الملخص
بذلت فی سبیل توحید القواعد الموضوعیة لعقد البیع الدولی جهوداً کبیرة من قبل المنظمات الحکومیة وغیر الحکومیة المهتمة بتطویر التجارة الدولیة، وأسفرت هذه الجهود عن إقرار اتفاقیة فیینا 1980م للبیع الدولی للبضائع، ومن ضمن نصوص الاتفاقیة کان النص على تحدید مجال تطبیقها الدولی، فهی تنطبق على البیوع الدولیة دون الداخلیة، وحددت الاتفاقیة معیار دولیتها
الموضوعات
أصل المقالة
القانون الواجب التطبیق على عقد البیع الدولی وفقاً لاتفاقیة فیینا لعام 1980
The law applicable to the international sale contract in accordance with the 1980 Vienna Convention
خلیل إبراهیم محمد کلیة القانون/ جامعة الموصل Khalil Ibrahim Mohammad College of law / University of Mosul Correspondence: Khalil Ibrahim Mohammad E-mail: |
(*) أستلم فی 5/8/2007 *** قبل للنشر فی 2/10/2007 .
(*) Received on 5/8/2007 *** accepted for publishing on 2/10/2007.
Doi: 10.33899/alaw.2008.160543
© Authors, 2008, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المقدمة :
بذلت فی سبیل توحید القواعد الموضوعیة لعقد البیع الدولی جهوداً کبیرة من قبل المنظمات الحکومیة وغیر الحکومیة المهتمة بتطویر التجارة الدولیة، وأسفرت هذه الجهود عن إقرار اتفاقیة فیینا 1980م للبیع الدولی للبضائع، ومن ضمن نصوص الاتفاقیة کان النص على تحدید مجال تطبیقها الدولی، فهی تنطبق على البیوع الدولیة دون الداخلیة، وحددت الاتفاقیة معیار دولیتها.
وکان الهدف من هذه الاتفاقیة إیجاد قواعد موضوعیة موحدة تنطبق على عقد البیع الدولی، دون حاجة إلى إعمال قواعد تنازع القوانین، لان هذه القواعد الأخیرة حسب ما ذهب إلیه الفقه لا تلائم معاملات التجارة الدولیة، لأنها تؤدی إلى تطبیق القوانین الوطنیة فی اغلب الأحیان، بل إن الکثیر من الفقهاء من تحدث عن أفول نجم قواعد التنازع، وتحدث عن وجود أزمة فی مناهج تنازع القوانین.
وعلى الرغم من أن هدف الاتفاقیة إقرار قواعد موضوعیة أو مادیة مباشرة تنطبق على عقد البیع الدولی، وتتجنب اللجوء إلى قواعد تنازع القوانین، إلا أن السؤال الذی یرد هنا: هل أن الاتفاقیة اکتفت بالقواعد الموضوعیة التی قررتها لتنطبق على عقد البیع الدولی؟ وهل استغنت عن قواعد تنازع القوانین؟ أم أن قواعد تنازع القوانین بقى لها الدور الفاعل فی البحث عن القانون الواجب التطبیق فی نطاق الاتفاقیة؟.
سنحاول من خلال هذا البحث الإجابة عن هذه التساؤلات، وبیان العلاقة بین الاتفاقیة کونها تمثل منهجاً موضوعیاً، وبین قواعد تنازع القوانین.
وللإحاطة بموضوع هذا البحث کان لابد من الإشارة إلى الجهود التی بذلت فی سبیل توحید القواعد الموضوعیة لعقد البیع الدولی، ومن ثم بیان نطاق تطبیقها الدولی لنبین من خلاله القانون الواجب التطبیق على عقد البیع الدولی، ثم نحاول بیان العلاقة بین هذه الاتفاقیة وقواعد تنازع القوانین وذلک فی مبحثین، على النحو الآتی:
المبحث الأول: توحید القواعد الموضوعیة للاتفاقیة ونطاق تطبیقها الدولی.
المبحث الثانی: علاقة الاتفاقیة بقواعد تنازع القوانین.
المبحث الأول
توحید القواعد الموضوعیة للاتفاقیة ونطاق تطبیقها الدولی
على الرغم من صعوبة توحید قانون التجارة الدولیة، إلا أن بعض المنظمات الدولیة، سواء أکانت حکومیة، أم غیر حکومیة، قد اتجهت منذ زمن بعید إلى اتخاذ خطوات واسعة نحو تحقیق هذا الهدف، والعمل على توحید القواعد التی تحکم المعاملات التجاریة الدولیة بهدف تنمیة التعامل التجاری بین الدول، وحمایة أطراف المعاملات التجاریة من المخاطر التی تنجم عن تطبیق القوانین الوطنیة المختلفة التی یجهلون أحکامها، ولقد اتجهت الجهود إلى توحید القواعد الموضوعیة لعقود البیع الدولی للبضائع. وبعد توحید القواعد الموضوعیة للاتفاقیة فإنها حددت نطاق تطبیقها الدولی. علیه سنقسم هذا المبحث على مطلبین الأول لتوحید القواعد الموضوعیة لعقود البیع الدولی للبضائع، والثانی لنطاق تطبیق اتفاقیة فیینا الدولی.
المطلب الأول
توحید القواعد الموضوعیة لعقود البیع الدولی للبضائع
تولى المعهد الدولی لتوحید القانون الخاص بروما UNIDROIT العمل علی توحید القواعد الموضوعیة لعقود البیع الدولی للبضائع، وعقد المؤتمر فی مدینة لاهای فی الفترة من (1-10 تشرین الثانی 1951م) وذلک لإعادة النظر فی مشروع القانون الموحد للبیع الدولی ووضع الأسس التی یقوم علیها مشروع الاتفاقیة، وانتهت اللجنة من عملها فی سنة 1956م، وقدمت تقریراً تم نشره مع المشروع الذی أعدته وأرسلت الحکومة الهولندیة المشروع مرفقاً به تقریر اللجنة إلى الدول المختلفة وغرفة التجارة الدولیة، وقام المعهد بإعداد مشروع اتفاقیة أخرى، فی شأن تکوین عقد البیع الدولی للبضائع خلال فترة استطلاع الرأی، وتم إرساله إلى حکومات الدول المختلفة لاستطلاع الرأی، ثم عقدت اللجنة آخر اجتماع لها سنة 1962م لدراسة المقترحات والملاحظات التی وردت إلیها، وأدخلت التعدیلات اللازمة فی ضوء ما ورد إلیها من مقترحات، وعقد مؤتمر دبلوماسی آخر بمدینة لاهای برعایة الحکومة الهولندیة فی نیسان 1964م شارکت فیه (٢٨) دولة لمناقشة المشروعین، أسفر المؤتمر عن إبرام اتفاقیتین دولیتین هما:
*اتفاقیة لاهای بشأن تکوین عقد البیع الدولی للبضائع.
*اتفاقیة لاهای بشأن القانون الموحد للبیع الدولی للبضائع التی تتعلق بآثار عقد البیع الدولی
وبدأ سریان أحکام الاتفاقیتین فی عام 1972م بعد التصدیق علیهما من خمس دول اغلبها أوربیة. وتعد الاتفاقیة الأولى قانوناً موحداً لتکوین عقد البیع الدولی للبضائع، والثانیة قانوناً موحداً للبیوع الدولیة، ویهدف القانون الموحد للبیوع الدولیة إلى توحید القواعد الموضوعیة لهذه البیوع، وفضلاً عن قواعده العامة، فإن هذا القانون ینقسم على أقسام أربعة، التزامات المشترى، والتزامات البائع، ونصوص مشترکة تعالج التزامات کل من البائع والمشترى، وانتقال المخاطر، والقانون الأول الخاص بتکوین العقد، یعد مکملاً للثانی، وعلى الرغم من وصفه بأنه یتعلق بتکوین عقد البیع، فإنه لا یتناول کل أرکان العقد وإنما یعالج رکن الرضا ناقصاً، ویتکلم عن الإیجاب والقبول ولم یتعرض لعیوب الرضا، ولعل السبب فی ذلک یرجع إلى صعوبة التوحید فی المسائل الأخرى المتعلقة بتکوین العقد مثل أهلیة المتعاقدین وعدم مشروعیة المحل والسبب والغلط والإکراه والتدلیس، فکلها أمور تتفاوت من دولة إلى أخرى تبعاً لتفاوت المعاییر الأخلاقیة والاجتماعیة.
وعلى الرغم من الجهود التی بذلت لتوحید القواعد التی تحکم عقود البیع الدولی للبضائع، والتی أسفرت عن إبرام اتفاقیتی لاهای 1964م، إلا أن هذه الجهود لم تحقق التوحید المنشود لإحجام غالبیة الدول عن الانضمام إلیهما، ویرجع السبب الرئیس فی ذلک إلى عدم اشتراک غالبیة الدول فی إعداد الاتفاقیتین وصیاغتهما، فلم یشارک سوى عدد محدد من الدول معظمها دول أوروبیة، لذلک ساد الاعتقاد لدى غالبیة الدول، وخاصة الدول النامیة والدول الاشتراکیة، بأن نصوص اتفاقیتی لاهای، لا تحترم سوى مصالح الدول الغربیة.
وبذلت هیئة الأمم المتحدة نشاطاً واسع النطاق من أجل وجود تنظیم فعال لتوحید قانون التجارة الدولیة، ولقد أسفرت هذه الجهود عن إنشاء لجنة جدیدة تسمى لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولیة (UNCITRAL)، واجتمعت الجمعیة العامة للأمم المتحدة، وأصدرت قراراً فی ٧ کانون الأول 1966م بإنشاء هذه اللجنة التی عرفت باسم الاونسترال وعقدت لجنة الاونسترال أول اجتماع لها فی عام 1968م، لوضع خطة عملها فی السنوات المقبلة، ووقع اختیارها على عدة موضوعات لدراستها والعمل على توحید أحکامها، وتصدر البیع الدولی للبضائع قائمة الموضوعات التی أعطتها اللجنة أولویة خاصة فی عملها، وقامت اللجنة باستطلاع رأی الحکومات فی الخطة التی یجب أن یتبعها فی شأن اتفاقیتی لاهای 1964م، هل یحتفظ بهما ویکتفی بالتوصیة بالانضمام إلیهما، أم ینبغی عمل اتفاقیة جدیدة یقرها مؤتمر دبلوماسی تدعوا إلیه الأمم المتحدة، وجاءت الردود تؤید عمل اتفاقیة جدیدة.
لذلک فقد أنشأ الاونسترال مجموعة عمل تتکون من مندوبی (14) دولة، برئاسة الأستاذ المکسیکی Jorge Berrera Graf، تمثل الاتجاهات والمذاهب السیاسیة والاقتصادیة والقانونیة المختلفة، لإعداد نصوص اتفاقیة جدیدة تحل محل اتفاقیتی لاهای 1964م، واستغرقت اجتماعات مجموعة العمل تسع دورات سنویة أتمت فیها إعداد مشروعی اتفاقیتین، ففی سنة 1976م أتمت مجموعة العمل وضع مشروع اتفاقیة لتحل محل اتفاقیة لاهای 1964م بشأن البیع الدولی للبضائع (ULIS)، وفى سنة 1978 أتمت وضع مشروع اتفاقیة أخرى لتحل محل اتفاقیة لاهای 1964م بشأن تکوین عقد البیع الدولی للبضائع (ULF)، وفى حزیران 1978م عرض المشروعان على لجنة الاونسترال فوافقت علیهما ولکنها قررت ضمهما معاً فی مشروع واحد لاتفاقیة دولیة، وتناول هذا المشروع فی الجزء الثانی منه تکوین العقد، وتناول فی الجزء الثالث حقوق والتزامات کل من البائع والمشترى، وقد عرض المشروع بعد ذلک على الجمعیة العامة للأمم المتحدة فوافقت علیه وقررت عقد مؤتمر دبلوماسی لإقراره، وعقد المؤتمر الدبلوماسی فی الفترة من 10 آذار إلى 11 نیسان 1980م، ووافقت الدول التی اشترکت فی هذا المؤتمر على اتفاقیة الأمم المتحدة بشأن عقود البیع الدولی للبضائع بعد إدخال بعض التعدیلات على المشروع (اتفاقیة فیینا 1980)، وعرضت الاتفاقیة للتوقیع علیها من الدول فی الجلسة الختامیة للمؤتمر فی 11 نیسان 1980م وظلت معروضة للتوقیع فی مقر الأمم المتحدة بنیویورک حتى 30 کانون الأول 1981م، وبدأ العمل بالاتفاقیة اعتباراً من أول کانون الثانی 1988م، وهو الیوم الأول من الشهر التالی لانقضاء اثنی عشر شهراً على تاریخ إیداع الوثیقة العاشرة من وثائق التصدیق أو القبول أو الإقرار أو الانضمام للاتفاقیة، تطبیقا لحکم المادة (99/1) منها. وسمیت باتفاقیة الأمم المتحدة بشأن عقد البیع الدولی للبضائع، ویطلق علیها عرفاً، اسم اتفاقیة (فیینا 1980)، وتلعب اتفاقیة فیینا 1980م دوراً کبیراً فی المجال التجاری الدولی الحدیث نظراً لنمو التجارة الدولیة وتعدد مجالاتها، وأصبح توحید القانون هو العامل الأساس على المستوى الدولی، وأعدت هذه الاتفاقیة لتفی احتیاجات التجارة الدولیة.
وعلى النقیض من اتفاقیتی لاهای 1964م التی لم یشترک فی وضعهما سوى عدد قلیل من الدول مما أدى إلى إحجام غالبیة الدول عن الانضمام إلیهما، فقد اشترک عدد کبیر من الدول فی إعداد وصیاغة نصوص اتفاقیة الأمم المتحدة بشأن عقود البیع الدولی للبضائع، وهذه الدول تمثل مختلف المذاهب السیاسیة والاقتصادیة والقانونیة السائدة فی العالم، وقد کان لذلک أثره فی قبول الاتفاقیة وانضمام عدد کبیر من الدول إلیها بخطى سریعة.
ومن الجدیر بالذکر أن العراق کان من الدول التی شارکت فی الاجتماعات التی أسفرت عن توقیع الاتفاقیة، ووقع على الاتفاقیة إلا أن المشرع العراقی لم یصدر قانوناً بنفاذ هذه الاتفاقیة لحد الآن، ونرى من الضروری صدور قانون بنفاذ هذه الاتفاقیة فی العراق.
المطلب الثانی
نطاق تطبیق اتفاقیة فینا الدولی
حددت اتفاقیة فیینا للبیع الدولی للبضائع نطاق تطبیقها الدولی فی حالة اختلاف مرکز عمل الأطراف عندما یکون فی دول متعاقدة، فهی تنطبق على عقود بیع البضائع المعقودة بین أطراف توجد أماکن عملهم فی دول متعاقدة، وقد تتعدد مراکز أعمال الأطراف، کما قد تنعدم، وعلیه سنقسم هذا المبحث على الفروع الآتیة:
الفرع الأول
وجود مرکز أعمال الطرفین فی دول مختلفة
یقصد بالبیع الدولی للبضائع على وفق اتفاقیة فیینا، وعلى ما أفصحت عنه المادة من الاتفاقیة، عقود بیع البضائع المعقودة بین أطراف توجد أماکن عملهم فی دول مختلفة، فالعبرة فیه إذن باختلاف آماکن العمل بین المتبایعین (البائع والمشتری) ووجود هذه الأماکن فی دول مختلفة، ولا أهمیة بعد ذلک لجنسیة الأطراف، فیعد بیعاً دولیاً مثلاً فی حکم هذه الاتفاقیة الصفقة بین بائع عراقی مقر عمله فی مصر ومشتری عراقی مقر عمله فی سوریا، بافتراض توفر الشروط الأخرى، فمع اتحاد البائع والمشتری فی الجنسیة تکون الصفقة بینهما عقداً دولیاً، کذلک لا أهمیة للصفة المدنیة والتجاریة لهم أو للعقد المبرم بینهم، حسب المادة (1/3) من الاتفاقیة. فنصت المادة من اتفاقیة البیع الدولی للبضائع على أن (تطبق أحکام هذه الاتفاقیة على عقود بیع البضائع المعقودة بین أطراف توجد أماکن عملهم فی دول مختلفة:
(أ) عندما تکون هذه الدول دولاً متعاقدة؛ أو
(ب) عندما تؤدى قواعد القانون الدولی الخاص إلى تطبیق قانون دولة متعاقدة.
کما نصت المادة (1/2) من الاتفاقیة على أن (لا یلتفت إلى کون أماکن عمل الأطراف توجد فی دول مختلفة إذا لم یتبین ذلک من العقد أو من أی معاملات سابقة بین الأطراف، أو من المعلومات التی أدلى بها الأطراف قبل انعقاد العقد أو فی وقت انعقاده)، ونصت الفقرة من المادة على أن (لا تؤخذ فی الاعتبار جنسیة الأطراف ولا الصفة المدنیة أو التجاریة للأطراف أو للعقد فی تحدید تطبیق هذه الاتفاقیة).
وتبین هذه المادة القواعد العامة لتحدید ما إذا کانت هذه الاتفاقیة تنطبق على عقد بیع البضائع وعلى تکوینه، فتضع المادة (1/1) من الاتفاقیة المعیار الأساسی، لانطباقها على عقد بیع البضائع، وعلى تکوینه، وهو أن توجد أماکن عمل الأطراف فی دول مختلفة، ولا تعنى هذه الاتفاقیة بالقانون الذی ینظم عقود البیع أو تکوینها إذا کانت أماکن عمل الأطراف توجد فی دولة واحدة، فهذه المسائل ینظمها القانون الداخلی لتلک الدولة عادة. وأضافت الفقرتان الفرعیتان (1/1/أوب) معاییر إضافیة، فعلى الرغم من أن أماکن عمل الأطراف قد تکون موجودة فی دول مختلفة، فان هذه الاتفاقیة لا تطبق إلا فی الحالتین الآتیتین:
1. إذا کانت الدول التی توجد بها أماکن عمل الأطراف دولا متعاقدة؛ أو
2. إذا کانت قواعد القانون الدولی الخاص تؤدى إلى تطبیق قانون دولة متعاقدة.
ویتبین من هذا النص انه لا یکفی لتطبیق أحکام الاتفاقیة، مجرد کون المتبایعین ممن توجد أماکن عملهما فی دول مختلفة، وإنما یلزم فضلاً عن ذلک احد أمرین: أما أن تکون دولتا مکانی عمل المتبایعین من الدول المتعاقدة "أی التی وقعت على الاتفاقیة أو انضمت إلیها"، أو أن تؤدی قواعد الإسناد فی القانون الدولی الخاص للدولة التی رفع فیها النزاع إلى تعیین قانون دولة متعاقدة للتطبیق على هذا النزاع، فیطبق القاضی الذی ینظر هذا النزاع أحکام الاتفاقیة مکان القانون الذی عینته قاعدة الإسناد، حتى لو کان مکان عمل احد المتبایعین أو حتى مکان عمل کل منهما فی دولة أو فی دول غیر متعاقدة.
فلو فرضنا على سبیل المثال أن عراقیاً مقر عمله فی العراق، ابرم أثناء تواجده فی القاهرة، صفقة بیع مع مشتری سعودی مقر عمله فی مانیلا، ولما لم ینفذ البائع التزاماته فی هذه الصفقة، رفع المشتری الدعوى علیه أمام القضاء العراقی، عندئذ فان اتفاقیة فیینا هی التی ستحکم هذا النزاع حتى بافتراض أن کلاً من العراق والفلبین والسعودیة من الدول غیر المتعاقدة "أو المنضمة للاتفاقیة"، لان أحکام الاتفاقیة تطبق صراحة على وفق المادة (1/ب) التی نصت على أن تطبق الاتفاقیة (عندما تؤدی قواعد القانون الدولی الخاص إلى تطبیق قانون دولة متعاقدة)، وقواعد القانون الدولی الخاص فی العراق "وهی المرفوع أمام محاکمها النزاع" تؤدی إلى تطبیق القانون المصری بحسبان أن مصر هی الدولة التی أبرمت فیها الصفقة، ومصر من الدول المتعاقدة، الطرف فی الاتفاقیة، إذ تقضی المادة (25/1) من القانون المدنی العراقی رقم (40) لسنة 1951 بأنه (یسری على الالتزامات التعاقدیة قانون الدولة التی یوجد فیها الموطن المشترک للمتعاقدین إذا اتحدا موطناً. فإذا اختلفا یسرى قانون الدولة التی تم فیها العقد. هذا ما لم یتفق المتعاقدان أو یتبین من الظروف أن قانوناً آخر یراد تطبیقه).
فإذا کانت الدولتان اللتان یوجد بهما مکانی عمل الطرفین دولتین متعاقدتین، تنطبق هذه الاتفاقیة حتى وان کانت قواعد القانون الدولی الخاص للهیئة القضائیة تؤدى عادة إلى تطبیق قانون بلد ثالث، مثل قانون الدولة التی أبرم فیها العقد، ولا یمکن الحیلولة دون ذلک إلا إذا أقیمت الدعوى فی دولة ثالثة غیر متعاقدة، وکانت قواعد القانون الدولی الخاص لتلک الدولة تؤدى إلى تطبیق قانون الهیئة القضائیة على العقد، أی قانونها، أو قانون دولة رابعة غیر متعاقدة.
وإذا کان مکان عمل أحد طرفی العقد أو کلیهما فی دولة لیست متعاقدة، تنطبق الاتفاقیة إذا کانت قواعد القانون الدولی الخاص للهیئة القضائیة تؤدى إلى تطبیق قانون دولة متعاقدة، وثمة تطبیق آخر لهذا المبدأ وهو أنه إذا کان الطرفان الآتیان من دولتین مختلفتین قد سمیا قانون دولة متعاقدة قانوناً للعقد، تنطبق هذه الاتفاقیة حتى ولو لم یذکر الطرفان الاتفاقیة بالتحدید.
ولتوضیح معیار انطباق الاتفاقیة على وفق الفقرة من المادة یضرب الفقه الأمثلة الآتیة:
1. یقع البیع بین مشتری مکان عمله بالقاهرة (مصر دولة متعاقدة) وبائع مکان عمله بروما (ایطالیا دولة متعاقدة) تطبق هنا الاتفاقیة دون اعتبار لأحکام القانون الدولی الخاص أی ولو قضت هذه القواعد إعمال قانون آخر، فلو ابرم البیع فی الیونان (دولة غیر متعاقدة) وأقیمت الدعوى فی مصر (متعاقدة) فان الاتفاقیة واجبة التطبیق ولو أن قواعد القانون الدولی الخاص تقضی بتطبیق قانون آخر هو قانون محل إبرام العقد وهنا الیونان.
2. یبرم البیع فی مصر (دولة متعاقدة) بین بائع فیها مکان عمله ومشتری یونانی عمله فی الیونان (غیر متعاقدة) وتقام الدعوى فی مصر فأی قانون یطبق بموجب قواعد التنازع فی القانون الدولی الخاص؟ الجواب هو قانون إبرام العقد ولکن أهی أحکام البیع الواردة فی القانون المصری أم اتفاقیة فیینا؟ الجواب اتفاقیة فیینا.
3. یوجد مکان عمل البائع والمشتری فی دولتین غیر متعاقدتین فمکان عمل البائع فی الیونان ومکان عمل المشتری فی لبنان ویتفق الطرفان على اختصاص القضاء المصری والقانون المصری فأی أحکام یطبق القاضی المصری هنا؟ یطبق الاتفاقیة.
4. إبرام البیع فی مصر واتفق الطرفان على اختصاص المحاکم القبرصیة والقانون القبرصی (قبرص غیر متعاقدة) وکانت قاعدة التنازع القبرصی تقضی بتطبیق قانون إبرام العقد وهنا هو القانون المصری فالقاضی القبرصی سیطبق أحکام الاتفاقیة لان مصر دولة متعاقدة.
ومن تطبیقات القضاء التی طبقت أحکام الاتفاقیة لوجود مرکز أعمال الطرفین فی دول متعاقدة قرار لأحد المحاکم السویسریة جاء فیه "رفع الشاکی، وهو ایطالی بائع أثاث، دعوى ضد المدعى علیه، وهو مشتری سویسری، مطالباً بثمن الشراء. وکانت المسألة التی یتعین على المحکمة تسویتها هی ما إن کان لها اختصاص وما إن کانت اتفاقیة البیع تنطبق. وأکدت المحکمة انطباق اتفاقیة البیع، حیث قررت أن مکان عمل کل من الطرفین یوجد فی دولة متعاقدة مختلفة (م1/1/أ من اتفاقیة البیع). وقررت المحکمة کذلک أن اتفاقیة البیع تنطبق مستقلة ولیس بصفة القانون المحلى للدولة التی تحددها قواعد اختیار القانون المعمول بها فی المحکمة. ونتیجة لذلک، قررت المحکمة أن لها اختصاص".
وجاء فی قرار محکمة استئناف غرینوبل الفرنسیة "أبرمت شرکة کائنة فی إیطالیا فی عام 1989 عقد تعاون تجاری مع شخص طبیعی مقیم فی فرنسا. وعلى هذا النحو أصبح هذا الشخص هو الوکیل والمستورد الوحید للحلوى التی تصدرها الشرکة الإیطالیة. وبعد ذلک بعام فسخت الشرکة الإیطالیة عقد التعاون ولذلک نشأ النزاع. أعلنت محکمة الاستئناف أن عقد التعاون التجاری یتعلق من ناحیة بالبیع ومن ناحیة أخرى بمسألة الوکالة، وأن اتفاقیة الأمم المتحدة بشأن عقود البیع تنطبق على الجزء المتعلق بحق البیع لأنه قد أبرم بین بائع ومشتری موجودین فی إیطالیا وفرنسا، وهما من الدول الأطراف فی اتفاقیة الأمم المتحدة بشأن عقود البیع ( م1/1/أ من الاتفاقیة)". وفی قرار آخر للمحکمة نفسها جاء فی حیثیاته "ابرم بائع فرنسی ومشتری اسبانی عدة عقود بیع ذرة. وسلمت کل الشحنات لکن المشتری لم یدفع کل السعر. ورفع البائع دعوى على المشتری أمام محکمة فرنسیة للمطالبة بدفع الثمن وفوائد. وفى أول درجة حکمت محکمة غرینوبل الجزئیة على المشتری، دون تطبیق اتفاقیة الأمم المتحدة بشأن عقود البیع، بدفع کل الثمن على أساس أنه لیس للبائع الحق فی فوائد. واستأنف المشتری الحکم بالطعن فی اختصاص المحکمة الفرنسیة، وطلب خفض الثمن على أساس اتفاق منبثق عن اجتماع عقده الطرفان بعد إبرام العقد. رأت محکمة الاستئناف أن اتفاقیة الأمم المتحدة تنطبق على هذه القضیة، لأنها تتعلق بعقد بیع دولی لبضائع مبرم بین متعاقدین مقیمین فی دولتین من الدول الأطراف فی اتفاقیة الأمم المتحدة….".
وجاء فی قرار لمحکمة Oberlandesgericht Celleالألمانیة "أبرم المدعی، وهو رجل أعمال مصری، والمدعى علیه، وهو شرکة ألمانیة تتاجر فی آلات الطباعة المستعملة، عقداً شفهیاً لبیع تسع آلات طباعة مستعملة تشحن إلى مصر. واتفق الطرفان على أن ترسل شحنتان تشمل الأولى ست آلات وتشمل الثانیة ثلاث آلات. ووفقا للعقد، کان على المدعی أن یدفع جزءاً ضخماً من الثمن قبل إرسال الشحنة الأولى، وقد فعل ذلک. غیر أن الشحنة الأولى لم تشمل سوى ثلاث آلات. وبعد أن طالب المدعی مراراً بشحن الآلات التی لم ترسل، أعلن المدعی أنه لم یعد بحاجة إلى ثلاثة من الآلات التی لم یتسلمها بعد. ورد المدعى علیه على ذلک بقوله: (إننا نأسف لعدم إمکاننا إرسال الآلات التی نحتفظ بها رهن تصرفکم .. ) وفیما یتعلق بالآلات الثلاث الأخیرة، حدد المدعی فترة نهائیة طولها أسبوعان للتسلیم. ولم یسلم المدعى علیه الآلات فی غضون تلک الفترة ولکنه عرض، بعد فترة وجیزة من ذلک، أن یشحنها مقابل دفع ثمنها مقدما. ورفض المدعی ذلک وأعلن أنه، بعد مضى سبعة أسابیع على تحدید مهلة إضافیة للتسلیم، یفسخ العقد فیما یتعلق بالآلات التی لم تسلم. وطالب المدعی بتعویض عن خسائره وبرد الفرق بین ثمن الآلات التی سلمت وبین المبلغ الذی دفع مقدما. ووجدت المحکمة أن اتفاقیة البیع تنطبق نظراً لأن مقری عمل الطرفین یقعان فی دولتین مختلفتین من الدول الأطراف فی اتفاقیة البیع ( م1/1/أ من اتفاقیة البیع)، ولأن عقد البیع أبرم بعد دخول اتفاقیة البیع حیز النفاذ بالنسبة لهاتین الدولتین (م 100/2 من اتفاقیة البیع)، ولأن تطبیق الاتفاقیة المذکورة لم یکن مستبعداً ولم یشأ أی من الطرفین بعد ذلک اختیار قانون محدد لتطبیقه".
ومن تطبیقات القضاء التی أدت فیها قواعد القانون الدولی الخاص إلى تطبیق الاتفاقیة، نذکر قرار لمحکمة Oberlandesgericht Frankfurt الألمانیة "وقد طبقت المحکمة اتفاقیة الأمم المتحدة للبیع معتبرة أنها تشکل القانون الإیطالی ذات الصلة عملاً بالقانون الدولی الخاص النافذ فی ألمانیا وعدت أن الاتفاق المذکور آنفا یشکل عقد بیع على وفق المادة (3/1) من الاتفاقیة". وجاء فی قرار لمحکمةLandgericht München الألمانیة "فی عام 1988، وقع تاجر أزیاء ألمانی، یبیع بالتجزئة، عقداً مع صانع ملبوسات إیطالی لبیع أزیاء مختلفة. ثم رفض المشتری تسدید الثمن، مدعیاً بأنه أخطر البائع، فی غضون ثمانیة أیام بعد التسلیم وأثنى عشر یوماً بعد تسلیم الدفعة الثانیة، بـرداءة صنع وعدم ملائمة البضاعة. واستناداً إلى القانون الدولی الخاص النافذ فی ألمانیا، طبقت المحکمة الاتفاقیة معتبرة أنها تشکل القانون الإیطالی الذی کان نافذاً عند إبرام العقد. وقررت المحکمة أن المشتری فقد الحق فی الاستناد إلى عدم مطابقة البضاعة للمواصفات لأن الإخطارات، حتى لو کانت قد أرسلت کما ادعى، لم تحدد بدقة عیب البضاعة".
کما جاء فی قرار محکمة الاستئناف فی باریس انه "أبرم البائع الفرنسی، فی تشرین الأول 1993، عقد بیع تماثیل عرض أزیاء مع مشتری انکلیزی. وفى ظهر الفاتورة الموجهة إلى المشتری وردت شروط البیع العامة لدى البائع، متضمنة بنداً بشأن إسناد الاختصاص القضائی لصالح محاکم باریس. وقد ادعى البائع على المشتری أمام المحکمة التجاریة فی باریس بشأن تسویة فاتورة لم یدفع حسابها. فأبدى المشتری دفعاً بعدم الاختصاص لصالح المحکمة العلیا فی لندن. فرفع البائع دعوى نقض أمام محکمة الاستئناف فی باریس، التی أصدرت حکماً یؤید اختصاص المحکمة التجاریة فی باریس بشأن القضیة. وفى حالة تلک الدعوى، کان القانون الواجب تطبیقه هو القانون الفرنسی، الذی یحیل بدوره إلى اتفاقیة البیع... ". وفی قرار آخر جاء فیه "فی سیاق علاقات تجاریة تقضی بتسلیم البضائع على مراحل، اشترى رجل أعمال أسبانی مواد تشیید من شرکة فرنسیة. وعلیه تسلم، فی الفترة من کانون الثانی إلى حزیران 1991، بعض مواد معینة فی مکان العمل الرئیس للشرکة الفرنسیة. ورفض المشتری دفع ثمن المواد، مدعیاً أنها معیبة، وقدمت شکوى ضده أمام محکمة الإنصاف المؤقت الفرنسیة، التی رأت أنها تفتقر إلى الاختصاص القضائی الموضوعی والإقلیمی. واستناداً إلى أحکام المادة (5/1) من اتفاقیة الجماعة الأوروبیة بشأن الاختصاص القضائی وتنفیذ الأحکام الصادرة فی المسائل المدنیة والتجاریة، المؤرخة فی 27 أیلول 1968، قضت محکمة الاستئناف بصلاحیة المحکمة الفرنسیة لأنها محکمة مکان أداء التزام المشترى بالدفع. وقضت محکمة الاستئناف بأن العلاقة التعاقدیة بین الطرفین تشکل بیعاً دولیاً للبضائع، وطبقت اتفاقیة البیع باعتبارها القانون الفرنسی المختص، على وفق القانون الدولی الخاص الفرنسی، وطبقت المحکمة المادة (57/1/أ) من اتفاقیة البیع، فقررت أن ثمن البضائع کان ینبغی أن یدفع فی مکان عمل البائع".
وعلى وفق الفقرة من المادة من الاتفاقیة لا تنطبق الاتفاقیة "عندما لا تتبین هذه الحقیقة -کون أماکن عمل الأطراف توجد فی دول مختلفة- من العقد أو من أیة معاملات تجرى بین الطرفین، أو من المعلومات التی یکشفان عنها فی أی وقت قبل إبرام العقد أو لدى إبرامه" ومن هذه الحالات، مثلاً، الحالة التی یبدو فیها أن مکانی عمل الطرفین یوجدان فی دولة واحدة ولکن أحد الطرفین یعمل وکیلاً لرب عمل أجنبی لم یکشف عنه، وفى مثل هذه الحالة، تنص الفقرة على أن البیع الذی یبدو وکأنه یتم بین طرفین یوجد مکانا عملهما فی دولة واحدة، لا تنظمه هذه الاتفاقیة.
ویتبین من نص المادة (1/3) أنه لا یمنع من عدّ البیع دولیاً أن یقع بین شخصین من جنسیة واحدة مادام أن معیار الدولیة التی حددته اتفاقیة فیینا یتوافر فی عقد البیع، ویذهب رأى إلى أن استبعاد ضابط اختلاف جنسیة المتعاقدین کمعیار لتحدید دولیة البیع یرجع إلى تباین القوانین الوطنیة فی مجال الجنسیة تبایناً یخشى معه اضطراب الحدود التی تفصل بین القانون الموحد (اتفاقیة لاهای) والقوانین الوطنیة.
الفرع الثانی
تعدد مراکز الأعمال
تنص المادة (10/أ) من اتفاقیة فیینا على أنه: (إذا کان لأحد الطرفین أکثر من مکان عمل واحد، فیقصد بمکان العمل المکان الذی له صلة وثیقة بالعقد وبتنفیذه، مع مراعاة الظروف التی یعلمها الطرفان أو التی کانا یتوقعانها قبل انعقاد العقد أو وقت انعقاده)، ویعنی هذا النص أنه متى کان لطرف من أطراف البیع أکثر من مرکز أعمال، کما لو کان هذا الطرف من الشرکات المتعددة الجنسیات ولها أکثر من مرکز أعمال فی أکثر من دولة، فإنه یعتد بمرکز الأعمال الأوثق صلة بالعقد أو بمکان تنفیذه مع أخذ ظروف التعاقد فی الاعتبار. فتضع الفقرة (أ) معیارا لتحدید مکان العمل ذی الصلة، فهو مکان العمل الذی تربطه أوثق صلة بالعقد وبتنفیذه، وتشیر العبارة بالعقد وبتنفیذه إلى المعاملة التجاریة ککل، بما فیها العوامل المتعلقة بالإیجاب والقبول وکذلک بتنفیذ العقد، ولیست هناک أهمیة، فیما یتعلق بالمادة هذه، لموقع المرکز الرئیس أو مکان العمل الرئیس، ما لم یصبح ذلک المرکز أو محل العمل مرتبطاً بالمعاملة التجاریة المعنی بحیث یکون مکان العمل الذی تربطه أوثق صلة بالعقد وبتنفیذه، کما تنص الفقرة (أ) على أن تراعى، عند تحدید مکان العمل الذی له أوثق صلة، الظروف المعلومة لدى الطرفین أو التی یتوقعانها فی أی وقت قبل إبرام العقد أو لدى إبرامه، لذلک فعندما تشیر الفقرة (أ) إلى تنفیذ العقد، فهی تشیر إلى التنفیذ الذی توقعه الطرفان عند التعاقد، فإذا کان من المتوقع أن ینفذ البائع العقد فی مکان عمله الموجود فی الدولة (س) فان تقریر وجود مکان عمله بموجب الفقرة (أ) فی الدولة (س) لا یتغیر إذا قرر بعد ذلک أن ینفذ العقد فی مکان عمله الموجود فی الدولة (ص).
والعوامل التی یمکن ألا تکون معروفة لأحد الطرفین فی وقت إبرام العقد تتضمن الإشراف على إبرام العقد من جانب مرکز رئیس یقع فی دولة أخرى، أو المنشأ الأجنبی للبضائع أو وجهتها النهائیة، ولا تؤخذ هذه العوامل فی الاعتبار إذا کانت غیر معلومة لدى الطرفین أو کانا لا یتوقعانها وقت إبرام العقد.
الفرع الثالث
انعدام مراکز الإعمال
لما کانت المادة (1/3) من اتفاقیة فیینا لا تشترط لإعمال أحکامها أن یکون أطراف البیع من المشروعات التجاریة وأنه لا یشترط أن یکون البیع ذاته تجاریاً، فإنه قد لا یکون لأحد أطراف عقد البیع الدولی مرکز أعمال، لذلک نصت المادة (10/ب) على أنه (إذا لم یکن لأحد الطرفین مکان عمل، وجب الأخذ بمکان إقامته المعتاد) وهذا الحکم هو ذات الحکم الذی أخذ به القانون الموحد لاتفاقیة لاهای فی الفقرة الثانیة من المادة الأولى منها، ونلاحظ أن اتفاقیة فیینا شأنها فی ذلک شأن اتفاقیة لاهای قد تفادت استعمال اصطلاح الموطن وذلک لاختلاف المقصود بهذا الاصطلاح فی مختلف النظم القانونیة، فالموطن فی إنجلترا مثلاً یقصد به الإقلیم الذی یقیم فیه الشخص على وجه الدوام ولو ترکه مؤقتاً، أما فی فرنسا فیقصد به المرکز الرئیس لأعمال الشخص أی یقصد به عنوان محدد فی مدینة معینة، والموطن فی العراق هو المکان الذی یقیم فیه الشخص عادة بصفة دائمة أو مؤقتة ویجوز أن یکون للشخص أکثر من موطن واحد لذلک فإن فکرة محل الإقامة المعتاد التی عبرت عنها المادة (10/1) من اتفاقیة فیینا تطابق فکرة الموطن فی القانون العراقی. فالفقرة (ب) تعالج الحالة التی لا یکون فیها لأحد الطرفین مکان عمل، ومعظم العقود الدولیة یبرمها رجال أعمال لهم أماکن عمل معروفة، غیر أنه قد یحدث أحیاناً أن یبرم شخص لیس له مکان عمل ثابت عقداً لبیع بضائع لأغراض تجاریة، ولیس لمجرد الاستعمال الشخصی أو العائلی أو المنزلی بالمعنى الوارد فی المادة (2/أ) من هذه الاتفاقیة، وینص حکم الفقرة (ب) على أنه فی هذه الحالة، یؤخذ بمکان إقامته المعتاد.
وبعد الانتهاء من نطاق تطبیق الاتفاقیة الدولی لابد من الإشارة إلى أن الصفة المدنیة أو التجاریة للأطراف أو للعقد لا تؤخذ فی الاعتبار عند تحدید تطبیق هذه الاتفاقیة، ذلک أن بعض النظم القانونیة یختلف القانون المتعلق بعقود بیع البضائع تبعاً لما إذا کان الأطراف أو "العقد" یتسمون بطابع مدنی أو بطابع تجارى، ولا یوجد هذا التمییز فی نظم قانونیة أخرى، ولضمان عدم تفسیر نطاق الأحکام المتعلقة بالتطبیق فی هذه الاتفاقیة على أنه لا ینطبق إلا على عقود البیع التی توصف بأنها "تجاریة" أو التی تبرم بین أطراف یوصفون بأنهم "تجاریون" بموجب قانون دولة متعاقدة، تنص الفقرة من المادة على أن الطابع المدنی أو التجاری للطرفین أو للعقد لا یؤخذ فی الحسبان. وهذا النص من أهم مزایا کل من القانون الموحد واتفاقیة فیینا، وذلک أنه ما من نظریة أثارت من الناحیة العملیة تعقیدات کبیرة مثل نظریة الأعمال التجاریة، فضلاً عن أنها من النظریات التی لا تأخذ بها کل النظم القانونیة، فثمة نظم لا تعرف التفرقة بین القانون المدنی والقانون التجاری وتخضع جمیع المعاملات لنظام قانونی واحد مثل إنجلترا وسویسرا وإیطالیا، ومن ناحیة أخرى فإن القوانین التی تأخذ بهذه التفرقة، لا تتفق من حیث الأساس القانونی الذی یقوم علیه القانون التجاری، فبعضها یأخذ بمعیار شخصی ویقضى بتطبیق القانون التجاری على النشاط الذی یقوم به مشروع تجارى، والبعض الآخر یأخذ بمعیار موضوعی، فالقانون التجاری یحکم الأعمال التجاریة بغض النظر عن وقوعها من مشروع تجارى أو من غیر تاجر، کما أن معیار التفرقة بین الأعمال المدنیة والأعمال التجاریة من الأمور الخلافیة فی الفقه التجاری نظراً لأن التشریعات التجاریة لا تحدد هذا المعیار عادة، ولهذا فإن الاتفاقیات الدولیة تقضى صراحة بعدم الاعتداد بتجاریة أطراف البیع أو موضوعه حتى لا تقحم هذه الخلافات فی نطاق تطبیق الاتفاقیة.
المبحث الثانی
علاقة الاتفاقیة بقواعد تنازع القوانین
إن قواعد اتفاقیة البیع الدولی للبضائع بصفتها اتفاقیة قانونیة أساسیة، أکثر تحدیداً من قواعد القانون الدولی الخاص "تنازع القوانین" وکانت الغایة منها أن تؤدی مباشرة إلى الحل الأساس فی مجال العلاقات الخاصة الدولیة، وتجنب تطبیق القوانین الوطنیة تحقیقاً للتوحید، وهو الهدف الأسمى الذی تسعى الاتفاقیة إلى بلوغه، کما أن من أهداف الاتفاقیة الرئیسة تقلیل ضرورة اللجوء إلى قواعد القانون الدولی الخاص، ومع ذلک فالعلاقة بین قواعد الاتفاقیة وقواعد القانون الدولی الخاص تظهر من أکثر من جانب، ومن ثم فان الطبیعة الذاتیة للاتفاقیة لا تعنى انفصال أحکامها بالکامل عن القوانین الوطنیة، التی یتم التوصل إلى تطبیقها من خلال قواعد تنازع القوانین. فالاتفاقیة لم تنظم جمیع مسائل البیع الدولی للبضائع، فهناک بیوعاً عدیدة تخرج من نطاق تطبیقها، کما أن هناک عدة مسائل فی عقد البیع ذاته لم تتناولها الاتفاقیة بالتنظیم، فیرد السؤال عن کیفیة سد النقص فی أحکام الاتفاقیة وعلاقة ذلک بقواعد تنازع القوانین. والقضیة الأخرى التی یجب بحثها فی علاقة الاتفاقیة بقواعد القانون الدولی الخاص "تنازع القوانین"، هی مسألة إمکانیة الأطراف لاستبعاد الاتفاقیة، وهذا الاستبعاد قد یکون صریحاً وقد یکون ضمنیاً، وبحث هذه العلاقة ضروری لأن الاتفاقیة وقواعد القانون الدولی الخاص تتعامل مع العقود الدولیة، صحیح أن المحاکم فی الدول المتعاقدة علیها أن تنظر فیما إذا کانت الاتفاقیة تنطبق أولاً قبل الرجوع إلى قواعد القانون الدولی الخاص للهیئة القضائیة؛ وبعبارة أخرى، یتغلب الرجوع إلى الاتفاقیة على الرجوع إلى القانون الدولی الخاص للهیئة القضائیة، إلا أن لذلک علاقة بقواعد القانون الدولی الخاص الذی یتطلب منهجه مقاربة من خطوتین (تحدید القانون الواجب التطبیق وتطبیقه بعد ذلک)، ثم أن مبدأ استبعاد الاتفاقیة استند إلى إرادة الإطراف فی استبعاد الاتفاقیة أو استبعاد أی جزء منها، وحریة الإرادة إنما هی قاعدة من قواعد الإسناد فی القانون الدولی الخاص نصت علیها معظم التشریعات، ومن هنا تأتی أهمیة بحث علاقة الاتفاقیة بقواعد القانون الدولی الخاص، ثم نتکلم بعد ذلک عن جدوى توحید قواعد البیع الدولی للبضائع؛ وللإحاطة بالموضوع فإننا نقسم هذا المبحث إلى مطالب ثلاثة الأول لقصور الاتفاقیة عن تنظیم جوانب عقد البیع الدولی کافة، والثانی لإمکانیة استبعاد أحکام الاتفاقیة، والثالث لجدوى توحید قواعد البیع الدولی للبضائع.
المطلب الأول
قصور الاتفاقیة عن تنظیم جوانب عقد البیع الدولی کافة
أن اتفاقیة الأمم المتحدة بشأن عقود البیع الدولی للبضائع "فیینا 1980" لا تحقق التوحید الکامل لأحکام عقد البیع، بل تؤدى إلى التوحید الجزئی، فالاتفاقیة لا تسرى إلا على عقود البیع التی تنطبق علیها صفة الدولیة، ومن ثم تظل البیوع التی لا تنطبق علیها هذه الصفة خاضعة لأحکام القانون الوطنی الواجب التطبیق، ومن جانب آخر فإن الاتفاقیة لا تضع حلولاً لجمیع الموضوعات المتصلة بعقد البیع الدولی من أرکان وشروط وآثار، وإنما یقتصر تطبیق الاتفاقیة على تکوین عقد البیع الدولی، والحقوق والالتزامات التی ینشئها العقد لکل من البائع والمشترى. فاتفاقیة فیینا استبعدت صراحة المسائل المتعلقة بصحة عقد البیع وصحة الشروط التی یتضمنها هذا العقد، تارکة هذین الأمرین لتنظیم القوانین الوطنیة، ولما کانت اتفاقیة فیینا قد نظمت فقط من قواعد تکوین عقد البیع، أحکام الإیجاب والقبول، فإن الأرکان الأخرى لعقد البیع تخضع لأحکام القوانین الوطنیة، من ذلک قواعد الأهلیة وشروط صحة الرضا وعیوبه، ومن ناحیة أخرى فإن الأحکام الموضوعیة لصحة البیع کمشروعیة محل البیع أو سببه لا تخضع لأحکام الاتفاقیة، وإنما تخضع لأحکام القوانین الوطنیة، لأن هذه الأمور من المسائل التی تختلف من دولة إلى أخرى ومن العسیر إخضاعها لقواعد موحدة، إذ یعد مشروعاً فی إحدى الدول وقد لا یعد کذلک فی دولة أخرى، کالاتجار فی الخمور مثلاً، فضلاً عن أن القواعد الاقتصادیة التی تحکم التصدیر والاستیراد والرقابة علیهما تختلف أیضاً من دولة إلى أخرى ، کما تختلف القوانین الوطنیة التی تهدف إلى حمایة المستهلک، لکل ذلک استبعدت اتفاقیة فیینا أحکام صحة عقد البیع أو صحة الشروط التی یتضمنها من الخضوع لها.
وعلى الرغم من أن الاتفاقیة یقتصر نطاق تطبیقها على تکوین العقد وحقوق والتزامات کل من البائع والمشتری، إلا أنها لا تضع حلولاً لکل ما یمکن أن یعرض من منازعات بشأن الموضوعات التی شملتها، مما یثیر مشکلة تتعلق بالقواعد الواجبة التطبیق على المسائل التی أغفلت الاتفاقیة علاجها على الرغم من دخولها فی إطار الموضوعات التی تشملها، فالاتفاقیة، مثلاً تناولت مکان الوفاء بالثمن فی المادة (57/1/أ) وأوجبت على المشترى أن یفی بالثمن فی مکان عمل البائع، ما لم یکن ملزماً بدفع الثمن فی مکان آخر، ولکنها لم تتحدث عن المکان الذی یجب على البائع فی حالة فسخ العقد أن یرد فیه الثمن إلى المشتری، فکیف یمکن للقاضی أو المحکم أن یحدد المکان الذی یجب على البائع أن یرد الثمن فیه إلى المشتری فی حالة فسخ العقد؟ بمعنى آخر: کیف یمکن سد النقص فی نصوص الاتفاقیة؟.
یشیر البعض أن هناک طرائق ثلاث لسد النقص فی نصوص الاتفاقیات الدولیة:
الطریقة الأولى: یتم بموجبها سد النقص فی النصوص عن طریق المبادئ العامة التی تقررها الاتفاقیة، وهذا یعنى أن القاضی أو المحکم عندما یجد نقصاً فی النصوص یسد هذا النقص عن طریق تطبیق المبادئ التی یستخلصها من نصوص الاتفاقیة ذاتها، فلا یبحث عن مصادر خارجیة لاستکمال النقص فی النصوص، ویمکن للقاضی أو المحکم أن یسترشد بالغرض الذی تسعى الاتفاقیة إلى تحقیقه، والسیاسة أو الفلسفة التی تتبعها لاستخلاص المبادئ التی تقوم علیها الاتفاقیة، ولکن لا یجوز له الاستعانة بأی مصادر خارجیة. ومن ذلک ما ذهبت إلیه احد المحاکم الاسبانیة من أن "فی حدود نطاق اتفاقیة البیع، لا توجد أحکام تسری بالتحدید على العیوب المستترة، ولکن ثمة بدلاً من ذلک أحکام تسری على عدم مطابقة البضائع التی هی موضوع العقد". ومن ثم بقیت المحکمة فی إطار نصوص الاتفاقیة.
الطریقة الثانیة: یتم سد النقص فی نصوص الاتفاقیة لا على أساس الاعتماد على تطبیق المبادئ العامة التی تقوم علیها الاتفاقیة ذاتها بل تعتمد على مصادر خارجیة هی المبادئ العامة للنظام القانونی فی مجموعه، وهذه الطریقة تتیح للقاضی أو المحکم، تطبیق القانون الوطنی الذی تحدده قواعد القانون الدولی الخاص على المسائل التی أغفلت الاتفاقیة الدولیة تنظیمها. وفی هذا المجال ذهبت إحدى المحاکم الألمانیة "رفع المدعی، وهو الإیطالی الذی أحال إلیه البائع الإیطالی مطالبته بدفع ثمن الشراء، قضیة على المشتری، وهو شرکة ألمانیة، مطالبا بدفع المبلغ. وکان موضوع الخلاف هو ما إذا کان الأداء واجباً بالمارک الألمانی، وهو ما طالب به البائع أصلاً، أم باللیرة الإیطالیة، وهو ما اتفق علیه فی العقد. ورأت المحکمة أن اتفاقیة البیع واجبة التطبیق بصفتها قانون البلد الذی یقع فیه محل عمل البائع. وقررت المحکمة أنه لا یجوز الاستثناء من تطبیق اتفاقیة البیع إلا إذا کان هذا هو غرض الطرفین الحقیقی لا الافتراضی. وفیما یتعلق بصحة التحویل، طبقت المحکمة قانوناً إیطالیاً آخر، إذ أن اتفاقیة البیع لا تتناول التحویل. وقررت المحکمة انه حتى إن لم یکن الطرفان قد اتفقا على وجوب الدفع باللیرة الإیطالیة، یظل الثمن واجب الدفع باللیرة الإیطالیة حیث أن مکان الأداء سوف یکون محل عمل البائع الإیطالی (م57/1/أ من اتفاقیة البیع)....".
الطریقة الثالثة: یتم بموجبها سد النقص فی نصوص الاتفاقیة عن طریق مزج الطریقتین المتقدمتین، وتعتمد على تطبیق المبادئ العامة التی تقوم علیها الاتفاقیة أولاً، فإذا لم یجد القاضی أو المحکم ما یسعفه فی المبادئ العامة، وجب علیه تطبیق القانون الوطنی الذی تحدده قواعد القانون الدولی الخاص لسد النقص فی نصوص الاتفاقیة. وقد أخذت اتفاقیة فیینا 1980 بهذه الطریقة الثالثة لاستکمال النقص فی نصوص الاتفاقیة، بموجب المادة (7/2) منها.
ویوجب حکم المادة (7/2) المتقدم على القاضی أو المحکم الذی ینظر النزاع أن یسد النقص الموجود فی الاتفاقیة بما یتفق مع المبادئ العامة التی تقوم علیها، وهذه المبادئ یمکن استخلاصها من نصوص الاتفاقیة ذاتها ومن الأعمال التحضیریة والمناقشات التی دارت خلال مراحل إعدادها، ومن ثم یجب على القاضی أو المحکم –فی الحالات التی تکون فیها الاتفاقیة واجبة التطبیق على النزاع– إذا استعصى علیه نص فی الاتفاقیة بسبب غموض أو نقص، أن یستجلی الغموض ویسد النقص بالرجوع إلى الاتفاقیة ذاتها، فیهتدی إلى الحل فی إطار المبادئ العامة التی تقوم علیها مما یؤدى إلى استقلال الاتفاقیة عن التشریعات الوطنیة واحتفاظها بذاتیتها. وقد وضعت المادة (7/1) من الاتفاقیة مجموعة من المبادئ لتفسیر نصوص الاتفاقیة تجنباً للجوء المفسر –قاضیاً کان أو محکماً أو فقیهاً– لطرائق التفسیر التی تنص علیها القوانین الوطنیة، ووفقا لهذه المبادئ یجب أن یراعى فی تفسیر الاتفاقیة صفتها الدولیة وضرورة تحقیق التوحید فی تطبیقها بالإضافة إلى احترام حسن النیة فی التجارة الدولیة. وهذا لا یعنی عدم الأخذ بقواعد التفسیر الوطنیة، بل أن هناک من المحاکم من لجأت إلى قواعد التفسیر الوطنیة منها قرار محکمة استئناف غراتس فی النمسا الذی جاء فیه "باع المدعی، وهو إیطالی، ألواحاً من الرخام موسومة (جیالو فینیسیانو) إلى المدعى علیه وهو نمساوی. وزعم المدعى علیه أن ألواح الرخام التی تم تسلیمها لا تتوافق مع العقد ورفض دفع ثمن الشراء (م 25 من اتفاقیة البیع). ولدى إعادة القضیة إلى المحکمة الابتدائیة، ارتأت محکمة الاستئناف أن المادة (9/2) من اتفاقیة البیع، باستثناء عدد قلیل من الحالات، لا یمکن أن تفسر بأنها تحظر الاعتماد على العادات الوطنیة أو المحلیة فی تفسیر عقد حتى وان لم ترد أی إشارة إلى تلک العادات فی نص العقد. وبناء على ذلک، فإن بائعاً اشتغل بالأعمال التجاریة فی بلد لسنوات عدیدة وأبرم، مرات عدیدة، عقوداً من النوع المستخدم فی تجارة معینة ملزم بأخذ العادات الوطنیة فی الاعتبار".
یتبین لنا مما ذکر آنفاً أن المادة (7/2) أوجبت على المحاکم الابتعاد عن القوانین الوطنیة وتطبیق المبادئ العامة التی تقوم علیها الاتفاقیة سداً للنقص فی النصوص، فإذا لم تسعف هذه المبادئ القاضی أو المحکم فی سد النقص فی النصوص، یتم سد النقص عن طریق الرجوع إلى القانون الوطنی الواجب التطبیق على وفق قواعد القانون الدولی الخاص، فلا یکفى إذن لتحقیق التوحید المنشود أن یراعى فی تفسیر نصوص الاتفاقیة المبادئ التی نصت علیها المادة السابعة فی فقرتها الأولى، بل یجب أیضاً على القاضی أو المحکم أن یسد النقص فی النصوص عن طریق تطبیق المبادئ العامة التی تقوم علیها الاتفاقیة لتحقیق التوحید، فضلاً عن ذلک یجب أن یراعى عند تفسیر الفقرة من المادة مبادئ التفسیر التی ذکرتها الفقرة من المادة ذاتها، وهذا یعنى ضرورة أن یراعى فی تحدید مضمون المبادئ العامة التی تقوم علیها الاتفاقیة صفتها الدولیة والتوحید فی تطبیقها.
وهذا یعنى أن الاتفاقیة لا تستبعد القانون الوطنی من التطبیق کوسیلة لسد النقص فی نصوص الاتفاقیة، لأن المادة (7/2) من الاتفاقیة سمحت بتطبیق القانون الوطنی، ولکنها جعلت اللجوء إلیه فی أضیق الحدود، فلم تسمح للقاضی أو المحکم بتطبیقه إلا إذا لم یجد فی المبادئ العامة التی تقوم علیها الاتفاقیة ما یغنیه، ومن ثم فان الطبیعة الذاتیة للاتفاقیة لا تعنى انفصال أحکامها بالکامل عن القوانین الوطنیة، إذ یتعین على القاضی إذا لم تسعفه المبادئ العامة التی تقوم علیها الاتفاقیة أن یستکمل النقص فی نصوصها عن طریق تطبیق القانون الوطنی الذی تحدده قواعد القانون الدولی الخاص.
مما تقدم یتضح أن علاقة الاتفاقیة بقواعد القانون الدولی الخاص هی علاقة وثیقة، ذلک أن إکمال النقص الموجود فی الاتفاقیة یتم عن طریق الرجوع إلى القوانین الوطنیة، وان تحدید أی قانون من القوانین الوطنیة إنما یتم عن طریق الرجوع إلى قواعد الإسناد، التی تشیر إلى تطبیق قانون معین على عقد البیع وقد یکون هذا القانون وطنیاً وقد یکون أجنبیاً.
ونذکر من القرارات التی لجاءت إلى القوانین الوطنیة طبقاً لقواعد القانون الدولی الخاص لسد النقص، قرار محکمة Amtsgericht Oldenburg in Holstein الألمانیة الذی جاء فیه "أبرم تاجر أزیاء ألمانی، یبیع بالتجزئة، وصانع ملبوسات ایطالی عقداً لبیع أزیاء أدرج فی مواصفاتها أنها بضاعة خریفیة یجب أن تسلم فی تموز وآب وأیلول. وعندما جرت محاولة لتسلیم دفعة أولى من البضاعة فی 26 أیلول، رفض المشتری قبول البضاعة وأعاد کشف الحساب فی 2 تشرین الأول مدعیاً بأن الفترة المحددة لتسلیم البضاعة قد انتهت. وقد اختصم الطرفان حول معنى المواصفة المذکورة أعلاه مستندین إلى عوامل إضافیة مختلفة زعما کلاهما أنهما یعرفانها. وقد طبقت المحکمة الاتفاقیة على أنها هی القانون المعمول به فی بلد البائع، ولکنها راعت القانون المحلى الألمانی، هو أیضاً، لکی تملأ الثغرات المتصلة بمسائل الوفاء بالعقد".
وجاء فی قرار لأحد محاکم الأرجنتین ما یأتی: "رأت المحکمة أن عقداً للبیع الدولی للبضائع مبرماً بین بائع فی ولایة أوهایو، الولایات المتحدة الأمریکیة، ومشتری أرجنتینی، خاضع لاتفاقیة البیع لأن الدولتین کلتیهما قد انضمتا إلى اتفاقیة البیع، ولأن عقد البیع أبرم بعد بدء نفاذ اتفاقیة البیع (م 1/1/أ من اتفاقیة البیع)، ولأن مکان عمل البائع کان، وفقاً للفاتورة التجاریة، فی ولایة أوهایو. وتخضع المسائل التی لا تحسمها الاتفاقیة لقانون البائع، لأنه من حیث المبدأ یخضع البیع لقانون مکان إقامة البائع الذی هو مسؤول عن الأداء الذی یتمیز به العقد، وفقاً لقواعد القانون الدولی الخاص (م 7/1 من اتفاقیة البیع). وللبائع الحق فی الفائدة على الثمن لأن هذا متفق علیه صراحة، وعلى الرغم من أن اتفاقیة البیع لا تحتوى على حکم صریح یسلم بدفع الفائدة، ورأت المحکمة أن دفع الفائدة عرف شائع فی التجارة الدولیة (م9/2 من اتفاقیة البیع)".
ومن جوانب القصور التی یمکن أن تظهر فی الاتفاقیة أیضاً أن المادة (92) من اتفاقیة فیینا نصت على حق أیة دولة متعاقدة عند التوقیع أو التصدیق أو الموافقة أو الانضمام للاتفاقیة أن تلتزم فقط بأحد القسمین الثانی أو الثالث من هذه الاتفاقیة، وکان المقصود من هذا الحکم توفیر الحریة اللازمة للدول للانضمام إلى أحد الموضوعین اللذین یعالجهما کل من القسم الثانی والثالث من الاتفاقیة کما لو کان کل منهما اتفاقیة مستقلة تعالج موضوعاً مستقلاً، کما هو الشأن بالنسبة لاتفاقیتی لاهای سنة 1964. ومن ثم فان الاقتصار على الالتزام بأحد القسمین سیشکل أیضاً نقصاً فی الأحکام التی تنظم عقد البیع الدولی، ومن ثم یکون سد النقص باللجوء إلى القواعد الوطنیة بعد استنفاذ مراحل سد النقص التی اشرنا إلیها.
وفی هذا الإطار جاء فی قرار لمحکمة العاصمة فی هنغاریا (قاضى المدعی، وهو شرکة سویدیة، المدعى علیه، وهو شرکة هنغاریة، مطالباً إیاه بدفع ثمن بضائع سلمت. ونازع المدعى علیه فی أمر وجود عقد صحیح. وإذ لاحظت المحکمة أن مقری عمل الطرفین یقعان فی دولتین مختلفتین من الدول الأطراف فی اتفاقیة البیع، وأن هاتین الدولتین کانتا قد صدقتا على الاتفاقیة قبل أن یبرم العقد بین المدعی والمدعى علیه، رأت أن الاتفاقیة تنطبق على هذه القضیة (م1/1/أ و100/12 من اتفاقیة البیع). وإذ لاحظت المحکمة أیضاً أن السوید قبلت الاتفاقیة مع التحفظ بشأن الجزء الثانی (تکوین العقد) (م92/1 من اتفاقیة البیع)، طبقت أحکام القانون الدولی الخاص الهنغاری فوجدت أن القانون السویدی منطبق فیما یتعلق بتکوین العقد. وبموجب القانون السویدی رقم 28 لعام 1915، تعین إبرام العقد کتابة. ووجدت المحکمة بالفعل أن العقد قد أبرم کتابة؛ وإذ طبقت اتفاقیة البیع على سائر جوانب القضیة، رفضت دفاع المدعى علیه على اعتبار أن لا أساس له من الصحة وأمرت المدعى علیه بأن یدفع الثمن".
المطلب الثانی
إمکانیة استبعاد تطبیق الاتفاقیة
نصت المادة من اتفاقیة فیینا على أنه (یجوز للطرفین استبعاد تطبیق هذه الاتفاقیة، کما یجوز لهما، فیما عدا الأحکام المنصوص علیها فی المادة 12، مخالفة نص من نصوصها أو تعدیل آثاره) وبموجب هذا النص یحق لطرفی عقد البیع الاتفاق على استبعاد تطبیق أحکام هذه الاتفاقیة بالکامل ولو توافرت شروط تطبیقها، والأخذ بهذا المبدأ یظهر بوضوح احترام مبدأ سلطان الإرادة والاعتداد بحریة المتعاقدین، ذلک أن النص قرر حقهما فی استبعاد تطبیق القانون الموحد على عقدهما دون أن یقیدهما بتحدید القانون الواجب التطبیق فی هذه الحالة على العقد. وهذا الاستبعاد قد یکون صریحاً وقد یکون ضمنیاً، وفضلاً عن ذلک فبإمکان الأطراف الاتفاق على تطبیق الاتفاقیة حتى لو لم تتحقق شروط انطباقها، وللإحاطة بهذه المسالة فإننا نتناولها فی فرعین الأول، استبعاد الاتفاقیة باتفاق الإطراف، والثانی اختیار تطبیق الاتفاقیة باتفاق الأطراف.
الفرع الأول
استبعاد الاتفاقیة باتفاق الإطراف
یجوز للطرفین استبعاد تطبیق الاتفاقیة بصورة تامة أو جزئیة، أو التقلیل من أثر أی حکم من أحکامها، وبالسماح للطرفین باستبعاد الاتفاقیة أو التقلیل من أثر أحکامها، أکدت الاتفاقیة المبدأ الذی بموجبه تعد استقلالیة الأطراف المصدر الأول للقواعد التی تحکم عقود البیع الدولی، ویتبین من ذلک بوضوح الطبیعة غیر الإلزامیة للاتفاقیة، ویعنى ما تقدم أن أحکام الاتفاقیة لا تتعلق بالنظام العام ویجوز لطرفی عقد البیع الاتفاق على مخالفتها. وذلک مع الأخذ فی الاعتبار أن حکم المادة (12) من الاتفاقیة یتعلق بالنظام العام ولا یجوز الاتفاق على مخالفته، وتقضى المادة المذکورة بألا یسرى الحکم الذی یقرر جواز إثبات عقد البیع بأی طریق من طرق الإثبات غیر الکتابة متى کان مرکز أعمال أحد طرفی البیع یقع فی دولة متعاقدة تأخذ بالتحفظ الوارد فی المادة (96) من الاتفاقیة، وهو التحفظ الذی یقضى بحق کل دولة متعاقدة یقضى تشریعها بوجوب إثبات عقد البیع بالکتابة فی ألا تطبق أحکام الاتفاقیة التی تقضى بجواز إثبات عقد البیع بأی طریق من طرق الإثبات غیر الکتابة، کما أکد واضعو الاتفاقیة على الدور المرکزی الذی تلعبه استقلالیة الأطراف فی التجارة الدولیة، لا سیما فی البیوع الدولیة. والاستبعاد قد یکون صریحاً وقد یکون ضمنیا وکالاتی:
أولا: الاستبعاد الصریح:
یمکن استبعاد تطبیق الاتفاقیة بالنص صراحة على اختیار قانون وطنی یحکم العقد، هذا فضلاً عن إمکان الاتفاق على استبعاد أحکام الاتفاقیة دون النص على تطبیق قانون آخر على العقد. إذن یجب التمییز بین اتجاهین فیما یخص هذا النوع من الاستبعاد: الاستبعاد مع بیان الطرفین القانون المنطبق على العقد والاستبعاد دون بیان ذلک، وفی الحالات التی یتم فیها استبعاد تطبیق الاتفاقیة مع بیان القانون المنطبق، یکون القانون المطبق هو ذلک القانون الذی تحدده قواعد القانون الدولی الخاص للهیئة القضائیة، وهذا الأمر یبین الصلة الوثیقة بین الاتفاقیة وقواعد القانون الدولی الخاص، کما جاء فی قرار المحکمة الفیدرالیة الألمانیة "وافق بائع إیطالی، المدعی، على تسلیم منسوجات للأزیاء إلى مشتری ألمانی، المدعى علیه، ولما کان الطرفان قد اختارا تطبیق القانون الألمانی على استبعاد الاتفاقیة بموجب المادة منها، فإن المحکمة لا تعد الاتفاقیة قابلة للتطبیق".
وفی قرار لهیئة التحکیم التابعة للغرفة التجاریة والصناعیة الهنغاریة جاء مناقضاً للقرار فی أعلاه إذ طبقت الاتفاقیة على الرغم من الاتفاق على تطبیق القانون الهنغاری وجاء فی القرار "اتفق المدعی، وهو هنغاری، والمدعى علیه، وهو من إیطالیا، على إخضاع العقد المبرم بینهما للقانون الهنغاری. ویتضمن العقد عناصر تتعلق باتفاق للبیع واتفاق وکالة. وفى وقت إبرام العقد، کانت اتفاقیة البیع واجبة التطبیق من قبل فی کل من إیطالیا وهنغاریا. وبناء على ذلک، حاج أحد الطرفین بأن الاتفاقیة تنطبق على عقدهما حتى وان لم یتم اختیار أی شرط قانونی وأن المقصود بعبارة "القانون الهنغاری" فی العقد هو القانون المدنی الهنغاری. وطبقت هیئة التحکیم اتفاقیة البیع على العناصر المتعلقة بالبیع (م1/أ من الاتفاقیة) والقانون المدنی الهنغاری على العناصر المتعلقة بالوکالة". کما ورد المبدأ نفسه فی قرار لمحکمة Oberlandesgericht Kِln الألمانیة الذی جاء فیه "… ولقد ارتأت محکمة الاستئناف، فی تطبیقها اتفاقیة البیع باعتبارها جزءاً من القانون الألمانی المختص بالموضوع والذی اختاره الطرفان على أنه القانون الواجب تطبیقه…".
وفی قرار لمحکمة التحکیم الدولیة التابعة للغرفة التجاریة الدولیة جاء فیه "أبرم الطرفان عقداً لبیع بضائع. وطعن المشتری فی مطابقة البضائع للمواصفات الواردة فی العقد. طبقت هیئة التحکیم اتفاقیة البیع استناداً إلى المبررات التالیة: إن الطرفین اختارا القانون الفرنسی لیکون القانون المنطبق، وکانت الاتفاقیة ساریة فی فرنسا عند إبرام العقد؛ وأن العقد یتعلق بمصالح تجاریة دولیة نظراً لأن أداءه یفترض فیه نقل بضائع ومدفوعات عبر الحدود؛ وأن السلع المعنیة تدخل فی نطاق تطبیق اتفاقیة البیع. ولاحظت الهیئة أیضاً أن مکان المشتری هو سوریا التی کانت طرفاً فی الاتفاقیة وقت إبرام العقد، ومکان البائع هو ألمانیا التی أصبحت طرفاً فی الاتفاقیة بعد إبرام العقد". ویتبین أن الاتجاه السائد فی القضاء إن تطبیق قانون دولة متعاقدة یعنی تطبیق الاتفاقیة ذاتها.
وتسمح قواعد القانون الدولی الخاص فی معظم البلدان تطبیق القانون الذی یختاره الإطراف، وحین تستبعد الاتفاقیة صراحة بدون بیان القانون المطبق، یحدد القانون المطبق عن طریق قواعد القانون الدولی الخاص للهیئة القضائیة.
ثانیا: الاستبعاد الضمنی:
نظرت عدة محاکم فی مسألة ما إذا کان یمکن استبعاد تطبیق الاتفاقیة بصورة ضمنیة. على وفق قرارات العدید من المحاکم، لا یحول دون ذلک الافتقار إلى إشارة صریحة فی الاتفاقیة إلى إمکانیة الاستبعاد الضمنی لتطبیقها، ویدعم هذا الرأی إشارة فی الوثائق الرسمیة تبین أن غالبیة الوفود عارضت الاقتراح المقدم أثناء المؤتمر الدبلوماسی والذی لا یمکن بموجبه استبعاد الاتفاقیة کلیاً أو جزئیاً إلا بصورة صریحة، وقد استبعدت الإشارة الصریحة فی الاتفاقیة إلى إمکانیة الاستبعاد الضمنی ﻟﻤﺠرد الخشیة من أن تؤدی الإشارة الخاصة إلى کلمة ضمنیاً إلى تشجیع المحاکم على أن تستنتج، على أسس غیر کافیة، أن الاتفاقیة کلها قد استبعدت.
ولکن على وفق بعض قرارات المحاکم، وقرار تحکیمی واحد على حد اطلاعنا، لا یمکن استبعاد الاتفاقیة بصورة ضمنیة على أساس أن الاتفاقیة لا تنص على تلک الإمکانیة صراحة. واقتُرحت عدة طرق لاستبعاد الاتفاقیة بصورة ضمنیة، منها إمکانیة أن یختار الطرفان قانون دولة غیر متعاقدة بمثابة القانون المطبق على عقدهما.
وعلى الرغم من أننا بینا أن هناک قرارات عدیدة للقضاء تبین أن اختیار قانون دولة متعاقدة هو بمثابة اختیار للاتفاقیة، إلا أن القضاء بحث کذلک فی مسالة اختیار قانون دولة متعاقدة وهل یمثل ذلک استبعاداً ضمنیاً للاتفاقیة أم لا؟.
جاء فی بعض القرارات أن اختیار قانون دولة متعاقدة هو استبعاد ضمنی للاتفاقیة، من ذلک قرار محکمة تحکیم خاصة فی فلورنسا "تضمن عقد أبرم بین بائع إیطالی ومشتری یابانی لتورید ملبوسات جلدیة و/أو منسوجة شرطاً یقضى بأن یکون العقد خاضعاً للقانون الإیطالی وحده دون غیره. قررت هیئة التحکیم بأغلبیة أعضائها أن اتفاقیة البیع لا تنطبق على هذا العقد، إما لأن الیابان لم تکن قد صدقت بعد على الاتفاقیة، أو لأن العقد نفسه أخضع للقانون الإیطالی دون غیره. ورأت هیئة التحکیم أن اختیار الطرفین القانون الإیطالی یعد بمثابة استبعاد ضمنی لاتفاقیة البیع (م6 من اتفاقیة البیع). واختلف أحد المحکمین فی الرأی، قائلاً أن اتفاقیة البیع واجبة التطبیق إذ أن اختیار القانون الإیطالی یؤکد أن الطرفین کانا یعتزمان تطبیق اتفاقیة البیع عملاً بالمادة (1/1/ب) من اتفاقیة البیع، ولیس إعلاناً بموجب المادة من اتفاقیة البیع".
کما ذهبت قرارات عدد من المحاکم إلى أن اختیار قانون دولة متعاقدة یفترض أن یکون بمثابة استبعاد ضمنی لتطبیق الاتفاقیة، إذ بخلاف ذلک لا یکون، لاختیار الطرفین أی معنى عملی، منها قرار محکمة مونزا المدنیة فی إیطالیا الذی جاء فیه "طالب المدعی، وهو بائع ایطالی تخلف عن تسلیم البضاعة إلى المدعى علیه، الذی هو مشتری سویدی، بإبطال عقد البیع على أساس العسر eccessiva onerositل sopravvenuta لأن سعر البضاعة ارتفع، بعد إبرام العقد وقبل تسلیم البضاعة، قرابة 30%، وقررت المحکمة أن اتفاقیة البیع غیر منطبقة لأنها کانت، فی وقت إبرام العقد، ساریة فی إیطالیا ولکن غیر ساریة فی السوید (م1/1/أ من اتفاقیة البیع). کما استبعدت المحکمة تطبیق الاتفاقیة على أساس أن الطرفین اختارا القانون الإیطالی کقانون ینظم عقدهما، ورأت أن المادة (1/1/ب) من اتفاقیة البیع لا تسرى إلا إذا لم یختر الطرفان أی قانون….".
غیر أن معظم قرارات المحاکم، ذهبت إلى أن اختیار قانون دولة متعاقدة لا یکون بمثابة استبعاد للاتفاقیة، منها قرار المحکمة العلیا لمنطقة Hamm الألمانیة ذهبت فیه "وقد تبین للمحکمة وجوب تطبیق اتفاقیة البیع على العقد، معتبرة أن الإشارة الصریحة التی أوردها الطرفان خلال إجراءات المحاکمة إلى القانون المدنی الألمانی تعد اختیاراً صحیحاً للقانون ولکنها لا تدل على استبعاد تطبیق اتفاقیة البیع، بما أن هذه الاتفاقیة هی جزء أساسی من القانون الألمانی (م6 من اتفاقیة البیع)".
وجاء فی قرار لمحکمة تحکیم "فی عامی 1990 و 1991، أبرم بائع نمساوی ومشتری ألمانی عقوداً لبیع ألواح معدنیة مدلفنة. نصت العقود الأولیة على تسلیم البضائع (فوب هامبورغ) فی موعد لا یتجاوز آذار 1991. وبعد ذلک سمح البائع للمشتری بأن یتسلم البضائع على دفعات. أعاد المشتری بیع البضائع ووجب علیه أن یسدد الثمن وتکالیف التخزین فور تسلمه کل فاتورة. وتسلم المشتری بعض البضائع دون أن یسدد ثمنها ورفض تسلم بضائع أخرى. وعملاً بشرط تحکیم کان وارداً فی عقد البیع، شرع البائع فی اتخاذ إجراءات مطالباً بتسدید الثمن، وإضافة إلى ذلک، طالب البائع بتعویض عن أضرار، بما فی ذلک الأضرار الناشئة عن بیع البضائع -التی رفض المشتری تسلمها– إلى طرف ثالث. ورأى المحکم الوحید أن العقود تخضع لاتفاقیة البیع بوصفها قانون النمسا للبیع الدولی، وهى دولة طرف (م1/1/ب من اتفاقیة البیع)، وذلک نظراً لأن الطرفین کانا قد اختارا القانون النمساوی".
فالقضاء والتحکیم فی هذه القرارات کان له رأی مختلف، ویمکن إیجاز أسس ذلک على وفق ما أوضحته نبذة الاونسترال بخصوص المادة من الاتفاقیة کما یأتی: (من جهة، الاتفاقیة جزء من قانون الدولة المتعاقدة التی اختارها الطرفان، ومن جهة أخرى، یعمل اختیار قانون الدولة المتعاقدة على تحدید القانون الذی یجب أن تملأ بموجبه الفجوات الموجودة فی الاتفاقیة، وعلى وفق هذه السلسلة من القرارات، لا یبدو أن اختیار قانون دولة متعاقدة یستبعد انطباق الاتفاقیة، إذا اتُخذ دون الإشارة بصورة خاصة إلى القانون المحلی للدولة، ولکن حین یختار الطرفان بوضوح تطبیق القانون المحلی لدولة متعاقدة، یجب أن تعد الاتفاقیة مستبعدة بطبیعة الحال ویمکن أن یؤدی اختیار الهیئة القضائیة أیضًا إلى الاستبعاد الضمنی لانطباق الاتفاقیة، ومع ذلک، طبقت هیئتان تحکیمیتان الاتفاقیة عندما کانت الهیئة القضائیة المختارة فی تلک الحالات موجودة فی دولة متعاقدة وکان هناک دلیل على أن الطرفین یریدان تطبیق قانون الهیئة القضائیة).
ونعتقد بضرورة تطبیق الاتفاقیة إذا أشار الطرفان صراحة إلى تطبیق قانون وطنی لدولة متعاقدة، ولا یعد ذلک استبعاداً ضمنیاً للاتفاقیة، ونؤید اتجاه القضاء فی ذلک، لأنه یوسع من نطاق تطبیق الاتفاقیة.
وعلى وفق قرارات بعض المحاکم فان عدم اختیار قانون معین لا یعنی الاستبعاد الضمنی للاتفاقیة، فجاء فی قرار لأحد المحاکم الألمانیة "رأت المحکمة أن عقد البیع الذی أبرم بین بائع فرنسی ومشتری ألمانی بعد دخول الاتفاقیة حیز التنفیذ فی فرنسا، خاضع للاتفاقیة لأن الطرفین لم یختارا قانوناً آخر. ولیس فی ذلک موافقة ضمنیة على أن البائع اکتفى فی مرحلة البدایة، فی رده على قول المشتری بأن القانون الألمانی ینطبق على العقد، بأن طرح سؤالاً عما إذا کان القانون الألمانی أو الفرنسی هو الذی ینطبق. کما أنه لا یمکن النظر إلى عدم وجود رد قطعی بمثابة قبول، لأن القانون المنطبق لیس حقیقة واقعة". کما جاء فی قرار لأحد محاکم التحکیم أن "مع عدم وجود اتفاق بین الطرفین على القانون الواجب التطبیق، رأت محکمة التحکیم أن اتفاقیة البیع تنطبق على العقد المتعلق بتوفیر وترکیب مواد مقصود بها تشیید فندق. وقد دخلت اتفاقیة البیع حیز النفاذ فی یوغوسلافیا والنمسا، بلد المشتری وبلد البائع، على التوالی، قبل إبرام العقد. وفضلاً عن ذلک، یدخل العقد فی نطاق تطبیق اتفاقیة البیع، لأن من الواضح من نص العقد أن تقدیم الخدمات ثانوی بالنسبة إلى البیع. ونتیجة لذلک، إذا طبقت اتفاقیة البیع، یکون على المشتری المقصر دفع الثمن والفائدة عن التأخیر فی الدفع. وبما أن اتفاقیة البیع لا تبین سعر الفائدة الواجب التطبیق، طبقت محکمة التحکیم القانون الوطنی الواجب التطبیق على وفق قواعد القانون الدولی الخاص، أی قانون مکان الدفع. وبما أن العقد لا ینص على مکان الدفع، طبقت المحکمة المادة 57 من اتفاقیة البیع وعدت مکان تسلیم البضائع مکان الدفع". کما جاء فی قرار لمحکمة التحکیم "کان النزاع متعلقاً بتخلف مشتری بلغاری عن الدفع لبائع نمساوی فی حدود المهلة المتفق علیها فی عقد البیع. ورأت هیئة التحکیم أنه فی حین أن الطرفین لم ینصا على أی قانون منطبق، فإن تطبیق القواعد النمساویة والبلغاریة للقانون الدولی الخاص یؤدى إلى تطبیق القانون النمساوی. وبالنظر إلى أن اتفاقیة البیع أدرجت فی النظام القانونی النمساوی، قررت الهیئة تطبیق اتفاقیة البیع، وفقاً للمادة (1/1/ب) من الاتفاقیة. ولاحظت المحکمة أیضاً أنه نظراً لأن قواعد القانون الدولی الخاص المنطبقة تؤدى إلى تطبیق قانون النمسا، وهى مکان عمل البائع، فلا أهمیة لکون بلغاریا، وهى مکان عمل المشتری، لم تکن طرفاً فی الاتفاقیة وقت إبرام العقد".
الفرع الثانی
اختیار تطبیق الاتفاقیة باتفاق الأطراف
تسمح الاتفاقیة للطرفین إمکانیة استبعاد تطبیقها إما کلیاً وإما جزئیاً کما ذکرنا آنفاً، إلا أنها لا تتعامل مع قضیة ما إذا کان یجوز للطرفین جعل الاتفاقیة مطبقة حین لا تکون منطبقة وفق الشروط التی أوضحناها، وقد تعاملت مع هذه القضیة صراحة اتفاقیة لاهای لسنة 1964 الخاصة بالقانون الموحد لتکوین عقود البیع الدولی للبضائع، وهی تحتوی على حکم، هو المادة (٤) یوفر للطرفین إمکانیة "اختیار الاتفاقیة" صراحة، وعدم وجود حکم فی الاتفاقیة مماثل لتلک المادة لا یعنی بالضرورة أنه لا یجوز للطرفین اختیار الاتفاقیة.
لذلک وعلى الرغم من أن الاتفاقیة لا تنص صراحة على إمکانیة اختیار الاتفاقیة إلا انه یجوز لإطراف عقد البیع الدولی الاتفاق على تطبیق أحکام الاتفاقیة عندما لا تتوفر شروط انطباقها، إلا أن هذا الأمر یتوقف على مسالة السماح للإطراف باختیار قانون ما للانطباق على عقد البیع الدولی على وفق قواعد الإسناد لقانون دولة القاضی، ویجوز للإطراف استناداً للمادة (25/1) من القانون المدنی العراقی اختیار الاتفاقیة لتنطبق على عقد البیع بینهم، إذ نصت هذه المادة على أن (یسری على الالتزامات التعاقدیة قانون الدولة التی یوجد فیها الموطن المشترک للمتعاقدین إذا اتحدا موطناً. فإذا اختلفا یسری قانون الدولة التی تم فیها العقد. هذا ما لم یتفق المتعاقدان أو یتبین من الظروف أن قانوناً آخر یراد تطبیقه).
المطلب الثالث
جدوى توحید قواعد البیع الدولی
عندما ظهرت مشکلة تنازع القوانین فی نهایة القرن الثانی عشر وبدایة القرن الثالث عشر، کان هناک منهجان لتنازع القوانین: الأول: یقضی بتطبیق قانون القاضی على کافة المنازعات سواء المنطویة على عنصر أجنبی أم الخالیة منه، والثانی: یقضی بتطبیق قانون المکان الذی ترتبط به المنازعة أکثر من غیره، وهو المنهج الذی نما وتطور على ید الفقیه الألمانی سافینی، وهو ما یسمى حدیثاً بمنهج قواعد الإسناد، وظل منهج قواعد الإسناد متربعاً على عرش تنظیم العلاقات الخاصة الدولیة حتى وقتنا الحاضر.
وأدى تطور الحیاة الاقتصادیة والاجتماعیة وظهور أیدلوجیات فکریة وسیاسیة جدیدة، إلى تبنی مناهج فنیة جدیدة أضحت تنافس بدرجة خطیرة المنهج التقلیدی لقاعدة الإسناد، والذی بدا فی أزمة حقیقیة، واهم المناهج التی ظهرت إلى جانب قواعد الإسناد منهج القواعد الموضوعیة أو المادیة فی القانون الدولی الخاص، الذی یقوم على وجود قواعد تتضمن حلولاً موضوعیة أو مادیة لمنازعات العلاقات الخاصة الدولیة، بحیث إذا عرض الأمر على القضاء فانه یطبقها مباشرة دون حاجة إلى إعمال قاعدة الإسناد، ومجال تلک القواعد هو العلاقات الاقتصادیة والتجاریة، أو عموماً روابط وعلاقات التجارة الدولیة، وتتعدد مصادر القواعد الموضوعیة أو المادیة فی القانون الدولی الخاص إلا أن أهم مصادرها یکون دولیاً، یتفق على وضعها مجموعة من الدول لتنظیم مسائل ومعاملات التجارة الدولیة، وعادة ما تکون هذه الاتفاقات على شکل معاهدات جماعیة من أمثلتها اتفاقیة لاهای لعام 1964م التی تتضمن قانوناً موحداً للبیع الدولی للمنقولات المادیة، واتفاقیة فیینا 1980م التی هی موضوع دراستنا. وغایة المنهج الموضوعی أو المادی للقانون الدولی الخاص انه یتضمن تنظیماً موضوعیاً للمسألة محل النزاع، ولا تکون هناک حاجة لإعمال منهج قاعدة الإسناد المزدوجة، وهو فی الغالب تنظیم وضعی یقوم على إعطاء حل مباشر للنزاع المعروض. وتعالج القواعد الموضوعیة ذلک القصور الذی یشوب قاعدة التنازع الذی یکمن فی افتقاد هذه الأخیرة للصفة الدولیة، لذلک یرى أنصار تطبیق القواعد الموضوعیة بان إعمال قاعدة التنازع یؤدی إلى عقد الاختصاص لقانون داخلی، غالباً ما لا یتلاءم مع طبیعة العلاقة وخصوصیتها الذاتیة، ویضیفون بان الاعتداد بتلک الخصوصیة یدعو إلى صیاغة قانون یحکم العلاقات الخاصة الدولیة، یتضمن قواعد موضوعیة أو مادیة تطبق مباشرة على هذه العلاقات، ویستهدف هذا الفقه التوصل تدریجیاً لإحلال تطبیق تلک القواعد محل التنازع. إذاً وفی ضوء ذلک طالما أن اتفاقیة فیینا لعام 1980م قد تضمنت وضع قواعد موضوعیة تتناول بالتنظیم عقد البیع الدولی، فان ذلک یغنی عن اللجوء إلى قواعد التنازع فی القانون الدولی الخاص.
ولا شک أن الغرض الأسمى الذی تهدف اتفاقیة الأمم المتحدة بشأن عقود البیع الدولی للبضائع إلى تحقیقه هو توحید القواعد القانونیة التی تحکم البیوع الدولیة، ولقد ذکرت دیباجة الاتفاقیة هذا المعنى، إذ قررت أن الدول الأطراف " … ترى أن اعتماد قواعد موحدة، تنظم عقود البیع الدولی للبضائع وتأخذ فی الاعتبار مختلف النظم الاجتماعیة والاقتصادیة والقانونیة، من شأنه أن یسهم فی إزالة الحواجز القانونیة فی مجال التجارة الدولیة وأن یعزز تنمیة التجارة الدولیة …" وهذه القواعد الموضوعیة الموحدة تنطبق بذاتها على عقد البیع الدولی الخاضع لها دون الرجوع إلى قاعدة التنازع.
وعلى الرغم من ذلک فان بعض الفقه یوضح مسائل معینة فیما یتعلق بهذا المنهج، فالقواعد الموضوعیة لا تکتسب أهمیة على المستوى الدولی ما لم تتوج بتوحید القانون، ومن هذا الجانب وإذا تأملنا فی بعض المعاهدات الدولیة التی سعت إلى توحید بعض القوانین نجد أن هناک عقبات وشکوک تلحق بهذا التوحید، کما أن هناک اختلافاً فی أسلوب تحقیق هذا الهدف، فهناک معاهدات تتضمن قواعد موضوعیة موحدة، إلا أنها لا تطبق إلا على العلاقات الدولیة، تارکةً العلاقات الداخلیة محکومة بالتشریعات الداخلیة المختلفة، ومثال ذلک اتفاقیة فیینا لعام 1980م الخاصة بالبیع الدولی للبضائع. ویمکن أن تثیر هذه الثنائیة فی درجة التوحید کثیراً من المشاکل تتعلق بنطاق تطبیقها، وهی المشکلة الناجمة عن ضرورة التفرقة بین العلاقات الدولیة والعلاقات الداخلیة. ولعل هذا الأمر لا نجده فی اتفاقیة فیینا لعام 1980م التی وضحت نطاق تطبیقها الدولی بشکل واضح.
إلا انه وعلى الرغم من أن توحید قانون البیع الدولی الذی حققته اتفاقیة فیینا لعام 1980م، یبقى هناک دور مهم لقواعد تنازع القوانین، ویبدو ذلک من خلال:
أولاً: تنص الاتفاقیة ذاتها، على أنها تطبق بصفة تکمیلیة على عقد البیع الدولی عندما لا یکون لکل من الفریقین مکان عمل فی دولة متعاقدة، وهذا واضح من نص المادة من الاتفاقیة التی نصت على أن (تطبق أحکام هذه الاتفاقیة على عقود بیع البضائع المعقودة بین أطراف توجد أماکن عملهم فی دول مختلفة: أ. عندما تکون هذه الدول دولا متعاقدة ؛ أو ب. عندما تؤدى قواعد القانون الدولی الخاص إلى تطبیق قانون دولة متعاقدة…). ومن ثم إذا لم تکن أماکن عمل الأطراف فی دول متعاقدة، فبموجب الفقرة (ب) من المادة تطبق قواعد الاتفاقیة إذا أدت قواعد القانون الدولی الخاص إلى تطبیق قانون دولة متعاقدة. فقواعد القانون الدولی الخاص تلعب دوراً مکملاً فی تطبیق الاتفاقیة عندما تستعید قواعد التنازع القانون الموحد للبیع الدولی.
ثانیاً: عندما تطرح مسألة من المسائل التی لم تعالجها الاتفاقیة، فینبغی هنا البحث عن القانون الوطنی المطبق على العقد، ویتم تحقیق هذه الغایة عن طریق قواعد تنازع القوانین، وقد رأینا أن الاتفاقیة لم تعالج مسائل عدیدة من ضمنها صحة العقد ونقل الملکیة وغیرها من الأمور التی تناولناها فی ثنایا البحث، فیتعین هنا الرجوع إلى القانون الوطنی لدولة ما بموجب قواعد تنازع القوانین.
ثالثاً: تحیل المادة من الاتفاقیة صراحة إلى القانون الذی تعینه قواعد القانون الدولی الخاص، فیما یتعلق بالمسائل الخاصة بالموضوعات التی تتناولها هذه الاتفاقیة والتی لم تحسمها نصوصها، ولم یوجد لها جواب فی المبادئ العامة التی أخذت بها الاتفاقیة، إذ تنص هذه المادة على أن (1. یراعى فی تفسیر هذه الاتفاقیة صفتها الدولیة وضرورة تحقیق التوحید فی تطبیقها کما یراعى ضمان احترام حسن النیة فی التجارة الدولیة. 2. المسائل التی تتعلق بالموضوعات التی تتناولها هذه الاتفاقیة والتی لم تحسمها نصوصها، یتم تنظیمها على وفق المبادئ العامة التی أخذت بها الاتفاقیة، وفى حالة عدم وجود هذه المبادئ، تسرى أحکام القانون الواجب التطبیق وفقا لقواعد القانون الدولی الخاص). ومن الواجب فی هذه الحالات العودة إلى القانون الدولی الخاص، ومن هنا تسأل البعض عما إذا کان جهد توحید قانون البیع الدولی قد تجلى على هذا الصعید أیضاً.
رابعاً: تعطی المادة (92) من اتفاقیة فیینا الحق لکل دولة متعاقدة عند التوقیع أو التصدیق أو الموافقة أو الانضمام للاتفاقیة أن تلتزم فقط بأحد القسمین الثانی أو الثالث من هذه الاتفاقیة، ومن ثم فان الاقتصار على الالتزام بأحد القسمین سیشکل أیضاً نقصاً فی الأحکام التی تنظم عقد البیع الدولی، ومن ثم یکون سد النقص باللجوء إلى القواعد الوطنیة التی تحددها قواعد القانون الدولی الخاص للهیئة القضائیة التی تنظر النزاع.
خامساً: أعطت الاتفاقیة بموجب المادة منها، الحق للأطراف باستبعاد الاتفاقیة والاتفاق على اختیار قانون آخر لینطبق على عقد البیع الدولی، ومن الطبیعی أن هذا الأمر لا یمکن أن یسمح به للأطراف إلا إذا کانت قواعد القانون الدولی الخاص فی بلد القاضی تسمح للأطراف بحریة اختیار القانون الواجب التطبیق على عقد البیع.
وهکذا یتبین انه على الرغم من الجهد الذی بذل فی سبیل إقرار قواعد موضوعیة موحدة لعقد البیع الدولی للبضائع تنطبق بصورة مباشرة دون حاجة إلى قواعد تنازع القوانین، إلا أن مراجعة نصوص هذه الاتفاقیة وتفحصها یکشف وجود بعض العقبات القانونیة تقف حجر عثرة فی سبیل التوحید. فأحکامها لا تقضی على کافة الصعوبات التی تنشأ فی نطاق عقد البیع، لاسیما وان الاتفاقیة أجازت للدول المتعاقدة إبداء العدید من التحفظات على نطاق تطبیقها. کما أن الاتفاقیة فتحت الباب على مصراعیه أمام الأطراف لاستبعاد الاتفاقیة کلیاً أو جزئیا أو التقلیل من اثر أحکامها، ونرى أن ذلک مسلک غریب من الاتفاقیة تضیع الجهد الکبیر المبذول فی سبیل إقرار قواعدها، فأی مکان یبقى للاتفاقیة إذا کان الأطراف فی کل عقد بیع دولی یتفقون على استبعاد أحکامها؟.
فعلى الرغم من أهمیة هذه الاتفاقیة فی مجال توحید القواعد الموضوعیة، إلا أن الرکون إلى هذا المصدر وحده فیه عدة صعوبات ناجمة عن عجزها فی إیجاد حلول موضوعیة موحدة. ولعل عجزها هذا اوجد الحاجة إلى قواعد تنازع القوانین کما بینا سابقاً، وهذا یدل على أن المناهج الموجودة فی نطاق القانون الدولی الخاص تکمل بعضها بعضاً، وقد نجد أن فی علاقة ما یمکن أن نطبق المنهج الموضوعی ومنهج التنازع ومنهج التطبیق المباشر لقواعد القانون الدولی الخاص.
لذلک نتفق مع البعض بان منهج القواعد الموضوعیة یضیق ویحد من نطاق منهج التنازع، إلا انه لا یستبعد نهائیاً هذا المنهج، الذی یحتفظ بدور لا یمکن إهماله، سواء بالنسبة لتحدید مجال تطبیق القاعدة الموضوعیة أو بالنسبة لتفسیر تلک القواعد.
الخاتمة :
بعد أن انتهینا من هذا البحث بعون الله وتوفیقه توصلنا إلى الاستنتاجات الآتیة:
1. عملت المنظمات الدولیة، على توحید القواعد التی تحکم المعاملات التجاریة الدولیة بهدف تنمیة التعامل التجاری بین الدول، وحمایة أطراف المعاملات التجاریة من المخاطر التی تنجم عن تطبیق القوانین الوطنیة المختلفة التی یجهلون أحکامها، ولقد اتجهت الجهود إلى توحید القواعد الموضوعیة لعقود البیع الدولی للبضائع، وتکللت هذه الجهود بوضع اتفاقیة دولیة تحکم عقد البیع الدولی هی اتفاقیة فیینا لعام 1980م.
2. کان الغرض الذی تهدف اتفاقیة الأمم المتحدة بشأن عقود البیع الدولی للبضائع إلى تحقیقه هو توحید القواعد القانونیة التی تحکم البیوع الدولیة، واعتماد قواعد موحدة، تنظم عقود البیع الدولی للبضائع، وتأخذ فی الاعتبار مختلف النظم الاجتماعیة والاقتصادیة والقانونیة، لان هذا الأمر من شأنه أن یسهم فی إزالة الحواجز القانونیة فی مجال التجارة الدولیة وأن یعزز تنمیة التجارة الدولیة، وهذه القواعد الموضوعیة الموحدة تنطبق بذاتها على عقد البیع الدولی الخاضع لها دون الرجوع إلى قواعد القانون الدولی الخاص "تنازع القوانین".
3. وفی ضوء وضع الاتفاقیة لقواعد موضوعیة تنطبق مباشرة على عقود البیع الدولی، کان لابد من بیان نطاق تطبیق الاتفاقیة، وبینت الاتفاقیة نطاق تطبیقها الدولی، فهی تنطبق على عقود بیع البضائع المبرمة بین أطراف توجد أماکن عملهم فی دول مختلفة، عندما تکون هذه الدول دولاً متعاقدة؛ أو عندما تؤدى قواعد القانون الدولی الخاص إلى تطبیق قانون دولة متعاقدة. وإذا کان لأحد أطراف عقد البیع الدولی أکثر من مرکز أعمال، فإنه یعتد بمرکز الأعمال الذی یکون أقرب صلة بالعقد وتنفیذه على أن یؤخذ فی الاعتبار الظروف المعروفة أو التی یواجهها أطراف البیع فی أی وقت قبل أو عند إبرام العقد، أما إذا لم یکن للأطراف مرکزاً للأعمال، فیعتد بمحل الإقامة المعتاد.
4. تبین لنا أن اتفاقیة فیینا لا تأخذ فی الاعتبار جنسیة الأطراف ولا الصفة المدنیة أو التجاریة للأطراف أو للعقد فی تحدید تطبیق هذه الاتفاقیة. فهی تنطبق على عقود بیع البضائع المبرمة بین أطراف توجد أماکن عملهم فی دول مختلفة، بغض النظر عن جنسیة أطراف عقد البیع الدولی وبغض النظر عن الصفة المدنیة أو التجاریة للعقد أو للأطراف.
5. على الرغم من هدف الاتفاقیة إقرار قواعد موضوعیة تجنب اللجوء إلى قواعد التنازع، إلا أننا وجدنا أن هناک علاقة کبیرة بین الاتفاقیة وبین قواعد تنازع القوانین، وتمثلت هذه العلاقة فیما یأتی:
أ. أحالت الاتفاقیة ذاتها إلى قواعد القانون الدولی الخاص التی تؤدی إلى تطبیق الاتفاقیة، فی حالة عدم انطباقها إذا لم یکن مرکز عمل الأطراف موجوداً فی دول متعاقدة مختلفة.
ب. لم تنظم الاتفاقیة جوانب عقد البیع الدولی کافة، ومن ثم فان الجوانب التی لم تنظمها الاتفاقیة یتم إکمالها عن طریق القوانین الوطنیة التی تحددها قواعد القانون الدولی الخاص.
ج. مسائل التفسیر التی لا یوجد لها حل فی نطاق الاتفاقیة ومبادئها العامة، تسرى بخصوصها أحکام القانون الواجب التطبیق على وفق قواعد القانون الدولی الخاص.
د. التحفظات التی سمحت بها الاتفاقیة للدول الأعضاء فی أن تلتزم بأحد القسمین الثانی أو الثالث، یشکل نقصاً فی تنظیم جوانب عقد البیع الدولی ومن ثم یکون سد النقص باللجوء إلى القواعد الوطنیة التی تحددها قواعد القانون الدولی الخاص للهیئة القضائیة التی تنظر النزاع. ومن ثم نرى أن التحفظات التی تضعها الاتفاقیات یمکن أن تؤدی إلى ضیاع الجهد المبذول فی سبیل إقرار القواعد الموضوعیة، عن طریق الاتفاقیات الدولیة فی مجال العلاقات الخاصة الدولیة.
6. وجدنا أن الاتفاقیة سمحت للأطراف بإمکان استبعاد تطبیقها باتفاق الأطراف، ونرى أن ذلک یعد مسلکاً غریباً من واضعی الاتفاقیة، على الرغم من أن مبدأ حریة الإرادة معترف به على نطاق واسع فی مجال القانون الدولی الخاص. وإذا کان من الطبیعی السماح للأطراف بالاتفاق على تطبیق الاتفاقیة، لان ذلک سیوسع من نطاق تطبیقها، إلا انه من غیر الطبیعی أن نسمح للإطراف بالاتفاق على استبعادها، وخصوصاً وان واضعی الاتفاقیة قد اجتهدوا وبذلوا جهوداً فی وضع قواعد عدیدة وجدوا أنها ملائمة لان تنطبق على عقد البیع الدولی، ومن ثم فان السماح للأطراف باستبعاد تطبیقها سیکون هدراً لهذا الجهد.
7. إذا کان المنهج الموضوعی یمثل منهجاً جدیداً قیاساً إلى منهج تنازع القوانین الذی یرجع فی ظهوره إلى القرن الثالث عشر، فان ذلک لا یعنی أن یکون بدیلاً عن منهج التنازع، ومن ثم فان الحدیث عن التعاون بین المناهج التی ظهرت فی العلاقات الخاصة الدولیة، یکون أفضل بکثیر من الحدیث عن وجود أزمة فی هذه المناهج التی تمثلت فی قصور منهج الإسناد وضرورة وجود مناهج أخرى بدیلة عنه، وقد وجدنا کیف أن اتفاقیة فیینا التی تمثل منهجاً موضوعیاً فی العلاقات الخاصة الدولیة، قد اعتمدت بشکل کبیر على المنهج التقلیدی ألا وهو منهج قواعد الإسناد.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: Books:
1. Dr. Ahmed Abdel-Hamid Ashoush, Conflict of Laws (Comparative Study), University Youth Foundation, Alexandria, 1989.
2. Dr. Ahmed Abdel Karim Salama, Rules of Application and Rules of Public Law in Private International Law (Applied Analytical Study), Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1985.
3. Jérôme Hoyère, Civil Law Prolonged, Special Contracts, Translated by Mansour Al-Qadi, First Edition, University Institution for Studies, Publishing and Distribution, Beirut, Lebanon, 1423H-2003G.
4. Dr. Hossam El-Din Abdel Ghani El-Saghir, Interpretation of the United Nations Convention on Contracts for the International Sale of Goods, Dar al-Nahda al-Arabiya, 32 Abdel Khalek Tharwat Street, Cairo, 2001.
http://cisgw3.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/interpretation.htm
5. Dr. Taleb Hassan Mousa, International Trade Law, First Edition, Dar Al Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman, 2005.
6. Dr. Mahmoud Samir Al-Sharqawi, International Commercial Contracts, Special Study of the Contract for the International Sale of Goods, Dar Al-Nahda Arab Publishers, 32 Abdel Khaleq Tharwat St., Cairo, 1992.
http://cisgw3.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/sharkawy.htm
7. Dr. Hisham Ali Sadiq, Law Applicable to International Trade Contracts, Knowledge Establishment, Alexandria, 1995.
Second: Research:
1. Dr. Mohsen Shafiq, The Hague Conventions of 1964 Concerning the International Sale of Material Assets (Study in the Law of International Trade), Section I, Journal of Law and Economics, Third Issue, Forty-fourth Year, September 1974.
2. Dr. Mohamed Shoukry Sorour, Summary of the provisions of the International Sale of Goods Agreement in accordance with the Vienna Convention 1980, research published in the Journal of Law issued by Kuwait University, No. 3, the eighteenth year, September 1994.
Third: Permits:
1. Dr. Ahmed Hani Mohamed Al-Sayed Abu Al-Enin, Examination and Notification as a Duty of the Buyer in the United Nations Convention on the Contract for the International Sale of Goods, Ph.D. dissertation submitted to the Faculty of Law, Menoufia University, 2005. Published on the Internet at the following website:
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/AHani.pdf
2. Dr. Tariq Abdullah Issa Mujahid, Conflict of Laws in International Trade Contracts, PhD thesis submitted to the College of Law Council, Baghdad University, 2001.
3. Dr. Nagham Hanna Raouf, Seller's Obligation to Deliver in the Contract for the International Sale of Goods in Accordance with the Vienna Convention 1980, Comparative Analytical Study, PhD Thesis Submitted to the Faculty of Law, University of Mosul, 2004.
Fourth: Laws:
1. The Iraqi Civil Code No. (40) for the year 1951.
Fifth: Conventions and Documents:
1. The text of the Vienna Convention 1980 in Arabic on the following website:
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/text.htm
2. The numbered document (A / CONF.97 / 5) prepared by the General Secretariat of UNCITRAL on 14 March 1979 on the commentary to the draft Convention, which was rewritten by the Middle East Center for International Trade Law after obtaining the approval of UNCITRAL.
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/draft/draft_index.htm
3. UNCITRAL profile on case law based on the United Nations Convention on the International Sale of Goods in relation to article 1 of the Convention (A / CN.9 / SER.C / DIGEST / CISG / G / 1).
http://daccess-ods.un.org/access.nsf/Get?Open&JN=V0454717
4. UNCITRAL profile on case law based on the United Nations Convention on the International Sale of Goods in relation to article 6 of the Convention (A / CN.9 / SER.C / DIGEST / CISG / G / 6).
http://daccess-ods.un.org/access.nsf/Get?Open&JN=V0454748
Sixth: Resolutions:
The resolutions adopted by the research are published in the following locations:
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract1.html
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract2.htm
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract4.htm
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract5.htm
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract6.html
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract7.html
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract8.html
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract9.htm
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract10.htm
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract11.htm
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract13.htm
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract14.html
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract15.htm
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract17.html
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract19.htm
http://www.cisg.law.pace.edu/cisgarabic/middleast/abstract20.html
http://www.cisg.at/1_7701g.htm