الملخص
تعد الأمم المتحدة المنظمة الدولیة ذات الاختصاص الأصیل فی ممارسة مهام حفظ السلم والأمن الدولیین ولها فی هذا المجال میزة احتکار استخدام القوة المسلحة وصلاحیات أخرى تمارسها بحسب کل حاله على حدة ، وفی هذا المجال تعمل الأمم المتحدة على التدخل فی مسائل ما بعد الصراعات المسلحة الداخلیة أو مراحل ما بعد الاحتلال لإعادة بناء الدول Nations –Building ، حیث مارست الأمم المتحدة هذا الدور فی بدایة مرحلة الستینیات ویتسم نشاط الأمم المتحدة فی هذا المجال بالتکامل حیث تعمل على إعادة بناء الدولة فی مختلف مفاصلها السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة والثقافیة على وفق معاییر عالمیة تنسجم ومتطلبات النظم السیاسیة الحدیثة وتستند لمرتکزات حقوق الإنسان والحریات الأساسیة
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
دور الأمم المتحدة فی العملیة السیاسیة فی العراق ( دراسة فی ضوء نشاط بعثة یونامی فی العراق )
عبد العزیز رمضان الخطابی کلیة القانون/ جامعة الموصل Abdul Aziz Ramadan al-Khattabi College of law / University of Mosul Correspondence: Abdul Aziz Ramadan al-Khattabi E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 3/10/2006 *** قبل للنشر فی 16/1/2007.
(*) Received on 3/10/2006 *** accepted for publishing on 16/1/2007.
Doi: 10.33899/alaw.2007.160512
© Authors, 2007, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
مقدمة:
تعد الأمم المتحدة المنظمة الدولیة ذات الاختصاص الأصیل فی ممارسة مهام حفظ السلم والأمن الدولیین ولها فی هذا المجال میزة احتکار استخدام القوة المسلحة وصلاحیات أخرى تمارسها بحسب کل حاله على حدة ، وفی هذا المجال تعمل الأمم المتحدة على التدخل فی مسائل ما بعد الصراعات المسلحة الداخلیة أو مراحل ما بعد الاحتلال لإعادة بناء الدول Nations –Building ، حیث مارست الأمم المتحدة هذا الدور فی بدایة مرحلة الستینیات ویتسم نشاط الأمم المتحدة فی هذا المجال بالتکامل حیث تعمل على إعادة بناء الدولة فی مختلف مفاصلها السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة والثقافیة على وفق معاییر عالمیة تنسجم ومتطلبات النظم السیاسیة الحدیثة وتستند لمرتکزات حقوق الإنسان والحریات الأساسیة.
وفی هذا البحث فإننا نعمل على دراسة دور الأمم المتحدة فی بناء العملیة السیاسیة فی العراق ، وسنحاول الترکیز على سیاق بناء العملیة السیاسیة فی العراق دون باقی جهود الأمم المتحدة فی مجالات بناء الدولة المتکاملة ، حیث أثارت مسألة البناء السیاسی فی العراق الکثیر من علامات الاستفهام فی مدى استجابتها لواقع العراق الاجتماعی والسیاسی، وکذلک ما ترکته من افرازات على الحیاة العراقیة قد تمتد إلى مستقبل العراق بشکل طویل الأمد، وهناک أیضاً أهمیة أخرى تتجلى فی عمل الأمم المتحدة جنباً إلى جنب مع قوات الاحتلال فی العراق وهذا العمل جاء بعد حرب تعد خرقا لقواعد القانون الدولی العام ومیثاق الأمم المتحدة.
وسنعمل فی هذا البحث على استسقاء المعلومات من خلال المنشورات والبیانات التی تصدرها بعثة الأمم المتحدة لتقدیم المساعدة للعراق ، وکذلک التقاریر المقدمة من الأمین العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن بشأن المسألة العراقیة ، وقسمنا هذا البحث إلى مبحثین ندرس فی الأول تاریخ الأمم المتحدة مع العراق بعد عام 1991 وموقف الأمم المتحدة من شرعیة الحرب على العراق ، وکذلک القرارات القانونیة ذات الصلة وهیکلیة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق وعلاقتها بسلطة الاحتلال ، وفی المبحث الثانی ندرس دور البعثة فی العراق من خلال دراسة مفاصل الدعم الذی تقدمه فی العراق وکذلک تقویم هذا الدور فی ظل المصاعب التی تعانیها بعثة الأمم المتحدة فی العراق.
المبحث الأول
الأمم المتحدة والحالة فی العراق
نبحث هنا عن اصل العلاقة بین العراق والأمم المتحدة فی مرحلة ما قبل الاحتلال التی تعود إلى العملیات العسکریة العراقیة فی الکویت فی 2/8/1990 ، ولم تنتهِ باحتلال العراق فی 9/4/2003 ، ونتکلم هنا عن تعامل الأمم المتحدة مع العراق إلى لحظة احتلاله ونبحث فی المطلب الثانی کیفیة تعامل الأمم المتحدة مع العراق بعد الاحتلال.
المطلب الأول
الأمم المتحدة واحتلال العراق
نبین فی هذا المطلب تعامل الأمم المتحدة مع العراق فی مرحلة ما قبل العملیات العسکریة وندرس أیضاً شرعیة الحرب على العراق وأخیراً تعامل الأمم المتحدة مسألة احتلال العراق.
أولاً : مرحلة ما قبل العملیات العسکریة
شکل التدخل العسکری العراقی فی الکویت فی آب /1990 ، تداعیات خطیرة على الساحة الدولیة ویعود السبب الرئیس فی ذلک الى حیویة المنطقة واحتوائها على اکبر مخزون نفطی فی العالم ، وأستخدمت الأمم المتحدة صلاحیتها الممنوحة لمجلس الأمن الدولی فی الفصل السابع بسرعة فریدة وغیر مسبوقة وذلک عبر سلسلة قرارات وإجراءات لم تنتهِ بإخراج العراق من الکویت واستمرت مدة احتلال العراق فی نیسان / 2003 وتمثلت هذه الإجراءات برسم معاناة استمرت ثلاثة عشر عاما یمکننا قراءة ابرز ملامحها فی النقاط آلاتیة:
1-فرض نظام جزاءات دولیة شامل استمر لثلاثة عشر عاما ولم یسهم لبرنامج النفط من اجل الغذاء من التخفیف من وطأته.
2-تبنی نظام تعویضات بشکل غیر مسبوق أثقل کاهل الدولة العراقیة لفترة غیر منظورة ومستمرة حتى ما بعد الاحتلال.
3-تبنی برامج تفتیش عن مخزون العراق من أسلحة الدمار الشامل ، وبرامجها التطویریة، وتدمیر المخزون الإستراتیجی من هذه الأسلحة .
4-فرض مناطق حظر للطیران شمال وجنوب العراق أثرت فی سلطة الحکومة المرکزیة فی السیطرة الکاملة على إقلیمها وممارسة اختصاصاتها السیادیة علیه.
5-إجبار العراق على ترسیم حدوده مع الکویت وفق برتوکول یعود إلى العام 1963 وغیر مصدق علیه من الجانبین.
رسمت النقاط المذکورة فی إیجاد صورة سوداویة قاتمة عن الأمم المتحدة عند الشعب العراقی إذ جعل منها المسئول الأکبر عن کل المعاناة التی یکابدها الأمر الذی زاد تأثیره إیحاء حکومة بغداد السابقة بالهیمنة الأمریکیة التامة على الأمم المتحدة واستغلالها لرسم وتنفیذ سیاساتها الخاصة.
ثانیا : شرعیة الحرب على العراق
ما مدى شرعیة الحرب على العراق ، قدمت الولایات المتحدة أسباباً کالإرهاب وحیازة أسلحة الدمار الشامل وغمط حقوق الإنسان والاستبداد ، ورأت أن العراق یشکل تهدیدا على امن أمریکا ، ولذا فإنها فی حالة دفاع وقائی عن النفس ، ولکن هل یعرف القانون الدولی المعاصر الدفاع الوقائی ؟
أ – النظام القانونی لاستخدام القوة
وضع میثاق الأمم المتحدة فی المادة (2) فقرة (4) نظاما یمنع الدول من استخدام القوة أو التهدید باستخدامها فی العلاقات الدولیة وهذا الاستخدام أو التهدید ضد سلاسة أراضی الدول أو استقلالها أو على أی وجه أخر لا یتفق ومقاصد الأمم المتحدة ، وحدد (Hans Kelsen) هذه المادة بالتهدید أو بالاستخدام الفعلی هو متمثل أیضا فی أی خرق لأیة قاعدة من قواعد القانون الدولی العام الآمرة.
ولکن ورد على هذه القاعدة جملة من الاستثناءات تمثلت فی حالة استخدام مجلس الأمن الدولی لقراراته ضمن الفصل السابع وکذلک حالة الدفاع عن النفس الجماعی والفردی فی المادة (51) من المیثاق وکذلک الحالة الواردة فی المادة (107) من المیثاق ، المتمثلة باستخدام القوة عند تجدد السیاسات العدائیة من دول المحور – وهی معطلة بسبب انضمام هذه الدول لمیثاق الأمم المتحدة – وتحاول الولایات المتحدة ربط سلوکها بالمادة (51) ونظریة الدفاع الوقائی.
هل تفید المادة (51) حق الدفاع الوقائی؟
رکزت المداولات القانونیة فی مدلول المادة (51) هل هی کاشفة عن حق قدیم یعود للدول بناءاً على حقها فی صیانة ذاتها وهی بذلک تسمح للدفاع الوقائی ولا تمنع الدول من التصرف بصورة استباقیة وبالاکتفاء بالتهدید دون الحاجة إلى الاستخدام الفعلی للقوة ، أم هی مادة منشئة لحق جدید یعتمد شروط المادة (51) وخاصة شرط وقوع هجوم مسلح سابق وبردة فعل تالیة له.
لکل اتجاه مبررات قانونیة لا تخلو من الوجاهة القانونیة ، فرکزت المبررات الأولى فی مراعاة متطلبات الحفاظ على النفس بینما راعت الثانیة القیود القانونیة فی المادة (51) ، إن نقطة التوازن عند هاتین الفکرتین هی التی عملنا على إیجادها من خلال تقدیم الشروط آلاتیة لقبول الدفاع الوقائی.
أ-خطر ناتج عن تهدید غیر مشروع باستخدام قوة مسلحة فیه نیة عدوانیة ویستهدف مصلحة یحمیها القانون الدولی.
ب-لا یوجد سبیل لتفادی هذا التهدید إلا باستخدام القوة المسلحة.
جـ – وجود جهة قانونیة تفصل فی شرعیة تقدیر الدول لاستخدامها للقوة بصورة وقائیة.
ولا نجد أی انسجام للعملیة العسکریة الأمریکیة فی العراق ومتطلبات المادة (51) فی مسألة الدفاع عن النفس ولم یثبت وجود أی تهدید عراقی لأمن الولایات المتحدة الأمریکیة، وشکل هذا العمل عدواناً عسکریاً على دولة فی الأمم المتحدة وخرقا للقانون الدولی العام ولمقررات دولیة عدیدة صادرة عن الأمم المتحدة.
لم تتمکن الولایات المتحدة من استصدار قرار یسمح لها بالذهاب إلى الحرب وبذلک خاضتها بمعیة مجموعة من حلفائها الدولیین بعیداً عن الأمم المتحدة وفی 18/19/2003 وفی جلسة نقاش مفتوحة دعا مجلس الأمن إلى عدم الاندفاع إلى الحرب ودعا بعض الأعضاء مجلس الأمن الى الحفاظ على مصداقیته، وأکد الأمین العام على أن الحرب على وشک الاندلاع ودعا المنظمات الإنسانیة کافة للتهیؤ والتقلیل من المعاناة الإنسانیة فیها وفی 26/27/آذار / 2003 وفی جلسة نقاش مفتوحة أخرى لمجلس الأمن أکد ممثلو (68) دولة على عدم شرعیة الحرب لکونها انتهاکاً لمیثاق الأمم المتحدة وللقانون الدولی العام.
مثل موقف المتحدة السلبی من الحالة فی العراق واجهتین الأولى واقعیة فی عدم قدرة أعضاء الأمم المتحدة على مواجهة الولایات المتحدة الأمریکیة وغطرستها وثانیة قانونیة ارتبطت بامتلاک الولایات المتحدة لحق النقض وعجز مجلس الأمن قانونیاً عن اتخاذ أی إجراء ضدها ، وحتى هذه اللحظة بقیت الأمم المتحدة بعیداً عن العراق، وفی 8/4/2003 دعا الرئیس الأمریکی ورئیس الوزراء البریطانی فی مؤتمر صحفی مشترک الأمم المتحدة للإسهام فی جهود إعادة بناء النظام السیاسی فی العراق وجهود إعادة الاعمار.
أصدر مجلس الأمن قراره المرقم 1483 فی 22/5/2003 بعد رسالة تقدم بها مندوبو الولایات المتحدة وبریطانیا فی مجلس الأمن فی 9/5/2003 ووضحت الأمم المتحدة المرکز القانونی للقوات الأجنبیة فی العراق وکیفته بالاحتلال ، وطالبت باحترام هذا المرکز القانونی والقواعد القانونیة التی تحکمه فی مجال قوانین الحرب أو القانون الدولی الإنسانی على حد سواء .
إن سلبیة الأمم المتحدة فی التعامل مع الحالة العراقیة هی سلبیة فرضها واقع العلاقات الدولیة وواقع میثاق الأمم المتحدة الذی یمنح للدول الکبار حقوقاً أعلى من باقی الدول، فلیس علینا هنا مطالبة مجلس الأمن ومن خلاله الأمم المتحدة بتأدیة دور لا یمکنه إیاها میثاقها ولا واقع العلاقات الدولیة.
المطلب الثانی
تعامل الأمم المتحدة مع الحالة العراقیة
بعد صدور القرار 1483 أصدرت الأمم المتحدة مجموعة من القرارات القانونیة رسمت إطار التعامل مع العراق ومن خلال هذه القرارات برزت إلى الوجود بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق ونحاول فی هذا المطلب دراسة أهم هذه القرارات القانونیة ، وکذلک نوضح الهیکل التنظیمی لبعثة المساعدة فی العراق وعلاقتها مع قوات الاحتلال.
وضح مجلس الأمن الدولی فی قراره المرقم 1483 بعض النقاط المهمة فی الحالة العراقیة بعد 9/4/2003 ومنها.
1-طلب القرار من القوات المحتلة تحمل کل الالتزامات القانونیة التی تفرضها القوانین التی تنظم حالة الاحتلال بموجب القانون الدولی .
2-تعیین ممثل خاص للامین العام زود ببعض الصلاحیات والاختصاصات
وفی القرار (1500) تم تأسیس بعثة الأمم المتحدة لتقدیم المساعدة للعراق وتعرف اختصارا بـ(UNAM1) وحددت مهامها بمساندة الممثل الخاص للامین العام عند تأدیة المهام الواردة فی المادة (8) من القرار 1483 .
وفی القرار (1511) تم وضع جدولة زمنیة لبرنامج عمل سیاسی یبدأ باختیار حکومة وطنیة مؤقتة وبرلمان مؤقت یضع دستوراً دائماً ویدعو لانتخاب حکومة دائمة فی نهایة عام 2005، ویعد القرار 1637 فی 15/12/2005 من أهم القرارات فقد نص على.
-إنهاء سلطة الاحتلال القانونی للعراق وتحوله من احتلال قانونی (de jure)
إلى احتلال واقعی(de facto) 0
-استبدال سلطة الاحتلال بحکومة "وطنیة مؤقتة".
-تحول قوات الاحتلال إلى قوات متعددة الجنسیات موجودة "بناء على رغبة الحکومة العراقیة".
وأصدرت عدة قرارات أخرى نصت إما على تجدید ولایة بعثة المساعدة فی العراق أو نصت على تجدید وجود القوات متعددة الجنسیات بناء على طلب الحکومة العراقیة.
ثانیا : هیکلیة (UNAMI) فی العراق
نص القرار 1500 على تشکیل بعثة الأمم المتحدة لتقدیم المساعدة للعراق بینما حددت مهامها فی القرار 1483 وتحدیدا فی المادة (8) من هذا القرار وفیما یتعلق بالإطار الخاص بالبناء السیاسی یهمنا:
1-ما جاء فی المادة (20) فیما یتعلق بإعادة بناء وإنشاء مؤسسات الحکم الوطنی والمحلی وتشجیع المسار المفضی لقیام حکومة وطنیة ممثلة لجمیع الشعب العراقی.
2-ما جاء فی المادة (9) بتشجیع النصوص بالإدارة المدنیة وما جاء فی المادة (ز) بتعزیز حمایة حقوق الإنسان.
3-ما جاء فی المواد (ح، ط) ببناء قدرات الشرطة الوطنیة وإصلاح النظام القانونی والقضائی.
وفی المسار التنظیمی عین الأمین العام ممثلا خاصا به فی العراق وعین له مساعدین فی مجال الشؤون السیاسیة والمساعدة الإنسانیة ، ویرتبط بمکتب نائب الممثل الخاص بالشؤون السیاسیة إدارة تختص بـ
أ – الدعم السیاسی
ب – الدعم الدستوری والانتخابی
وهناک مکتب حقوق الإنسان الذی یرتبط بالنائب الخاص بتنسیق شؤون المساعدات الإنسانیة
ما هی حدود العلاقة مع قوات الاحتلال؟
عملت یونامی لفترة لیست بالقصیرة مع قوات الاحتلال وهذه المرة الأولى التی تعمل بها الأمم مع سلطة احتلال ومنذ بدایة تدخلها لبناء النظام السیاسی فی الکونغو، وأکد السید سیرجو دی میلو المبعوث الخاص السابق للامین العام فی العراق أن البعثة ستعمل بالتشارک مع قوات الاحتلال والوسط الدبلوماسی فی بغداد ، ولکن ما هذا التشارک ؟ لقد ترک هذا الموضوع دون تحدید وبعبارات فضفاضة وربما یعتمد على حسن النیة عند الطرفین ، وبعد صدور القرار 1637 یفترض بالتعامل أن یکون مباشراً مع حکومة العراق المؤقتة بعد انتهاء الاحتلال قانونیا ، ولکن لا یمکن إغفال الدور والنفوذ الأمریکی الکبیر فی العراق بعد الاحتلال من خلال سفیره فی العراق أو الزیارات المستمرة لأقطاب الإدارة الأمریکیة، وأکد السید أمین عام الأمم المتحدة أن القرار 1637 لم یضفِ ولن یضفی أیة شرعیة لاحقة على أعمال غیر قانونیة سابقة.
المبحث الثانی
دور یونامی فی العراق وتقویمه
تعدت مفاصل الدعم والمساندة التی تقدمها بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بتعدد المجالات المنصوص علیها فی المادة (8) من القرار 1483 وفی مجال بناء النظام السیاسی تقدم البعثة الدعم والإسناد فی المجال السیاسی والدعم والإسناد للعملیة الانتخابیة ولعملیة صیاغة دستور دائم وکذلک بناء مؤسسات تعزیز وحمایة حقوق الإنسان ورصد الانتهاکات الموجودة فی العراق ، ولم تکن مهمة البعثة یسیرة وسلسة بل تعرضت للکثیر من المصاعب والعراقیل مما اقر على حجم ونوع وفاعلیة دورها فی العراق ونعمل فی هذا المبحث على تبیان مفاصل الدعم فی بناء النظام السیاسی وأیضا فی تقویم هذا الدور وذلک عبر مطلبین.
المطلب الأول
دور یونامی فی بناء العملیة السیاسیة
یعد الإسراع بنقل السلطة والسیادة إلى الشعب العراقی الرکیزة الأساسیة التی یستند إلیها دور بعثة الأمم المتحدة فی العراق وضمن جدول زمنی محدد بمواقیت تنتهی بانتخابات فی نهایة 2005 تنبثق عنها حکومة دستوریة دائمة تمثل الشعب العراقی بمجموعه ، ومفاصل تقدیم هذا الدعم هی :
أنشأت بعثة الأمم المتحدة لتقدیم المساعدة للعراق مکتبا للدعم السیاسی إضافة إلى ما یؤدیه الممثل الخاص من جهد فی هذا المجال ویستند دور الأمم المتحدة فی تقدیم الدعم السیاسی إلى القیام بالمساعی الحمیدة بین أطراف العملیة السیاسیة فی العراق واعتماد الدبلوماسیة الهادئة.
وتنفیذا للقرار 1483 الذی طلب إلى الأمم المتحدة أن تأخذ دوراً ریادیاً فی إعادة بناء النظام السیاسی والاجتماعی فی العراق ، والوصول إلى مجتمع تتساوى فیه الحقوق والواجبات ، على أن تعمل بالتشارک مع المجتمع العراقی وسلطة الاحتلال ، وفی تقریره الأول المقدم إلى مجلس الأمن بناء على القرار 1483 بین الأمین العام للأمم المتحدة أن طریق الدعم السیاسی یعمل على إرساء الأمن والاستقرار من خلال جهود الحوار والالتقاء بین الإطراف العراقیة ، وتشجیع التوصل إلى الحلول الوسطى الذی ترضی جمیع الأطراف ، ویعمل فریق الأمم المتحدة فی هذا المجال على :
1-الالتقاء بالقادة السیاسیین والدینیین والتحاور والتشاور معهم للوقوف على وجهات النظر المختلفة فیما بینهم ولم تتوقف هذه الحوارات عند الشخصیات الموجودة على الأرض العراقیة ، بل شملت شخصیات خارج العراق.
2-الالتقاء بدول جوار العراق والدول الإقلیمیة فی منطقة الشرق الأوسط من اجل فیها على الإسهام فی استقرار العراق الأمنی والسیاسی ودعم الاعمار والمساعدات الإنسانیة.
3-الالتقاء بالدول المانحة وإطلاعها على آخر المستجدات على الساحة العراقیة والرؤى المستقبلیة وخطط واستراتیجیات الأمم المتحدة بشأن العراق.
4-دعم منظمات المجتمع المدنی الناشئة فی العراق وتدریب کوادرها وتقدیم الدعم الفنی والمالی ، ودراسة البرامج المقدمة منها وقبول المفید منها فی عملیة إعادة اعمار العراق سیاسیا واقتصادیا واجتماعیا
5-التأکد من شمولیة وکلیة العملیة السیاسیة فی العراق ، والعمل على ضمان استقلالیتها وشفافیتها.
وقدمت البعثة فی المجال السیاسی المشورة الفنیة فی شؤون الانتخابات وصیاغة الدستور ، وأسهمت بشکل فاعل فی عقد مؤتمر وطنی فی تموز 2004 لاختیار مجلس استشاری ، ویعمل على تقدیم الإسناد والدعم لإصلاح النظام القضائی والقانونی فی العراق وسیادة حکم القانون .
جرت عدة عملیات انتخابیة فی العراق وتم وضع دستور دائم للبلاد والاستفتاء علیه خلال مدة الاحتلال ، وقدمت بعثة الأمم المتحدة دعماً فنیاً ومادیاً فی هذه العملیات ویمکن قراءة هذا الدعم من خلال التفصیل الآتی.
أ-الدعم الانتخابی
طالب مجلس الأمن فی قراراته (1483 ، 1511 ، 1546) بعثة الأمم المتحدة بتقدیم المساعدة الانتخابیة ودعم العملیات الانتخابیة الجاریة فی العراق الهادفة إلى الانتهاء بحکومة دائمة مطلع عام 2006.
وتضمنت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق لجنة مساعدات فنیة فی مجال الانتخابات والتحضیر لها تعمل بمعیة اللجان والهیئات الوطنیة ، وتمکنت فی المرحلة الأولى من إجراء (20) عملیة انتخابیة* ، بعد المساهمة فی إنشاء مفوضیة وطنیة مستقلة ومن (43) خبیراً إذ قدم فریق الدعم الانتخابی:
1-التصمیم الإداری والقانونی لاختبار مفوضیة مستقلة للانتخابات فی العراق.
2-الإسهام فی صیاغة قانون انتخابی موحد ، وإنجاز قانون الکیانات السیاسیة ووکلاءها ومراقبیها ، وقانون لمراقبة الانتخابات ، والمصادقة على قوائم المرشحین.
3-إنشاء قاعدة للمعلومات تشمل سجلات الناخبین داخل العراق وخارجه.
وبانتهاء المرحلة الأولى من الانتخابات ، راجعت شعبة المساعدة الانتخابیة وبشکل شامل لکل التجربة الماضیة وعملت على تقییمها ووقفت على مکامن الضعف فیها وعملت على تجاوزها فی المراحل المقبلة التی عملت فیها على :
1-تعزیز وتطویر الجوانب الفنیة والإداریة عند کوادر المفوضیة الوطنیة المستقلة للانتخابات وفروعها فی المحافظات.
2-التشاور مع الحکومة وجهاتها المختصة لغرض إنجاز نظام انتخابی جدید ومراجعة سجل الناخبین وتجدیده.
3-تنسیق المساعدات الدولیة فیما یتعلق بالإسناد الانتخابی.
وتم إنجاز نظام انتخابی فی 8/8/2005 وساهمت البعثة فی إنجاز الاستفتاء على الدستور الدائم ، والانتخابات التی جرت فی 15/12/2005 ، وکذلک ساهمت فی إنشاء لجنة تحقیق وتدقیق فی نتائج الانتخابات الأخیرة التی أثارت لغطا کبیرا بین الإطراف السیاسیة بعد اتهامات بالتزویر وخرق لنظم الانتخابات ، وینتظر فریق الدعم الانتخابی الحلقة الأخیرة فی مسلسل الانتخابات العراقیة بإجراء انتخابات جدیدة لمجالس المحافظات فی النصف الأول من العام 2006.
ب-الدعم الدستوری
لم یعرف العراق استقرارا دستوریا طیلة النصف الثانی من القرن الماضی وتحدیدا بعد ثورة 1958 والإطاحة بالنظام الملکی فی العراق وإقامة الحکم الجمهوری ، وإلغاء القانون الأساسی لسنة 1925 ، وسیادة الدساتیر المؤقتة حتى 1970 الذی بقی دستوره المؤقت الذی وضع من قبل النظام الحاکم آنذاک إلى لحظة احتلال العراق فی 2003.
فی قراره المرقم 1546 فی 8/6/2004 ، فرض مجلس الأمن على بعثة الأمم المتحدة تقدیم المساعدة للعراق و "تشجیع الحوار وبناء التوافق فی الآراء على الصعید الوطنی بشأن صیاغة شعب العراق لدستوره الوطنی" ، وتم إنشاء مکتب للدعم الدستوری فی بغداد إضافة إلى مکتب دعم وإسناد إقلیمی فی العاصمة الأردنیة عمان ، وتضم هذه المکاتب خبراء دولیین متخصصین بالشؤون الدستوریة ولکن برز التحدی الخطیر المتمثل بوجود جدول زمنی محدد لإنجاز العملیة الدستوریة فی موعد أولی هو 15/8/2005.
عملت الأمم المتحدة على إرساء آلیات للمشارکة العامة فی صیاغة الدستور وکذلک ساهمت فی صیاغة الدستور ونصوصه من خلال تزوید أعضاء لجنة کتابة الدستور بمعلومات عامة وشاملة بخصوص مواضیع المساواة بین الجنسین والفدرالیة ودور الدین فی الدولة والعلاقة بین السلطات ومواضیع حقوق الإنسان والحریات العامة.
ومن ابرز المساعدات التی قدمتها البعثة للجنة کتابة الدستور:
1-اعتماد الدبلوماسیة الهادئة والمساعی الحمیدة لتقریب وجهات النظر وتحقیق التوافق بین أطراف العملیة السیاسیة فی العراق لغرض تحقیق إجماع وطنی.
2-تقدیم الخبرات الفنیة والعملیة فی المواضیع الإجرائیة والجوهریة عن الدستور ، وتقدیم دراسات معمقة ونصائح حول المواضیع العامة التی تثیر جدلا بین الأطراف المختلفة.
3-تعزیز الشمولیة والمشارکة الشعبیة فی عملیة کتابة الدستور وتوفیر المعلومات والتوعیة فی وسائل الإعلام المحلیة والدولیة وإقامة حوارات ونقاشات حول مواضیع أساسیة فی الدستور فی أماکن مختلفة من العراق.
ثالثا : تعزیز وحمایة حقوق الإنسان
تثیر مشکلة حمایة وتعزیز حقوق الإنسان الکثیر من المصاعب أمام بعثة الأمم المتحدة فهی تواجه ارث مرحلة سابقة یظن فیها الکثیر من العراقیین إنهم کانوا ضحایاها و افرازات مرحلة جدیدة یظن آخرین إنهم ضحایاها ، إضافة إلى مخاطر وتحدیات ناجمة عن عملیات عسکریة مستمرة تمثلت بعملیات المقاومة والاحتلال والعنف الطائفی والإرهاب المتفشی بینهما.
بینت المادة (8) من القرار 1483 مهام الأمم المتحدة فی تعزیز وحمایة حقوق الإنسان وحدد الأمین العام للأمم المتحدة هذه العمومیة بـ:
1-المحاسبة على انتهاکات حقوق الإنسان التی حصلت فی الماضی من خلال محاکم قضائیة مستقلة.
2-مراقبة حالة حقوق الإنسان فی البلاد وتحلیلها.
3-وضع خطة عمل وطنیة لحمایة حقوق الإنسان ، والعمل على إنشاء مفوضیة مستقلة بهذا الشأن .
4-نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعمیمها فی العراق وتقدیم المشورة والتدریب لموظفی الدولة على مبادىء حقوق الإنسان وتطبیقها.
5-دعم مؤسسات المجتمع المدنی العاملة فی مجال حقوق الإنسان والمرأة. وعلى المسار العملی نجد أن مجالات عمل البعثة ترکز فی:
أ – متابعة تطبیق القانون الدولی الإنسانی
منذ بدء العملیات العسکریة فی العراق ذکَرت الأمم المتحدة أطراف النزاع بوجوب احترام القانون الدولی الإنسانی وقانون الحرب وکافة القوانین والاتفاقیات الدولیة الأخرى المرعیة فی حالات الصراع المسلح ، وبعد احتلال العراق ذَکَرت الأمم المتحدة قوات الاحتلال بمسؤولیاتها المترتبة علیها بناء على قانون الحرب وقواعد الاحتلال.
وعلى المسار هذا شکلت البعثة فریقا متخصصا لتقدیم الدعم والإسناد فی الشؤون الإنسانیة والاستجابة للحالات الطارئة خاصة فی العملیات العسکریة الکبرى التی قامت بها قوات الاحتلال فی مناطق غرب العراق والتی تصنف بالمناطق الساخنة فی مدینة الرمادی والفلوجة والموصل وتلعفر وهی الأماکن التی تنشط بها عملیات المقاومة فی العراق، وتمثلت هذه الاستجابات بتقدیم مواد الإغاثة العاجلة والعنایة بالمصابین والحالات الإنسانیة.
وکذلک تتلقى البعثة التقاریر والحالات التی ترصدها منظمات المجتمع المدنی المحلیة والدولیة عن حالات انتهاکات حقوق الإنسان والاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الاحتلال والقوات المحلیة ، وطالبت بإجراء تحقیقات مستقلة ونزیهة ومحاسبة المتورطین فی جرائم انتهاکات القانون الدولی الانسانی فی سجون الاحتلال ومعتقلات الحکومة المؤقتة ، ولازدیاد عملیات العنف الطائفی والاغتیالات العشوائیة تعمل الأمم المتحدة من خلال بعثتها فی العراق على إنشاء مرکز وطنی لمعالجة ضحایا التعذیب وآخر للمفقودین.
ب- رصد حالة حقوق الإنسان
عانت حقوق الإنسان فی العراق انتکاسات خطیرة بسبب أوضاع الحروب السابقة والجزاءات الدولیة وتفشی البطالة والأوضاع الاقتصادیة السیئة وفی مرحلة ما بعد الاحتلال تحسنت حالة حقوق الإنسان فیما یتعلق ببعض الحریات العامة وبالذات حریة الإعلام، ولکن شهدت تراجعا اخطر فی اغلب نواحی حقوق الإنسان وخاصة ممارسة العنف ضد المرأة وانتهاکات أخرى تمثلت باستخدام السلطة بشکل شیء واستغلال قوانین الطوارىء فی البلاد لحالات احتجاز غیر قانونی واستخدام العنف فی نقاط التفتیش وغیرها.
وعملت الأمم المتحدة بالتعاون مع مکتب المفوض السامی لحقوق الإنسان ووزارات العدل وحقوق الإنسان العراقیة فی رصد وکشف وإنهاء بعض هذه الحالات وإجراء تحقیقات ومطالبة تلک الجهات بالتزام معاییر حقوق الإنسان المتفق علیها دولیاً وکذلک نشطت البعثة فی عقد مؤتمرات ونشر مطبوعات تعرف بمبادىء حقوق الإنسان ، وعملت دائما على تذکیر الحکومات العراقیة المؤقتة بمراعاة حقوق الإنسان وکذلک أدانت الأمم المتحدة إعادة العمل بعقوبة الإعدام فی العراق والتی عٌلقت من سلطة الاحتلال ، خصوصا وان لجنة حقوق الإنسان فی مؤتمرها بجنیف فی نیسان / 2005 أصدرت قرارا بإدانة تطبیق لحقوق الإعدام واعتبرتها مخالفة لمعاییر حقوق الإنسان ، وتعمل البعثة فی الفترة الحالیة على صیاغة قانون ینظم عمل المنظمات غیر الحکومیة وکذلک قانون إنشاء مفوضیة وطنیة مستقلة لحقوق الإنسان من المقرر أن تعرض على "البرلمان العراقی الدائم".
المطلب الثانی
تقویم دور یونامی فی العراق
ذکرنا أن هذه المرة الأولى التی تعمل الأمم المتحدة على بناء نظام سیاسی فی دولة بمعیة دول احتلال، إذ غالبا ما کانت تداخلاتها تکون بعد نهایة احتلال أو حالات ما بعد النزاعات الداخلیة ، کما أن تدخلها لبناء النظام السیاسی فی العراق جاء بعد انقسام خطیر فی المجتمع الدولی بعد بدء عملیات غزو العراق وجاءت أیضا بطلب سلطات الاحتلال، ولم یکن دور الأمم المتحدة فی العراق میسرا إذ حفت به جملة من المصاعب والمخاطر ورغم ذلک حققت الأمم المتحدة وبعثتها فی العراق بعض الإنجازات وان لم تصل إلى الدور المطلوب الذی یتناسب مع مکانة وقدرات المنظمة العالمیة الکبرى ونحاول عند تقویمنا لدور البعثة فی العراق تبیان الصعوبات التی واجهتها إضافة إلى ذکر بعض الحقول التی حققت إنجازات فیها وما یتطلبه دور الأمم المتحدة لیکون أکثر فاعلیة.
أولاً : الصعوبات على الأرض
لم یغیر التحول القانونی لقوات الاحتلال إلى قوات متعددة الجنسیات من نظرة الکثیر من العراقیین سواء العامة أو على مستوى النخبة السیاسیة على أنها قوات احتلال ، خصوصاً مع عدم تغیر شیء على الأرض من تخفیض تواجد لقوات الاحتلال أو انسحاب خارج المدن أو خفض لمعدلات العنف وعملیات المقاومة ، حتى بدأت النظرة عدوانیة لکل ما هو أجنبی واعتبر هدفا للعملیات المسلحة دون تفرقة بین أیة جهة بل إن معدلات العنف تزایدت حتى ضد القوات الحکومیة ولم تستثنَ الأمم المتحدة ولا وکالاتها العاملة فی العراق من هذا العنف وقد وجدت الأمم المتحدة کماً هائلاً من الصعوبات یمکننا إجمالها بالاتی:
1-النظرة السلبیة للأمم المتحدة
ترجع هذه النظرة إلى تراکمات المرحلة السابقة لاحتلال العراق ، وخصوصا الجزاءات طویلة الأمد التی خلقت معاناة کبیرة للعراقیین وهذا الأمر الذی اقر به الأمین للأمم المتحدة السید کوفی عنان فی تقریره الثانی المقدم إلى مجلس الأمن بناء على القرار 1483.
2-موقف الأمم من احتلال العراق
أثار عجز الأمم المتحدة القانونی والواقعی من العدوان على العراق استیاءاً کبیرا لیس فی العراق وحسب بل على مستوى العالم ، وثارت شکوک فی قدرة الأمم المتحدة على نزع فتیل الأزمات وکبح جماح الدول الکبرى، ورغم عدم شرعنتها للاحتلال إلا أن موقف الأمم المتحدة ، ظل واهیا وضعیفا قبالة الهیمنة الأمریکیة.
3- الوضع الأمنی
یزداد العنف فی العراق یوما بعد یوم ولم تتمکن الحکومات المتعاقبة من وضع حلول جدیة بل العکس نلحظه بازدیاد العنف مع تشکیل کل حکومة جدیدة ، ویعد الأمن المطلب الرئیس فی العراق إذ لا تقدر أن توفره لا الحکومة العراقیة ولا القوات المحتلة حتى لنفسیهما ، ونال الأمم المتحدة حظ وافر من العملیات المسلحة أبرزها تفجیر مقر الأمم المتحدة فی بغداد فی 19/8/2003 إذ قتل فیه (22) موظفا ضمنهم المبعوث الخاص للامین العام (سیرجو دی میلو) وأثر هذا الانفجار فی فاعلیة دور الأمم المتحدة فی العراق وسبب غلق مکاتبها فی المحافظات العراقیة ولا سیما الحلة والبصرة والموصل، وکذلک انتقالها إلى المنطقة الخضراء مما اثر فی التماس المباشر مع الشعب العراقی الذی وجدت البعثة لتقدیم المساعدة له وافرز الوضع الأمنی المتدهور فی العراق مخاطر وصعوبات جدیدة على عمل الأمم المتحدة فی العراق وتمثلت هذه المخاطر بـ:
1-صعوبة التنقل ومحدودیته وخاصة ما یتعلق بالجهود الإنسانیة والحالات الطارئة مما دعا الأمم المتحدة إلى الاعتماد بشکل کامل على النقل الجوی توفره لها قوات الاحتلال.
2-المناطق الساخنة التی تجری فیها عملیات عسکریة شبه دائمة وتزداد فیها نشاطات المقاومة العراقیة فی مناطق الانبار وتل عفر وغیرهما ، ولم تمنع الأمم المتحدة من دخول هذه المناطق ولکنها دائما ما کان یشار إلیها بالمناطق غیر مضمونة العواقب.
3-ترتب على تدهور الوضع الأمنی بروز الجریمة المنظمة وعملیات الاختطاف ضد الأجانب* أما لوضع ضغوط سیاسیة أو لدواعٍ إجرامیة بحتة وکذلک عملیات السلب والنهب وتعرضت الأمم المتحدة لهذه العملیات خصوصا الشاحنات التی تحمل المساعدات الإنسانیة.
أثرت النظرة السلبیة والصعوبات الأمنیة بشکل کبیر على حجم وفاعلیة دور بعثة الأمم المتحدة فی العراق وتم تقلیل عدد موظفیها بشکل کبیر وتم غلق العدید من مکاتبها هی والوکالات العاملة معها فی العراق ، واقتصر وجودها داخل المنطقة الدولیة – المنطقة الخضراء – وأصبح التماس مع الشعب العراقی شبه معدوم وأصبح التعاون والتشاور مقتصراً على الجهات الرسمیة فی العراق والأحزاب والشخصیات السیاسیة ، عبر منافذ الدبلوماسیة الهادئة والمساعی الحمیدة وتقدیم الدعم الفنی والمادی للجهات الرسمیة ومنظمات المجتمع المدنی ، لقد أجرت الأمم المتحدة معادلة بین أهمیة وجدوى الدور الذی تؤدیه فی العراق وبین حیاة الموظفین العاملین فی بعثتها ، ومع تقلیل حجم موظفیها من (400) موظف عام 2003 إلى (30) بعد هجوم 19/8/2003 ازداد هذا العدد إلى (64) موظفا دولیا وبعد غلق جمیع مکاتبها فی العراق وانتقالها إلى المنطقة الدولیة قامت الأمم المتحدة مؤخرا بفتح مکاتب اتصال فی محافظات البصرة واربیل جنوب وشمال العراق على التوالی.
وضعت الأمم المتحدة استراتیجیة متکاملة لتقدیم المساعدة للعراق وتعددت مفاصل هذه الاستراتیجیة وتنوعت وامتازت بوضوح الأهداف ویتکون الفریق القطری للأمم المتحدة من (16) هیئة وبرنامج تابع لها فضلاً عن هیئات مرتبطة بها ویتم التنسیق فیما بینها من خلال بعثة الأمم المتحدة لتقدیم المساعدة إلى العراق ولکن حدت الصعوبات والمشاکل التی ذکرناها من فاعلیة دور البعثة والأمم المتحدة ومع ذلک تمکنت الأمم المتحدة من تحقیق العدید من الإنجازات الطیبة ففی ما یتعلق بالبناء السیاسی ساهمت الأمم المتحدة وعبر بعثتها فی العراق من :
1-إنشاء مفوضیة مستقلة للانتخابات* عملت بالتعاون مع البعثة الدائمة فی إجراء انتخابات لاختیار جمعیة وطنیة مؤقتة ثم أجرت استفتاء على الدستور الدائم وانتخابات لاختیار حکومة دائمة .
2-ساهمت فی عملیة صیاغة الدستور عن طریق تقدیم الدعم الفنی لبعض القضایا المثیرة للجدل وکذلک عن طریق التوعیة الشعبیة بالمفاهیم الدستوریة والمعاییر الدیمقراطیة العالمیة دون إهمال الخصوصیة المحلیة.
3-تعزیز وحمایة حقوق الإنسان من خلال توعیة الکوادر الوطنیة بمبادیء حقوق الإنسان وتعریف الجمهور بهذه المبادىء وکذلک رصد حالات انتهاکات حقوق الإنسان سواء من قوات الاحتلال أو الجهات الحکومیة.
4-دعم منظمات المجتمع المدنی الناشئة فی العراق وتقدیم العون الفنی والمادی لها وتوفیر دورات تدریبیة لکوادرها.
تمکنت أیضاً وبمشارکة المنظمات والوکالات الدولیة العاملة فی العراق من تقدیم عدة إسهامات مهمة - فی ظل المصاعب التی تعانیها فی العراق- خاصة ما یتعلق بالمجالات آلاتیة:
1- التعلیم والثقافة ومجالات التربیة.
2- مجال الزراعة والأمن الغذائی.
3- إعادة تأهیل البنى التحتیة والمتضررة بفعل الحرب .
4-وقدمت الأمم المتحدة مساعدات فی توطین اللاجئین والنازحین داخلیا بسبب العملیات المسلحة فی العراق .
ثالثا : قراءة لمستقبل أفضل
ساهمت الأمم المتحدة فی بناء دول عدیدة وتحدیدا من تجربتها الأولى فی جمهوریة الکونغو فی العام 1960 وکتب لهذه المساهمات بعض النجاحات والفشل، ولکی تنجح تجربة الأمم المتحدة فی العراق وفی ظل الواقع الموجود على ساحة هذا البلد فإننا نجد أن هناک بعض الخطوات التی تساعد فی رسم مستقبل أفضل للأمم المتحدة فی بناء العراق سیاسیاً ومن ثم اقتصادیاً واجتماعیاً وهذه الخطوات تکمن فی :-
1-تأکید الدور القیادی للأمم المتحدة
یجب أن تکون جهود إعادة الاعمار والبناء السیاسی فی العراق تحت قیادة الأمم المتحدة وتکون هذه القیادة مستقلة بشکل صحیح عن ضغوطات ومطالب دول الاحتلال فی العراق، ولا نعنی بذلک أن تکون سلطتها فوق سلطة الحکومة العراقیة بقدر ما نرى وجوب أن تکون خطط الاعمار والمساعدة السیاسیة ملبیة لواقع المجتمع العراقی وآتیة من خطط تقنیة محضة لا تستجیب لرغبات أی طرف سیاسی داخلی أو خارجی .
2-إعادة بناء الثقة
إن الطریق لتغییر انعکاسات المراحل السابقة للعلاقة بین الشعب العراقی والأمم المتحدة فی إعادة بناء الثقة بینهما ویکون ذلک بتأکید مصداقیتها واستقلالها عن هیمنة وأهداف اللاعبین الکبار فی مجلس الأمن الدولی وتحدید الولایات المتحدة والمملکة المتحدة، وتأکید أن هدفها هو خدمة الشعب العراقی ومصالحه لا غیر.
3-العمل على رحیل القوات المحتلة
رغم تبدل تسمیة القوات المحتلة بالقوة المتعددة الجنسیات إلا إن ذلک لم یغیر فی واقع الأمر شیئاً، فماذا یعنی وجود (150) ألف جندی على ارض دولة ثانیة ، ومع تغییر الاستراتیجیة الجدیدة للحکومة الامریکیة مطلع (2007) قد یزید العدد الى نحو (180) الف جندی ، إذ ما زال الکثیر ینظر إلى هذه القوات على أنها قوات احتلال ونجد فی جدولة زمنیة لخروج القوات الأجنبیة متزامنة مع بناء قوة امن وطنیة حقیقیة عاملاً مهماً فی تحقیق الاستقلال الفعلی واستعادة السیادة الکاملة ، ودور الأمم المتحدة یکمن فی برمجة خروج هذه القوات على نحو یکفل تحقیق الأمن والاستقرار فی العراق.
4-احتواء الاحتقان الطائفی
الطائفیة هی أمر جدید لم یألفه الشعب العراقی ویؤکد الکثیر انه من وضع الاحتلال وسیاساته الخاطئة فی العراق ، وتحدیداً منذ إنشاء ما سمیَ بمجلس الحکم الذی بنی على أساس طائفی وعنصری ، إذ وضعت البلد على هاویة الحرب الأهلیة ، ونجد أن الأمم المتحدة یمکن لها احتواء الاحتقان الطائفی عبر منافذ الدبلوماسیة الهادفة والمساعی الحمیدة ولَمّ شمل العراقیین من خلال تأکید الهویة العراقیة ، والتعاون مع القیادات الدینیة المعتدلة فی البلد والأطراف السیاسیة ذات التوجه الوطنی والعمل على بناء جیش وطنی قوی وحل الملیشیات التی تعد بمثابة الصاعق لانفجار الوضع فی البلاد.
5-المساهمة فی تعدیل الدستور العراقی
ترک الوقت المحدد لکتابة الدستور أثره فی ولادة دستور غیر مرضٍ لجمیع العراقیین وضمن مادة تسمح تعدیله فی الأشهر الستة الأولى من عمر البرلمان الدائم ، وللأمم المتحدة الإسهام فی تضییق فجوة الخلاف فی المسائل المتعلقة بالفدرالیة والثروات ومنح الجنسیة عن طریق تقدیم الخیارات القانونیة الملائمة لطبیعة المجتمع العراقی.
6-خطوات أخرى
على المستوى الواقعی یعانی الفرد العراقی عدا مشکلة الأمن مشاکل اقتصادیة واجتماعیة تتعلق بنقص الغذاء والطاقة وانتشار ظاهرة البطالة واستفحال الفساد الإداری، ویمکن للأمم المتحدة عن طریق الإسهام فی حل هذه المشاکل تقدیم خدمات یستشعر بها الفرد العراقی وتکون ذات فائدة عملیة له.
الخاتمة :
حاولنا من خلال هذا البحث الاحاطة بدور الأمم المتحدة فی عملیة إعادة بناء العملیة السیاسیة فی العراق فی أعقاب الغزو الأمریکی فی نیسان 2003، وشخصنا الاتجاه السلبی عند أفراد الشعب العراقی فی التعامل والموقف من الأمم المتحدة لسوء التجربة التی تعود لمراحل ما بعد العملیات العسکریة العراقیة فی الکویت عام 1991 ، وسلبیة الأمم المتحدة من الممارسات الأمریکیة والبریطانیة منذ تلک الفترة إلى ما بعد الاحتلال .
وتوقفنا عند موقف الأمم المتحدة بأجهزتها الرسمیة وکذلک میثاقها من شرعیة الحرب على العراق وحددنا أسباب سلبیة موقف الأمم المتحدة من هذه الحرب ، وحاولنا إعطاء مبررات واقعیة لتدخل الأمم المتحدة فی العراق بعد الاحتلال وکیفناه على انه ضرورة واقعیة جاءت لتقلیل النتائج الکارثیة لهذه الحرب ومحاولة تخفیفها ، وبینا أیضا القرارات القانونیة الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن العراق وکیفیة تشکیل بعثة الأمم المتحدة لتقدیم المساعدة للشعب العراقی وعلاقة هذه البعثة بکل من المحتل والشعب العراقی والحکومات المتعاقبة بعد الاحتلال دون الخوض فی شرعیة کل من العملیة السیاسیة ومدى مطابقتها للشروط والمعاییر الدولیة .
ودرسنا کیفیة تشکیل البعثة وأقسامها العاملة فی العراق مع الترکیز الکامل على ما تعلق منها فی المسار السیاسی فی تقدیم الدعم الدستوری والانتخابی والدعم السیاسی وکذلک مراقبة تطورات حقوق الإنسان فی العراق وتوقفنا عند الصعوبات التی واجهت عمل الأمم المتحدة فی العراق ما تعلق منها بالمعرقلات الأمنیة أو الفنیة وغیرها وحاولنا تقدیم افتراضات وتوصیات نرى جدواها فی تطویر وتعزیز مصداقیة الأمم المتحدة ودورها فی العراق .
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English)
Sources in Arabic:
1 - Tim Nabluk Sanctions and Outcasts in the Middle East (Iraq - Libya - Sudan) Center for Arab Unity Studies - Beirut - 2001.
2 - Jeff Simmons - Abuse in Iraq (Sanctions, Law and Justice) - Center for Arab Unity Studies - Beirut - 1998.
3 - Raad Kamel Grandma - Constitutional Developments in Iraq House of Wisdom, Baghdad, 2004.
4. Abdul Aziz Al-Khattabi, Preventive Defense in Public International Law, Master's Thesis,
Faculty of Law, University of Mosul, 2004.
5. Mohamed Mahmoud Khalaf, Forensic Defense in International Criminal Law, Arab Renaissance House, Cairo, 1973.
Second: Sources in English:
6. Hans Kelsen, The Law of the United Nations, Oxford, London, 1950.
7. james Dobbins and other, The UN Role in Nation - Building (From Congo to Iraq) in website www.rand.org.
8. Ian Brownlie, International Law and The used force by state, Oxford, London, 1962.
9. Iraq Reconstruction and the Role of the United Nations Report in website www.oxfam.org.
Third: United Nations Documents:
Decisions
1483 Document S / RES / 1483
1500 Document number S / RES / 1500
1511 Document S / RES / 15
1546 Document S / RES / 1546
1637 Document S / RES / 1637
Reports and press conferences
1. Reports of the Secretary-General submitted to the Security Council pursuant to resolution 1483
First report Document No. S / 2003/715
Second report, document S / 2003/1140
Fifth report Document No. S / 2005/585
2. The annual summary of the Security Council's activities concerning Iraq, www.un.org.arbic.
3. Press conference by the Secretary-General of the United Nations and Special Representative Sergio de Mello at www.un.orq.arbic / search
IV. Publications for the United Nations Assistance Mission for Iraq:
1. Mission Voice - bi-monthly bulletin
First issue - 15/12/2005
Second Issue - 15/3/2006
2. Humanitarian Affairs Bulletin, December 2005, January 2006
And the month of February 2006
3 - Working Together for Iraq - Issue 1 - May, 2004
Second Issue - October, 2004
Third issue - June, 2005
Fifth: Laws:
The Constitution of Iraq in force