الملخص
لابد لای مجتمع یرید البقاء والاستمرار من ان تکون له قدرة علیا " سلطة " تهیمن على تناقضات افراده وصراعاتهم واختلافاتهم وتکون على راسه ممثلة له ککیان سیاسی هذه القدرة العلیا ، وتلک القوة المسیطرة هی سلطة الدولة الحاکمة
فالسلطة والمجتمع بینهما علاقة عضویة تمثل الشیء نفسه ، فلا یتصور قیام سلطة من دون مجتمع، ولا قیام مجتمع من دون سلطة فهنالک تلازم بین الجماعة وسلطة تجعلها منها بمثابة الراس من الجسد تعمل لها ولصالحها فیما تؤمن به وتعتقد واذا کانت السلطة فی ای مجتمع فی حاجة الى سند یمنحها شرعیتها ویقیم لها اساس طاعتها ولکن القضیة التی تثار من خلال البحث بالمقارنة مع الشریعة الإسلامیة هی لمن تکون السلطة والسیادة فی المجتمع
الموضوعات
أصل المقالة
شرعیة السلطة ونظام الحکم فی الدولة دراسة مقارنة بین القوانین الوضعیة والشریعة الإسلامیة (*)
The legitimacy of the Authority and the system of governance in the State
A comparative study between human laws and Islamic law
مصطفى سالم النجفی بیداء عبد الجواد العباسی کلیة الحقوق/ جامعة الموصل کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Mustafa Salem Al-Najafi byada'Abdul-Jawad Al-Abbasi College of law / University of Mosul College of law / University of Mosul Correspondence: Mustafa Salem Al-Najafi E-mail: |
(*) Received on 21/11/2007 *** accepted for publishing on 2/4/2008.
Doi: 10.33899/alaw.2008.160533
© Authors, 2008, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
مقدمة :
لابد لای مجتمع یرید البقاء والاستمرار من ان تکون له قدرة علیا " سلطة " تهیمن على تناقضات افراده وصراعاتهم واختلافاتهم وتکون على راسه ممثلة له ککیان سیاسی هذه القدرة العلیا ، وتلک القوة المسیطرة هی سلطة الدولة الحاکمة
فالسلطة والمجتمع بینهما علاقة عضویة تمثل الشیء نفسه ، فلا یتصور قیام سلطة من دون مجتمع، ولا قیام مجتمع من دون سلطة فهنالک تلازم بین الجماعة وسلطة تجعلها منها بمثابة الراس من الجسد تعمل لها ولصالحها فیما تؤمن به وتعتقد واذا کانت السلطة فی ای مجتمع فی حاجة الى سند یمنحها شرعیتها ویقیم لها اساس طاعتها ولکن القضیة التی تثار من خلال البحث بالمقارنة مع الشریعة الإسلامیة هی لمن تکون السلطة والسیادة فی المجتمع.
ولشرعیة السلطة جانبان. الجانب السیاسی لشرعیة السلطة یتمثل فی أداة الإسناد "التنصیب" الشرعیة التی یرتکز علیها الحاکم سندا لشرعیة سلطته. الدیمقراطیة والثیوقراطیة هی التعبیر عن الشرعیة السیاسیة للسلطة. اما الجانب القانونی لشرعیة السلطة فان السیادة کسلطة امرة علیا – هی التعبیر عن الشرعیة والقانونیة للسلطة. ولان المجتمعات تتباین فی مذاهبها وفلسفتها ومعتقداتها کان حتماً ان تختلف ادوات اسناد السلطة وشرعیتها فی تولیة الحکام للحکم فی القوانین الوضعیة والشریعة الإسلامیة.
أهمیة الموضوع:
فأهمیة موضوع البحث تاتی من خلال البحث فی شرعیة السلطة ودراستها وفق ماکانت علیه فی صدر الرسالة والمجتمع الإسلامی الحدیث وبین القانون الوضعی فی ابراز ایجابیات الشریعة الإسلامیة وسلبیات القوانین الوضعیة التی افتقدت الى الهیبة والمکانة الثابتة نتیجة فقدانها لعصمة السماء وفصل الدین عن الدولة فنعالج فی بحثنا مشکلة السلطة ومایدور حولها من تبریرات ونظریات من قبل فقهاء القانون الوضعی سعیاً منهم فی دعم سلطة الحکام وبالتالی المشکلة صارخة وواضحة فی القانون الوضعی. وعدم وجود تلک المشکلة فی المجتمع الإسلامی الصحیح لان شرعة الله الثابتة قد اوضحت معالم النظام الإسلامی واداته الاساسیة الرئیسة فی اسناد السلطة لذلک فاننا سنقوم بحث الموضوع مقارنة بالشرعیة الإسلامیة.
فرضیة البحث:
أن السلطة فی الإسلام تعدَّ من قبیل الضرورة والفریضة وعدها البعض من أصول الدین وأما فی القانون الوضعی فقد اعتبروها مجرد ضرورة لغرض حمایة الحقوق والحریات وفض النزاعات الإنسانیة ومدى مشروعیتها.
مشکلة البحث:
تدور مشکلة البحث فی دراسة واقع السلطة فی النظام الإسلامی الذی کان واضح المعالم وفی القوانین الوضعیة من حیث وسائل تولیها ومدى موافقتها للشرع الحنیف والنهج الإسلامی وما مدى شرعیتها وبین الوسائل التی یتم تولی السلطة فیها بطرائق أخرى مختلفة مفتقرة إلى الشرعیة الأصولیة.
هدف البحث:
یهدف البحث إلى الوصول إلى الوسیلة الشرعیة لتولی السلطة التی اعتمدها النظام الإسلامی ومناقشة بقیة الوسائل الأخرى فی ضوء القوانین الوضعیة ومدى موافقة شرعیتها للنظام الإسلامی وقبول أفراد الشعب ودیمقراطیتهم.
منهجیة البحث:
اعتمدنا أسلوب البحث المقارن والتاریخی ما بین النظام الإسلامی والقانون الوضعی .
هیکلیة البحث:
وقدوقد قمنا بتقسیم البحث على أربعة مباحث وعلى الشکل الأتی :
المبحث الأول /ماهیة الشرعیة ، وخصائصها وتمیزها عن مایشابهها من المصطلحات
المبحث الثانی /ضرورة السلطة بالمجتمع ومشکلتها فی القانون الوضعی والنظام الإسلامی
المبحث الثالث/ أساس شرعیة سلطة الدولة فی القوانین الوضعیة والنظام الإسلامی
المبحث الرابع / وسائل إسناد السلطة وشرعیتها فی النظم الوضعیة والنظام الإسلامی المبحث
المبحث الأول
ماهیة الشرعیة وخصائصها وتمییزها عن ما یشابهها من المصطلحات
وسنتناول فی هذا المبحث التعرف على مبدأ الشرعیة والفرق بینها وبین مشروعیة السلطة، وبینها وبین سیادة القانون. ونبین بعد ذلک خصائص سلطة الدولة وضرورتها ومشکلتها فی القوانین الوضعیة والشریعة الإسلامیة على وفق مطالب ثلاثة وعلى النحو الأتی:-
المطلب الأول/ ماهیة الشرعیة
المطلب الثانی/ خصائص سلطة الدولة فی القانون الوضعی والنظام الإسلامی
المطلب الثالث/ تمییزها
المطلب الأول
ماهیة الشرعیة
الفرع الأول
تعریفها
مصطلح الشرعیة أو المشروعیة لغةً وإن کانا لفظین مشتقین من أصل واحد هو الشرع أو الشریعة إلا أنهما مختلفان من حیث المفهوم الدقیق لکل منهما فالشرعیة مشتقة من الشرع بصیغته الفعلیة ومعناها موافقة الشرع والمشروعیة مشتقة من الشرع بصیغته المفعولیة وتفید محاولة موافقة الشرع والمحاولة قد تصیب وقد تخطئ.
وقد اختلف الفقه فی تحدید کل من الشرعیة والمشروعیة فأخذ بعض الفقهاء بمفهوم واحد لکل من الشرعیة والمشروعیة ، والبعض الاخر فرق بین الشرعیة والمشروعیة اذ عد المشروعیة بانها تکمن فی اخضاع الدولة للقانون من خلال وجود مبادئ علیا تسمو على الدستور وتشریعات الدولة وسبق وجودها فی الدولة نفسها ویقصد بها مبادئ الإیدیولوجیة الحاکمة فی الدولة ولکن الشرعیة تعنی مبدأ سیادة القانون وسیادة أحکامه أیا کان مصدرها دستوریا أو قانونا أو لائحة. فمهما تعددت التعریفات فی المؤلفات الفقهیة بشان ذلک، فان هناک اتجاهان أساسیان تنتهی عندها معظم التعریفات التی سنوردها. أنها تقع ضمن تأثیر نتائج الفکر اللیبرالی (الغربی) والأخر ضمن تأثیر ونتائج الفکر الاشتراکی. وقد وردت عدة تعریفات للشرعیة. فبعض من الفقهاء من استخدم مصطلح (المشروعیة). فالعلامة (دیجی) یرى إن المشروعیة تتحد فی عدم استطاعة أیة سلطة فی دولة قانونیة اتخاذ قرار فردی إلا ضمن الحدود التی یرسمها نص ذو بعد عام أی قانون بالمعنى المادی. وعرفه بعضهم (أن أعمال الإدارة أو الهیئات العامة وقراراتها النهائیة لا تکون صحیحة ولا منتجة لأثارها القانونیة فی مواجهة المخاطبین بها إلا بمقدار مطابقتها لقواعد القانون العام الذی تعیش الجماعة فی ظله) .
ویستعرض عدد من الفقهاء الاشتراکیین فی تعریفات للمشروعیة التی یعبر عنها باصطلاح الشرعیة الاشتراکیة (هی الخضوع الصارم للقانون والأنماط القانونیة المبنیة علیها من قبل جمیع الهیئات الحکومیة والمنظمات الاجتماعیة والأفراد) .فهذه التعریفات تعطی معنى واحدا هو خضوع الحکام و المحکومین للقانون فلیس للسلطة الحاکمة أن تسمح لنفسها بالخروج عن القواعد القانونیة بحجة أنها موجهة إلى المحکومین فالسیادة فی النظم الحدیثة تکون للقانون. فهی تنفیذ القوانین وسائر الوثائق القانونیة تنفیذا دقیقا من قبل جمیع المواطنین والمنظمات الاجتماعیة وهیئات الدولة والمسؤولین فیها. مع المراعاة الدقیقة والتقید من جانب جمیع الهیئات الحکومیة وغیر الحکومیة والمسؤولین والأفراد للقوانین والتشریعات التی ترتکز علیها والتی تعبر عن إرادة الشعب العامة، کما تحددها الظروف المادیة الموجودة وهی تهدف إلى المحافظة على النظام الاجتماعی والسیاسی وزیادة تطوره وکذلک على حقوق الأفراد وحریاتهم ومصالحهم المشروعة فهی تطابق لأی تصرف مع القانون الذی ینظمه أمر صحیح مع الأخذ بنظر الاعتبار حقیقة وطبیعة النظام السیاسی الذی یسود فی ظله هذا القانون.
فهی الاتفاق مع القواعد القانونیة أیا کان مصدرها دستوریا أو تشریعیا وتسود أحکامها على کل من الدولة والأفراد بعدم مخالفة القواعد القانونیة مع وجود الجزاء على الإخلال بهذا الالتزام إذ لا ضمانة بغیر جزاء على المخالفة، حیث تتوقف قیمة الالتزام ومدى الإیمان به على مدى فعالیة هذا الجزاء.
وفی الفقه الإسلامی فیعنی مبدأ الشرعیة التزام کل من الحاکم والمحکوم بالمصدرین الأساسیین فی الشریعة الإسلامیة وهما القرآن الکریم والسنة النبویة وکذلک القوانین التی تصدر عن إرادة الأمة فیما لم یرد فیه نص والمقید فی ذلک بروح الإسلام مبادئه العلیا.
من خلال هذه التعریفات التی ذکرها الفقهاء. فان مبدأ الشرعیة یتعلق بحدود سلطان الدولة وخضوع الهیئات الحاکمة لقواعد ملزمة لها. والدولة القانونیة لا ترتبط ارتباطا حتمیا بفکرة الحکومة الشرعیة أو القانونیة وکذلک الحکومة الواقعیة الفعلیة التی تقوم من دون سند من القانون فأنها کذلک قد لا یمارس الحکام فیها سلطتهم طبقا للقواعد المقررة فی الدستور النافذ والقوانین. فالحکومة الواقعیة قد لا تخضع للقوانین القائمة أو التی کانت قائمة، إلا إن ذلک لا یعنی بالضرورة إن الدولة تصبح دولة غیر قانونیة. ذلک إن الحکومة الواقعیة لا تلبث أن تعدل القوانین أو تضع قوانین جدیدة تخضع لها الهیئات الحاکمة، فالحکومة الفعلیة لا تتحلل من کل خضوع للقانون. وإنما هی تضع من القوانین ما یتفق مع الأوضاع الجدیدة فلیس ثمة ارتباط حتمی بین مشروعیة السلطة ومبدأ الشرعیة. ولکن متى توصف السلطة بأنها شرعیة؟ وما الفارق بینها وبین المشروعیة من ناحیة أخرى ؟ وبینها وبین مبدأ سیادة القانون؟.
المطلب الثانی
خصائص سلطة الدولة فی القانون الوضعی والنظام الإسلامی
تعرف السلطة العامة على أنها قدرة التصرف الحر التی تباشر بحکم سموها مهمة حکم الناس عن طریق خلق النظام والقانون بصفة مستمرة وهی على هذا الأمر تعدَّ ظاهرة اجتماعیة لا مکان لها خارج النظام الجماعی ولا یستقیم النظام الجماعی ولا یستقر بدونها. وسنعمل على إبراز خصائص سلطة الدولة فی المجتمع الإسلامی والقانون الوضعی فی فرعین ، الأول : خصائص سلطة الدولة فی القوانین الوضعیة والثانی : خصائص سلطة الدولة فی المجتمع الإسلامی.
الفرع الأول
خصائص سلطة الدولة فی القانون الوضعی
أولا: السلطة ظاهرة اجتماعیة:
أی أنها کما ذکرنا انفاً موجودة داخل الجماعات البشریة ولا یتصور وجودها بدون هذه الجماعات ولا یستقر أمرها بدون وجود سلطة أمره تحفظ النظام فیها وتعمل لصالح أفرادها ومهما یکن أصل السلطة فان القوة تعدَّ عنصرا أساسیا من العناصر التی تقوم علیها السلطة. ولغرض الدفاع عن النظام القائم وضمان احترامه، وفرض الجزاءات على المخالفین. تعتمد الدولة على القوة البولیسیة والجیش لحمایة وجودها وأمنها وفرض سیطرتها لذلک وجدت السجون والمعتقلات وغیرها من وسائل العقاب دورا کبیرا.
ولکن السلطة العامة وان أخذت بالحیاة الواقعیة شکل قوة مادیة کما ذکرنا فهی قبل کل شیء تعتمد فی وجودها وفی شرعیة تصرفاتها على مدى ارتباطها بالجماعة البشریة وصدق تعبیرها عنهم فهی تستقر بالأساس على رضا المحکومین بها وقبولهم لها، وهذا الرضا هو الذی یؤکد شرعیة السلطة ویمکنها من الوفاء بواجباتها وهذه الطاعة تعنی إلزاماً من المعقول قبوله ، ویمکن أن یحمل مفهوم معاکس عدم الطاعة إذا اعتمدت السلطة على القوة المسیطرة فقط وعلى قوتها المادیة فإنها ستفقد مشروعیتها وتصبح سلطة غاصبة لأنها لم تظفر برضا الجماعة عنها .وهذا الوضع سیؤدی إلى فقد الشرعیة ویزعزع شرعیة السلطة ویهددها بالانهیار.
ثانیا: السلطة ظاهرة سیاسیة :
الدولة کمجتمع بشری لابد أن یتوفر لها عنصر التنظیم السیاسی ، فوجود سلطة سیاسیة تؤدی وظائف الدولة الداخلیة والخارجیة، مسؤولة أمام الجماعات الأخرى عن کافة الشؤون التی تتعلق بالإقلیم والشعب، فتجمیع السلطات فی ید حکومة واحدة تملک من الوسائل المادیة والقانونیة ما یمکنها من السیطرة العامة على إقلیم الدولة دون منازعة من أیة سلطة أخرى.أی دون أن تکون خاضعة داخلیا أو خارجیا لسلطة أعلى منها فهی فی الداخل تعدَّ أعلى السلطات التی تملک أمر الحکم فی الخلافات التی تنشأ بین الأفراد والهیئات الداخلیة ولا تخضع مادیاً ولا معنویاً لسلطة أخرى سواء کانت نقابیة أو مهنیة أو سیاسیة أو عسکریة.فالذی یمیز المجتمعات المنظمة فی الدول الحدیثة هو امتلاکها للسلطة السیاسیة العامة، فهذه السلطة تملک إصدار القرار النهائی والتی تتمیز بالخصائص الآتیة:
1- إنها سلطة شاملة لان سلطة صاحب السیادة تشمل الأفراد کافة الذین یعیشون على إقلیم الدولة مع مراعاة المعاهدات والاتفاقیات الدولیة التی تنظم عمل الهیئات الدبلوماسیة والمنظمات الدولیة.
2- أنها سلطة مطلقة لان سلطتها تعلو الأفراد والهیئات کافة داخل الدولة تتمتع باستقلال سیاسی. أی الإرادة الدستوریة والتشریعیة المستقلة.
3- إنها سلطة دائمة. لا تعتمد فی استمرارها على حیاة الحکام بل ترتبط بحیاة الدولة والأمة.
4- هی وحدة لا تتجزأ لان الهیئات التی تمارس السلطة فی الدولة تستمد سلطاتها من صاحب السیادة وفق الصلاحیات والتخصصات المخولة لکل منها.
5- هی غیر قابلة للنقل أو التحویل إلى سلطة أو هیئة أخرى لان ذلک یتناقض مع طبیعتها.
ولذلک ولغرض صیانة الوجود الجماعی وکفالة استقراره، ظهرت فکرة السلطة العامة لتسهر على الصالح الجماعی وتطوره ولتطوع السلوکیات الفردیة بما یحقق الأمن والسلام الجماعیین.وتأکیدا لضرورة السلطة السیاسیة قرر (أرسطو) انه إذا ما وجد فی الجماعة شخص ممیز لدرجة تسمح له خصائصه وصفاته أن یکون على رأس جماعة فان مجموعة الأفراد یجب أن تنادی به ملکا، وکذلک ذکر (ابن خلدون) أن تنصیب حاکما على المسلمین قد وجب بالفعل، فضلا عن وجوبه بالشرع لضرورة الإجماع للبشر، واستحالة وجودهم وحیاتهم منفردین من ضرورة الاجتماع للتنازع لتضارب الأغراض بحیث إذا لم یکن للحاکم الوازع لقضى ذلک إلى الهرج والمؤدی إلى هلاک البشر وانقطاعهم.
ثالثا: السلطة ظاهرة قانونیة:
یؤکد الباحثون من علماء السیاسة والاجتماع، إن الصالح الجماعی المشترک فی الحیاة الجماعیة وتحدید أهداف الأفراد وأمالهم المستقبلیة لا یتحقق تلقائیا فهو یتطلب من الأفراد أن یسلکوا فیما بینهم أنماطا معینة من السلوک لا یهدد هذا الصالح العام، ولا تحول دون تطوره وهو ما یوجب أن یتوافر فی المجتمع السیاسی نظام سلوکی محدد یحیط بالأنشطة الفردیة ویوجهها، ولیست قواعد هذا النظام السلوکی فی النهایة غیر القانون. وأوضح ما یکون التلازم بین السلطة والقانون هو الیوم من التنظیم القانونی للجماعة، فأصبح یقضی التدخل من قبل السلطة فی تنظیم جمیع مجالات الحیاة. بعد اتساعها وامتدادها. ولهذا التدخل یجب أن یکون بوسیلة وهو القانون فهو سلاح السلطة السیاسیة للطبقة الحاکمة فی تنظیمه لمختلف الأوضاع فی الجماعة وبدونه لا تضمن سیر الأفراد تلقائیا نحو تحقیق صالح الطبقة الحاکمة.
فالسلطة بحاجة إلى القانون لأنه سلاحها فی حکم الجماعة وتنظیم أحوالها، کما أن القانون بحاجة إلى السلطة لتکفل له الاحترام وتعمل على تنفیذه حتى لا یعبث به الأفراد فیختل نظام الجماعة ویسودها الاضطراب.
الفرع الثانی
خصائص سلطة الدولة الإسلامیة
تتمیز الدولة الإسلامیة بخصائص فهی سلطة نظامیة وذات سیادة وان کان مفهوم السیادة فی الدولة الإسلامیة تظهر فیه وبوضوح فکرة تقییدها بأحکام الشرع الحنیف. لذا فإننا سنتناولها وعلى الشکل الأتی:
أولا: سلطة نظامیة
من خصائص سلطة الدولة أنها سلطة منظمة أو مؤسسة أی إسنادها إلى شخص مجرد مستقل عن أشخاص من یمارسونها هو الدولة. ولا شک أن الدولة الإسلامیة تفصل بین السلطة السیاسیة وشخصیة الحاکم، فالخلیفة (الإمام) لا یتمتع بالسلطة على أنها ملک له أو امتیاز من امتیازاته الشخصیة التی یستمدها من قوته المادیة أو من صفاته الذاتیة.
وتظهر الصفة النظامیة لسلطة الدولة فی أجمل صورها فی النظام الإسلامی فالخلافة (الإمامة) عقد مبنی على الرضا، والخلیفة أو رئیس الدولة فی الإسلام یتولى السلطة نیابة عن الأمة ولصالحها ولها أن تعزله، ورتب الفقهاء نتائج على هذا منها. أن العجز عن النهوض بشؤون الأمة یمنع من عقد الإمامة، وان العجز ممکن أن یکون مادیا وممکن أن یکون معنویا بالخضوع لسلطة أخرى انهزامیا فی داخله لا یستطیع أو لا یملک الإرادة السیاسیة بصورة مستقلة ولا یستطیع إن یُحَکِمَ شرع الله وشریعته فی الدولة بمختلف الذرائع.
کما إن للخلیفة الإمام إن یستعفی من الإمامة لأنه مولى من قبل الأمة صاحبة السلطان وسنده وسنبین لاحقا بصورة تفصیلة فی موضوع السیادة ولمن تکون فی النظریات التی قبلت فی مشروعیة السلطة فی مطلب لاحق. وهذا یعنی أن السلطة فی الإسلام لا تندمج فی شخص الحاکم ولا تعد امتیازا خاصا به وإنما هو أمین على السلطة یمارسها نیابة عن الأمة. فتأسیس السلطة وانتقالها من المرحلة الشخصیة إلى السلطة المجردة یعنی خضوعها لقواعد ثابتة تتفاوت فی مدى نموها وتعقیدها تبعا لدرجة تطور الدولة وطبیعة نظامها. وهذا ما یتوفر فی سلطة الدولة الإسلامیة، فالإسلام دین ونظام. حوی فی متنه العدید من المبادئ والأحکام الخاصة یتولى السلطة وانتقالها وممارستها وشرعیتها کنظام البیعة وشروط الخلافة والشورى ومبادئ العدالة وواجبات الحکام ومسؤولیاتهم.....الخ. وقد عرف علماء الإسلام فکرة الوجود الدائم للدولة أی السلطة بحیث یتصرف الحکام باسمها وتبقى تصرفاتهم نافذة ولو تغیر أشخاص الحکام وان تقلید الخلیفة لمن یتولى وظیفة فی الدولة هو نیابة عن الأمة.
وإذا کانت الدولة لا تقوم إلا حیث الجماعة السیاسیة التی وصلت الى درجة من التنظیم یجعل لها کیان مستقل عن الأشخاص الذین یمارسون السلطة فیها ویعبر عنها بفکرة الشخصیة المعنویة. فیظل صحیحا ان إضفاء وصف الشخص المعنوی على الدولة یقدم تعبیر واضح عن فکرة تأسیس السلطة وإذا کان فقهاء الشریعة الإسلامیة لن یعرفوا تعبیر الشخصیة المعنویة، ولکنهم عرفوا معناها ذلک لأنهم اثبتوا لبیت المال والمسجد والوقف أحکاما کثیرة من الحقوق والواجبات وهو ما یرتبط بالشخصیة المعنویة، فلیس ثمة ما یمنع من القول ان الدولة فی النظام الإسلامی تتمتع بالشخصیة المعنویة.
ثانیا: سلطة ذات سیادة
أن السلطة السیاسیة فی الدولة ذات سیادة (سلطة علیا) وینطبق هذا الشیء على الدولة الإسلامیة بما ذکرناه من خصائص للسلطة السیاسیة فی الدولة. فالسیادة فی الإسلام هی للدولة أما سیادة الحکام المرتبطة بشخصیتهم فهی غیر موجودة وغیر جائزة. ولکن سیادة الدولة الإسلامیة إذا کانت سلطة علیا إلا أنها لیست سلطة مطلقة بل تتقید بأحکام الشریعة الإسلامیة. إلا أن النظریات التی قیلت فی تقیید سیادة الدولة فی الفقه الوضعی، کانت نظریات فی جمیعها تتسم بالغموض وعدم التحدید أو لا تقدم تقییداً حقیقیاً على سلطات الدولة بینما تتقید سلطة الدولة الإسلامیة بالکثیر من الأحکام ذات المصدر الإلهی.
المطلب الثالث
تمییز الشرعیة عما یشابهها من المصطلحات
الفرع الأول
مشروعیة السلطة وشرعیتها
بعد أن بینا سابقا من انه لا یوجد تلازم بین مشروعیة السلطة وشرعیتها فهما صفتان مختلفتان للسلطة السیاسیة من کون السلطة شرعیة ومشروعة فی الوقت ذاته. فشرعیة السلطة تعنی استنادها إلى سند قانونی لممارستها، بمعنى أن الحاکم تقلد وظیفته طبقا للإجراءات والأوضاع التی نص علیها الدستور القائم والقوانین المنظمة لهذه الإجراءات، فإذا لم تتبع هذه الإجراءات لم تکن السلطة مستحقة لوصف الشرعیة أو القانونیة وهی الحکومة التی یتقلد فیها الحاکم السلطة بعد إتباع الإجراءات والأوضاع التی نص علیها الدستور أو القانون . وأما الحکومة الواقعیة التی وصلت إلى السلطة دون إتباع الإجراءات والشروط القانونیة المقررة فی النظام او الدستور القائم. ومنها حکومة الثورة والانقلاب فکلاهما وسائل غیر دیمقراطیة وغیر دستوریة والحکومة الناشئة عنهما حکومة واقعیة لأنها خالفت النظام الدستوری والقانونی القائم وتفتقد الى السند القانونی لممارسة السلطة.
وعلى ذلک فلیس ثمة ربط ضروری بین قانونیة الحکومة ومشروعیتها فالعبرة فی الصفة القانونیة للحکومات هی باستنادها أو عدم استنادها الى سند قانونی لممارسة السلطة. اما مشروعیة الحکومة فهی التی ترد الى أسس مختلفة، أی ان السلطة المشروعة (الحکومة) تعنی ان الحکام مقبولین لدى المحکومین (الشعب) لأنهم یمارسون سلطتهم استنادا الى قبول المحکومین (الشعب) بها ورضاهم لذلک تعد الحکومة قانونیة لاستنادها الى نص بالدستور القائم.
ومع ذلک قد تکون الحکومة غیر مشروعة لعدم وجود مبرر قبولها لدى المحکومین. کالحکومة الفردیة فی نظر القائلین بالمبدأ الدیمقراطی فی تأسیس مشروعیة السلطة . فهو یعتبر حاکما شرعیا اذا ما تولى منصبه طبقا للقوانین القائمة الا انه لا یعتبر وفق انصار هذا الرأی حاکما شرعیا لان مشروعیة السلطة عندهم اساسها اختیار الشعب وهو امر غیر متحقق فی حالة الحکم الفردی .
وقد تکون الحکومة غیر قانونیة (واقعیة) حکومة مشروعة وغیر شرعیة فی الوقت نفسه کالحکومة الثوریة الشعبیة فی نظر الذین یقولون ان اساس مشروعیة السلطة فی التقاء الاهداف التی تسعى الیها وتطلعات الجماعة وامالها وکذلک الحکومة . فهی غیر شرعیة لانها وصلت الى کرسی الحکم بغیر الطریق المقرر فی النظام القانونی القائم، الا انها تحوز على رضا الافراد وقبولهم لالتقاء اهدافها مع اهدافهم ولذلک توصف بالحکومة المشروعة.
الفرع الثانی
شرعیة السلطة وسیادة القانون
مبدأ شرعیة السلطة یعنی خضوع جمیع السلطات الحاکمة فی الدولة للقانون وینطبق ذلک لیس على السلطة التنفیذیة فحسب ولکن یشمل السلطتین التشریعیة والقضائیة کل ذلک بهدف حمایة الافراد فی حقوقهم وحریاتهم من تحکم أی من هذه السلطات.
اما مبدأ سیادة القانون فینبع عن فکرة سیاسیة تتعلق بتنظیم السلطات العامة فی الدولة وتهدف الى وضع الجهاز التنفیذی فی مرکز ادنى بالنسبة للجهاز التشریعی، ومنع الاول من التصرف إلا تنفیذاً لقانون او بتخویل من قانون. وهذه الفکرة السیاسیة منشؤها ان البرلمان یمثل الارادة العامة ارادة الشعب صاحب السیادة وان کل تنظیم یجب ان یصدر عن ارادة الشعب فانه ینبغی خضوع السلطة التنفیذیة للبرلمان وکل عمل للسلطة التنفیذیة هو تنفیذ للقانون المعبر عن الارادة العامة العلیا.
فمبدأ شرعیة السلطة یعنی بالنسبة للادارة الالتزام باحترام اللوائح الاداریة والخضوع لها، فلیس ثمة تلازم حتمی بین المبداین، ذلک ان مبدا سیادة القانون مبداء معروف فی النظم والدیمقراطیة فقط . اما شرعیة السلطة فهو متصور فی جمیع الانظمة السیاسیة طالما کانت السلطة السیاسیة ایا کان شکل ممارستها خاضعة لقواعد قانونیة ملزمة لها وللافراد، واما مبدأ سیادة القانون فهو یعنی سیادة البرلمان.
فالشرعیة سند لقوة الحکام، لان السلطة تکون مستقرة بیدهم عن رضاء الافراد بها والعکس صحیح، حیث یمکن القول ان الدکتاتوریات هی مرض السلطة. لهذا سعى الحکام عبر التاریخ ومساعدوهم الى ایجاد نظریات وتبریرات حول السلطة تعمل على اظفاء الشرعیة له. فالاسس التی یسند الیها السلطة فی مشروعیتها کثیرة ومتعددة منها ان تحوز على رضا الافراد بدرجة مائة من مائة وقناعتهم وقوة ارغام مکملة لمن یخرق القواعد القانونیة فی المجتمع ویهدد حریات وحقوق الافراد.
المبحث الثانی
ضرورة السلطة فی المجتمع ومشکلتها فی القانون الوضعی والنظام الإسلامی
سنتناول فی هذا المبحث دراسة ضرورة السلطة ومشکلتها فی القانون الوضعی والنظام الإسلامی فی مطلبین
المطلب الأول
ضرورة السلطة فی المجتمع فی القانون الوضعی والنظام الإسلامی
الفرع الأول
ضرورة السلطة فی القانون الوضعی
لابد لأی مجتمع یرید الاستقرار والبقاء من ان تکون له قوة دافعة تجعل منه کیانا سیاسیا بمعنى ان تکون له قدرة علیا بیدها من وسائل القسر ما تستطیع بها ان تهیمن على امن واستقرار المجتمع وضبط المیول والاتجاهات نتیجة اختلاف مصالح وقدرات الأفراد المکونین له. ولان السلطة فی المجتمع اداة أساسیة وضروریة، وهی بحسب اختلاف فکر المجتمع ومعتقده تختلف أشکالها وصورها، کما ان الأفراد الذین یقضون على السلطة نسمیهم بالحکام.
ولکن لماذا یقبض عدد من الافراد (جماعة – طبقة – أغلبیة عددیة) على السلطة أی على القوى الکبرى، ولماذا یستطیع هؤلاء دون غیرهم من اعطاء الأوامر والنواهی الى الاخرین؟ البعض أرجعها الى القوة البدنیة والعسکریة بالاستناد الى وسائلها المادیة مثل الدکتاتوریات العسکریة التی تظهر خصوصا فی المجتمعات المتخلفة او المنحطة وان کانت متقدمة او الهیئة التی یمکن ان نحس بها کواقعة او القوة الاقتصادیة التی تعد من اهم الاسباب للقبض على السلطة وتملکها.
لذلک تعد السلطة بوصفها ظاهرة المجتمع الانسانی السیاسیة والتاریخیة والاجتماعیة والقانونیة ضرورة تنشأ مع کل مجتمع سیاسی تلازمه وتواکبه، ومن مهامها توفیر الامن والامان للجماعات السیاسیة ولیس علة هذه الضرورة أن السلطة هی التی تخلق النظام، ولکن تکمن فی تعدد المصالح وتضاربها والتی تحتاج الى قدرة تملک تمنع التصادم واقامة التوازن.
ویقول الفارابی (ان کل واحد من الناس مفطور على انه محتاج الى قوامه، وفی ان یبلغ افضل کمالاته الى اشیاء کثیرة لایمکن ان ینهض بها کلها وحده ولذلک لایکون الانسان قادرا على نیل الکمال الذی لاجله جعلت له الفطرة الطبیعیة الا باجتماعات کثیرة متفاوتة فالخبر الأفضل والکمال الاقصى انما ینال اولا بالعمران) .
ویقول ابن خلدون فی مقدمته (ان الاجتماع الإنسانی ضرورة فالانسان مدنی بالطبع.... وبانه ان الله سبحانه وتعالى خلق الانسان ورکبه على صورة لایصح حیاتها وبقاؤها الا بالغذاء، وهداه الى التماسه بفطرته وبما رکب منه من القدرة على تحصیله، الا ان قدرة الواحد من البشر قاصرة على تحصیل حاجیاته من الغذاء وکذلک یحتاج کل واحد فی الدفاع عن نفسه او الاستعانة بابناء جنسه، فلابد من التعاون ومن دونه لا یحصل على قوته ولا تتم حیاته ولا یحصل له ایضا دفاع) . واذا کان هذا قول البشر. فان الله سبحانه وتعالى یقول فی کتابه العزیز: (وجعلناکم شعوبا وقبائل لتعارفوا...). فینشأ عن ظاهرة الاجتماع ظاهرتان . الصراع المادی لتعارض المصالح، وصراع نفسی فی ذوات الإنسان او الأفراد المکونین للمجتمع. لذلک قیل انه لا جماعة من غیر حکومة (سلطة) والتی نجد سندها الاجتماعی فی کونها الأداة الحتمیة لخلق مجتمع منظم یجد فیه الافراد فی رحابه الامن والحمایة لانفسهم من شرور انفسهم لذلک تعمد السلطة الى وضع النظام القانونی لیساعدها فی حکم شعبها.
وقد ذُکِرَتْ العدید من النظریات حول أساس السلطة وتدور فی مجملها حول قضیة السطة السیاسیة. فالنظریات کثیرة ومتشعبة والخلافات بین اصحابها لانهایة لها، لذلک قیل بنظریات تعتمد على الغیبیات (ثیوقراطیة) والغیر قابلة للتحقیق او للبحث العملی. وقسم اخر جاء بنظریات قابلة للبحث والتحقیق العملی وهی نظریات عقلیة وعلمیة (العقد الاجتماعی) او (التطور الاسری) او (القوة) او (العوامل التاریخیة) ولکن أی وصف لهذه النظریات التی قال بها الفقه لایعنی بالضرورة وصفها بالصواب او الخطأ
الفرع الثانی
ضرورة السلطة فی النظام الإسلامی
الإسلام دین ونظام، وهو اسلوب حیاة یجمع بین العبادة والسیاسة دوره لیس مقصورا على الهدایة وانما بتجاوزه لیعکس اثاره بصورة واضحة فی شتى مناحی الحیاة وعلاقاتها الدینیة والدنیویة. فلا یستطیع المسلم ان یصوغ حیاته وفق مارسمه له اسلامه إلا اذا کان له مجتمع یؤیه وسلطة تحمیه وتوفر له الامن لنفسه ودینه، وهذا ما یجعل السلطة فی الإسلام اصلاً من رواسخه تتجاوز معه حد الضرورة لتصل الى حد الفریضة بصفةها اعظم واجبات الدین ولهذا قیل ان (الدین اساس و السلطان حارس، وما لا أساس له فهو مهدوم ومالاحارس له فهو ضائع ) وقیل (ان الله یزع بالسلطان مالایزع بالقران)
وإذاکانت الاجتهادات الفقهیة والفکریة على انواعها واختلاف مصادرها اوصلتهم الى انه لا وجود لجماعة دون سلطة تتراس مصائر مکونیها تملک القدرة والاکراه على الخضوع لما تسنه من اوامر ونواهی تلزم الجمیع بها، ذلک لان الانسان المسلم مکلف بان یجعل حیاته وسائر اقواله وافعاله وتصرفاته وعلاقته بالناس وفق منهج الإسلام وصیاغة اسلوب حیاته لاتتم إلا بولایة الناس التی لاتتم إلا بسلطان الامارة التی تعدَّ من اعظم واجبات الدین الذی لاقیام له إلا بها فتصبح السلطة فی الإسلام فریضة .
ویقول رسول الله (r ) (لا یحل لثلاثة ان یکونوا بفلات من الارض إلا أمروا علیهم احدهم) لذلک ادرک علماء المسلمین الاوائل من لزوم السلطة وضرورتها بصفة ان الشریعة الإسلامیة جاءت لتطبیق لا لتقراء فجاءت واقعاً هادیاً وحاکماً فی حیاة الناس فرادى وجماعات ویقول الماورودی (یجب إقامة إمام یکون سلطان الوقت وزعیم الامة لیکون الدین محروساً بسلطانه والسلطان جاریاً على سنن الدین واحکامه). وقال الشهرستانی فی المِللْ والنِحلْ ( لابد للکافة من امام ینفذ احکامهم ویقیم حدودهم ، ویحفظ بیضتهم ، ویحرس حوزتهم ، ویعبئ جیوشهم ویقسم غنائمهم ویتحاکمون الیه فی خصوماتهم وینصف المظلوم من الظالم وینصب الولاة والقضاة ویبعث القراء والدعاة. ففی احکام الشریعة وقواعدها ما یتعلق بکیان المجتمع السیاسی ونظام الحکم فیه کمبداء الشورى والأمر بالعدل بین الناس، ومسؤولیة الحاکم عن رعیته، ووجوب الطاعة لولی الامر، والامر بالمعروف، والنهی عن المنکر، والحکم بما انزل الله فیما اشتملته الشریعة الغراء فی شتى مناحی الحیاة.
فقد جعل الله لکل من أنبیائه ورسله منهجاً وشرعاً، فکان لزاماً إنزال حکم الله قطعیاً بین الناس وکانت السلطة جزءً من مهمتهم فیقول سبحانه وتعالى ( یاداؤد انا جعلناک خلیفةً فی الارض فاحکم بین الناس بالحق). وجاء فی الحدیث عن الرسول (r) انه قال ( کانت بنو اسرائیل تسوسهم الانبیاء علیهم السلام، کلما هلک نبی خلفه نبی، وانه لا نبی بعدی، وسیکون بعدی خلفاء فیکثرون). وعندما استقر المسلمین فی المدینة کانت هناک امة الإسلام وکان لها وصل وسلطة تتمثل بالرسول الکریم (r) .
اذن لابد للناس من کتاب هاد ( یمثل الحق )، وحدیدُ ناصر ( یمثل القوة )، لان الحیاة لاتستقیم الا بهما. وعلى هذا النحو تصبح السلطة الحاکمة داخل المجتمع بما تحتکره من اکراه شرعی لازم وضروری ینشأ فی مجتمع سیاسی یرید الاستقرار والاستمرار بالبقاء.
المطلب الثانی
مشکلة السلطة فی القانون الوضعی والنظام الإسلامی
الفرع الأول
مشکلة السلطة فی القانون الوضعی
یعرف البعض المجتمع السیاسی بانه عبارة عن جمعیة یکون انتماء الاعضاء الیها وانضوائهم تحت لوائها امراً اجباریاً وهو الانتماء.بمعنى الخضوع للسلطة التی ترسم للمجتمع السیاسی إطاراً محدداً لعلاقات افراده، ویلزم بهذا الإطار بغیة المحافظة على الروابط الاجتماعیة منعا للإنحلال والتفکک وهی بهذا تعنی القدرة على فرض ارادة ما على ارادة اخرى، او هو فرض الطاعة بما تحتکره من اکراه شرعی .
ولکن ماحجم هذه السلطة تجاه الفرد ، وهنا تضحى المسألة مسألة سیاسیة والتی تعنی تحدید العلاقة بین الانسان کفرد بکل حاجاته ورغباته وبین المجموع أی الافراد مجتمعین وکیفیة ایجاد التوازن .
ولما کان الإنسان بما یتمیز به من عقل وتمیز. له ان یعبر عن طبیعته الحرة بارادته المختارة. ولما کان المجموع یمثل کیاناً تنظیمیاً باخذ بالتعبیر الدستوری الدولة والتی تجد وسیلتها فی التعبیر عن طریق السلطة بما تمتلکه من قدرة ووسائل مختلفة تخضع الافراد لطاعتها. فهناک طرفان للمشکلة السیاسیة للسلطة هما الفرد وارادة المجموع والذی یجب ان یکون هناک توازن وانسجام بینهما، لذلک ظهر اتجاهان فقهیان هما ، المذهب الفردی والمذهب الجماعی.
وخلاصة المذهب الفردی ان الفرد هو وحده الحقیقة الاجتماعیة والطبیعة الثابتة، وان الجماعة مقابله ظاهرة صناعیة خلفها الانسان لتکون فی خدمته وحمایة حقوقه فاصبح له مطلق الحریة والقدرة على تنمیة ذاتیته بارادته الحرة، وان سلطة الجماعة بالنهایة هی استثناء ولکن استثناء ضروری، ویبقى الفرد بماله من حقوق وحریات منطقة محجوزة لا تستطیع السلطة ان تتعداها فکان من نتیجة ذلک ان طغى سلطان الفرد وتفشی الاثرة والانانیة.
والمذهب الجماعی الذی یسقط من تحلیله الفرد، وانه لایمکن ان یکون منعزلاً وإنما دائماً عضواً دائماً وبفعل الطبیعة فی الجماعة، وبالتالی فهی ظاهرة اجتماعیة طبیعیة ثابتة ولیست صناعیة ، وتأسیساً على ذلک جاءت الاشتراکیة لتقیم من تحلیلها المادی والتاریخی سنداً فلسفیاً لسیادة الجماعة لتحقیق حریات الفرد وأعطیت السلطة صلاحیات واسعة للتدخل فی مختلف نشاط الفرد، أی انه لاتوجد نقاط محجوزة من أمام السلطة.
الفرع الثانی
موقف الإسلام من مسألة السلطة فی النظام الإسلامی
فی الإسلام لا یوجد مسألة اسمها مشکلة السلطة ، فالإسلام ونظامه الجامع جاء جامعاً بین امور الدین والدنیا ان الإسلام ونظامه القائم یلغی فکرة حاکمیة البشر ، ویرجح الحکم فیه کله لله فی حین ان النظم الوضعیة لاحظنا انها تفصل بین امور الدین والدنیا وجعل الحکم الوضعی هو الحاکم .
ان القانون الوضعی الصادر عن العقل قد یخطئ وقد یصیب، أی ممکن ان لایستطیع ان یقدم التوازن بین المصالح المتعارضة، اما فی النظام الإسلامی فان شریعته وهی من الله والسنة وهی من وحی الله وتنزیل العلیم الخبیر ، فهی دقیقة فی معادلاتها وموازناتها والتی تجمع بین امور الدین والدنیا
ان السلطة فی الإسلام تصبح کاشفة لاوامر الله ونواهیه عاملة على حفظ شرعته ساهرة على تنفیذها، لاتملک ان تعدلها او تبدلها او تغیرها او تحورها لانها مبادئ شاملة ثابتة .ان السلطة فی الإسلام تتوخى مقاصد الشرع فی کشفها الحقیقة المصالح التی لا ترتبط بفرد او هیئة او طبقة ، فالتفرقة فقط بین أی من الضررین ابلغ، فیدفع الضرر الاعلى امام الضرر الادنى، ولا یفرق الإسلام او یعترف بالثنائیة بین الفرد والمجتمع فلااستقلال لاحدهما عن الاخر لانه مجتمع متعاون متناصر، فذاتیة الفرد حافظة لذاتیة المجتمع والعکس کذلک. فالکل مرتبط وبحبل الله معتصم وعند تعارضهما مع ارادة الله فی امر من الامور ، یبطل ارادتهما معاً لمخالفتهما شرع الله ، وان تعارضتا حکمت بینهما شرعة الله ، فلا مجال لاعلاء کلمة الفرد او الجماعة فی ظل السلطة الإسلامیة.
وهکذا فانه فی ظل سلطة تمارس اعمالها بحکم الله وشرعیته یقدم الحق المطلق والعدل المطلق ، فالمیزان قائم فی کل شئ بالقسط لاینصر الظالم ولایترک مظلوم، ولافرق بین حاکم ومحکوم ، وبالتالی لایوجد مایسمى بمشکلة السلطة لانها من خلق البشر ..
المبحث الثالث
أساس شرعیة سلطة الدولة فی القانون الوضعی والنظام الإسلامی
من المعروف ان الدولة تتمتع بسلطة سیاسیة ، تتمثل بوجود حکام یصدرون اوامر ونواهی باسم الدولة وعلى الافراد ان یطیعوا الحکام وذلک بتنفیذ الاوامر واجتناب النواهی بصفة ان السلطة السیاسیة تعد الحجر الاساس بالنسبة للدولة. ولقد لفت هذا الموضوع أنظار الفقهاء والفلاسفة والکتاب فی مختلف الامور وکان محلاً لدراسات مستمرة اسفرت عن وجود نظریات عدیدة بعضها دینی والاخر زمنی ، وکل طائفة منها تنحو فی بیان اساس مشروعیة او شرعیة السلطة فی الدولة منحى خاصاً بها وسنتناولها کالاتی :
المطلب الأول
نظریات الأساس الدینی للسلطة وموقف الإسلام منها
الفرع الأول
نظریات الأساس الدینی للسلطة فی القانون الوضعی
أولاً: نظریة الطبیعة الإلهیة للحکام
على وفق هذه النظریة ان الحکام والمحکومین لیسوا من طبیعة واحدة، ولیس لاراداتهم ذات الاختصاص ، فالحاکم إله او شبه إله یستحق العبادة والتقدیس من قبل البشر وهم المحکومین وعلى ذلک خضوع المحکومین لارادة الحاکم تجد تفسیرها فی الطبیعة الالهیة لهذا ألاخیر ، فهو یستمد سلطته من ذاته بصفته آلهةً وسادت فی الأزمنة الغابرة. فی الهند القدیمة وفی الصین وفی بلاد فارس وفی مصر الفرعونیة فی عهد الأسر الأولى کان الحاکم یعتبر أبناً للآلهة ولاشک ان هذا التکییف الالهی لطبیعة الحاکم یجعل سلطانه مقدساً فوق کل مناقشة او نقد بشری، اذ لا یجوز للبشر ان یناقشوا ( الالهة ) او ان ینظرو الى تصرفاتهم نظرة انتقادیة ، ویترتب على ذلک ان سلطان الحکام کان مطلقاً لا حد له وکانت أوامرهم لا مرد لها.
ثانیاً: نظریة الحق الالهی المباشر ، او التفویض الإلهی
عندما جاءت المسیحیة اعطت مفهوماً اخر للشرعیة الدینیة للسلطة. على وفق هذه النظریة ان مصدر السلطة فی الدولة یرد الى الله فله السلطان المطلق والسیادة الکاملة على جمیع البشر فهو خالقهم وحاکمهم ویوجههم ویرشدهم الى مافیه خیرهم ، فساد الاعتقاد ان الله مصدر السلطة وهو الذی یختار الحکام، وبناء علیه فان سلطة الحاکم تکون شرعیة لان الله هو الذی اختاره لممارسة هذه السلطة، فلا دخل لارادة الافراد المحکومین فی اختیار حکامهم وانما الذات الالهیة هی التی اختارتهم وعهدت الیهم ممارسة السلطة
فالحاکم لا یکون مسؤولاً عن تصرفاته واعماله امام الافراد المحکومین، وانما فقط یکون مسؤولاً امام الله الذی اختاره وخصه بالسلطة وما على المحکومین الا الطاعة حتى وان کان مستبداً ودکتاتوریاً حتى لایعصون الارادة الالهیة، وقد روج لهذه النظریة فی العصر الحدیث اکثریة ملوک اوربا زاعمین ان اختیارهم قد تم مباشرةً عن الله . وقد ردد هذه النظریة کل من لویس الرابع عشر والخامس عشر بدافع الرغبة فی تأیید سلطتهم المطلقة والدفاع عن حقوقهم فی مواجهة البابا الذی کان یدعی بانه هو الذی ینعم على الملوک بسلطة الحکم والملک نیابة عن الله واستخدمها امبراطورا المانیا غلیوم الثانی وهتلر وفرانکو ، وکذلک بوش (الابن) فی غزوه واحتلاله للعراق متأثراً بالعنصریة الصلیبیة الیهودیة لیس کأساس لسلطته ولکن غطاءً لعنصریته وعنجهیته، وأنه کلف من قبل الرب فی شن الحرب على العراق .
ثالثاً: نظریة الحق الإلهی الغیر مباشرة
ظهرت هذه النظریة لما اصاب الدولة الرومانیة من ضعف اذ لم یعد مقبولاً ان یوصفوا بانهم ممثلوا الله على الارض وانهم یستمدون سلطتهم مباشرة منه، وکان ضروریاً ان یعاد النظر فی اساس سلطتهم السیاسیة فوجهت العنایة الالهیة ارادات المحکومین وجهة معینة بحیث یقع اختیارهم على شخص معین ترتضیه تلک العنایة الالهیة الربانیة لیکون حاکماً علیهم.
ظهرت هذه النظریة نتیجة للصراع الذی کان بین الکنیسة والامبراطوریة الرومانیة وتزاید نفوذ الکنیسة فالى جانب سلطتها الروحیة ، اصبحت أکبر مالک للارض فی اوربا کلها فاصبح الحکام یستمدون سلطتهم من الله، ولکنهم یمارسونها بموجب رضا الشعب المسیحی وتحت اشراف الکنیسة وبموافقتها ، فهو یضل حاکماً شرعیاً مادامت الکنیسة راضیة عنه ومادام ساریاً وفق القواعد المسیحیة کما تقررها الکنیسة، فلم یعد الحاکم یتمتع بسلطة مطلقة، فتتم مسألته من قبل الکنیسة .
فهذه النظریات الدینیة التی استعرضناها تؤدی الى اطلاق سلطان الحکام وتحرم على الشعوب تحریماً مطلقاً مقاومة حکامهم حتى ولوکانو مستبدین لانهم فی ظل العنایة الالهیة ووسیلة الانتقام الالهی لعقاب المفسدین فی الارض ولکن هذا الاتجاه فی البحث فی اساس شرعیة السلطة منتقد لانه یخرجنا من نطاق الواقع ودائرة العقل لیزج بنا فیما وراء الطبیعیة ویلقی بنا فی خضم الدین ولامجال لمثل هذه النظریات الدینیة فی المجتمعات الدینیة والعالم الحدیث الذی یرى الدولة شیئاً ممیزاً ومسقلاً عن العقائد الدینیة المختلفة .
الفرع الثانی
موقف الإسلام من النظریات الدینیة
اذا کانت النظریات الدینیة کما اوضحنا تقوم على تاءلیه الحکام واسباغ الطابع الالهی علیهم ومن ثم فقد یسهم من اجل فرض الحکم المطلق، فهذه الصورة من صور الحکم مرفوضة شکلاً وموضوعاً فی الإسلام ونظامه. فالإسلام یقوم على التوحید والوحدانیة من جهة الربوبیة، والالوهیة تعنی تفرد الله الواحد بالخلق والتدبیر والامر والتفرد بالعزة والسلطان ومن مقتضى التفرد الکفر والطاغوت وهذا یعنی الا یتخذ بعضنا بعضاً ارباباً من دون الله ومن ثم کان التحذیر بقوله تعالى ( ان الذین تدعون من دون الله عباداً امثالکم ) . وکان الوعد لکل من ادعى الالوهیة من دون الله ، فقد جاء ، قوله تعالى ( ومن یقل منهم انی اله من دونه فذلک نجزیه جهنم ) .
فقضیة التوحید محسومة منذ الازل فما کان لبشر من عظم شأنه وعلا قدره ولو کان نبیاً رسولاً ان یدعی الالوهیة او یطبع نفسه بطابعها المقدس وتأسیساً على ذلک فان النظریات الثیوقراطیة لامکان لها فی الإسلام ونظامه فالحاکم المسلم حاکم مربوب لله ، خاضع له بالطاعة فیما امر به ونهى عنه وهو بشر ککل البشر عبد مخلوق لا یملک تحت أی زعم ان یدعی بانه إله أوذا طبیعته الهیه او انه ذاته ذاتاً مقدسة ، وهو اذ یمارس سلطة الحکم الموکلة الیه وفق منهج الله وشرعه فی امور الدین والدنیا، لایملک فی شؤون العقیدة الإسلامیة أی صلاحیات تشریعیة لان صلاحیات الحکم فی امور الدین تتحدد فی حراسته واحیائه وإنماءه ، أی لاوجود لاختصاص تشریعی فیما یتصل بالعقائد فکثیر من ایات القران تنفی ان یکون للرسول سلطة دینیة على احد، فمن باب اولى ان لاتکون لاحد من خلفائه من بعده وبهذا یقول سبحانه وتعالى (فذکر انما انت مذکر لست علیهم بمسیطر ) و (وماانت علیهم بجبار) وهکذا لایعد الإسلام حکماً ثیوقراطیاً یتولى الحکم فیه طبقة من رجال الدین او السدنة ذات الطابع الالهی مقدس ، یشرعون من عند انفسهم بل هو رای قائم على الشورى والرای الحر فی اختیاره من یتولى امر المسلمین لتنفیذ شرع الله وحکمه ومن ثم فالحاکم بشر ککل البشر لهم مالهم وعلیهم ماعلیهم وتاسیساً على ذلک یرفض الإسلام الحکم المطلق ایاً کانت صورته وشکله لانه یؤدی الى الاستبداد والتعالی على المحکومین لان الحکام لیسوا بمعصومین.
فالحاکم فی الإسلام لیس کالبابا فی الکنیسة الکاثولیکیة له حق التشریع فی العقائد الدینیة وحق العصمة من الخطأ ولایوجد فی الإسلام مجمع او هیئة لها مثل هذه السلطة فی شؤون العقیدة کما هو الحال فی (المجمع المقدس) او (مجمع الکرادلة) فی الدین المسیحی الکاثولیکی الذی یتمتع بسلطة کبیرة فی شؤون العقیدة المسیحیة. ولیس فی الإسلام سلطة حاکمة على وجه الارض تملک فی شؤون الاخره سلطان (الغفران) کما هو الحال فی المذهب الکاثولیکی. أی ان السلطة للحاکم فی الإسلام لیست من قبیل السلطة (المشخصیة) أی تلک السلطة التی ترتبط باشخاص الحکام القائمون علیها بحیث لاینازعهم فیها احدٍ استناداً الى قداسة الحکام او کهانتهم او امامته المعصومة سلطة تمییز مابین امور الدین وامور الدنیا فالفارق بین النظریات الإسلامیة والغربیة ان الخلیفة او الامام مقید بکتاب الله وسنة نبیه، فی حین لا یخضع الملوک فی النظریات الغربیة لای قید وسلطانهم مطلق غیر محدد .
المطلب الثانی
نظریات المصدر الشعبی للسلطة فی القانون الوضعی
إن السلطة نجد مصدرها فی الشعب الذی یمنحها إلى الحکام ، حیث أن الشعب یضع حدوداً وحواجز تحول سلطة الدولة إلى سلطة مطلقة . وإذا کانت السیادة ما هی إلا مجموع الصفات التی تتصف بها السلطة السیاسیة فی الدولة ، فنلاحظ أن مصطلح السیادة یرمز إلى السلطة السیاسیة بالدولة ، ولکن لمن تکون له السیادة ، أی من صاحب السلطة السیاسیة ذات السیادة فی الدولة ؟ فقد حدث خلاف داخل الفقه الدستوری ، وظهرت عدة نظریات مرت بفترات زمنیة مختلفة ، وسنعرضها کالآتی :
الفرع الأول
نظریة سیادة الأمة
هذه النظریة ذات الأصل الفرنسی أخذت بها الثورة الفرنسیة متأثرة بأفکار "جان جاک روسو" لمحاربة فکرة السیادة المطلقة للملوک السابقة على الثورة ، حیث کانت السیادة المطلقة للملک بصفته سلطة علیا لا یخضع لأی جهة أجنبیة فی الداخل أو الخارج ، فجعلت الثورة الفرنسیة للسیادة بما لها من صفات الإطلاق والسمو وعدم القابلیة للانتقال أو الانقسام ، صاحباً آخر هو الجماعة منظوراً إلیها بوصفه وحدة مجردة مستقلة عن الأفراد المکونین لها . لا یستطیع أحد أن یدعی بملکیته لجزء من هذه السیادة التی هی للأمة بصفتها الشخص الجماعی المستقل عن أفراده وترمز إلیهم جمیعاً فهی صاحبة السیادة الفعلیة بصفة ان الأمة وحدة لا تتجزأ فلا یستطیع الحاکم أن یدعی أن الأمة قد نقلت إلیه سیادتها أو تملکها بالاستحواذ علیها مدة من الزمن ، فالحاکم وکیل عن الأمة ، وإذا انتهت وکالته أو نیابته لم یعد له حق ممارسة السلطة .
وأصبح هذا المبدأ قاعدة قانونیة ملزمة بالنص علیه لأول مرة فی إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسی الذی أصدرته الثورة الفرنسیة إذ جاء فیه "أن الأمة هی مصدر کل السیادة ولا یجوز لأی فرد أو هیئة أن یمارس سلطة لا تصدر عن الأمة صراحةً" . فیذهب مؤیدو هذه النظریة إلى منازعة القیود والحدود التی تفرضها المعاهدات والاتفاقیات على سیادة الأمة.
النتائج المترتبة على نظریة سیادة الأمة :
أهم الانتقادات التی وجهت إلى نظریة سیادة الأمة :
- أنها تؤدی إلى الاعتراف للأمة بالشخصیة القانونیة وبالتالی قیام شخصین معنویین على أقلیم واحد وهما الدولة والأمة یتنازعان السلطة معاً. والبعض یقول أن کلیهما واحد ، ولکن هذا التبریر یصبح غیر ذی فائدة وعدیم الجدوى لأننا سنعود إلى البدء هو منْ یملک السیادة والسلطة الفعلیة بالدولة .
- أنها لا تمثل نظام سیاسی معین ، ولا یتنافى مع انظمة الحکم المتناقضة فهو یتلائم مع الحکم الجمهوری والملکی ، ولا نتعارض مع تقیید حق الاقتراع بشروط مالیة أو علمیة ویمکن أن نستخدم النظریة کأساس لنظم حکم أقلیة .
- ویوجه أهم انتقاد إلیها أنها تؤدی إلى السلطان المطلق وإهدار الحریات والحقوق الفردیة فهذه النظریة تجعل السیادة للأمة ولیس للأفراد المکونین لها ، یکون القانون تعبیراً عن إرادة الأمة والتی یمکن أن تستبد هذه الهیئات الحاکمة وتمارس سلطة مطلقة تهدر الحقوق والحریات تحت ستار سیادة الأمة .
الفرع الثانی
نظریة سیادة الشعب
هذه النظریة وإن کانت تتفق مع سابقتها فی أن السیادة للجماعة إلا أن هذه الأخیرة لا ینظر إلیها بصفتها وحدة مستقلة ومجردة عن الأفراد المکونین لها ، وإنما بوصفها مکونة من عدد من الأفراد وینظر إلیهم بذواتهم وتجعل السیادة للمجموع من الشعب ، وبالتالی یکون لکل فرد جزء من السیادة .
ویترتب على الأخذ بهذا المفهوم إلى القول أن الانتخاب یکون حقاً للأفراد وعدم تقییده بشروط مالیة أو علمیة أو ثقافیة ویسود فیه الاقتراع العام کما یؤدی الأخذ بهذا المفهوم إلى أن یکون النائب وکیلاً عن دائرته وعن ناخبیه ، ویستطیع الناخبون فرض آرائهم على النائب وإعطاءه التعلیمات الملزمة له فی البرلمان وعلى النائب الالتزام بها لأنه وکیل عنهم . ویعتبر القانون وفق هذه النظریة من أنه معبراً عن إرادة الأغلبیة ، ویسری على الأقلیة ، وقد یجوز وهذه الحالة بمقتضى التنظیم الدستوری الطعن فی القوانین لعدم دستوریتها .ویؤخذ على هذه النظریة أنه یمکن أن یکون سنداً ومبرراً للاستبداد على اعتبار أن إرادة الشعب معصومة من الخطأ لا لشیء سوى أنها صادرة عن الشعب فقط .
الفرع الثالث
النظریة الاشتراکیة
جاءت النظریة الاشتراکیة بمفهوم جدید للسلطة استناداً إلى فهمها الخاص حیث حددت مفهوم الجماعة "الشعب" بالبرولیتاریة ، أی الطبقة الاجتماعیة العمالیة أو الأفراد الذین یشکلون الأکثریة فی المجتمع وهم فی الوقت نفسه الأکثر استغلالاً من قبل الأقلیة البرجوازیة ، وعلى هذا الأساس تعود السلطة إلى الأکثریة الساحقة المستغلة .
وعلیه فالشرعیة الدیمقراطیة تعنی على وفق هذا المفهوم ، أن السلطة تأتی من البرولیتاریة "الطبقة العمالیة" وهی وحدها التی تختار من ینوب عنها فی ممارستها ، وهذا المفهوم الجدید یستوحی بأفکاره من الفکر المارکسی الذی وجد له تطبیقاً فی أورباً الشرقیة والاتحاد السوفییتی سابقاً ، فکل حکومة لا تمثل الطبقة العاملة لا تتمتع بالشرعیة الدیمقراطیة .
الفرع الرابع
نظریة الصفوة " النخبة "
ظهر مفهوم الصفوة السیاسیة فی القرن التاسع عشر مع ما یشاع من النظریات الاجتماعیة عامة وعلى وجه الأخص لدى "فلفریدو باریتو ، کاتیا توموسکا" ، حیث تقول هذه النظریة أنه فی کل مجتمع إنسانی فئتین ، فئة حاکمة وهی القلة القلیلة تکمن قوتها فی سیطرتها على مقدرات الاقتصاد فی المجتمع ، وفئة محکومة وهی الأغلبیة ویقود هذه القلة الحاکمة صفوه "نخبة" تفرض إرادتها على الأغلبیة المحکومة وتشرف على کل مجالات الحیاة . وهذا التقدم أخذ بالتطور وأخذ المجتمع الصناعی یتمیز بالتقدم الفنی الکبیر فی وسائل الإنتاج ، وهذا المفهوم أبرز أهمیة طبقة التکنوقراط "الفنیین" فی الحیاة الاقتصادیة وتأثیرهم المتزاید فی المجتمعات الصناعیة الحدیثة ، حیث أصبح العمل الإداری معقداً یقتضی منهم وجود تقنی فنی متخصص .
هذه الصفوة "النخبة" فی المجتمع هم الفنیون والباحثون والعلماء والإداریون ، وسواء کانت هذه الصفوة فی المجتمع الرأسمالی أو الاشتراکی أصبحت تمثل طبقة اجتماعیة جدیدة وأصبحت السلطة فی الدولة الصناعیة لیس بید الطبقة المالکة لوسائل الإنتاج فقط بل یضاف إلیها الفنیین وأصبح الشعب الحقیقی مالک السلطة فی الدولة .
المطلب الثالث
نظریات المصدر الشعبی للسلطة فی الفکر والنظام الإسلامی
مصطلح السیادة على وفق ما اصطلح علیه فقه القانون الوضعی العام هی سلطة الأمر العلیا فی المجتمع والتی تسمو فوق الجمیع وحقیقة أمرها أنها مسألة اصطنعها الإنسان تبریراً وسعیاً لسیطرة نفر أو جماعة من الناس على غیرهم وإخضاعهم لإرادتهم التی أرادوا لها أن تستعلی على کل إرادات الآخرین داخل المجتمع ومن ثم الخضوع لهم بالطاعة ، فینفرد الحائز علیها بسلطة فرض القواعد التی تحکم حیاة الجماعة ، أی سلطة وضع التشریعات الحاکمة التی یرجع إلیها الناس فی علاقاتهم ومعاملاتهم . فاختلف الحائزون على سلطة الأمر العلیا فی المجتمع تبعاً لتطور الحادث وتبعاً لفکر المجتمع وحقیقته .
وفی ظل الخواء النفسی والإفلاس الدینی قامت نظم الحکم الوضعیة التی فصلت الدین عن الدولة أو تلک التی لا تؤمن بالأدیان بوضع قواعد حرکة حیاة الناس فی مجتمعاتها بنفسها .
ولم یتوصل علماء المسلمین فی دراساتهم إلى صیاغة نظریة للسیادة کما فعل الباحثون الغربیون ، علماً أنه حاول بعض الباحثین المعاصرین معالجة هذا الموضوع تحت تأثیر النظریات الغربیة فی السیادة تحت عنوان "السیادة أو الحاکمیة" حیث أظهرت الدراسات عن ظهور اتجاهات فقهیة وسنعرضها کالآتی :
الفرع الأول
السیادة لله تعالى
یشهد الجانب الإیمانی فی ظل الإسلام ونظامه أن الإنسان مخلوق مربوب لله، وهو لیس أصیلاً فی هذه الحیاة ، فالمخلوق لا یملک أن یحدد لنفسه قواعد حرکته وإنما یعود إلى صانع الشیء وخالقه ، فالله هو خالق الإنسان وسواه وعدّله ویعلم ترکیبه وتکوینه ، ما یصلحه وما یفسده ومن ثم کان استئثاره یوضع قواعد حرکته .
وتأسیساً على ذلک لا یوجد فی مجتمع المسلمین ولا فی نظام الحکم الإسلامی من یملک أو یحوز سلطة الأمر العلیا فی المجتمع "السیادة" وأساس هذا الرأی هو التشریع لله ، وأنه لیس لأحد مهما کان نبیاً رسولاً أن یأمر وینهی دون أن یکون له سلطان من الله ، أی من التشریع الإلهی ، وأن طاعة الرسول لله فی أنه مبلغ الرسالة وأنه مبلغ الأحکام الإلهیة عن الله ، وأن السنة النبویة ما هی إلا وحی من الله لتکملة وتفصیل الأحکام الإلهیة "وما ینطق عن الهوى إن هو إلا وحی یوحى" واستند أنصار هذا الاتجاه إلى الآیات القرآنیة "إن الحکم إلا لله" و "ومن لم یحکم بما أنزل الله فأولئک هم الظالمون".
الفرع الثانی
السیادة للأمة
على وفق هذا الاتجاه أنه وإن کانت السیادة خالصة لله إلا أنه سبحانه وتعالى یفوضها للأمة کلها ، ویناصر هذا الاتجاه بعض من علماء المسلمین نسبیاً من المحدیثین ، حیث یرى أصحاب هذا الاتجاه أن السیادة للأمة وهی مصدر السلطات جمیعاً فی الدولة الإسلامیة ، فلها حق تنظیم أمور حیاتها المتجددة بناءً على ما تراه الأغلبیة ، بالإضافة لحقها فی مراجعة الحکام ومحاسبتهم ودلیلهم بهذا ، هو أن القرآن الکریم یوجه الخطاب فی الأمور العامة إلى جماعة المسلمین ، ومبدأ الشورى الإسلامی الذی أعلاه الإسلام بدلیل أن القرآن الکریم أفرد سورة کاملة بأسم "الشورى" إذ یقول سبحانه وتعالى "وأمرهم شورى بینهم" فهی واجبة على المسلمین فی عمومهم فی المسائل العامة بالدرجة الأولى وحلول المشکلات الدستوریة والاجتماعیة مع احترام المبادئ الإسلامیة الثابتة ، ومن مسائل الشورى وأولها مبایعة واختیار الخلیفة الإسلامی أو رئیس الدولة الإسلامیة .
الفرع الثالث
السیادة لله وللأمة
ویرى أنصار هذا الاتجاه أن الحقیقة فی الإسلام أن السیادة فی الدولة الإسلامیة ثنائیة لله تعالى وللأمة فی ذات الوقت وأن تلازمها ضروری وحتمی ، فیجب التفرقة بین السیادة وبین ممارسة الحکم ، فالسیادة هی من حق الله ، أما الحکم داخل الدولة فهو مفوض من الله تعالى بالوکالة إلى الأمة لتمارسه فی حدود تلک السیادة الإلهیة مستندین إلى قوله تعالى "قل اللهم مالک الملک ، تؤتی الملک من تشاء وتنزع الملک ممن تشاء ، وتعز من تشاء ، وتذل من تشاء".
ومن خلال استعراضنا للاتجاهات الثلاث ، یتبین لنا أن أصحاب الاتجاه الثالث قد وافقوا الاتجاه الأول بصورة غیر مباشرة وإن اختلفت التعابیر فقد بینوا من له الحق فی أن یحوز سلطة الأمر العلیا فیکون أساسها ومصدرها ولا یشارکه فیها أحد ، وبین من له حق مباشرة مظاهر هذه السیادة خلافةً عن صاحبها الأصیل ونحن نؤید ونؤکد بدورنا على تأییدنا للرأی الأول فی هذه المسألة. فالسیادة فی الإسلام لا تقبل المشارکة أو المزاحمة أو المنازعة ، وإنما کل ما تملکه الأمة هو أن تباشر مظاهر هذه السیادة عند التطبیق وفقاً لما هو مرسوم لها من أوامر ونواهی ومن أحکام ومبادئ وقواعد أصولیة وعند الحاجة تجتهد فی فروع المسائل وتفاصیلها ، وهی أیضاً محکومة بشرع قائم وله مقاصد علیا یجب الالتزام بها .
یتبین لنا أن فکرة السیادة فی الإسلام لا تشجع على الطغیان ، لأن فکرة السیادة بصفتها من الله صاحب السیادة ، فلا یمکن أن یتصف بصفة الطغیان أو یصدر عنه ما یجعله کذلک ، وأن القرآن الکریم هو من له حق السیادة وأن السلطة ممکن أن تتاح لکل فرد ، فلا یوجد سلطة کهنوتیة وسدنة فی الإسلام وتفسیر البعض من فقهاء القسم من نصوص القرآن الکریم واستخدامهم ذلک بطریقة تخدم التسلط والطغیان فتقع مسؤولیة ذلک على عاتقهم ، فالسیادة فی الإسلام قید على رقبة الحکام فی التصرف لأنه لم یعد لدیهم الحق فی وضع القوانین والتشریعات وفق رغباتهم وخلافاً لأحکام القرآن الکریم فلم یلتزم الکثیر من حکام المسلمین فی مجال الممارسة التأریخیة للسلطة التزاماً دقیقاً بأحکام القرآن الکریم ، وبالتالی أصبحوا حکاماً خارجین على أحکام القرآن وأوامره .
المبحث الرابع
وسائل إسناد السلطة وشرعیتها فی القانون الوضعی والنظام الإسلامی
قیام السلطة بممارسة أعمالها أثر نابع لعملیة الإسناد وقبل أن تکون أعمال السلطة مشروعة یجب أن تحضى ابتداءً بشرعیتها ، فشرعیة السلطة ینظر إلیها من ناحیة أداة إسناد السلطة أی تلک الوسیلة الشرعیة والقانونیة التی أتت بها إلى الحکام ، فی حین أن مشروعیة السلطة ینظر إلیها عند ممارسة السلطة لأعمالها على وفق الشرع القائم .لذلک فإننا سنستعرض وسائل إسناد السلطة وعلى النحو الآتی :
المطلب الأول
وسائل إسناد السلطة فی القانون الوضعی
الفرع الأول
الوراثة
یعد أسلوب الوراثة من أقدم الوسائل التی عُرِفَت فی إسناد السلطة قدیماً وحدیثاً ، فهی تعد انعکاساً لفکرة انتقال الأموال من السلف إلى الخلف المعروفة فی القانون الخاص ، فالسلطة کانت تورث کما تورث الذمة المالیة ، ولقد تباینت تطبیقات هذا النظام عبر التطور التاریخی للمجمعات السکنیة ، فکان فی البدء یتم تقسیم المُلک بین الورثة مثال ذلک تقسیم الإمبراطوریة الجرمانیة المقدسة بین أحفاد شارل الکبیر بمقتضى معاهدة فردان عام 843 . وکذلک توزیع الأقالیم فی الدولة العربیة الإسلامیة بین أفراد أسرة صلاح الدین الأیوبی ، إذ قد تورث السلطة إلى الأبن الأکبر أو الأرشد فی العائلة وغدت السبب الأوحد لمشروعیة الحکم قروناً عدیدة ، إلى أن أتت الثورتان الأمریکیة والفرنسیة بما حملته من فکرة السیادة الشعبیة والانتخاب الذی سنبحثه لاحقاً کأسلوب فی تولی الحکم .
وشملت الوراثة أیضاً وراثة العضویة فی المجالس والهیئات مثل المجالس الإقطاعیة فی ظل الدولة الإقطاعیة ومجالس النبلاء فی ظل الملکیات مثل مجلس اللوردات فی انکلترا . فقد کان هذا الأسلوب طبیعاً وأمراً مشروعاً والسبب أنه کانت هناک فکرة سائدة حول السلطة أنها تُقَومْ بالمال ، تباع وتشترى ، ولعبت النظریات الدینیة دوراً کبیراً فی توارث العرش ، بصفة أن الشخص الذی خصه الله بالحکم دون غیره من الناس أن ینقله إلى خَلَفِهِ من بعده .
ونتیجة للتطور الحاصل فی الحیاة واتجاه العالم نحو الدیمقراطیة وازدیاد الوعی الثقافی وازدیاد دور الفرد فی المجتمع وفی بناءه أخذ هذا الأسلوب بالانحسار ، إلا أنها لازالت تلعب دوراً مهماً فی بعض مناطق الخلیج وبعض مناطق المعمورة فی إسناد الحکم مثل الأنظمة الملکیة والأمیریة والسلطانیة التی تقوم على توارث العرش ولا دخل للشعب فی اختیاره ، فقام أنصار الملکیة یقولون بمزایا لهذا الأسلوب فی تولی الحکم من أنها تعمل على استقرار النظام السیاسی لأنه أسلوب سهل لانتقال السلطة ، وتبعد البلاد عن الفوضى وعن تنافس الأحزاب السیاسیة وصراعاتها ، کما أنها تجعل مصلحة الملک فی مصلحة البلاد .
وظهر معارضون لهذا الأسلوب فی تولی الحکم فقالوا أنه یمکن أن یکون هذا الأسلوب غیر مثالی فی تولی السلطة والحکم فقد تنتقل إلى قاصر أو معتوه مثل تولی الملک "جورج الثانی" العرش عام 1727 فی بریطانیا وکان مصاباً بنوبات جنون . وأنه یجعل مصلحة الملک فوق مصلحة الشعب لإعطاء السلطة لید واحدة ، لجأت النظم الملکیة إلى جعل أجهزة أخرى مثل البرلمان بجانب الملک یسخره کیفما یشاء .
الفرع الثانی
الاختیار الذاتی
ویعنی اختیار السلف للخلف . أی أن الحاکم القائم یختار من سیخلفه فی الحکم . کما قد یکون الاختیار أسلوب لتعیین الأعضاء فی مجلس أو جمعیة کما کان جاریا فی مجلس الشیوخ الفرنسی فی عهد نابلیون الأول . وقد یکون التعیین متوقفا على موافقة الشعب – کما فی البیعة فی الدولة الإسلامیة . والتی سنأتی على بحثها لاحقا. هذا الأسلوب متبع فی الأنظمة الدکتاتوریة الشمولیة . ففی النظام النازی فی ألمانیا سابقا احتاط هتلر للمفاجآت فوضع قائمة بمن سیخلفه حسب أهمیتهم وسار " موسولین " فی ایطالیا على ذات النهج .
ویتم هذا الأسلوب بحالتین – الأولى – یتم فیها الاختیار قبل وفاة السلف والثانیة – بعد وفاة السلف أو استقالة احد أعضاء المجلس لاختیار خلفه .
فقد یکون الاختیار فردیا ، أی أن یقوم الحاکم باختیار من سیخلفه فی مباشرة السلطة . وقد یکون الاختیار من حق الحاکم مطلقا أو معلقا على شرط وهو ما کان معمولا به فی الإمبراطوریة الرومانیة .وقد یکون الاختیار جماعیا – هیئة – تقوم باختیار الشخص الذی سیشغل العضویة الشاغرة نتیجة لوفاة أو استقالة أو عزل . مثل مجلس الشیوخ فی الإمبراطوریة الرومانیة ومجلس الشیوخ فی الإمبراطوریة الأولى فی فرنسا . وفی العصر الحدیث کان هذا الأسلوب متبعا کما فی الاتحاد السوفیتی السابق فی الهیئة العلیا لرئاسة مجلس السوفییتی الأعلى (البریزدو) قبل انهیار الاتحاد السوفیتی حیث یختار من بین زعماء الحزب فی تلک الفترة. یلعب هذا الأسلوب دورا مهما فی الدیمقراطیات الغربیة مع أنها تعتمد أسلوب الانتخابات فی إسناد السلطة إلا أن وجود الأحزاب الکبیرة السیاسیة والمنظمة جعل عملیة إسناد السلطة مزیج بین الانتخاب والاختیار الذاتی . إذ أن المرشحین للانتخابات یتم اختیارهم من قبل الأحزاب السیاسیة وفی حالة عدم تأییدهم من قبل الأحزاب یکون مصیرهم الفشل .
الفرع الثالث
الانتخاب
وهو قیام الشعب باختیار الأفراد الذین یباشرون السلطة باسمه. ویرى کثیرون أن هناک تلازما بین الدیمقراطیة والانتخاب کأسلوب لتولی السلطة ، وعدم إسباغ صفة الدیمقراطیة على نظام ما إذا لم یعتمد أسلوب الانتخاب فی اختیار الحکام .
وقد مر مفهوم الانتخاب بمراحل وتطور حتى استقر على المفهوم الذی سبق ذکره , فکانت المدنیات القدیمة تعد الانتخاب وسیلة غیر دیمقراطیة لاختیار الحکام والأسلوب الدیمقراطی لدیهم کان الاختیار" بالقرعة " لأنه وحده الذی یحقق المساواة وتکافؤ الفرص أمام جمیع المواطنین . فکانت الدیمقراطیة المباشرة هی السائدة آنذاک . إذ کان الشعب یمارس السلطة بنفسه من خلال جمعیة شعبیة عامه ولا وجود للمجالس المنتخبة , وکان یستخدم هذا الأسلوب فی اختیار بعض الموظفین التنفیذیین والقضاة فی أضیق نطاق.وبعد ظهور الدولة الحدیثة واتساع رقعتها وزیادة سکانها أصبح من المستحیل تطبیق الدیمقراطیة المباشرة . لذا نادى بعض الفلاسفة فی القرن الثامن عشر بالأخذ بالنظام النیابی . فأصبح اختیار هذا الأسلوب شائعا فی إسناد السلطة .
الفرع الرابع
الاستیلاء
إحدى أهم الطرق التی عرفها التاریخ فی تولی الحکم , وتستند إلى القوة المادیة للاستیلاء على السلطة , وهذا أما یکون بواسطة ثورة أو انقلاب والقوة تعد وسیلة غیر قانونیة فی إسناد السلطة " الحکم " غیر أنها تتخذ صورا تجعلها أسلوبا مشروعا فی نظر الرأی العام . فالقوة تتنافى مع القانون لکونها تهدم النظام القانونی القائم وتستولی على السلطة بطریقة مخالفة للنصوص الدستوریة , ولکنها تصبح مشروعة فی نظر الرأی العام حینما تستند إلى تأیید شعبی .
فتتمیز الثورة بأنها حرکة شعبیة تستند إلى مجموع الشعب أو غالبیته لتهدم النظام القائم من أسسه وتنشئ بدلا منه نظاما یختلف فی أسسه الاقتصادیة عن النظام السابق وتبعا لذلک تتغیر العلاقات الاجتماعیة .
أما الانقلاب ، فهو حرکة محدودة تقوم به فئة تشکل جزء من النظام السابق ولا تتبعه نتائج جوهریة تمس أسس الحیاة بل هو تغییر وجوه أو ما یطلق علیه تغییر فوقی ,أی انه یستند إلى بعض القوى الحکومیة القائمة وأما یهدف إلى غایة ابعد من ذلک وأسمى حینما یکون الهدف تغییر نظام الحکم لصالح الشعب .
وقد تکون أهداف الثورة سیاسیة وذلک إذا کانت ضد نظام الحکم المقرر فی الدستور القائم أو ضد کیفیة تطبیق الدستور من جانب الهیئات أو السلطات الدستوریة ( کرئیس الدولة أو الوزارة أو البرلمان ) ، وقد تکون أهدافها اجتماعیة أو اقتصادیة أی ضد النظام الاجتماعی والاقتصادی السائد فی البلاد الذی یسنده النظام السیاسی المقرر فی الدستور. وفی هذه الحالة یتم تشکیل حکومة ثوریة بواسطة هیئات غیر مختصة قانونیا وطبقا لإجراءات مخالفة للدستور , وتباشر اختصاصات أوسع مما نص علیها الدستور للحکومة القانونیة عادة حتى تستطیع تحقیق أهدافها الاجتماعیة والاقتصادیة فضلا عن إقامة النظام السیاسی الذی یتفق مع تحقیق هذه الأهداف .وقد أضفى الفقه الصفة الشرعیة على الثورة دون الانقلاب لأنها تستند إلى تأیید ودعم الشعب والأمر متوقف على نتیجة کلاهما , فنجاحهما یعنی إضفاء الشرعیة الجدیدة دون القدیمة أی الشرعیة الدستوریة السابقة .
وظهرت عدة اتجاهات فقهیة تحاول تبریر الثورة من الناحیة القانونیة فیرى العمید " هوریو Hauriau " أن الثورة ضد حکومة مستبدة تشبه تلک الأعذار المانعة من العقاب والتی یعرفها القانون الجنائی باسم الدفاع الشرعی الذی بدوره یعتبر رجوع إلى ذلک الحق الذی کان معترفا بـه قدیما للفرد , وهو حق الفرد فی القصاص لنفسه بنفسه علماً أن المبدأ المقرر هو أنه لیس لأحدٍ حق فی القصاص لنفسه بنفسه. فیشترط أن تکفل الدولة بنظامها حمایته , فإذا لم تتوفر للفرد حمایته من قبل الدولة سیجد الفرد نفسه فی حالة دفاع عن النفس . ویرى " أیسمن Esmein " إن الأمة بصفتها صاحبة السیادة تملک دائما السلطة التأسیسیة , أی سلطة إلغاء الدستور أو وضع دستور جدید فما دام لها الحق فی إلغاء الدستور فان لها الحق فی تلک الثورة التی تهدف إلى إلغاءه , إذا کانت قد سُدَتْ فی وجهها الطرق المشروعة لألغاءه والواقع انه فی حالة فشلها فسیکون هناک جزاء رادع من قبل النظام القائم .
فالاستیلاء على السلطة بالقوة لا یمکن أن یعد أسلوبا أو وسیلة قانونیة لأنها تخالف أحکام الدستور أو النظام القانونی القائم ولکنه یعتبر وسیلة مبررة ومشروعة حینما تستند إلى الشعب.وتعد الحکومة التی تشکل بعد نجاح الثورة أو الانقلاب حکومة فعلیة لأنها لا تعتمد فی وجودها على نص فی الدستور .فترى اغلب الذین یأتون إلى الحکم عن طریق الثورة أو الانقلاب یحاولون تغطیة هذه العملیة بإجراءات قانونیة کاستعمال تصویت برلمانی یمنحهم الثقة وفق القواعد الدستوریة الموجودة قبل مجیئهم إلى السلطة أو إقامتهم وسائل جدیدة یحاولون بواسطتها تصحیح وضعهم.
وهذا الأمر إذا کان یأتی من داخل البلد , أی أن عملیة التغیر من داخل البلد , والأمر یختلف وفی غایة التعقید إذا کان التغییر یأتی من خارج الدولة عن طریق غزوها واحتلالها بالقوة العسکریة الغیر قانونی . ویختلف الوصف القانونی لعملیة التغیر على الرغم من أن الحکومة التی ستقوم حکومة فعلیة واقعیة فی کلتا الصورتین ، واختلافهما أن فی الأولى ستکون الحکومة الفعلیة من داخل البلد , وفی الثانیة ستکون حکومة منشأه من قبل الاحتلال (القوة العسکریة الخارجیة) فترى سلوک الحکام فی القیام ببعض الإجراءات الصوریة هذا لیس إلا تطبیقا لمعتقد مفاده إن القانون یعبر عن الإرادة العامة للأمة . وبما أن الدستور هو قانون فهو یعبر عن إرادة الجماعة ، وبالتالی فان کل تصرف ینسجم معه هو تصرف سینال رضا إفراد الجماعة . کما أن إقامته لدستور جدید تعنی موافقة المواطنین على نیة الحکام الجدد فی الإجراءات القانونیة التی یسلکونها قاصدین الحصول على رضاء المواطنین على طریقة ممارسة السلطة , أی إسباغ الشرعیة على السلطة التی یمارسونها فالشرعیة تصبح نظرة إلى موقع حائز السلطة وتعد المشروعیة نظرة إلى موقف الخاضع للسلطة ، لذلک نجد أن المحکومین یتمسکون بالمشروعیة حتى یتمسک الحکام بالشرعیة .فالشرعیة مصلحة الحاکم بینما المشروعیة مصلحة المحکوم.ولا بد من الإشارة إلى أن حکومة الثورة تختلف عن الحکومة الفعلیة تلک الحکومة التی تتقلد مقالید الأمور فی الدولة بناءً على تعینها من سلطة لا یخولها الدستور. فمثلا الحکومة الواقعیة التی تم إنشاءها من قبل قوات الاحتلال الأمیرکیة والانکلیزیة للعراق الأولى أو ما أصطلح تسمیته بمجلس الحکم العراقی الذی تولى مقالید السلطة فی العراق بعد أحداث التاسع من نیسان 2003 یمکن عدها من قبل الحکومة الفعلیة , والحکومة المؤقتة التی تشکلت بعد حل مجلس الحکم یمکن عدها حکومة فعلیة کذلک تنطبق علیها المبادئ الخاصة بالحکومة الواقعیة .
فقد تکون الحکومة مشروعة عند مجیئها للحکم لکن تبقى غیر شرعیة بالرغم من ذلک وهو ما حصل کذلک فی فرنسا إبان حکومة المارشال " بیتان " وقد تکون الحکومة غیر شرعیة عند مجیئها للحکم لکنها شرعیة بنظر المواطنین ثم تفقد هذه الشرعیة بالرغم تمتعها بالمشروعیة عن طریق إقامة دستور مثل حکومة تموز فی العراق عام 1958 , التی لم تأتی وفق إجراءات للقانون الأساسی العراقی لسنة 1925 ومع هذا فقد اعتبرها غالبیة المواطنین حکومة شرعیة لأنها تتفق والفکرة التی کان یقیمها العراقیون حینذاک عن شرعیة السلطة ثم أقامت دستور مؤقت فهی حکومة مشروعة وبالرغم من هذا بدأت تفقد شرعیتها فی نظر عدد من المواطنین بالعراق وکان هذا عاملا للإطاحة بها بعد ذلک .
أما ما جرى فی العراق فلا یمکن وصفه لا بالثورة ولا بالانقلاب لان الوسیلة التی استخدمت لم تکن من داخل البلد بل کان غزوا واحتلالا عسکریا انکلو أمیرکی ، وضع غطاء له مجلس الحکم الذی لم یکن یملک أیا من الصلاحیات الفعلیة بل کانت بید سلطة الائتلاف المؤقت "بریمر" سیئ الصیت ، فرضته السلطات الأمریکیة وفرضت معه وجود مستشار أمیرکی بکل وزارة عراقیة وأصبح مدیر الائتلاف المؤقت " بریمر " المسؤول المباشر أمام الحکومة الأمیرکیة ولیس أمام مجلس الحکم العراقی عن إدارة العراق وأصبح صاحب القرار النهائی فلم یکن مجلس الحکم إلا لضمان مصالح أمریکا من جهة وخداع للشعب العراقی من جهة أخرى . وواقعیا لم یکن تشکیل الحکومة الأولى المؤقتة أی إشغال حقیقی للسلطات الإداریة للعراقیین ولم یؤدی وجود الحکومة المؤقتة إلى وجود مؤسسات دستوریة خاضعة للحکم الوطنی العراقی وکذلک الحال بالنسبة للحکومة الانتقالیة , فیمکن أن نقول عن تلک الفترة أن العراق کان عبارة عن دولة ذات سیادة ناقصة واستقلال صوری خاضع لاحتلال عسکری ومازال .
ولکن بعد إعداد الدستور للبلاد والاستفتاء علیه من قبل الشعب العراقی وإجراء الانتخابات التی شارک فیها أکثر من ثمانیة ملایین عراقی وتشکیل مجلس نیابی یمثل طیفا واسعا من الشعب العراقی , ثم تشکیل الحکومة العراقیة الثالثة التی ظهرت للوجود من خلال إتباع الإجراءات القانونیة الأصولیة الشکلیة , على الرغم من وجود قوات الاحتلال یمکن أن نقول أنها حکومة شرعیة ناقصة السیادة وذات واستقلال صوری الأمر کله بید قوات الاحتلال وما یجری فی العراق خیر دلیل على هذا هو التدخل السافر فی الشأن العراقی الداخلی والخارجی، خارقةً وضاربةً بعرض الحائط جمیع قواعد القانون الدولی .
المطلب الثانی
وسائل إسناد السلطة فی النظام الإسلامی
السلطة هی الفئة الحاکمة التی تقع على رأس الکیان السیاسی للمجتمع وهی وثیقة الصلة والوصل بالمجتمع فلا یتصور إن تقوم فیه فرض وجبر علیه من دون رضا منه ولا اختیار . فاختیار الحاکم لابد فی المجتمع الإسلامی من أن ینبنی على الاقتناع والرضا به .والخلافة أو رئاسة الدولة فی الإسلام هی من المناصب الخطرة ذات الأهمیة التی تقوم علیها حراسة الدین وسیاسة الدنیا ولها الأثر الکبیر الواضح على الفرد والجماعة . ومن ثم کان لزاما إن یکون متولی هذا المنصب من واقع اختیار الأمة الإسلامیة ورضاها .لذلک فإننا سنتناول أسلوب البیعة فی إسناد السلطة فی المجتمع الإسلامی ومناقشة الوسائل أو الأسالیب الأخرى فی ضوء الشرعیة الإسلامیة .
الفرع الأول
البیعة
هی اختیار الشعب لحاکمه بالبیعة له وهی العهد على الطاعة . فإذا بایع الرجل أمیراً کأنه عاهده وسلم إلیه النظر فی أمر نفسه ولا یخالفه فی شیء وکان العرب أذا بایعوا الأمیر وعقدوا عهده جعلوا أیدیهم فی یده تأکیدا على العهد بما یشبه فعل البائع والمشتری وصارت المبایعة مصافحة بالأیدی . وقد حرص الرسول ( صلى الله علیه وسلم ) أن یؤکد هذا الأساس الشرعی " البیعة " وان یضعه موضع التطبیق منذ اللحظة التی قام فیها " للدین" "الدولة " وقد کشفت بیعة العقبة الثانیة عن هذا الأساس . إذ أن اختیار الرسول ( صلى الله علیه وسلم) کرئیس أول دولة إسلامیة لم یکن اختیارا مباشرا من الله , وإنما کان من خلال بیعة الناس له , فجمع الرسول ( صلى الله علیه وسلم ) بین الرسالة التی کلفه الله بها وبین الرئاسة التی کلفه الناس بها واختاروه لها . وما تلاها من هجرة الرسول والصحابة من مکة إلى المدینة أدى إلى ظهور المجتمع السیاسی وقیام سلطان الرسول السیاسی باتفاق أهلها ووفقا لما ورد " بدستور المدینة " . واذا کانت البیعة هی الاصل الثابت والراسخ لاختیار الحاکم فی الاسلام فان اسلوب البیعة
" الانتخاب" لم یرد فی شانها ذکر صریح لا فی القران الکریم ولا فی السنة المطهرة فهی لیست من کلیات الدین ولا من أصوله لکنها من فروعه التی یصح فیها الاجتهاد تبعا للظروف والأحوال ، إلا ان المبدأ العام الوارد بهما والذی یحض المسلمین على أن یتشاوروا ویکون أمرهم شورى یجعل منه أساسا شرعیا فی اختیار الخلیفة (الحاکم) , والشورى فی اختیار الخلیفة تقتضی اخذ الرأی . ولم یخرج عن هذا الرأی إلا الشیعة الأمامیة . إذ یرى أکثرهم انه لا طریق لثبوت الإمامة إلا بالنص. وعلى ذلک احتجوا برأیهم إلى عدم انعقادها بالبیعة بوجوه کثیرة .وقد ترتبت نتیجة على هذا فحواها أن الحکومة تنشأ بمقتضى تعاقد بین الأمة والحاکم , وان هذا التعاقد کان حقیقة واقعة ولیس افتراضاً ارتضته الأمة ووکلت فیه الخلیفة أو الإمام القیام على شؤونها وتحقیق مصالحها ولم تفقد حقها بهذا التوکیل فی مراجعة حاکمها بمختلف مسمیاته وتداول الرأی معه فیما یعنی لها من أمور حیاتها الغیر منصوص علیها .
وفی هذا لا یصح إطلاق الصفة الدینیة على النظریة الإسلامیة فی أساس الحکومة فی النظام الإسلامی لان المستمد من الله هو شریعته " القران والسنة " وما الرسول إلا بشر یوحى ألیه ، فلیس لذوات الأشخاص منزلة عند الله إلا بقدر التزامهم بأحکام دینه وهی مزیة یشترک فیها الحاکم والمحکوم . فتولی الحکام السلطة فی الإسلام کما قال الفقهاء القدامى من المسلمین على القول بان الإمامة تنعقد أما بیعة من أهل الحل والعقد ، وأما باستخلاف الخلیفة القائم منها الوقائع التاریخیة فی عهد الخلافة الراشدة .
والبیعة (الانتخاب) قد تکون مباشرة تتم على وجهة واحدة . وقد تتم على درجتین أو أکثر ، فالبیعة المباشرة تکون إذا قام الناخبون أنفسهم فی اختیار حکامهم مباشرةً دون وسیط ویتحدد الحکام مباشرةً ولاشک أنها الأقرب إلى جوهر الشورى وحقیقتها التی تتطلب الرأی الذاتی للفرد وهی الکاشف الحقیقی عن إرادة الشعب فی اختیار الحاکم فیجد هذا الأسلوب سنده فی قوله تعالى " وأمرهم شورى بینهم" وهذا النص یقتضی ظاهره أن یتشاور أبناء الأمة فی شؤونهم ومنها أختیار "الخلیفة" .
أما البیعة "الإنتخاب غیر المباشر" فیکون إذا اقتصر دور الناخبین على اختیار مندوبین عنهم یتولون مهمة اختیار الحاکم من بین المرشحین یقدمه أهل الحل والعقد ینتخبونه نیابةً عن الأمة ، وکشفت السوابق التاریخیة فی الإسلام عن الأخذ بالطریقتین معاً .
وقد أشار الدکتور السنهوری فی مؤلفة عن الخلافة إلى أن علماء المسلمین ومفکریه أدرکو جوهر نظریة (روسو) فی العقد الاجتماعی قبل أن تعرفها أوربا بقرون عدیدة ، فالفکر السیاسی فی الإسلام قد أدرک أفکار "روسو" مع فارق أن العقد الذی تکلم عنه " روسو" کان مجرد افتراض وعلى أساس أن التصور فی وجودها فی العصور السحیقة ولم یؤیدها التاریخ ، فی حین أن نظریة العقد الإسلامیة تستند إلى ماضی تاریخی ثابت وهو تجربة الأمة من خلال العصر الذهبی للإسلام الذین أقاموا نظام الحکم فیه على أساس أن الدین یسر ، والخلافة بیعة ، والأمر شورى ، والحقوق قضاء .
الفرع الثانی
أسلوب الوراثة فی النظام الإسلامی
إن نظام التوارث أو العهد کأداة أو أسلوب لإسناد السلطة للحاکم أفرز أنه لا یستقیم مع نظام الإسلام الذی کفل للفرد حریته وإرادته ومنع الفرض والإکراه ، ذلک أن نظام الوراثة یقوم على خلط ومزج بین السلطة وشخص الحاکم بما یجعل منها إحدى عناصر ذمته المالیة الخاصة القابلة للإنتقال إلى ورثته من بعده بغض النظر عن کفایة الوارث للسلطة أو صلاحیته.
فهو أمر لا یستقیم ومبدأ الشورى الذی أقره الإسلام، لأن التوارث یعنی فرض الحاکم الجدید دون إرادة من الرعیة ، أو دون أخذ مشورتها فی صلاحیته فی تنصیبه ، فضلاً عن أن التوارث یعنی وکأن الحاکم صاحب حق فی السلطة ، فی حین أنه لیس کذلک ودوره لا یتعدى الحق فی ممارستها لتنفیذ شرع الله ، ولا یوجد دلیل من قرآن وسنة شریفة على قیام هذا الأسلوب کأداة لتنصیب حکام المسلمین وهو ما أجمع علیه فقهاء المسلمین .وارتباط بقاء الحاکم فی الإسلام مرتبط بدوام صلاحیته ، أما فی النظم الوضعیة فهذا الارتباط لا ینفک إلا بوفاته ولو کان غیر صالحاً للحکم فی حیاته ، ولأمر بعلمه الخبیر العلیم لم یخلف الرسول (r) من بعده ذکوراً وکأنما کان ذلک إعداد من الله لنفی هذا الأسلوب .
فلا یتصور أن یأتی حاکم ساقته الصدفة بالمولد لیسوس شعباً دون اقتناع منه ، ومن دون حریة اختیار . لأن تجاهل رضا الشعب فی اختیار حاکمه یؤدی إلى هدم الجانب المعنوی النفسی لدى المحکومین فی قبول الحاکم ، فقد یکون الحاکم الذی انتقلت إلیه السلطة بالوراثة مکروهاً لدى الشعب لفجوره ومجونه وجنونه ، أو لأی سبب آخر . فلا یصح أن یسوس أمور شعب هو له کاره ، لأن ذلک سیؤدی إلى هلاک الإمام والمأمور معاً وبالتالی یفقد شرعیته الحکم .
وهذا عمر بن عبد العزیز ( t ) یرفض اختیار سلفاً له لیعقبه فی الخلافة ویصعد المنبر لیقول "أیها الناس قد ابتلیت بهذا الأمر من غیر رضا منی ولا مشورة من المسلمین ، وإنی قد خلعت ما فی أعناقکم من بیعة فاختاروا لأنفسکم .
وبخلاف أرآء المذهب الجعفری یرى أن الدولة الإسلامیة شهدت فی التطبیق نظام توریث السلطة فی ظل حکم الأمویین الذین شیدوا حکمهم على ملک وراثی عضود ، إلا أنهم کانوا یغلفون تلک الوراثة ببیعة یُکره الناسُ علیها لعلمهم بأنها أداة تنصیب الحاکم المعتبرة والتی تعدَّ سنداً لحکم الحاکم الشرعی . فبدأت الوراثة منذ عهد معاویة بن أبی سفیان عندما تنازل الحسن ( t ) عن الخلافة فتولاها معاویة على أن یکون الأمر شورى ، إلا أنه جعل الحکم وراثیاً بدلاً من الشورى مع مظهر شکلی للبیعة .
أما الشیعة الجعفریة عدا "الزیدیة" . فترى أن الإمامة أو الخلافة لیست من المصالح العامة التی یترک أمرها للأمة ، ذلک أن عامة الناس لا یصلحون فی اختیارهم إمامهم ، لأنهم غیر أکفاء فی التقدیر یحکمون حسب أهوائهم أو بما یوحى إلیهم . وفیهم الجاهل والعالم وبذلک لا یتساوى الذین یعلمون والذین لا یعلمون ، فضلاً عن ذلک لا یصح أن یتولى أمر المسلمین المفضول وفیهم الأفضل والأعلم لأنهما من صفات الإمام الذی خصه الله سِرَة واستحفظه علمه واصطفاه على غیره ، فلا تصلح معه إلا أداة الوراثة دلیلاً على صحة إمامته وشرعیة حکمه ، أما البیعة فلیست عندهم بأداة تنصیب ، فالإمام عندهم رجل بلغ حد الکمال یکون معه منزهاً عن الخطایا والسهو والنسیان فیما یؤدیه عن الله ومن ثم فهو معصوم وعصمته ظاهرة وباطنة لأنهم أوصیاء استودعهم الرسول (r ) أمانة بیان ما یقتضیه زمانهم ، وما یقوله الإمام هو شرع وتشریع لأنه استکمال للرسالة التی هی خاتمة الرسالات والتی لابد لها من أوصیاء .
فهو وصی الأمة ومرشدها نحو هدایتها ووجوده لازماً لدوام تلک الهدایة فهو المصطفى من عند الله اصطفاه على عینة فی الذر حین زرأه وقلده دینه وجعله الحجة على عباده ورضى به إماماً على خلقه بعدما استودعه سره واستحفظه علمه واسترعاه لدینه وانتدبه لعظیم أمره.
الفرع الثالث
الاختیار الذاتی فی النظام الإسلامی
هو أسلوب لإسناد السلطة . الثابت أن الرسول ( r ) لم یعین من یخلفه ، ولو کان العهد جائزاً لأوصى النبی ( r ) فی مرض موته أو قبل ذلک لخلیفته . ویستدل على ذلک أن الرسول ( r ) کان إذا خرج فی غزوة عین من یقوم مقامه الشریف فی المدینة وکان بفعل ذلک فی کل قریة من قرى الإسلام بها عدد من المؤمنین ، وکذلک فی السرایا والجیوش فقد کان یوصی بمن یخلف قوادها عند استشهادهم .
ولاشک أن منصب الخلافة أخطر وأعظم أثراً من ذلک کله ، فلو کان العهد أو الاختیار الذاتی من الأسالیب المعتبرة فی انتقال السلطة وتداولها ولها السند الشرعی الذی یسمح باستخدامها فی تولی السلطة ، لکان الرسول ( r ) قد أخذ بها ، وما کان ذلک یغیب عن ذاته الشریفة وهو على علمٍ برحیله عن الدنیا وهو الذی یوحى من الله فهذا الأسلوب فی إسناد الحکم کان متأرجحاً بین الأخذ والترک فیما بعد .
وکان الدافع إلى اختیار هذا الأسلوب فی اختیار أبو بکر لعمر بن الخطاب فلم یشأ الصدیق أن یترک أمر الخلافة من بعده لیحدث ما حدث فی اجتماع السقیفة . فضلاً عن ظروف غیر عادیة کانت تمر بها دولة المسلمین کما أن المدینة تحولت إلى عاصمة الدولة الکبیرة تأمر وتطاع ، ودخلها عناصر جدیدة من بلاد شتى ولم یعد الأمر قاصراً على المهاجرین الأنصار وتحول الأمر من نبوة إلى ما یشبه الملک ، جعل الأطماع تطل برأسها فی الوقت الذی کان فیه المسلمون یواجهون معارک حاسمة فی العراق .ولم یعلن الصدیق أبو بکر عن استخلافه لعمر بن الخطاب باختیاره إلا بعد أن قام وشاور کبار الصحابة من المهاجرین والأنصار فاقترن ذلک بالمشورة "المبایعة". إذن هی طریقة دائرة بین الأخذ والترک طالما تحققت مصلحة المسلمین فی ذلک وطالما أحیطت بضمانات شرعیة بحیث تکون للإرادة الشعبیة القول والفصل ابتداءً.
الفرع الرابع
أسلوب القوة کأداة لإسناد السلطة وموقف الإسلام منها
الإسلام ونظام حکمه لا یعترف بأی أداة من أدوات العنف "الثورة ، الانقلاب ، الغصب" أداةً لإسناد سلطة الحکم للحاکم بالقوة والغرض ، فهو ابتداءً یعترف بالبیعة کأسلوب ووسیلة للوصول إلى الحکم وحسبما فصلناه سابقاً . ولا یعترف بغیرها من الأسالیب التی لا تقوم على التشاور والرضى والرأی الحر فی الاختیار . فالإسلام یعترف بالثورة کأداة نهائیة لعزل الحاکم لأن الثورة على الحاکم والخروج علیه أمرٌ خطیر قد یطیح بالنظام کله ویُعَرِضَ کیان الأمة والدولة للمساس . ولذلک فإن الخروج على الحاکم بالقوة لا یأتی فی الإسلام إلا بعد سلسلة طویلة من الوسائل السلمیة المتدرجة والتأکد من الشروط الواجب توفرها لقیامها وبصورة لا تجعلها فتنة تعرض الدین وأهله للخطر وبالقدر اللازم لها .
فالإسلام یرفض کل فتنة تؤدی إلى الفرقة والانقسام . ویقول رسول الله (r) "إن أمتکم هذه قد جعل عافیتها فی أولها ، وسیصیب آخرها بلاء وأمور تنکرونها ، وتجیء فتن یرفق بعضها بعضاً" رواه مسلم وماسُل سیفٌ فی الإسلام أشد على المسلمین بقدر ما سُلَّ فی مسألة الخلافة "الإمامة" .
فعلى المسلم أن یعطی الحاکم حقه من الطاعة ولا یخرج علیه ولا یعزله اللهم إلا إذا أتى "کفراً بواحاً من الله فیه برهان" فیمکن الخروج علیه . إذا لم یترتب علیه إثارةً للفتن أو تشوب نزاع یؤدی إلى هلاک الأمة وضیاعها ، یضرب بعضهم رقاب بعض ، فالخروج لا یتم إلا لاعتبارات جسیمة وعند الضرورة القصوى لتحمل الضرر الأدنى لتفادی الضرر الأکبر.
الخاتمة
بعد ان انتهینا من کتابة بحثنا توصلنا الى النتائج الاتیة:
1- ان طبیعة السلطة فی الاسلام کونها سلطة لا تقرر فصلا بین دین ودنیا ولا تقرر اتحادا ووحدة بینهما، ففیها تمایز بین ما کان من امر الدین وما کان من امر الدنیا والسیاسیة. فما لم یکن لم یکن من اصل الدین والثوابت کان للعقل فیه نصیب، وما کان من اصول الدین وثوابته لم یکن للعقل نصیب فیه.
2- ان السلطة فی الاسلام خالیة من أی علة تاریخیة او سیاسیة، نشأت على هدى من دین الله الاسلام عقیدة وشریعة، احکام واخلاقا وفضائل، وهی تقوم باعمالها کحارسة لدین الله وسیاسة الدنیا، وبالتالی حقها فی مراقبة اخلاق الناس ومدى احترامهم للدین، وهی سلطة لا ثیوقراطیة ولا هی علمانیة کما فی النظم الوضعیة.
3- ان ذروة هرم السلطة فی الاسلام لیست حکرا او وقفا على احد من ذوی الحسب والنسب او العرق او أی تمایز اخر، فهی حق کل انسان طالما کان اهلا لها وقویا علیها مؤدیا حقها غیر طامع اوحریص بالاستئثار بها باوصفهاا مسؤولیة وامانة، وبهذا یقول رسولنا الکریم محمد (r) : "اسمعوا واطیعوا وان استعمل علیکم عبد حبشی" (رواه البخاری). وان الشورى بالمفهوم السیاسی للسلطة هی حق عام واصلا من اصول ونظام الحکم فی الاسلام.
4- ان صاحب السیادة فی الدولة فی النظم الوضعیة یختلف شکله ومسمیاته فله دون سواهم حق الامر والنهی ولهم یکون الخضوع والطاعة وأصحاب السیادة هم "الزعماء والملوک والاباطرة والامبراطور" او "صفوة فی المجتمع" او "ممثلی شعب" سواء کانوا طبقة او "ممثلی الشعب، الامة" فالسیادة عندهم کما تبین لنا امر مصطنع اتخذ تبریرا لسیطرة نفر او جماعة او هیئة یزعمون الحق فیها لغرض فرض اراداتهم على الاخرین باوصفهم سلطة علیا فی المجتمع لتبریر الطغیان والاستبداد بینما فی الاسلام یرفض السلطة المطلقة المسیطرة من قبل البشر وینزع عنهم سلطة الامر والنهی العلیا فی المجتمع لان السلطة المطلقة فی الاسلام شر ومفسدة تؤدی الى الاستبداد والاستعلاء على المحکومین فالاسلام ینکر ان تکون السیادة من حق حاکما ولو کان نبیا رسولا، لانها تؤدی الى استذلال رقاب المحکومین لیضلوا لها خاضعین. وان السیادة فی الاسلام تعنی خلوص الطاعة لصاحب هذه السیادة من دون غیره. فکیف تکون للبشر. ان طاعة الحاکم واجبة ما اطاع ربه واقام شرعه وحکمه، واذا عصاه فلا طاعة له،لان طاعة الحاکم "صاحب السیادة" لیست مستمدة من ذاته لذاته بل هی مرتهنة بطاعته لربه. وهی فی الاسلام تکون لله صاحب الامر والنهی، فالحاکم عبد مربوب مخلوق لله. خاضع له وعبودیته لله لا تتوافق مع جعل المحکومین عبیدا له فلا محل فی الاسلام لان یقال عن حاکم فیه بانه صاحب السیادة، لان التوحید ینفی سیادة البشر على بشر مثلهم.
5- ان الاسلام یرفض صبغ الدولة والسیاسیة بالصبغة الدینیة. فهو یرفض فکرة وحدة السلطتین الدینیة والزمنیة ، وهو دین یرفض الکهانة والوساطة بین الخالق والخلق، والامام المسلم لا یستمد ولایته من الحق الالهی، ولا من الوساطة بین الله والناس، وانما یستمدها من الجماعة الاسلامیة. فلیس فی الاسلام "رجل دین" بالمعنى المفهوم فی الدیانات التی لا تصح ممارسة شعائرها الا بحضوره واشرافه، وانما یوجد فیه علماء دین. فلیس للعالم حق خاص فی رقاب الناس، ولیس للحکام فی رقابهم الا بتنفیذ الشریعة التی فرضها الله تعالى، فلیس فیه سلطة روحیة واخرى زمنیة، ومن ثم فلا مجال للصراع بینهما کما کان الحال بین الاباطرة والبابوات فی اوربا.
6- ان الاسلام ینفی بکل مذاهبه وتیاراته الفکریة کما استعرضناها فی البحث باستثناء المذهب الجعفری حول طبیعة السلطة من وصفها بالسلطة الدینیة، فالإسلام ینفی ان یکون من حق أی فرد او هیئة او سلطة إضفاء القدسیة الالهیة على ما یصدر منها من احکام وفتاوى. فلا عصمة فی الاسلام وینفیها عن البشر جمیعا من بعد وفاة الرسول (r).
7- ان القانون بوصفه قاعدة ارادیة علیا هو انعکاس للواقع المادی الاقتصادی والاجتماعی والسیاسی وهو من صنع البشر "فرد، هیئة، جماعة" واعمال ارادتهم بما یملکونه من قدرة وسلطان تجعلهم قادرین على تنفیذ ارادة الاخرین واخضاعهم لمشیئتهم، فتظل المشروعیة فی نظم الحکم الوضعیة عاجزة وناقصة لانها لم تحتکم الى شرع الله الکامل المتکامل الذی لا یکشف عن هوى او تصارع، وان السلطة الوضعیة فصلت بین الایمان العقلی والایمان القلبی. فقطعت الصلة بین روح الانسان وعقله، فانطلقت الشهوات واستحلت الحرمات، وکان من نتیجة التسلیم بان سلطة الحکم هی سلطة زمنیة وضعیة من حق البشر تنفصل انفصالا تاما عن الدین ولا تخضع له ولا یخضع لها. أی انها عملت على فصل الدین عن الدولة. فی حین ان الاسلام ومنذ اکثر من اربعة عشر قرنا عرف النظام الاسلامی کیف یقیم نظاما مستوفیا تنظیمیا وعقائدیا واخلاقیا ملاء الفراغ الذی اجهد فیه الفقه الوضعی نفسه فیه وما هم ببالغیه لانها من سمات مشروعیة حکم الله.
8- لما کانت شریعة الله دینا ودنیا. فقد کان الربط بین مشروعیة اعمال السلطة فی الاسلام لازما مع الایمان قوله تعالى :" فان تنازعتم فی شیء فردوه الى الله ان کنتم تؤمنون بالله والیوم الاخر" النساء،ایة 59. ولان الحکم الشرعی والقانون یعنی خضوع الحاکم والمحکوم للقانون او الشرع القائم، فان ذلک فی الاسلام یعنی ان من یحکم او یتحاکم لابد ان یرجع الى الشرع الحکیم فی کل امر فکلا الفریقین مأموران بتنفیذ شرع الله فی علاقاتهم بعضهم ببعض لذلک فقدت الشرعیة الوضعیة من الهیبة وانعدام القیمة نتیجة الاهتزاز وعدم الاستقرار بین الحین والاخر، فقد عملوا جاهدین على وضع عقیدة وفکر من صنع کفرهم والحادهم جاعلین منها قیمة علیا. اما فی الاسلام فشرعه قائما على بناء متکامل له اسس وعمد وارکان فاساسه العقیدة والاخلاق، وعمده فی الشعائر والنسخ، وارکانه المعاملات والقوانین الثابتة الصالحة لکل زمان ومکان. کیف لا ومن شرعها لایاتیه الباطل لا من خلفه ولا من امامه.
9- تبین لنا ان الاداة الاساسیة لاسناد السلطة فی المجتمع الاسلامی القائم على شرع الله وحکمه لا بد من ان یکون مبنیا على الاختیار الحر المؤید بالاغلبیة التی تکشف عن الرضا بالحاکم وحب الشعب والرعیة له متمثلة باسلوب البیعة الاداة المعتبرة عند تنصیب الحاکم بصفتها الاساس الراسخ والثابت فی الاسلام للکشف عن الشرعیة السیاسیة للسلطة وان الاسلام عرف الاسلوب الدیمقراطی لتولی الحکم قبل أکثر من اربعة عشر قرنا واما ما یتشدق به فقهاء الغرب وتمسکهم بالاسلوب الدیمقراطی المتمثل بالانتخاب بصفته وسیلة لاسناد السلطة لم یکن بالشیء الحدیث فقد عرفه الاسلام قدیما بناءً على قبول ورضى واختیار حر والتزام السلطة یتحقق باقامتها لشرع الله.
10- ان اتباع اسلوب القوة للاستیلاء على الحکم بصفتها وسیلة تستمد شرعیتها من النظام نفسه عند نجاحه فی النظم الوضعیة اما فی الشریعة الاسلامیة فان الاسلام لا یعترف بالقوة کاساس لاسناد الحکم فهو یعترف بها اداة نهائیة لعزل الحاکم . وان الفقهاء المسلمین قد وضعوا نظریة کاملة قبل الخروج على الحاکم الجائر بالقوة لعزله، تتدرج من الوسائل السلمیة والى استعمال القوة کحل اخیر وضروری حفاظا على الامة من الفتنة وضیاع شرع الله ودینه، وحفاظا على ارواح المسلمین ووحدة الدولة الاسلامیة بصفتها من اصول الدین. کما أن الفقه الإسلامی بین أن رئاسة السلطة القائمة على توریث السلطة والحکم تکون غیر شرعیة ویجب إزالتها واستبدالها برئاسة وسلطة صحیحة تستند إلى الانتخابات واختیار الشعب وتتفق مع أحکام الشریعة الإسلامیة إذا لم یترتب على إزالة النظام الوراثی ضرر على الأمة کإراقة الدماء أو نشوب حرب أهلیة تفتت وحدة صف المسلمین.
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English)
List of references and books
1. Hafiz Jalal al-Suyuti, The History of the Caliphs, by Muhammad Muhiuddin Abdul Hamid, New Sharq Press, I, Baghdad, 1987.
2. Al-Mawardi, The Rulings of the Sultan and the Religious States, Mustafa Al-Babi Al-Halabi Press, 3, Dar al-Shorouk, Egypt, 1973.
3. Dr. Ibrahim Abdel-Aziz Sheha, Principles of Political Systems, University House for Printing and Publishing, Alexandria, 1983.
4. Dr. Abo Al-Yazid Ali Al-Matait, Political Systems and Public Freedoms, Vol. 3, University Stream Foundation, Alexandria, 1982.
5. Dr. Ihsan Humaid Al-Mafraji, Dr. Kataran Zughair Nemeh and Dr. Raad Naji Al-Ghamdi, General Theory in Constitutional Law and the Constitutional System of Iraq, Ministry of Higher Education and Scientific Research, 1990.
6. Dr. Ahmed Al-Shaibani, The Revolutionary Foundations of Arab Nationalism, Dar Al-Oqdah Al-Arabiya, Damascus.
7. Dr. Ahmed Kamal Abul-Magd, Views on Islamic Jurisprudence in Islamic Jurisprudence Collection, Lectures of the General Directorate of Islamic Culture, Al-Azhar, Egypt, 1962.
8. Dr. Ismael El-Ghazal, Constitutional Law and Political Systems, 1, University Institution for Studies, Publishing and Distribution, Lebanon, 1982.
9. Dr. Anwar Al-Khatib, State and Political Systems, General Printing Company, Beirut, 1970.
10. Drut Badawi, Political Systems, C1, General Theory of Political Systems, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1964.
11. Drut Badawi, Political Systems, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1975.
12. Dr. Hussein Osman Mohamed Osman, Political Systems and Constitutional Law, University House, Cairo, 1988.
13. Dr. Hamid Al-Saadi, Principles of Constitutional Law and Constitutional System in Iraq, University of Mosul, 1990.
14. Dr. Samir Khairi, Legitimacy in the Socialist System, Dar Al-Qadisiyah for Printing, No year printed, Baghdad.
15. Dr. Shomran Hammadi, Political Systems, I3, Freedom House for Printing, Baghdad, 1973.
16. Sadek al-Aswad, Political Sociology, Al-Irshad Press, Baghdad, 1973.
17. Dr. Subhi Abda Said, Ruler and Foundations of Government in Islam, Cairo, 1985.
18. Dr. Subhi Abda Said, Political Power in the Islamic Society, Cairo, 1991.
19. Dr. Subhi Abda Said, Power in the Socialist Society, Cairo.
20. Dr. Subhi Abda Said, Power and Freedom in the Islamic System - Comparative Study, Arab Thought House, Cairo, 1982.
21. Dr. Subhi Abda Said, The Legitimacy of Power and System in Islamic Rule, Comparative Study, Cairo, 1999.
22. Dr. Salahuddin Dabbous, the Caliph - Tulti and isolation - Foundation of the university culture, without a year printed, Alexandria.
23. Dr. Taha Al-Said, The Principle of the Rule of Law and the Guarantees of Its Application, Comparative Study between Positive Law and Islamic Law, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 1996.
24. Dr. Taima Al-Jarf, The Principle of Legitimacy and the Controls of the Subjection of the State to Law, Cairo Modern Library, Egypt, 1973.
25. Dr. Taima Al-Jarf, Theory of the State and the General Principles of Systems and Politics, Cairo Modern Library, Cairo, 1978.
26. Dr. Abdel Hamid Metwally, Constitutional Law and Political Systems, Knowledge Institutions in Alexandria, No Year Printed.
27. Dr. Abdul Hamid Metwally, Principles of the System of Government in Islam, I 1, Dar Al-Fikr Al-Arabi, without a year printed, Cairo.
28. Dr. Abd al-Rida al-Taan, The Concept of Revolution, 1, Dar al-Maarifah, Baghdad, 1980.
29. Dr. Abdul Qadir Mahmoud, Imam Jafar al-Sadiq, the leader of the Sunnis and Shiites, edition of the Supreme Council for the Care of Arts and Literature and Social Sciences, Cairo, 1970.
30. Dr. Othman Khalil Othman, Constitutional Law, Cairo.
31. Dr. Ali Sabti Mohamed, Means of protection of legitimacy - comparative study in the light of the Iraqi experience, without a year printed, Baghdad.
32. Dr. Kamal Al-Ghali, Principles of Constitutional Law and Political Systems, Vol. 8, Damascus University Publications, Syria, 1996 and 1997.
33. Dr. Mohsen Khalil, Constitutional Law and Political Systems, C1, Beirut, 1987.
34. Mohamed Anas Kassem Jafar, The Broker in Public Law, Administrative Judiciary, Cairo, 1987.
35. Dr. Mohamed Taha Badawi, Origins of Political Science, II, Alexandria, 1965.
36. Dr. Mohamed Amara, Theory of Islamic Caliphate, Cairo.
37. Dr. Mohamed Kamel Laila, Political Systems, Arab Thought House, Cairo, 1971.
38. Dr. Mohammed Yusuf Musa, The System of Government in Islam, 1961, Cairo.
39. Dr. Mahmood Al-Shahat Al-Jundi, The Features of the Political System in Islam, in Comparison with Positioning Systems, Dar Al-Fikr Al-Arabi, Cairo, 1986.
40. Dr. Mahmoud Rifat Abdel Wahab, Political Systems, Halabi Publications, Lebanon, 2004.
41. Dr. Mahmoud Atef Al-Banna, Political Systems and Foundations of Political Systems and Its Main Image, I 2, Dar Al-Fikr Al-Arabi, Cairo, 1984 and 1985.
42. Dr. Mahmoud Atef Al-Banna, The Mediator in Political Systems, 1, Arab Thought House, Cairo, 1988.
43. Munther Al-Shawi, Constitutional Law, First Book, Shafiq Press, Baghdad, 1967.
44. Munther Al-Shawi, Constitutional Law, State Theory, Publications of the Legal Research Center, Ministry of Justice, Baghdad, 1981.
45. Dr. Munib Mahmoud Rabie, The Guarantees of Freedom, Cairo, 1981.
46. Dr. Nouri Al-Spect, Constitutional Law and the Constitutional System of Iraq, vol. 2, Alaa Press, Baghdad, 1979.
47. Dr. Yahim Al-Mallah, The Government of the Prophet (), Comparative Constitutional Historical Study, Publications of the Iraqi Academy of Sciences, Baghdad, 2002.
48. Dr. Yahya Al-Jamal, Contemporary Political Systems, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo.
49. Dr. Yehi Al-Gamal, Harvest of the 20th Century in Law, Cairo, 2006.
50. Leon Daki, Lessons in Public Law, translation by Dr. Rashid Khaled, publications of the Ministry of Justice, Baghdad, 1981.
51. Muhammad Ziauddin Al-Rayes, in Political and Islamic Theories, Egypt, 1952.
52. Mohamed Kamel Layla, Constitutional Law, Arab Thought House, Cairo, 1974.
53. Mahmoud Abu Zahra, Islamic Schools of Thought, Arab Thought House, 1963.
54. Musnad Imam Ahmad.
Doctoral Dissertations, Letters and Research:
1. Dr. Hazem Abdul-Mutal Al-Saidi, The Theory of the Islamic State with Comparative Theory of State in the Modern Constitutional Jurisprudence, Cairo.
2. Dr. Qidar Abdul Qader Saleh Al Saud, Legal System of the Actual Employee - Comparative Study, Faculty of Law, University of Mosul, 2005.
3. State Ahmed Abdulla Mohammed Al-Breifkani, Means of Taking Power and its Applications in Arab Means, Master's Thesis, Faculty of Law, Mosul University, 2002.
4. Ammar Faraj Hassan Al-Azmi, Philosophy of Power, Master's Thesis, Faculty of Law, University of Baghdad, 1977.
5. Dr. Abdel Fattah Sayer Dyer, The Realistic Government, Journal of Law and Economics, Twenty-ninth Year, Third Issue, Cairo, 1959.
6. Dr. Yahya Al-Mallah, Methods of Power Management in the Arab-Islamic Countries, Journal of Literature of the Two Rivers, Faculty of Arts, Mosul University, No. 7, 1976.
International advertising:
1. Declaration of Human Rights and French Citizen of 1798.
Foreign sources:
1. A.KH.Makhneko.The state Law of the socialist countries progress.Moscow.1976.
2. Burdeau: Traite de science politique 2em, ed, paris. 1966.
3. Jean-william laferreile pouvoir politique p.u.f paris.1969.