الملخص
یمکن القول بصفة مبدئیة أن نشأة المالیة العامة ترجع الى وجود الدولة ذاتها ، ذلک أن العدید من الحاجات العامة التی یحتاج إلیها الإنسان إلى اشباعها تستمد من وجود المجتمع مع ما یفرضه من اعتبارات المحافظة على الإستمرار على الحیاة المشترکة لأفراده ، کالحاجة الى الأمن الداخلی ، وصد العدوان الخارجی وتامین الغذاء والحاجة الى العدالة
الموضوعات
أصل المقالة
النظام المالی فی الدولة الإسلامیة -(*)-
The Financial System of the Islamic State
محمد یونس الصائغ کلیة العلوم/ جامعة الموصل Mohammed Younis Al-Sayegh College of Science / University of Mosul Correspondence: Mohammed Younis Al-Sayegh E-mail: |
(*) أستلم البحث فی //*** قبل للنشر فی //.
(*) Received on *** accepted for publishing on .
Doi: 10.33899/alaw.2008.160523
© Authors, 2008, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص
یمکن القول بصفة مبدئیة أن نشأة المالیة العامة ترجع الى وجود الدولة ذاتها ، ذلک أن العدید من الحاجات العامة التی یحتاج إلیها الإنسان إلى اشباعها تستمد من وجود المجتمع مع ما یفرضه من اعتبارات المحافظة على الإستمرار على الحیاة المشترکة لأفراده ، کالحاجة الى الأمن الداخلی ، وصد العدوان الخارجی وتامین الغذاء والحاجة الى العدالة
الکلمات الرئیسة: النظام المالی
الموضوعات: القانون الدولی العام
It can be said in principle that the emergence of public finances is due to the existence of the state itself, as many of the general needs that the human needs to satisfy are derived from the existence of society with the necessities of maintaining the continuity of the common life of its members, such as the need for internal security, repelled external aggression, securing food and the need for justice.
Keywords: System financial
Main Subjects: international public law
المقدمة:
یمکنالقول بصفة مبدئیة أن نشأة المالیة العامة ترجع الى وجود الدولة ذاتها ، ذلک أن العدید من الحاجات العامة التی یحتاج إلیها الإنسان إلى اشباعها تستمد من وجود المجتمع مع ما یفرضه من اعتبارات المحافظة على الإستمرار على الحیاة المشترکة لأفراده ، کالحاجة الى الأمن الداخلی ، وصد العدوان الخارجی وتامین الغذاء والحاجة الى العدالة .
وقد کانت الدولة قدیماً تلجأ الى تمویل هذه الحاجات العامة عن طریق فرض الجزیة على الشعوب المغلوبة ، والى عمل الأرقاء للحصول على موارد تنفق على مرافقها العامة .
لقد عرفت الدولة الضرائب المباشرة وغیر المباشرة على نقل ملکیة الأراضی وعلى المعاملات التجاریة ، واحیاناً بالاستیلاء على ماتحتاجه من أموال بالمصادرة أو تسمح الدولة فی بعض الأحیان لبعض الأفراد بأعباء عامة مقابل الحصول على أجورهم من الجمهور مباشرة ً .
وتطورت المالیة من حیث أهمیتها خلال العصور المختلفة ، وکانت بذلک تعکس الأوضاع السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة التی کانت سائدة آنذاک .
وفی البلاد العربیة قبیل ظهور الأسلام تعرض وطننا للغزو الأجنبی ، وبدأت فترة السیطرة الأجنبیة على مناطق الشرق الأوسط . کان آخرها السیطرة البیزنطیة على بلاد الشام ومصر وشمال افریقیا والسیطرة الفارسیة على العراق وغیرها . فلم تبق خارج السیطرة الأجنبیة إلا الجزیرة العربیة ، ولم تکن هنلک دولة عربیة مرکزیة توحد العرب ، فکانت هناک دولة المناذرة فی الحیرة قرب الکوفةودولة الغساسنة فی الجابیة قرب دمشق
وقد کان أفراد قبیلة قریش سادة مکة ، وکان قصی بن کلاب فی الحجاز أول من اصاب ملکاً قبل الإسلام فکانت إلیه الحجابةوالسقایةوالرفادةوالندوةواللواء
وکان قصی یقول لقومه : (( یامعشر قریش ، إنکم جیران الله وأهل بیته الحرام ، وإن الحاج ضیف الله وزوار بیته ، وهم أحق الضیف بالکرامة ، فاجعلوا لهم شراباً وطعاماً أیام هذا الحج ، حتى یصدروا عنکم . ففعلوا فکانوا یخرجون لذلک کل عام من أموالهم فیدفعونه إلیه ، فیصنعه طعاماً للناس أیام منى ، فجرى ذلک من أمره على قومه فی الجاهلیة ، ثم جرى فی الاسلام إلى یومک هذا فهو الطعام الذی یصنعه السلطان کل عام بمنى حتى ینقضی الحج
وقد عقدت قریش مع القبائل المقیمة على طریق قوافلهم والدول المجاورة معاهدات صداقة لتأمین سیر هذه القوافل إلى الیمن فی الشتاء ، وکانت تجلب منها الجلود والأقمشة وغیرها ، وتنقلها فی الصیف إلى بلاد الشام اذ تستورد مکانها الزیت والحبوب وبعض المنسوجات ، وقد ذکر الله سبحانه وتعالى هذه المعاهدات بقوله " لإیلاف قریش إیلافهم . رحلة الشتاء والصیف فلیعبدوا رب هذا البیت . الذی أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " وهذا الوضع أکسب قریشاً مکانه بین القبائل ، وجعل لها نفوذاً فی الجزیرة
أما الأوضاع المالیة فی دولتی المناذرة والغساسنة فکانت تتأثر بجیرانهم الفرس والروم ، وکثیراً ما کان یحدث الغزو بین هاتین الدولتین العربیتین للحصول على الغنائم ، کانت تجبى الأموال من الشعب للملوک وتقدم الهدایا أو الفدیة .
وفی العهد البیزنطی احتلت الضرائب مکان الصدارة بین مختلف أنواع الموارد العامة ، وإلى جانب الضرائب وکانت الدولة تحصل على موارد مالیة من أملاکها واستغلالها المباشر ومن بعض القروض أحیاناً .
وکانت الضرائب التی فرضتها الامبراطویة البیزنطیة کثیرة ومتنوعة ، وکذلک کانت ضریبة الأرض تمثل القاعدة الأساسیة التی یقوم علیها النظام المالی . إذ بلغت الضریبة على محصول الأرض المزروعة نسبة مرتفعة جداً ، وأهمها على الإطلاق ، وتاتی بعدها ضریبة الرءوس والماشیة والنقل والمبیعات والصناعات والترکات .
وکان یقوم بجمع تلک الضرائب موظفون ومساعدون لهم فی الأقالیم والإدارات التی ینقسم إلیها القطر ، ویستدل من ذلک أن أمر تقدیر تلک الواردات کان من اختصاص الإمبراطور البیزنطی ، ولم یلجا إلى تقدیر ضریبة الخراج خاصة بحسب قدرة الأرض الإنتاجیة إلا فی فترة متأخرة ، ولکنها فی کل الحالات کانت فادحة .
أما أراضی الکروم والأشجار کالنخیل والتین والزیتون فکانت تجنى نقداً ، وهذه الأخیرة یصعب تحدیدها ، اذ إنها تتراوح مابین عشرة دراهم وأربعین درهماً للفدان الواحد .
وفی بعض الحالات بلغت قدراً لا یمکن أن یتناسب على الإطلاق مع مساحة الأرض المفروض علیها إلى جانب ضریبة تموین الجنود وضریبة الروءس ، وهی تتراوح ما بین ستة عشر وعشرین درهماً ، وضریبة الأراضی المشغولة بالبناء ، وقد بلغت مائة درهم على المنزل الواحد ، وضریبة الماشیة من ثیران وجمال وغنم ، وهی عشرة دراهم على الجمل الواحد ، وضریبة النقل وقدرها 5 % وضریبة المکوس 10% والترکات 5% وغیرها من المهن حیث کانت تؤخذ الضرائب على حساب الإیراد .
وقد اثقلت مثل هذه الضرائب کاهل الناس ، وخاصة الفلاحین الذین تحولوا إلى أرقاء للأرض ، وحتى عندما حاولوا التخلص من أعمال السخرة هذه " أصدرت الدولة قوانین صارمة أجبرتهم على الإقامة بها "
وقد لخص ملن حیاة العرب فی القرن الأخیر من حکم البیزنطیین فأکد بأنهم کانوا فی حالة فقر لا یرجى معه أمل ، وأن الفلاحین کانوا مجرد آلات لزراعة القمح ، وما بقى من ثروة بها فهی فی أید قلیلة ، وظهر نتیجة ذلک الفقر حتى إن السکان أصبحوا لا یکترثون بأی تغییر یطرأ على حکومتهم وأن الحکام فیها أصبح لاهم لهم إلا أن یجمعوا الثروات ، والأموال والخیرات لخزائن الإمبراطور وحاشیته ، وأن تکون لهم الید العلیا بین أهل البلاد ، فصار الحکم على أیدیهم أداة للظلم والشقاء فی معظم الأحیان .
وعلى الرغم من أن نظام الضرائب فی الإمبراطوریة البیزنطیة یحقق من الناحیة النظریة مبدأ المساواة والعدل بین المواطنین أمام الضرائب ، إلا ان هذا المبدا من الناحیة العملیة لم یتحقق نتیجة للإعفاءات التی قررت لاعتبارات شخصیة وطبقیة. ونتیجة لما کان یحیط بطرائق تحصیل الضرائب من عسف وظلم وعدم وجود ضمانات لدفع ذلک ، وبالذات بالنسبة إلى صغار الممولین ، فضلا عن أن الضرائب فی ذلک العصر لم تکن محاطة بأی ضمان سیاسی . إذ لم یکن یشترط موافقة ممثلی الشعب على فرض الضرائب . بل کانت تفرض بارادة الإمبراطور الذی کان ینفق الأموال العامة على وفق إرادته دون رقابة
کذلک أدى نظام الحمایة إلى أن أصحاب الأراضی الذین خضعوا الى حمایة ذوی السلطات من رجال الدولة ، قد حرموا من مزارعهم ، وعجزوا عن تسدید الضرائب المفروضة علیهم وهجروا الأرض ، وعمد الحماة هذا الإجراء شیئاً فشیئاً إلى الاستیلاء علیها دون أن یدفعوا للدولة أیة ضریبة ، وذلک بفضل الامتیازات التی کانوا یتمتعون بها .
وظلت الأوضاع الاقتصادیة والمالیة فی بلاد الشام تسیر من سیء الى أسوأ حتى ظهر الإسلام واحتل العرب المسلمون آخر معاقل الامبراطوریة البیزنطیة فی معرکة الیرموک سنة 13 هجریة.
أما بالنسبة إلى الإمبراطوریة الفارسیة التی کانت تسیطر على العراق ، فقد کان ملوکها من الأسرة الساسانیة یدینون بالمجوسیة ، ویعتمدون على عدد من الإقطاعیین والمستقلین ، ویعدون رعایا الدولة عبیدا ، وکان هولاء الحکام غرباء عن السکان فی لغتهم ودینهم ، ولایهمهم الإ استغلال أهل البلاد لمصالحهم الخاصة ، فسنت الدولة الفارسیة للضرائب حدوداً وقوانین ، وفرضت نظام الإیراد الثابت إلى بیت المال ، واختلفت جبایة الأموال المفروضة على الأراضی فقد سلکت الدولة فی أول الأمر نظام المقاسمة حتى أخذت نصف الإنتاج ، وأخذت من کور الثلث ، ومن کور الربع ، ومن کور السدس على قدر شرب الأرض وعمارتها فضلاً عن انها عمدت فی الحالة الثانیة إلى نظام المساحة ، ولکن الأمر کان فی الحالتین جائراً ، إذ لم یکن هم الدولة سوى أن تصمن إیراد ثابتاً .ومن الملاحظ مما یستحق الإشارة الیه أن الخراج وضع على ما یهم الناس والحیوانات وهو الحنطة والشعیر والرز والکروم والرطاب والنخل والزیتون ، وکان الذی وضع على کل جریب أرض من مزارع الحنطة والشعیر درهم ، و على کل جریب أرض رطاب تسعة دراهم ، وعلى کل أربع نخلات فارسیة درهم ، وعلى کل ستة نخلات دقلة مثل ذلک ، وعلى ستة أصول زیتون مثل ذلک ، ولم یترکوا نخلة فی حدیقة أو فی بستان إلا وضعوا علیها مثل ذلک ، وقسموا الخراج على ثلاثة أقساط خلال السنة .
وعلى الرغم من الإصلاحات التی کانت تقوم بها الدولة ، فان الضرائب لم تکن عامة التطبیق ، فقد أعفیت منها بعض التطبیقات مثل : رجال الدین ، ورجال الحرب ، وکبار الموظفین ، کما اضطرت الدولة إلى فرض ضرائب أخرى استثنائیة باهظة أثقلت کاهل المواطنین . یضاف الى ذلک أن الغنائم التی کان یتم الاستیلاء علیها فی الحرب کان یستولى علیها الشاهنشاه شخصیاً ، وینفقها على حاشیته أو على مباذله ، وقد یستعملها لإشعال نیران حروب جدیدة .
وظلت الأوضاع الاقتصادیة والمالیة فی العراق تحت رحمة القوانین والأنظمة الفارسیة إلى أن
جاء النصر والخلاص على ید قادة العرب والمسلمین فی معرکة القادسیة سنة 15 هجریة .
وعلى ایة حال فانه مهما بدت صورة الأنظمة المالیة التی کانت سائدة قبیل ظهور الإسلام مجحفة . وان مالوحظ من عیوب فی طریق تقدیر الضرائب وأسالیب الجبایة ، فان المال یعد ضرورة اجتماعیة فی حیاة الأمم والشعوب ، ومن هنا سنرى أن الدولة الإسلامیة قد أقرت نظاماً عادلا فی صیغ جدیدة تتناسب وروح العصر الحدیث تقوم على أصول ثابتة أوردتها نصوص کلیة فی القرآن الکریم والسنة الشریفة تکفل الکرامة والعدالة الاجتماعیة ، وانه یمکن لکل دولة أن تطبق هذه الأصول بما یتفق مع ظروفها الاجتماعیة والاقتصادیة والمالیة .
اذ جرت العادة لدى الباحثین والمهتمین بالدراسات الإسلامیة ، خاصة فیما یتعلق بالشؤون الإداریة والمالیة أن یرکزوا على الجانب الفقهی فی ابحاثهم ودراساتهم ولم یعطوا الجانب الفنی اهتماماً متعمقاً فی البحث والتحلیل ، ولهذا جاء بحثنا " النظام المالی فی الدولة الإسلامیة " کآنه مستحدث قائم على تمازج الفقة الاسلامی الأصیل بالفکر الحدیث المتخصص ، وهذا من شأنه أن یساعد اهل الاجتهاد على حسن تذوقه فقهیاً وتطبیقیاً .
اذ ان النظام المالی فی الدولة الإسلامیة یتفق مع الموازنة الحدیثة من حیث الاعداد والتنفیذ والرقابة علیها ، وذلک لان الرقابة المالیة ، باعتبارها ضرورة اجتماعیة واقتصادیة وسیاسیة تمکن الدولة من ضبط الموارد المالیة ومحاسبة القائمین علیها . وذلک أن الخلفاء الراشدین لم یکتفوا بالرقابة الذاتیة النابعة من العقیدة الإسلامیة وانما احدثوا اجهزة تتولى ضبط موارد الدولة ونفقاتها ومحاسبة القائمین علیها .
ویتهیکل بحثنا الموسوم بالنظام المالی فی الدولة الإسلامیة فی ضوء المطالب التالیة :
المطلب الأول / تعریف الموازنة
المطلب الثانی / تحضیر الموازنة
المطلب الثالث / اعتماد الموازنة
المطلب الرابع / تنفیذ الموازنة
المطلب الخامس / الرقابة على تنفیذ الموازنة
المطلب الأول
تعریف الموازنة
لم یتفق علماء المالیة على تعریف موحد لموازنة الدولة . لما لها من مؤشرات سیاسیة واقتصادیة واجتماعیة ، وقد ارتأى أحد المؤلفین القول : انه کان من الأفضل أن یطلق على موازنة الدولة أسم " المیزانیة التقدیریة للدولة " أسوة بتسمیة مثیلاتها فی المؤسسات التجاریة .
فی حین یعرفها آخر بقوله : إن کلمة الموازنة أصلاً تعنی حقیبة النقد أو الوعاء النقدی الذی یستخدم لواردات ونفقات الدولة . ویذهب آخر بقوله بأنها " صک تشریعی تقدر فی نفقات الدولة وارداتها عن سنة مقبلة وتجاوز بموجبه الجبایة والإنفاق " .
أما المرکز العربی للتطویر الإداری فیعرّف الموازنة بأنها " تقریر مفصل ومعتمد لنفقات الدولة وإیراداتها لمدة زمنیة مقبلة ، وهو یمثل الإدارة الرئیسیة للسیاسة المالیة التی تسیر علیها الدولة " .
وایضاً یمکن تعریف الموازنة العامة للدولة : بأنها مجموعة التقدیرات المعتمدة لمصروفات الدولة من خلال السنة المالیة القادمـة ووسائل تمویل تلک المصروفات .
ولذلک مهما تعددت التسمیات والألفاظ لکلمة الموازنة ، فانها جمیعاً تدور حول جوهر واحد لاخلاف فیه ، ومن الملاحظ أن جمیع المعانی متفقة على أن الموازنة تتضمن تقدیرات موارد ومصروفات الدولة عن سنة مالیة مقبلة أو مدة معینة ، لکی تقوم الدولة بتحصیل ما یلزمها من موارد مالیة لتتمکن من الصرف على تسییر شؤونها .
تطویر الموازنة :
تعتمد فکرة الموازنة من ناحیة الأساس على محاولة إعداد تقدیرات مالیة على ضوء الظروف المتوقعة فی المستقبل ، ولاجدید فی هذه الفکرة ، فالفرد یطبقها فی حیاته الخاصة ، وتاخذ بها الدول عند إعدادها لموازنتها وتمارسها المؤسسات المختلفة بما یتناسب مع طبیعتها وممیزاتها الخاصة .
ولقد استخدم المصریون القدماء فکرة الموازنة ، وذلک باعدادهم تقدیرات للنفقات التی کان یحتاجها انشاء مشروع کبیر أو القیام بعملیات حربیة أو أی مخططات أخرى ، ثم کانوا یتبعون هذه التقدیرات بدراسة وسائل تمویل هذه العملیات ، والثابت ایضاً ان هذه الفکرة کانت منذ القدم ، إذ یشیر المختصون الى أن أول موازنة عرفها التاریخ تلک التی أعدها النبی یوسف علیه السلام لکی ینفذها فرعون مصر لموازنة إنتاج واستهلاک القمح فی سنوات القحط . وفی القرون الوسطى فی أوربا کان لا یمیز بین مالیة الحاکم ومالیة الدولة ، فکان الحاکم ینفق من الموارد العامة والخاصة على شؤون الدولة .
وفی الحقیقة کانت النفقات العامة محدودة فی الأوقات العادیة ، أما فی الأزمات والفترات الاستثنائیة ، فقد کان الحاکم یلجأ إلى الضرائب الإضافیة على رعایاه لمواجهة هذه الحالات ، وکان هذا الإجراء یتطلب موافقة البرلمان الذی یمثل الشعب ، ویعدَّ ذلک منشأ سلطة الحاکم فی فرض الضرائب والرقابة على الشؤون المالیة ، وهذا الأسلوب فی اعتماد الموازنة حدیث العهد نسبیاً ، إذ یرجع إلى سنة 1688 م فی بریطانیا وإلى ثورة 1789 م فی فرنسا ، وقد تطورت نفقات الدولة وایراداتها بشکل تفصیلی .
وإذا کانت الموازنة فی جوهرها هی ما ذکرناه ، فانه یمکن القول : إن أول موازنة عرفت فی صدر الإسلام کانت فی عهد الرسول الکریم . ذلک أن النبی صلى الله علیه وسلم یسجل کل ما یرد علیه من اموال ، وکان یجری تقدیراً لها قبل ورودها ، ویتمثل ذلک فی خرص الثمار وکتابة الصدقات وأخماس الغنائم ، وکان یتولى هذه العملیات أمناؤه على المال ، وکان یحتفظ بسجلات لکثیر من أنواع المصروفات التی کان یمکن تقدیرها . وذلک مثل : سجلات بأسماء المسلمین وذراریهم لکی توزع علیهم الأعطیات طبقاً لأعدادهم ویعد العدة للمصروفات غیر المتوقعة ، فیدخر لها جزءاً من الموارد لمواجهتها عند حدوثها .
ومن ثم فان الإسلام عرف اول موازنة فی عهد النبی صلى الله علیه وسلم بصرف النظر عن الشکلیات التی تحیط بالموازنات الحدیثة ، ولم یتأخر ظهور الموازنة العامة إلى عهد عمر بن الخطاب رضی الله عنه کما یـرى بعض الکتاب .
صحیح أن عمر بن الخطاب رضی الله عنه نظم الشؤون المالیة للدولة الإسلامیة بصورة دقیقة ، فأنشأ بیت المال لحفظ أموال المسلمین وإثبات حقوقهم وإحصاء دخل الدولة من مواردها المختلفة ومصروفاتها أیضاً مثل : رواتب الجند ، وأرزاق العمال والقضاة ونحو ذلک مما ینفق فی سبیل الله .
وعلى أیة حال فان موضوع الموازنة العامة یتطلب دراسة عدة مجالات تشتمل خاصة على مایلی :
المطلب الثانی
تحضیر الموازنة
یخضع تحضیر الموازنه فی الفکر الحدیث لعدة مبادئ أساسیة وإجراءات إداریة ینبغی احترامها ، والهدف من اتباعها هو تسهیل معرفة الوضع المالی للدولة ووضوحة ، وذلک لتکون ضماناً ضد المساوئ التی کانت مطبقة فی عهد الحکم المطلق حین کان الحکام ینفردون بأمر تبریر موارد الدولـة وإنفاقـها کما یشاؤون وهذه المبادئ هی :
أ_ سنویة الموازنة :
یقصد بسنویة الموازنة ، أن یکون تقدیر وإجازة الموارد والمصروفات العامة بصفة دوریة عن مدة سنة قادمة ، على أن هذا المبدأ اجیز الخروج عنه لأسباب خاصة ، وذلک کأن تصدر السلطة التشریعیة الموازنة لمدة أقل من سنة إذا لم تتمکن من اعتماد الموازنة الجدیدة قبل بدء السنة المالیة . أو تقرر الدولة تعدیل بدایة السنة المالیة لدیها ، أو لما تضع الدولة موازنة لمدة أکثر من سنة لتنفیذ مشروعات طویلة المدى .
ویاخذ الفکر المالی الإسلامی فی الأصل بسنویة الموازنة ، حیث إن معظم موارد الدولة الإسلامیة سنویة ، فالقاعدة أن الزکاة لا تجب فی مال حتى یحول علیها الحول ، وإن کان یستثنى من ذلک زکاة الخارج من الأرض ، حیث تستوجب فی کل ما یخرج منها ، ولا یشترط فیها الحول ، کذلک یجبى خراج الوظیفة فی آخر کل سنة ، وتجبى الجزیة أیضاً سنویاً . والأصل فی المصروفات العامة سنویاً ، حیث أن عمر بن الخطاب رضی الله عنه کان یعطی العطاء سنویاً ، فقد فرض لکل من شهد بدراً من المهاجرین الأولین مبلغاً من المال سنویاً ، وایضاً کان یعطی أصل الاستحقاق من الزکاة حقوقهم کل سنة ، ویروى أبو عبید قصة السیدة التی اشتکت إلى عمر رضی الله عنه نسیان عاملة على الزکاة إعطاءها استحقاقها ، وقد قال لعاملة : فی شأن هذه السیدة أن یعطیها حقها للعام وعام أول وهو ما یدل على أن النفقة سنویة .
ویستخلص من الذکر أن الفکر المالی الإسلامی یسمح بالخروج على مبدأ سنویة الموازنة إذا ما اقتضت المصلحة العامة ذلک ، ومن أمثلة ذلک ما یقرره غالبیة الفقهاء من انه حتى یتحقق وجوب الزکاة وهو النصاب الکامل جاز تقدیم الزکاة قبل حلول الحول ، بل یجوز تعجیلها لحولین أو أکثر بخلاف ما إذا عجلها قبل ملک النصاب فلا یجوز.وقد ذکر أیضاً أبو عبید أنه یجوز تأخیر الزکاة إذا رأى الإمام فی صدقة المواشی ، لأزمة تصیب الناس ، فتجدب لها بلادهم ، فیؤخرها عنهم إلى الخصب ثم یقضیها منهم بالاستیفاء فی العام المقبل ، کالذی فعله عمر بن الخطاب رضی الله عنه فی عام الرماة
ب_ وحدة الموازنة :
یقصد بوحدة الموازنة ، أن تدرج کافة الموارد والمصروفات المتعلقة بکافة المصالح التابعة للدولة عن العام القادم فی موازنة واحدة ، وقد توجد استثناءات تقتضیها الضرورة تسمح بالخروج على هذا المبدأ ، فتوجب إعداد موازنات غیر عادیة أو موازنات ملحقة أو موازنات مستقلة ، أو حسابات على الخزینة .
وتقوم مالیة الدولة الإسلامیة فی صدر الإسلام على مبدأ تعدد الموازنات ، وهی أمکانیة حصول أکثر من موازنة : فهناک الموازنة العامة الأساسیة ، للدولة تواجه کافة الحاجات العامة ، وهناک موازنة الضمان الإجتماعی التی تواجه احتیاجات الضمان الاجتماعی ، والدعوة الإسلامیة بمواردها المستقلة متمثلة فی الأصل فی الزکاة وجزء من الغنائم ، وکذلک یمکن أن یحول إلى هذه الموازنة من الموازنة الأساسیة عند عدم قدرتها على الوفاء بإشباع الحاجات المطلوبة .
ت_ عمومیة الموازنة :
یقصد بعمومیة الموازنة أن تشتمل الموازنة العامة على کافة الموارد العامة والمصروفات العامة ، بحیث لا تخصم أی نفقة من أی مورد ولا یخصص مورد معین لمصرف معین ، وتاخذ بعض الدول استثناءً من هذا المبدأ ، کما هو الحال فی اصدار قرض لمواجهة مصروف محدد غیر عادی ، أو تخصیص مورد معین لمواجهة مصروف خاص للانتفاع بجدوى هذا المرفق .
ویاخذ الفکر المالی الإسلامی بمبدأ تخصیص موارد معینة لمصروفات معینة ، فالمشروع الإسلامی رتب لکل مورد من الموارد العامة مصروفاً خاصاً لا ینفق لغیره ، ولو أن جمیع المصروفات متداخلة فی بعضها إلى حد کبیر
ویلاحظ أن مبدأ التخصیص روعى بدقة تامة فیما یتعلق بتخصیص حصیلة الزکاة لتحقیق أهداف الضمان الإجتماعی والدعوة إلى الله ، فلم یقتصر الأمر على مجرد تقدیر موازنة ملحقة بموازنة الدولة ، ولکن جرى المر على تخصیص موازنة مستقلة تماماً من الناحیتین الإداریة والمالیة عن موازنة الدولة ، بل إن التخصیص روعى من ناحیة أخرى ، إذ یختص کل أقلیم من أقالیم الدولة الإسلامیة بموارده ، أخذا بمبدأ اللامرکزیة ، وإذا حدث عجز فی موازنة إقلیم ما ، یسدد هذا العجز من موازنة الدولة العامة .
ویمکن القول أن بیت المال وحدة واحدة ، ترد إلیه کل الموارد وتخرج منه کل المصروفات حسبما تقتضی الحاجة ، وذلک أن الله سبحانه وتعالى لما بین مصارف الصدقات فی آیة التوبة ذکر فیها : (وفی سبیل الله ) ولما ذکر مصارف خمس الغنائم فی سورة الأنفال بدأها بقوله : ( فإن الله ) ولما بیّن مصارف الفئ فی سورة الحشر قال : ( وما أفاء الله على رسول من أهل القرى فلله ) فالمواضیع الثلاثة التی ذکرت فیها وجوه الصرف فی القرآن الکریم ذکر فیها( فی سبیل الله ) و ( فإن الله ) و ( فلله ) والذی یؤخذ من هذا أن الصدقات وخمس الغنائم والفئ تشترک فی أنها یصرف منها فی سبیل الله ، ولله .
والمراد من الصرف فی سبیل الله ولله الصرف للمصلحة العامة ، التی لا یختص فرد واحد بها ، نسبت إلى الله لتکون جمیع الموارد مشترکة فی أن یصرف منها للمصلحة العامة ، غیر أن کل آیة من آیات المصارف لما نصت على المصلحة العامة خصت بالذکر بعض أفراد هذه المصالح لفتاً للنظر إلیها وتنبیهاً على رعایتها ، لذلک لا یوجد تباین بین المصارف المالیة التی ذکرت فی القرآن الکریم للصدقات وخمس الغنائم والفئ ، ولا یوجد فی النصوص ما یمنع الجمع بین أفراد هذه الموارد وتوجیهه فی مصالح الدولة العامة ، مع مراعاة البدء بالأهم منها وعدم التفریط فی أی نوع ممن خصه الله سبحانه وتعالى بالنص علیـها فی الآیات .
وکذلک لا یعنی تفسیر ( فی سبیل الله ) بأن المراد بها المجاهدون فی سبیل الله ، أو ما یشمل الجهاد والحج فقط ، بل إن کل ما یصرف فی المنافع العامة وفیما تقتضیه حاجات الأمة هو فی سبیل الله .
ویذهب عدد من الکتاب إلى ضرورة اتباع مبدأ التخصیص کقاعدة عامة ، أی بالنسبة الى کافة الموارد بهدف زیادة الإفادة من المال العام ، ویمکن فی هذا الصدد تخصیص الضرائب المباشرة لمصروفات تسییر المرافق العامة ، وذلک لیهتم دافعوا الضرائب بهذه المرافق ، ولیعملوا أیضاً على المطالبة برفع مستوى ما تقدمه الدولة من خدمات ، وأن تخصص الضرائب غیر المباشرة للمصروفات الأخرى ، وبالذات إعانات الصناعات والإنتاج التی تمنح فی بعض فروع الإنتاج الضروری للطبقات الفقیرة حتى تحقق الضرائب غیر المباشرة نوعاً من التوازن بین الفئات المختلفة فی المجتمع . وتخصص حصیلة القروض للمصروفات الاستثماریة حتى یشترک المستفیدون من هذه المشروعات المستقبلیة فی تحمل بعض تکالیفها.وخلاصة القول أن الخروج عن مبدأ عمومیة الموازنة لا یضر المصلحة العامة ولا یؤدی إلى اسراف فی الموارد العامة للدولة ، لأن الهدف المشترک واحد فی کلتا الحالتین .
ث _ توازن الموازنة :
یقصد بتوازن الموازنة ، أن تکون المصروفات العامة متساویة مع الموارد العامة المحصلة من الضرائب والرسوم وموارد الدولة الخاصة ، بحیث لا تزید المصروفات العامة على الموارد العامة .
ویترتب على ذلک أنه یجب تغطیة المصرفات العامة بموارد عادیة . فلا یجب الاعتماد على تغطیة هذه المصروفات بموارد غیر عادیة کالقروض . وینبغی ألا تزید المصروفات العامة على الموارد العادیة ، والإ أدى هذا الأمر إلى وجود عجز فی الوازنة .
إلا أن بعض الکتاب یرى أن الفکر المالی الحدیث یضحى بهذا المبدأ . بل یعدّ العجز أمراً ضروریاً ومحبذاً فی بعض الأحیان .
وقد کان الفکر المالی الإسلامی قد بین العمل على توازن الموازنة ، وذلک أن الرسول صلى الله علیه وسلم کان عندما یجد نفسه مضطراً للصرف باکثر من الموارد ، أی یجد نفسه مضطراً لإحداث عجز فی الموازنة ، فإنه یتلافى هذا العجز بتحصیل مورد مقدم قبل حلول میعاد استحقاقها ، کما فعل الرسول صلى الله علیه وسلم بتعجیل صدقة سنتین من عمه العباس رضی الله عنه .
وعندما کثرت الأموال فی عهد عمر بن الخطاب رضی الله عنه نتیجة الفتوحات الإسلامیة وزیادة الموارد ، حصل فائض فی بیت المال یزید على المصروفات مما أدى إلى حدوث اختلاف فی الرأی بین الفقهاء ، فیما هو حکم هذا الفائض ، وذهب الإمام الشافعی إلى أنه یقبض عن أموال من یعم به إصلاح المسلمین ولا یدخر لان النوائب تعین فرضها علیهم إذا حدثت ، أما الإمام أبو حنیفة فیرى أن یدخر الفائض فی بیت المال لما ینوب المسلمین من کوارث ، ومعنى ذلک أن الشافعی یذهب إلى ضرورة إحداث توازن فی الموازنة ، فی حین یرى أبو حنیفة أن الفائض یستخدم کاحتیاطی لسنوات العجز .
وانطلاقاً من هذه الأحکام یمکننا القول أن الفکر المالی الإسلامی وضع نواة نظریة موازنة للدورة الاقتصادیة ، وهی التی تقتضی أن یحجز من الموارد العامة العادیة دون الصرف فی فترة الرخاء ، مما یترتب علیه حدوث فائض یستخدم کاحتیاطی مالی لدى الدولة تستخدمه للصرف منه لتعویض العجز فی موازنات فترات الکساد کما ذهب أبو حنیفة .
وخلاصة القول أن زیادة الموارد على المصروفات ظاهرة ممتازة تدعم اقتصادیات الدولة وتحمیها من فقدان توازنها المالی وسیادتها فی حالة التجائها إلى القروض الخارجیة التی أصبحت الیوم عبئاً ثقیلاً على شعوب الدول الفقیرة .
ج_ تبویب الموازنة :
یعدَّ التبویب أحد المراحل الهامة فی تحضیر الموازنة بشکل عام ، وهو عبارة عن تصنیف البیانات الخاصة بنشاط أو حساب معین ، ثم تجمع الحسابات المتشابهة فی مجموعات فرعیة ورئیسة ، فالموارد یعتمد فی تبوبیها وتقسیمها إلى أبواب ، ثم تقسم هذه الأبواب إلى فصول وبنود تبین المفردات التفصیلیة التی یشملها کل باب بحیث یمکن دراسة التقدیرات الخاصة بکل نوع وتحدید المتحصلات الفعلیة من کل منها خلال السنة المالیة ، فضلاً عن دراسة التغیرات التی تطرأ على أنواع الموارد من سنة لأخرى .
وتوجد أسالیب متعددة فی تبویب الموارد حتى أن بعض الدول یشتمل قانون الموازنة فیها على المبادئ الأساسیة التی بموجبها یتم تقدیر الموارد .
أما بالنسبة لتبویب المصروفات فهناک عدة طرق لتبویبها ، ویهدف کل منها إلى أغراض متنوعة لها أسبابها ومبرراتها ومن أهمها ما یأتی :
1- التبویب على أساس طبیعة النفقة :
تنقسم المصروفات تبعاً لاختلاف وظائف الدولة ، ولذلک سمى هذا التقسیم بالتقسیم الوظیفی ، وقد درج کثیر من الکتاب على التمییز بین ثلاث مجموعات کبیرة متجانسة من الوظائف تقسم تبعاً لها المصروفات العامة وهی :
أ-مصروفات الخدمات العامة :
وهذه تشتمل المصروفات الخاصة بتسییر المرافق العامة بکیان الدولة مثل : الإدارة العامة ، والدفاع والأمن ، ونحوه ، وتسمى هذه المصروفات السیادة . لان هذه المصروفات تنفقها الدولة صاحبة السیادة ، أما الدولة الإ سلامیة فکانت تهتم بالمصروفات العسکریة ، وذلک بسبب ما کان یحیط بالدعوة الإسلامیة من أعداء . سواء فی داخل الدولة أو فی خارجها ، وهو أمر اقتضى الاحتفاظ بجیش قوى مزود بالعتاد اللازم ، فضلاً عن اضطرار الدولة إلى خوض الکثیر من الحروب سواء فی ذلک مع العرب أنفسهم فی أول الدعوة المحمدیة أم مع الفرس والبیزنطیین بعد ذلک ، وقیام الحرب الأهلیة التی نشبت أیام علی بن أبی طالب کرم الله وجهه
ویمکننا أن نستنتج مما سبق أن بعض مصروفات السیادة هی مصاریف الزکاة ، ومن هذه مصاریف أجور " العاملین علیها" الذین یقومون بجمع الزکاة من الناس ودفعها لولی الأمر ، وکذلک الذین یقومون بتقسیمها على المستحقین ، وهی تعد مصروفات إداریة ، کذلک مصروفات المحاربین والمرابطین فی میدان الحرب والثغور .
ب-مصروفات الخدمات الاجتماعیة .
وتشمل المصروفات التی تحقق التنمیة الاجتماعیة للأفراد مثل : مصروفات الضمان الاجتماعی والإسکان والتعمیر والثقافة العامة والصحة فتقوم الدولة بالصرف على هذه الخدمات من مواردها العامة ، أما فی الدولة الإسلامیة ، فان المال هو مال الله ، وإن البشر مستخلفون فیه ، وإن الإسلام هو دین التکافل الاجتماعی الذی یؤمن لکل فرد فی المجتمع أیا کانت جنسیته أو دیانته أن یحیا حیاة کریمة مطمئنة ، لکل ذلک ألزم التشریع الإسلامی للدولة أن تکفل لکل فرد حیاة کریمة ، وعدَّ ذلک الحد الأدنى من المستوى اللائق للمعیشة فی المجتمع إسلامی ، فإن عجز عن ذلک لسبب خارج عن إرادته کمرض أو عجز أو شیخوخة ، انتقلت مسؤولیة ذلک إلى بیت مال المسلمین وعلى الإمام أن یتقی الله فی صرف الأموال إلى المصارف المنصوص علیها " فلا یدع فقیراً إلا أعطاه من الصدقات حتى یغنیه وعیاله ، وإن احتاج عدد من المسلمین ولیس فی بیت مال المسلمین من الصدقات شیء ، أعطى الإمام ما یحتاجون إلیه من بیت الخراج ( ).
ولا تقتصر صور الضمان الإجتماعی على تأمین الفقراء والمساکین بضمان حیاة کریمة ، بل تتعدى إلى صور أخرى مثل : تأمین الأطفال ، واللقطاء ، وتامین البطالة ، وسد حالة الفقیر العاجل ، وکثیراً ما أعطى الفقیر ما یمکن تسمیته برأس مال لیبدأ تجارةً ما وینمیها . ویضیف أحد العلماء إلى ذلک سائر ما لابد منه على ما یلیق بحال المحتاج من غیر إسراف ولا تقتیر لنفس الشخص ولمن هو فی نفقته .
کما أن الدولة الإسلامیة اهتمت منذ نشأتها بالتعلیم وتشجیعه والدعوى إلى تحصیله ، فقد حرص رسول الله صلى الله علیه وسلم على تعلیم الصحابة الکتابة وإرسال البعثات لتعلیم اللغات وبعض الصناعات الحربیة .
وفی عهد عمر بن الخطاب رضی الله عنه کثرت الفتوحات وأسلمت الأعاجم وأهل البادیة فأمر ببناء بیوت المکاتب ونصب الرجال لتعلیـم الصبیان وتأدیبهم .
ت- مصروفات الخدمات الاقتصادیة :
وهی تلک الخدمات التی تقوم بها الدولة لتحقیق أهداف اقتصادیة ، ویدخل فیها الاستثمارات التی تستهدف تزوید الاقتصاد القومی الأساسیة لتحقیق التنمیة وذلک مثل : بناء الجسور وشق الترع ، وتامین میاه الری ، والشرب ، وربط الوطن بشبکة مواصلات قومیة
ویذهب أحد الباحثین ویقول : " وما جباه الإمام من الخراج ، وما أهداه أهل الحرب إلى الإمام والجزیة ، وما أخذ منهم من غیر حرب تصرف فی مصالح المسلمین ، فتسد بها الثغور وتبنى فیها القناطر والجسور ..."
فضلاً عن ذلک فقد أولى الفکر المالی الإسلامی أهمیته إلى ضرورة الإنفاق على التنمیة الاقتصادیة ، ویقول فی هذا : " إذا جاء قوم من أهل خراجهم ، وذلک أن فی بلادهم أنهاراً عادیة قویة وأرضین کثیرة غامرة ، وأنهم ان استخرجوا لهم تلک الأنهار واحتفروها ، وأجرى الماء فیها عمرت هذه الأرضون الغامرة وزاد فی خراجهم ، أن یامر بحفر تلک الأنهار ، وجعل تلک المصروفات من بیت المال لان فی ذلک مصلحة لأهل الخراج فی أراضیهم وأنهارهم " .
2- التبویب على أساس النطاق الإقلیمی :
یعتمد هذا التبویب على أساس النطاق الإقلیمی لسریان المصروفات العامة ومدى استفادة أفراد المجتمع منها ، أو سکان إقلیم معین داخل الدولة من هذه النفقة ، ومن ثم یمکن تقسیم المصروفات إلى : مصروفات قومیة هی التی تقوم الحکومة المرکزیة أو الحکومة الاتحادیة بصرفه ، ویحتمل عبئهُ مجموع المواطنین عن طریق الموازنة العامة للدولة ، ویعود نفعه على کافة أفراد المجتمع مثل : مصروفات الدفاع الخارجی والتمثیل السیاسی أما المصروف المحلی فهو الذی تصرفه الولایات أو أقالیم الدولة ، ویتحملها فی الغالب سکان الولایة أو الإقلیم نفسه ، ویعود نفعه على هؤلاء السکان مثل :المصروفات الخاصة بتوزیع المیاه ، والکهرباء ، والمواصلات داخل الإقلیم
وتختلف الدول فیما بینها من حیث توزیع المرافق العامة بین الدولة والهیئات المحلیة ، ویرجع ذلک إلى ظروف تاریخیة وسیاسیة واقتصادیة واجتماعیة وجغرافیة خاصة لکل دولة فی فترة معینة
وتقوم المالیة الإسلامیة فی صدر الإسلام على أساس اللامرکزیة . فتوجد فی کل إقلیم بیت مال خاصاً به الى جوار بیت المال المرکزی الموجود بمقر الخلافة . بحیث یتولى المال المحلی کافة مهام بیت المال فی نطاق الإقلیم الذی یتبعه ، فهو یتولى الصرف على جند المسلمین بالولایات ، والمصروفات الاستثماریة والاجتماعیة وسائر المصروفات المقررة فی الاسلام فإن بقى فائض من موارده أرسل إلى بیت المال المرکزی بعد استبعاد جزء کاحتیاطی یستخدم فی حالات الطوارئ ، وإن لم یبق شیء من هذه الموارد واحتاج الإقلیم إلى معونة بیت المال المرکزی کان علیه إعانته .
والحکمة من ذلک هو أن یختص کل إقلیم بموارده مادام فی حاجة إلیها بدون أن تستأثر بها عامة الخلافة ، والجدیر بالذکر أن الأخذ باللامرکزیة فی الدولة الإسلامیة بدأ فی عهد عمر بن الخطاب رضی الله عنه عندما زادت الموارد العامة للدولة ، وتعددت المصالح العامة ، فاتخذ عمر رضی الله عنه إلى جانب بیت المال العام بیت مال خاص لکل ولایة من ولایات الدولة الإسلامیة .
ذکرنا سابقاً أن الزکاة هی الفریضة المالیة المحلیة التی یختص بحصیلتها کل إقلیم ، فهی تؤخذ من المکلفین فی اقلیم معین ، وتنفق على المسلمین فی داخل ذلک الإقلیم التی تجبى فیه الزکاة ، ولا یجوز لولی الأمر صرف حصیلتها على إقلیم آخر غیر ذلک الذی جمعت فیه إلا فی ظروف معینة . وهذا ما یجمع علیه الفقهاء بالنسبة لزکاة الأنعام والزروع والثمار .
أما زکاة النقدین فقد اختلف الفقهاء فی شأنها ، وإن کان الرأی الراجح هی أنها تتبع المال لا المالک بمعنى أن حصیلتها تصرف داخل الإقلیم . وسند الفقهاء فی ذلک سنة رسول الله (ص) وخلفائه الراشدین . اذا إن الرسول (ص) لما أرسل عماله وولاته إلى الأقالیم لجمع الزکاة ، وامرهم أن یأخذوها من أغنیاء البلد ثم یرودها على فقرائه . فقد أرسل علیه الصلاة والسلام معاذ بن جبل إلى الیمن وأمره أن یاخذ الزکاة من أغنیائهم ویردها على فقرائهم ، ونفذ معاذ وصیة الرسول علیه السلام ، ففرق الزکاة على المستحقین من أهل الیمن ، بل فرق زکاة کل إقلیم على المحتاجین منه خاصة .
ویدل على ذلک مارواه أبو عبید بقوله :" اخبرنی خالد أن عمر بن العاص بن شعیب أخبره : أن معاذ بن جبل لم یزل بالجند ، إذ بعثه رسول الله (ص) إلى الیمن حتى انتقل الرسول علیه السلام إلى الرفیق الأعلى وأبو بکر رضی الله عنه ، ثم قدم على عمر ، فرده على ماکان علیه.فبعث معاذ بثلث صدقة الناس ، فأنکر ذلک عمر ، وقال :
لم ابعثک جابیاً ولا آخذ جزیة ، ولکن بعثتک لتاخذ من أغنیاء الناس فتردها على فقرائهم .
فقال معاذ ما بعثت إلیک بشیء وأنا أجد أحداً یأخذه منی . فلما کان العالم الثانی بعث إلیه بها کلها ، فراجعه عمر بمثل ماراجعه من قبل ، فقال معاذ : ماوجدت أحداً یأخذ منی " ( ) .
ویستفاد مما سبق أن الأصل فی الزکاة توزیعها فی بلد المال الذی فرضت فیه الزکاة وإقرار عمر رضی الله عنه بما عمل معاذ وبعد مراجعته دلیل على جواز نقل الزکاة وتوزیعها فی بلد آخر ، أذا لم یوجد من یستحقها فی بلدها الأصلی .
3- التبویب على أساس الانتظام
یمکن تقسیم النفقات العامة من حیث انتظامها إلى :
مصروفات عادیة . وهی تلک التی تکرر کل عام بصورة منتظمة ودوریة وتستخدم لإشباع حاجات دائمة للدولة ، فهی مصروفات یمکن توقعها مثل : الرواتب ، والخدمات ، ومصروفات المرافق العامة .
أما المصروفات غیر العادیة فهی المصروفات التی لا یمکن تقدیرها سلفاً مثل إصلاح آثار الکوارث والأزمات والحروب .
وترجع أهمیة هذا التبویب إلى أن المصروفات العادیة یجب تغطیتها بموارد عادیة کالضرائب والرسوم وموارد أملاک الدولة الخاصة إلخ ، أما المصروفات غیر العادیة فهی تبرر الالتجاء إلى القروض فی حالة عدم کفایة الموارد العادیة ، کما أن المصروفات غیر العادیة تبرر وضع موازنة غیر عادیة منفصلة عن موازنة الدولة ، وکذلک یمکن تمویلها من مصادر غیر عادیة .
وفی المجال نفسه یمکن تبویب المصروفات فی الدولة الإسلامیة من حیث تکرارها إلى مصروفات عادیة ومصروفات غیر عادیة ، فالأولى وهی التی تتمیز بصفة الانتظام والدوریة مثل : مصروفات المرافق العامة ، کالدفاع والأمن الداخلی ، والعدالة والضمان الاجتماعی ، وتغطى هذه المصروفات من مصادر عادیة تشمل اساساً الخراج ، والجزیة والعشور ، وتغطى مصروفات الضمان الاجتماعی بصفة أساسیة من الزکاة ، والثانیة لا تتمیز بالانتظام والدوریة نظراً لعدم إمکانیة توقیعها مثل : مصروفات الحروب والأوبئة والفیضانات وتغطی من القروض
التبویب فی صدر الإسلام
ذکرنا أن الدول تختلف فی تقسیم المصروفات العامة التی تسیر بمقتضاها فی موازناتها . ویرجع هذا الاختلاف إلى اعتبارات تختلف عن الاعتبارات العلمیة .
وفی الدولة الإسلامیة نجد أن الاعتبارات الدینیة أثرت تاثیراً ملموساً فی التبویب المعمول به للمصروفات العامة ، هذا فضلاً عن تبنی هذه الدولة لمبدأ تخصیص موارد معینة لتغطیة مصروفات معینة . ونتیجة لهذه الوضعیة قسم بیت المال إلى أقسام مستقلة ، یختص کل قسم بموارد معینة تنفق على مصروفات معینة على النحو التالی :
أ- بیت مال الزکاة :
وتلحق بیت مال الزکاة العشور التی تؤخذ من المسلمین ، ویتم الصرف من هذا البند إلى أصحاب الاستحقاق الذین ذکرهم الله فی آیة الصدقات فی سورة التوبة
ب- بیت مال الغنائم :
ویلحق بهذا البیت خمس الغنائم والمعادن والرکاز ومصرف هذا البیت بینته آیة الغنائم فی قوله تعالى فی سورة الأنفال
ت- بیت مال الفن :
ویلحق بهذا البیت مال الخراج والجزیة والعشور التی تؤخذ من أهل الذمة وأهل الحرب ومصرفه إشباع کافة الحاجات العامة للمسلمین مثل : رواتب الولاة ، والقضاة ، وأهل الفتوى من العلماء والمقاتلین ، ورصف الطرق وعمارة المساجد والقناطر والجسور وسد الثغور وما شابه ذلک .
بیت مال الضوائع :
ویلحق بهذا البیت الأموال التی لا مالک لها ، ومنها الأموال التی لاوارث لها واللقطة ونحوها ، ومصرفه یخصص للفقراء والمساکین . یداوی منه مرضاهم ویکفن موتاهم وینفق علیهم منه
ونستخلص مما سلف أنه لا یوجد تناقض جوهری فیما سلکته الدولة الإسلامیة فی تبویب موازنتها العامة من حیث الموارد والمصروفات .
وعلى ضوء أسالیب التبویب المختلفة التی بحثناها آنفاً یمکننا أن نضع نموذجاً للموازنة العامة الإسلامیة فی صدر الإسلام وکذلک للموازنة التی خصصت للمصروفات التی أشار الیها القرآن الکریم فی آیاته الشریفة وبینتها السنة المحمدیة .
المطلب الثالث
اعتماد الموازنة
إذا ما أرید أن تکون الموازنة صحیحة تعکس حقیقة الحاجات العامة للدولة ، یجب أن یسهم فی اعدادها معظم أصحاب العلاقة .
وقد تنازعت السلطتان التشریعیة والتنفیذیة لمدة طویلة أمر الصلاحیات المتعلقة بإعداد الموازنة ، ویعود هذا التنازع إلى أن السلطة التشریعیة ترى أن الموازنة قانون ، وانها تتضمن الأعباء المفروضة على المواطنین ووجوه الإنفاق ، وهی أمور لا یجوز معالجتها إلا من قبل الشعب ، وترى السلطة التنفیذیة أن الموازنة تشکل برنامج عمل ، هی مسئولة عن تنفیذه ، فلا بد لها من وضعه أو الإسهام على الأقل فی إعداده
ویذهب آخر إلى أن إعداد الموازنة هو عمل حسابات من أعمال المحاسبة العام وتشترک فیه مختلف دوائر الدولة تحت اشراف وزیر المالیة ، ویتم العمل وعلى وفقً اصول المحاسبة المحددة فی القانون .
ویلاحظ أنه لا یجوز أن تنفرد سلطة دون غیرها بفرض الضرائب وتحدیدها إلا بموافقة البرلمان وهذا ما عرفته الدولة الإسلامیة اذ کانت تأخذ موافقة أهل الشورى والرأی من الصحابة رضی الله عنهم فی فرض الخراج والعشور ، وهذا الإجراء یماثل المبدأ المعمول به فی الدولة الحدیثة الذی یقوم على ضرورة موافقة ممثلی الشعب على تقدیر الضرائب وعلى کیفیة صرف حصیلتها ویؤکد ذلک قول الله تعالى : (وَالَّذِینَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَیْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنفِقُونَ)
وتقوم السلطة التشریعیة فی الدول الدیمقراطیة باعتماد الموازنة ، وذلک عن طریق اکتساب البرلمان لذاته السلطة تدریجیاً ، وتم ذلک نتیجة تطور تاریخی إلى أن انتهى بضرورة موافقة البرلمان على فرض الضرائب ، ثم تبع ذلک ضرورة مراقبة البرلمان للصرف العام ، ومن ثم أصبح من الضروری اعتماد الموازنة
ویقابل موافقة السلطة التشریعیة على اعتماد الموازنة فی الدولة الحدیثة موافقة أهل الشورى والرأی فی صدر الإسلام ، ومما یدل على ذلک تعیین مرتبات الخلفاء کأبی بکر وعمر والصحابة رضی الله عنهم جمیعاً ، وإعادة النظر فی مقدارها کان بناء على الشورى بین الصحابة رضی الله عنهم ، لان الأصل فی أموال الشعب الحرمة . فإن کانت الحاجة والمصلحة توجب أخذ بعض المال من صاحبه وتکلیف الناس أعباء مالیة ، فهذا أمر خطیر لا یصح البت فیه إلا بالشورى ، فهم الذین یستطیعون مراعاة الشروط فیتبینون وجوه الحاجة إلى المال ، ویعرفون کفایة الموارد الأخرى أو عجزها . فهم الذین یضعون من التنظیم ما یکفل توزیع أعباء الموارد المالیة بین الرعیة بالعدل ، ثم یراقبون صرف الحصیلة التی تجبی ، ویؤید هذا قوله تعالى فی سورة الشورى ، وهذا ما حصل فعلاً بصورة قطعیة عندما فرض عمر بن الخطاب رضی الله عنه الخراج والعشور
والجدیر بالذکر أن الله سبحانه وتعالى فرض الزکاة على المسلمین وحدد أوجه مصارفها وبین الرسول صلى الله علیه وسلم تفاصیلها .. هذه أحکام الهبة لا تعتمد على إذن أو إجراء من أهل الشورى ، ولا یملک هؤلاء أو غیرهم حق الغائها أو التعدیل فیها ، أو التعدیل فی مصارفها ، ومن هنا یمکن أن نطلق علیها الموارد الدائمة ، وفیما عدا ذلک لابد من الحصول على موافقة أهل الشورى
المطلب الرابع
تنفیذ الموازنة
بعد اعتماد الموازنة من قبل البرلمان ، تقوم السلطة التنفیذیة باتخاذ لإجراءات إداریة لتحصیل الموارد الواردة فی الموازنة حتى تتمکن من القیام بالصرف على المصالح العامة للدولة .
والطریقة المثالیة لتنفیذ الموازنة هی الالتزام بما ورد فی قانون الموازنة ، وذلک احتراماً وصوناً لرغبة السلطة التشریعیة . وفی نفس الوقت یجب أن تعطى الموازنة المرونة لکافة المستویات الإداریة
ویلاحظ أنه فی عهد الرسول صلى الله علیه وسلم کانت تصرف موارد الدولة فی وقتها
ومازاد عن ذلک ولم تکن هناک حاجة ماسة إلیه یحفظ فی بیت المال ، وکذلک الحال فی عهد ابی بکر رضی الله عنه
أما عندما کثرت الأموال فی عهد عمر رضی الله عنه أنشا الدیوان وکان یقید فیه کل موارد الدولة وأوجه مصارفها
وکانت أجهزة الدولة الإسلامیة تعمل باسلوب اللامرکزیة فی الشؤون المالیة ، وهو النظام الأمثل الذی لم تستطیع الدول الحدیثة تطبیقه حتى الیوم .
المطلب الخامس
الرقابة على تنفیذ الموازنة
تعد الرقابة على تنفیذ الموازنة من الأمور الهامة فی کافة الدول ، نظراً لاهمیتها فی ضمان عدم خروج الحکومة عن الحدود التی رسمتها السلطة التشریعیة ، ولذا تلجأ کثیر من الدول إلى إنشاء أجهزة خاصة للرقابة على تنفیذ الموازنة الى جانب الرقابة الإداریة التی تتولاها السلطة التنفیذیة نفسها ، والرقابة البرلمانیة التی تقوم بها السلطة التشریعیة
وقد تنوعت صور الرقابة فی الفکر الإسلامی وهی تشمل على الأنواع التالیة :
1- الرقابة الذاتیة :
جعل الإسلام من کل انسان رقیباً على نفسه یحاسبها على ماصدر منها من أفعال ، لان الله سبحانه وتعالى یراقب سلوک الإنسان لقوله تعالى (یَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْیُنِ وَمَا تُخْفِی الصُّدُورُ ) وقوله تعالى ایضاً : (یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً کَثِیرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِی تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ کَانَ عَلَیْکُمْ رَقِیبًا ) لذلک فلا غرو أن اعتبر الفکر الإسلامی الرقابة الذاتیة من الوسائل الفعالة على الصرف العام .
فقد نهى الإسلام عن الخیانة فی کافة صورها لقوله تعالى : (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِکُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) وتوعد سبحانه وتعالى من یختلس شیئاً من المال العام بالعذاب الألیم بقوله تعالى : (وَمَا کَانَ لِنَبِیّ أَن یَغُلَّ وَمَن یَغْلُلْ یَأْتِ بِمَا غَلَّ یَوْمَ الْقِیَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى کُلُّ نَفْسٍ مَّا کَسَبَتْ وَهُمْ لاَ یُظْلَمُونَ )
وجاء فی السنة الشریفة : قال رسول الله صلى الله علیه وسلم : " من استعملناه منکم على عمل ، فکتمنا مخیطاً فما فوقه ، فهو غلول یأتی یوم القیامة ، فقام رجل من الأنصار أسود ، کأنى أنظر إلیه فقال : یا رسول الله ، أقبل عنک عملی ، قال : وما ذلک ؟قال سمعتک تقول کذا وکذا ، فقال رسول الله صلى الله علیه وسلم : وأنا أقول الآن ، الا من استعملناه على عمل فلیجئ بقلیله وکثیره ، فما أعطى منه أخذ ، وما نهى عنه انتهى
ولکی تحقق الرقابة الذاتیة بصورة فعالة ، حرص الإسلامی على اشتراط ضرورة توافر شروط معینة فی اختیار العاملین على جبایة وصرف المال العام ، ومن هذه الشروط : حسن السیرة ، والامانه ، وخشیة الله سبحانه وتعالى .
2- الرقابة الإداریة :
تتمثل الرقابة الإداریة فی الدولة الحدیثة فی رقابة الرؤساء من موظفی الحکومة على مرؤسیهم ، کما تقوم وزارة المالیة بالرقابة على المال العام ، أو أجهزة المحاسبة على مختلف الوزارات والمصالح الحکومیة عن طریق الموظفین التابعین لها فی کل وزارة ، وقد تکون هذه الرقابة أثناء تنفیذ الموازنة . أو بعد تنفیذها
وقد عرفت الدولة الإسلامیة الرقابة الإداریة فی تنفیذ الموازنة ، وذلک عن طریق محاسبة عمال الجبایة على ما قاموا بتحصیله من موارد عامة یناط بهم تحصیلها ، فیلزم أن یقدم عمال الخراج حساباً دقیقاً ، ویجب على کاتب الدیوان محاسبتهم على صحة ما قدموه ، وکذلک عمال العشور ، ویؤکد هذا ما رواه الماوردی بقوله : إن على کاتب الدیوان محاسبة العمال ، وذلک لأنه یرى ان مصرف الخراج والعشر مشترک
وقد کان عمر بن الخطاب رضی الله عنه یتبع طریقة مبتکرة فی الکشف عن عماله ، فکان یطلب حضور العمال والولاة کل عام فی موسم الحج للمحاسبة والمراجعة ، ویسال الناس عن أحوالهم ، وکان یبحث معهم شؤون رعیتهم ، ویرسم لکل منهم سیاسة خاصة بولایته
ولضمان عدم امتداد أیدی العمال إلى أموال المسلمین بغیر حق ذهب الفقه المالی الإسلامی لإلى ضرورة منح العمال ما یکفیهم من مرتبات ، وقد اشار الى ذلک أبو یوسف فقال :
" حدثنی محمد بن ابی حمید قال : حدثنا اشیاخنا أن أبا عبیدة بن الجراح قال لعمر بن الخطاب رضی الله عنه ، دنست أصحاب رسول الله صلى الله علیه وسلم ، فقال له عمر : یا ابا عبید وإذا لم استعین بأهل الدین على سلامة دینی فبمن أستعین ؟ قال : أما إن فعلت فأغنهم بالعمالة عن الخیانة "
وروى أبو یوسف أیضاً : أن عمر بن الخطاب رضی الله عنه لجا إلى طریقة لمراقبة العمال فی الصرف تعتمد على مظاهرهم الخارجیة ، فقد کان یستخلص من هیئتهم ولباسهم وطعامهم دلیلاً على مدى میلهم للإسراف فی الصرف من عدمه ، فاذا وجد لدیهم میلاً للإسراف عزلهم ، وأعطاهم درساً ینتفعون به فی مستقبل حیاتهم .
3- الرقابة الشعبیة :
هی الرقابة التی یفرضها الشعب المسلم على ولی الأمر ومن یعاونه على أساس أن الإمام یستمد سلطانه من الشعب فی الإسلام ، إذ إن الخلافة عقد بین الإمام والمسلمین یرتب لطرفیه حقوقاً والتزامات ، کما جاء فی الحدیث الشریف : " من رأى منکم منکراً فلیغیره بیده ، وإن لم یستطیع فبلسانه وإن لم یستطع فبقلبه وهذا أضعف الإیمان "
لذلک کان واجباً على کل فرد من أفراد المسلمین أن یکون رقیباً على أعمال الغیر ، ویقاوم الأفعال والأعمال التی حرمها الله ونهى عنها رسول الله صلى الله علیه وسلم .
کان الرسول علیه الصلاة والسلام یستمع إلى أخبار العمال من الوفود الشعبیة التی تصل المدینة المنورة من جهة ولایته ، ویحقق فیما ینقل إلیه من أخبار عماله ، وقد قام بعزل العلاء بن الحضرمی والیه على البحرین ، بعد استماعه لوفد عبد القیس ، وولى مکانه أبان بن سعید .
فقد ذکر أبو یوسف أن عمر بن الخطاب رضی الله عنه خطب فی الناس قائلاً أیها الناس إنه لم یبلغ ذو حق فی حقه أن یطاع فی معصیة الله ، وإنی لأجد هذا المال ( مال المسلمین ) لا یصلحه الإخلال ثلاث : أن یؤخذ بالحق ویعطى بالحق ، ویمنع بالباطل ... إنما أنا ومالکم کولی الیتیم ، إن استغنیت استعففت وإن افتقرت أکلت بالمعروف ، ولست أدع أحداً یظلم أحداً ولا یعتدی علیه حتى أضع خده على الأرض ، وأضع قدمی على الخد الأخرى حتى یذعن للحق ، ولکم علی أیها الناس خصال أذکرها لکم فتاخذونی بها : لکم علی الأ أجتبی شیئاً من خراجکم ولا مما أفاء علیکم إلا من وجهة ، ولکم علی إذا وقع فی یدی ألا یخرج إلا فی حقه . ولکم علی أن أزید اعطیاتکم وأرزاقکم إن شاء الله وأسد ثغورکم "
ویتبین من هذه الخطبة أن عمر رضی الله عنه وضع دستوراً لجبایة وصرف الأموال العامة التزم به شخصاً ، وطالب الناس بمراقبته فی تنفیذه . کما طالبهم باتباع هذا الدستور .
ومن أمثلة الرقابة الشعبیة فی عهد عثمان بن عفان رضی الله عنه ، أن زید بن الأرقم خازن بیت المال ذهب الى عثمان رضی الله عنه معترضاً على اصداره أمراً بمنح زوج إبنته لیلة زفافه مبلغاً من مال المسلمین ، فقال له عثمان : " اتبکی یا ابن الأرقم لإن وصلت رحمی؟ فقال ابن الأرقم : والله لو أعطیته مائة درهم لکان ذلک کثیراً ، فیغضب عثمان رضی الله عنه ویقول : انک خازن ، فیقول ابن الأرقم ، خازن بیت المال لا خازنک الخاص "
ونستخلص مما تقدم أن الأساس فی الرقابة المالیة الإسلامیة هو العقیدة والایمان ، وقلما نجد هذا النوع من الرقابة فی الأنظمة القدیمة أو الحدیثة ، هذا بالاضافة إلى الرقابة الإداریة والشعبیة اللتان لایقلان شأناً عن الرقابة الذاتیة .
الخاتمة
کان الهدف الأساس من البحث هو ابراز المبادئ العلمیة والأصول المالیة التی تحکم النظام المالی للدولة الإسلامیة .
وقد تبین أن المالیة العامة الإسلامیة تتضمن مجموعة من المبادئ والأصول التی وردت فی القرآن الکریم والسنة ، والتی تتعلق بنشاط الدولة المالی ، وان هذه الأصول والمبادئ غیر قابلة للتعدیل والتغییر . لأنها صالحة لکل زمان ومکان بصرف النظر عن تغیر الظروف . وان کان هذا لا یمنع من وجود مجموعة من الأنظمة الوضعیة والحلول المالیة والتی یتوصل الیها المجتهدون والأئمة فی الدولة الإسلامیة تطبیقاً للمبادئ والأصول الثابتة وإعمالا ، لها والتی یمکن أن تختلف من وقت لآخر ومن مکان لآخر .
ولا یغیب عن الأذهان أن الإسلام بصفته آخر الرسالات الإلهیة أتى بمنهج شامل للحیاة , حتى عباداته جعلها تتصل بتنظیم هذا المنهج وتؤثر فی اتجاهاته تأثیراً مباشراً . ولم ینظم الاسلام السلوک الفردی فحسب . بل نظم السلوک الاجتماعی أیضاً . فاستکمل بذلک هدایة الإنسانیة فی جمیع شؤونها فی الجانب الخاص والجانب العام من سلوک المجتمعات البشریة . ووضع الأصول التی یجب على کل مجتمع إنسانی أن یسیر فی نطاقها ، ثم أطلق لکل مجتمع حریة البناء على هذه الأصول ، والتفصیل والتفریع ، مادام ذلک فی نطاق الأصول العامة . وبعبارة أخرى فتعالیم الإسلام کما نظمت الجانب الروحی فی حیاة البشر ، نظمت بالمثل الجانب المادی ، لأن کلا من الجانبین یؤثر فی الآخر ویتأثر به .
والخلاصة أن المالیة العامة الإسلامیة تتمیز عن المالیة العامة المعاصرة بأنها تتعلق بالجانب الدینی والأخلاقی بالإضافة إلى الجانب المادی . ولا أدل على ذلک من أن أول موازنة عرفت فی الإسلام کانت فی عهد الرسول الکریم ، وأنها کانت موازنة بسیطة غیر معقدة بالشکلیات التی نراها فی العصر الحدیث . کذلک أتضح من دراسة مبادئ تحضیر الموازنة أن الفکر المالی الإسلامی أخذ فی الأصل بمبدأ سنویة الموازنة ، واستثناء خرج على هذا المبدأ اذا اقتضت المصلحة العامة ذلک الاستثناء . کما أنه أخذ بتعدد الموازنات ، فتوجد الموازنة العامة الأساسیة . والثانیة موازنة الضمان الإجتماعی . کذلک أخذ بمبدأ تخصیص موارد معینة لتغطیة مصروفات معینة . على خلاف ماهو متبع فی العصر الحدیث .
أما فیما یتعلق بمبدأ توازن الموازنة ، فقد سبق الفکر المالی الإسلامی الفکر المالی الحدیث فی الأخذ بمبدأ عدم توازن الموازنة . بل یمکن القول أن الفکر المالی الإسلامی وضع نواة نظریة موازنة الدورة الاقتصادیة التی مقتضاها أن یحجز جزءاً من الموارد العامة العادیة دون صرف فی فترة الاکتفاء وعدم الحاجة . وهذا یترتب علیه حدوث فائض فی الموازنة یستخدم کاحتیاطی مالی لدى الدولة تستخدمه عند الحاجة عندما یظهر العجز فی موازنات فترة الکساد
أما من ناحیة تبویب الموازنة على وفق معاییر علمیة . سواء کانت هذه المعاییر اقتصادیة أو غیر اقتصادیة ، أو على أساس النطاق الإقلیمی ، فإن الدولة الإسلامیة تقوم على أساس اللامرکزیة . إذ یوجد فی کل إقلیم بیت مال خاص به الى جوار بیت المال المرکزی الموجود بمقر الخلافة . بحیث یتولى المال المحلی کافة مهام بیت المال فی نطاق افقلیم الذی یتبعه . وایضاً یمکن تبویبها على أساس الانتظام من حیث دوریتها إلى مصروفات عادیة أو غیر عادیة . أو على أساس طبیعة المصروفات ، بحیث تقسم تبعاً لاختلاف وظائف الدولة وتکون فی مجموعات کبیرة متجانسة .
وهذا یصدق على عدة مجالات منها : مصروفات الخدمات العامة ، ومصروفات الخدمات الاجتماعیة ، ومصروفات الخدمات الاقتصادیة . وکان التبویب الوضعی فی الإسلام یخضع لاعتبارات دینیة ، حیث تبنت الدولة الاسلامیة مبدأ تخصیص موارد معینة لتغطیة مصروفات معینة . وهذا الوضع حتم تقسیم بیت مال المسلمین إلى أربعة أقسام .
ویتم اعتماد الموازنة المکونة من الموارد العامة والمصروفات العامة من أهل الشورى والرأی فی الدولة الاسلامیة استناداً إلى النصوص القرآنیة والأحادیث النبویة واجتهاد الصحابة رضی الله عنهم وهذا ما یقابل اعتماد السلطة التشریعیة للموازنة فی الدول الدیمقراطیة .
کما أن الفکر المالی الإسلامی لم یغفل أهمیة الرقابة على الموازنة وتنفیذها . فهناک الرقابة الذاتیة ، والرقابة الإداریة ، والرقابة الشعبیة ، وتنفرد الدولة الإسلامیة بوجود الرقابة الذاتیة فیها . وهی التی تجعل من کل إنسان رقیباً على نفسه یحاسبها على ما صدر منها من أفعال . ولکی تتأکد من هذه الرقابة ، اشترط الفقه المالی الإسلامی ضرورة توفیر شروط تتعلق بحسن السیرة ، والأمانة ، وخشیة الله سبحانه وتعالى فی اختیار العاملین على الأموال العامة .
کما أن الفکر الإسلامی سبق الفکر الحدیث فی تقریر الرقابة الشعبیة التی لم تتقرر فی الدول الا حدیثاً . وبعد صراع مریر بین الشعوب وحکامها .
وعلى ضوء ما تقدم یمکن القول أن الإسلام وضع نظاماً مالیاً متکاملاً لا یقل تنظیماً عن الأنظمة المالیة القائمة فی الدول الحدیثة . إن لم یتفوق علیها فی مجالات عدیدة . وهذا النظام للمالیة یهدف إلى حمایة المجتمع بمقوماته الدینیة والخلقیة والسیاسیة ویحقق انتشار الدعوة الإسلامیة فی الداخل والخارج ، ویرمی الى تحقیق الضمان الاجتماعی بضمان حد الکفایة لکل فرد من أفراد المجتمع ، ویؤدی إلى التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة .
ولا یمنع الإسلام من اختلاف الانظمة المالیة الوضعیة فی الدول الإسلامیة . طالما أنها تصدر تطبیقاً للأصول والمبادئ الثابتة الواردة فی القرآن الکریم ، والسنة الشریفة ، بصفته أن هذه الأصول والمبادئ صالحة لکل زمان ومکان بصرف النظر عن تغییر الظروف .
بینا أن السمة البارزة فی موارد الدولة الحدیثة هی الالتجاء إلى القروض بفوائد ربویة ، الا أن النظام المالی الإسلامی حل هذه الإشکالیة عن طریق المصارف الإسلامیة والمشارکة بالمضاربة .
لذلک نقترح إعادة النظر فی أنظمة الدول الإسلامیة المالیة الوضعیة حتى تتماشى مع ما جاء فی النصوص القرآنیة والسنة المحمدیة . ونورد بعض المقترحات
وذلک بأن تخصص موازنة مستقلة للتکافل الاجتماعی فی کل اقلیم . وتقدم المساعدة والعون للفقراء والمساکین یداً بید ، بل یمکن أن تصرف للمؤسسات والجمعیات التی تقوم بتعلیم الفقراء والیتامى والمساکین ، ویمکن أن یوجه جزء من حصیلة هذه الأموال إلى مشاریع إنتاجیة یعمل بها المعطلون عن العمل .
کما نقترح أن تقوم الدولة الإسلامیة بالتدریج بتحویل المصارف التجاریة التی تتعامل بالفوائد الربویة إلى مصارف إسلامیة تعمل حسب الشریعة الإسلامیة ، والعمل على توسیع انتشارها لتقوم بدور فعال .
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
First: In Arabic
The Holy Quran
B - General Islamic studies
1. The son of Qudama, the singer, C3, the investigation of Mohammed al-Zini, Cairo, 1969, i
2. Abu Obeid, Al-Mu'allim, the door to expediting almsgiving, the investigation of Mohamed Hras, Dar al-Fikr, Cairo, 1981.
3. Abu Obeid, money, the door to provide categories for Muslims, the investigation of Mohamed Hras, Dar al-Fikr, Cairo, 1981
4. Abu Obeid, money, the door of dividing charity in her country, the investigation of Mohamed Hras, Dar al-Fikr, Cairo, 1981.
5. Abu Yusuf, Al-Kharaj, p. 42, al-Tabari, History of Nations and Kings, c.
6. Ahmed Bin Hussein Al-Bayhaqi, Al-Senan Al-Kubra, Hyderabad, c
7. Badawi Abdul Latif, the first budget in Islam, the series of Islamic culture in 1960
8. Georgy Zidane, The History of Islamic Urbanization, Al-Hilal Press, Egypt, 1926, I2, C1.
9. Dr. Ibrahim Fouad, General Agreement in Islam, Cairo, Institute of Islamic Studies, 1973.
10. Dr. Hassan Ezbawi, Islamic Financial Resources and Contemporary Taxation, Cairo, 1976, i
11. Said Hawy, Islam, Wahba Library, Cairo, 1977
12. The Sun of the Imams Muhammad Sahl al-Sarkhasi, al-Mabsout, Dar al-Sa'ada, 1324 AH, c
13. Shawky Shehata, Zakat Accounting and Action, The Anglo-Egyptian Press, 1970, I
14. Tarek Al-Haj, Public Finance, I, Dar Al-Safa for Printing and Publishing, Amman, 1999
15. Abdel-Hai Al-Fassi Al-Katani, Administrative Arrangements, Al-Ahlia Press, Rabat, 1346
16. Abdel Wahab Khallaf, The Legal Policy, Salafi Printing Press, 1350 AH.
17. Muhammad al-Ghazali, Islam and Economic Conditions, 1952, p
18. Mohammed Al-Fangri, Islam and the Economic Problem, The Anglo-Egyptian Library, Cairo, 1972.
19. Mohammed Al-Mubarak, State and the system of Hesba, and Damascus, I 1967.
20. Mohamed Zia El-Din El-Rayes, Al-Kharaj Collection and Inquiry on Tunisian Satisfaction, 1975
21. Muhammad Kurd Ali, Islamic Management in the Ezz Al-Arab, Egypt Press, 1934, I.
22. Mahmoud Nour, Analysis of the Financial System in Islam, Al-Quds Press, Amman, 1978
23. Badawi Abdel Latif, Comparative Financial System in Islam, Publications of the Supreme Council for Islamic Affairs, 1962, p
24. Zakaria Mohammed Bayoumi, Islamic Public Finance, Cairo University Press and University Writers, Cairo, 1979
25. Yusuf Al-Qaradawi, Zakat Jurisprudence,, Al-Resala Foundation, Beirut, 1981, c.
D - Biography, history, translations and dictionaries
1. Glossary of Countries, Volume 2, Volume 4.
2. Saleh Ahmed Ali, The Arab Islamic History, I 9, Baghdad, 1987
3. Abd al-Malik al-Husri, Ibn Hisham, Biography of the Prophet, Dar al-Fikr, c 1
4. Muhammad Jarir al-Tabari, History of Nations and Kings, investigation of Muhammad Ibrahim, Dar al-Maarif, c
5. Izz al-Din al-Shaibani, known as the son of al-Atheer, the full of history, the house of the issued, Beirut
6. Butler, Open the Arabs to Egypt, translated by Mohamed Farid Abu Hadid Egyptian Book House 1933
7. Abd Allah Abdros Al-Jahishari, Ministers and Writers, Al-Saqqa Investigation, Al-Halabi Press, 1938, vol
(D) Letters, papers and symposia
1. Mohammed Al-Azraq, Social Security, Ph.D., Al-Azhar University, 1973.
2. Muhammad Younis Yahya, Preparation of the State Budget, Comparative Study, with Special Reference to Iraq, Master Thesis, Faculty of Law, Mosul University, 2001
3. Arab Center for Administrative Development, Budget Symposium, Tunis, 1983
E. Public financial books and financial legislation
1. Ahmed Jamea, The Art of Public Finance, Dar Al-Fikr Al-Arabi, Cairo, 1904
2. Ahmed Murad, General Accounting in the Syrian Republic, Damascus University Press 1965
3. Gamal Said, The Economics of Public Finance, Al-Bayan Al-Arabi Press, 1963
4. Khattar Shalabi, Public Finance (Budget), Lebanese Printing Press, Beirut, 1965
5. Dr. Adel Faleh Al-Ali, Public Finance and Financial and Tax Legislation, Dar Al-Hamed Publishing and Distribution, Amman, 2003
6. Zakaria Nasr, Evolution of the Economic System, Wahba Library, 1964, i.
7. Atef Sedki, Principles of Public Finance, Dar al-Nahda al-Arabiya, 1969.
8.Abdulkhaliq Al-Nawawi, The Financial System in Islam, The Egyptian Library, Beirut 1973
9. Metwally Al-Gamal et al., Government Accounting, Arab Book Press, Cairo, 1970
10. Hashem al-Jaafari, Principles of Public Finance and Financial Legislation, I 3, Salman Al-Azmi Press, Baghdad, 1967-1968.
11. Halmi Murad, State Budget, Nahdet Misr Press, Cairo, 1957
F) Language
1 - Turquoise, the surrounding dictionary, C3.
References (English)
Second: In foreign language
1. Bastable, C. Public Finance, London, 1917, P.172
2. Milne, J. A History of Egypt under Roma Rule
3. Baynes, n. , the Byzantin Empire, London, PP.
4. Adams H. the science of economics, Henry holtd company NY, 1899, p.104
5. Buck, A., Public budgeting, Herperte & Brothers, N.Y., 1929, p
6. Blough. R., The Federal Taxation Process, Prentice-Hall, N.Y.1952, P35.
7. Hough, D. principals of public finance
8. Willet, J., Management in Public Services P, 229.
9. Mosher, F., P rograms Budgeting Public Adminstration service Chicago 1954, P.48