المرتهن وبین باقی الشرکاء ؟
سنحاول الإجابة عن التساؤل السابق من خلال ما یأتی، وسنرکز على المستأجر والمرتهن على اعتبار أن الایجار والرهن هما من العقود الأکثر شیوعاً، کما ان الأحکام التی سیتوصل الیها بالنسبة للمستأجر تنطبق على المستعیر والمنتفع وصاحب حق الاستعمال والسکنى.
1. المستأجر:
یجوز للشریک فی الشیوع أن یؤجر حصته الشائعة للشریک ولغیر الشریک()، فإذا أجر حصته للشریک فلا مجال هنا للحدیث عن المهایأة، لأن الشریک الذی یؤجر حصته لشریکه لایرید الانتفاع بها وإنما نقل ملکیة منفعتها الى الشریک الآخر. لکن ما الحکم إذا قام الشریک بایجار حصته الشائعة الى غیر الشریک، ثم أراد باقی الشرکاء الاتفاق على المهایأة، فهل یجوز لهم الاتفاق علیها مع المستأجر على اعتبار أن المهایأة هی قسمة منافع والشرکاء یملکون المنفعة أما الشریک المؤجر فقد نقل ملکیة منفعة حصته الشائعة الى المستأجر ؟
إن فقهاء الحنفیة أجازوا أن تجری المهایأة بین المالک (الشریک غیر المؤجر) والمستأجر (الذی یحل محل الشریک المؤجر فی ملکیة المنفعة) إلا أنهم ضیقوا من نطاق هذه المهایأة فلا یجوز أن یجبر المستأجر علیها فهی جائزة رضاءً فقط، کذلک عدوها عقد غیر لازم فلکل واحد المستأجر أو المالک فسخها ولو بلا عذر().
لکن هذا الرأی قد لایجوز الأخذ به فی القانون المدنی العراقی وذلک للسببین الآتیین:
1. ان نص المادة (178) من القانون المدنی العراقی حصرت حق الاتفاق على المهایأة بین الشرکاء "1. یجوز الاتفاق ما بین الشرکاء على قسمة المال الشائع مهایأةً ....."، بموجب هذا النص حدد المتعاقد فی المهایأة فی المال الشائع بـ (الشریک) فقط، لذلک لایجوز أن تجری المهایأة بین الشریک والمستأجر.
2. ان أحد الالتزامات التی تقع على عاتق المؤجر فی عقد الایجار هو تسلیم المؤجر المأجور للمستأجر وأن یبقى المأجور تحت ید المستأجر بشکل متصل ومستمر لا تتخلله فترات انقطاع الى حین انتهاء عقد الایجار()، واتفاق المستأجر مع الشریک على المهایأة
سوف یؤدی الى تخلی المستأجر عن الحصة التی استأجرها لمصلحة الشریک المتهایئ وبذلک یقع تناقض لأنه یجب أن یبقى المأجور تحت یده بقاءً متصلاً ومستمراً.
أما القانون المدنی الیمنی فقد نص فی القواعد المنظمة لعقد الایجار فی المادة (693) على "یصح تأجیر المشاع الى الشریک مطلقاً والى الغیر فیما یمکن قسمته والانتفاع به ولو بالمهایأة ....." وفق هذا النص یجوز ایجار الشریک لحصته الشائعة لغیر الشریک فقط إذا کان المال الشائع یقبل القسمة والمهایأة، وذلک لتسهیل تسلیم الحصة المأجورة الى المستأجر ولإمکان اجراء المهایأة بینه وبین الشرکاء الآخرین، إلا أن المشرع الیمنی عاد ونص على صفة المتعاقد فی المهایأة ویجب أن یکون شریکاً فی نص المادة (1227) "قسمة المنافع نوعان: الأول: أن یختص کل من الشرکاء ......". وبذلک قد لایکون قصد المشرع الیمنی حل هذه المسألة وإنما الأمر یتعلق بتسلیم الحصة المأجورة الى المستأجر إذا کان أجنبیاً عن الشرکاء.
ونلاحظ ضرورة أن ینتبه المشرع العراقی الى هذه المسألة عند تنظیمه لأحکام المهایأة ولا یحصر اجراء المهایأة بین الشرکاء فقط، وإنما یطلقها بین مالکی منفعة الحصة الشائعة على أن تکون مهایأة رضائیة فقط حتى لانقع فی تناقض بین أحکام المهایأة وأحکام عقد الایجار.
2. المرتهن رهناً حیازیاً():
قد یرهن الشریک فی المال الشائع حصته الشائعة رهناً حیازیاً، ویقوم بتسلیم هذه الحصة الى المرتهن الذی یحتفظ بحیازتها بیده أو بید عدل حتى تبین نتیجة الرهن، ذلک أن الحیازة أو القبض رکن فی عقد الرهن الحیازی لاینعقد العقد إلاّ بها().
ونتساءل إذا رهن الشریک حصته الشائعة رهناً حیازیاً، ثم أراد باقی الشرکاء أن یتفقوا على المهایأة، فهل یجوز لهم ذلک مع وجود الرهن ؟ وهل یجوز أن تجری المهایأة بین المرتهن وباقی الشرکاء ؟
ابتداءً لم یجز الحنفیة رهن الحصة الشائعة لا للشریک ولا لغیره لأن الرهن الحیازی یستلزم حبس العین المرهونة حتى یستوفی الدائن المرتهن دینه، وهذا غیر متصور فی الحصة الشائعة، لأن المرتهن إذا حبس الشیء الشائع کله یکون قد تجاوز الى حقوق الشرکاء الآخرین، وإذا تناوب الحبس معهم فان ذلک یفوت علیه الغایة المقصودة من الرهن()، إذا أخذنا بهذا الرأی فلیس هناک ثمة مشکلة تثار لأنه أساساً لایجوز رهن الحصة الشائعة وبالتالی لا تثار مشکلة المهایأة بین الشریک والمرتهن.
أما رأی جمهور الفقهاء من المالکیة والشافعیة والحنابلة فانهم أجازوا رهن الشریک لحصته الشائعة()، وهذا الاتجاه أخذ به القانون المدنی العراقی إذ أجاز للشریک رهن حصته الشائعة ولایتقید بذلک إلا بعدم الإضرار بالشرکاء الآخرین().
بالنسبة للرأی الذی أجاز رهن الحصة الشائعة، أجاز أن تجری المهایأة بین المرتهن والشریک "تجری المهایأة بین المرتهن والشریک کالشریکین أی کجریانها بینهما"()، وهناک من أجاز أن تجری المهایأة بین الراهن والمالک (الشریک) "الإفراز لیس بشرط بل یصح رهن المشاع ثم تجری المهایأة بین الراهن والمالک"().
وإذا رجعنا لنصوص القانون المدنی نلاحظ أنه لانستطیع الأخذ بالرأی السابق مع العلم أن المشرع العراقی أخذ بجواز رهن الحصة الشائعة وذلک للأسباب الآتیة:
1. ان نص المادة (178) من القانون المدنی حصر الاتفاق على المهایأة بالشرکاء على الشیوع فقط کما ذکرنا ذلک عندما تحدثنا عن المستأجر.
2. لیس من المنطقی أن تجری المهایأة بین المرتهن والشریک؛ لأن المرتهن یحبس الحصة الشائعة لضمان دینه ولا تنتقل الیه لا ملکیة هذه الحصة ولا حتى ملکیة منافعها، ومن یتهایأ یشترط فیه أن یکون مالکاً للمنفعة، فلا نستطیع تطبیق الحکم الخاص بالمستأجر على المرتهن لاختلاف سبب وضع الید على الحصة الشائعة واختلاف حق کل واحد منهما عن الآخر.
3. المرتهن یقع علیه التزام إدارة المرهون واستغلاله(). ولیس للمرتهن أن ینتفع بالمرهون دون مقابل والقول بجواز أن یتهایئ مع الشریک یؤدی انتفاعه بالمرهون دون مقابل.
أما بالنسبة للرأی الذی یذهب الى جواز الاتفاق على المهایأة بین الراهن والمالک کذلک فلایجوز الأخذ به لأن عقد الرهن الحیازی عقد عینی لاینعقد إلا بالقبض أو الحیازة من قبل المرتهن للمال المرهون، ولا یجوز أن تعود حیازة هذا المال الى الراهن مادام الرهن قائماً إلا فی حالة واحدة نص علیها المشرع العراقی فی المادة (1337 ف2) وهی جواز أن یستأجر الراهن العقار المرهون رهناً حیازیاً من المرتهن فان له الانتفاع بها وبالتالی یجوز أن یتفق مع باقی الشرکاء على المهایأة.
إذاً لایجوز أن یبرم عقد المهایأة فی الشیوع إلا من کان شریکاً فی المال الشائع، إلا أنه قد یملک الغیر منفعة الحصة الشائعة کالمستأجر والمنتفع وصاحب حق الاستعمال والسکنى وتبقى ملکیتها للشریک، إلا أنه لایجوز أن تجرى المهایأة بین هؤلاء وبین الشریک، لأن نص المادة (178) حدد المتعاقد فی المهایأة بالشریک فقط، علیه فان ذلک یؤدی الى أن تکون التصرفات التی یجریها الشریک على حصته مضرة وعقبة فی وجه باقی الشرکاء للانتفاع بالمال الشائع عن طریق المهایأة()، لذلک من الضروری أن یلتفت المشرع لهذه المسألة ویجیز أن تکون المهایأة فی المال الشائع لکل من یملک المنفعة لأنها بالأصل قسمة منافع. ولا یخضع مرتهن الحصة الشائعة لهذا الحکم لأن حیازة الحصة هی التی انتقلت ولیس منافعها وإنما یجوز أن تجری بین الراهن والشریک الآخر إذا أجر المرتهن الحصة الشائعة الى الراهن.
أما عن الأهلیة المطلوبة فی الشرکاء فان المهایأة فیها تأخیر حق الشرکاء فلا تحصل إلا بالتراضی() القائم على رضا وإرادة. فأما الأهلیة المطلوبة فی المهایأة فقد أخضعها المشرع العراقی فی المادة (179) لأحکام عقد الایجار على اعتبار أنها ترد على المنافع فتعامل معاملة العقود الواردة على المنفعة والأهلیة المطلوبة فیها هی العقل والتمییز(). والإرادة وصحتها واعتلالها نرجع فیها الى القواعد العامة فهی التی نظمت صحة الإرادة وعیوبها فی التصرفات القانونیة().
2. محل المهایأة:
علمنا أن المهایأة هی قسمة منافع المال الشائع بین الشرکاء على الشیوع، لذلک فمحل المهایأة هو منفعة المال الشائع، حیث تنتقل ملکیة هذه المنفعة بالاتفاق الى الشریک المتهایئ لمدة محددة أو لمکان محدد.
ویشترط فی محل المهایأة ما یشترط فی محل العقد بصورة عامة من أن یکون هذا المحل معین أو قابل للتعیین أو موجوداً أو ممکن الوجود وقابل للتعامل فیه ومشروعاً().
بالاضافة الى هذه الشروط العامة للمحل، اشترط الفقهاء المسلمون شروطاً فی محل المهایأة وکالآتی:
1. أن ترد المهایأة على المنقولات والعقارات على حد سواء.
2. أن یکون المال الشائع غیر قابل للاستهلاک لأن الشریک ملزم برد هذا المال الى الشریک الآخر عند انتهاء مدة المهایأة.
3. أن یکون محل المهایأة من الأموال القیمیة حتى یمکن الانتفاع بها حال بقاء عینها ولا تجری المهایأة فی المثلیات().
4. لایشترط أن تکون العین الشائعة قابلة للقسمة، فممکن أن ترد المهایأة على العین الشائعة حتى وإن کانت غیر قابلة للقسمة بالأصل، فمثلاً تجوز المهایأة فی الدار الکبیرة القابلة للقسمة والدار الصغیرة غیر القابلة للقسمة لکن طبیعة العین الشائعة تحدد لنا نوع المهایأة، فحتى یستطیع الشریک استیفاء المنفعة المرجوة من المهایأة یتفق على المهایأة المکانیة فی الدار الکبیرة، ویتفق على المهایأة الزمانیة فی الدار الصغیرة، مع ملاحظة أن الدار الکبیرة القابلة للقسمة ممکن أن یتم الاتفاق على أن تکون المهایأة زمانیة أیضاً().
5. تجوز المهایأة فی الأعیان المتفقة المنفعة والأعیان المختلفة المنفعة()، فاذا ملک الشرکاء على الشیوع داراً ومحلاً تجاریاً، فمن الجائز أن یتفقا على أن یسکن أحدهما الدار وأن ینتفع الآخر بالمحل التجاری.
إلا أن الفقهاء المسلمین لم یجیزوا الاتفاق على المهایأة فی غلة الحیوان من صوف أو لبن أو على ثمر الأشجار على أن یکون لأحد الشریکین نتاج قطیع من الأغنام مثلاً وللآخر نتاج القطیع الآخر، أو على أن یکون لشریک ثمار أشجار معینة وللآخر ثمار أشجار أخرى وذلک لأن (جواز المهایأة مبنی على الضرورة وهو أمر استحسانی یثبت على خلاف القیاس ویثبت لضرورته وإذا وجدت المنافع تکون غیر قابلة للقسمة لسرعة فنائها، فضلاً عن التهایؤ على ثمار الأشجار أو نتاج الحیوان هو ربوی مجهول فتقع المهایأة باطلة)()، وفی القانون کذلک ترد المهایأة على المال الشائع فیختص کل شریک بمنفعة جزء مفرز یوازی حصته فی المال الشائع.
الفرع الثانی
القضاء (المهایأة القضائیة)
ذکرنا أن المصدر الأساس للمهایأة هو العقد، فیجب أن یتفق علیها الشرکاء حتى تصح المهایأة، لکن فی حالة طلب أحد الشرکاء المهایأة وامتناع الآخر، هل یجوز اجبار الممتنع عن طریق القضاء لإجراء المهایأة أم لایجوز ؟
إن هذه المسألة کانت محل خلاف فقهی، وانقسمت آراء الفقهاء المسلمون بشأنها الى رأیین وکالآتی:
الرأی الأول:
یذهب أنصار هذا الرأی الى أنه لایجوز اجبار الشرکاء على المهایأة فاذا طلبها أحدهما وامتنع الآخر فلا یجبر الممتنع()، وذلک للأسباب الآتیة:
1. ان حق کل شریک فی منفعة المال الشائع هو حق عاجل، فالأصل أن یستفیدوا من منفعة هذا المال مجتمعین، فاذا تعذر ذلک یصار الى المهایأة، التی لابد فیها من تأجیل لمنفعة أحد الشرکاء، خاصةً فی المهایأة الزمانیة، ولا یجوز ذلک بغیر رضاء جمیع الشرکاء().
2. ان المهایأة حسب هذا الرأی هی معاوضة کالبیع، لذلک لایجوز فیها الاجبار()، وفی حالة الاختلاف على المهایأة یرفع الأمر الى القضاء، والقاضی یؤجر العین الشائعة وتوزع أجرتها بین الشرکاء حسب حصصهم، ولا یجوز فی هذه الحالة أن یکون الایجار لأحد الشرکاء، وتصرف القاضی یکون حسب الولایة العامة (لایجوز للشریک أن یؤجر لأحدهما لأن المالک لایستأجر ملکه من نائبه)().
الرأی الثانی:
یذهب أصحاب هذا الرأی الى أن القاضی یجبر الشرکاء على المهایأة إذا امتنع أحدهما الاتفاق علیها، لکن هذا الاجبار یکون فی حالتین فقط:
الحالة الأولى:
إذا کان محل المهایأة أعیان مشترکة ولیست عین واحدة وأن تکون منفعة هذه الأعیان واحدة مثل دارین مملوکین على الشیوع للشرکاء وأراد أحدهما أن یسکن إحدى الدارین ویسکن الآخر الدار الأخرى وامتنع الشریک عن المهایأة فیجبره القاضی علیها، أما إذا کانت الأعیان المشترکة مختلفة المنفعة مثل دار وأرض زراعیة فلا یجوز الاجبار على المهایأة فیها().
الحالة الثانیة:
إذا کانت عین شائعة واحدة مثل دار واحدة أو أرض واحدة بشرط أن تکون غیر قابلة للقسمة فیجبر الممتنع على المهایأة، أما إذا کانت قابلة للقسمة فلا اجبار على المهایأة().
إذن نلاحظ أن الأصل فی المهایأة أن تکون رضائیة ولایجوز أن تکون قضائیة أبداً حسب الرأی الأول، وحتى الرأی الثانی الذی أجاز المهایأة القضائیة فانه حصرها فی نطاق ضیق وشروط محددة کما ذکرنا، وذلک لأن المهایأة وجدت کحل للانتفاع بالمال الشائع بالرغم مما فیها من تأخیر لحقوق بعض الشرکاء وتقدیم حقوق آخرین، لذلک تستوجب أن یتفق علیها الشرکاء، ونلاحظ أن الرأی الثانی هو الأرجح ذلک أن امتناع الشرکاء عن المهایأة ممکن أن یلحق ضرراً بالشرکاء الآخرین وحتى لاندخل فی نطاق التعسف فی استعمال الحق، یجوز أن یحال الأمر للقضاء والذی یجبر الشرکاء على اجراء المهایأة ولکن لیس فی کل الأحوال وإنما فقط فی الأحوال التی لایکون هناک سبیل للانتفاع بالمال الشائع إلا عن طریق المهایأة، وإذا کانت إمکان قسمة المال الشائع غیر متوفرة لذا تجوز المهایأة القضائیة فی نطاق ضیق.
أما بالنسبة لمواقف القوانین من المهایأة القضائیة، فنلاحظ أنها أجازت أن تکون المهایأة قضائیة إلا أن مواقفها تباینت فی توسیع نطاق هذه المهایأة أو التضییق منها، فالقانون المدنی العراقی أجاز أن تکون المهایأة قضائیة حسب نص المادة (18) "إذا لم یتفق الشرکاء على المهایأة فی المنقول، ولم یطلب أحدهم إزالة الشیوع، فللشریک الذی یطلب المهایأة مراجعة محکمة الصلح لإجرائها"، من خلال نص هذه المادة نلاحظ أن المشرع العراقی أجاز المهایأة القضائیة بشرطین:
1. أن یکون المال الشائع منقولاً، فلا إجبار على المهایأة فی العقارات.
2. أن لایکون أحد الشرکاء قد طلب قسمة المال الشائع.
ان المشرع العراقی ضیق من نطاق المهایأة القضائیة وحصرها فی المنقول فقط. ویعلل الأستاذ الدکتور حسن علی الذنون ذلک بأن "رغبة المشرع فی حصر المهایأة فی أضیق نطاق ممکن، فقد لاحظ أن بعض المنقولات المشترکة قد تکون ذات قیمة أدبیة أو معنویة بحیث یحجم الشرکاء عن قسمتها قسمة نهائیة ثم هم بعد هذا لایستطیعون الاتفاق على طریقة الانتفاع بها ولهذا جعل لهم المشرع سبیلاً الى الخروج من هذا المأزق وذلک عن طریق المهایأة القضائیة الجبریة"().
نلاحظ أن حصر المشرع العراقی المهایأة القضائیة فی المنقولات فقط لم یکن موفقاً وکذلک ما قیل من تبریر لموقف المشرع العراقی وذلک للسببین الآتیین:
1. ان المهایأة وخاصة الزمانیة تأجیل منفعة بعض الشرکاء الى حین انتهاء المدة المتفق علیها لانتفاع الشریک الآخر، فاذا کانت العین الشائعة منقولاً فان هذا التأخیر قد یضر بها أکثر مما لو کانت عقاراً لأن المنقول عرضة للضیاع والسرقة والتلف أکثر من العقار، مما یلحق ضرراً بالشرکاء المتأخرین ویفوت علیهم استیفاء منفعة المنقول، ولنأخذ مثلاً السیارة إذا لم یتفق الشرکاء على المهایأة فیها فیستطیع الشریک الراغب بالمهایأة اجبار شریکه الممتنع عن طریق القضاء على اجراء المهایأة ولو فرضنا أن مدة المهایأة کانت سنة مثلاً خلال هذه السنة تتعرض السیارة الى عطلات أو ضرر من سوء استخدام الشریک المتهایئ مما یفوت على الشریک الآخر استیفاء منفعتها عند تسلمه لها فی نوبته، لکن الضرر قد یکون أخف إذا کان محل المهایأة عقاراً.
2. أما ما قیل من تبریر موقف المشرع العراقی من أن المشرع أراد أن یضع حلاً للمنقولات الشائعة ذات القیمة الأدبیة أو المعنویة أو حتى المادیة العالیة کالمقتنیات الخاصة بالأسرة والتی لایستطیع الشرکاء الانتفاع بها، وفی الوقت نفسه لایستطیعون إزالة شیوعها فهو تبریر محل نظر لأن الهدف من المهایأة هو تنظیم الانتفاع بالمال الشائع وغالباً ما تکون مقتنیات الأسرة هی جزء من تراثها وذکریاتها وتاریخها العائلی ویحتفظ بها الشرکاء على هذا الأساس ولیس احتفاظهم بها لغرض الانتفاع بها والاستفادة منها، بل بالعکس ان استعمالها أو التهایؤ علیها قد یضر بها ویفقدها قیمتها المعنویة.
لکل ما تقدم نرى عکس موقف المشرع العراقی أن المهایأة فی المنقول یجب أن تکون رضائیة فقط، مع ذلک نلاحظ أن المشرع العراقی فی نص المادة (18) قد فسح مجال للشریک الممتنع من اجراء المهایأة فی المنقول فی أن یتخلص من المهایأة القضائیة بطلب إزالة الشیوع.
أما المشرعان المصری والسوری فقد أجازا المهایأة القضائیة سواءً کان المال الشائع منقولاً أو عقاراً، إلا أنهما حصرا حق الشریک الراغب بالمهایأة فی اللجوء الى القضاء لإجرائها إذا امتنع الشریک الآخر فی حالة واحدة فقط وهی المهایأة التی یطلبها الشریک أثناء إجراءات القسمة النهائیة، فإذا تعذر الاتفاق على هذه المهایأة فیجوز للقاضی أن یأمر بها، وله الاستعانة برأی الخبیر فی تقدیر نوع المهایأة وإمکانیة اجرائها بعد دراسة طبیعة المال الشائع وظروف الملاک على الشیوع().
فی حین نهج المشرع الیمنی منهجاً مغایراً لمنهج المشرع العراقی من جهة والمشرعین المصری والسوری من جهة أخرى، فقد أطلق المهایأة القضائیة بشکل واسع فی المادة (1229) "إذا لم تطلب القسمة النهائیة ورغب أحد الشرکاء فی قسمة المال المشترک قسمة انتفاع مؤقتة وتعذر رضا باقی الشرکاء کان له أن یلجأ الى القضاء لإجرائها باحدى الطریقتین المنصوص علیها فی المادة (126) وتتبع إجراءات القسمة النهائیة المنصوص علیها فی الفرع الثالث".
عد المشرع الیمنی المهایأة القضائیة قسمة جبریة تصح فی کل الحالات التی تصح فیها القسمة الجبریة وتتبع نفس الإجراءات المقررة لهذه القسمة والمنصوص علیها فی الفرع الثالث من هذا القانون، وبذلک یحق للشریک الراغب بالمهایأة اللجوء الى القضاء فی حالة امتناع الشریک الآخر عن ذلک لاجباره على اجرائها دون قید أو شرط عدا أن لایکون أی من الشریکین قد تقدم بطلب إزالة الشیوع بالقسمة.
فی حین کان موقف المشرع فی دولة الإمارات العربیة المتحدة فی قانون المعاملات المدنیة موقفاً متخبطاً، فقد نص فی المادة (118) (2- وإذا طلب أحدهما المهایأة دون أن یطلب أیهما القسمة وامتنع الآخر یجبر على المهایأة)، فبموجب الفقرة (2) من نص المادة (118) وسع المشرع الإماراتی من نطاق المهایأة؛ لأن النص مطلق فأجاز أن تکون المهایأة القضائیة فی کل الحالات التی یمتنع فیها الشریک عن اجرائها، إلا أنه نص فی الفقرة (3) من نفس المادة على "3- وإذا طلب أحد الشریکین المهایأة فی العین المشترکة التی لاتقبل القسمة وامتنع الآخر یجبر على المهایأة".
إن نص الفقرة (3) من المادة (118) مدنی إماراتی مأخوذة حرفیاً من نص المادة (1183) مجلة الأحکام العدلیة، ونرى أن نص الفقرة (2) من (118) مدنی إماراتی یکفی للقول بأن المهایأة القضائیة جائزة فی کل الحالات التی یمتنع فیها الشریک عن اجرائها، لأن نص هذه الفقرة مطلق سواءً کان المال الشائع قابل للقسمة العینیة أم غیر قابل، وبذلک تکون الفقرة (3) من هذه المادة زیادة لا مبرر لها ویبقى الحکم نفسه حتى لو حذفت أو الغیت.
لاحظنا أن مواقف القوانین المقارنة کانت متباینة فی النص على المهایأة القضائیة، فالقانون العراقی حصر المهایأة القضائیة فی المنقول المصری والسوری أجازا المهایأة القضائیة فی صورة واحدة وهی المهایأة التی تجری أثناء اجراءات القسمة النهائیة، فی حین أطلقها المشرع الیمنی بشکل واسع وعد المهایأة رضائیة أو جبریة لأن المهایأة فی هذا القانون تکییف بأنها قسمة، أما مشرع دولة الإمارات العربیة المتحدة فقد جاء بحکم عام وأطلق المهایأة القضائیة فی کل الحالات التی یمتنع فیها الشریک على المهایأة إلا أنه جاء بحکم أکد فیه على المهایأة القضائیة أیضاً فی العین المشترکة غیر القابلة للقسمة.
نلاحظ أن الملکیة الشائعة لها خصوصیة تتأتى من أن المالک (الشریک) لایملک شیئاً مادیاً مفرزاً وإنما حصة معنویة تتعلق بکل جزء من المال الشائع تحدد هذه الحصة بنسبة معینة. لذلک نجد أن المشرع حدد طرائق الانتفاع بالمال الشائع فیما بین الشرکاء، لأن انتفاع الشریک بحصته بالاستعمال أو الاستغلال یؤدی بالضرورة الى وضع یده على المال الشائع کله أو جزء مفرز منه، وهذا المال یتعلق به حقوق الشرکاء الآخرین، لذلک وجدت المهایأة کحل یستطیع الشرکاء بموجبه أن ینتفعوا بالمال الشائع مجتمعین کالمهایأة المکانیة أو بالتناوب کما فی المهایأة الزمانیة إلا أنها لیست الطریقة الوحیدة للانتفاع بالمال الشائع، فالأصل ممکن أن ینتفع الشرکاء مجتمعین بالمال الشائع()، وإذا لم یتمکنوا من الانتفاع مجتمعین فیصار الى المهایأة وإذا لم یتفقوا على المهایأة فممکن أن یکون الانتفاع عن طریق إدارة أغلبیة الشرکاء للمال الشائع()، لذلک لایمکن تنظیم المهایأة بمعزل عن کل هذه الأمور، وخاصةً فی القوانین التی وسعت نطاق المهایأة القضائیة، أما فی القانون العراقی فنقترح أن یتم تنظیم المهایأة القضائیة کالآتی:
1. حصر المهایأة القضائیة فی العقارات دون المنقولات للأسباب التی ذکرناها سابقاً.
2. یجوز للشرکاء طلب المهایأة القضائیة إذا کانت حصصهم فی المال الشائع متساویة ولم تکن هناک أغلبیة لإدارة المال الشائع فیمکن اجبار الشریک الممتنع عن طریق المهایأة القضائیة.
3. لایمکن اجبار الشریک الممتنع على المهایأة القضائیة فی حالة وجود أغلبیة تدیر المال الشائع، لأن الأغلبیة هنا هی التی تقرر کیفیة إدارة المال الشائع ویقصد بها هنا الإدارة المعتادة التی یدخل ضمنها الاستعمال والاستغلال، فلم یکن ثمة فائدة من اجبار الشریک الممتنع على المهایأة القضائیة؛ لأن هناک اجبار من قبل الأغلبیة فسیقع الشریک صاحب الأقلیة تحت اجبارین الأغلبیة والقضاء، فاذا لم یکن هناک اتفاق على المهایأة فان الأغلبیة تقرر استغلال المال الشائع لما تراه مناسباً لمصلحة الشرکاء جمیعاً، وبالتالی تصبح المهایأة القضائیة عدیمة الجدوى.
المطلب الثالث
أنـواع المهایـأة
تقسم المهایأة على نوعین حسب طریقة الانتفاع فقد تکون مکانیة إذا اختص کل شریک بمنفعة جزء مفرز من المال الشائع، وتکون زمانیة إذا انتفع الشریک بکل المال الشائع لمدة معینة وانتفع الآخر بعده لمدة أخرى، وسوف نتناول المهایأة المکانیة فی الفرع الأول، والمهایأة الزمانیة فی الفرع الثانی.
الفرع الأول
المهایأة المکانیة
إذا اتفق الشرکاء على أن ینتفع کل واحد منهم بجزء مفرز من المال الشائع مقابل انتفاع الشریک الآخر بجزء مفرز أیضاً من المال نفسه، مثلاً دار مملوکة على الشیوع یسکن کل واحد منهم فی جزء من الدار أو فی طابق إذا کانت مکونة من طابقین مثلاً، أو إذا کان المال الشائع أکثر من عین واحدة مثلاً دارین أو دار ومحل تجاری فیتفق الشرکاء على أن یسکن کل واحد منهم فی دار أو یسکن دار أو الآخر ینتفع بالمحل التجاری، فهذه المهایأة تکون مکانیة، وأطلق علیها الفقهاء المسلمون بقسمة الأعیان()، وبالحقیقة هی قسمة منافع الأعیان، وقد اتفق الفقهاء المسلمون على جواز المهایأة المکانیة، وذکروا أن المهایأة المکانیة تحقق العدالة بین الشرکاء لأن جمیعهم ینتفعون بالمال الشائع فی زمن واحد إذا ما قارناها بالمهایأة الزمانیة –کما سنرى لاحقاً-
وقد عدها الحنفیة أن المهایأة المکانیة نوع من الافراز لأن منفعة الشریکین فی الدار المشترکة شاملة لکل جزء من تلک الدار وبالاتفاق على المهایأة یفترض أن تجمع منفعة کل الدار فی الجزء المفرز ویعطى للشریک المتهایئ وبالمقابل منفعة الجزء الآخر یضم الى منفعة الجزء الآخر، لذلک لم یلزموا الشرکاء على تعیین المدة فی المهایأة المکانیة().
وقد نظمت القوانین المهایأة المکانیة، فکان موقف المشرع العراقی والمصری والسوری على أن المهایأة المکانیة هی أن یتفق الشرکاء على أن یختص کل منهم بمنفعة جزء مفرز یوازی حصته فی المال الشائع، مقابل انتفاع الشریک الآخر بباقی الأجزاء، ونلاحظ أن هذه القوانین قد وضعت مدة یکون الاتفاق خلالها صحیحاً وهی مدة خمس سنوات، فاذا اتفق الشرکاء على مدة أعلى منها یعد اتفاقهم صحیحاً لکن فی حدود الخمس سنوات فقط التی نص علیها القانون(). أما إذا لم تحدد مدة أو انتهت المدة المتفق علیها ولم یحصل اتفاق جدید اعتبرت المدة سنة واحدة تجدد تلقائیاً بشرط أن لایعلن أحد الشرکاء عن رغبته فی عدم التجدید لسنة أخرى على أن یکون هذا الإعلان خلال مدة ثلاثة أشهر قبل انتهاء السنة المتفق علیها.
أما المشرع الیمنی فلم یضع حداً أقصى للمهایأة المکانیة، وإنما وضع حکماً واحداً ینطبق على المهایأة المکانیة والمهایأة الزمانیة، فأی مدة یتفق علیها الشرکاء تکون هذه المدة ملزمة لهم، أما إذا لم یتفقوا على مدة لزمتهم المهایأة سنة قابلة للتجدید ما لم یطلب أحد الشرکاء انهائها قبل شهرین من انقضاء المدة على الأقل، أو لم یطلب أحد الشرکاء قسمة المال الشائع قسمة نهائیة().
أما المشرع فی دولة الإمارات العربیة المتحدة فترک تحدید المدة فی المهایأة المکانیة للشرکاء وهی مسألة اختیاریة ولیست واجبة علیهم أن یحددوا مدة وإذا لم یتفقوا على المدة، فالمحکمة تحدد المدة التی تراها مناسبة حسب طبیعة النزاع والمال الشائع().
نلاحظ أن المشرع العراقی والمصری والسوری وضعوا حداً أقصى لایجوز أن یتفق الشرکاء فیه على المهایأة المکانیة وهو خمس سنوات إلا أن هذا الحد الأقصى قابل للتجدید إذا رغب الشرکاء بذلک وإذا لم یحددوا واحدة فتعدان المهایأة مدتها سنة واحدة قابلة للتجدید. ان هذه المدد التی حددتها القوانین السابقة یمکن أن یستشف منها رغبة المشرعین فی انهاء حالة الشیوع، صحیح ان المهایأة هی قسمة ولکنها قسمة مؤقتة للانتفاع فقط واتجاه هذه القوانین نحو الإسراع من ازالة الشیوع لأن الملکیة الشائعة لیست هی الصورة المثلى للملکیة لما تثیره من نزاعات فی الواقع العملی.
وإذا نظرنا للأمر من جهة أخرى نرى أن المهایأة المکانیة لیست إلا انتفاع الشرکاء بالمال الشائع سویة وفی وقت واحد فلیس هناک ما یمنع أن یختص کل واحد منهم بمنفعة جزء مفرز یوازی حصته من المال الشائع وما دام أنهم ینتفعون فی وقت واحد فلا حاجة هناک للاتفاق على المدة ولذلک کان موقف مشرع دولة الإمارات العربیة المتحدة هو عدم تحدید مدة للمهایأة المکانیة ترک أمر الاتفاق على هذه المسألة للشرکاء وتأثر برأی المذهب الحنفی وبالتحدید مجلة الأحکام العدلیة وکذلک موقف المشرع الیمنی الذی وضع حکماً واحداً للمهایأة الزمانیة والمکانیة، إلا أن موقف دولة الإمارات العربیة المتحدة أدق لأنه وضع لکل نوع حکمه الخاص به من حیث الاتفاق على المدة.
لذلک نرى أن موقف القوانین العراقی والمصری والسوری لیس هناک ما یبرره فی الواقع العملی؛ لأن رغبة الشرکاء مازالت قائمة ومازال لهم کلمة الفصل الأخیرة فی اختیار قسمة المنافع أی المهایأة أو اختیار انهاء الشیوع فی أی وقت حتى مع وجود المهایأة.
الفرع الثانی
المهایأة الزمانیة
قد یتفق الشرکاء فی المال الشائع على المهایأة بأن یسکن أحدهما مثلاً الدار سنة والآخر السنة التی تلیها، أو یزرع أحدهما الأرض سنة والآخر یزرعها السنة التی تلیها، فان ذلک معناه أنهم اتفقوا على المهایأة الزمانیة وقد اطلق علیها الفقهاء المسلمون مقاسمة زمان(). والمهایأة بالزمان فیها تأخیر حقوق بعض الشرکاء عن بعض، فکلما کان الاستیفاء أقرب کان أولى؛ لأن الأصل وجوب استیفاء الشرکاء جمیعهم حقوقهم والتأخیر لأجل الحاجة فکلما قل زمن التأخر کان أولى ولاسیما إذا کان مع التأخیر لایمکن للشریک أن یستوفی حقه إلا بضرر فلا یجب علیه موافقتهم على ما فیه ضرره مع إمکان التعدیل بینهم بلا ضرر().
وقد عد الفقهاء المسلمون المهایأة الزمانیة تحقق الکمال أکثر من المهایأة المکانیة التی کما ذکرنا سابقاً تحقق العدالة أکثر (المهایأة بالزمان أکمل وبالمکان أعدل)()، ذلک أن الشریک ینتفع بکل المال الشائع لمدة معینة ولیس بجزء مفرز منه کما هو الحال فی المهایأة المکانیة.
وقد أجازت القوانین أن تکون المهایأة زمانیة، فالمشرع العراقی نص فی الفقرة الثانیة من م (178) من القانون المدنی العراقی "2- یصح أن تکون المهایأة زمانیة بأن یتفق الشرکاء على أن یتناوبوا الانتفاع بجمیع المال الشائع کل منهم مدة تتناسب مع حصته"().
ویثار تساؤلان فی هذا المجال، الأول: لماذا لم یحدد المشرع العراقی والمصری والسوری حداً أقصى للمهایأة الزمانیة مثلما فعل فی المهایأة المکانیة؟ والثانی: هل یجوز أن یکون الاتفاق على المدة التی ینتفع بها الشریک مهایأة غیر متناسبة مع حصته خاصة إذا کانت الحصص غیر متساویة ؟
بالنسبة للسؤال الأول، لم نجد هناک ما یبرر موقف القوانین العراقی والمصری والسوری فی وضع مدة قصوى للمهایأة المکانیة وترک تحدید المدة للشرکاء فی المهایأة الزمانیة، وهذا الموقف لم نجد له ما یبرره وإنما نرى أن یترک تحدید المدة لرغبة الشرکاء دون وضع حدود قصوى لهذه المدة لذلک أی أن ینطبق الحکم الوارد فی المهایأة الزمانیة على المکانیة کذلک.
أما بالنسبة للسؤال الثانی، فالأصل أن یکون الانتفاع لمدة تتناسب مع حصة الشریک، فمن یملک ثلاثة أرباع الحصص مثلاً سینتفع بالمال الشائع مهایأة أکثر من المدة التی سینتفع بها من یملک ربع الحصص، إلا أنه لیس هناک ما یمنع من اتفاق الشرکاء على مدد انتفاع أکثر أو أقل مما یملکون من حصص ما دامت المهایأة رضائیة؛ لأن نص المادة (178 ف2) من القانون المدنی العراقی لم یرد فیها ما یشیر الى وجوب أن تکون مدة الانتفاع بالمهایأة الزمانیة متناسبة مع حصة الشریک.
المبحث الثانی
تکییـف المهایــأة
ذکرنا سابقاً أن المهایأة وجدت لضرورة تتعلق بتعذر الانتفاع بالمال الشائع من قبل جمیع الشرکاء مجتمعین فی أغلب الأحیان، لذلک یقتسمون الانتفاع بینهم مهایأةً، ان المهایأة ترد على المنفعة لذلک قد تلتبس بغیرها من التصرفات التی یکون محلها المنافع کالایجار والإعارة، لذلک ثار خلاف فقهی حول تکییف المهایأة، فهناک من الفقهاء من کییفها إعارة، ومنهم من کییفها ایجار، ومنهم من قال أنها قسمة لکن محلها المنافع ولیس الأعیان، وسنتناول فی هذا المبحث تکییف المهایأة، فنبین بالمطلب الأول تکییف المهایأة إعارة، وفی المطلب الثانی تکییف المهایأة ایجار، أما المطلب الثالث فنخصصه لتکییف المهایأة بأنها قسمة منافع وکالآتی:
المطلب الأول
تکییف المهایأة عقد إعارة
عرف المشرع العراقی الإعارة فی المادة (847) من القانون المدنی بأنها "الإعارة عقد به یسلم شخص لآخر شیئاً غیر قابل للاستهلاک یستعمله بلا عوض على أن یرده بعد الاستعمال. ولا تتم الإعارة إلا بالقبض"، وبموجب هذا العقد یلتزم المعیر بترک المستعیر ینتفع بالشیء المعار أثناء فترة الإعارة ویکون هذا الانتفاع بدون عوض أو مقابل، بل ان المستعیر إذا انفق على الشیء المعار نفقات اضطراریة لحفظه من الهلاک التزم المعیر برد هذه المصروفات الیه، وبالمقابل یلتزم المستعیر أن یستعمل الشیء المعار فی الوقت والمکان المعینین والمتفق علیهما وأن یرد الشیء المعار للمعیر عند انتهاء الإعارة().
ذهب الحنابلة إلى تکییف المهایأة بأنها عقد إعارة من خلال تضمین الشریک المتهایئ المال الشائع الذی تحت یده فی مدته لأنه کالعاریة بالنسبة لنصیب شریکه()، (لو أتلف الحیوان المتهایأ علیه یضمن، أی یضمنه من تلفت تحت یده فی مدته، لأنه کالعاریة بالنسبة لنصیب شریکه وهو مضمون على کل حال)().
ان هناک نقاط اتفاق بین المهایأة والإعارة دعت الفقهاء إلى تکییف المهایأة إعارة نجملها بما یأتی:
1. إن کلاً من المهایأة والإعارة من العقود التی ترد على المنفعة.
2. فی المهایأة والإعارة یتملک کل من الشریک المتهایئ والمستعیر المنفعة، فالشریک یتملیک منفعة المال الشائع کله إذا کانت المهایأة زمانیة أو یتملک منفعة جزء مفرز إذا کانت المهایأة مکانیة، کذلک فی الإعارة یتملک المستعیر منفعة الشیء المعار.
3. أن الغایة من المهایأة والإعارة هی استعمال الشیء والانتفاع به، لذلک کلاهما یردان على الأموال غیر القابلة للاستهلاک، لأن المستعیر یلتزم برد الشیء المعار إلى المعیر عنه عند انتهاء الإعارة(). أما الشریک المتهایئ فلا نقول أن یلتزم عن انتهاء المهایأة برد أنه المال الشائع الى الشریک الآخر، لأنه یملک حصة فی هذا المال الذی ینتفع به مهایأةً، بل نقول إنه یتخلى من منفعة کل المال الشائع إذا کانت المهایأة زمانیة أو یتخلى عن منفعة الجزء المفرز إذا کانت المهایأة مکانیة.
ان نقاط التشابه بین الإعارة والمهایأة لاترقى إلى تکییف المهایأة إعارة وذلک للأسباب الآتیة:
1. ان المستعیر لایملک رقبة الشیء المعار لأنه لو کان کذلک لما احتاج إلى ابرام عقد إعارة حتى تنتقل الیه ملکیة منفعة هذا الشیء، لأن من یملک الرقبة یملک المنفعة، أما فی المهایأة فان المتهایئ لابد أن یکون شریکاً على الشیوع حتى یستطیع أن یبرم عقد مهایأة مع الشریک الآخر، هذا الشریک هو فی نفس الوقت مالک لحصة فی المال الشائع إلا أن طبیعة الملکیة الشائعة قد لاتقبل انتفاع الشرکاء مجتمعین لذلک یتفقون على المهایأة، إذن الشریک المتهایئ هو فی الحقیقة مالک لرقبة المال الشائع وهذا لایصلح أن یقال على الإعارة لأن الشخص لایمکن أن یستعیر ما یملک لاستعماله. ففارقت المهایأة الإعارة فی ذلک.
2. ان الإعارة عقد عینی لاینعقد إلا بالقبض()، کما انها من عقود التبرع لأن المستعیر ینتفع بالشیء المعار دون عوض()، فی حین أن المهایأة هی عقد رضائی یکفی لانعقادها الایجاب والقبول.
3. الإعارة تکون بلا مقابل، وإلا أصبحت عقد ایجار لأنها تملیک المنفعة بلا عوض والایجار تملیک المنفعة بعوض، أما المهایأة فان الشریک لاینتفع بکل المال الشائع أو بجزء مفرز منه إلا مقابل انتفاع الشریک الآخر لمدة أخرى وبجزء مفرز آخر، ذلک یعنی أن المهایأة لیست إعارة، إذ لو کانت کذلک لکان انتفاع الشریک دون مقابل ولایشترط انتفاع الشریک الآخر.
4. الإعارة عقد غیر لازم()، فیجوز للمعیر أن یطلب انهاءها بأی وقت شاء إذا لم یحدد لها أجل()، أما المهایأة فلا یجوز للشریک المتهایئ الرجوع عن المهایأة لأن ذلک یترتب علیه ضرر للشریک الآخر الذی لم یستوف منفعته بعد خاصة فی المهایأة الزمانیة، أو استوفى منفعة ناقصة خاصة فی المهایأة المکانیة.
5. لایجوز للمستعیر تأجیر العاریة مع أن منافعها عائدة له لأن للمعیر استردادها فی أی وقت شاء ولعدم الفائدة من الایجار()، وفی القانون المدنی العراقی لایجوز للمستعیر أن یؤجر العاریة أو یرهنها دون إذن المعیر(). أما المهایأة فان الشریک فی نوبته یستعمل المال الشائع أو الجزء المفرز منه بنفسه، کما ان له أن یؤجره دون الحاجة إلى أخذ إذن الشریک الآخر، لأن الغایة الأساسیة التی وجدت من أجلها المهایأة هی الانتفاع وهذا الانتفاع یتحقق إذا استعمل الشریک المتهایئ المال الشائع أو الجزء المفرز منه بنفسه أو استغله بتأجیره للغیر.
6. ان الإعارة تنتهی بموت المستعیر ولا تنتقل إلى ورثته إلا إذا کان هناک اتفاق على ذلک(). أما المهایأة فلا تنتهی بموت الشریک بل تنتقل إلى ورثته.
لکل ما تقدم لایمکن تکییف المهایأة إعارة لوجود الفوارق والاختلافات التی ذکرناها سابقاً، کما ان تکییف المهایأة إعارة لم یلق قبولاً فی التشریعات العربیة، فلم نجد أی تشریع
–على حد علمنا- طبق أحکام الإعارة على المهایأة.
المطلب الثانی
تکییف المهایأة ایجار
الایجار هو تملیک المنافع بعوض، أو هو تملیک منفعة معلومة بعوض معلوم لمدة معلومة، وبه یلتزم المؤجر أن یمکن المستأجر من الانتفاع بالمأجور()، ویرتب عقد الایجار التزامات متقابلة على طرفیه، فیلتزم المؤجر أن یسلم المأجور للمستأجر بالحالة التی عقد علیها وقت العقد، کما یلتزم بصیانة المأجور وبالمقابل یلتزم المستأجر بحفظ المأجور ورده إلى المؤجر عند انتهاء عقد الایجار().
اتجه قسم من الفقهاء المسلمون إلى تکییف المهایأة ایجار، فذهب رأی من الحنابلة إلى "أن مات الحیوان فی نوبة أحدهم فلا ضمان علیه لأن ما یستوفیه من المنافع فی نظیر ما یستوفیه شریکه هو فی معنى الاجارة لا العاریة"()، وکذلک عد الشافعیة أن المهایأة ایجاراً بقولهم "إذا کان ثمة مهایأة کان حکمه فی ید هذا وید هذا حکم العین المستأجرة فلا ضمان وإذا استوفى المنفعة لزمه لصاحبه أجر مثل المنفعة التی استوفاها مثل الاجارة"().
وهذا الرأی أخذ به أغلب فقهاء القانون المدنی، إذ عدوا المهایأة ایجاراً یعد کل شریک فی المهایأة مؤجراً للشریک الآخر ومستأجراً منه()، فهی منفعة مقابل منفعة ینتفع الشریک بجزء مفرز فیحصل على نصیب باقی الشرکاء فی منفعة هذا الجزء فی مقابل حصول الشرکاء على نصیبه هو فی منفعة الأجزاء المفرزة الأخرى فی المهایأة المکانیة، أما فی المهایأة الزمانیة یتناوب الشرکاء الانتفاع بالمال الشائع کله فیحصل الشریک فی نوبته على نصیب باقی الشرکاء فی منفعة المال الشائع فی مقابل حصول شرکائه، کل فی نوبته، على نصیبه هو فی منفعة هذا المال، فالمهایأة إذن بنوعیها مقایضة انتفاع بانتفاع، ومقایضة الانتفاع بالانتفاع تکون ایجاراً، إذ لیس من الضروری أن تکون الأجرة فی الایجار کما فی الثمن بالبیع نقداً().
کذلک نصت أغلب القوانین المقارنة على تطبیق أحکام عقد الایجار على المهایأة، فنص القانون المدنی العراقی فی المادة (179) "تخضع المهایأة من حیث أهلیة المتهایئین وحقوقهم والتزاماتهم لأحکام عقد الایجار ما دامت هذه الأحکام لاتتعارض وطبیعة المهایأة والحکم نفسه نجده فی القانون المدنی المصری والسوری وقانون دولة الإمارات العربیة المتحدة().
هناک أوجه اتفاق بین المهایأة والایجار هی التی دعت أصحاب هذا الرأی للقول بأن المهایأة ما هی فی حقیقتها إلا ایجار، نجملها فیما یأتی:
1. إن کلاً من المهایأة والایجار یردان على المنافع، لأن الایجار هو تملیک المنفعة بعوض، فبموجب عقد الایجار ینقل المؤجر ملکیة منفعة المأجور إلى المستأجر مع احتفاظه بملکیة رقبته()، کذلک المهایأة، فان الشریک المتهایئ یتملک منفعة المال الشائع کله فی المهایأة الزمانیة ویتملک منفعة جزء مفرز من المال الشائع فی المهایأة المکانیة.
2. ان کلاً من الایجار والمهایأة یکونان بمقابل، فالمؤجر یملک منفعة المأجور للمستأجر مقابل أجرة متفق علیها، وحتى فی الحالات التی یتعذر فیها تحدید الأجرة من حیث تعیین مقدارها وکیفیة تقدیرها فان المؤجر یستحق أجر المثل()، کذلک فان الشریک فی المهایأة لاینتفع بدون مقابل وإنما انتفاعه یکون بمقابل انتفاع الشریک الآخر بجزء مفرز أو بکل المال الشائع حسب نوع المهایأة زمانیة أو مکانیة.
3. ان کلاً من عقدی المهایأة والایجار من العقود المستمرة ذلک ان التزامات المؤجر تبقى قائمة ومستمرة بتمکین المستأجر من الانتفاع بالمأجور ما بقی العقد قائماً بینهما()، وفی المهایأة یلتزم الشریک بتمکین الشریک المتهایئ بالانتفاع بالمال الشائع ما دامت المهایأة قائمة.
إذاً تتشابه المهایأة مع الایجار فی الإطار العام وانها أقرب للایجار منها للإعارة، لکن إذا دخلنا فی جزئیات عقد الایجار نجد أن هذا العقد یفارق المهایأة فی کثیر من الأحکام المهمة والتی تعد جوهریة فی عقد الایجار، وسنتناول هذه الفوارق فیما یأتی:
أولاً. من حیث صفة طرفی عقدی الایجار والمهایأة:
ان المؤجر فی عقد الایجار ممکن أن یکون المالک أو المنتفع أو المستأجر أو صاحب حق الاستعمال والسکنى أو مرتهن رهناً حیازیاً، وممکن أن یکون مالکاً على الشیوع، والمستأجر هو الطرف الثانی فی العلاقة العقدیة ونلاحظ أن من یملک حق التأجیر إما أن یکون مالکاً للرقبة وبالتالی یملک المنفعة فیملک تملیکها للغیر أو أن یکون مالکاً للمنفعة دون الرقبة أو صاحب حق عینی أصلی أو تبعی()، أما طرفی عقد المهایأة فیجب أن
یکونان شرکاء على الشیوع ولایحق لأی من السابق ذکرهم أن یکون طرفاً فی المهایأة لأن المشرع العراقی حصر المهایأة بالشرکاء على الشیوع فقط()، ولایحق لمستأجر حصة أحد الشرکاء أو المرتهن رهناً حیازیاً أو المنتفع بها أن یبرم عقد مهایأة مع الشریک کما ذکرنا ذلک سابقاً.
ثانیاً. من حیث سبب ملکیة المنفعة:
بموجب عقد الایجار یملک المؤجر منفعة المأجور للمستأجر، لأن المؤجر یعد مالکاً أصلاً للرقبة، وبدون هذا العقد لایستطیع المستأجر الانتفاع بالمأجور فقبل العقد یعد المستأجر أجنبیاً عن المأجور(). أما فی المهایأة فیعد الشریک المتهایئ مالکاً أصلاً للمنفعة لأنه یملک الرقبة وهی حصته فی العین الشائعة، إلا أن ملکیة الرقبة یشارکه فیها شرکاء آخرین. إذن ما یستحقه من منفعة لیس مصدره عقد المهایأة وإنما هو منفعة ملکه "فی الاجارة یستحق منفعة العین بالعقد وهنا ما یستوفیه کل واحد منها یجعل فی الحکم کأنه منفعة ملکه"()، فاذا کان الشریک أصلاً مالکاً لمنفعة المال الشائع فلا حاجة لتکییف المهایأة ایجاراً لتبرر انتقال المنفعة الیه، صحیح أنه یملک حصة فی المال الشائع ولیس کل المال کما فی الملکیة المفرزة، إلا أن حصته هذه مهما بلغت تتعلق بکل جزئیة من المال الشائع، إذاً الشریک یملک الرقبة ومن یملک الرقبة یملک المنفعة لکن لخصوصیة المال الشائع وعدم إمکان الانتفاع به من قبل کل الشرکاء فهم یقتسمون هذه المنفعة عن طریق المهایأة.
ثالثاً. من حیث الالتزام بضمان العیوب الخفیة:
یلتزم المؤجر فی عقد الایجار بضمان العیوب الخفیة، والعیب الخفی هو الآفة الطارئة التی تخلو منها الفطرة السلمیة، ویشترط أن یکون هذا العیب مؤثراً، أی یحول دون انتفاع المستأجر بالعین أو باحدى ملحقاتها أو ینقص هذا الانتفاع نقصاً کبیراً().
إذا عددنا أن المهایأة ایجار وکما ذکرت المادة (179) من القانون المدنی العراقی أن أحکام حقوق والتزامات المؤجر والمستأجر تسری على الشرکاء المتهایئین، وان من ضمن التزامات المؤجر ضمان العیوب الخفیة، فهل یضمن الشریک المتهایئ ما قد یظهر من عیب خفی فی المال الشائع للشریک الآخر أثناء نوبته بالانتفاع ؟
للإجابة عن هذا السؤال نفرق بین نوعی المهایأة المکانیة والزمانیة وکالآتی:
1. المهایأة المکانیة:
کما علمنا أن المهایأة المکانیة تتحقق إذا اختص الشریک بمنفعة جزء مفرز من المال الشائع مقابل انتفاع الشریک الآخر بجزء مفرز آخر فی نفس الوقت، فإذا ظهر عیب خفی فی أحد الجزئین هل یضمنه الشریک الآخر؟ أو ظهر عیب فی الجزئین معاً هل یضمن أحدهما للآخر هذا العیب ؟
ابتداءً نقول إن انتفاع الشریکین فی المهایأة المکانیة یکون فی وقت واحد، وقبل ابرام عقد المهایأة فان الشریکین یعدان مالکین للرقبة لأنهما یملکان حصص فی المال الشائع حتى بعد ابرام المهایأة لاتزول عنهما صفة المالکین فقط یتفقوا على تنظیم الانتفاع بالمال الشائع، إذن ما هو الأساس الذی یضمن أحد الشریکین للآخر العیب الخفی ؟ کلاهما مالکاً وکلاهما على درایة وعلم بالعین الشائعة وبعیوبها وأن هذه العیوب سیتحملها الشریکان معاً وقبل ابرام المهایأة قد یکون المال الشائع تحت ایدیهما معاً، فلا مجال للقول هنا بتضمین الشریک ما قد یظهر من عیوب خفیة فی الجزء الذی ینتفع به شریکه بالمهایأة.
2. المهایأة الزمانیة:
أما المهایأة الزمانیة فان الشریک ینتفع لمدة معینة بالمال الشائع مقابل انتفاع شریکه الآخر لمدة أخرى، فاذا کان العیب الخفی قدیماً یمتد إلى ما قبل بدء المهایأة ووضع الشریک المتهایئ یده على المال الشائع فلا ضمان على الشریک سواء کان هذا الشریک هو من بدأ أولاً بالانتفاع أم الشریک الآخر الذی ینتظر نوبته لینتفع بالمال الشائع، أما إذا ظهر العیب أثناء انتفاع الشریک الذی بدء أولاً بوضع یده على المال الشائع، وأخفاه عن الشریک الذی سینتفع بعده فان من انتفع أولاً یضمن هذا العیب، ولکن لیس على أساس الالتزام بضمان العیوب الخفیة التی هی إحدى التزامات المؤجر فی عقد الایجار وإنما على أساس أن الشریک المتهایئ یقع على عاتقه التزام المحافظة على المال الشائع عند انتفاعه به، وان هذا العیب ظهر لأنه قصر بهذا الالتزام.
إذن لایمکن أن یلزم الشریک المتهایئ بالتزام المؤجر بالعیوب الخفیة نظراً لاختلاف التزامات کل منهما وصفة کل منهما عند ابرام عقد المهایأة.
رابعاً. من حیث التنازل عن الایجار والایجار من الباطن:
یستطیع المستأجر بصفته صاحب حق شخصی أن یتنازل عن الایجار أو أن یؤجر المأجور مرة أخرى من الباطن، فهل یستطیع الشریک المتهایئ ذلک أو هل یملک التنازل عن المنفعة فی نوبته للغیر، أو یؤجر نوبته للغیر من الباطن؟ للإجابة على هذین السؤالین نتناول التنازل عن الایجار أولاً والایجار من الباطن ثانیاً.
1. التنازل عن الایجار:
التنازل عن الایجار هو تنازل عن الحق أی حوالة حق وهو فی الوقت ذاته حوالة دین حیث یقوم المستأجر بنقل حقوقه والتزاماته الناشئة عن عقد الایجار إلى المتنازل له، ویحل هذا الأخیر محل المستأجر فی الالتزامات والحقوق، إلا أنه لایوجد عقد ایجار جدید وإنما عقد واحد هو العقد المبرم بین المؤجر والمستأجر، فقط یخرج المستأجر من العلاقة ویفقد صفته کمستأجر وتنتقل هذه الصفة إلى المتنازل له()، ان مثل هذا التصرف جائز فی عقد الایجار واعتبرته القوانین حق یثبت للمستأجر().
إذا کان التنازل عن الایجار حق للمستأجر فهل یملک الشریک المتهایئ نفس الحق ؟
ان إعطاء حق التنازل للشریک المتهایئ مثلما أعطی للمستأجر یؤدی إلى حدوث خلل فی أحکام المهایأة التی وجدت للضرورة، هذه الضرورة تتأتى من رغبة الشرکاء الانتفاع بالمال الشائع إلا أنه یوجد عائق من انتفاعهم مجتمعین فیصار إلى انتفاعهم بالتناوب کما فی المهایأة الزمانیة أو انتفاع کل شریک بجزء مفرز کما فی المهایأة المکانیة، وإعطاء الشریک الحق فی التنازل عن نوبته أو جزئه للغیر یؤدی إلى انتفاء هذه الضرورة بمعنى أن الشریک لایرید الانتفاع بالمال الشائع وبالتالی لا حاجة إلى ابرام عقد المهایأة مع شریکه خاصةً إذا کان التنازل دون مقابل.
وإذا أجزنا تنازل الشریک للغیر وطبقنا أحکام عقد الایجار فی هذه الجزئیة فاذا کان هذا الغیر هو الشریک الآخر فسوف تنقضی المهایأة، وإذا کان التنازل لشخص أجنبی فأیضاً تنقضی المهایأة لأن المتنازل له لایجوز أن یصبح طرفاً فی العلاقة العقدیة التی کانت بین الشرکاء المتفقین على المهایأة ولا یجوز أن تنقل الیه حقوق والتزامات الشریک المتهایئ کما فی حالة تنازل المستأجر عن حقه فی الایجار، لأن القانون أصلاً لایجیز أن تجرى المهایأة إلا بین الشرکاء أنفسهم.
2. الایجار من الباطن:
یجوز للمستأجر أن یؤجر للغیر حقه الشخصی بصفته مستأجراً فیصبح بذلک طرفاً فی عقدی ایجار یکون فی الأول منهما مستأجراً وفی الثانی مؤجراً وتعد الاجارة الثانیة اجارة من الباطن، ویسمى المستأجر الذی یقوم بذلک المستأجر الأصلی، والمستأجر الجدید الذی یتلقى الحق فی الایجار من المستأجر الأصلی بالمستأجر من الباطن أو المستأجر الثانی، مع ملاحظة أن عقد الایجار الأصلی یبقى قائماً إلى جانب الایجار من الباطن().
إلا أنه إذا ورد شرط لایجیز الایجار من الباطن إلا بعد الحصول على موافقة المؤجر فان مثل هذا الشرط یجب مراعاته وبالوقت نفسه یجب أن لایمتنع المؤجر من إعطاء هذه الموافقة إلا لسبب مشروع().
إذا کان هذا الحق یثبت للمستأجر فی عقد الایجار فهل یثبت للشریک المتهایئ؟ أی هل یجوز للشریک المتهایئ أن یؤجر نوبته فی الانتفاع فی المهایأة الزمانیة أو جزئه المقرر فی المهایأة المکانیة للغیر؟ وإذا أمکن ذلک هل تطبق أحکام الایجار من الباطن ؟
ان الهدف من المهایأة أن ینتفع الشریک بالمال الشائع أو بجزء مفرز مقابل انتفاع شریکه لمدة أخرى أو بجزء آخر، والانتفاع قد یکون بأن یستعمل الشریک المال الشائع بنفسه وله کذلک أن یستغل المال الشائع بأن یؤجره للغیر ویحصل على الأجرة. وقد ذهب فقهاء المذهب الحنفی إلى القول إن المهایأة قد تکون مهایأة استعمال وقد تکون مهایأة استغلال()، وفی کلا الحالتین المهایأة صحیحة وجائزة، ولا نستطیع أن نطلق على مهایأة الاستغلال ایجار من الباطن ولا نستطیع تطبیق أحکامه علیها، لأن الشریک لیس بمرکز المستأجر الأصلی وإنما هو یتمتع بما اقتسمه من منفعة مع شریکه الآخر وهذا الانتفاع قد یکون بنفسه، وقد یکون عن طریق الغیر، وکذلک العقد المبرم بین الشریک المتهایئ والمستأجر هو عقد ایجار مستقل عن عقد المهایأة ولایمکن أن یوصف بأنه عقد ایجار من الباطن، فالشریک حر فی کیفیة التصرف فی نوبته.
کما لایجوز أن یرد شرط بمنع الشریک أن یؤجر نوبته فی الانتفاع أو الجزء المفرز الذی آلت الیه منفعته، لأن ذلک یتنافى مع الغرض من المهایأة وهی تسهیل الانتفاع بالمال الشائع بین الشرکاء.
إذن لایوجد ایجار من الباطن ولایمکن أن تطبق أحکامه لأن الشریک لایعد مستأجراً وإنما متقاسماً للمنفعة مع الشریک الآخر.
خامساً. من حیث الفسخ:
فی عقد الایجار إذا أخل أحد الطرفین بالالتزامات التی یفرضها علیه هذا العقد، کان للطرف الآخر أن یطلب فسخ العقد مع التعویض إن کان له محل وذلک بعد انذاره بتنفیذ التزامه().
والمستأجر إذا أخل بالتزاماته فیمکن للمؤجر أن یطلب الفسخ، کما ان إخلال المؤجر بالتزاماته موجباً لطلب الفسخ من قبل المستأجر، ولا یجوز للمؤجر أن یطلب فسخ الایجار قبل انقضاء مدته، حتى لو أعلن انه یرید سکنى المأجور بنفسه أو یرید لاستعماله الشخصی، إلا انه یجوز له أن یفسخ العقد إذا حدث له حاجة شخصیة بالمأجور لکن یجب أن یتفق على ذلک مسبقاً مع المستأجر().
أما فی المهایأة فان الشریکان یملکان فسخ المهایأة وانهائها ولو دون عذر، فیستطیع أحد الشریکین أن یفسخ المهایأة إذا هو تقدم بطلب إزالة الشیوع بالقسمة()، لأن قسمة المال الشائع هی الأصل والمهایأة ما وجدت إلا لضرورة تتعلق بالانتفاع بالمال الشائع وهذه الضرورة تنتهی بازالة الشیوع.
لکل ما تقدم وللأسباب التی ذکرناها لانستطیع أن نکییف المهایأة ایجار لأن أحکامهما وإن کانت تتشابه فی الإطار العام إلا أنه لایمکن تطبیق کل أحکام الایجار على المهایأة لأنها تتعارض مع طبیعة المهایأة وبالتالی ندعو المشرع العراقی إلى الغاء نص المادة (179) من القانون المدنی العراقی.
المطلب الثالث
تکییف المهایأة قسمة
القسمة عملیة الغرض منها إنهاء حالة الشیوع واختصاص کل شریک بجزء مفرز من المال الشائع یعادل حصته قبل القسمة، أو هی إخراج المالک من الملک المشترک إلى ملک خاص یستقل به().
ولکل شریک فی عقار أو منقول الحق فی طلب انهاء الشیوع فی أی وقت شاء()، وحق الشریک فی انهاء الشیوع بالقسمة یستند إلى اعتبارات تتصل بالنظام العام، لذلک لایجوز للشریک التنازل عن حقه هذا().
والقسمة تکون إما رضائیة أو قضائیة، القسمة الرضائیة تعد عقداً بین الشرکاء تخضع للأحکام العامة للعقود فیجب توافر أرکان هذا العقد من رضاء ومحل وسبب وهی عقد رضائی()، إلا إذا کان محلها عقار فتکون عقداً شکلیاً حسب المادة (171) "1. لاتتم القسمة الرضائیة فی العقار إلا بالتسجیل فی دائرة الطابو".
أما القسمة القضائیة فیلجأ الیها الشرکاء إذا تعذر اتفاقهم على القسمة الرضائیة أو کان بینهم محجور، وتبدأ القسمة القضائیة بطلب یتقدم به أحد الشرکاء إلى المحکمة المختصة یطلب فیه القسمة وإنهاء حالة الشیوع وتبدأ عملیة القسمة وفق إجراءات معینة نص علیها القانون، وإذا کان المال الشائع قابلاً للقسمة فیقسم بین الشرکاء قسمة عینیة وهذه قد تکون قسمة جمع أو قسمة تفریق حسب طبیعة المال وإذا کان المال غیر قابل للقسمة العینیة فتلجأ المحکمة إلى قسمته قسمة تصفیة عن طریق بیعه وتقسیم ثمنه بین الشرکاء وکل حسب حصته().
کیّف فقهاء الحنفیة المهایأة قسمة واعتبروا أن قسمة العین (القسمة التی تنهی الشیوع) هی الأصل والمهایأة (قسمة المنافع) هی قسمة مؤقتة بحیث إذا طلب أحد الشرکاء المهایأة وطلب الشریک الآخر القسمة فان القاضی یحکم بالقسمة ولیس المهایأة (إذا طلب الشریک ما هو الأصل وهو قسمة العین لا تستدام المهایأة بینهما)().وقد علل الفقهاء رأیهم بأن أحکام عقد الإعارة وعقد الإجارة لاتنطبق على المهایأة فهی أقرب إلى القسمة منها إلى هذین العقدین().
وقد أخذ بهذا الاتجاه القانون المدنی الیمنی عندما نص فی المادة (1229) على "إذا لم تطلب القسمة النهائیة ورغب أحد الشرکاء فی قسمة المال المشترک قسمة انتفاع مؤقتة وتعذر رضاء باقی الشرکاء کان له أن یلجأ إلى القضاء لاجرائها باحدى الطریقتین المنصوص علیها فی المادة (126) وتتبع إجراءات القسمة النهائیة المنصوص علیها فی الفرع الثالث. والمادة (126) التی اشارت الیها المادة السابقة تتعلق بنوعی القسمة الرضائیة والقضائیة بمعنى أن أحکام المهایأة الرضائیة تطبق علیها أحکام القسمة الرضائیة وأحکام المهایأة القضائیة فتنطبق علیها أحکام القسمة القضائیة، أما الفرع الثالث الذی أشارت الیه المادة (1229) فیتضمن اجراءات القسمة القضائیة (الجبریة) أمام المحکمة المختصة. وقد أطلق المشرع الیمنی عنوان القسمة بوجه عام على الفرع الأول من الفصل الرابع قسمة المال المشترک (المشاع)، وأطلق عنوان قسمة المنافع (القسمة المؤقتة) على الفرع الرابع من نفس الفصل. وبهذا یکون المشرع الیمنی قد عد القسمة التی تنهی الشیوع هی الأصل والمهایأة أو قسمة المنافع هی جزء منها یصار الیها عند بقاء الشیوع وتطبق علیها أحکام القسمة النهائیة.
ونتفق مع رأی المذهب الحنفی والقانون المدنی الیمنی فی اعتبار المهایأة قسمة لکن محلها المنافع والقسمة التی تنهی الشیوع محلها الأعیان وذلک للتشابه الکبیر بین أحکام المهایأة والقسمة، وکذلک لما بیناه فی المطلبین السابقین من عدم انطباق أحکام عقدی الإعارة والایجار على المهایأة.
وسنوضح فیما یأتی حججنا للأخذ بهذا الرأی وکیف أن المهایأة ما هی إلا نوع من أنواع القسمة وکالآتی:
أولاً. من حیث تعریف المهایأة:
اتفقت المصادر الشرعیة والقانونیة على تعریف المهایأة بأنها (قسمة منافع) وتکییف الشیء یؤخذ من تعریفه، فاذا عرفناها بأنها قسمة منافع لماذا نبحث لها عن تکییف إعارة أو ایجار أو غیرهما ؟ وحتى من کییف المهایأة ایجاراً عرفها قسمة منافع، فالدکتور عبد الرزاق السنهوری یقول "وکما یمکن تکییف المهایأة بأنها قسمة منفعة مکانیة أو زمانیة، کذلک یمکن تکییفها بأنها ایجار"()، إن الأخذ بهذا القول یؤدی إلى الوقوع فی تناقض إذ کیف تکیف المهایأة تکییفین فی آن واحد ؟ وان کل تکییف له أحکامه الخاصة، فالایجار تنطبق علیه أحکام تختلف عن تلک الأحکام التی تنطبق على القسمة. وإذا حصل تعارض بین التکیفین أیهما نغلب أو نطبق أحکام الایجار أم أحکام القسمة ؟
ثانیاً. من حیث تعلق المهایأة والقسمة بالمال الشائع:
مثلما ان القسمة تتعلق فقط بالمال الشائع کذلک المهایأة تتعلق به، فخصوصیة الملکیة الشائعة جعلت لها أحکاماً تختلف عن الملکیة المفرزة وهذه الأحکام نظمت حصص الشرکاء وعلاقة الشرکاء فیما بینهم وکیفیة انتفاعهم بالمال الشائع وکیفیة انهاء الشیوع.
کل هذه الأمور جعلت المهایأة مرتبطة بالقسمة أکثر من ارتباطها بأحکام أخرى، خاصة وأن أکثر القوانین نظمت أحکام المهایأة ضمن الأحکام الخاصة بالقسمة إذ نظمها المشرع العراقی بعد أحکام القسمة من المواد (178-18) من القانون المدنی وکذلک المشرع المصری والسوری والیمنی ومشرع دولة الإمارات العربیة المتحدة.
ثالثاً. من حیث مصادر المهایأة والقسمة:
تتفق المهایأة والقسمة فی أن کلیهما الأصل فی نشأتهما إرادة الشرکاء، لکن إذا تعذر الاتفاق ما بین الشرکاء على المهایأة أو القسمة فیصار الى القضاء، وهذه المیزة أیضاً تتأتى من خصوصیة المال الشائع وتشابک العلاقات ما بین الشرکاء التی تستدعی تدخل القضاء وعدم ترک الأمور التی تتعلق بالانتفاع بالمال الشائع أو انهائه للإرادة المطلقة للشرکاء، خاصةً إذا علمنا أن حصة کل شریک فی المال الشائع تتعلق بکل جزئیة بهذا المال وأن القاعدة التی تحکم الشیوع أن الشریک یعد مالکاً لحصته مالکاً تاماً وبالمقابل یعد أجنبیاً عن حصص الشرکاء الآخرین().
رابعاً. من حیث طبیعة القسمة والمهایأة:
إذا تمت القسمة وانتهت حالة الشیوع واختص کل شریک بجزء مفرز من المال الشائع یوازی حصته، فانه یعد مالکاً ملکیة مفرزة لهذا الجزء، لکن اختلف الفقهاء فی الوقت الذی یعد فیه الشریک مالکاً ملکیة مفرزة، هل من وقت اجراء القسمة ؟ أم أن یعد مالکاً ملکیة مفرزة للجزء الذی آل الیه بالقسمة من تاریخ بدء الشیوع ؟ ان تحدید الوقت الذی یعد فیه الشریک مالکاً ملکیة مفرزة لهذا الجزء مهماً فی معرفة حکم التصرفات التی أجراها الشریک قبل القسمة هل تسقط أم تبقى ؟ کذلک حکم التصرفات للشریک الآخر فی هذا الجزء تسقط أم تبقى؟ وغیرها من الأحکام، بعض القوانین أخذت بالأثر الناقل للقسمة وعدت أن الشریک یعد مالکاً ملکیة مفرزة للجزء الذی آل الیه بالقسمة من تاریخ القسمة وبالتالی لا أثر للتصرفات التی أجراها الشریک قبل ذلک على هذا الجزء، فی حین أخذت قوانین أخرى بالأثر الکاشف للقسمة وعدت أن الشریک یعد مالکاً للجزء الذی آل الیه بالقسمة منذ تاریخ بدء الشیوع وبالتالی فان التصرفات التی أجراها الشریک فی هذا الجزء قبل القسمة تبقى صحیحة ونافذة وبالمقابل تسقط التصرفات التی أجراها الشریک الآخر الذی وقع فی نصیبه جزء غیر الجزء الذی آل للشریک الأول()، إلا أن أکثر القوانین تأخذ بالأثر الکاشف للقسمة().
أما الفقهاء المسلمون فقد عدوا أن القسمة هی إفراز ومبادلة فی آن واحد فهی افراز لأنه تتعین حصة کل شریک فی الجزء الذی آل الیه، ومبادلة حیث یبادل کل شریک حصته فی الجزء الذی آل الى شریکه بحصة الشریک الآخر فی الجزء الذی آل الى هذا الشریک.
وجهة الإفراز تقابل الأثر الکاشف وجهة المبادلة تقابل الأثر الناقل، مع الاعتراف بترجیح جهة الإفراز على المبادلة، والمهایأة التی هی قسمة منافع لها طبیعة قسمة الأعیان نفسها، فمثلاً إذا اتفق الشرکاء على المهایأة فی دار کبیرة فالشریک الذی یسکن الطابق العلوی مثلاً یعد مالکاً لنصف منفعة هذا الطابق، أما النصف الآخر فقد أخذه عوضاً من منفعته فی الطابق الأرضی الذی وقع فی نصیب الشریک الآخر()، حتى وان تقدم أحد الشرکاء بطلب إزالة الشیوع بالقسمة والمهایأة مستمرة فان نفس النتیجة تترتب بالعکس فان المهایأة هنا تأکید للأثر الکاشف والأثر الناقل للقسمة ونلاحظ أن المشرع العراقی رجح جهة الإفراز على جهة المبادلة حیث نصت المادة (175) على "ترجیح جهة الإفراز على جهة المبادلة فی القسمة، فیعتبر کل متقاسم انه کان دائماً مالکاً للحصة التی آلت الیه وأنه لم یملک قط شیئاً من باقی الحصص".
إذاً طبیعة المهایأة تتفق مع طبیعة القسمة وهذا أوضح مثال على أن المهایأة والقسمة هما شیء واحد مع ملاحظة أن الأولى تتعلق بالمنفعة والثانیة تتعلق بالعین نفسها.
وهذا تأکید على أن أحکام عقد الایجار لاتنطبق على المهایأة لأن المبادلة أقرب الى مفهوم عقد الایجار الذی یقتضی مبادلة المنفعة بالأجرة. لذلک ندعو المشرع العراقی الى حذف المادة (179) من القانون المدنی العراقی والمتعلقة بتطبیق أحکام الایجار على المهایأة والاقتداء بما أخذ به القانون الیمنی عندما طبق أحکام القسمة على المهایأة.
الخاتمة :
نعرض فیما یأتی أهم النتائج والتوصیات.
أولاً. النتائج:
1. ان المهایأة هی طریقة لتنظیم الانتفاع بالمال الشائع وذلک بقسمة منافعة بین الشرکاء، إذ قد یتعذر انتفاعهم مجتمعین فیلجأون الى المهایأة، والمهایأة جائزة بین الشرکاء على الشیوع، وجائزة بین المالکین للمنفعة کالمستأجرین، وتجوز أیضاً بالوقف وبین أصحاب حقوق التصرف والمهایأة بین المستأجر والمالک.
2. المهایأة تنشأ بارادة الشرکاء أو قد تنشأ عن طریق القضاء، وتسمى المهایأة الأولى المهایأة الرضائیة والمهایأة الثانیة المهایأة القضائیة.
3. المهایأة الرضائیة عقد بین الشرکاء على الشیوع حسب نص المادة (178) من القانون المدنی العراقی وبذلک لایجوز ابرام عقد مهایأة إذا تصرف أحد الشرکاء بحصته ونقل منفعتها الى المستأجر أو المنتفع أو رهن هذه الحصة رهن حیازة لأنه لایجوز اجراء المهایأة بین هؤلاء والشریک الآخر.
4. یشترط فی محل عقد المهایأة أن یکون معین أو قابل للتعیین وموجود أو ممکن الوجود ومشروعاً بالاضافة الى ان المهایأة ترد على العقار والمنقول ویشترط أن ترد على شیء غیر قابل للاستهلاک ومن الأموال القیمیة.
5. المهایأة القضائیة یلجأ الیها الشرکاء عند طلب أحدهما المهایأة وامتناع الآخر وقد ضیق المشرع العراقی من نطاق المهایأة القضائیة عندما نص فی المادة (18) على أن المهایأة القضائیة ترد على المنقول فقط ویلجأ الیها الشرکاء فی حالة امتناع أحدهم عن اجرائها بشرط أن لایتقدم الشریک الآخر بطلب إزالة الشیوع.
6. تقسم المهایأة الى نوعین حسب طریقة الانتفاع فقد تکون مکانیة إذا اختص کل شریک بمنفعة جزء مفرز من المال الشائع یوازی حصته الشائعة، تکون زمانیة إذا تناوب الشرکاء الانتفاع بالمال الشائع کل منهم لمدة تتناسب مع حصة الشائعة.
7. کیّف قسم من الفقهاء المهایأة بأنها عقد إعارة على اعتبار أن الشریک یعیر لشریکه الآخر حصته للانتفاع. إلا أن هذا الاتجاه لم تأخذ به أکثر القوانین.
8. کیّف قسم آخر المهایأة ایجار لأن کل شریک یعد مؤجراً أو مستأجراً من الشریک الآخر وهذا التکییف أخذ به القانون المدنی العراقی والقوانین المقارنة وهو التکییف الذی لاقى قبولاً أکثر من التکییف السابق.
9. وهناک من کییف المهایأة بأنها قسمة على اعتبار أن الشرکاء یقتسمون منفعة المال الشائع وأن أحکام القسمة النهائیة تنطبق علیها وهذا الاتجاه أخذ به القانون المدنی الیمنی.
التوصیات:
1. تعدیل نص المادة (178) من القانون المدنی العراقی، بحیث لاینحصر حق الاتفاق على المهایأة بین الشرکاء فقط، وإنما من الجائز أن تکون بین الشریک والمستأجر أو المنتفع أو صاحب حق الاستعمال والسکنى والمستعیر إذا کان أحد الشرکاء قد تصرف بحصته لهؤلاء وذلک لعدم تفویت الفرصة بالانتفاع على الشریک الآخر الذی لم یتصرف بحصته أو لم ینتفع بها.
2. تعدیل نص المادة (18) من القانون المدنی العراقی، بحیث یکون تنظیم المهایأة القضائیة بالشکل الآتی:
أ. حصر المهایأة القضائیة بالعقارات دون المنقولات.
ب. یجوز للشرکاء طلب المهایأة القضائیة إذا کانت حصصهم متساویة.
ج. لایمکن اجبار الشریک على المهایأة إذا کان هناک أغلبیة تدیر المال الشائع.
3. الغاء مدة الخمس سنوات کحد أقصى للمهایأة المکانیة والمنصوص علیه فی (الفقرة 1) من المادة (178) من القانون المدنی العراقی وترک تحدید المدة لإرادة الشرکاء کما ورد فی نص (الفقرة 2) من نفس المادة الخاصة بالمهایأة الزمانیة.
4. الغاء نص المادة (179) من القانون المدنی العراقی والتی تنص على اخضاع المهایأة لأحکام عقد الایجار، لوجود تعارض بین طبیعة المهایأة وعقد الایجار، وإخضاع المهایأة لأحکام القسمة کما فعل المشرع فی القانون المدنی الیمنی.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Firstly. Jurisprudence and legal sources:
1. Ibraheem Ben Ali Al-Shirazi, Al-Mahhub, 2, Dar Al-Fikr, Beirut.
2. Ibn Hajar al-Haythami, Grand Jurisprudence Fatwas, c3, Dar al-Fikr, Beirut.
3. Ibn Qudaamah al-Maqdisi, al-Mughni, 10, 1, Dar al-Fikr, Beirut, 1405 AH.
4. Abu al-Hasan Ali al-Margheani, al-Hidayah Explanation of the beginning, c. 4, Islamic library.
5. Ahmed bin Mohammed bin Ali al-Fayoumi, the light bulb, Dar al-Hadith, Cairo, 2002, p. 383.
6. Ahmad Abd al-Halim ibn Taymiyyah al-Harani, Books, Letters and Fatwas of Ibn Taymiyah in fiqh, c 35, i 2, Ibn Taymiyyah library.
7. Dr. Tawfiq Hassan Faraj, Lease Contract, University House for Printing and Publishing, Beirut, 1984.
8. Dr. Jafar al-Fadhli, Al-Hafiz in the so-called contracts, I 2, Ministry of Higher Education and Scientific Research, 2005.
9. Dr. Hassan Ali Al-Dinon, Original Rights in Kind, Al-Aabah Printing & Publishing Co., Baghdad, 1954.
10. Zakaria Bin Mohammed Al-Ansari, Fatah Al-Wahhab, 1, 1, Dar Al-Kuttab Al-Alami, Beirut.
11. Shaker Nasser Haidar, The Mediator in Explaining the New Civil Law, Original Rights in the Original, Al Ma'arif Press, Baghdad, 1959.
12. Shams al-Din al-Sarkhisi, Al-Mabsout, C2, Dar al-Maarifah, Beirut.
13. Abdel-Hamid Al-Sherwani, Hawashi Al-Sharwani on the masterpiece of the need for explanation of the curriculum, C5, Dar al-Fikr, Beirut.
14. Dr. Abdul Razzaq Al-Sanhoury, Al-Waseet in Explaining Civil Law, Volume 2, C6, Translation and Publication Committee, Cairo, 1963.
15. Dr. Abdul Majid al-Hakim, summarized in Civil Law, c1, sources of commitment, i 5, Nadim Press, Baghdad.
16. Dr. Abdel Moneim Farag Al-Sada, Original Rights in Origin, Dar al-Nahda al-Arabiya, Beirut, 1982.
17. Alaa al-Din al-Kasani, Bada'id al-Sanayeh in the Order of the Laws, C4, I 2, Dar al-Kitab al-Arabi, Beirut, 1982.
18. Ali bin Sulaiman al-Mardawi, the fairness in the knowledge of the most correct of the dispute on the doctrine of Imam Ahmad bin Hanbal, c 6, the investigation of Mohammed Hamid al-Faqqi, the House of Revival of the Arab heritage, Beirut.
19. Ali bin Mohammed bin Ali al-Jarjani, Tarifiyat, 1, Dar al-Ma'arefah, Beirut, Lebanon, 2007.
20. Ali Haidar, Rulers of the Rulers Explanation of the Journal of Judgments, C3, Library of Renaissance, Beirut, Lebanon.
21. Dr. Ali Hadi Al-Obeidi, Rights in Kind, Dar Al-Thaqafa Library, Amman, Jordan, 1999.
22. Mohammed bin Abdul-Rahman Al-Maghrabi, talents of the Galilee to explain Khalil Khalil, C 5, I 2, Dar al-Fikr, Beirut, 1398 e.
23. Mohammed bin Muflih al-Maqdisi, Branches, C6, I 1, Dar al-Ketub al-Sulti, Beirut, 1418 e.
24. Mohammad Al-Khatib Al-Sherbini, singer in need of knowledge of the curriculum, C2, Dar Al-Fikr, Beirut.
25. Mohammed Al-Zuhri Al-Ghamrawi, Al-Sahraj Al-Wahaj on the Curriculum, C1, Dar Al-Ma'arafa for Printing and Publishing, Beirut.
26. Mohamed Taha Al-Bashir, Al-Waqeez in the Dependent Rights in Kind, Al-Ani Press, Baghdad, 1968.
27. Mohamed Taha Al-Bashir, d. Ghani Hassoun Taha, Rights in Kind, C2, Ministry of Higher Education and Scientific Research, Baghdad University, Faculty of Law, 1982.
28. Mohammed Alish, Grants of the Galilee, C7, Dar al-Fikr, Beirut, 1989.
29. Mohammed Kamel Morsi, Explanation of the New Civil Law, Original Rights in Original, C2, International Press, Cairo, 1949.
30. Mansour Bin Younis Bin Idris Al-Bahouti, Al-Rawd Al-Murabah, Sharh Zad Al-Muntaqah, C2, Riyadh Modern Library, Riyadh, 1390 AH.
31, Scouts of the mask, C 6, Dar al-Fikr, Beirut, 1402 e.
32. The Fiqh Encyclopedia, Ministry of Awqaf and Islamic Affairs, C39, I 2, Kuwait, 2005.
Second. Laws:
1. The Egyptian Civil Law No. 131 of 1948.
2. The Syrian Civil Code No. 84 of 1949.
3. The Iraqi Civil Code No. 40 of 1951.
4. Civil Transactions Law of the United Arab Emirates No. 5 of 1985.
5. Yemeni Civil Law No. (19) for the year 1992.