الملخص
لقد أخذت الدولة على عاتقها مهمة القضاء وإقامة العدل بین الناس بحیث أصبحت السلطة القضائیة هی إحدى الوظائف الأساسیة للدولة. وبذلک لم یبق للفرد فی سبیل الدفاع عن حقوقه ومراکزه القانونیة وتنفیذ الواجبات الإجرائیة الملقاة على عاتقه، من سبیل إلا السلوک طریق القضاء واللجوء إلى محاکم الدولة لإنصافه. لذلک أصبح لزاماً على الدولة ان تکفل لجمیع الأفراد حقهم فی اللجوء إلى القضاء، وذلک بان تذلل طریق القضاء لکل من یسلکه وان تفتح أبواب محاکمها لکل من یطرقها دون أیة قیود أو صعوبات وان توفر الضمانات الأساسیة التی تکفل للمتقاضین تحقیق العدالة والمساواة
الموضوعات
أصل المقالة
القوة القاهرة وأثرها فی أحکام قانون المرافعات المدنیة*
Force majeure and its impact on the provisions of the Civil Procedure Code
یاسر باسم ذنون کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Yasser Bassem Thanoun College of law / University of Mosul Correspondence: Yasser Bassem Thanoun E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 14/8/2007 *** قبل للنشر فی 11/9/2007
(*) Received on 14/8/2007 *** accepted for publishing on 11/9/2007.
Doi: 10.33899/alaw.2008.160537
© Authors, 2008, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المقدمة:
الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام على سیدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم وبعد:
لقد أخذت الدولة على عاتقها مهمة القضاء وإقامة العدل بین الناس بحیث أصبحت السلطة القضائیة هی إحدى الوظائف الأساسیة للدولة. وبذلک لم یبق للفرد فی سبیل الدفاع عن حقوقه ومراکزه القانونیة وتنفیذ الواجبات الإجرائیة الملقاة على عاتقه، من سبیل إلا السلوک طریق القضاء واللجوء إلى محاکم الدولة لإنصافه. لذلک أصبح لزاماً على الدولة ان تکفل لجمیع الأفراد حقهم فی اللجوء إلى القضاء، وذلک بان تذلل طریق القضاء لکل من یسلکه وان تفتح أبواب محاکمها لکل من یطرقها دون أیة قیود أو صعوبات وان توفر الضمانات الأساسیة التی تکفل للمتقاضین تحقیق العدالة والمساواة.
وکانت وسیلة اللجوء إلى القضاء هی الدعوى والأصل فی الدعوى أن تسیر بصورة طبیعیة، على وفق المنهج الإجرائی الذی رسمه قانون المرافعات المدنیة بغیة ختامها بالحکم الصادر فیها، فالوضع الطبیعی للدعوى هو انتظام سیرها إلى حین الفصل فی موضوعها. الا أن الدعوى لا تسیر على هذا الوضع الطبیعی وإنما قد تعتریها واقعة توصف بکونها قوة قاهرة وهی إحدى صور السبب الأجنبی، فإذا کانت هذه الواقعة مستقلة عن إرادة الخصم وغیر متوقعة ولا یمکن دفعها، وان من شأنها أن تجعل مباشرة الخصم للعمل الإجرائی مستحیلاً استحالة مطلقة، فأنها تعدَّ قوة قاهرة.
وعلى هذا الأساس إذا توافرت الشروط المذکورة جمیعها فی القوة القاهرة، فانه یترتب علیها نوعین من الآثار بالنسبة للدعوى المدنیة. فالأثر الأول، الذی تحدثه هو اثر مباشر وذلک لأنه یتوزع على مرحلتین، فهو أما أن یحدث أثناء النظر فی الدعوى المدنیة مثل وفاة أحد الخصوم أو فقده أهلیة التقاضی أو زوال صفة من یباشر الخصومة عنه. وبالتالی فانه یؤدی إلى وقف السیر فی الدعوى وبطلان الإجراءات المتخذة خلال مدة الوقف أو أن یحدث هذا الأثر المباشر بعد صدور الحکم بالدعوى المدنیة وتبلغ المحکوم علیه به ومن ثم وفاته وذلک بحسب نوعیة الحکم وصفته.
أما الأثر الثانی الذی تحدثه فهو الأثر غیر المباشر، وهو یبدو فی مجالین الأول فی القانون المدنی ویتمثل بانتفاء المسؤولیة التقصیریة عن أی طرف من أطراف الرابطة الإجرائیة والمکلف بالقیام بعمل إجرائی. فإذا لم یقم بتنفیذه خلال المدة المحددة قانوناً، فلا تنهض مسؤولیته التقصریة لان القوة القاهرة هی التی حالت بینه وبین مباشرته العمل الإجرائی الملقى على عاتقه. والثانی فی قانون الإثبات ویبدو فی التیسیر من عبء الإثبات الملقى على عاتق الخصم من حیث نوعیة الدلیل إذ یترتب على فقدان الدلیل الکتابی (الرسمی أو العادی) بالقوة القاهرة جواز إثبات الحق موضوع الدعوى بکافة طرائق الإثبات بما فی ذلک البینة الشخصیة والقرینة القضائیة، بدلاً من الدلیل الکتابی.
هدف البحث:
یهدف البحث إلى تحدید التأصیل القانونی لفکرة القوة القاهرة فی إطار قانون المرافعات المدنیة ففی هذا القانون لم ینص المشرع على مصطلح القوة القاهرة وإنما استخدم مصطلح انقطاع المرافعة وذلک بصفته من الأحوال الطارئة على الدعوى المدنیة فالحالات التی أوردها المشرع فی انقطاع المرافعة ما هی الا تطبیقات للقوة القاهرة وان کانت هذه الحالات واردة على سبیل الحصر. مع الأخذ بنظر الاعتبار أن القوة القاهرة فی إطار هذا القانون الإجرائی تکون على نوعین خاصة وعامة وفحوى الخاصة أن تکون مقتصرة على الخصم وحده. أما العامة فهی تشمل الخصوم وأطراف الرابطة الإجرائیة والغیر على حد سواء.
فکان موضوع البحث یهدف إلى عرض هذه المفاهیم ومدى اعتبار حالات الانقطاع من قبیل القوة القاهرة الخاصة إذا تحققت فی أسباب الانقطاع شروط القوة القاهرة.
فرضیة البحث:
یبغی هذا البحث الإجابة عن جملة من التساؤلات تشکل فحوى الفرضیة، وفی مقدمة هذه التساؤلات، مدى اخذ المشرع العراقی بفکرة القوة القاهرة فی مجال قانون المرافعات المدنیة. بصفته المرجع لکافة القوانین الإجرائیة ؟ وما هو تعریفها فی فترة إطار هذا القانون؟ وهل القوة القاهرة والظروف الطارئة شیء واحد أم أنهما مختلفان؟ وما هو وجه الاختلاف بینها وبین المانع أو العذر القانونی أم أنهما شیء واحد؟ وما هی آثارها فی مجال الدعوى المدنیة وبعد صدور الحکم فیها؟ وهل یقتصر أثرها على الخصوم أما انه یمکن أن یشمل أطراف الرابطة الإجرائیة کافة والغیر؟
منهجیة البحث:
اعتمدت الدراسة فی هذا البحث على المنهج التأصیلی بالدرجة الأساس الذی یقوم على أساس تأصیل فکرة القوة القاهرة بالنص التشریعی المعالج لها. کما اعتمدت الدراسة على المنهج التحلیلی، والذی یقوم على أساس تحلیل الفکرة المعروضة ومناقشتها فی ضوء الآراء الفقهیة المطروحة وبیان الراجح منها. فضلاً عن المنهج المقارن والذی انحصرت فیه المقارنة ما بین القانون المدنی وقانون المرافعات، والإثبات المصری فضلاً عن القانون المدنی وقانون المرافعات الفرنسی. ولم تأخذ الدراسة بالمنهج التطبیقی والمتمثل بالقرارات القضائیة لأننا لم نعثر على أی قرار تمییزی صادر عن محکمة التمییز أو محکمة الاستئناف بصفتها التمیزیة یشیر إلى استخدام فکرة القوة القاهرة، وان کان هناک العدید من القرارات التمییزیة لکنها وردت تحت عنوان انقطاع المرافعة ولیس تطبیقاً لفکرة القوة القاهرة.
خطة البحث:
مما تقدم، فان خطة البحث لهذا الموضوع تقع فی تمهید یتناول التأصیل القانونی لفکرة القوة القاهرة. ومبحثین یتناول المبحث الأول ماهیة القوة القاهرة، وذلک فی مطلبین یبحث الأول منهما فی التعریف وذلک فی فرعین الفرع الأول فی تعریف القوة القاهرة، أما الفرع الثانی فهو یتناول شروطها. فی حین یبحث الثانی منهما فی ذاتیة القوة القاهرة، وذلک فی فرعین، الفرع الأول فی تمییزها عن نظریة الظروف الطارئة، أما الفرع الثانی فهو یتطرق إلى تمییزها عن المانع أو العذر القانونی.
أما المبحث الثانی فانه یتناول الآثار الناجمة عن القوة القاهرة، وذلک فی مطلبین، المطلب الأول یتناول الأثر المباشر للقوة القاهرة وهو أیضا فی فرعین، الفرع الأول یتناول السیر فی الدعوى المدنیة والفرع الثانی، فانه یبحث الحکم بالدعوى المدنیة. أما المطلب الثانی، فانه یبحث فی الأثر غیر المباشر للقوة القاهرة، وهو فی فرعین أیضا، الفرع الأول أثرها على دلیل الإثبات المقدم فی الخصم، والفرع الثانی أثرها فی انتقاء المسؤولیة المدنیة عن أطراف الرابطة الإجرائیة. فضلاً عن خاتمة البحث التی تضمنت أهم النتائج والتوصیات.
تمهید
التأصیل القانونی لفکرة القوة القاهرة
ان لفکرة القوة القاهرة وجود حقیقی فی ظل أحکام القانون المدنی العراقی. إذ أخذ بها المشرع العراقی صراحةً فی المادة (211) منه. والتی تنص على انه "إذا اثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبی لا ید له فیه کآفة سماویة أو حادث فجائی أو قوة قاهرة أو فعل الغیر أو خطأ المتضرر، کان غیر ملزم بالضمان ما لم یوجد نص أو اتفاق على غیر ذلک". ففی هذا النص التشریعی أخذى المشرع العراقی صراحةً بفکرة القوة القاهرة، وذلک بصفتها احد صور السبب الأجنبی الذی تنقطع به علاقة السببیة ما بین رکنی الخطأ والضرر، وهی عناصر المسؤولیة المدنیة بنوعیها العقدیة والتقصیریة. ولا غبار فی أن القانون المدنی یعدَّ قانون موضوعی ینظم الحق من الناحیة الموضوعیة.
أما فی إطار القوانین الإجرائیة،لاسیما قانون المرافعات المدنیة، والذی یعدَّ المرجع لکافة القوانین الإجرائیة فان لفکرة القوة القاهرة وجود حقیقی، الا أن المشرع لم ینص علیها صراحةً وذلک على غرار القوانین الموضوعیة، کما فی القانون المدنی. فإذا کانت القوة القاهرة، تحول دون تنفیذ المتعاقدین لالتزاماتهم العقدیة، أو القانونیة، فی القوانین الموضوعیة، فلیست ثمة ما یمنع، من أن تحول القوة القاهرة دون ممارسة الخصوم لحقوقهم الإجرائیة، بغیة الدفاع عن حقوقهم ومراکزهم القانونیة أو المطالبة بها أو تحول دون تنفیذهم الالتزامات والواجبات الإجرائیة المکلفین بها. ولا شک ان الإخلال بالواجب الإجرائی یؤدی إلى ضیاع الحق الموضوعی.
وإذ لم ینص المشرع صراحة على القوة القاهرة فی القوانین الإجرائیة فانه یمکننا الاستدلال علیها صراحة من خلال ما یلی:
أولاً. قانون المرافعات المدنیة رقم (83) لسنة 1969:
قد یتوقف نظر الدعوى فترة من الزمن لأسباب تختلف عن وقف المرافعة رغم اتفاق هذه الأسباب فی الأثر مع أسباب وقف المرافعة. وهذه الحالة یصطلح علیها بانقطاع المرافعة معناه وقف السیر فی إجراءات الدعوى بحکم القانون بمجرد قیام سببه وان هذه الأسباب واردة فی نص المادة (84) من قانون المرافعات المدنیة على سبیل الحصر. إذ تنص المادة (84) على انه "ینقطع السیر فی الدعوى بحکم القانون بوفاة احد الخصوم أو بفقده أهلیة الخصومة أو زوال صفة من کان یباشر الخصومة نیابة عنه الا إذا کانت الدعوى قد تهیأت للحکم فی موضوعها"
وبموجب هذا النص فان الضرورة (القوة القاهرة) تحتم انقطاع الخصومة فالوفاة أو زوال الصفة أو فقدان الأهلیة، تحدث دون أن یکون للخصم ید فی حدوثها، أو تکون له القدرة على دفعها، فانقطاع الخصومة هو تصدع رکن الخصومة الشخصی بالنسبة لأی من طرفیها فهی تحدث بالنسبة للمدعی وبالنسبة للمدعى علیه فی الحالتین نفس الأثر.
ویتضح من هذا أن انقطاع المرافعة یتمیز عن وقف المرافعة بخاصیتین: الأولى، انه یحصل دائماً بحکم القانون بمجرد قیام سببه والثانیة، أن له أسباباً معینة نص علیها القانون على سبیل الحصر فتوقف الخصومة لأی سبب آخر غیر أسباب الانقطاع التی نص علیها القانون لا یعدَّ انقطاعاً.
ومن خلال ما تقدم یلاحظ أن أسباب انقطاع المرافعة هی ثلاثة أسباب، الأول وفاة احد الخصوم، فإذا توفی احد طرفی الدعوى فیجب على المحکمة أن تقرر انقطاع المرافعة إلى حین إبراز القسام الشرعی. أما وفاة الوکیل أو انقضاء وکالته بالعزل أو الاعتزال. فلا ینقطع السیر فی الدعوى بسببها، وللمحکمة أن تمنح أجلاً مناسباً للخصم الذی توفى وکیله أو انقضت وکالته. والثانی هو فقدان احد الخصوم أهلیة الخصومة، ومثال ذلک إذا حجر على احد الخصوم لسفه أو عته أو جنون أثناء المرافعة، فیجب على المحکمة أن تقرر انقطاع المرافعة، إلى حین دعوة القیم والثالث زوال صفة من کان یباشر الخصومة فإذا زالت الصفة عن احد أطراف الدعوى ومثال ذلک إذا عزل المتولی عن الوقف فتقرر المحکمة انقطاع المرافعة ریثما یعین متولی جدید. أما تغییر صفة الوزیر أو المدیر الذی أقیمت علیه الدعوى إضافة لوظیفته فأنها لا تؤثر على سیر الدعوى لان الدعوى لیست مقامة علیه بصفته الشخصیة وإنما بالإضافة لوظیفته.
ولکن مما تجدر الإشارة إلیه انه إذا کانت الدعوى مهیئة للحکم فی موضوعها، فان وفاة احد الخصوم أو فقدانه أهلیته أو زوال صفة من کان یباشر الخصومة نیابة عنه لا تؤدی إلى قطع المرافعة بل تصدر المحکمة حکمها فی الدعوى.
من خلال کل ما تقدم یلاحظ أن نص المادة (84) من قانون المرافعات المدنیة قد عالجت حالة انقطاع المرافعة، وذلک بصفتها من الأحوال الطارئة على الدعوى المدنیة، وحصرت أسباب انقطاع المرافعة بثلاث أسباب وهی وفاة احد الخصوم، وزوال صفة من کان یباشر الخصومة، وفقد أهلیة التقاضی، فالتساؤل الذی یطرح نفسه فی هذا المجال، الا تعدَّ هذه الحالات الثلاث قوة قاهرة؟
لا شک أن الأحوال الثلاثة المذکورة فی نص المادة (84) تعدَّ من قبیل القوة القاهرة وذلک للأسباب الآتیة:
1. أن هذه الأحوال الثلاثة تعدَّ خارجة عن إرادة أطراف الرابطة الإجرائیة، فلیس لإرادة الخصوم خصوصاً، دور فی حدوث الوفاة أو فقدان الأهلیة أو زوال صفة الخصومة مع الأخذ بنظر الاعتبار أن المشرع استدرک حالة الوکیل وافرد له نصاً خاصاً هو نص المادة (85) والمذکورة سلفاً.
2. أن المشرع تدخل وبشکل صریح فی تحدید الأثر المترتب على تحقق احد هذه الحالات الثلاث، وهو ما نص علیه صراحة فی المادة (86/3) بنصها "یترتب على انقطاع السیر فی الدعوى وقف جمیع المدد القانونیة التی کانت ساریة فی حق الخصوم وبطلان جمیع الإجراءات التی تحصل أثناء الانقطاع".
ولهذا فان تدخل المشرع صراحة فی تحدید الأثر المترتب على انقطاع المرافعة، یعدَّ إقراراً منه بفکرة القوة القاهرة وارى بان نص المادة (84) یعدَّ تأصیلاً قانونیاً لفکرة القوة القاهرة التی تطرأ على الدعوى المدنیة أثناء السیر فیها.
إذا کان الحال کذلک أثناء السیر فی الدعوى المدنیة، الا انه قد یحصل فی بعض الأحیان انه بعد صدور الحکم بالدعوى المدنیة والتبلغ به أن یتوفى المحکوم له أو یفقد أهلیته للتقاضی أو تزول صفة من کان یباشر الخصومة نیابة عنه. وقد یرغب المحکوم علیه الطعن بالحکم، فقد لا یعلم هذا الأخیر موطن ورثة المحکوم له أو لا یعلم موطن من یقوم مقام المحکوم له الذی فقد أهلیته للتقاضی أو من یقوم مقام الشخص الذی کان یباشر الخصومة نیابة عن المحکوم له. فما هو موقف القانون إزاء هذه الأحوال الثلاثة؟
لقد حرص المشرع على حمایة المحکوم علیه فی هذه الأحوال الثلاثة إذ نص فی المادة (174). منه على انه "1. تقف المدد القانونیة إذا توفی المحکوم علیه أو فقد أهلیته أو زالت صفة من کان یباشر الخصومة عنه بعد تبلیغه بالحکم وقبل انقضاء المدد القانونیة للطعن. 2. لا یزول وقف المدة الا بعد تبلیغ الحکم إلى الورثة أو احدهم فی آخر موطن کان للموروث أو موطن من یقوم مقام من فقد أهلیته للتقاضی أو صاحب الصفة الجدیدة. 3. تجدد المدد بالنسبة لمن ذکروا فی الفقرة السابقة بعد تبلیغ الحکم المذکور على الوجه المتقدم".
فبموجب هذا النص تقف المدد القانونیة إذا توفی المحکوم علیه أو فقد أهلیته للتقاضی أو زالت صفة من کان یباشر الخصومة عنه، بشرط ان تحدث هذه الأحوال الثلاثة بعد تبلیغه بالحکم وقبل انقضاء المدد القانونیة للطعن. وهذا ما أکدته المادة (174/1) من قانون المرافعات المدنیة. وذات النص أشار فی الفقرة الثانیة منه إلى انه لا یزول وقف المدة الا بعد تبلیغ الحکم إلى الورثة أو احدهم فی آخر موطن کان للمورث أو موطن من یقوم مقام من فقد أهلیته للتقاضی أو صاحب الصفة الجدیدة.
بعد کل ما تقدم، أرى أن نص المادة (174) من قانون المرافعات المدنیة یعدَّ تأصیلاً قانونیاً لفکرة القوة القاهرة فی هذا القانون مع الأخذ بنظر الاعتبار أن المادة (84) عالجت نفس الحالات لکن أثناء السیر فی الدعوى المدنیة، بخلاف المادة (174) والتی عالجت نفس الحالات أیضا، ولکن بعد صدور الحکم بالدعوى والتبلغ به. وکلا النصین یعدَّان تأصیلاً تشریعیاً للقوة القاهرة فی قانون المرافعات المدنیة.
ثانیاً. قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979 المعدل:
قد یفقد المدعی الدلیل الکتابی الذی یثبت موضوع دعواه اتجاه المدعی علیه بسبب خارج عن أرادته، وقد یفقد المدعى علیه سند المخالصة الذی یثبت براءة ذمته اتجاه المدعی بسبب خارج عن أرادته. کان یکون بسبب قصف قوات الاحتلال الأمریکیة للمناطق السکنیة أو لموطن المدعی أو لموطن المدعى علیه وقد یحصل الفقدان بسبب أعمال السلب والنهب. فعلى سبیل المثال، إذا کان التصرف القانونی موضوع الدعوى تزید قیمته على خمس آلاف دینار، فلا شک ان القانون لا یجیز إثباته الا بالدلیل الکتابی. فإذا فقد المدعی هذا الدلیل بسبب قوة قاهرة أو فقد المدعى علیه سند المخالصة بسبب قوة قاهرة، فهل یسقط حق المدعی أو المدعى علیه من المطالبة بحقوقهم ومراکزهم القانونیة أو الدفاع عنها بسب أمر خارج عن إرادتهم وهو القوة القاهرة؟
لقد عالج المشرع العراقی هذه الحالة بنص صریح هو نص الفقرة الأولى من المادة (18) من قانون الإثبات والتی تنص على انه "یجوز ان یثبت بجمیع طرائق الإثبات ما کان یجب إثباته بالکتابة فی حالتین: أولا. إذا فقد السند الکتابی بسبب لا دخل لإرادة صاحبه فیه. ثانیاً. إذا وجد مانع مادی أو أدبی حال دون الحصول على دلیل کتابی".
فهذا النص یوضح بأنه إذا فقد الخصم الدلیل الکتابی الذی یثبت حقه موضوع الدعوى بسبب قوة قاهرة، فان هذا الفقدان یکون له عذراً مخففاً، یجیز له ان یثبت بکافة طرائق الإثبات ما کان یجب علیه إثباته بالدلیل الکتابی. إذ لیس من العدل ان تسد أمامه طرائق الإثبات الأخرى بعد ان استحال علیه تقدیم الدلیل الکتابی، وهذا الحکم ینطبق على الدائن والمدین على حد سواء.
ویشترط لأعمال هذا الاستثناء من القاعدة العامة، شرطین هما: أولا. وجود الدلیل الکتابی مسبقاً. ثانیاً. فقدان هذا الدلیل الکتابی بسبب أجنبی.
بید أن التساؤل الذی یطرح نفسه فی هذا الصدد، هل ینصب الإثبات على واقعة وجود الدلیل الکتابی أم انه ینصب على واقعة الفقدان والتی تشکل القوة القاهرة؟
ابتداء یتعین على من یدعی فقدان السند أن یثبت وجود الدلیل الکتابی،وانه مستوف لشروط الدلیل الکتابی وهما الکتابة والتوقیع. ثم بعد ذلک علیه أن یقیم الدلیل على واقعتین، هما الحادث الذی أدى إلى الفقد وواقعة الفقد. وهذا الحادث قد یکون فعل المدعی علیه کما لو تسبب فی إعدام السند بالحیلة. وقد یکون فعل شخص أجنبی، کما لو تم تسلیم السند إلى المحکمة ثم فقد. والمهم فی جمیع هذه الأحوال أن یکون فقدان السند راجع إلى سبب أجنبی لا ید للخصم فیه.
من خلال کل ما تقدم، أرى أن نص المادة (18) من قانون الإثبات یعدَّ تأصیلاً قانونیاً لفکرة القوة القاهرة. إذا أخذ بها المشرع صراحة من خلال عبارة "...... إذا فقد السند الکتابی بسبب ......." فکلمة (بسبب) هنا تشیر إلى السبب الأجنبی وهو الذی یقطع علاقة السببیة ما بین رکنی الخطأ والضرر فی المسؤولیة المدنیة والمادة (211) من القانون المدنی العراقی قد أوردت عدة صور للسبب الأجنبی إحدى هذه الصور هی القوة القاهرة، وعلى هذا الأساس، فان کلمة (بسبب) الواردة فی نص المادة (18) من قانون الإثبات تدل على ان المشرع العراقی قد اخذ بفکرة القوة القاهرة، وراعى اثر حدوثها وهو التیسیر فی نوعیة دلیل الإثبات المقدم من قبل الخصم، إذ أجاز له ان یثبت بکافة طرائق الإثبات ما کان یجب علیه إثباته بالدلیل الکتابی.
المبحث الأول
ماهیة القوة القاهرة
لأجل التعرف على ماهیة القوة القاهرة، فإننا نقسم هذا المبحث إلى مطلبین، یتناول المطلب الأول، تعریف القوة القاهرة وشروطها فی حین یتناول المطلب الثانی تمییز القوة القاهرة مما یشتبه بها من أوضاع وحالات قانونیة.
المطلب الأول
التعریف بالقوة القاهرة
بغیة تعریف القوة القاهرة بشکل دقیق، فانه یتعین علینا ان نعرج على ما ذهب إلیه کل من التشریع والفقه والقضاء. ثم نبین الشروط الواجب توافرها فی الواقعة کی تکتسب صفة القوة القاهرة. وعلى هذا الأساس فإننا نقسم هذا المطلب إلى فرعین یتناول الفرع الأول التعریف فی حین یتناول الفرع الثانی الشروط.
الفرع الأول
تعریف القوة القاهرة
على صعید التشریع، لیس من ثمة تعریف تشریعی للقوة القاهرة. لا بل ان التشریعات لم تتفق على استعمال مصطلح واحد للدلالة على الحدث المکون للقوة القاهرة. واقرب مثال على ذلک المشرع العراقی فی المادة (211) من القانون المدنی والتی تنص على انه "إذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب أجنبی لا ید له کآفة سماویة أو حادث فجائی أو قوة قاهرة أو فعل الغیر أو خطأ المتضرر ........." فهذا النص یشیر إلى صور السبب الأجنبی وهی الآفة السماویة والحادث الفجائی والقوة القاهرة، وهی مصطلحات متغایرة من حیث اللفظ، مترادفة من حیث المعنى.
وعلى ذات النهج المشرع المصری فضلاً عن المشرع الفرنسی.
لکن مما تجدر الإشارة إلیه، انه ورد فی الأعمال التحضیریة لقانون التجارة الفرنسی القدیم ان عبارة الحادث الفجائی والقوة القاهرة لا تطلق الا على: "الحوادث التی تعجز یقظة الإنسان وجهوده عن تلافیها أو منع وقوعها". ورغم ذلک صدر قانون التجارة الفرنسی خلواً من تعریف تشریعی للقوة القاهرة.
وإزاء انعدام التعریف التشریعی للقوة القاهرة، فقد حاول کل من الفقه والقضاء، إیجاد تعریف دقیق لهذا المصطلح. فعلى صعید الفقه، عرفها البعض بأنها: "واقعة غیر ممکنة التوقع والدفع والتی تمنع شخصاً ما من تنفیذ التزامه"، فی حین ذهب جانب آخر الى تعریف القوة القاهرة بأنها "حدث مجهول غیر منسوب إلى المدین ویشمل بالمعنى الضیق تلک الإحداث التی تقع من قوى الطبیعة وحدها، العواصف والفیضانات والزلازل، ولکن فی ظل المعنى الواسع والمضطرد التی أصحبت تعنی کل حدث اجتمعت فیه خصائص القوة القاهرة ولو رجع إلى عمل الإنسان. ویقع بین عمل الطبیعیة وعمل الإنسان العدید من الإحداث التی تشکل دون شک قوة قاهرة بالمعنى الدقیق کالإضراب أو الحریة أو عمل ولی الأمر".
و عرفها جانب آخر من الفقه الفرنسی بأنها: "حدث یتحدد باستعماله التنفیذ التی تتفرع لعدة عناصر فی القضیة محل البحث واستحالة توقع الحدث ومنع وقوعه وأخیرا بغیاب الخطأ".
و ذهب جانب من الفقه العربی إلى تعریف القوة القاهرة بأنها: "أمر غیر متوقع حصوله وغیر ممکن تلافیه یجبر الشخص على الإخلال بالتزام" ویعرفها البعض بأنها "الحادث الخارجی عن إرادة الأطراف ویؤدی إلى استحالة تنفیذ الالتزامات التعاقدیة".
و ذهب جانب من الفقه العراقی إلى تعریف القوة القاهرة بأنها: "الأمر الأجنبی عن الدائن والمدین والغیر کالحرب بما ینجم عنها من أحداث مادیة وأزمات اقتصادیة أو صدور تشریع أو أمر أجنبی واجب التنفیذ أو وقع زلازل أو هبوب عاصفة أو انتشار وباء". کما عرفها البعض بأنها "کل أمر یصدر عن حادث خارج عن إرادة المدین لا یجوز نسبته إلیه من غیر الممکن توقعه وغیر الممکن دفعه، یجبر الشخص على الإخلال بالتزامه".
أما على صعید القضاء فقد حاول جاهداً وضع تعریف للقوة القاهرة ففی قرار لمحکمة النقض الفرنسیة ذهبت به إلى أن القوة القاهرة والحادث الفجائی الذی یعفی المدین من المسؤولیة "هو الحادث الذی لم یمکن توقعه والذی جعل الوفاء بالتعهد مستحیلاً". وفی قرار آخر حدیث لنفس المحکمة ذهبت به إلى تعریف القوة القاهرة بأنها: "حدث خارجی یقع على نشاط والتزام المدین".
کما ذهبت محکمة النقض المصریة فی قرار عریق لها إلى تعریف القوة القاهرة بأنها: "حادث شاذ غیر عادی، ولم یتوقعه المرء، ولا کان فی أمکانه أن یتوقعه، ولم یکن فی وسعه درءه أو توقعه، ویکون بالنتیجة انه لیس فقط یجعل الوفاء بالتعهد عسیر بل مستحیل کلیة".
ومن خلال إمعان النظر فی التعریفات المذکورة سابقاً، سواء عن طریق الفقه أو طریق القضاء، نرى بأنه یجمعها وجوب توفر شرطی، یتکون منهما کل سبب أجنبی، الا وهما رکن السببیة ورکن عدم الإسناد. ویقصد بالرکن الأول، عدم توقع الحدث أو عدم أمکانیة دفعه وان تنشأ عنه استحالة مباشرة الخصم للعمل الإجرائی ویقصد بالرکن الثانی عدم إسناد هذه الاستحالة إلى الخصم وإنما إلى سبب خارج عن أرادته وعلى هذا الأساس إذا ما توفر الشرطان المذکوران فی واقعة ما صحة اعتبارها قوة قاهرة واقرب مثال على ذلک هو حالة الحرب بما تحدثه من آثار مادیة واقتصادیة واجتماعیة قاسیة، ولاشک أن الحرب تعدَّ قوة قاهرة تعفی الخصم من مباشرة العمل الإجرائی خلالها.
وأخیرا وقبل بیان التعریف الملائم للقوة القاهرة فی ضوء أحکام قانون المرافعات المدنیة بصفة أن هذا الأخیر قانوناً إجرائیا نود أن نبین بان للقوة القاهرة فی ظل أحکام هذا القانون معنیین إحداهما خاص والآخر عام ونبینهم تباعاً:
1. القوة القاهرة بالمعنى الخاص: ویقصد بها فی هذا الصدد الإحداث والوقائع الخاصة بالخصم وحده بإذ یکون أثرها مقتصراً علیه فقط، وذلک بان تحول بینه وبین المطالبة بحقوقه أو حمایة مراکزه القانونیة أو قیامه بتنفیذ الأعباء والواجبات الإجرائیة الملقاة على عاتقه خلال المدة المحددة بالقانون.
واقرب مثال على القوة القاهرة بالمعنى الخاص، ما أوردته المادة (83) والمادة (174) من قانون المرافعات المدنیة، من صور انقطاع المرافعة، ووقف المدد القانونیة الخاصة بالطعون، وذلک إذا توفی المحکوم علیه أو فقد أهلیته للتقاضی أو زالت صفة من یباشر الخصوم نیابة عنه. فالوفاة مثلاً، تعدَّ قوة قاهرة خاصة بالخصم وحده، وهی لا تحدث أثرها الا بالنسبة إلیه، لأنها تنصب على المصلحة الخاصة بالخصم دون غیره.
2. القوة القاهرة بالمعنى العام: وهذه ینطبق علیها ذات المفهوم الوارد فی القوة القاهرة بالمعنى الخاص ویقصد بها أیضا الظروف أو الأحداث أو الوقائع، التی تنطبق علیها شروط القوة القاهرة، والتی تحول بین مباشرة الخصم والغیر على حد سواء فی المطالبة بحقوقهم ومراکزهم القانونیة أو تنفیذ الواجبات الإجرائیة فی المواعید المحددة قانوناً.
والقوة القاهرة بهذا المعنى لا تکون مقتصرة على الخصم وحده، إنما تنطبق على کل الناس وفی کافة أرجاء البلد، ولکن یمکن أن تکون مقتصرة على منطقة معینة، ومثال الحالة الأولى الحصار الاقتصادی على العراق، أو الغزو الأمریکی للعراق ومثال الحال الثانیة فرض حظر التجوال فی مدینة معینة، فهذه الأمثلة ینطبق علیها مفهوم القوة القاهرة العامة، لأنها لا تقتصر على الخصم وحده وإنما تشمل کل أطراف الرابطة الإجرائیة والغیر على حدٍ سواء.
ومن خلال کل ما تقدم، نرى أن أدق تعریف للقوة القاهرة فی ظل أحکام قانون المرافعات المدنیة، بأنها واقعة أو حدث أو ظرف مستقل عن إرادة أطراف الرابطة الإجرائیة (الخصوم) والغیر على حد سواء، لا یمکن توقعها ولا یمکن دفعها أو استبعاد نتائجها الضارة، من شأنها ان تجعل الخصم فی حالة استحالة مطلقة إذ إنها تحول دون مباشرته للعمل الإجرائی للمطالبة بحقوقه ومراکزه القانونیة أو لتنفیذ الواجبات الإجرائیة.
ویتمیز هذا التعریف بأنه یشتمل على الخصائص الآتیة:
1. انه یشیر إلى شروط القوة القاهرة وهی الاستقلالیة، وعدم التوقع، وعدم القدرة على الدفع.
2. انه یشیر إلى الأثر المترتب على حدوثها سواء کانت عامة أو خاصة وهو استحالة مباشرة العمل الإجرائی.
3. انه یتضمن المعنى الخاص والعام للقوة القاهرة.
الفرع الثانی
شروط القوة القاهرة
من خلال التعریف المذکور سلفاً، یبدو لنا بوضوح انه یجب تحقق جملة من الشروط فی الظرف أو الواقعة أو الحدث لکی تکتسب وصف القوة القاهرة، وهی عدم إمکانیة توقع الحدث، وصعوبة دفعه أو التغلب علیه، واستقلاله عن إرادة الخصم، والاستحالة الناشئة عنه ونتناولها تباعاً وعلى النحو الأتی:
أولاً. ان تکون الواقعة غیر ممکنة التوقع: یشترط فی الواقعة لکی تعدَّ قوة قاهرة ان تکون من غیر الممکن توقع حدوثها. فإذا أمکن توقع الحدث، لم یکن قوة قاهرة أو حادثاً فجائیاً. ولا ینکر ما لهذا الشرط من أهمیة، اذ ان توقع الحدث أو عدم توقعه، یمثل الفاصل بین قدرة الخصم على تحاشی وقوع الحدث من خلال الاستعداد السابق له إذا کان یتوقعه، أو عدم قدرة الخصم على ذلک متى لم یکن ممکناً بالنسبة إلیه توقع الحدث.
فالخصم الذی یخسر دعواه، ویتوقع حدوث حظر التجوال بسبب تردی الأوضاع الأمنیة، یتعین علیه أن یقوم باتخاذ الإجراءات والواجبات اللازمة للطعن بالحکم خلال المدة المحددة بالقانون. مع الأخذ بنظر الاعتبار أن حظر التجوال یعدَّ قوة قاهرة عامة، تحول دون مباشرة الخصم للعمل الإجرائی. ولکنه فی ظل الأوضاع الراهنة یعدَّ أمرا متوقعاً.
وشرط عدم التوقع، یعنی استبعاد کافة الظروف والأحداث التی تدخل فی علم الخصم وإدراکه وتوقعه من دائرة الأسباب الأجنبیة، ویترتب على ذلک، أن تعدَّ الظروف والأحداث الوشیکة أو المحتملة والمتصورة الوقوع مثل المواجهات المسلحة حالیاً، مستبعدة من الدفع بتوافر السبب الأجنبی.
ونرى أن المقصود بهذا الشرط أن تکون الواقعة غیر ممکنة التوقع فی لحظة معینة إذ لا یتخیل فی تلک اللحظة حدوثها. أو یمکن القول أن الواقعة یندر حصولها فی شؤون الحیاة الیومیة وعدم التوقع من وجهة النظر هذه یعدَّ مسألة شخصیة أو ذاتیة فی حین أن الرأی الراجح فی الفقه یشترط فی الحدث أن یکون غیر متوقع، لا من جانب الخصم فحسب، بل من اشد الناس حرصاً فی هذا الصدد. وعلى هذا الأساس یکون المعیار فی هذه المسالة هو المعیار الموضوعی ولیس المعیار الشخصی.
ثانیاً. ان تکون الواقعة مستحیلة الدفع: ویشترط لکی توصف الواقعة بأنها قوة قاهرة، ان تکون مستعصیة على الخصم ولا یکون بامکانه دفع وقوعها أو تلافیها، والتغلب على نتائجها بعد وقوعها ولو ببذل جهد کبیر. اما إذا أمکن دفع الواقعة، حتى لو لم تکن متوقعة، فأنها لا توصف بکونها قوة قاهرة. بمعنى آخر فإن هذا الشرط یعنی ان تکون القوة القاهرة على درجة یصعب معها بل یستحیل معها تخطی أثارها. بسبب کونها حادثاً لا یمکن مقاومته ولا التغلب علیه، وذلک لکونه یؤدی إلى استحالة مطلقة.
وجدیر بالذکر ان المعیار المتبع بهذا الصدد هو المعیار الموضوعی، ولیس المعیار الشخصی، بمعنى ان المعیار الموضوعی لا یعتد بالعناصر الشخصیة اللصیقة بشخص الخصم. فلا ینظر إلى مرکز الخصم الذی یدعی عدم تمکنه من دفع الواقعة التی لحقت به. بل ینظر إلى الشخص العادی الذی یوجد فی ظل ظروف الخصم نفسها، اذا استحال علیه ان یتفادى هذه الواقعة ام لا.
ومما تجدر الإشارة إلیه ان علة انعدام مسؤولیة الخصم فی حالة ثبوت تحقق شرط عدم إمکانیة الدفع، ان هذا الشرط على ارتباط مباشر بالإرادة أی بإرادة الخصم. فالقوة القاهرة، تمثل قوة ضاغطة لواقعة معینة ذات تأثیر سلبی على سلوک الخصم، على نحو یفقد معه قدرته على اتخاذ أی مسلک أو اتیان أی تصرف من شأنه تفادی الواقعة.
ثالثاً. ان تکون الواقعة مستقلة عن إرادة الخصم: یشترط فی الواقعة لکی توصف بوصف القوة القاهرة، ان تکون مستقلة تماماً عن إرادة أطراف الرابطة الإجرائیة والخصوم. وهذا الشرط یطلق علیه البعض من الفقه مصطلح الخارجیة.
ویقصد بهذا المصلح، ان تکون الواقعة خارجة عن إرادة الخصوم أو أطراف الرابطة الاجرائیة فلا یتسبب الخصم فی حدوثها ولا یسبقها أو یقترن بها خطأه، وان لا تکون الواقعة ناجمة عن إهمال الخصم أو تقصیره.
وهذا الشرط، یبدو فی غایة المنطقیة لأنه، لو کان للخصم دخل ودور فی وقوع الواقعة أو کان له ید فی حدوثها نتیجة لتقصیره وإهماله، فلیس له ان یدفع بها کقوة قاهرة، حتى وان أدى ذلک إلى عدم حمایة الخصم لمرکزه القانونی أو تنفیذه للاعباء والواجبات الإجرائیة الملقاة على عاتقه، إذ لا یجوز اهدار القواعد الإجرائیة ومواعدیها الحتمیة. لا بل انه لا یجوز إهدار قواعد القانون عامة بسبب إهمال الخصوم وتقصیرهم.
وهذا ما أکده المشرع العراقی صراحة فی المادة (18). من قانون الإثبات رقم (107) لسنة (1979) المعدل والتی تنص على انه "یجوز ان یثبت بجمیع طرائق الإثبات ما کان یجب إثباته بالکتابة فی حالتین اولا. إذا فقد السند الکتابی بسبب لا دخل لإرادة صاحبه فیه ......" ففی هذا النص یؤکد المشرع العراقی صراحة على وجوب استقلالیة الواقعة التی تشکل القوة القاهرة عن الأثر المترتب على تحققها وهو التیسیر فی دلیل الإثبات.
"وعلى ذات النهج المشرع الفرنسی فی نص المادة (540) من قانون المرافعات المدنیة والتی تنص على انه "یجوز للقاضی ان یعفی المحکوم علیه من سقوط حقه فی الاستئناف لرفعه بعد المیعاد إذا لم یعلم بالحکم فی وقت مناسب لممارسة حقه فی الطعن أو إذا استحال علیه ان یلجأ إلى القضاء، وکان ذلک بدون خطأ من جانبه". ففی هذا النص یؤکد المشرع الفرنسی على وجوب استقلالیة القوة القاهرة عن إرادة الخصم ولکن ان حدث فوات المیعاد بسبب خطأ منه حتى وان کان خطأً مشترکاً سقط حقه فی تقدیم الاستئناف.
رابعاً. ان تجعل الواقعة مباشرة الخصم للعمل الإجرائی مستحیلاً: وأخیرا یشترط فی الواقعة لکی توصف بالقوة القاهرة، ان تکون من شأنها، ان تجعل مباشرة الخصم للعمل الإجرائی مستحیلاً استحالة مطلقة ولا یقصد بالاستحالة هنا ان تکون مطلقة بالنسبة للخصم فحسب، بل بالنسبة لأی شخص آخر یوجد فی ظل نفس الموجود فیها الخصم. بمعنى ان المعیار هنا هو معیار موضوعی ولیس معیاراً شخصیاً ینظر فیه إلى شخص الخصم.
وجدیر بالذکر، ان الاستحالة هنا تکون على نوعین هما استحالة مادیة، ومثالها حظر التجوال والمآسی الناجمة عنه أو الحرب أو المواجهات المسلحة فی مناطق مختلفة فی المدنیة. وقد تکون الاستحالة معنویة. کأن یکون المدعى علیه، ذا شوکة ادبیة أو مرکز اجتماعی مرموق مثل رئیس محاکم، مما یجعل الخصم فی حالة استحالة معنویة بصدد مباشرة العمل الإجرائی.
وخلاصة کل ما تقدم، انه إذا تحققت الشروط المذکورة سلفاً فی واقعة ما، فإن هذه الواقعة توصف بأنها قوة قاهرة، وإذا انتفى أی شرط من الشروط المذکور سلفاً، لا یمکن ان توصف الواقعة بالقوة القاهرة. مع الأخذ بنظر الاعتبار تطابق الشروط بالنسبة للقوة القاهرة الواردة فی القانون المدنی مع الشروط الواردة فی قانون المرافعات الا ان مفهوم القوة القاهرة الوارد فی نص المادة (211) من القانون المدنی أوسع مدى من المفهوم الوارد فی قانون المرافعات لان مفهومها فی المدنی یشمل المفهوم العام والخاص للقوة القاهرة على حد سواء. فی حین ان المفهوم الوارد فی قانون المرافعات ولاسیما نص المادتین (84، 174) یقتصر على المفهوم الخاص دون العام، لأنها تنصب على مصلحة الخصم الخاصة، فی حین القوة القاهرة بالمفهوم العام یمکن أن تکون بفعل الطبیعة کما أنه یمکن أن تکون بنص تشریعی مثل أمر السلامة الوطنیة (قانون الطوارئ) والذی یفرض بموجبه حظر التجوال.
المطلب الثانی
تمییز القوة القاهرة مما یشتبه بها
لأجل ان نقیم للمسمیات السابقة معالمها الواضحة، ینبغی ان نمیزها مما یشتبه بها من أفکار تختلط بها، لذا فانه یجب أعمال الفکر لإیجاد تفرقه بین هذه المشابهات. ولأجل ان یستقیم الموضوع ویتضح المطلوب فان هذا المطلب ینقسم إلى فرعین، یتناول الفرع الأول تمییزها عن الظروف الطارئة، فی حین یتطرق الفرع الثانی إلى تمییزها عن المانع أو العذر القانونی.
الفرع الأول
تمییز القوة القاهرة عن نظریة الظروف الطارئة
تنص المادة (146/2) من القانون المدنی العراقی على انه: "إذا طرأت حوادث استثنائیة عامة لم یکن فی الوسع توقعها وترتب على حدوثها ان تنفیذ الالتزام التعاقدی، وان لم یصبح مستحیلاً صار مرهقاً للمدین بإذ یهدده بخسارة فادحة جاز للمحکمة بعد الموازنة بین مصلحة الطرفین ان تنقص الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ان اقتضت العدالة ذلک ویقع باطلاً کل اتفاق یخالف ذلک". هذا النص یعدَّ استثناءً من الأصل العام والذی وضعه المشرع العراقی فی نص المادة (146/1) من القانون المدنی العراقی وهو ان العقد شریعة المتعاقدین. ویقصد بالظرف الطارئ، حدث عام لاحق على تکوین العقد وغیر متوقع الحصول، ینجم عنه اختلال بیّن فی المنافع المتولدة من عقد متراخی التنفیذ، بإذ ان تنفیذه کما أوجبه العقد یرهق المدین إرهاقاً شدیداً، ولذا جاز للقاضی أن یوزع تبعة الحادث بین طرفی العقد وذلک برد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول.
وخلاصة نظریة الظروف الطارئة، ان العقد إذا کان من العقود المستمرة التنفیذ أو الفوریة التنفیذ ولکن تنفیذه مؤجلاً (عقد متراخی التنفیذ) وطرأت ظروف اقتصادیة لم یتوقعها المتعاقدان عند إبرام العقد أدت إلى اختلال التوازن الاقتصادی بین طرفیه اختلالاً خطیراً. بإذ جعلت تنفیذ المدین لالتزامه یهدده بخسارة فادحة تخرج عن الحد المألوف فی المعاملات، فالمدین لا یجیر على تنفیذ الالتزام کما هو وارد فی العقد، بل ینقص هذا الالتزام إلى الحد المعقول.
ویفهم من نص المادة (146/2) انه یشترط لتطبیق هذه النظریة ان تتوافر أربعة شروط، وهی ان یکون العقد متراخی التنفیذ، وان تطرأ حوادث استثنائیة عامة بعد إبرام العقد، وان تکون هذه الحوادث غیر متوقعة، وان تجعل تنفیذ المدین لالتزامه مرهقاً.
ومقتضى الشرط الأول، هو ان یکون العقد اما من العقود المستمرة التنفیذ (الزمنیة) أو الفوریة التنفیذ ولکن تنفیذه مؤجلاً. ومثاله عقد الإیجار، فهو من العقود الزمنیة أو عقد التورید. ومقتضى الشرط الثانی ان تطرأ بعد إبرام العقد وقبل تمام تنفیذه. حوادث استثنائیة عامة، أی انه یشترط فی الحادث توافر صفتین: وهی ان یکون استثنائیاً وان یکون عاماً. ویراد بالصفة الأولى ان یکون الحادث مما لا یتفق مع السیر العادی للامور قبل الحرب. ویراد بالصفة الثانیة الا یکون هذا الحادث الاستثنائی خاصاً بالمدین، بل ان یشمل أثره عدد کبیر من الناس کبلد معین أو اقلیم معین مثل الوباء الصحی.
وموجب الشرط الثالث ان لا یکون هذا الظرف الطارئ متوقعاً عند إبرام العقد. وعدم التوقع یستلزم عدم امکانیة دفع الظرف الطارئ، فان کان فی الإمکانیة دفعه فانه یستوی ان یکون متوقعاً أو غیر متوقع والمعیار فی هذا الصدد هو المعیار الموضوعی لا المعیار الشخصی الخاص بالمدین. وان یکون من شانه ان یجعل تنفیذ المدین لالتزامه مرهقاً ولیس مستحیلاً.
من خلال کل ما تقدم، فاننا یمکن ان نلخص أوجه التشابه والاختلاف ما بین القوة القاهرة ونظریة الظروف الطارئة وذلک على النحو الأتی:
أولاً. أوجه التشابه: یمکن تلخیص أوجه التشابه بینهما فی النقاط الأتیة:
1. من حیث وحدة المصدر: فالواقعة التی تشکل القوة القاهرة، قد تکون هی نفسها ظرفاً طارئاً، فالحرب مثلاً، أو الحصار الاقتصادی قد یترتب علیها استحالة مباشرة الخصم للعمل الإجرائی استحالة مطلقة، وقد یترتب علیها ان یصبح تنفیذ الالتزام مستحیلاً.
2. من حیث التماثل فی الشروط: فالشروط الواجب توافرها فی الواقعة لکی تعدَّ قوة قاهرة هی ذات الشروط الواجب توافرها فی نظریة الظروف الطارئة، وهی ان تکون الواقعة غیر متوقعة ومما لا یمکن دفعها، ومستقلة عن إرادة المدین، أو کما یسمیه البعض انتفاء شرط الإسناد أو الخارجیة.
3. من حیث النطاق: فنطاق القوة القاهرة انها یمکن أن تحصل قبل مباشرة الخصم للعمل الإجرائی أو بعده، ونظریة الظروف الطارئة یمکن أن تحدث أیضا قبل مباشرة المدین لتنفیذ التزامه أو بعده.
ثانیاً. أوجه الاختلاف: وهنا یمکن تلخیص أوجه الاختلاف بینهما، وذلک باعتبار الحیثیات الآتیة:
1. من حیث نطاق التطبیق: القوة القاهرة تُطبق فی المسؤولیة العقدیة والتقصیریة على حدٍ سواء. فإذا کان عدم مباشرة احد أطراف الرابطة الإجرائیة للعمل الإجرائی المکلف به (کتقدیم الخبیر لتقریر الخبرة قبل موعد المرافعة المحدد) راجعاً إلى قوة قاهرة مثل المواجهات المسلحة أو حظر التجوال، فان المسؤولیة التقصیریة تنتفی عنه، ومن باب أولى المسؤولیة العقدیة ان وجدت، بخلاف الظروف الطارئة فهی لا تطبق الا فی نطاق المسؤولیة العقدیة.
2. من حیث صفة العمومیة: القوة القاهرة یمکن ان تکون عامة ویمکن ان تکون خاصة، کما بینا ذلک سابقاً، فی حین ان نظریة الظروف الطارئة لا یمکن ان تکون الا حدثاً عاماً ینطبق على کثیر من الناس. فالوفاة أو زوال صفة الخصومة أو فقد أهلیة التقاضی تعدَّ کلها قوة قاهرة، ولکنها خاصة بالخصم وحده.
3. من حیث الأثر: الأثر المترتب على تحقق القوة القاهرة، هو انتفاء المسؤولیة المدنیة فی إطار القانون المدنی. ووقف المدد القانونیة، وبطلان الإجراءات فی إطار قانون المرافعات المدنیة. فی حین ان الأثر المترتب على تحقق نظریة الظروف الطارئة هو انقاص التزام المدین إلى الحد المعقول.
4. من حیث أحکام النظام العام: أحکام القوة القاهرة الواردة فی القانون المدنی لیست من النظام العام وبالتالی یجوز الاتفاق بین المتعاقدین على ما یخالفها. بخلاف الأمر فی قانون المرافعات المدنیة فکل أحکامه متعلقة بالنظام العام و لا یجوز الاتفاق على ما یخالفها باستثناء أحکام المادة (74) من قانون المرافعات المدنیة. فی حین ان أحکام نظریة الظروف الطارئة تعدَّ من النظام العام ولا یجوز الاتفاق على ما یخالفها.
الفرع الثانی
تمییز القوة القاهرة عن المانع أو العذر القانونی
ورد لفظ العذر أو المانع فی نصوص متفرقة وفی قوانین مختلفة، الا ان أکثر القوانین التی ورد فیها هذا اللفظ، هما القانون المدنی وقانون الإثبات. فعلى صعید القانون المدنی نرى ان المادة (429) منه تنص على ان "الدعوى بالالتزام أیاً کان سببه لا تسمع على المنکر بعد ترکها من غیر عذر شرعی خمس عشرة سنة مع مراعاة ما وردت فیه من أحکام خاصة". کما نصت المادة (431) من القانون المدنی على انه "لا تسمع الدعوى على المنکر بعد ترکها من غیر عذر شرعی سنة واحدة فی الحقوق الآتیة: "......". کما نصت المادة (435) من ذات القانون على انه "تقف المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بالعذر الشرعی کأن یکون المدعی صغیراً أو محجوراً أو لیس له ولی أو غائباً فی بلاد أجنبیة نائیة أو ان تکون الدعوى بین الزوجین أو بین الأصول والفروع أو ان یکون هناک مانع آخر یستحیل معه على المدعی ان یطالب بحقه ...."
وعلى صعید قانون الإثبات فقد نصت المادة (18) على انه "یجوز ان یثبت بجمیع طرائق الإثبات ما کان یجب إثباته بالکتابة فی حالتین هما: أولا: إذا فقد السند الکتابی بسبب لا دخل لإرادة صاحبه فیه. ثانیاً. إذا وجد مانع مادی أو أدبی حال دون الحصول على دلیل کتابی".
وفی إطار المضاهاة فقد نصت المادة (49) من قانون الإثبات على انه: "على الخصم الذی ینازع فی نسبة السند إلیه ان یحضر بنفسه للاستکتاب لاخذ نموذج من خطه أو امضائه أو بصمة ابهامه فی الموعد الذی تحدده المحکمة فان امتنع عن الحضور بغیر عذر جاز الحکم بثبوت نسبة السند إلیه". وفی حقل الاستجواب فقد نصت المادة (74) من قانون الإثبات على انه "إذا تخلف الخصم عن الحضور لاستجوابه دون عذر مقبول أو حضر وامتنع عن الإجابة لغیر سبب أو مبرر قانونی أو ادعى الجهل أو النسیان، فللمحکمة ان تستخلص من ذلک قرینة قضائیة تساعدها على حسم الدعوى وذلک فی الحالات التی یجوز فیها الإثبات بالشهادة والقرائن القضائیة".
وفی إطار الشهادة نصت المادة (93) على انه "أولا. إذا بلغ الشاهد بالحضور وتخلف عن الحضور دون عذر مشروع یحکم علیه بغرامة ---------". وفی مجال المعاینة، فقد نصت المادة (129) من قانون الإثبات على انه: "على المحکمة ان تحدد اجلاً لا یتجاوز اسبوعین لإجراء المعاینة الا إذا قام مانع مشروع یحول دون ذلک".
ونصوص أخرى وردت فی قوانین مختلفة. فمن خلال الإطلاع على الألفاظ الواردة فی النصوص المذکورة سلفاً یلاحظ ان لفظ العذر أو المانع، یعطی معناً واحداً فهما لفظان مترادفان فی المعنى مختلفان فی اللفظ.
ویمکن تعریف العذر أو المانع القانونی بأنه: "حالة قانونیة یتعذر معها على الخصم مباشرة العمل الإجرائی خلال المدة التی یتحقق فیها هذا العذر أو المانع القانونی". ویمکن تقسیم الموانع التی تحول بین الخصم وبین مباشرته للعمل الإجرائی إلى:
أ. الموانع الشخصیة: وهی فی إطار القانون المدنی کثیرة منها اتحاد الذمة. ومنها حالة القصر والحجر ونقص الأهلیة والغیبة المنقطعة وغیرها کثیر. لکن فی إطار قانون المرافعات المدنیة تبدو فی وفاة الخصم أو فقد أهلیة التقاضی أو زوال صفة من کان یباشر الخصومة نیابة عنه.
ب. الموانع المادیة: وهی موانع ترجع إلى أسباب قانونیة خارجة عن إرادة أطراف الرابطة الإجرائیة ومثالها فرض حظر التجوال أو ان تقوم حرب أو ثورة أو فتنة أو تنقطع المواصلات أو غیر ذلک مما یشبه حالة القوة القاهرة التی تمنع الدائن من المطالبة بحقه. ومن أمثلتها فی قانون المرافعات هی الحجز الاحتیاطی الوارد فی قانون المرافعات المدنیة. والحجز التنفیذی الوارد فی أحکام قانون التنفیذ. فضلاً عن حالة الحراسة القضائیة والواجبات الملقاة على عاتق الحارس القضائی.
ومن خلال ما تقدم فانه یمکن ان نوجز أوجه التشابه والاختلاف ما بین القوة القاهرة والعذر أو المانع القانونی وعلى النحو الأتی:
أولا. أوجه التشابه: ویمکن تلخیص أوجه التشابه ما بین القوة القاهرة والعذر أو المانع القانونی بما یلی:
1. من حیث العنصر الإرادی: فالقوة القاهرة سواء أکانت عامة ام خاصة تعدَّ حالة مستقلة عن إرادة الخصم. وکذلک الحال فی العذر أو المانع القانونی فالأصل فیه انه یعدَّ حالة مستقلة عن إرادة الخصم الا إذا امتنع الخصم بمحض أرادته عن مباشرة العمل الإجرائی مثل التخلف عن حضور جلسة الاستجواب عمداً.
2. من حیث الأثر: یترتب على تحقق القوة القاهرة و العذر أو المانع القانونی وقف المدد القانونیة وبطلان جمیع الإجراءات المتخذة خلال مدة الوقف.
ثانیاً. أوجه الاختلاف: ویمکن تلخیص أوجه الاختلاف ما بین القوة القاهرة والمانع أو العذر القانونی وذلک باعتبار الحیثیات الأتیة:
1. من حیث الشروط: إذ لا یشترط فی المانع ما یشترط فی القوة القاهرة من حیث توقعها وعدم إمکانیة دفعها. وان یترتب علیها استحالة قیام من حدثت له باتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على حقوقه استحالة مطلقة. ویکفی فی المانع ان یقوم دون ان یکون مصدره خطأ الخصم حتى یقف سریان التقادم. فیعدَّ جهل الخصم بوجود حقه عن غیر تقصیر منه مانعاً یوقف التقادم.
2. من حیث النطاق: فالمانع أو القدر القانونی أوسع نطاقاً وأیسر من حیث الشروط من القوة القاهرة وذلک ان المانع قد یکون متوقعاً وقد یکون غیر متوقع مثل تخلف الخصم بمحض أرادته عن حضور جلسة الاستجواب فی حین ان القوة القاهرة لا یمکن ان تکون متوقعة. وهذا ما دفع الأستاذ الدکتور عبد الرزاق السنهوری إلى القول انه "یحسن فصل
الفکرتین المانع والقوة القاهرة احدهما عن الأخرى" فالمانع لا یمکن ان یعد من قبیل القوة القاهرة بأی حال من الأحوال، وهو یخضع إلى السلطة التقدیریة للمحکمة ولا رقابة لمحکمة التمییز علیها.
المبحث الثانی
الآثار الناجمة عن القوة القاهرة
إذا توافرت الشروط المطلوبة فی واقعة ما، فان هذه الواقعة توصف بکونها قوة قاهرة، وهذه تترتب علیها فی ظل أحکام قانون المرافعات المدنیة، نوعین من الآثار الأول هو الأثر المباشر والثانی الأثر غیر المباشر ولغرض الإحاطة بتفاصیل هذه الآثار فإننا نقسم هذا المبحث إلى مطلبین، نبحث فی المطلب الأول الأثر المباشر فی حین نبحث فی المطلب الثانی الأثر غیر المباشر.
المطلب الأول
الأثر المباشر للقوة القاهرة
من اجل الإلمام بتفاصیل الأثر المباشر للقوة القاهرة، فإننا نوزع هذا المطلب إلى فرعین، یتناول الفرع الأول، اثر القوة القاهرة التی تحدث أثناء السیر فی الدعوة المدنیة فی حین یتناول الفرع الثانی اثر القوة القاهرة التی تحدث بعد صدور الحکم بالدعوى المدنیة وقبل الطعن به.
الفرع الأول
اثر القوة القاهرة أثناء السیر فی الدعوى المدنیة
تشیر أحکام المادة (435) من القانون المدنی العراقی إلى اثر وقف التقادم فمتى وقف التقادم لأی سبب من الأسباب الواردة فی المادة المذکورة، فان الأثر المترتب على ذلک یبدو فی ان المدة التی وقف سریان التقادم فی خلالها لا تحسب ضمن مدة التقادم، وتحسب المدة السابقة والمدة اللاحقة.
إذا کان هذا اثر تحقق احد الأسباب الواردة فی النص المذکور سابقاً، فان التساؤل الذی یطرح نفسه فی هذا المجال، هل یترتب على القوة القاهرة التی تطرأ أثناء السیر فی الدعوى المدنیة، بنوعیها العامة والخاصة، وقف المدد القانونیة؟
بهذا الصدد تنص المادة (86/3) من قانون المرافعات المدنیة. على انه: "یترتب على انقطاع السیر فی الدعوى وقف جمیع المدد القانونیة التی کانت ساریة فی حق الخصوم وبطلان جمیع الإجراءات التی تحصل أثناء الانقطاع" فهذا النص صریح فی الإشارة إلى الآثار المترتبة على تحقق القوة القاهرة وهی وقف المدد القانونیة وبطلان الإجراءات فبالنسبة للوقف، فالنص صریح فی انه یترتب على انقطاع المرافعة، وقف جمیع المواعید الإجرائیة الجاریة فی حق الخصوم، فلا یسری المیعاد فی مواجهة الخصم المتوفى أو الذی فقد أهلیته للتقاضی، أو زالت صفة من کان یباشر الخصومة عنه.
مع الأخذ بنظر الاعتبار، ان الخصومة تعدَّ قائمة رغم انقطاع السیر فی الدعوى لذا تظل المطالبة القضائیة منتجة لکل أثارها. کما تظل قائمة کافة الإجراءات اللاحقة التی اتخذت فی الخصومة، قبل ان تتحقق حالة الانقطاع، فإذا زال سبب الانقطاع بسیر الخصومة، فأنها تعاود سیرها من النقطة التی وقفت عندها مع الاعتداد بکل الإجراءات السابقة.
فمواعید السقوط لا تسری فی حق من لا تتوافر فیهم أهلیة التقاضی من الخصوم، وإنما یعمل بقواعد المرافعات التی تعدَّ الخصومة منقطعة بحکم القانون إذا فقد احد الخصوم أهلیة التقاضی أو زالت صفة من کان یباشر الخصومة نیابة عنه أو توفی، ففی هذه الأحوال تقف جمیع المدد فی قانون المرافعات.
وعلى هذا الأساس، فانه إذا کانت هناک مواعید إجرائیة لم تبدأ لا تسری أثناء مدة الانقطاع، منها على سبیل المثال قرار المحکمة بترک الدعوى للمراجعة استناداً لإحکام المادة (54) من قانون المرافعات المدنیة، ثم بداء سریان هذه المدة فإذا توفی احد الخصوم أثناء سریانها، فأنها تقف ولا تسری بحقه.
بید ان التساؤل الذی یطرح نفسه فی هذا المجال هل تقف المواعید الإجرائیة بالنسبة إلى کلاً من طرفی الدعوى ام انه تقتصر على الخصم الذی تحققت بالنسبة إلیه حالة القوة القاهرة؟
فی هذا الصدد، اختلف فقه قانون المرافعات المدنیة فذهب جانب من الفقه إلى ان هذه الآثار (الوقف وبطلان الإجراءات) تترتب فی حق من حصل الانقطاع لمصلحته، اما الطرف الأخر فلا یستفید من هذه الآثار. وإذا تعدد الخصوم وتحقق سبب انقطاع المرافعة بالنسبة لأحدهم، فان الخصومة لا تنقطع الا بالنسبة له، ولا تترتب آثار الانقطاع الا بالنسبة إلیه. فی حین تستمر الخصومة بالنسبة للباقین متى کان موضوع الدعوى یقبل التجزئة، وإذا اتخذت الإجراءات أثناء الانقطاع کانت باطلة بطلاناً نسبیاً، ولا یجوز ان یتمسک به الا ورثة المتوفی أو من یقوم مقام من فقد أهلیة الخصومة أو زالت صفته.
فی حین یذهب جانب آخر من الفقه. إلى ان هذه الآثار (الوقف أی وقف المواعید الإجرائیة وبطلان الإجراءات) تترتب بالنسبة إلى الخصوم کافة على حدٍ سواء فإذا ما أصدرت المحکمة خلال فترة قطع السیر فی الدعوى حکماً فیها، فیعدَّ هذا الحکم باطلاً، وهذا البطلان یتمسک به الخصوم کافة نظراً لصراحة نص الفقرة (3) من المادة (86) من قانون المرافعات المدنیة.
الا اننا لا نتفق مع کلا الرأیین. وإنما یتعین ان نأخذ بنظر الاعتبار نوعیة القوة القاهرة، فإذا کانت قوة قاهرة عامة مثل الحرب أو الفیضان أو الزلازل أو المواجهات المسلحة، فأنها تؤدی إلى وقف المواعید الإجرائیة، وبطلان الإجراءات بالنسبة إلى کل أطراف الرابطة الإجرائیة بما فی ذلک الخصوم والغیر.
اما إذا کانت قوة قاهرة خاصة وهی تشمل الحالات الثلاث الواردة فی نص المادة (84) من قانون المرافعات المدنیة، وهی تمثل حالات انقطاع المرافعة، فیکون الرأی الأول أجدر بالتأیید من الرأی الثانی، وذلک لان القوة القاهرة الخاصة، تکون مقتصرة على احد الخصوم دون الأخر، فمن باب أولى حمایة مصلحة هذا الخصم.
ومما تجدر الإشارة إلیه، ان الفقرة (3) من المادة (86) قد أشارت إلى ان القوة القاهرة أو ما یسمیه قانون المرافعات بانقطاع المرافعة، لا یقتصر على مجرد وقف المواعید الإجرائیة وإنما یتعداه إلى بطلان الإجراءات المتخذة أثناء تحقق القوة القاهرة، وهو ما أکدته هذه المادة بنصها "3. ویترتب على انقطاع السیر فی الدعوى ...... وبطلان جمیع الإجراءات التی تحصل أثناء الانقطاع".
وذات الاختلاف الذی أثیر بالنسبة لمواعید الوقف، فیما إذا کانت تقتصر على الخصم الذی تحقق لدیه سبب الانقطاع ام انه یشمل کلا الخصمین أثیر أیضا بالنسبة لبطلان الإجراءات، فذهب جانب من الفقه الى أنه لا یجوز ان یتمسک به الا من شرع الانقطاع لمصلحته وهم ورثة المتوفى أو من قام مقام من فقد أهلیة الخصومة أو من زالت صفته فی حین یذهب جانب من الفقه إلى ان بطلان الإجراءات یجوز ان یتمسک به جمیع الخصوم. والراجح هو ان تأخذ بنظر الاعتبار نوعیة القوة القاهرة وفیما إذا کانت عامة ام خاصة، فان کانت عامة فیستطیع جمیع الخصوم ان یتمسکوا ببطلان الإجراءات، وان کانت خاصة فلا یستطیع ان یتمسک بها، الا من قرر البطلان لمصلحته.
الفرع الثانی
أثر القوة القاهرة بعد صدور الحکم فی الدعوى المدنیة
تنص المادة (171) من قانون المرافعات المدنیة على انه "المدد المعینة لمراجعة طرائق الطعن فی القرارات حتمیة یترتب على عدم مراعاتها وتجاوزها سقوط الحق فی الطعن وتقضی المحکمة من تلقاء نفسها برد عریضة الطعن إذا حصل بعد انقضاء المدد القانونیة".
وبموجب هذا النص، فان المواعید المعینة لمراجعة طرائق الطعن القانونیة بالنسبة للقرارات والأحکام حتمیة یترتب على عدم مراعاتها سقوط الحق فی طلب الطعن، وتقضی المحکمة من تلقاء نفسها برد طلب الطعن إذا حصل بعد انقضاء الموعد المحدد بالقانون، وسقوط الحق فی الطعن لفوات المدة یعدَّ من النظام العام.
فإذا کانت المادة (171) قد وضعت المبدأ العام بالنسبة لمواعید الطعن. فان المشرع العراقی قد أورد استثناءاً على هذا المبدأ العام هو نص الفقرة الأولى من المادة (174) من قانون المرافعات المدنیة والتی تنص على انه "1. تقف المدد القانونیة إذا توفی المحکوم علیه أو فقد أهلیته للتقاضی أو زالت صفة من کان یباشر الخصومة بعد تبلغه بالحکم وقبل انقضاء المدد القانونیة للطعن" فهذا النص تضمن أحوالا ثلاثة وهی تمثل قوة قاهرة خاصة، وهذه الأحوال الثلاثة تتطابق تماماً مع الحالات الواردة فی نص المادة (84) من قانون المرافعات المدنیة وهی أیضا تعدَّ قوة قاهرة خاصة. ولکن وجه الاختلاف بینهما ان المشرع عالج القوة القاهرة الخاصة فی نص المادة (84) بصفتها تطرأ أثناء السیر فی الدعوى المدنیة. فی حین ان القوة القاهرة الخاصة والمنصوص علیها فی المادة (174) تطرأ بعد صدور الحکم بالدعوى المدنیة وتبلغ المحکوم علیه به أو اعتباره مبلغاً به تلقائیاً بحکم القانون.
فقد یحصل ان یتوفى المحکوم علیه بعد تبلغه بالحکم وقبل انقضاء مدة الطعن المقررة قانوناً، أو ان المحکوم علیه یفقد أهلیته للتقاضی کما لو أصیب بمرض الجنون أو تقرر الحجر علیه لسفه أو عته أو زالت صفة التمثیل القانونی کما لو کان قیماً على مفقود وتقرر تعیین قیم آخر على ذلک المفقود. فان المدة القانونیة للطعن تقف، ولا یزول وقف المدة الا بعد تبلیغ الحکم إلى الورثة أو احدهم فی آخر موطن کان للمورث أو موطن من یقوم مقام من فقد أهلیته للتقاضی أو صاحب الصفة الجدیدة.
وهذا ما أکدته الفقرة الثانیة من المادة (174) بنصها على انه: "لا یزول وقف المدة الا بعد تبلیغ الحکم إلى الورثة أو احدهم فی آخر موطن کان للمورث أو موطن من یقوم مقام من فقد أهلیته للتقاضی أو صاحب الصفة الجدیدة".
ومما تجدر الإشارة إلیه ان وفاة المحکوم له لا تکون سبباً موجباً لوقف میعاد الطعن، وذلک على أساس ان ورثة المحکوم له لا یلتزمون بالقیام بأی إجراء قانونی.
وإذا حصلت وفاة المحکوم علیه بعد تبلغه بالحکم وبعد انقضاء المدد القانونیة الخاصة بالطعن فلا یتم تبلیغ ورثة المحکوم علیه ولا یتم تجدید المدة بالنسبة الیهم، لان المحکوم علیه فی هذه الحالة یعدَّ راضیاً بالحکم، فضلاً عن انتقاء فکرة القوة القاهرة فی هذه الحالة.
أما الفقرة الثالثة من المادة (174) فقد نصت على انه: "3. تجدد المدد بالنسبة لمن ذکروا فی الفقرة السابقة بعد تبلیغ الحکم المذکور على الوجه المتقدم". ومقتضى هذه الفقرة هو بدء سریان مدة جدیدة للطعن تبدأ من الیوم التالی لتبلیغ من یقوم مقام المحکوم علیه فی حالة الوفاة أو فقدان أهلیة التقاضی أو زوال صفة من کان یباشر الخصومة عنه.
ولنا على نص الفقرة الثالثة من المادة (174) من قانون المرافعات المدنیة، ملاحظة موضوعیة إذ نعتقد وجود ثمة تناقض فی أحکام هذه المادة. ذلک ان الفقرة الأولى تشیر إلى وقف مدة الطعن بالحکم ایاً کانت نوعیته أو صفته وأکد المشرع ذلک فی الفقرة الثانیة بنصه "لا یزول وقف المدة". فی حین ان الفقرة الثالثة من المادة المذکورة سلفاً نصت على تجدید مدة الطعن بعد التبلیغ بنصها "تجدد المدة" فهذه العبارة الأخیرة توحی بأن ما طرأ على المدة الخاصة بالطعن یعدَّ انقطاعاً لها ولیس وقفاً. فی حین ان مقتضى المادة (174) بفقراتها الثلاث انه تحسب مدة الوقف السابقة على الوفاة أو فقدان أهلیة التقاضی أو زوال الصفة وتضاف إلیها مدة أخرى تبدأ أو تحتسب من تاریخ تبلیغ من یقوم مقام الخصم الذی توفی أو فقد أهلیته للتقاضی أو صاحب الصفة الجدیدة. بإذ تحسب المدة السابقة على تحقق سبب الوقف وتحسب المدة اللاحقة بعد زوال سبب الوقف فتظهر مدة فی مجملها هی مدة الطعن بالحکم.
بمعنى آخر ان مدة الطعن تحسب من تاریخ تبلیغ المحکوم علیه بالحکم الصادر ضده إلى تاریخ وفاته أو فقده أهلیة التقاضی أو زوال صفة من کان یباشر الخصومة نیابة عنه وتضاف إلیها مدة تبدأ من تاریخ تبلیغ من یقوم مقامه بإذ تشکل فی مجموعها مدة الطعن. وهذا هو مقتضى أحکام وقف التقادم الوارد فی نص المادة (435-436) من القانون المدنی العراقی.
فی حین ان مقتضى الانقطاع أی انقطاع التقادم هو زوال المدة السابق سریانها، وبدء سریان تقادم جدید بنفس المدة. فالمشرع فی الفقرة الثالثة من المادة (174) من قانون المرافعات المدنیة، کان قد التبس علیه الأمر فدمج فی نص واحد ما بین أحکام الوقف والانقطاع الخاص بالمدد القانونیة بالطعن. ومن هذا المنطلق، وعلى أساس هذا الالتباس، فأننا نقترح على المشرع العراقی تعدیل نص المادة (174/3) بإذ تکون صیاغة النص على النحو الأتی: "تحتسب مدة الوقف بالنسبة لمن ذکروا فی الفقرة السابقة بعد تبلیغ الحکم المذکور على الوجه المتقدم". ففی هذا النص المقترح تأکید على فکرة الوقف واستبعاد صریح لفکرة الانقطاع.
المطلب الثانی
الأثر غیر المباشر للقوة القاهرة
ان الأثر غیر المباشر للقوة القاهرة لا یقع فی إطار أحکام قانون المرافعات المدنیة، إنما یقع فی إطار قوانین موضوعیة الا إنها على صلة مباشرة بأطراف الرابطة الإجرائیة أثناء السیر فی الدعوى المدنیة. وفی حقیقة الأمر ان الأثر غیر المباشر لا یتجاوز مسألتین، الأولى تقع فی إطار قانون الإثبات وهی تتناول دلیل الإثبات المقدم من قبل الخصم فی الدعوى المدنیة، والثانیة تقع فی إطار القانون المدنی وتتناول حالة انتفاء المسؤولیة المدنیة بنوعیها (العقدیة والتقصیریة)، بسبب القوة القاهرة. وعلى هذا الأساس فان هذا المطلب یتوزع إلى فرعین، یتناول الفرع الأول اثر القوة القاهرة على دلیل الإثبات المقدم من الخصم، فی حین یتناول الفرع الثانی اثر القوة القاهرة فی انتفاء المسؤولیة المدنیة.
الفرع الأول: اثر القوة القاهرة على دلیل الإثبات المقدم من الخصم:
تبین لنا من خلال ما تقدم ان نص المادة (18) من قانون الإثبات العراقی رقم (107) لسنة 1979 المعدل، یعدَّ تأصیلاً تشریعیاً لفکرة القوة القاهرة. وبموجب هذا النص فانه یجوز ان یثبت بکل طرائق الإثبات ما کان یجب إثباته بالدلیل الکتابی فی حالة ما إذا فقد السند الکتابی بسبب لا دخل لإرادة صاحبه فیه. ولسنا بصدد شرح الحکم الذی تضمنته المادة المذکورة سلفاً وإنما نود ان نبین اثر القوة القاهرة فی هذه الحالة ویمکن إیجازه بما یلی:
1. ان مفهوم القوة القاهرة الواردة فی نص المادة (18) تتمثل بالقوة القاهرة الخاصة. لأنه لا یستفید من الاستثناء المذکور فی المادة أعلاه الا الخصوم وهم کلاً من المدعی والمدعى علیه، وفی إطار القانون المدنی الدائن والمدین على حد سواء. بمعنى ان بقیة أطراف الرابطة الإجرائیة (القاضی، المعاون القضائی، الشاهد، الخبیر، المبلغ) ....الخ والغیر لا یمکن ان یستفیدون من هذا الاستثناء مطلقاً.
2. ان اثر القوة القاهرة فی هذه الحالة هو التخفیف من العبء الملقی على عاتق الخصوم (المدعی والمدعى علیه) من حیث دلیل الإثبات الواجب التقدیم لإثبات الحق موضوع الدعوى. إذ من مقتضاها النزول من الدلیل الکتابی (الرسمی أو العادی) إلى جواز الإثبات بکافة طرائق الإثبات بما فی ذلک البینة الشخصیة والقرائن القضائیة.
الفرع الثانی
اثر القوة القاهرة فی انتفاء المسؤولیة المدنیة عن أطراف الرابطة الإجرائیة
لاشک ان المسؤولیة المدنیة بنوعیها (العقدیة والتقصیریة) تقوم على ثلاثة أرکان وهی الخطأ والضرر وعلاقة السببیة. ولا غبار فی ان المسؤولیة العقدیة لا تتحقق الا عند الإخلال بالتزام ناشئ عن العقد، وهذا الأمر غیر متصور أثناء نظر الدعوى المدنیة. فلا مجال للمسؤولیة العقدیة بهذا الصدد. وبالتالی یقتصر الأمر على المسؤولیة التقصیریة وهی یمکن ان تتحقق بحق أی طرف من أطراف الرابطة الإجرائیة، إذا ارتکب خطأ نتج عنه ضرر وجمعت بینهما علاقة السببیة.
وهذا ما أکدته المادة (186/1) من القانون المدنی العراقی بنصها: "1. إذا اتلف احد مال غیره أو انقص قیمته مباشرة أو تسبباً یکون ضامناً، إذا کان فی إحداثه هذا الضرر قد تعمد أو تعدى". وکذلک تنص المادة (191/1) من ذات القانون على انه: "1. إذا اتلف صبی ممیزا أو غیر ممیز أو من فی حکمها مال غیره لزمه الضمان من ماله". وکذلک تنص المادة (204) من القانون نفسه على انه: "کل تعد یصیب الغیر بأی ضرر آخر غیر ما ذکر فی المواد السابقة یستوجب التعویض".
وعلى هذا الأساس فإذا ما تم تکلیف احد أطراف الرابطة الإجرائیة بالقیام بعمل اجرائی معین، کان تکلف المحکمة المبلغ بتبلیغ صیغة الیمین إلى المدعى علیه الغائب. وفی ذلک الیوم لم یقم المبلغ بالتبلیغ، فلا تنهض مسؤولیته التقصیریة إذا اثبت ان سبب عدم مباشرته للعمل الإجرائی کان راجعاً إلى قوة قاهرة.
بمعنى ان اثر القوة القاهرة بالنسبة لکل أطراف الرابطة الإجرائیة، إنها تنفی المسؤولیة التقصیریة عن الطرف المکلف بالعمل الإجرائی حتى وان تحقق رکنی الخطأ والضرر، لانتفاء علاقة السببیة.
واقرب مثال على هذا الأثر انه إذا کلفت المحکمة الخبیر بتقدیم تقریر الخبرة فی الموعد القادم للمرافعة، وفی ذلک الموعد تشکلت المحکمة وحضر الطرفین الا انه لم یقدم الخبیر تقریر الخبرة المکلف به وکانت قوة قاهرة قد حالت دون مباشرته للعمل الإجرائی مثل فرض حظر التجوال الجزئی فی موطن الخبیر أو إصابته بجلطة دماغیة. فلا تنهض المسؤولیة التقصیریة بحقه، على الرغم من تحقق رکنی الخطأ والضرر لأن الرکن الثالث وهو علاقة السببیة منتفی بسبب حدوث القوة القاهرة.
وهذا الأثر قد أکدت علیه المادة (211) من القانون المدنی العراقی بنصها "إذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب أجنبی لا ید له فیه کآفة سماویة أو حادث فجائی أو قوة قاهرة أو فعل الغیر أو خطأ المتضرر کان غیر ملزم بالضمان ما لم یوجد نص أو اتفاق على غیر ذلک".
وخلاصة ما تقدم ان الأثر غیر المباشر للقوة القاهرة وفی إطار القانون المدنی، إنها تنفی المسؤولیة التقصیریة عن الطرف المکلف بعمل إجرائی معین، متى ما اثبت ان عدم مباشرته لهذا العمل کان راجعاً إلى قوة قاهرة عامة أو خاصة. مع الأخذ بنظر الاعتبار ان هذا الأثر للقوة القاهرة قد حدث أثناء السیر فی الدعوى المدنیة ولیس قبلها أو بعد صدور الحکم فیها.
الخاتمة
وفی نهایة المطاف تضمن البحث، ثلة من النتائج والمقترحات، ما هی الا إسهام متواضع فی هذا الموضوع نأمل ان تکون موضع دراسة وتطبیق وهی:
أولا. النتائج:
1. تبین لنا من خلال موضوع البحث ان لفکرة القوة القاهرة وجود حقیقی ومؤکد فی نصوص قانون المرافعات المدنیة وهما نص المادتین (84) و (174). ولهذه الفکرة وجود حقیقی أیضا فی ظل أحکام قانون الإثبات لا سیما نص المادة (18) من هذا القانون. وان لم یستخدم المشرع مصطلح القوة القاهرة بشکل صریح. وإنما تم الاستدلال علیها من خلال الأحکام التی أوردها المشرع فی النصوص المذکورة.
2. ان لفکرة القوة القاهرة فی قانون المرافعات المدنیة، مفهومین احدهما خاص والأخر عام، ومقتضى المفهوم الخاص ان تنصب آثار الواقعة التی تشکل القوة القاهرة على الخصم نفسه بإذ یکون أثرها مقتصراً علیه وحده فی حین ان مقتضى المفهوم العام للقوة القاهرة، ان تنصب آثار الواقعة التی تشکل القوة القاهرة لا على الخصم وحده فحسب، وإنما على کل أطراف الرابطة الإجرائیة والغیر على حد سواء.
3. القوة القاهرة فی ظل أحکام قانون المرافعات المدنیة، یقصد بها واقعة أو حدث أو ظرف، مستقل عن إرادة أطراف الرابطة الإجرائیة (الخصوم) والغیر على حدٍ سواء. لا یمکن توقعها ولا یمکن دفعها أو استبعاد نتائجها الضارة. من شأنها ان تجعل الخصم فی حالة استحالة مطلقة، بإذ إنها تحول دون مباشرته للعمل الإجرائی للمطالبة بحقوقه ومراکزه القانونیة أو لتنفیذ الواجبات الإجرائیة الملقاة على عاتقه خلال المدة المحددة بنص القانون.
4. یشترط فی الواقعة التی توصف بکونها قوة قاهرة ان تتوافر فیها أربعة شروط وهی ان تکون الواقعة غیر متوقعة وغیر ممکنة الدفع، ومستقلة عن إرادة الخصوم، ومن شأنها ان تجعل مباشرة الخصم للعمل الإجرائی مستحیلاً استحالة مطلقة.
5. تبین لنا من خلال موضوع البحث اختلاف القوة القاهرة عن نظریة الظروف الطارئة، ویبدو وجه الاختلاف فی ان القوة القاهرة تطبق فی المسؤولیة العقدیة والتقصیریة على حد سواء. بخلاف نظریة الظروف الطارئة فهی لا تطبق الا فی إطار المسؤولیة العقدیة. فضلاً عن صفة العمومیة فالقوة القاهرة یمکن ان تکون عامة کما یمکن ان تکون خاصة فی حین ان الظروف الطارئة لا یمکن ان تکون الا حدثاً عاماً ینطبق على کثیر من الناس. بالإضافة إلى الاختلاف من حیث الأثر، فأثر القوة القاهرة هو انتفاء المسؤولیة المدنیة بنوعیها (العقدیة والتقصیریة) فی مجال القانون المدنی، ووقف المدد القانونیة وبطلان الإجراءات فی إطار قانونه المرافعات المدنیة فی حین یقتصر اثر الظرف الطارئ على مجرد إنقاص التزام المدین إلى الحد المعقول. وأخیرا، فاحکام القوة القاهرة لیست من النظام العام، وبالتالی، فانه یجوز الاتفاق على ما یخالفها بخلاف الظروف الطارئة التی تعدَّ من النظام العام ولا یجوز الاتفاق على ما یخالفها.
6. تبین من خلال موضوع البحث، انه ثمة اختلاف ما بین القوة القاهرة والمانع أو العذر القانونی، ویبدو وجه الاختلاف من حیث الشروط والنطاق. إذ لا یشترط فی المانع ما یشترط فی القوة القاهرة من حیث عدم توقعها وعدم إمکانیة دفعها وان یترتب علیها استحالة قیام من حدثت له باتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على حقوقه استحالة مطلقة. فی حین انه یکفی فی المانع ان یقوم دون ان یکون مصدره خطأ الخصم، حتى یحدث أثره فی وقف سریان المدة القانونیة. فضلاً عن المانع أو العذر القانونی أوسع نطاقاً وأیسر شروطاًَ من القوة القاهرة.
7. توضح لنا من خلال موضوع البحث، ان للقوة القاهرة أثراً مباشراً وغیر مباشر، أما الأثر المباشر فهو یحدث فی إطار قانون المرافعات المدنیة، وهو یبدو فی صورتین الأولى ان یحدث الأثر المباشر للقوة القاهرة أثناء السیر فی الدعوى المدنیة ومثال هذا الأثر الحالات الواردة فی نص المادة (84) من قانون المرافعات المدنیة، إذ یترتب على حدوثها أثناء نظر الدعوى اثران هما، وقف المدد القانونیة وبطلان الإجراءات القانونیة المتخذة خلال مدة الوقف والثانیة، وهو ان یحدث أثرها المباشر بعد صدور الحکم فی الدعوى المدنیة وتبلغ المحکوم علیه به، ومثال هذا الأثر الوارد فی نص المادة (174) من قانون المرافعات المدنیة، إذ یترتب على حدوثها فی هذه الحالة وقف المدد القانونیة الخاصة بالطعن بالاحکام إلى ان یتم تبلیغ ورثة المحکوم علیه أو تعین موطنهم، وأثرها هنا یقتصر على مجرد وقف سریان المدة الخاصة بالطعن وبحسب نوعیة الحکم وصفته، دون بطلان الإجراءات، لان الدعوى محسومة بالحکم.
8. تحدث القوة القاهرة أیضا اثراً غیر مباشر وهو یقع خارج نطاق قانون المرافعات المدنیة، ویبدو فی مجالین، الأول فی إطار قانون الإثبات إذ یبدو أثرها فی التخفیف من العبء الملقی على عاتق الخصوم (المدعی والمدعى علیه) وذلک من حیث دلیل الإثبات الواجب التقدیم. إذ من أثرها النزول من الدلیل الکتابی (الرسمی أو العادی) إلى جواز الإثبات بکافة طرائق الإثبات بما فی ذلک البینة الشخصیة والقرائن القضائیة. والثانی فی إطار القانون المدنی إذ أنها تنفی المسؤولیة التقصیریة عن الطرف المکلف بعمل اجرائی معین، متى ما اثبت ان عدم مباشرته لهذا العمل کانت راجعة إلى قوة قاهرة عامة أو خاصة. ومع الأخذ بنظر الاعتبار ان هذا الأثر للقوة القاهرة قد حدث أثناء نظر الدعوى ولیس قبلها أو بعدها.
ثانیاً. المقترحات:
نقترح على المشرع العراقی إزالة الالتباس الذی حصل فی صیاغة نص الفقرة الثالثة من المادة (174) فی قانون المرافعات المدنیة. فالمشرع کان قد التبس علیه الأمر عند صیاغة الفقرة المذکورة فدمج فی نص واحد ما بین أحکام الوقف والانقطاع الخاص بالمدد القانونیة بالطعن. من هذا المنطلق، فاننا نقترح ان تکون صیاغة النص على النحو الأتی: "تحتسب مدة الوقف بالنسبة لمن ذکروا فی الفقرة السابقة بعد تبلیغ الحکم المذکور على الوجه المتقدم". ففی هذا النص المقترح تأکید على فکرة الوقف واستبعاد صریح لفکرة الانقطاع، وإزالة للالتباس الذی وقع فیه المشرع.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (French)
Firstly. Legal books
1. Dr. Adam Wahib al-Nadawi, Civil Proceedings, Ministry of Higher Education and Scientific Research, University of Baghdad, 1988.
2. Dr. Ahmed Abu Al-Wafa, Civil and Commercial Pleadings, I 13, publisher of the Knowledge Center in Alexandria, 1980.
3. Dr. Ahmed Heshmat Abu Setit, Theory of Commitment in the New Civil Law, First Book, Sources of Commitment, I 2, Egypt Press, Cairo 1954.
4. Dr. Ahmed Heshmat Abu Setit, Theory of Commitment in the New Civil Law, First Book, Sources of Commitment, I 2, Egypt Press, Cairo 1954.
5. Ismail Al-Omari, Theory of Emergency Accidents in Civil Law and its Judicial Applications, Dar al-Kutab for Printing and Publishing, Mosul University, 1974.
6. Dr. Jalal Ali Al-Adawi, Foundations of Obligations and Evidence, Publisher Knowledge Establishment, Alexandria, 1996.
7. Dr. Hassan Ali Al-Dinun, The General Theory of Dissolution in Islamic Jurisprudence and Iraqi Civil Law, Comparative Study, Al Nahda Press, Egypt, 1946.
8. Dr. Hassan Ali Al-Dinon, General Theory of Obligations (Sources of Obligation, Obligation Provisions, Proof of Obligation), Baghdad, 1976.
9. Diaa Shit Khattab, Al-Wakiz in explaining the Civil Procedure Law, Al-Ani Press, Baghdad, 1973.
10. Dr. Abbas Al-Aboudi, Explanation of Civil Procedure Law, Comparative and Enhanced Judicial Applications, Dar Al-Kutab for Printing and Publishing, University of Mosul, 2000.
11. Dr. Abbas Aboudi, Explanation of the provisions of the Iraqi Law of Evidence, I 2, Dar al-Kitab for Printing and Publishing, University of Mosul, 1997.
12.d. Abdul Hakim, Abdul Baqi al-Bakri and Mohammed Taha al-Bashir, Civil Law and the provisions of commitment C 2, presses of the Ministry of Higher Education, Baghdad, 1980.
13. Abdul Rahman al-Alam, Explanation of Iraqi Rules of Procedure, C.1-C2, No Place to Print, Baghdad, 1961.
14. Dr. Abdul Razzaq Ahmed Al-Sanhouri, Al-Wajeez in explaining the Civil Law, C1, Theory of Commitment in general, Publisher Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Press of the Committee of Authoring, Translation and Publishing, Cairo, 1966.
15. Dr. Abdul Razzaq Ahmed Al-Sanhoury, The Mediator in Explaining Civil Law, C1, Sources of Obligation, i., University House for Printing and Publishing, Cairo, 1952.
16. Dr. Abd al-Razzaq Ahmad al-Sanhouri, al-Waseet in explaining the Civil Law, C3, (descriptions, hawala, expiry), publisher Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1964.
17.d. Abdul Majeed al-Hakim, Abdul-Baqi al-Bakri and Muhammad Taha al-Bashir, Al-Wakiz in the theory of commitment, 1, sources of commitment, the presses of the Ministry of Higher Education, Baghdad, 1980.
18. Dr. Abdul Moneim Faraj Al-Sadah, Evidence in Civil Materials, I 2, Mustafa Al-Babi Al-Halabi Press, Egypt, 1955.
19. Dr. Abdul Wahab Ali bin Saad Al-Roumi, Impossibility and its Impact on Contractual Commitment, Comparative Study in Islamic Jurisprudence and Civil Law, 1, 1994.
20. Medhat Al-Mahmoud, Explanation of Civil Procedure Law, No. 83 of 1969, C1, Al-Hussam Printing Company, Baghdad, 1994.
21. Medhat Al-Mahmoud, Explanation of Civil Procedure Law, C2, Judgments and Methods of Appeal, Al-Khairat Press, Baghdad, 2000.
22. Dr. Mohsen Shafiq, The Theory of War as a Force Majeure and its Impact on the Contract of Commercial Sales, Dar Al Israa Publishing and Distribution, Amman, Jordan, 1998.
23. Dr. Mohamed Said Abdel Rahman, Force Majeure in the Law of Pleadings, Publisher Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 2001.
24. Dr. Nabil Ismail Omar, The Judiciary Judge in Civil and Commercial Law, I 1, Publisher, Alexandria, Atlas Press, Cairo, 1984.
25. Dr. Wagdy Ragheb, Principles of Civil Debate, I 1, publisher of Arab Thought House, Atlas Press, Cairo, 1978.
Second. Research and articles:
1. Dr. Omar Al-Siwi, Administrative Contract and the Force of Cairo, Research published in the Journal of Legal Studies issued by the University of Tarunis, Benghazi, Volume 13, Q 14, Libya, 1994.
2. Dr. Mohamed Sheta Abu El Saad, The Concept of Force Majeure, Research published in the contemporary magazine of Egypt, issued by the Egyptian Society for Economics, Politics, Statistics and Legislation, No. 393 and 394, Q 74, Cairo, 1984.
Third. Theses:
1. Agyad Thamer Nayef Al-Dulaimi, The symptoms of civil suit, comparative study, Master thesis submitted to the Council of the Faculty of Law, Mosul University, 2001.
2. Ayad Abdul-Jabbar Maluki, Responsibility for Things and their Application to Moral Persons in particular, Comparative Study, PhD thesis presented to the Council of the Faculty of Law, University of Baghdad, 1978.
3. Suleiman Marks, Theory of Payment of Civil Liability, PhD thesis submitted to the Faculty of Law, Cairo University, 1936.
4. Safaa Taki Abdel Nour Al-Issawi, Force Majeure and its Impact on International Trade Contracts, Comparative Study, PhD Thesis Presented to the Council of the Faculty of Law, Mosul University, 2005.
5. Ali Dhari Khalil, The Foreign Cause and its Impact on the Scope of Tort Liability, Master Thesis Presented to the Council of the Faculty of Law, University of Baghdad, 1999.
Fourthly. Encyclopedias:
1. Hassan al-Fakhani and Abdel-Moneim Hussein, the golden encyclopedia of the legal rules decided by the Court of Cassation in fifty years, C1, Cairo, 1982.
Fifthly. Laws:
1. French Civil Code of 1804 amended.
2. Egyptian Civil Law No. 131 of 1948.
3. The Iraqi Civil Code No. (40) for the year 1951 amended.
4. Egyptian Commercial Civil Procedure Law No. 13 of 1968.
5. Egyptian Evidence Law No. (25) for the year 1968 amended.
6. Iraqi Civil Procedure Law No. 83 of 1969.
7. French Civil Procedure Code No. (1123) for the year 1975 amended.
8. Iraqi Evidence Law No. (107) of 1979 Amended.
VI. Sources in French:
1. DE- mou GuE, Les effects obiligations, T.l. Paris, 1986.
2.. LEON (U-J-Lecon de droit les odligation-T.ll-Paris, 1991).
3. MaZeaud (H.L.J) - Lecon de droit civil obligations T.2.3 eme, Paris, 1966.